هناك مشاكل كبيرة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها في تكوين الاركان وأسلوب عملها وتقصيرها الكبير في مهامها العسكرية. وأنا من الذين لم يخفوا لحظة أنها ليست هيئة أركان حقيقية، ولكنها غرفة لتمثيل بعض القوى التي اتفقت الدول على جمعها لتنظيم الدعم والاشراف على توزيع الذخيرة.
والاركان مسؤولة بالتأكيد عما حصل حتى الآن على ارض المعركة، سواء لعجزها عن تكوين قيادة مركزية حقيقية للقوى المقاتلة مع الثورة، أو تلبيتها لحاجات المقاتلين والجبهات من السلاح والذخيرة.
والمسؤول عن ضعف الأركان ليس المعارضة السياسية، الممثلة بالائتلاف أو بغيره، فهي لم تكن وراء تشكيل الاركان، ولا ساهمت فيها ولا سمعت بمشروع تكوينها قبل أن تولد. وإنما الدول الممولة التي اجتمعت تحت ضغط الاحداث من أجل تنسيق العمل العسكري. ووجه عملها تقاسم النفوذ من خلال توزيع المقاعد على قادة الكتائب التي تتعامل معها. وهكذا ولدت الاركان هيئة شكلية تستجيب لأمرين: عدم رغبة الدول الممولة في ايجاد قيادة عسكرية وطنية جدية وفعلية، ورفض قادة الكتائب التي قبلت الصيغة الشكلية الاتحاد والخضوع لقيادة مركزية واحدة.
هذه هي العاهة الولادية للاركان. ولم تنفع محاولات المعارضة في الضغط عليها لإصلاحها، لأن الاركان والمجلس العسكري لا يخضعان لها ولا يدينان لها بشيء، لا بالتشكيل ولا بالتمويل ولا بالتسليح. وهذا الوضع نفسه لم يكن عفويا ولكن مقصودا.
كان الرهان ولا يزال على القادة الذين يتكون منهم المجلس العسكري كي يدفعوا إلى تطوير الصيغة الشكلية والعمل على تحويلها إلى هيئة أركان فاعلة. وقد رفض هؤلاء التطوير لأنه كان يحتاج إلى التعاون مع الضباط الكبار المنشقين، وادماجهم بشكل أو آخر في القيادة العسكرية. وربما شعروا بأن إدخال عسكريين محترفين يمكن أن يحمل مخاطر على نفوذهم ومواقعهم داخل الجيش الحر، ويقلل من استقلاليتهم وسيطرتهم الكلية على كتائبهم وألويتهم التابعة لهم شخصيا في معظم الاحيان.
وفي الحقيقة هذه هي الأسباب التي أفشلت كل محاولات المعارضة السياسة دمج العسكريين المنشقين في كتائب الثورة المقاتلة، أي الخوف من المنافسة والرغبة في الحفاظ على استقلال كل كتيبة، وبالتالي احتكارها لموارد الدعم المرتبطة بهذه الدولة أو تلك.
وهذه هي الاسباب التي منعت الكتائب أيضا من الاتحاد والاندماج، وتكوين قيادة موحدة، من داخل صفوفها، وبشكل مشتقل عما نسميه المعارضة الخارجية أو الداخلية.
كل هذا واضح، ويفسر ما نحن فيه.
المطلوب اليوم ليس تكرار الشكوى من المتدخلين وفشل المعارضة وندب حظنا، وإنما رفض الواقع الفاسد والسعي إلى التغيير والتفكير في كيفية إصلاح هيئة الأركان والوضع العسكري عموما لتحقيق المهام المطلوبة، وتعزيز قدراتنا العسكرية ووقف المجازر والاعدامات الميدانية للأطفال والنساء، كما حصل امس في النبك، من دون عقاب.
لن يفيدنا كثيرا أن نقسم قوانا المقاتلة بين جيوش متنازعة ومتخاصمة ومتنابذة، إسلامية وغير إسلامية بينما نحن بأغلبيتنا مسلمون. هذا ليس خطأ عسكري فحسب، ولكنه ضرب لأي مشروع وطني. ولا يعني ذلك أن يتخلى الاسلامي عن أفكاره أو العلماني، إذا وجد، عن علمانيته، فالمطلوب في هذه المرحلة ليس أن نربح المعركة الفكرية داخل صفوف الثورة وبين تياراتها المختلفة، وإنما أن نحمي شعبنا ونحرر بلادنا من نظام القتلة والمجرمين المحترفين، وبأسرع وقت. ولا أمل لنا بذلك إلا بتوحيد قوانا جميعا، أعني جميع من يقف ضد هذا النظام ويسعى إلى التخلص منه، بصرف النظر عن اعتقاداته وأحلامه وتطلعاته. وانا لا أستثني هنا أحدا من الثوار والمنشقين الذين خسرنا طاقاتهم حتى الآن من دون أي سبب ولا مبرر، وحرمنا أنفسنا من خبراتهم ومعرفتهم بالأرض والنظام ومهنة السلاح.
ولدينا سابقة في هذا التغيير من سيرة منظمة التحرير الفلسطينية التي شكلتها الدول العربية من دون مشاركة القوى الفلسطينية المقاتلة، لكنها تحولت بعد أن دخلت فيها فتح والمنظمات الفلسطينية الشعبية، إلى منظمة وطنية تمثل الشعب الفلسطيني وتجمع أغلب قواه الثورية.
قد يكون إصلاح الاركان من الأمور المستحيلة بالفعل. لكن إذا كان هذا استنتاجنا الأخير، فليس الحل في أن نشتت قوانا خارج الأركان وننقسم إلى جيش إسلامي وجيش غير إسلامي وإنما أن ننشيء هيئة أركان جديدة واحدة تقود القوى المقاتلة الثورية بصرف النظر عن اتجاهاتها الفكرية. وإذا كنا نشعر أننا أكثرية إسلامية فلن يضيرنا أن نعمل مع غيرنا، بل سوف تكون سيطرتنا على هذه الهيئة العسكرية الموحدة قوة إضافية لنا. ورفض ذلك يعني أن نقبل بأن تكون هناك جيوش مختلفة ومتنازعة وهيئات أركان متضاربة، وهذا ما هو قائم اليوم، وهو أصل الضعف والفوضى وإرساء أسس تفكيك وطننا الواحد وتحويله إلى إمارات وممالك ومناطق نفوذ خاصة وأجنبية.
والحل ليس صعبا. وكنت قد اقترحت على المعارضة والائتلاف أن تتم دعوة كبار ضباط الجيش المنشقين والمخلصين، ودعوتهم لوضع مشروع لدعم تشكيل أركان فاعلة وقيادة مركزية وتواصل وترابط بين الكتائب والتشكيلات المقاتلة، يسمح لها بالتعاون للعمل حسب خطة تحرير واحدة وواضحة. ثم دعوة القادة الميدانيين للكتائب إلى اجتماع مع الضباط الكبار لمناقشة المشروع وتعديله إذا كانت هناك ضرورة لذلك. وبعد الاتفاق عليه يطالب الجميع بالالتزام به، وتشكيل القيادة العسكرية من الضباط المحترفين والميدانيين، لكن على أسس عسكرية محترفة، لتنفيذ خطة العمل العسكري المدروسة والمتفق عليها.
هكذا نستطيع أن نتجاوز الاركان الشكلية التي فرضت علينا من دون أن نزرع المزيد من الانقسام داخل صفوفنا، كما نستطيع أن نفرض إرادتنا نحن كسوريين على الدول الداعمة لنا، وتلك التي تستغل نقاط ضعفنا لتوسع مناطق نفوذها في بلدنا وعلى حسابنا. إذا سرنا في مثل هذا الطريق لا يعود موضوع ترك الأركان الشكلية وارادا أو ذا أهمية. لكن إذا كان تركها يهدف إلى الانفراد والانقسام والتشتت، فبقاؤها الرمزي أفضل من زوالها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire