lundi, octobre 28, 2002

الشورى والديمقراطية رؤية عصرية

مؤسسة الفكر العربي القاهرة 29 اكتوبر 2002

هناك علاقة تلازم حتمية بين النظام السياسي والنظام الاجتماعي. ذلك أن كل نظام سياسي هو علاقة قوى تضمن إعادة انتاج توزيع السلطة المادية والمعنوية.
ولا شك أن النظام الاجتماعي مزتبط أيضا بالنظام الاقتصادي. لكن من الممكن تغيير النظام الاقتصادي سياسيا وفكريا وبالتالي تغيير النظام الاجتماعي. هذا هو دور الحركات التغييرية التي تفترض حصول طفرة في الوعي وقوة في الإرادة نتيجة تراكم الخبرة والمعرفة في التاريخ والتي يعاد من خلالها صهر الشعوب وإعطائها وجهة ومعنى وتزويدها بمباديء وقيم وغايات تجعلها لا تعيش كما تعيش التجمعات الحيوانية سجينة منطق الصراع الهمجي الدائم أي كمجتمعات طبيعية ولكنها تحولها إلى مجتمعات عقلية أي مسلمة لمنطق العقل الذي يجعلها تسيطر على نفسها ونزاعاتها الداخلية ويوحد سلوكها وينشر التناغم والانسجام في صفوفها فتتحول إلى نظام حي يتميز بالاتساق والتضامن والتفاعل الايجابي. فجوهر هذه العملية كلها هو تحرر الجماعات من منطق الصراع الوحشي غير الواعي الذي يحل محله منطق الوعي والإرادة وتقرير المصير.
ولا شك أن من الصعب القول إن مجتمعاتنا قد خرجت نهائيا من المنطق الطبيعي الوحشي وانها بدأت تخضع في سلوكها الجمعي وفي تقرير مصيرها إلى الوعي والإرادة الحرة المختارة. ولا يزال الكثير منها يعيش على قاعدة القوة الوحشية ومنطق العنف الأشد الذي يحدد الرابح والخاسر فيها كما يحدد مصير السياسات المطبقة ونوعيتها. ولا يتجلى هذا المنطق الطبيعي في سيطرة القوى العسكرية المدججة بالسلاح على النخب الحاكمة في أغلب البلاد العربية فحسب ولكن أكثر من ذلك في سيطرة أصحاب المصالح الكبرى الاقتصادية أو السياسية أو الدينية. إن الفرد هو الوحيد الذي لا خيار له ولا إرادة. وما دامت المجتمعات غير قادرة على توفير مثل هذا الاختيار وممارسة الإرادة الحرة لدى الأفراد الذين يكونونها فليس هناك ولا يمكن أن يكون هناك منطق آخر يحكمها سوى منطق القوة والعنف الأشد.

لذلك يمكن القول إن النظام الاجتماعي الموجود اليوم في البلاد العربية هو ثمرة التنازع الحر على الموارد من دون توسط عقلي أو سياسي أو أخلاقي. ونحن نعيش بالتالي، وبسبب انعدام هذا التوسط العقلي والسياسي والأخلاقي، أي بسبب استمرار خضوعنا لمنطق القوة لا لمنطق العقل والتفاهم في إدارة شؤوننا العامة وبناء العلاقات التي تربط بيننا، في مجتمعات وحشية يفتك فيها القوي بالضعيف لا في مجتمعات متمدنة أو مدنية.

الطبقات الموجودة طبقات مفترسة وافتراسية لا يمكن أن تقوم بالديمقراطية أو تطمح إليها.

النظرية الغربية السائدة المستمدة من التجربة الأوروبية الامريكية تقول إنه مع نمو القطاع الخاص والليبرالية الاقتصادية لا بد أن تنشأ ليبرالية سياسية ويزيد الاتجاه نحو الديمقراطية. فالديمقراطية هي من إنتاج الطبقة الوسطى.

في الواقع نوعية القطاع الخاص والطبقة التي يفرزها في البلاد النامية والتي تعتمد في وجودها على المضاربة والسيطرة السياسية كيما تعوض فرق القيمة في الاستثمار بالمقارنة مع الرأسماليات السائدة لا يمكن أن تتماشى مع الديمقراطية.

الديمقراطية لا أساس عميق ليها إذن في مجتمعاتنا بعد اللهم إلا إذا نجحنا في الخروج من نظام التوزيع القائم حاليا نحو نظام إنتاجي يكون في التنافس على النوعية ومردود العمل أقوى للوصول إلى النتائج الاقتصادية والسياسية من استخدام منظق التلاعب والقوة المادية والعسكرية. وهذا يحتاج إلى اقتصاد لديه الحد الأدنى من الاستقلال والديناميات الداخلية. وهذا يتطلب اقتصادا كبيرا وسوقا واسعة في منظور منظق الاستثمار ومردوده في الحقبة الراهنة. وهو ما يستدعي إذن تغييرا أيضا في البنية الجيوستراتيجية.

لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نخرج من نظام الشمولي الذي يعامل الناس كالحيوانات ويكرشهم كرشا ولا يترك لأحد مجالا للقول أو المشاركة. فبين العشق والاغتصاب هناك امكانيات أخرى عديدة. فهناك زواج العقل وزواج المصلحة وزواج القرابة وزواج المتعة وزواج المسيار الجديد بل وزواج التجحيش. وكل هذه الزواجات تلتقي في شيء واحد وهو أن هناك قاعدة تقوم عليها ويعرفها الطرفان منذ البدء وهي قاعدة قانونية.
وكل هذه الزواجات ممكنة ومقبولة ومفضلة على الاغتصاب بما في ذلكك زواج التجحيش الذي بدأ يسود في بعض الاقطار. حيث يزوج الشعب برلمانا لا قيمة له على الاطلاق ولكن فقط للكيد من الزوج الحقيقي وقطع الظريق على النخب الوطنية.

وفي اعتقادي أن نمط الحكم السائد في العالم العربي ليس له أي مبرر لا أمني ولا غير أمني. فلا شيء يمكن أن يفسر محاكمة شخص عشر سنوات على تعرضه بالنقد للأوضاع الاجتماعية المزرية إلا الثقافة السياسية البدائية أو بالأحرى انعدام أي ثقافة سياسية لدى العديد من النخب الحاكمة والأشخاص الذين استولوا على الحكم بطرق لا شرعية واستيلائية واستفادوا من ظروف خاصة واستثنائية خارجية وداخلية.

أن الجهل والأمية والوحشية الكامنة في فئات بقيت خارج الحضارة والتاريخ لعقود طويلة هو الذي يفسر التدهور الخطير الذي أصاب قيم الممارسة السياسية في البلدان العربية وقضى على روح المدنية لصالح انماط سيطرة وحشية وحيوانية بالمعنى الحقيقي للكملة وليس المجازي, أي لا مرجع لها سوى القوة المادية المجردة.

إن المجرم الحقيقي ليس ذاك الذي انتقد الدستور ولكن حامي الدستور الذي قبل بأن يقضي على حياة إنسان ويرمي به في السجن الأبدى لا لشيء إلا لأنه تحدث عن ضرورة تغيير الدستور أو إصلاح مواده اللاعقلانية.

lundi, octobre 14, 2002

الكتاب خير جليس أزمة المثقفين العرب

كتاب " أزمة المثقفين العرب

مقدم الحلقة: خالد الحروب
ضيوف الحلقة: د. برهان غليون: مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون- باريسد. هشام شرابي: جامعة جورج تاونتاريخ الحلقة: 14/10/2002
قناة الجزيرة
- تصنيف المثقفين العرب ومدى تطبيقه على الواقع- تأثير الحداثة على دور المثقفين العرب- طبيعة علاقة المثقف بالسلطة- دور المثقف العربي بين الواقع والمثالية- أزمة المثقف العربي في دوره كجسر بين الثقافات

خالد الحروب: أعزائي المشاهدين، أهلاً وسهلاً بكم إلى هذه الحلقة من برنامج (الكتاب) "أزمة المثقفين العرب" هذا هو عنوان جليس هذا اليوم، وهو كتاب من تأليف المفكر العربي هشام شرابي.الكتاب يحتوي على نصوص حول دور المثقفين العرب، وحول الحداثة وصدمتها، وحول المجتمع الأبوي وأزمة الخطاب العربي العلماني وغير ذلك من قضايا.البروفيسور هشام شرابي معروف للقارئ العربي والغربي بكتاباته حول هذه الموضوعات وهو الذي ظل يهجس بها عقوداً من الزمن، أحد كتبه الأولى عن المثقفين العرب والغرب والذي صدر عام 1970 احتل موقعاً مركزياً في الأدبيات التي تتحدث عن دور المثقفين ورواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كتب أيضاً عن بنية المجتمع العربي وانتقد ما سماه نمط الأبوية أو البطركية السائد في هذا المجتمع والذي يعتبره جذر كثير من التخلف الذي يسم هذا المجتمع، حتى صارت لفظة المجتمع العربي الأبوي ملازمة لهشام شرابي. لكن من هو المثقف العربي وما هو تعريفه؟ أهو المتعلم المطلع أم هو المثقف الأيديولوجي المبشر بمشروع للتغيير أم هو المدافع عن تطلعات الشعب ضد قمع الأنظمة، أم هو الجسر الواصل بين الثقافات الخارجية والثقافة المحلية؟ وأيضاً من هو مثقف الشعب ومن هو مثقف السلطة؟ وهل بالضرورة أن يتصف الأول بالنضالية والثاني بالتبعية؟ هذا ما سنناقشه اليوم مع ضيفين كريمين هنا في الاستوديو هما الدكتور هشام شرابي (مؤلف الكتاب ورئيس مجلس إدارة صندوق القدس، ورئيس اللجنة التنفيذية بمركز تحليل سياسات فلسطين في واشنطن)، والدكتور برهان غليون (رئيس مركز دراسات الشرق في جامعة السوربون) وهو الذي كتب أيضاً عن دور المثقف العربي إزاء النخب الحاكمة، وأيضاً عن اغتيال العقل في الثقافة العربية، وكذلك هموم الحداثة والتحديث في المجتمعات العربية، دكتور هشام، دكتور برهان، أهلاً وسهلاً بكما.أول ما يتبادر للذهن –دكتور هشام- بعد قراءة الكتاب إنه فيه بعض النصوص تتصف ببعض القدم، يعني تم اختيارها من كتابات ساهمت فيها سواء في كتب أو مؤتمرات أو غيرها، والآن مثلاً وضعت بين دفتين هذا الكتاب سؤالي الأول: يعني ما الذي يعطي شرعية لنص قديم أن يُعاد إنتاجه في كتاب جديد؟د.هشام شرابي: لا يوجد شرعية لشيء من ها النوع وإنما يوجد نص يظهر واقع مزدوج، النص الذي يتعلق فيَّ شخصياً من النص الأول وهو 47 إلى النص الأخير وهو 2001، كذلك هذه النصوص تعكس واقع آخر غير الواقع الذاتي، الواقع الاجتماعي تماماً كما وضعتُ هنا باختصار في المقدمة، المقالات تعكس واقعاً مزدوجاً.. مزدوجاً، واقع المراحل والتجارب الفكرية التي مررت فيها شخصياً، وأيضاً واقع الأحداث والتغيرات الاجتماعية والسياسية في الوطن العربي، في النصف القرن الأخير يعني من الـ 47 للـ2001 أو 2 بالأحرى.خالد الحروب: في المساهمة الأولى اللي هي يعني مباشرة أيضاً ولها علاقة بالعنوان أزمة المثقفين العرب، يذكر.. الدكتور برهان.. يذكر الدكتور هشام أن هناك تصنيفات للمثقفين، طبعاً هذه من الكتابات أيضاً القديمة اللي هي هناك مثقفون سلفيون يعودون إلى الماضي، ويحاولون إعادة إنتاج التراث بصيغ معاصرة، هناك طبعاً المثقفون العلمانيون وفي الوسط يقف المثقفون القوميون يعني جزءاً من هذا وجزءاً من ذاك، هل هذا التصنيف مازال قائم ينطبق على.. على شرائح المثقفين العرب في الوقت الراهن، أم أن هناك تصنيف آخر؟ وأنت أيضاً كتبت عن هذه الموضوعات وتصنيفات المثقفين العرب.
تصنيف المثقفين العرب ومدى تطبيقه على الواقع
د.برهان غليون: يعني هو أول شيء لازم نقول إنه فعلاً كان اختيار موفق فعلاً إنه تجيب الأستاذ هشام شرابي من شان مناقشة أزمة المثقفين العرب أو كتاب يتعلق بأزمة المثقفين العرب، وبالحقيقة إنه هشام هو نموذج لـ.. مساره نموذج لمسار المثقفين العرب على الأقل في نصف القرن الماضي ويمثل.. والكتاب أيضاً في نصوصه المختلفة يمثل إلى حد كبير هذا التحول في مسار المثقفين العرب واللي كان جزء أساسي أيضاً من.. من مسار الأستاذ هشام وهو بالحقيقة يعني تجسيد أيضاً لأزمة المثقفين يعني لأزمة الفكر العربي اللي بلَّش بدأ خلينا نقول من منتصف القرن العشرين لليوم في محاولة لتلمس معالم الأزمة العربية، أزمة المجتمعات العربية ولا يزال يتخبط، جميعاً لا نزال نتخبط من أجل الوصول إلى رؤية أدق ورؤية أعمق تساعد على تحويل هذه.. هذه.. هذه المجتمعات و.. والكتاب مهم.. أيضاً، لأنه بيبين أيش قد إنه بقدر ما الأستاذ هشام مهووس بالتغيير المثقف كان فعلاً مهووس بالتغيير، هون بدي أرجع بالمثقف العربي كان مهووس بالتغيير ولا يزال، لا يزال الفكرة الرئيسية عند المثقف هي التغيير، الآن ضمن إطار ها التغيير، ها الهوس العام والحقيقي والإيجابي، طبعاً يعني مش مجال للنقد السلبي، للمثقف العربي يمكن نقول إنه فيه فئات متعددة فعلاً، فيه تيارات متعددة داخل ها الفكر العربي بين المثقفين العرب، فيه هوس للتغيير في اتجاه ما نسميه بأسلمة المجتمع اليوم، يعني إذا قلنا فيه نخبة إسلامية، مثقفين إسلاميين يريدون أن يوجِّهوا المجتمع أو يعتقدون أن إعادة بناء المجتمعات بما يجعلها أكثر نجاعة وأكثر قوة وأكثر حضارة، هو التوجه نحو اتجاهات إسلامية، لتطبيق الشريعة يعني إعادة تأسيس القيم الإسلامية التي انحرفت المجتمعات عنها –في تصورهم- هناك مثقفين يتحدثون بالفعل عن.. يمكن الأستاذ هشام كمان بيمثل هون عن العلمانية مشروع للتغيير في اتجاه مجتمعات علمانية يعني تتخلى إلى حد كبير عن.. مش عن الدين، عن خلط الدين بالسياسة وخلط الدين بالحياة اليومية، ويطمحون إلى تحديث –خلينا نقول- أو أحياناً يستعمل الأستاذ هشام نفسه الكلمة، قريب من التغريب يعني قريب من إعادة استنباط -خلينا نقول –البنى الحديثة اللي ظهرت بأوروبا لكن في سياق عربي وفي بلدان عربية، فيه تيارات أخرى يعني ممكن نقول إنه كانت أكثر يسارية، ماركسية، اشتراكية وأخرى كانت أكثر ليبرالية، لكن اليوم بالوضع الراهن يمكن التيارين الرئيسيين اللي يتصادمان في العالم العربي، هو تيار المثقفين الإسلاميين وداخل الإسلاميين هناك..خالد الحروب [مقاطعاً]: كتير أطياف.. أي نعمد.برهان غليون: توجهات مختلفة طبعاً يعني فيه إسلاميين اليوم ديمقراطيين، فيه إسلاميين ينتمون إلى فئات كتير تقليدية وكتير سلفية وداخل أيضاً هناك تيار آخر من المثقفين اللي كان أصلهم يساري واللي كان أصلهم نصف ليبرالي واللي كان أصلهم ربما راديكالي بالمعنى الأوروبي للكلمة يعني للتغيير، وأنا بأعتقد إنه الأستاذ هشام كان منهم يعني الراديكاليين..خالد الحروب: الجذريين.. الجذريين.د.برهان غليون: الجذريين، كل هؤلاء التيارات تتحول اليوم إلى طيف واسع هو الطيف الديمقراطي، يعني الهدف هو أو يعتقد هؤلاء -وأنا أعتقد معهم- أن تغيير المجتمع في اتجاه أكثر ديمقراطية هو خطوة ضرورية هو ليس حلاً..خالد الحروب: أي أكثر.. د.برهان غليون: وإنما خطوة ضرورية في اتجاه التغيير.خالد الحروب: تيار يعني ديمقراطية أكثر من كونه مؤدلج يعني بمعطى أيديولوجي مسبق يعني إنه مثلاً مش مُعبأ مثلاً ماركسياً أو إسلامياً أو حتى ليبرالياً، دكتور هشام يعني معناه.. معنى ذلك إنه بشكل أساسي مازال الوصف تقريباً ينطبق إنه يعني فيه تيارين أساسيين، تيار مثلاً علماني وتيار سلفي، هل لو أتيحت لك إعادة النظر في هذا.. في هذا التصنيف، خاصة قد يقول البعض إنه السلفية مثلاً الوصف السلفي قد ينطبق عندك أصول الليبرالية وعندك أصولي قومي مثلاً إنه متمسك.. أو أصولي ليبرالي زي ما نسمع أصولية السوق مثلاً فعندك مثلاً، أصوليين بأطياف مختلفة، وعندك مثلاً ليبراليين بأطياف مختلفة، يعني قد نعكس التصنيف كله، يعني ما رأيك؟د.هشام شرابي: يعني أنا المقاربة التحليلية لموضوعة المثقفين العرب وأزمتهم مبنية على تصنيف أساسي وهو أن وضع المثقف الاجتماعي والفكري، الاجتماعي والفكري يعني الانتماء لمجتمع معين في فترة معينة وتوجه إيديولوجي، هذا التصنيف، هذه المقاربة تجعلنا نرى أن في القرن.. نصف القرن الماضي –اللي بيتناوله الكتاب- حدث تغيير أساسي في تركيبة المثقف وفي اتجاهه، وبالتالي في دوره الاجتماعي، وهو بنظري أهم شيء اليوم، خليني أعطي مثل دقيق، يعني عندما كتبت أول مقالة على الموضوع بالأربعينات أو الخمسينات المثقفون العرب في نصف القرن كان طه حسين والعقاد، توفيق الحكيم، يعني أشخاص يمثلوا ذروات أساسية قلائل، المثقف كان شيء فذ، كاتب كبير، مؤلف أو شاعر أو.. كانوا منهم أطباء ومحاميين، توجهاتهم كانت مبنية على خلفية الأيديولوجية النهضوية، وكانت واضحة من حيث السلفيين، من حيث العلمانيين، سلامة موسى إلى آخره، وأيضاً من حيث الحداثة أول واحد حكى بالحداثة مضبوط هو طه حسين، هلا بعد خمسين سنة، هذا.. هذا التصنيف أو هذا الـ Categorization.، للمثقف العربي، لم يعد يصلح إطلاقاً ما عادش فيه مثقف مثل طه حسين، نوعيةً وعدداً ووظيفة، نحن هلا فيه عندنا حوالي 200 جامعة في العالم العربي سنة الـ 50 يمكن كان فيه 3 أو 4 جامعات، ما حدث إنتاج المثقف على الصعيد الاجتماعي أصبح المثقفون جمهور قوة فاعلة المجتمع من حيث إنها عددياً ضخمة، هلا مثل ما قال الدكتور برهان حدث من الستينات إلى الوضع.. الوقت الحاضر على صعيد الأيديولوجيا تغيير مماثل يعني الحركات المختلفة التي رافقت الناصرية واليسار والشيوعية والإخوان المسلمين، كل هذه الحركات في آخر القرن أصبحت بالنسبة للمثقفين لم تعد تحددهم to define them فاليوم نحن الآن نتعامل مع.. مع قوى جماهيرية مش بالمعنى العددي المطلق مثل الجماهير الشعبية، إنما أعداد ضخمة من أناس نساء ورجال مؤهلين بشكل خاص لتحليل المجتمع وقضاياه، تكوين رؤية لما يجب أن يتجه فيه هذا المجتمع على الصعيد السياسي والاجتماعي، وبناء خطاب نقدي.. نقدي لمكافحة الوضع الراهن على صعيده السياسي والاجتماعي والفكري.
تأثير الحداثة على دور المثقفين العربخالد الحروب: إذن يعني الشيء الذي يجب أن نتوقف عنده في هذه الصيرورة تحول المثقفين من أعلام أو أقطاب كبيرة نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، طه حسين، إلى شريحة إنه صار فيه عندنا يعني تغير كبير تغير جوهري في.. في.. وهذا بينعكس على تغير دور المثقف، يعني دائماً هذا الأطروحة الكبيرة، ما هي دور المثقف؟ طب إذا المثقف نفسه تحول من.. من طليعة فردية إلى شريحة، هل هذا يعني يميع من دور المثقف –برهان- أم إنه يدفع فيه باتجاهات جديدة أو إلى أي مدى؟د. برهان غليون: مهم.. مهم كثير إنه.. إنه واحد يشوف التغير دا والمثقف فعلاً بالبلدان العربية، هلا العنصر اللي ذكره الدكتور هشام صحيح إنه.. إنه توسعت قاعدة المثقفين يعني كانت أقلية صغيرة وأقلية نافذة لكن صغيرة، ومرتبطة بالقرار، يعني كانوا أصلاً منتمين لعائلات كبيرة، منتمين.. وقادرين إنه يؤثروا بالقرار السياسي وقريبين من العائلات السياسية، لأنه كانوا قريبين أيضاً من أصحاب القرار.. من العائلات أصحاب القرار، الآن صار المثقفين ثلاثة أرباعهم من أصول شعبية وفلاحين وإلى آخره، وإذن عندهم النفسية أيضاً مختلفة وإيش..، لكن أنا باعتقادي اللي أثر على دور المثقفين مش فقط توسع القاعدة، أهم من ذلك بكثير هو إنه ببلدان مثل بلداننا المثقف ارتبط فيها فعلاً بمشروع الحداثة تحديث الدولة والمجتمع، أصلاً ما كان موجود قبل ما يصير فيه فكرة التحديث، وارتبط بمشروع التحديث وكان الديناميكي له يعني الفاعل الرئيسي إله ليش؟ لأنه التحديث فكرة أتت من الخارج ليس من نمو نمط إنتاج رأسمالي وتقني حديثي داخل المجتمعات، الفكرة آتتنا لأنه شفنا مجتمعات أخرى أكثر تقدماً تكنولوجياً وعلمياً منا، فتأثرنا من الخارج، وحامل الفكرة الرئيسية هو المثقف، يعني المثقف لعب دور أساسي أول شيء في إدخال فكرة الحداثة، لعب دور أساسي في نشرها، وتطويرها، ثم لعب دور أساسي منذ أول القرن العشرين في بناء الأحزاب السياسية نفسها محمد عبده وغيره كانوا والحركات الإصلاحية وكل الحركات السياسية كانت مبنية من قِبَل المثقفين بما فيها الحركات القومية، والحركات الماركسية والحركات الاشتراكية، كلها هي عمل مثقفين لأنه الطبقة البرجوازية –خلينا نقول- المعتمدة على وجودها الاقتصادي ضعيفة وهشة وما عندها تفكير وتبحث عن الربح ولا تزال طبقة رجال الأعمال في بلادنا يعني طبقة بدون وعي، طبقة بدون وعي سياسي، بدون وعي، بدون اهتمام بالشأن العام، ولذلك المثقف كان إله دور استثنائي في تحريك المجتمعات، في بناء الأفق السياسي في بناء الحقل السياسي، في تشغيل الحقل السياسي، شو صار من.. من الستينات؟ اللي صار إنه من الستينات إنه المثقفين اللي شاركوا بالأحزاب، مثل البعث والناصريين والماركسيين وكلهم..خالد الحروب: الحركات القومية المعروفة.د. برهان غليون: دخلوا.. دخلوا.. أخدوا سلطة، يعني بعض الأحزاب أو أكثر الأحزاب اللي المثقفين كانوا على رأسها ودفعوا وأخذت نجحت إنه فيه تأخذ سلطة بانقلابات عسكرية أو بغيرها، خلال وجودهم بالسلطة صار فيه فرز، البيروقراطية أخذت بالحقيقة السلطة يعني أكثر فأكثر جزء من المثقفين تحولوا إلى البيروقراطية بالإدارة وبأجهزة الأمن وبالاقتصاد، وأصبحوا يدافعوا عن مصالح كثير مرتبطة بوجود النظم الراهنة ويدافعوا عن الديكتاتورية وعن الاستبداد وعن كل شيء، وبنفس الوقت صار عندهم رغبة في تنحية المثقفين جانباً، من الستينات لليوم الأنظمة اللي حصلت اللي نشأت في العالم العربي، في مصر، في سوريا، في اليمن، في العراق، في كل البلدان، كان هدفها الرئيسي هو عملياً إعدام المثقفين، بأي معنى إعدامهم يعني مش إعدامهم شنقاً بالمقاصل وإنما..خالد الحروب: لكن برهان.د. برهان غليون: استثناء.. إخراجهم من الساحة وتسكيتهم وإخراسهم حتى يمكن ضبط النظام كما هو..خالد الحروب: لكن إذا يعني هذا.. هذا..د. برهان غليون: لم يعد لهم دور سياسي، صاروا عبارة عن أنبياء في الصحراء يصرخون في الصحراء أكثر من أي شيء ثاني.
طبيعة علاقة المثقف بالسلطةخالد الحروب: لكن هذا طبعاً يعني هذا بيطرح سؤال يعني كبير يعني دكتور هشام إنه المثقف الذي يعني كان يعني مبشراً بأيديولوجية معينة أو بحركة حزبية وهذه الحركة الحزبية وصلت إلى السلطة ثم تحول هذا المثقف من.. من مثقف إلى رجل سلطة، بيطرح لنا هذه الإشكالية، ما هي علاقة المثقف بالسلطة؟ هل المثقف يجب أن يكون دائماً على الصف المعارض للسلطة، ناقد للسلطة أم أن المثقف ممكن أن يكون صاحب مشروع نقد باتجاهين باتجاه السلطة وباتجاه المجتمع؟ وحيثما يتوجه النقد يعني بضمير حر بنوع من..، وهذه الأوصاف يعني إنه مثلاً الشرطة –عفواً- السلطة اشترت هؤلاء المثقفين فأصبحوا مثقفو سلطة وإحنا يعني في التاريخ العربي الإسلامي، علماء سوق يعني حتى علماء الدين يعني علماء سوق وهذا عنده تاريخ في كل ثقافة من الثقافات، أين هو موقع المثقف من السلطة؟د. هشام شرابي: هذا.. هذا الموضوع أساسي جداً ودائماً موجود، إنما تغيير طبيعة السلطة وطبيعة المجتمع اللي نحن فيه الآن، هو في صميم الأزمة التي يواجهها المثقف، والأزمة هذه ناتجة عن إنه ما حدث في المجتمع العربي من.. بكامله بكل مجتمعاته القُطرية إنه بعد انهيار الأحزاب الأيديولوجية وبعد انتهاء الناصرية بالسبعينات وإلى آخره، وبعد هجمة الأموال النفطية والاتجاهات الاقتصادية والسياسية، صفَّى المجتمع العربي مؤلف من جماهير ما عادش فيها بأي معنى دقيق طبقة وسطى، وطبقة حاكمة تملك كل السلطة وكل الثروة، وها الشريحة التي تقف بينهما.. فوقهما.. فيهما وهي المثقفون اللي واعيين، اللي عندهم نظرة نقدية، اللي عندهم قدرة على تأمين أمورهم الخاصة ودخول ها الطبقة الحاكمة والثرية والعمل معها، أو بالعكس مجابهتها فبعد.. بعد القضاء على الأحزاب اللي كنت عم بتحكي عنها، إعدام المثقف، لم يعد هناك أحزاب تأخذ وتعطي مع.. مع الحاكم يعني –على القليل- الأحزاب حتى الوفد حتى الأشياء المحافظة الليبرالية كانت تخلق نوع من الجسر بين الشعب وبين الحكام، الآن لا يوجد إلا فراغ بين الجماهير الشعبية والحكام، فدور المثقف مثل ما بأشوفه مفروض عليه بسبب هذا.. هذه التركيبة الاجتماعية السياسية، أنا.. أنا بدي أسألك أنت كيف بتشوف دور المثقف ضمن هذا السياق؟د. برهان غليون: بس.. بس بدي.. بدي أصلح بس هاي الفكرة اللي يمكن فهمها عنى غلط خالد.خالد الحروب: اسمح لي قبل بس ما أتيح المجال لكن حتى نتابع هذا الخط السلطة، إن بعض المثقفين أيش يعني عندهم هذا الطرح، يقول لك يعني أنا مخلص لقضايا المجتمع، عندي موقف نقدي من السلطة، لكن مساهمتي مع السلطة قد تكون من موقع إصلاحي إنه أستطيع أن أساهم مساهمة يعني تحسن الظروف التي سوف تعود على المجتمع يعني بنوايا حسنة ومن نوايا..د. هشام شرابي: بدي أقاطعك بس -بين هلالين- نحن الآن في أزمة لا.. لا يمكن أن يكون موقف المثقف بهذه الرفاهية الفكرية إنه يقعد ويعطي نظريات وأفكار، المجتمع العربي الآن أزمته تحدد بمعنى أن مصيره مهدد، مصير المجتمع العربي بكامله مهدد، فإن لم يحدث تغيير جذري في العلاقات الأساسية للأنظمة الاجتماعية والسياسية، نحن نسير إلى الهاوية، هلا الحرب العراق راح تحدث، هشاشة هذه المجتمعات سيكون.. ستكون السبب في انهيارات لا يمكن التنبؤ فيها، لذلك عم.. عم بأسأل الدكتور برهان يعني الشيء المحوري هلا إنه نحنا شو لازم تكون مسؤوليتنا؟ شو لازم يكون عمل المثقف على صعيد الرؤية والفكر، وأيضاً على صعيد الممارسة الاجتماعية والسياسية؟ وطبعاً أعني تلك الفئة بين المثقفين اللي موجودين بالداخل والموجودين بالخارج مثلنا هو الالتزام، نحن.. أنا بأعتبر نفسي، بأعتبر الدكتور برهان مثقف ملتزم، لذلك لرأيه.. لموقفه الآن أهمية كبرى، ما بيهمني اللي قاعد عم بيعمل كتب وعم بيعمل نظريات، الآن في سياق هو سياق مجتمعنا ومستقبلنا في خطر.خالد الحروب: طيب برهان، يعني مازال السؤال قائم، يعني إذا كان هذا المثقف الملتزم يعني إذا استخدمنا تعبيرات (أنطونيو جرامشي) المثقف العضوي الملتزم بقضايا المجتمع والطالع منها، إذا أراد أن يكون حراً ويتسق مع ضميره، ويقول كلمة النقد كاملة، هناك أيضاً فيه مساهمة عن المثقف وقول الحقيقة، هو عملياً سوف.. سوف لا يصل صوته إلى هذا المجتمع الذي يريد أن يساعده، سوف يحرم من الإعلام، يحرم من الصوت، يحرم من.. من أن يستضاف في مثل هذه الجلسات - مثلاً - إلى غير ذلك، فالمثقف أمام إشكالية كبرى، إما أن يقول نصف الحقيقة وأحياناً ربعها، يعني مثلاً برهان بيروح على سوريا أو على أي بلد آخر، يعني هل يستطيع أن يقول ما يقوله في باريس؟ إذاً هو بيقدم نوع من المساومات يعني بالمعنى الإيجابي، إنه هو يقول نصف الحقيقة، لأنه أفضل من ألا يقول الحقيقة كاملة، إذا قالها كاملة، فلن يستطيع أن يقولها مثلاً في هذا المجتمع أو ذاك، فأين هو موقع المثقف –برهان- يعني بغض النظر عن استشهادي فيك؟د. برهان غليون: بغض النظر عن المثال الشخصي، لأن أنا بأعتقد الحدود الجغرافية ما عاد لها معنى على الإطلاق، عم نحكي هون نحن بسوريا عمليا أو إذا كنا بسوريا عم نحكي بالخارج، يعني ما.. ما عاد فيه حاجة واحد يعمل مساومات.خالد الحروب: صحيح.. صحيح.د. برهان غليون: لا أنا ولا غيري يعني بأعتقد، هذا اعتقادي، لأن الأمور صارت واضحة مثل ما عم بيقول الدكتور هشام تماماً نحن في لحظة حقيقة مصيرية، وكل إنسان عليه مسؤوليات، اللي ما.. والمسؤوليات بتعني بالنسبة إلنا نحن كمثقفين بالدرجة الأولى إنه الواحد يقول رأيه الفعلي، يعني ما يجامل برأيه وقت اللي بيشعر، هاي المسؤولية الحقيقية، لأنه نحن لا عندنا جيوش ولا.. ولا دبابات ولا مدفعية نغير فيها، نحن نغير بكلامنا، فكلامنا لازم يكون على الأقل كلام صادق، يعني هاي.. هاي جزء أساسي، هلا بدي أرجع بس من شان نقول شو دور المثقف، وشو مشكلة المثقف، وشو المشكلة الرئيسية المطروحة اليوم. أول شيء عنصر أول، المثقف عندما نتحدث عن المثقف لا نتحدث عن مجموعة أفراد ولا عن فرد، نتحدث عن فئة اجتماعية تلعب دور اجتماعي، لعبت دور اجتماعي في فترة ضمن إطار حركة اجتماعية، المثقف مش موجود بالفراغ، ضمن إطار حركة اجتماعية ومع قوى اجتماعية أخرى، اللي حصل قلت أنا من الستينات هو شو؟ هو إنه فئة من أفراد من فئات النخبة.. النخبة الاجتماعية، البيروقراطية في بعض البلدان، البيروقراطية بالتحالف مع شوية رجال أعمال في البلدان الأخرى استأثروا فعلاً بالسلطة وبالقرار، ومن أجل يضمنوا ها الاستئثار حذفوا المثقفين كلياً، وطردوهم من خارج أي لعبه، من أخذ.. حتى حق التعبير ألغوه، وهناك بلدان ممنوع فيها حق التعبير، تعبير مراقب، يعني كل واحد بده.. بده يعطي صورة عن الكلام اللي بده يقوله لأجهزة الأمن، ففيه فئة من النخبة الاجتماعية اللي هي أهم عنصر في بلورة الفكرة، بلورة الرأي، بلورة التصورات للمستقبل، بلورة الحلول أخرجت من بره، من شان هيك دخلنا في أزمة كبيرة داخل السياسة، يعني حذف المثقفين أدخل السياسة نفسها في أزمة لأنه صارت سياسة براجماتيكية يومية ما فيها أي تفكير، ما فيها أي إنضاج، ما فيها أي شيء، الآن إذا قلنا شو وضع المثقفين اليوم وشو المنشود منهم؟ اللي هو السؤال تبع دكتور هشام، شو وضع المثقفين اليوم؟ مش صحيح إنه كلهم انتهازيين وكلهم يلتحقوا السلطة، على الإطلاق أنا من الناس اللي بيعتقد إن المثقفين العرب قاوموا مقاومة كبرى، وكان فيه شيء لازم نسميه محنة المثقفين، اعتقل القسم الأكبر من اللي اعتقلوا كانوا مثقفين، القسم الأكبر ممنوعين من الكلام والمثقفين اللي محرومين من جوازات سفرهم مثقفين..خالد الحروب: اللاجئين السياسيين..د. برهان غليون: اللاجئين السياسيين مثقفين، أكثر طبقة.. أكبر فئة اجتماعية أهينت واضطهدت وامتحنت بالمعنى السلبي للكلمة كانت في الـ 20 سنة الأخيرة أو الـ 30 سنة الأخير المثقفين، قسم منهم صغير جداً تافه جداً مشي مع الأنظمة وصار يطبل للأنظمة صحيح، بس قسم كبير بقى بره، وقسم تالت صار يشتغل شبه خبير، يعني عمل حالة تقني، إنه إحنا ما لنا علاقة بالسياسة، السياسة بيقرروها الضباط وأجهزة الأمن والمسؤولين والحزب الحاكم، أما نحنا في مشكلتنا بنعطي أمور تقنية أو خبرة، معلش هذا كان يمكن إنه يحصل في أي بلد أو في أي مجتمع في العالم، إنما اليوم السؤال التاني: اليوم المشكلة هي إنه المثقفين مشتتين مفتتين ما عندهم سلطة، ما عندهم اعتراف، نجحت السلطة البيروقراطية في أنه تجعلهم كبش فداء يعني ضحية، بمعنى إنه هم المسؤولين على ما حصل، كل.. وقت اللي صارت أزمة العراق حرب الخليج، وقت اللي صارت بيقولوا هاي السبب هو المثقفين شوفوا المثقفين شو بيحكوا إلى آخره، مش السبب هو..خالد الحروب: طب شوف برهان.. برهان.. أي نعم.د. برهان غليون: عدم.. عدم قيام الدولة، عدم قيام السلطة والأحزاب السياسية بدولهم، -بس خليني أكمل هون- اتهم فيها المثقفين، الهدف تماماً هو إخراج المثقفين من أي لعبة سياسية من أجل تبرير الفشل ووضع الفشل على.. على كاهل المثقفين، دور المثقفين اليوم هو إنه يكسروا هذه الحلقة المفرغة لإخراج المثقفين كنخبة.. كجزء من النخبة من الحياة السياسية، ويدخلوا كقادة هم، وهذا اللي عم يحصل بالواقع، أنا ما عم أجيب شيء كقادة للعمل الديمقراطي وللتحويل الديمقراطي داخل البلدان العربية، وهذا يحصل بالفعل.
دور المثقف العربي بين الواقع والمثاليةخالد الحروب: طيب.. طيب برهان، إذا سمحت لي يعني ما.. يعني.. يعني في دور المثقف هذا الدور يعني المأمول والطليع، دكتور هشام، يعني فيه سجال الآن حديث في –على الأقل يعني- في.. وفي الأوساط الغربية المهتمة بهذا الموضوع، إنه يعني دور المثقف بشكل عام في العالم كله يعني صار ضئيلاً وضعيفاً أخذاً بالاعتبار كل وسائل الإعلام هذه، التليفزيونات، الإعلام الفضائي، الإنترنت، كل هذا الضخ الذي يتوجه إلى الرأي العام واللحظي، ليس فقط اليومي على مدار الـ 24 ساعة هذا هو الذي يشكل العقل الجماعي والآراء العامة، أين هو دور المثقف؟ المثقف مسكين، ليس نبي عنده قدرات خارقة، يعني قد.. ربما كان له دور في السابق، ربما عندما كان مثلاً في القرون السابقة إمام مسجد مثلاً، أو في فرنسا يعني في بدايات القرن العشرين في قضية (إدريافوس) أو إلى آخره كان عنده دور إنه إذا قال الناس سمعوا له، لكن الآن أمام هذا الزخم الإعلامي، أين فعلاً من ناحية عملية بحتة ماذا يستطيع أن يفعل المثقف؟د. هشام شرابي: إذا كان ركزنا على مقولة الدور أنا بنظري دور المثقف في مجتمع مثل مجتمعنا العربي اليوم أهم بكثير من دور المثقف في أميركا أو في فرنسا مثلاً بالمجتمعات النامية، هلا إذا قام المثقف بهذا الدور أو عجز عن القيام به موضوع آخر، من حيث أهمية دور المثقف أنا بنظري في هذه الفترة الحاسمة هذا المنعطف هو دور بغاية الخطورة لمجتمعنا، لمستقبلنا، لذلك بس والأزمة، طيب عندما يجابه أشخاص أفراد وشرائح نسميها مثقفة بهذا الواقع إذا كان اللي عم بأحكيه مضبوط معناه فيه أزمة هائلة، ما.. ما العمل؟ ما العمل؟ هذا هو السؤال الأساسي، هلا ما عادتش الأولوية إلى التحاليل التاريخية والسياقات الاجتماعية فقط، إنما من حيث المساهمة المباشرة.. المباشرة والممارسة الاجتماعية للمثقف، مثلاً إذا كان أخذنا (بول بودييه) اللي هو بنظري يمثل أهم مثقف عالم اجتماع، ما يقوله له علاقة بواقع مثل واقعنا، وهو يصب على الشيء اللي عم بأقوله، على النقد، على الممارسة، على الدخول في العملية الاجتماعية.خالد الحروب: طيب برهان، فيه سؤال أيضاً عملي، يعني.. يعني حتى إنه نحاول ننزل الكلام إلى.. إلى التطبيق العملي إنه على ضوء المناقشات بعض الطروحات حول المثقف يعني من عند (جوليان بندانا) أحياناً إدوارد سعيد بيرسم صورة مثالية للمثقف، صورة خارقة فعلاً وصورة إن المثقف الحر المثقف الكوني الذي يعني يتحدث بالنقد من دون أي تحديدات، من دون أي ضوابط، يقول ما يمليه عليه ضميره ورأيه في أي مكان في أي زمان، لأن هذا الكلام جميل، لكن من الناحية العملية فيه.. فيه قيود، فيه ضوابط، فيه.. فيه تحديدات، فيه عناصر تدخل على المعادلة، فيه الرزق المعيشي، هذا المثقف بده يعيش، بده يأكل، فيه عنده أولاد، فهو إذا قال كل ما عنده عملياً يعني خسر خسارات حياتية على المستوى.. على المستوى الحياتي، حتى (روجية دوبريه) يعني فيه أحياناً يعني بيقول يعني كلام مثالي هذا المثقف المنطلق من كل.. من كل حدود، الآن على صعيد المثقف العربي يعني أين هي.. أين هو الحظ الذي ممكن أن نرسمه بين أن يحافظ هذا المثقف على مصداقيته أمام جمهوره وأمام.. أمام المجتمع وفي نفس الوقت يعني أن.. أن يقول يعني نصف أو تلات أرباع الحقيقة أن يقولها..د. برهان غليون: أنت مُصِر على أن يقول نصف الحقيقة.خالد الحروب: أنا مش.. مش أنا حابب يقول الحقيقة كلها لكن أنا يعني واقعي يعني أنا بأشوف المثقفين العرب في الساحة اللي موجودة.. د.برهان غليون: لأ.. لأ أنا.. أنا اسمح لي أقول لك إنه بالفعل.. بالفعل المناخ العربي اليوم اختلف كتير، اختلف بأي معنى؟ بمعنى إنه هناك عطش، فيه تربة عطشانة فعلاً بالمجتمع بأقصد، لا ناس بيتحدثوا باسمها، لا ناس يعيدوا يذكروها بالمفاهيم والقيم السياسية والديمقراطية والإنسانية، لأنه فيه بعض.. في بعض الملامح مجتمعاتنا دخلت بما يشبه الهمجية في التعامل مع المواطن، يعني بعض الأنظمة بتتعامل مع المواطن كأنه أي شيء، كأنه شيء.. كأنه شيء يعني مادة، أو غرض.. شيء جامد.تغير دور المثقف، ومازال إله دور كبير، اتغير بالنسبة للبلدان الأخرى أول شيء، صحيح إنه فيه.. فيه ناس ممكن يكونوا مثل ما تصور إدوارد سعيد، وكأنه.. إنه ناس أنبياء أو.. أو شبه ضمير.. ضمير على الأقل عالمي، مش فقط ضمير محلي، لكن في بلدان مثل بلداننا بالحقيقة ينقصها الكوادر السياسية، ينقصها الكوادر الإدارية، ينقصها الطبقات المتبلورة وذات التقاليد السياسية، المثقف في النهاية هو اللي عم يكون مبلور للوعي الاجتماعي، هو اللي.. ما.. ما إذا.. سواء فعل أو ما فعل، إذا ما فعل بيكون مبلور سلبي، إذا فعل بيكون مبلور إيجابي، يعني هو اللي عم يملِّي.. يملأ الفراغات المختلفة الموجودة. اليوم المجتمع أهم دور بالنسبة إلى.. إلنا مثلاً في العالم العربي شو عم يعمل المثقف اللي عم.. عم يدرك دوره ويعي ذاته إلى حد كبير؟ عم يشتغل مع المجتمع المدني لإحياء التجمعات للمجتمع، عم يدخل.. عم يشتغل لإحياء المجتمع اللي قتلته أنظمة اعتمدت على الدولة وقطعت الدولة عن المجتمع، هو عم بيحاول إنه من خلال المجتمع، وإحياء المجتمع المدني إنه يوصل لشيء. الآن ممكن إنه يساوم بأي معنى، بمعنى إنه.. إنه مش إنه مبادئه تكون نصف مبادئ ديمقراطية، نصف يعني.. نصف مبادئ بالحرية، نصف مبادئ بالعدالة، لأنه قول.. خالد الحروب: لأ المبادئ إحنا متفقين على إنه التعبير عنها.د.برهان غليون: لأنه نحن مش أنصاف بشر، نحن بشر مثلنا مثل غيرنا، ما بنختلف عن غيرنا على الإطلاق، إنما ممكن يساوم بأي.. ما.. ما بنسميه مساوم بها الحالة، ممكن يكون مرن، بمعنى إنه نحن عندنا برنامج ديمقراطي، المساواة الكاملة بين المواطنين، المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، المساواة الكاملة بين بدون ذكر أقلية، بدون.. بين الأديان المختلفة إلى آخره، أو أبناء الأديان، هذا ما أعني مثل هاي المبادئ إنه بنحقق ها الشيء بسنة أو سنتين، أو نتحاور بأحسن الوسائل لتحقيق الديمقراطية، هذا ممكن، أما يعني.. يعني بها المعنى فيه مجال للأخذ والعطا، وليس اليوم فيه.. لا.. لا يمكن أن يكون اليوم فيه نقاش حول نمط المجتمع العربي المنشود، يعني نمط ديمقراطي حقيقة يعترف بالمواطنية، يعترف بحقوق الفرد، يعترف بحقه في التعبير في العدالة، فيه قانون، فيه دولة قانونية، هذا الشيء المحرومين منه.خالد الحروب: يعني خلينا نحكي التمسك بجذرية المبدأ، لكن مرحلية التطبيق حتى.. طيب..د.برهان غليون: ضمن ظروف الحوار، لأنه أحياناً ممكن واحد يقول لك لأ أجلها 10 سنين، ليش؟ خالد الحروب: أي نعم. دكتور هشام.. د.برهان غليون: بدي أفهم ليش لازم أجل تطبيق القانون ودولة القانون، و.. لـ5 سنين؟خالد الحروب: حسب.. حسب السياق.. حسب السياق المطروح.د.برهان غليون: ليش ما اليوم ليش بأعمل دولة قانونية بمعنى الكلمة؟ يعني مش المساومة للمساومة، أو المرونة، للمرونة لتطبيق المرونة بهدف الوصول إلى الهدف، يعني للوصول أفضل للهدف.خالد الحروب: طيب خلينا، يعني دكتور.. إذا سمحت لي برهان.. الدكتور هشام، فيه يعني فصل أو حتى أكثر من فصل حقيقة يعني، اللي هي تتحدث فيه عن المجتمع العربي، البنية الأبوية فيه، ودور المثقف في نقد هذه البنية، الآن إذا المثقف انتقد هذه البنية، وانتقدها أيضاً بصرامة وشراسة، يشعر بالغربة والاغتراب عن هذا المجتمع الذي يريد أيضاً أن يدافع عن قضاياه، وهو أيضاً مغترب بالأصل عن السلطة، فلذلك يشعر بوحدة كلانية، أين يقف المثقف من نقد.. من نقده المزدوج للمجتمع والسلطة، وقد يشعر فعلاً بالتهميش والاغتراب الذاتي؟د.هشام شرابي: يعني مش مهم شو بيشعر المثقف، المهم هو شو بيعمل المثقف، وبالأخير ما فيه قاعدة أو.. أو روشتة شو لازم يعمل المثقف، لأنه كل واحد على.. على.. كل فرد، كل مجموعة عندها ظروف خاصة، وأوضاع خاصة، أنت قلت الأشياء المعيشية، هذا دائماً دائماً قضية جوهرية، كيف بده يعيش المثقف بمجتمع مثل مجتمعنا، مجتمع نفطي من ناحية، مجتمع فقير معزول من ناحية تانية؟ يعني بدنا نقطع من كل من خلال كل هذه الصعوبات ونركز على الأزمة، على المنعطف، لذلك نقول إنه جواباً على سؤالك هو الظروف هي التي تقرر للمثقف الذي حاز على رؤية نقدية، معرفة موضوعية لما يجابه هذا المجتمع، وبنفس الوقت بيشعر بمسؤولية والتزام وقدرة على القيام بأعمال معينة، بدنا نحكي بالأشياء المحسوسة، (الإمبريكال).خالد الحروب: التطبيقية، ممكن تطبيقها.. نعم.د. برهان غليون: تجريبية، اختبارية اللي هو..د. هشام شرابي: ولازم نعمل فصل بين التحليل المجرد التاريخي التحليلي الفكري، والممارسة اللي بتقوم على استراتيجيات صغيرة، بلبنان شيء، بسوريا شيء، بالأردن شيء، بمصر شيء آخر، مع العلم إنه فيه إطار يجمع بيناتهم كلهم، هلا إن إحنا مقبلين على انهيار، ما بأعرف شو كيف شكله.خالد الحروب: تقصد للحرب ضد العراق أو كذا.د.هشام شرابي: مش.. إذا وقع.. وقعت الحرب.د.برهان غليون: وإذا ما وقعت.د.هشام شرابي: وإذا ما وقعت.برهان غليون: مقبلين على انهيار لأنه إذا ما.د. هشام شرابي: لا.. لا.. لا نزال.. لا نزال بنفس الأزمة.خالد الحروب: إحنا نعيش الانهيار يعني.د.برهان غليون: لأ.. لأنه نحن في أوضاع هشة جداً.خالد الحروب: الانهيار داخل انهيار. د.هشام شرابي: فهذا المنعطف التاريخي، شو ما يحدث فيه من قوى خارجية تتدخل، شو ما يبيت لنا الإسرائيليون اللي قاعدين بقلب العالم العربي، نحن علينا مسؤولية كبرى إزاء شعبنا، إزاء تاريخنا، إنه نفسر الأمور، نفسر الخطر، نحط الدوائر الحمر، نخلق خطاب يظله مستمر و.. وقائم، مش كل مرة بدنا نعطي الحلول من A .. A لـ Z ، وبعدين نشغل بممارسات محدودة، العمل المحلي مش كل شيء على صعيد الوطن العربي.
أزمة المثقف العربي في دوره كجسر بين الثقافات
خالد الحروب: على صعيد العالم العرب..طيب دكتور هشام، فيه يعني الوقت الحقيقة أدركنا، يعني معنا مجال لتعليقين سريعات، لكن.. اللي هو هذا المثقف إذا تواصل يعني مع الثقافات العالمية وأراد أن ينقلها إلى الثقافة المحلية، ولعب هذا الدور ولو جزئي كجسر للثقافات وكذا، يُتهم بأنه تغريبي، وأنه يعني يعمل على تغريب المجتمع، وأنه مثلاً متغربن أو حتى متأمرك، إلى آخره، كيف نواجه هذه الأزمة دكتور برهان؟ هذا الاتهام العصيب من المجتمع الذي يعني ينتمي إليه هذا المثقف؟د.برهان غليون: بس.. بس أول النقطة الثانية اللي ما أجبنا عليها، لازم نميز بين المثقفين المفكرين وبين المثقفين كقاعدة اجتماعية كبيرة، بما يتعلق بتأمين الحياة وكذا.خالد الحروب: استجابة.. المغزى المعنوي.د.برهان غليون: فهادول القاعدة الكبيرة ما هي اللي.. ضروري إنه تعلن دائماً عن مواقفها وبتتحمل النتائج، يعني تعلن يومياً مثل ما بيعلنوا الكبار.هلا.. فيما يتعلق.. فيما يتعلق بموضوع الأخذ عن الغرب والاتهامات، كل إنسان بيقوم بقضية، بُيتهم بـ.. يمكن أن يتهم من الطرف الثاني المعادي للقضية، مش مشكلة الاتهام، وأنا بأعتقد إنه اليوم ما عاد.. ما عاد مطروح إنه يُتهم مثقف إذا كان فعلاً ما إنه غربي، يعني اليوم بيتهموا الناس بأنهم ينقلوا أفكار الغرب، وقت اللي بيسلكوا بسلوكهن ما.. ما يؤكد إنهم عم يتعاملوا مع الغرب، أو عم يدعموا مواقع ومواقف و.. مواقف الغرب، يعني بشكل من الأشكال، أما عندما يكون..خالد الحروب: وتحديداً المواقف السياسية يعني..د.برهان غليون: سياسية.. سياسية تماماً..خالد الحروب: يعني صار فيه تفريق، يعني حتى عند الجمهور العام...د. برهان غليون [مقاطعاً]: أو حتى فكرياً..خالد الحروب [مستأنفاً]: بين الموقف الحضاري والموقف السياسي.د.برهان غليون: بينقلوا.. إذا بينقلوا نقل.. نقل حرفي، وبدهم يفرضوا نموذج غربي على المجتمعات العربية، طبعاً ما فيه شك إنه الناس هيشعر الجمهور إنه.. إنه هادولا عايشين بره، وعايشين بره بمعنى إنه فكرهم عايش بره، إنما اليوم إنسان عنده وعي عقلاني ونقدي، ومع التغيير الديمقراطي، وبيقوم بواجبه لا يتهم إطلاقاً، ما فيه أي سبب إنه يتهم أو يكون..خالد الحروب: طيب.. طيب تعليق أخير من الدكتور هشام على هذه النقطة، قصة يعني دا اتهام المثقفين خاصة اللي في خارج المنطقة العربية بإنهم يعني متغربنين ويريدون أن يغربنوا هذه المجتمعات.د.هشام شرابي: صراحة أنا ما بيهمني الاتهام، بيهمني الواقع، نحن الآن أمام واقع إزاء علاقتنا بالغرب، واقع يشبه أقصى زمن الاستعمار الأوروبي والاستيطان الأوروبي في بلادنا، وفي العالم الثالث. نحن الآن نجابه أوروبا، أنانية قذرة بالنسبة لعلاقتها في العرب والإسلام. نحن نجابه الدولة الكبرى في العالم، تقوم وتُعد لحملة مستمرة عسكرية، اقتصادية لكسر إرادتنا في العالم العربي والإسلامي، واستعمارنا عن جديد. هلا شو.. شو ها الرفاهية الفكرية إنه غرب وتغريب وما تغريب، عم.. عم ناويين إنه الشر الأكبر.خالد الحروب: أي نعم.د.برهان غليون: على كلٍ.. على كلٍ يعني بكلمة فقط.خالد الحروب: 30 ثانية يا برهان.د.برهان غليون: الرأي العام اليوم يدرك من هو مدافع عن المشروع الغربي، ومن الذي يدافع فعلاً عن مشروع تقدم عربي وتنمية عربية، ما.. ما فيش أي مشاكل.خالد الحروب: على كل حال شكراً جزيلاً

mercredi, octobre 02, 2002

Saudi-sponsored conference highlights lack of Arab democracy
29-10-2002
CAIRO (AFP) - A high-profile conference here sponsored by a leading Saudi think-tank saw strong criticism of the failure of Arab regimes to democratize in the face of the shockwaves from the September 11 attacks in the United States. "We are still in an era of dictatorships," complained the speaker of the Jordan's dissolved parliament, Abdel Hadi al-Majali, to loud applause. "We have not managed to separate religion from politics, that's why we have failed," he said. "Arab parliaments are only there for show," he objected, adding that the "existence of consultative councils or elections does not mean there is democracy." Pro-Western Jordan has yet to hold general elections 16 months after King Abdullah II dissolved parliament. Iraqi President Saddam Hussein was earlier this month credited with 100 percent of the vote in a referendum on a new seven-year term, in an extreme example of the sort of poll which has given other Arab leaders like Egyptian President Hosni Mubarak and Tunisian President Zine El Abidine Ben Ali more than 90 percent of the vote. And in Saudi Arabia, like much of the rest of the conservative Gulf, there is only an appointed council to advise the king. Even in Bahrain, which this month held its first parliamentary elections in nearly 30 years, the new legislature will share its powers with a second chamber appointed by King Hamad. "The Arabs have been talking about democracy for 30 years," said Syrian academic Burhan Ghalioun, who teaches politics in Paris. "But we're still behind and stuck with totalitarian regimes which resort to arbitrary arrests when confronted with those who want to take advantage of their right to free speech." Ghalioun said that the "Arab world's dictatorships went through a crisis after the September 11, 2001 attacks, which can only be resolved through a change in the nature of these regimes." But the necessary democratisation was still being blocked by "reinforcement of the system through the hereditary principle as well as the nature of (Arab) societies and outside factors." In July 2000, Syrian President Bashar al-Assad succeeded his late father Hafez. Earlier this year, Mubarak oversaw the appointment of his son Gamal to a top position in Egypt's ruling National Democratic Party. Former Sudanese prime minister Sadeq al-Mahdi, who was overthrown by President Omar al-Beshir in a 1989 military coup, blamed "traditional Islamic teachings and the political elite" for the lack of democracy in the Arab world. Arab governments had "sidelined democracy after contacts (with the West), judging that the system would not be in their interests." It was left to the speakers of two of the Arab world's few functioning elected parliaments to defend the status quo. "Western demands for the implementation of democracy are malicious," the speaker of the Egyptian parliament Ahmed Fathi Surur told the conference. "Western countries claim to be democratic, but all of their practices" reveal the contrary. For Nabih Berri, speaker of the Lebanese legislature, efforts to blame Islam for the perceived lack of democracy were entirely misplaced. "It would be wrong to assume that there is any basic contradiction between Islam and democracy," said Berri, who heads Lebanon's Shiite Muslim Amal faction. The three-day "First Conference on Arab Thought", which opened here Sunday, was organized by the Arab Thought Foundation of Prince Khaled, brother of Saudi Foreign Minister Saud al-Faisal. Discussions centred on economics, the Middle East peace process and relations between the Arab world and the West, as well as democracy.

dimanche, juillet 28, 2002

إسقاط النظام: هل يحقق مصلحة عراقية وعربية؟

الجزيرة نت الأحد 18/5/1423هـ الموافق 28/7/2002م،

ما كادت حرب أفغانستان تنتهي، وهي لم تنته بالفعل بعد، حتى طرحت على بساط البحث مسألة حرب العراق الرامية إلى الإطاحة بحكم صدام حسين. ولدرجة ما صدر من تصريحات من قبل المسؤولين الأميركيين ورجال الصحافة والإعلام عامة حول هذا الموضوع اقتنع الرأي العام الدولي بأكمله بأن حربا جديدة على العراق لتغيير الحكم لامحالة حاصلة وأنها لا بد أن تكون على رأس جدول الأعمال الأميركية وبالتالي الدولية للشهور القليلة القادمة.
وكما يقول المحلل السياسي الأميركي غراهام فولر في مقالاته التي نشرت في الجزيرة نت، فإن جميع المسؤولين الأميركيين متفقون على ضرورة الحرب ضد صدام حسين، لكن الفرق الوحيد بين الصقور والحمائم في واشنطن هو أن الصقور يريدون عملا فوريا الآن بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى في الشرق الأوسط، أما الحمائم الذين ينتمي إليهم فإنهم يريدون التريث إلى حين التوصل إلى إجماع سياسي ودبلوماسي متين في المنطقة ضد صدام.
وهذا يعني في الواقع أن موضوع الخلاف بين أطراف الإدارة الأميركية بشأن بدء الحرب في العراق هو التوقيت لا غير. وأن الفريق الحمائمي لا يتميز عن فريق الصقور في نوعية الأهداف التي يطرحها في سياسة الولايات المتحدة الخارجية ولا في أسلوب العمل لتحقيق هذه الأهداف الواحدة المجمع عليها، ولكن في تأمين الشروط الأمثل لخوض الحرب.
فالحمائم الذين يركزون على التخطيط العقلاني والعمل البارد في مقابل الغبار الذي تثيره الرؤوس الحامية يعتقدون أن خوض حرب ناجحة ضد العراق لا تترك آثارا ونتائج جانبية سلبية تضعف مكاسب الولايات المتحدة فيها أو تهدد الغاية المرسومة لها، حربا ناجحة من وجهة النظر السياسية والعسكرية معا، يستدعي إعدادا سياسيا وفكريا ونفسيا حقيقيا للحكومات وللرأي العام لجميع الأطراف المعنية، على مستوى العراق ذاته، وعلى مستوى العالم العربي والشرق الأوسط بأكمله. وفي إطار إعداد الرأي العام العربي لتقبل هذه الحرب التي يبدو أن توقيتها سيكون أقرب إلى التوقيت المقترح من قبل الحمائم، أي من دون عجلة، امتشق العديد من المحللين السياسيين الأميركيين أقلامهم، ومن بينهم ما كتبه غراهام فولر في الجزيرة نت، لإقناع العرب بالفوائد العديدة التي يمكن أن يجنوها منها.
ويترافق هذا العمل المتواصل للمحللين السياسيين لإعداد الرأي العام العربي لقبول فكرة نقل الحرب ضد الإرهاب نحو العراق أو إدخال حرب الإطاحة بالنظام العراقي في جدول أعمال الحرب الدولية ضد الإرهاب مع العمل الدبلوماسي الناشط لواشنطن في الشرق الأوسط.
فكما يشير إلى ذلك جدول زيارات المسؤولين الأميركيين للعواصم العربية المعنية، سواء أكانوا تابعين لوزارة الخارجية أو للكونغرس أو لمؤسسات سياسية أخرى, تقود الحكومة الأميركية حملة منهجية ومنظمة لإقناع الرأي العام العربي الرسمي بضرورة التعاون الإيجابي مع واشنطن لتحقيق أهداف تعتبرها أساسية لقطف ثمار الحرب ضد الإرهاب. ومن المؤكد أن الحجج ذاتها التي يقدمها المحللون السياسيون الأميركيون لإقناع الرأي العام الشعبي هي ذاتها التي ستستخدمها دبلوماسية البيت الأبيض لكسب تأييد الحكومات العربية، مع إضافة طريقة أخرى للإقناع ربما كانت التلويح بملفات الإرهاب والعنف وانعدام الديمقراطية أيضا.
ومن الواضح أن القيادة الأميركية، بمفكريها وبمسؤوليها السياسيين ودبلوماسييها معا تواجه مشكلة كبيرة في إعداد الرأي العام العربي والدولي، الرسمي والشعبي لحرب جديدة على العراق. فهي تفتقر للحجج التي يمكن أن تبرر لها تعبئة التحالف الدولي ضد الإرهاب لتغيير الحكم في العراق.
فباعتراف المسؤولين والمعلقين الأميركيين أو أغلبهم على الأقل، لم يثبت أي تورط لبغداد في عمليات الإرهاب الدولي التي رافقت الإعداد لهجوم الحادي عشر من سبتمبر أو تنفيذه مما يعني أن واشنطن لاتزال تجد صعوبة في وضع عملية تغيير النظام العراقي على قائمة جدول أعمال الحرب ضد الإرهاب. ومن هنا فهي تحتاج إلى مبررات أخرى تكون مقبولة من الدول العربية ومن أطراف التحالف الأخرى، بما في ذلك الأطراف الأوربية الحليفة.
ومن خلال المقالات والتحليلات والتصريحات الأميركية العديدة التي تكتب أو تصدر من فترة لأخرى، يمكن جمع هذه المبررات التي تهدف إلى إضفاء الشرعية على الحرب المزمع خوضها على الأرض العراقية بأربع عناصر رئيسية ليس الإرهاب من بينها.
مبررات الأميركان للحرب ضد العراق
تطوير أسلحة الدمار الشاملالعنصر الأول أن صدام حسين لايزال يعمل على تطوير أسلحة الدمار الشامل وهو يهدد من هذه الناحية الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة وأنه خاض حربين كبيرتين مع جيرانه المسلمين وقصف مواطنيه الأكراد بالقنابل الكيمياوية.
قمعية النظاموالعنصر الثاني هو أن نظام صدام حسين هو أكثر الأنظمة في العالم الإسلامي قمعا لشعبه.
وحشية صداموالعنصر الثالث هو أن صدام حسين أيضا رجل وحشي يكرهه شعبه والعرب جميعا من حوله.
اعتماد صدام على الأقاربوالعنصر الرابع أن صدام حسين لا يستند في حكمه إلا على حفنة من الأقارب والأنصار، ولا يمثل حكمه سوى حكم أقلية اجتماعية أو إثنية ضئيلة.
مخاوف الأنظمة العربية من التغيير
لماذا تتمسك الحكومات والشعوب العربية إذن بصدام حسين؟ أو لماذا تعارض في أغلبيتها على الأقل، كما يعتقد ذلك المسؤولون الأميركيون، الحرب ضد نظام صدام؟، وكيف يمكن تفسير هذه المعارضة؟ إن السبب الرئيس لوقوف الحكومات والشعوب العربية موقفا سلبيا من تغيير النظام العراقي يكمن في نظرهم في وجود مخاوف ليس لها أساس كبير من الصحة ولا تقوم على محاكمة عقلانية ومنطقية. فهي تنبع من ثلاث محاكمات خاطئة أو غير صحيحة..المحاكمة الأولى: هي أن ضرب صدام حسين سوف يحرم العرب من وزن العراق العسكري وأسلحته المتطورة ذات التدمير الشامل في مواجهة إسرائيل.المحاكمة الثانية: هي أن الأنظمة تعتقد أن ضرب العراق يمكن أن يكون مقدمة لضرب بلدان أخرى ولذلك فهي تريد أن تقطع الطريق عليها.المحاكمة الثالثة: هي أن حربا جديدة على العراق سوف تتسبب بمعاناة جديدة للشعب العراقي الذي يعيش منذ أمد بعيد في حالة مأساوية.
والحال، كما يقول الأميركيون، إن أسلحة صدام حسين لم تستخدم ضد إسرائيل وما استخدم منها في حرب العراق الكويت لم تحدث أثرا كبيرا ولا كان ذا فاعلية استثنائية، كما أن وجود هذه الأسلحة ليس مرتبطا بوجود صدام حسين، بل العكس هو الصحيح، إن خوف الولايات المتحدة من وقوعها في يد الإرهابيين هو الذي يدفعها إلى السعي إلى تدميرها وربما يختلف الموقف إذا كانت في العراق حكومة ديمقراطية مسالمة، كما أن ضرب صدام ربما يدفع المنطقة نحو الانفتاح والاعتدال والاستقرار وتقليص نفوذ الإرهاب، وبالتالي قد يقطع الطريق على احتمال ضرب بلدان أخرى، ومن جهة ثالثة فإن إقامة نظام ديمقراطي في العراق لا بد أن يساهم في تحسين شروط حياة الشعب العراقي وينقذه من طغيان حكم البعث وقهره.
ويقول بعض الأميركيين: وعلى افتراض أن ضرب العراق يحرم العرب من قدرات عسكرية قائمة أو محتملة كبيرة ويصب في مصلحة إسرائيل، لكن أليس من الممكن أن يستفيد العرب أيضا من إزالة صدام حسين ونظامه العنيف والمخيف؟، وفي هذه الحالة فإن من الممكن القول إن لإسرائيل وللعرب، بما فيهم شعب العراق، مصلحة مشتركة في تصفية هذا النظام الاستبدادي؟.
إن جوهر ما تسعى الدعاية الحربية الأميركية إلى إدخاله في الذهن العربي المتشوق للخروج من حالة الركود والاستنقاع هو أن تغيير النظام العراقي مصلحة عراقية عربية بالدرجة الأولى وإن كانت في الوقت نفسه أو يمكن أن تكون مصلحة إسرائيلية.
من هنا يعتقد الأميركيون أن كسب الأطراف العربية لفكرة الحرب القريبة على النظام في العراق ليست صعبة ولا غير ممكنة فللعرب كما يظهر من التحليل مصلحة كبيرة فيها، وكل ما يحتاجه الأمر هو إعداد سياسي سليم تقوم به الدبلوماسية ويقوم به الإعلام. وهذا هو جوهر المهمة المطلوب تحقيقها في المرحلة الراهنة في الشرق الأوسط في إطار إدارة الحرب الدولية ضد الإرهاب.
والسؤال الرئيس الذي يطرحه التدخل الأميركي المبرمج في العراق علينا هو التالي: هل إسقاط النظام العراقي اليوم مصلحة عراقية وعربية فعلا؟ وهل قيام الولايات المتحدة بهذا العمل يؤثر على نتائجه ويلغي هذه المصلحة أو يجهضها؟.
فرضيات أميركية لحسم موضوع العراقإن الجواب يكمن في الرد على ثلاثة افتراضات رئيسية للدعوة الأميركية بضرورة الحسم في العراق.
الافتراض الأول: هو أن الحرب ليست ضد العراق ولكن ضد نظام صدام حسين الذي هو نظام أقلوي قمعي معزول في الداخل ويشكل إضافة إلى ذلك مصدر تهديد للمنطقة بأكلمها ولجيرانه العرب بشكل خاص. وفي هذه الحالة فإن الحرب المزمع شنها لن تكون إلا في صالح الشعب العراقي والشعوب العربية التي تستطيع أن تعتمد عليها لتتخلص من طاغية يهدد أمن شعبه وأمن المنطقة التي تفتقر بسببه للاستقرار.
الافتراض الثاني: هو أن الولايات المتحدة سوف تضع في مكان نظام صدام حسين نظاما ديمقراطيا يحترم حقوق الجميع وبشكل خاص حقوق الأقليات التي تعاني الكثير بسبب النظام القومي البعثي، وأن الإطاحة بهذا النظام سوف تساعد على تطوير الديمقراطية والانفتاح في البلاد العربية.
الافتراض الثالث: أن هدف الولايات المتحدة من ضرب النظام في العراق تحقيق الأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة وشعوبها والسعي إلى إقامة نظام للأمن الإقليمي يمكنها من سحب قواتها من الخليج لما يسببه وجودها فيه من عدم استقرار يشجع على ظهور شخصيات من نوع بن لادن. بل ربما أتاح ذلك فرصة لإقامة ناتو خليجي. وهذا ما يستدعي الإثبات. وهو موضوع مقال قادم.

mercredi, avril 10, 2002

GLOBALIZATION AND DEMOCRACY

Before the widespread use of the term Globalization, and following the end of the Cold War, the field of international relations was briefly dominated by the short-lived concept of a New World Order. Fashioned in stages, this concept initially described a new economic world order sought mainly by developing countries during the 1970’s. Late Algerian president Houari Boumedienne offered a notable defense of the concept in his historic 1974 address at the United Nations’ General Assembly when he spoke in the name of all nations aspiring toward industrial development.
The concept later shifted to the domain of international information relations, becoming known as the new information world order. This was also instrumental to developing nations attempting partake in forming information and disseminating news internationally. Former director of UNESCO Amadou M’Baw, an active supporter of such broader participation, made this a pivotal issue during his term in office.The concept of a new economic world order vocalized the Third World protests of the unjust distribution of wealth among nations and prodded leading industrial nations to recognize the gravity of the prevalent inequality and to subsequently desist from actively attempting to the lower prices of poorer nations’ raw exports. Similarly the concept of a new information world order, defended vigorously by UNESCO in the 1980’s during a wave of hope in the Third World that economic, political and cultural liberalization could curb the monopoly of news agencies controlled by industrialized nations, brought forth new challenges to directing and providing information for the world over.
These successive waves of protest by poor nations against the prevalent world orders instigated the industrialized nations to respond with their own economic and military solidarity, building an exclusive alliance within the framework of NATO. The United States vehemently refused any re-working of the then-dominant order of international relations and labeled the effort to build a new information world order as another Communist conspiracy to censor and control free speech and free press. In protest, the United States withdrew from UNESCO and exerted substantial pressure on Amadou M’Baw to resign. This radical secession by the United States, along with a general reluctance by other industrial nations to reconsider the current situation, quickly dashed any hopes of opening international and multi-lateral negotiations on issues vital to all of humanity. Such censure of any debates on development, the exchange of knowledge, technical expertise or the redistribution of wealth and resources deeply undermined the validity of a world order as a conceptual framework open to research and questioning.
Nevertheless, the concept of a world order was quickly revived and energetically injected into the domain of international relations, this time in a stronger position than before. For following the end of the Cold War and in tandem with the Western coalition’s war against Iraq in the early 1990’s, the concept once again took center stage, donning, however, a new appearance and claiming a new content.Shifting from economic and information issues to political and geo-political ones, the concept, now refurbished, became a device employed by the industrial nations to exert pressure on developing nations, rather than the other way round. In the wake of Iraq’s invasion of Kuwait this new world order, proclaimed by President George Bush following French President Francois Mitterrand, meant not a redistribution of wealth and capital -- be it financial, technological or informational -- but rather an implementation of the so-called rules of international law which prohibited nations from attacking each other.In practical terms, this new world order no longer worked for change, but rather for fixing and stabilizing the existing political and geo-political situation. By controlling the UN Security Council -- whose decision are considered the foundation of international law -- the powerful nations actually controlled and inhibited any political or geo-political change that could have erupted in response to the preceding period. The wealthy industrial nations now could claim themselves as the guardians of a New World Order and the guarantors of international stability.
Around the same time, it was also argued that with the end of the Cold War, this New World Order would open new horizons for a world now safely guided by the United States and other powerful industrial nations. By halting the arms race, it was claimed, a surplus of capital could now be redirected toward developmental projects across the globe, especially for poorer nations. It was also argued that the end of the Cold War would result in the spread of democracy, as tensions in international relations were reduced and the illusions once vested into totalitarian regimes disappeared.
But hopes in this New World Order were short lived. The industrial nations did not increase assistance to poor nations, nor did they coordinate their efforts to help face the pressing needs of the poor. Democracy did not spread, and international law was not implemented. On the contrary, the advent of Bush’s New World Order saw the spread of ethnic and internecine wars in many poor nations, as the more affluent nations continued to vie ever-more greedily for larger shares in Third World markets, partially in an attempt to assuage the rise of unemployment within their own societies. It also became quite clear that no uniform standard was applied in implementing the so-called international law. All this lead the many critics of the industrial nations to depict such biased policies not as a New World Order, but rather as a system of Neo-Colonialism.
And so, gradually, the deployment of the term Globalization gained currency, initially limited to specific circles and domains, but eventually replacing the concept of a New World Order. The term Globalization was alleged to provide a conceptual framework with which to understand the domain of international relations in its constant permutations under a barrage of new information techniques and technologies. But once again, the same issues of importance to poor and developing nations returned: Will Globalization present greater opportunities for economic and social development and thus lead to democracy?
The second part of the question was and remains a matter of debate, resulting in two camps, broadly-speaking. The first side argues that the more Globalization lessens the grip of the nation-state on cultural and communicational arenas, reduces its capacity to maintain a strong base of political clients and connects internal development to the global market, the more it will increase the likelihood of democratic change in the Third World.
The other side, upheld by a wide spectrum of movements critical of Globalization and coming from a tradition of Marxist, leftist and critical thought, tends to argue the opposite position. As Hans-Peter Martin and Harald Schumann, authors of The Global Trap, contend in what has become a reference on the subject, Globalization constitutes the largest threat to democratic systems, not only for the developing nations but also for nations with a long tradition of democracy, namely industrial nations.
Their argument is that as the logic of a globalized economy -- namely the total search for the greatest profit -- spreads through society, the principle of political sovereignty loses its essence and its capacity to act. Political sovereignty is then reduced, according to the authors, to a mere stage upon which stands a crowd of alienated people as the state, caught in the trap of Globalization, capitulates its democratic legitimacy. Authority is then held by a minority, consisting of international speculators, business men, international mafias and multinational corporations, who in turn monopolize international markets and impose their policies on national governments. Briefly said, succumbing to the logic of international economy empties democracy of its essence and surrenders authority to the narrow interests of businessmen. Democracy requires not only the legality of the state, but also an ethic of liberty. Successful democracy includes a variety of political and social balances constantly checked by political parties, syndicates and other coalitions from civil society, as well as a minimum amount of solidarity and a fair distribution of wealth and resources. All this cannot be accomplished under the dire consequences of globalization, like the marginalization of the public and increased unemployment.
And so the question returns: Does Globalization offer the hope of a better future for democracy, or is it, rather, a major threat to democracy? Those who subscribe to the first point of view argue, firstly, that the leading democratic nations do actually seek a democratization of developing nations. For it is through such a process that these nations can promote and disseminate their own socio-political model, along with their values concerning individual freedom. They argue, secondly, that market capitalism, already dominant the world over, requires a similar and reciprocal political market based on the principles of competition among the individuals of the social elite. All of which means, they claim, that as the spread of economic liberalization promoting the West's influence and control of world resources increases, so will the odds of anchoring democracy in developing nations.
And yet, one could argue in response that there are no historical or logical reasons to support these assumptions. For although democratic nations, allegedly worried by the hegemony of totalitarian, fascist and communist regimes, speak often of spreading democracy, there is nevertheless no reason to believe that they are willing to prioritize such political ideals when dealing with other nations. For all nations, whether big or small, poor or powerful, do not base their politics on acts of good-will, or the development of living conditions, or the just governance of other nations, but rather on the basis of their own strategic and economic interests.
Moreover, after the demise of the largest totalitarian regimes, there are no longer any serious and extant threats to the current democracies and their interests which could have been used to justify an organized response. Rather, the maintaining of weak, unpopular and authoritative regimes which can easily be guided and manipulated is much more lucrative to powerful nations than the presence of real democracies; especially as such political systems cannot but reflect and express the longing of Third World populations for international justice, development and equal participation in world politics.
The 20th century abounds in unfortunate examples of how modernizing projects in developing nations -- whether successful or not -- seldom accomplish capital growth within the framework of international competition without implementing harsh measures to maintain low wages. For here in the Third World, economic liberalization undeniably requires an usurping of political authority. This is still evident today among the so-called "Asian tigers and dragons" like China and in any other nation seeking expedient capital accumulation in the current age. The epoch of concordance between the system of economic freedom and the system of political freedom is long past. And yet the major world powers show no compunction when painting a veneer of democracy and cultural diversity over what are essentially authoritative and repressive regimes -- regimes ruled by a small minority of agents who depend on outside forces and outside intelligence agencies to maintain stability and order. This beautifying veneer, which hides a rule of brutality, has become a necessary component of the now dominant world order, as it is also a specious requirement for gaining international legitimacy.
However one should not, as many critics do – making them correct only in principle -- apply suppositions valid for industrial nations on developing nations. For even if Globalization does threaten democracies in industrial nations, this does not necessarily mean that it threatens developing nations in equal or similar terms. True, Globalization threatens democracy in industrial nations, as it tends to destroy those spaces once open to freedom for both political activity and civil society -- and indeed democracy created these individual and societal spaces. Yet Globalization does not constitute the same threat to societies which never witnessed such spaces of freedom, let alone democracy. In such societies, Globalization is bound to damage some of the fortresses of the state that imprison much of society. In such cases Globalization would actually promote the creation of different and newer spaces, slightly less likely to be subjugated by the apparatuses of censorship, control and group punishment.
Therefore it is incorrect to simply state that the effects of Globalization on democratic systems and authoritarian regimes are one and the same. Nor is it correct to reductively claim that Globalization is marching along, with all societies, toward democracy. Rather, Globalization -- regardless of the nature of the society -- has two contradictory impacts: In dismantling the nation, Globalization shakes the foundations of the ethics of liberty and the state's legality as it encourages systems of social, racial, religious and sectarian discrimination. Also, through increased polarization it destroys social, political and national accountability as it entrenches instability and tension within societies. Moreover, by centralizing wealth and resources in the hands of a few, and within a limited number of locales, it stops the economy from growing in tandem with demographic changes and deepens the chasm that separates North from South, leading to increased unemployment, or even famine.
And yet, by opening up national spaces -- internally by breaking the monopoly of a system of political feudalism, and externally by connecting formerly separate spaces to each other -- Globalization promotes a unification of standards. This creates a shared world consciousness of the challenges facing humanity. In other words, it deepens the democratic consciousness, making democracy a common reference for all inhabitants of the earth. Moreover, Globalization gradually allows for the construction of an unprecedented network of international solidarity from which common solutions to common problems can be fashioned. The obvious discrepancy lies in the fact that Globalization promotes the demands of an international democracy, while it weakens the objective conditions for establishing viable national democratic systems.
What prevails is a Globalizing democracy that functions in different registers and on different levels, and possibly transforms the classical concept of individual freedom into an illusion. Therefore, the effect of Globalization is contingent on the nature of the effected societies. Globalization can rattle the old authoritarian regimes, as it can destabilize the classical democratic systems. And although we will continue to witness oligarchic regimes employing a merely executive and formal democracy, the contradictions will continue to loom larger, thus digging an unbridgeable gap between the high principles of democracy and the prevalent dysfunctional realities. These situations will necessarily lead to changes within the system of Globalization itself. For Globalization does not, in fact, increase or inhibit the chances for democracy. Rather, it undoes the foundations upon which the classical concepts of democracy were erected. Therefore it will no longer be possible to reconstruct democracy without an international perspective, one that surpasses the limited national/ethnic principle which once permitted the social solidarity with which national democracies were built. And yet, we ask again: Will globalization allow the building of coalitions among international, political and social groups capable of accomplishing an international solidarity, and thus a surge of national democracies?
The answer is affirmative. For in as much as the now dominant system of liberal Globalization promotes the destruction of democratic structures and disseminates chaos in international and social relations, it will also exacerbate and instigate various movements of protest. It will give birth to various forces able to resist the dominant order -- but only as long as they can construct a strategy for an international alliance able to regain the values of democracy in tangible and actual reality.
The future of democracy in the globalized world, and with it the future of human societies, hinges on the outcome of the struggle between two forces. There are those who put politics and society -- i.e. the logic of humanity and solidarity -- at the top of their political agenda and look beyond national borders for solidarity. And there are those forces which deploy the logic and priorities of economic expansion, undermining the relevance of the nation state, dismantling the structure of society and promoting the monopolies of financial agglomerations and the few sham governments that collaborate with them for the sake of expedient profits.
Building an international democracy will not come about without the tenacity to face this conflict based on the gradual accumulation of the successes of international solidarity movements. Only such a diligent resistance can control the unchecked flow of globalized capital and redirect it away from the logic of unrestrained market competition and into the logic of a human society founded on the primacy of an ethics of solidarity, cooperation and concordance.

Translated by Walid Sadek, Beirut
Burhan Ghalioun is presently the Director of the Centre d’Etudes sur l’Orient Contemporain (CEOC) in Paris and a Professor of Political Sociology at the Universite de Paris III (Sorbonne Nouvelle). He obtained his Ph.D. in Political Science from the Sorbonne. He is the author of several authoritative books, such as Le Malaise Arabe: l’Etat contre la Nation; Islam et Politique: la Modernite Trahie; Crise de la Politique: l’Etat et la Religion and La Culture Arabe: Entre Modernisme et Traditionalisme; as well as over a hundred academic articles in various journals on political Islam, Arab political culture and state and society relations in the Arab World.

vendredi, mars 15, 2002

العهد الأميركي الجديد الموعود أو تفاقم المحنة العربية


الجزيرة نت 15 مارس 2002

إن الكشف عن الخداع الأميركي في الحرب التي تعد ضد نظام صدام حسين والعراق نفسه ضروري حتى نتجنب السقوط في الأوهام أو في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة عندما تشن الحرب على نظام ما فهي تهدف إلى تحقيق مصالح شعبه أو الشعوب العربية الأخرى، لكن هذا الكشف لا يكفي وحده ولا يمكن أن يكون خاتمة المطاف في نقاش الوضع العراقي. وإذا وقفنا عنده لا نكون فعلنا شيئا سوى تبرير الوضع القائم ونفي شرعية العمل لتغييره.
والحال أن هناك مشكلة حقيقية إذ لا نستطيع أن نبعد احتمال نجاح الحل الأميركي أو الخارجي لها إذا لم ننجح نحن أنفسنا في إيجاد هذا الحل الذي يتواءم مع مصالحنا كعراقيين وكعرب معا.
ويمكن تلخيص جوانب المسألة الرئيسية في أسئلة ثلاثة:
هل ينعكس استمرار الوضع العراقي بآثار سلبية على الشعب العراقي وعلى المجموعة العربية معا، ويستدعي بالتالي المسؤولية في التفكير بتغييره والعمل على هذا التغيير؟
هل هناك أمل في أن يأتي هذا التغيير من داخل العراق أولا ومن المجموعة العربية ثانيا، وما هي قدرتنا على تعزيز فرص التغيير من الداخل؟
إذا لم يكن التغيير من الداخل العراقي أو العربي ممكنا، ألا يكون الحل الوحيد الممكن هو الحل الأميركي المطروح من خلال الحرب ضد الإرهاب؟ وهل مثل هذا الحل سيكون أهون الشرين أم هو شر لا يمكن أن يكون من دون عواقب سيئة على العراق والعرب معا؟
”رفض الحرب الأميركية على العراق لا يعني عدم التسليم بضرورة وعاجلية القضاء على نظم الاستبداد والطغيان في البلاد العربية ولا عدم تأكيد أن الديمقراطية والأمن الجماعي الإقليمي والاستقرار والتنمية هي الأهداف والشعارات الرئيسية لمجموع الشعوب العربية وفي مقدمها الشعب العراقي”
إن رفض الحرب الأميركية على العراق لا يعني عدم التسليم بضرورة وعاجلية القضاء على نظم الاستبداد والطغيان في البلاد العربية ولا عدم تأكيد أن الديمقراطية والأمن الجماعي الإقليمي والاستقرار والتنمية هي الأهداف والشعارات الرئيسية لمجموع الشعوب العربية وفي مقدمها الشعب العراقي.
وليس هناك شك عندي في أن قليلا جدا من العرب لا يزالون يؤمنون بقدرة الأنظمة العربية على تحقيق أدنى مصلحة من مصالحهم الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو الدينية، أو بفائدة الأسلحة المتطورة التي يملكونها في مواجهة القوة الإسرائيلية والأميركية الطاغية في المنطقة. وقلة قليلة جدا لاتزال تتملكها بعض الأوهام حول الإنجازات والمعجزات المحتملة التي يمكن أن تقوم بها زعامات عربية فقدت كثيرا من مصداقيتها أو كلها. ولا شك عندي أيضا أن القضاء على النظام الطاغي في العراق -مثله مثل القضاء على القسم الأكبر من الأنظمة السياسية القائمة في البلاد العربية- سيثير الحماس عند كل فرد يمتلك الحد الأدنى من الشعور بالكرامة والسيادة والحرية في البلاد العربية.
وأكثر من أي نظام آخر في المنطقة، يظهر النظام العراقي القائم على سلطة الفرد المطلق المعتمد على أجهزة القهر والإخضاع والتحييد التي تسمى بلغتنا خطأ "أجهزة الأمن"، نظاما غير قابل للاستمرار ولا يستحق الحياة، وهو لا يعمل إلا على تدمير المجتمع الذي يقوم فيه ويسيطر عليه، وأن استمراره يعني تمديد أمد معاناة الشعب العراقي ومحنته، فليس هناك إذن أي سبب للدفاع عنه أو عن بقائه لا من الوجهة الإستراتيجية ولا السياسية ولا الأخلاقية، وبقاؤه لا يخدم في التحليل النهائي إلا وجود زعيمه.
إن شعبا كاملا يعيش اليوم رهينة الحفاظ على بقاء وكرامة رئيس انتزع السلطة بالقوة ولايزال مستمرا بفضل تحكمه بمصدر القوة والعنف في الدولة والنظام، وحتى لو توافر للنظام العراقي أسلحة دمار شامل كما يظن البعض -ومعظمهم من الأميركيين- فلن يكون لها قيمة في أي مواجهة حقيقية مع إسرائيل، وهذه المواجهة لن تحصل بعد اليوم على أي حال، وبالعكس سوف تستخدم في الغالب ضد المجتمع العراقي نفسه. وهذا يعني أن تغيير هذا النظام لا يمثل بالنسبة للشعب العراقي المهمة الأولى على جدول أعماله السياسية ولكنه، هو جدول الأعمال ذاته ولا شيء غيره، ومن دون تحقيق هذه المهمة ليس للشعب العراقي أي مستقبل ولا يمكن لأحد أن يتوقع إلى أي درجة من السوء يمكن أن يكون مصيره.
لكن رفض العرب أن يقوم هذا التغيير عن طريق حرب أميركية جديدة على العراق يهدف إلى تأكيد أمرين:
الأول أن المسألة لن تكون مسألة القضاء على الإرهاب لصالح دولة خارجية، وهي إضافة إلى ذلك الدولة الرئيسية التي وضعت هذه الأنظمة ورعتها أو وافقت عليها وحمتها وعززت قدراتها في فترة كانت مفيدة لتحقيق مصالحها.
والثاني أن التغيير حتى يكون ذا قيمة أي ثابتا وحقيقيا وقادرا على تحقيق الغاية المنشودة من حرية وأمن واستقرار وتنمية، ينبغي أن يقوم على أكتاف قوى محلية هي صاحبة المصلحة فيه. وما لم يحصل ذلك فإنه لن يكون إلا في مصلحة القوى التي تقوم به ولن يجير إلا لفائدتها، وسوف يعبر في هذه الحالة الثانية عن إضاعة الشعوب العربية بشكل أكبر لتحكمها بمصيرها ولقدرتها على قيادة أمورها بنفسها، أي عن دمار أسس تطورها ونضجها السياسي والمجتمعي.
لكن في هذه الحالة يطرح سؤال عما إذا كان من الممكن تحقيق مثل هذا التغيير من الداخل ومن قبل قوى عراقية، أو عراقية بدعم عربي. ومن الوهلة الأولى يبدو الأمر مستبعدا إذ من الصعب عدم الاعتراف بأن قوى التغيير الداخلية لم تظهر في السنوات الماضية مقدرات استثنائية لتجاوز التناقضات والمثالب التي أحدثها النظام العراقي نفسه في صفوف المجتمع وقواه السياسية والفكرية. لكن بعكس ما يعتقد الأمريكيون، لم تساعد الحرب التي شنت على العراق من قبل التحالف الدولي ودمرت أسس حياة المجتمع العراقي هذه القوى ولكنها عزلتها أكثر من قبل، كما حيدت مجموع الشعب العراقي الذي لم يعد لديه سوى هم واحد هو الحفاظ على البقاء.
وقد جاءت سياسة الحصار بعد حرب التدمير الشامل لتفاقم من أزمة المجتمع والقوى السياسية المرتبطة به معا، وزاد تبني الولايات المتحدة لقوى المعارضة أو لجزء منها في تقسيم قوى التغيير وبث التردد والإحباط والشرذمة عليها فوق شرذمتها الأصلية، وكانت النتيجة كما هو واضح انمحاء كاملا لهذه القوى أمام النظام وصعودا كبيرا في قدرة النظام على البقاء والمناورة في الداخل والخارج.
إن سياسة الولايات المتحدة العراقية والخليجية والأسلوب الذي اتبعته في مواجهة النظام العراقي ولا تزال -وهو أسلوب القوة الغاشمة التي لا يهمها إن قضت على المريض وهي تسعى للقضاء على المرض- هي المسؤولة الرئيسية عن الكساح الذي تعاني منه المعارضة الديمقراطية العراقية.
والاستمرار في هذه السياسة القائمة على القوة الطاحنة التي لا تراهن إلا على نفسها وتستخدم القوى المحلية والداخلية كعناصر إضافية ملحقة للتغطية على تفردها بالعمل والقرار أو كأدوات تلعب بها الأجهزة الاستخبارية حسب حاجات المناورة الأميركية على العراق وداخل الساحة الإقليمية.. أقول إن الاستمرار في هذه السياسة لن يزيد من فرص نمو قوى الديمقراطية الداخلية والاعتماد على النفس، وإنما سيجهض أكثر من ذي قبل كل أمل في التغيير الفعلي ويجعل الشعب العراقي رهينة حقيقية للسياسة الأميركية بعدما كان رهينة لسلطة الطاغية، وحتى لو حصل وأقرت الديمقراطية نتيجة التدخل الخارجي فلن تكون ثمرتها تعزيز سيادة المجتمع والشعب العراقي، ولكنها التغطية على ارتهان السلطة الجديدة للولايات المتحدة أي لتبعية أكبر وأعمق لصالح واشنطن.
”قسمت الحرب العراقية الكويتية العرب، واستقالت الجامعة العربية تجاه المسألة العراقية منذ الوقت الذي وضعت نفسها فيه بهذه المناسبة في خدمة القرار إن لم نقل الأمر الأميركي، وسلمت للولايات المتحدة بالقيام بالمهمة التي كانت موكلة إليها حسب ميثاقها لتحقيق السلام والتسوية بين البلاد العربية”وبالمثل، لا تبدو فرص التغيير في إطار الجامعة العربية أكثر شأنا، فقد قسمت الحرب العراقية الكويتية العرب، واستقالت الجامعة العربية تجاه المسألة العراقية منذ الوقت الذي وضعت نفسها فيه -بهذه المناسبة- في خدمة القرار إن لم نقل الأمر الأميركي، وسلمت للولايات المتحدة بالقيام بالمهمة التي كانت موكلة إليها حسب ميثاقها لتحقيق السلام والتسوية بين البلاد العربية.
ومن الواضح أن هذه الجامعة لم تستطع أن تتجاوز السقطة التي شهدتها بهذه المناسبة ولا أن تخرج منها لتقوم بدور مبادر وفعال وناجع في التقريب بين وجهات النظر العربية وإحداث نقلة في العلاقات الخليجية العراقية تسمح باستعادة المبادرة والقيام بمحاولات موازية لحلحلة الخلاف العربي العربي والوصول إلى حل مقبول بين العراق ودول الخليج ينزع فتيل الحصار ويجعله من دون مبرر. لكن هذا الوضع كان ولايزال هدفا رئيسيا من أهداف السياسة الأميركية، كما كان توتير العلاقات العراقية الخليجية وسيلة دائمة تستخدمها الدبلوماسية الأميركية لمنع أي تفاهم عربي وبالتالي تبرير موقع الوصاية الذي تحتله واشنطن على المنطقة، واستمرار بقاء القوات الأميركية فيها وحرف نظر العرب عن بؤرة التوتر التي تمثلها إسرائيل ومشروعها الاستيطاني التوسعي المدعوم من قبل واشنطن.
والنتيجة -بعكس ما يشيعه دعاة الحرب الأميركيون- أن أمل المنطقة بالخروج من الأزمة الصعبة التي تعيشها، بما في ذلك من النزعة الانتحارية التي يشهدها جزء من الرأي العام المغذي للإرهاب، لا يكمن في تدخل أكثر من قبل الولايات المتحدة وأي قوة خارجية أخرى في شؤون المنطقة بقدر ما يرتبط بتقليص هذا التدخل بل والكف عنه.
فقد أدت التلاعبات الخارجية داخل المنطقة إلى تحييد كل قوى الفعل الداخلي ورهنت مصير الشعوب جميعا بمصادر قوة ومراكز قرار وموارد موجودة جميعا خارجها، ولم يعد هناك أي إمكانية لكي يقول أهل المنطقة كلمة فيما يتعلق بشؤونهم، وسوف تزداد أزمة المنطقة أكثر مع تزايد التدخل وليس العكس، فما تعيشه المنطقة هو ثمن الاستقرار الذي بحثت عنه ودعمته وحاربت من أجله الولايات المتحدة نفسها في العقود الماضية، وهو الاستقرار المرتبط بالتوازن الذي خلفته حروب الخليج في التسعينات.
وكما أن الحفاظ على الوضع القائم في المنطقة استدعى قبول الولايات المتحدة وتعاونها مع العديد من الأنظمة العربية التي تعاني من ضعف شديد في القوة السياسية والفكرية معا، ومن انعدام الشرعية والصدقية، بل تدعيمها، فإن الحفاظ على الحكم والنظام والاستقرار في كل بلد من بلدان المنطقة يقوم على تجنب المغامرة والانفتاح الذي يقود إلى أوضاع جديدة غير معروفة والقبول بالتعايش مع نظام عراقي يفتقر هو نفسه إلى الشرعية والمصداقية، وهذا ينطبق حتى على بلدان الخليج. فعراق ضعيف ومحاصر ومحيد هو أفضل دريئة لنظم عربية منهكة ومستنفدة سياسيا وأخلاقيا أيضا.
هكذا يبدو مصير النظام العراقي مرتبطا اليوم فعليا بمصير النظم العربية الأخرى المماثلة وبالنظام الجماعي العربي، بقدر ما يرتبط هذا النظام بالنظام الإقليمي الذي أقامته الولايات المتحدة ولاتزال ترعاه من خلال الدعم غير المشروط الذي تقدمه لإسرائيل، ومن خلال جعل إسرائيل الدعامة الرئيسية بل الوحيدة للوجود العسكري فيه، ولن يكون لتغيير النظام العراقي قيمة ما لم يكن جزءا من تغيير النظام العربي بأكمله، أي تغيير طبيعة الأنظمة القائمة من جهة وطبيعة العلاقات التي تربطها فيما بينها.
وبالمثل ليس هناك أمل في إحداث مثل هذا التغيير العربي من دون تغيير طبيعة النظام الإقليمي الذي يهيمن عليه بالفعل التحالف الإستراتيجي الإسرائيلي الأميركي الذي يعطي لتل أبيب موقع الوكيل الرسمي للولايات المتحدة في المنطقة، في الوقت الذي تخوض فيه حربها الطاحنة لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى الذي يشكل تهديدا لجميع الدول العربية. ومن دون ذلك لن يكون للتدخلات الأميركية التي تغري منذ الآن جزءا من الرأي العام العربي الناقم على أنظمة القهر والطغيان، أي أثر آخر سوى كسر المجتمعات وتفاقم المحنة العربية الوطنية والقومية.
وتستدعي مواجهة مخاطر التكسير والانهيار المتزايد للمجتمعات وللمنظومة العربية برمتها نتيجة التدخلات الخارجية المحتملة، حصول معجزة حقيقية داخل صفوف النخب الحاكمة العربية. وتعني المعجزة هنا ارتفاع النخب الحاكمة بقوة وسرعة فوق طاقاتها وملكاتها وإمكاناتها السياسية والأخلاقية والروحية، وتحقيق نقلة نوعية في تصوراتها الإستراتيجية تدفع بها إلى إحداث تغييرات جدية وسريعة في إطار ممارسة السلطة والانفتاح على الشعوب، وتمكنها من التفاهم السريع فيما بينها والانتقال من ردود الأفعال الفردية العاثرة إلى العمل الجماعي الجدي والمسؤول على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي معا، والعمل على وقف نزيف الفساد والتسيب والاستهتار بمصالح الناس وتحقيق قفزة نوعية في تهيئة الكفاءات وتطوير المواهب عند جميع السكان.
”ينبغي أن نعرف منذ الآن أن هذا التدخل إذا حصل -وعلى الأغلب سيحصل- لن تكون نتائجه لا تحقيق الديمقراطية ولا الأمن ولا حل المسألة الفلسطينية ولا التنمية، ولكن تكسيرا للمجتمعات العربية أكثر عمقا، وتعريضا لها لمستقبل من الفوضى والانهيار والتفكك”بذلك فقط يمكننا أن نجد حلا للمسألة العراقية ضمن الحل العام للأزمة العربية وأن نجنب المنطقة مخاطر الحرب الداخلية الجديدة المفروضة من الخارج باسم مكافحة الإرهاب وفتح الطريق أمام الانتعاش الشامل، فإذا بدا أن تغيير النظام العراقي كغيره من النظم العربية المتكلسة ليس ممكنا من الداخل ولا في إطار جهود عربية مشتركة للإصلاح الجماعي واستمرت النخب الحاكمة تبدي ما تبديه اليوم من غياب روح المسؤولية والثقافة والحنكة السياسية، فلن تنجح الولايات المتحدة ودعاتها في تبرير التدخل في العراق فحسب، ولكنهم سوف يجعلون من تعفن الأنظمة وفسادها ذريعة لتوسيع دائرة التدخل في جميع البلاد العربية وفرض الوصاية الفعلية عليها من خلال أنظمة عميلة تحكم بعصاتها وتدافع عن مصالحها، وكل ما نعيشه ونشهده في هذه الأيام هو الإعداد لهذا التدخل الطويل المدى وعلى أكثر من صعيد وفي أكثر من قطر عربي.
لكن ينبغي أن نعرف منذ الآن أن هذا التدخل إذا حصل -وعلى الأغلب سيحصل- لن تكون نتائجه لا تحقيق الديمقراطية ولا الأمن ولا حل المسألة الفلسطينية ولا التنمية، ولكن تكسيرا للمجتمعات العربية أكثر عمقا، وتعريضا لها لمستقبل من الفوضى والانهيار والتفكك أكثر مما شهدته في العقود الماضية، وتوسيع دائرة التوتر والانقسام والعنف والفقر والفساد معا في كل بلد منها وفيها جميعا.
هذا هو مضمون العهد الأميركي الجديد الموعود ولا شيء غيره، وإذا جاء فسيكون الثمن الطبيعي والحتمي للاستقالة السياسية والأخلاقية ولتحييد الشعوب وتدمير بناها المدنية والسياسية من قبل النخب الحاكمة العربية وتقديمها لقمة سائغة لجميع الوحوش الضارية الداخلية والخارجية.

jeudi, février 28, 2002

إسقاط النظام: هل يحقق مصلحة عراقية وعربية؟

الجزيرة نت الأحد 18/5/1423هـ الموافق 28/2/2002م،

ما كادت حرب أفغانستان تنتهي، وهي لم تنته بالفعل بعد، حتى طرحت على بساط البحث مسألة حرب العراق الرامية إلى الإطاحة بحكم صدام حسين. ولدرجة ما صدر من تصريحات من قبل المسؤولين الأميركيين ورجال الصحافة والإعلام عامة حول هذا الموضوع اقتنع الرأي العام الدولي بأكمله بأن حربا جديدة على العراق لتغيير الحكم لامحالة حاصلة وأنها لا بد أن تكون على رأس جدول الأعمال الأميركية وبالتالي الدولية للشهور القليلة القادمة.
وكما يقول المحلل السياسي الأميركي غراهام فولر في مقالاته التي نشرت في الجزيرة نت، فإن جميع المسؤولين الأميركيين متفقون على ضرورة الحرب ضد صدام حسين، لكن الفرق الوحيد بين الصقور والحمائم في واشنطن هو أن الصقور يريدون عملا فوريا الآن بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى في الشرق الأوسط، أما الحمائم الذين ينتمي إليهم فإنهم يريدون التريث إلى حين التوصل إلى إجماع سياسي ودبلوماسي متين في المنطقة ضد صدام.
وهذا يعني في الواقع أن موضوع الخلاف بين أطراف الإدارة الأميركية بشأن بدء الحرب في العراق هو التوقيت لا غير. وأن الفريق الحمائمي لا يتميز عن فريق الصقور في نوعية الأهداف التي يطرحها في سياسة الولايات المتحدة الخارجية ولا في أسلوب العمل لتحقيق هذه الأهداف الواحدة المجمع عليها، ولكن في تأمين الشروط الأمثل لخوض الحرب.
فالحمائم الذين يركزون على التخطيط العقلاني والعمل البارد في مقابل الغبار الذي تثيره الرؤوس الحامية يعتقدون أن خوض حرب ناجحة ضد العراق لا تترك آثارا ونتائج جانبية سلبية تضعف مكاسب الولايات المتحدة فيها أو تهدد الغاية المرسومة لها، حربا ناجحة من وجهة النظر السياسية والعسكرية معا، يستدعي إعدادا سياسيا وفكريا ونفسيا حقيقيا للحكومات وللرأي العام لجميع الأطراف المعنية، على مستوى العراق ذاته، وعلى مستوى العالم العربي والشرق الأوسط بأكمله. وفي إطار إعداد الرأي العام العربي لتقبل هذه الحرب التي يبدو أن توقيتها سيكون أقرب إلى التوقيت المقترح من قبل الحمائم، أي من دون عجلة، امتشق العديد من المحللين السياسيين الأميركيين أقلامهم، ومن بينهم ما كتبه غراهام فولر في الجزيرة نت، لإقناع العرب بالفوائد العديدة التي يمكن أن يجنوها منها.
ويترافق هذا العمل المتواصل للمحللين السياسيين لإعداد الرأي العام العربي لقبول فكرة نقل الحرب ضد الإرهاب نحو العراق أو إدخال حرب الإطاحة بالنظام العراقي في جدول أعمال الحرب الدولية ضد الإرهاب مع العمل الدبلوماسي الناشط لواشنطن في الشرق الأوسط.
فكما يشير إلى ذلك جدول زيارات المسؤولين الأميركيين للعواصم العربية المعنية، سواء أكانوا تابعين لوزارة الخارجية أو للكونغرس أو لمؤسسات سياسية أخرى, تقود الحكومة الأميركية حملة منهجية ومنظمة لإقناع الرأي العام العربي الرسمي بضرورة التعاون الإيجابي مع واشنطن لتحقيق أهداف تعتبرها أساسية لقطف ثمار الحرب ضد الإرهاب. ومن المؤكد أن الحجج ذاتها التي يقدمها المحللون السياسيون الأميركيون لإقناع الرأي العام الشعبي هي ذاتها التي ستستخدمها دبلوماسية البيت الأبيض لكسب تأييد الحكومات العربية، مع إضافة طريقة أخرى للإقناع ربما كانت التلويح بملفات الإرهاب والعنف وانعدام الديمقراطية أيضا.
ومن الواضح أن القيادة الأميركية، بمفكريها وبمسؤوليها السياسيين ودبلوماسييها معا تواجه مشكلة كبيرة في إعداد الرأي العام العربي والدولي، الرسمي والشعبي لحرب جديدة على العراق. فهي تفتقر للحجج التي يمكن أن تبرر لها تعبئة التحالف الدولي ضد الإرهاب لتغيير الحكم في العراق.
فباعتراف المسؤولين والمعلقين الأميركيين أو أغلبهم على الأقل، لم يثبت أي تورط لبغداد في عمليات الإرهاب الدولي التي رافقت الإعداد لهجوم الحادي عشر من سبتمبر أو تنفيذه مما يعني أن واشنطن لاتزال تجد صعوبة في وضع عملية تغيير النظام العراقي على قائمة جدول أعمال الحرب ضد الإرهاب. ومن هنا فهي تحتاج إلى مبررات أخرى تكون مقبولة من الدول العربية ومن أطراف التحالف الأخرى، بما في ذلك الأطراف الأوربية الحليفة.
ومن خلال المقالات والتحليلات والتصريحات الأميركية العديدة التي تكتب أو تصدر من فترة لأخرى، يمكن جمع هذه المبررات التي تهدف إلى إضفاء الشرعية على الحرب المزمع خوضها على الأرض العراقية بأربع عناصر رئيسية ليس الإرهاب من بينها.
مبررات الأميركان للحرب ضد العراق
تطوير أسلحة الدمار الشاملالعنصر الأول أن صدام حسين لايزال يعمل على تطوير أسلحة الدمار الشامل وهو يهدد من هذه الناحية الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة وأنه خاض حربين كبيرتين مع جيرانه المسلمين وقصف مواطنيه الأكراد بالقنابل الكيمياوية.
قمعية النظاموالعنصر الثاني هو أن نظام صدام حسين هو أكثر الأنظمة في العالم الإسلامي قمعا لشعبه.
وحشية صداموالعنصر الثالث هو أن صدام حسين أيضا رجل وحشي يكرهه شعبه والعرب جميعا من حوله.
اعتماد صدام على الأقاربوالعنصر الرابع أن صدام حسين لا يستند في حكمه إلا على حفنة من الأقارب والأنصار، ولا يمثل حكمه سوى حكم أقلية اجتماعية أو إثنية ضئيلة.
مخاوف الأنظمة العربية من التغيير
لماذا تتمسك الحكومات والشعوب العربية إذن بصدام حسين؟ أو لماذا تعارض في أغلبيتها على الأقل، كما يعتقد ذلك المسؤولون الأميركيون، الحرب ضد نظام صدام؟، وكيف يمكن تفسير هذه المعارضة؟ إن السبب الرئيس لوقوف الحكومات والشعوب العربية موقفا سلبيا من تغيير النظام العراقي يكمن في نظرهم في وجود مخاوف ليس لها أساس كبير من الصحة ولا تقوم على محاكمة عقلانية ومنطقية. فهي تنبع من ثلاث محاكمات خاطئة أو غير صحيحة..المحاكمة الأولى: هي أن ضرب صدام حسين سوف يحرم العرب من وزن العراق العسكري وأسلحته المتطورة ذات التدمير الشامل في مواجهة إسرائيل.المحاكمة الثانية: هي أن الأنظمة تعتقد أن ضرب العراق يمكن أن يكون مقدمة لضرب بلدان أخرى ولذلك فهي تريد أن تقطع الطريق عليها.المحاكمة الثالثة: هي أن حربا جديدة على العراق سوف تتسبب بمعاناة جديدة للشعب العراقي الذي يعيش منذ أمد بعيد في حالة مأساوية.
والحال، كما يقول الأميركيون، إن أسلحة صدام حسين لم تستخدم ضد إسرائيل وما استخدم منها في حرب العراق الكويت لم تحدث أثرا كبيرا ولا كان ذا فاعلية استثنائية، كما أن وجود هذه الأسلحة ليس مرتبطا بوجود صدام حسين، بل العكس هو الصحيح، إن خوف الولايات المتحدة من وقوعها في يد الإرهابيين هو الذي يدفعها إلى السعي إلى تدميرها وربما يختلف الموقف إذا كانت في العراق حكومة ديمقراطية مسالمة، كما أن ضرب صدام ربما يدفع المنطقة نحو الانفتاح والاعتدال والاستقرار وتقليص نفوذ الإرهاب، وبالتالي قد يقطع الطريق على احتمال ضرب بلدان أخرى، ومن جهة ثالثة فإن إقامة نظام ديمقراطي في العراق لا بد أن يساهم في تحسين شروط حياة الشعب العراقي وينقذه من طغيان حكم البعث وقهره.
ويقول بعض الأميركيين: وعلى افتراض أن ضرب العراق يحرم العرب من قدرات عسكرية قائمة أو محتملة كبيرة ويصب في مصلحة إسرائيل، لكن أليس من الممكن أن يستفيد العرب أيضا من إزالة صدام حسين ونظامه العنيف والمخيف؟، وفي هذه الحالة فإن من الممكن القول إن لإسرائيل وللعرب، بما فيهم شعب العراق، مصلحة مشتركة في تصفية هذا النظام الاستبدادي؟.
إن جوهر ما تسعى الدعاية الحربية الأميركية إلى إدخاله في الذهن العربي المتشوق للخروج من حالة الركود والاستنقاع هو أن تغيير النظام العراقي مصلحة عراقية عربية بالدرجة الأولى وإن كانت في الوقت نفسه أو يمكن أن تكون مصلحة إسرائيلية.
من هنا يعتقد الأميركيون أن كسب الأطراف العربية لفكرة الحرب القريبة على النظام في العراق ليست صعبة ولا غير ممكنة فللعرب كما يظهر من التحليل مصلحة كبيرة فيها، وكل ما يحتاجه الأمر هو إعداد سياسي سليم تقوم به الدبلوماسية ويقوم به الإعلام. وهذا هو جوهر المهمة المطلوب تحقيقها في المرحلة الراهنة في الشرق الأوسط في إطار إدارة الحرب الدولية ضد الإرهاب.
والسؤال الرئيس الذي يطرحه التدخل الأميركي المبرمج في العراق علينا هو التالي: هل إسقاط النظام العراقي اليوم مصلحة عراقية وعربية فعلا؟ وهل قيام الولايات المتحدة بهذا العمل يؤثر على نتائجه ويلغي هذه المصلحة أو يجهضها؟.
فرضيات أميركية لحسم موضوع العراقإن الجواب يكمن في الرد على ثلاثة افتراضات رئيسية للدعوة الأميركية بضرورة الحسم في العراق.
الافتراض الأول: هو أن الحرب ليست ضد العراق ولكن ضد نظام صدام حسين الذي هو نظام أقلوي قمعي معزول في الداخل ويشكل إضافة إلى ذلك مصدر تهديد للمنطقة بأكلمها ولجيرانه العرب بشكل خاص. وفي هذه الحالة فإن الحرب المزمع شنها لن تكون إلا في صالح الشعب العراقي والشعوب العربية التي تستطيع أن تعتمد عليها لتتخلص من طاغية يهدد أمن شعبه وأمن المنطقة التي تفتقر بسببه للاستقرار.
الافتراض الثاني: هو أن الولايات المتحدة سوف تضع في مكان نظام صدام حسين نظاما ديمقراطيا يحترم حقوق الجميع وبشكل خاص حقوق الأقليات التي تعاني الكثير بسبب النظام القومي البعثي، وأن الإطاحة بهذا النظام سوف تساعد على تطوير الديمقراطية والانفتاح في البلاد العربية.
الافتراض الثالث: أن هدف الولايات المتحدة من ضرب النظام في العراق تحقيق الأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة وشعوبها والسعي إلى إقامة نظام للأمن الإقليمي يمكنها من سحب قواتها من الخليج لما يسببه وجودها فيه من عدم استقرار يشجع على ظهور شخصيات من نوع بن لادن. بل ربما أتاح ذلك فرصة لإقامة ناتو خليجي. وهذا ما يستدعي الإثبات. وهو موضوع مقال قادم.

mercredi, février 27, 2002

هل يخاف العرب من إسقاط النظام العراقي؟

الجزيرة نت
الأربعاء 15/12/1422هـ الموافق 27/2/2002م، (توقيت النشر) الساعة: 09:44(مكة المكرمة)،06:44(غرينيتش)

لا أعتقد أن مقاومة العرب العامة لأي تدخل أميركي جديد في العراق وفي أي بلد عربي آخر، نابعة من الحرص على النظم السياسية الاستبدادية أو نصف الاستبدادية القائمة في بلادهم، ولا بسبب الأوهام المرتبطة بوجود أسلحة دمار شامل أو غير شامل يمكن أن تستخدم يوما في مواجهة العجرفة الإسرائيلية التي وصلت حدا أجهضت فيه جميع ما كانت الدول الموجودة تنطوي عليه من صدقية بوصفها ضمانة للأمن والاستقرار الوطنيين.
وإذا كان هناك من يخاف بالفعل أن يشكل التدخل العسكري الجديد المنتظر في العراق مقدمة لتدخلات أخرى في بعض الدول العربية، فهي بعض الأنظمة والنخب السياسية التي تشعر بأنها مقطوعة الصلة والجذور مع مجتمعاتها، لكن بالتأكيد ليس المجتمعات ذاتها.
وليس هناك شك في أن الرأي العام العربي في قطاعاته الأوسع والأكثر تنورا ونضجا يقف من دون تردد مع التغيير، ولم يكن في أي فترة ماضية أكثر استعدادا للانخراط في حركة التغيير والتضحية في سبيل تجديد نظم الحكم والإدارة وممارسة السلطة مثلما هو عليه اليوم.
وإذا كان هذا الرأي العام العربي -رغم تطلعه إلى القضاء على الدكتاتورية وفقدانه الثقة بنظم الحرب العربية رجالا وأسلحة واستعداده للسلام بكل ما يتطلبه ذلك من تضحيات ومخاطر- يرفض القبول بمشروع تعريض العراق أو أي بلد عربي لحملة عسكرية جديدة، فليس ذلك حبا بالزعامات والنظم السياسية القائمة ولا خشية منها ولا خوفا مما سيعقبها، ولكن نتيجة الخبرة الطويلة مع القوى الغربية والولايات المتحدة في مقدمتها في العقود الثلاثة الماضية.
ولو أن الرأي العام العربي كان على ثقة بأن ما تريده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو -كما يتحدث عنه الإعلام الأميركي اليوم بمناسبة الإعداد للحرب وإضفاء المشروعية عليها- تخليص الشعوب العربية من الدكتاتورية وإقامة نظم ديمقراطية وطمأنة الأقليات وتحرير المنطقة من عوامل السيطرة والهيمنة والقهر في سبيل تحقيق الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط لجميع الدول والشعوب، وفتح هذه المنطقة على الاستثمارات الخارجية لتمكينها من الوصول إلى معدلات تنمية طبيعية وعادية وليس بالضرورة استثنائية، وإزالة أسباب التعصب والعنف والإرهاب منها، لما تردد عربي واحد في إعطاء مباركته لواشنطن أو لأي قوة دولية أخرى في المنطقة أو خارجها.
إن المشكلة ليست في الشعارات التي تطرحها الولايات المتحدة بما في ذلك قطع جذور الإرهاب، ولكن في علاقة الولايات المتحدة بهذه الشعارات وتعاملها معها في العالم أو على الأقل في البلاد العربية. فكيف يمكن لأولئك الذين يرفعون اليوم شعارات الديمقراطية والأمن والاستقرار الإقليميين والتنمية لتبرير الحرب على العراق ثم فيما بعد على بلدان أخرى، أن يقنعوا الشعوب العربية بالفعل أن الولايات المتحدة لم يكن لها أي يد ولا مصلحة ولا إرادة في الإبقاء على النظم المتخلفة الاستبدادية وغير الإنسانية التي سادت المنطقة العربية ولا تزال منذ أربعة عقود على الأقل؟ وكيف يمكنها أن تبرهن للرأي العام أن هذه الأنظمة نجحت في الاستمرار والبقاء رغم تعارض وجودها مع مصالح الولايات المتحدة واصطدامها بإرادة واشنطن والقيادة السياسية الأميركية الداعية لاحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم والداعية إلى تعميم نموذج الحياة الديمقراطية الأميركية في كل مكان؟!
وبأية وسائل ستتمكن الولايات المتحدة من إقناع الرأي العام العربي والدولي معا بأن هذه الأنظمة التي تتخذ اليوم من طابعها الاستبدادي والطغياني مبررا للتدخل العسكري قد وصلت إلى السلطة وبقيت فيها عن طريق التصويت الشعبي الحر والنزيه والدوري، أو أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة فيما يتعلق بالنظم التي كانت على الأقل تحت وصايتها أو في حمايتها -وهي كثيرة- على ممارسة أي ضغط لدفعها نحو تطوير نظمها السياسية واعتماد مبدأ المواطنة والانتخابات الحرة والعامة لممارسة السلطة فيها؟!
وكيف يمكن إقناع الرأي العام العربي بأن ضرب الحكم البعثي في العراق والدول العربية الأخرى المستهدفة وتصفية أسلحتها المتطورة يندرج ضمن رغبة الولايات المتحدة الأميركية بضمان قدر أكبر من الأمن والاستقرار والتعاون الإقليمي في المنطقة والتخفيف من التوتر في الوقت الذي لا تكف فيه الولايات المتحدة الأميركية نفسها منذ عقود عن تعزيز الترسانة العسكرية الإسرائيلية بأحدث وأخطر أسلحة الدمار الشامل ومساعدتها على الاحتفاظ علنيا ورسميا بالتفوق الإستراتيجي الساحق على الدول العربية مجتمعة، وهي تعد خمسة ملايين نسمة مقابل ما يقارب ثلاثمائة مليون عربي؟!
وكيف يمكن البرهان على أن إزالة مخاطر الحرب والتهديد بها هو هدف التدخل في العراق في حين لا تتردد الولايات المتحدة في مباركة حرب الدمار الشامل التي لا تزال الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل تشنها على المجتمع الفلسطيني بدءا من هدم بناه التحتية وانتهاء بتصفية قادته وشبابه ومرورا بتدمير جميع مؤسساته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وفي مقدمها السلطة الوطنية التي نجمت عن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية؟!
وكيف يمكن للرأي العام العربي أن يثق بانشغال الولايات المتحدة بمصير الأقليات في الأقطار العربية واهتمامها بحقوقهم ومصالحهم وهو يرى ما تعامِل به الحليفة الرئيسية والإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة أقليتها الفلسطينية في حين لا تحرك واشنطن ساكنا أمام مشروع التطهير العرقي الواضح الذي ينفذه الحكم الإسرائيلي عبر سياسة توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وتطبيق قوانين التمييز العنصري والسيطرة الكاملة على موارد الحياة والثروة المائية في الضفة الغربية وغزة؟!
وبالمثل كيف يمكن إقناع الرأي العام العربي بأن ضرب الحكم البعثي في العراق هو مقدمة لتحقيق الانفتاح الاقتصادي وتعزيز فرص التنمية الاقتصادية في المنطقة في سبيل خلق فرص العمل اللازمة للشباب وإزالة الفقر والعوز في المجتمعات العربية، في الوقت الذي عرفت فيه المساعدة الأميركية للتنمية أكبر انهيار لها في السنوات العشرين الأخيرة -أي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي- وأصبحت تتركز أساسا على دولتين رئيسيتين هما إسرائيل ومصر؛ الأولى لتعزيز قوتها الهجومية ضد الفلسطينيين والعرب، والثانية لتحييدها وشراء موافقتها على هذه السياسات الإسرائيلية والأميركية الهجومية ذاتها؟!
وكيف يمكن البرهنة على أن الولايات المتحدة تسعى بالفعل لتحسين شروط التنمية في البلدان العربية وهي لا تتوانى عن الصراع مع حلفائها الأوروبيين المقربين أنفسهم كيما تحتفظ لنفسها بحق توقيع العقود مع دول الخليج ولا تجد وسيلة أفضل لامتصاص السيولة المالية المتضائلة في خزائنها من إجبارها على توقيع صفقات السلاح الخيالية وغير الضرورية معا؟!..
على الذين يكررون مثل هذه الأقاويل أن يقدموا للرأي العام العربي دليلا واحدا يظهر -داخل المنطقة العربية أو خارجها- أن دولة كبرى أو أكثر قد تدخلت لتحقيق الديمقراطية والأمن والاستقرار والتنمية في البلد المتدخل فيه لا في سبيل تحقيق مصالحها.
ليس المقصود بالتأكيد مطالبة الولايات المتحدة الأميركية بأن تنشغل بمصير الديمقراطية والأمن والاستقرار والتنمية في جميع بلدان العالم ولا حتى في البلدان العربية التي تقع في دائرة نفوذها، وليس هذا هو الذي نطلبه منها أو نطالبها به، ومثل هذا الانشغال لو حدث سيكون مخالفا لقوانين العلاقات الدولية كما هي قائمة عليه اليوم وكما تحددها الدول الكبرى المتنافسة التي تؤسسها أو تؤسس لها، ولو حصل ذلك لما كان هناك أي مبرر لوجود دول عربية مستقلة بما تمثله من سلطة ومؤسسات سياسية وإدارية وتقنية وفنية، وكان من الأجدى أن تندرج في غيرها من الدول أو الإمبراطوريات إن الذي يبرر وجود الدول هو وظيفتها في ضمان الأمن والاستقرار والمساواة القانونية والمشاركة السياسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها، لكن المقصود هو العكس من ذلك، أي إظهار إلى أي حد يمثل ادعاء الدبلوماسية الأميركية حرصها على الديمقراطية والأمن الإقليمي والتنمية في العراق والمنطقة العربية بمناسبة تبرير الحرب المبرمجة على النظام العراقي ومن بعده ضد بعض النظم العربية الأخرى دعاية فجة بعيدة عن العقل وعن الواقع.
ولا يغير من فجاجة هذه الدعاية كونها صادرة عن حمائم الإدارة الأميركية، فهم الأقدر على تمرير مثل هذه الخدع على الرأي العام العربي الملوع من السياسة الأميركية عموما لما يبدو على هؤلاء من اعتدال واتزان ومراعاة شكلية للمشاعر العربية الوطنية والإنسانية.
نحن نعرف بالتأكيد أنه لا الديمقراطية ولا السلام والأمن ولا التنمية من الأهداف التي تحرك الولايات المتحدة وتدفعها للتفكير بضرب النظام العراقي في سياق الحرب الدولية المعلنة على الإرهاب، ولا يمكن أن تكون هذه أهدافها. فالدول لا تكلف نفسها مهام تحقيق مصالح شعوب غير شعوبها، وفي أغلب الأحيان لا تكلف نفسها -كما هو الحال في دولنا ونظمنا- حتى مهام تحقيق مصالح شعوبها أو الدفاع عنها، إنها لا تتحرك إلا لتحقيق مصالح خاصة بها، قد تكون إستراتيجية وقد تكون سياسية أو اقتصادية أو معنوية.
والحرب التي تخطط الولايات المتحدة لشنها في العراق لا علاقة لها بمصلحة الشعب العراقي ولا المنطقة العربية، وكل ما تهدف إليه هو تعزيز وتدعيم مرتكزات السيطرة الأميركية في الشرق الأوسط واستباق الانفجارات التي يمكن أن تهدد هذه المرتكزات، وهذا هو ما يخشاه الرأي العام العربي ويرفض التدخل من أجله، إنه لا يخشى الحرب على صدام حسين ونظامه ولا يخاف من نتائج سقوط هذا النظام، ولكنه يخشى توسع دائرة النفوذ الأميركي في المنطقة وفي كل دولة على حدة، وبالتالي زوال البقية القليلة الباقية من مبدأ السيادة -ولو كانت قد تحولت إلى سيادة رمزية- للشعوب العربية في منطقتها.
إنه يخشى أن تصبح الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد الذي يملي إرادته على جميع شعوب المنطقة وفي كل الميادين والمستويات كما تمليها اليوم في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي فتقرر نتائج الصراع، أي إدامة الحرب والنزاع وتدفق الدماء الذي يتعارض تعارضا كليا مع الشعارات الثلاثة التي توحي بأنها تريد خدمتها من الحرب القادمة وهي الديمقراطية والأمن والتنمية.
قد يقول قائل إن الولايات المتحدة بعد أن أصيبت بسهم الإرهاب في عقر دارها قد غيرت سياستها وهي تريد منذ الآن أن تمارس سياسة إيجابية تجاه الشعوب العربية، بيد أن الوقائع التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 تظهر أن الولايات المتحدة لم تكن أكثر نزوعا للسيطرة وإملاء إرادتها وتنصيب حكومات خاضعة بل عميلة لها في المناطق التي تخشى عداءها مثل ما هي عليه اليوم.
وأكبر مثال على ذلك ما يجري في فلسطين المحتلة، فلم يحدث في أي حقبة ماضية أن تركت الإدارة الأميركية حكومة إسرائيلية تتمادى في تدمير أسس الأمن والاستقرار ومستقبل السلام في المنطقة وتتحدى المشاعر العربية الرسمية والشعبية كما فعلت إدارة الرئيس بوش منذ أشهر عندما أعطت الضوء الأخضر لشارون لتصفية القضية الفلسطينية وسمحت له بأن يعامل الشعب الفلسطيني برمته على أنه منظمة إرهابية.
إن احتمال أن تكف الولايات المتحدة عن متابعة سياسة السيطرة والإملاء والاستتباع هو ذاته احتمال أن تكف الذئاب عن رؤية فريستها في الخراف الضائعة.