vendredi, décembre 20, 2013

حين تصبح إدانة قصف المدنيين السوريين مستحيلة في مجلس الأمن

أمام إخفاق هجومه الهمجي الاخير، على جبهات ريف دمشق وحلب والقلمون وإدلب وحمص والرقة والدير ودرعا وغيرها من الجبهات، على طريق التحضير لمؤتمر جنيف٢، والخسائر الهائلة التي تكبدتها الميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية، لم يبق أمام النظام المجرم، للتغطية على هزيمته ورفع معنويات مقاتليه المنهارة، سوى الانتقام من السكان المدنيين وصب حقده براميلا متفجرة وحارقة على المدن والأحياء السكنية، لقتل أكثر ما يستطيع من الأطفال والنساء والرجال، وإحداث أكبر كم من الخراب والدمار.

حملات الحقد والانتقام البدائية هذه ليست جديدة على السوريين. لكن وقوف الحكومة الروسية ضد قرار يدين هذه الأعمال الوحشية الفاضحة ضد المدنيين، اليوم في مجلس الأمن، يضفي على حرب البراميل المتفجرة والحارقة المصنوعة في موسكو، معنى جديدا يجعل من روسيا طرفا ضالعا في التغطية على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وشريكا في عمليات القتل المنظم للشعب السوري، ويفقدها أي صدقية في أن تكون وسيطا أو راعيا للسلام في مؤتمر جنيف٢ الموعود. والتبرير  الذي تسعى بعض الأوساط لتقديمه تبريرا للمجازر الوحشية ضد المدنيين، وهو فتح الطريق أمام إخراج السلاح الكيماوي وتدميره، يفضح بشكل أكبر روح التشفي والانتقام التي توحد جميع أولئك الذين لا يرون في سورية شعبا وبشرا لهم حقوق وتستحق حياتهم الحماية وإنما مصالح انانية، سياسية أو استراتيجية، ويبرز مدى السقوط الأخلاقي وانعدام الشعور والضمير والانسانية التي وصل إليها هؤلاء، وهم يقفون متفرجين على مأساة السوريين وعذاباتهم.
لكن مسؤولية ما يحصل من انتهاكات لا توصف لحقوق البشر في سورية لا تقتصر على نظام القتلة وحلفاء السوء الذين لم يعرفوا يوما معنى المباديء واحترام حياة الإنسان وحقوقه، وإنما يشارك فيها أولئك الأصدقاء الغربيون الذين شجعوا هذه العصابة الحاكمة والميليشيات الطائفية المتحالفة معها على الذهاب أبعد ما يمكن في غيها والتعبير عن حقدها وانتقامها، عندما تخلوا عن واجبهم في حماية شعب يذبح، وجعلوا من عدم التدخل لحماية الناس المهددين، بأي شكل وفي أية ظروف، عقيدة مقدسة، مكتفين باللعب بورقة الإدانة السطحية في مجلس الأمن بدل أن يوجهوا لنظام القتلة الإنذار الذي يستحق. هؤلاء جميعا هم الشركاء في مذبحة شعب  ليس له من ذنب سوى التطلع إلى أن يعيش مثل بقية الشعوب، بامان، وحرية وتحت حكم القانون. هؤلاء الذين سلموه، مقيدا بالسلاسل، لنظام قاتل، ورفضوا أن يصغو لحظة إلى معاناته وصرخات آلامه، منذ خمسين عاما، هم أنفسهم الذين يشتركون، لمصالح متباينة لكن متقاطعة، في قتله، ولا يتورعون بعد ثلاثة سنوات من الجرائم الموصوفة عن الدفاع عن قاتله وتحويله إلى شريك. هكذا أصبحت إدانة الانتهاكات الخطيرة في مجلس الأمن مهمة شاقة ومستحيلة على المجتمع الدولي في سورية الروسية والايرانية والطائفية .
كلاهما: الذين وقفوا ضد إدانة نظام القتل والحقد والانتقام في مجلس الأمن، وأؤلئك الذين لم يجدوا وسيلة أقوى، لمواجهة هذا النظام سوى قرارات الإدانة الشكلية، مسؤولين عن الجريمة، وشركاء في تقويض مستقبل العلاقات الدولية، وتدمير الأسس والمباديء التي قام عليها حلم البشرية بالسلام والأمن واحترام الإرادة الحرة للأفراد والشعوب، والقضاء على ما تبقى من صدقية للثقافة والمجتمعات الغربية.، 

نحو مائدة حوار وطني للرد على استحقاقات المرحلة القادمة


بالرغم من الضربات الموجعة التي يوجهها مقاتلو الحرية لميليشيات السلطة والمرتزقة الأجانب في ريف دمشق وبعض المناطق الاخرى، تمر ثورة الكرام السورية بمرحلة صعبة وجديدة، نتيجة تجنب الدول والأمم المتحدة القيام بواجباتها تجاه حماية الشعب السوري من حرب الابادة الجماعية، وضعف الهياكل التنظيمية للمعارضة والجيش الحر، ونقص الذخيرة والامداد لدى الأغلبية العظمى من الكتائب المقاتلة، ودخول منظمة القاعدة على الخط لوضع الجيش الحر بين كماشة النظام الخائن لشعبه وأصحاب المشاريع والأجندات الخاصة التي ليس لها علاقة بمشروع الشعب السوري التحرري والوطني.
يعزز من مخاطر هذه المرحلة، الفتور الذي بدأ يدب في معسكر أصدقاء الشعب السوري الذي راهنا عليه خلال السنتين الماضيتين لتأمين الدعم السياسي والقانوني والعسكري، والاختلاف المتنامي في وجهات نظر وتوجهات العديد من أطرافه، نتيجة المنافسات السياسية الإقليمية والتطورات الدولية، مما يهدد تماسك هذا المعسكر ووحدته، ويؤثر على موقفه الموحد من دعم الثورة السورية.
أمام هذا الواقع الجديد، وتبدل الرهانات، وتفاقم التحديات، وتزايد المصاعب، تتغير الأفكار، وتتباين الرؤى، وتنمو أسباب الانقسام والتنازع والتنافس بين أطراف الشعب السوري الثائر، وتغيب البوصلة التي توجه الجميع نحو هدف واحد، يتماشى مع تحقيق مطالب الشعب وضمان حقوقه الأساسية.
يضاف إلى ذلك التحدي الذي يمثله انحياز أصدقاء سورية وحلفاؤها إلى خيار الحل السياسي، وتخليهم عن فكرة الحسم العسكري، وبالتالي تحويل مؤتمر جنيف٢ إلى البند الاول والحلقة الرئيسية في كل النشاط السياسي والدبلوماسي والعسكري في جدول أعمال مواجهة الأزمة السورية.
لجميع هذه الأسباب، أصبح من الملح والعاجل اجتماع كافة القوى المعنية بتغيير نظام القتل والدمار وبانتصار حقوق الشعب وضمان مستقبل سورية ومستقبل أبنائها، حول طاولة حوار مستديرة، تضم كل أؤلئك الذين يعلنون انتماءهم إلى مشروع ثورة الكرامة والحرية، ويرفضون استمرار النظام كما يرفضون الانحراف بالثورة عن أهدافها الحقيقية التي ضحى من أجلها مئات آلاف السوريين، بأرواحهم وأمنهم وأرزاقهم وممتلكاتهم، من معارضة سياسية على مختلف أطيافها، وكتائب مقاتلة بكل تلويناتها الايديولوجية، والمكونات الاخرى من كوادر الدولية المنشقين، المدنيين والعسكريين، الذين ضحوا بكل مالديهم أيضا لمناصرة ثورة شعبهم والقطع مع نظام العنف والإجرام، بالإضافة إلى الشخصيات الوطنية والدينية المعروفة بدعمها حقوق الشعب وكرامته وحرياته.
يهدف هذا الحوار، الذي ينبغي أن يبدأ في الأيام القليلة القادمة وليس الأسابيع، إلى قطع الطريق على منحى التدهور السياسي والتباين في الخيارات الفكرية والتباعد بين القوى المقاتلة، وتدارس المرحلة القادمة ومستحقاتها، والاتفاق على قاعدة للعمل تنظم العلاقات بين جميع الأطراف المعنية بانتصار الثورة، وتنزع فتيل النزاعات فيما بينها، وتبني الأرضية المشتركة للعمل الوطني، على الصعيد الداخلي والخارجي، وتنسيق العلاقات الوطنية والدولة، وبلورة برنامج عمل واستراتيجيات متفق عليها من قبل الجميع للرد على استحقاقات المرحلة القادمة، سواء أتعلق الامر بتحديد الطريق، أو التفاهم على الأهداف المرحلية، أو بلورة أسلوب التعامل الوطني والديمقراطي بين الأطراف، أو وضع التصور المشترك لسورية الجديدة التي كادت تفتقر إلى أي رؤية مشتركة بعد أن تبخر العقد الوطني الذي تم الاتفاق عليه في بداية الثورة، تحت ضغط العنف المنفلت وأنقاض المدن والقرى المدمرة بالحرب العدوانية، وبموازاة ذلك ما شهدته الساحة السورية من التحولات الفكرية والسياسية خلال المرحلة الطويلة السابقة.
من موقعي المستقل تماما، فكريا وسياسيا، والمنحاز لقضية واحدة هي استرجاع حقوق الشعب السوري وضمان وحدته ومستقبله ووحدة وطننا واستقلاله وسيادته، أدعو جميع الأطراف المعنية، بصرف النظر عن اختياراتهم الايديولوجية، إلى الارتفاع إلى مستوى المسؤولية التاريخية، والرد بالايجاب على دعوة الحوار الوطني، داخل صفوف معسكر الكرامة والحرية، لترتيب أوضاع الثورة وتنظيم شؤونها وإدارتها، وتفكيك الألغام التي وضعت في طريقها، وإعادة صياغة جدول أعمالها وبرنامجها والتوافق على الاستراتيجية الأمثل للانتصار في معركة الحرية والكرامة والعدالة والمساواة القائمة.
لن نستطيع ان نواجه، مشتتين ومختلفين، متنازعين ومتنافسين، مثلما أصبحنا الآن، أي استحقاق من استحقاقات المرحلة القادمة، وليس استحقاق جنيف سوى واحد من بين استحقاقات عديدة تحتاج منا جميعا إلى بذل جهد جدي، من أجل التوصل إلى فهم مشترك للمخاطر والتحديات، وإلى بناء استراتيجية واضحة توحد الجهود وتوجهها الوجهة السليمة التي تضمن تحقيق الأهداف النبيلة لشعبنا الحر الذي ضحى بالغالي والرخيص من أجل نيل حريته واستقلاله وكرامته واستقلال بلده وسلامته.


المجد والخلود لشهداء الحرية والنصر لسورية الأبية المكافحة 

mardi, décembre 17, 2013

حتى لا يتحول جنيف٢ إلى جنازة للسلام


في الثالث عشر من الشهر الجاري عقد اجتماع لندن لنواة مجموعة أصدقاء الشعب السوري، وكان مؤتمر جنيف٢، المفترض أن يكون مؤتمرا للسلام، في قلب المحادثات مع المعارضة. وفي ٢٢ من هذا الشهر نفسه سيناقش وزراء خارجية أوربا الموضوع ذاته، قبل أن يطرحوه مع المعارضة من جديد في الثامن من الشهر القادم للمرة الألف. 

لكن بينما يؤكد الجميع، الدول والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أنه لا يوجد حل للأزمة السورية خارج مؤتمر جنيف، أي إلا الحل السياسي، يستجمع نظام الأسد كل ما لديه من براميل حارقة وقنابل وصواريخ ومدفعية ميدان، مفتتحا جنيف قبل أوانه، للقضاء على مواقع المعارضة، وايقاع أكبر ما يمكن من القتلى والجرحى بين المدنيين، وتعميم لغة المجازر والمذابح اليومية، كما حصل أمس في حلب، من دون أن يحرك أحد من الدول أو المنظمات الدولية ساكنا، بينما يموت كل يوم عشرات السوريين، أطفالا ونساءا وكبار سن، من الجوع والبرد ونقص الدواء والمرض.

ما كنا نخشاه قد تحقق بالفعل. أصبح جنيف ورقة التوت التي تخفي عورة سياسات دولية لا نبالغ إذا قلنا أنها مشاركة في الجريمة وضالعة في تشجيع نظام الأسد، بسبب صمتها وتخليها عن مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والسياسية، على المضي في مشروع القضاء على ثورة الشعب بتعميم سياسة الإبادة الجماعية والإرهاب والقتل المنهجي والتدمير المنظم للبيئة الطبيعية للمجتمع.

إقرار مبدأ الحل السياسي والدعوة لتطبيق مباديء جنيف واحد لا يمكن أن تبرر سياسة الخنوع والرضوخ للأمر الواقع، ولا ينبغي أن يعني تبني خيار المفاوضات صرف النظر عن الانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها الطغمة الإجرامية في دمشق. وقبول النظام بالمشاركة في جنيف٢ لا يجعل من انتهاكاته المستمرة لحق الحياة سواء أجاء ذلك بالقصف العشوائي للأحياء والمدن لقتل السكان وإرهابهم، أو بتجويع السكان لتركيعهم، أو لجميع الحقوق الأخرى الإنسانية، أمرا طبيعيا ومشروعا، لا يستحق الإدانة ولا أي رد فعل، كما كما يبدو الآن على الدول والمنظمات الانسانية التي أذعنت للأمر الواقع.

كل يوم يسقط فيه صاروخ، أو تصيب فيه قذيفة السكان المدنيين، فتقتل أبناءهم وتدمر بيئة معيشتهم وتجبرهم على الفرار والنزوح، يشكل اغتيالا للحل السياسي، وتقوض حظوظ مؤتمر جنيف في أن يكون بالفعل مؤتمرا للسلام، ويحوله إلى غلالة، هدفها التغطية على استمرار الحرب العدوانية المعلنة من قبل طاغية تحول إلى دمية في يد المصالح الأجنبية، على شعب أعزل فقد أي أمل بالخلاص، وترك لمصيره أمام جلادين قساة وعنصريين طائفيين لا يفهمون إلا لغة القوة والقتل والدمار.

لن يكون لأي اجتماع للسلام في جنيف معنى أو قيمة، ولا ينبغي على المعارضة أن تشارك في أي حوار جديد حول مؤتمر جنيف٢ قبل أن تتحمل الدول الراعية وغير الراعية له مسؤولياتها، وتقف بقوة أمام استمرار النظام في تعميم الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان السوري، واستغلال الظروف البيئية الصعبة لإنزال أقسى العقوبات الجماعية بالشعب، وكذلك قبل أن تقوم بواجبها في ردع من وصفتهم منظمات حقوق الانسان بالضالعين في جرائم ضد الانسانية.

اللهم إلا إذا كانت الدول الكبرى والصغرى ترى أن قبول نظام القتلة في دمشق بالمشاركة في مؤتمر جنيف٢ يجعله يستحق مكافآة خاصة، ويمكنه من شرعنة الاستمرار في الانتهاكات الخطيرة لحقوق شعبه وقتل المدنيين بالجملة، من دون مساءلة.

من دون موفف حاسم من الدول والأمم المتحدة يوقف نزيف الدم السوري البريء، ويضع حدا لعسف نظام مارق وإجرامي، لن يكون هناك لا جنيف١ ولا جنيف٢، وإذا حصل وتم عقده بالضغط والقوة فلن يكون مؤتمر صلح وإنما جنازة كبيرة للسلام.

samedi, décembre 14, 2013

اجتماع لندن، والحفاظ على الهدف المشترك

نتائج مباحثاتنا في لندن ليست عظيمة، لكن لم تكن زيارتنا من دون نتيجة. اعتقد أن أهم ما حققناه هو تطمين الاطراف الدولية على أن خط الثورة الرئيسي لم ولن يتغير، وأن الهدف المشترك الذي يجمعنا لا يزال العمل سوية لتمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بحرية، مما يعني ضرورة أن تلتزم الدول التي تزعم صداقتها للشعب السوري بهدف إزالة نظام القتل والحرب والعنف والعسف الاعمى، ولا تجعل من الحرب ضد الارهاب التي يريد الاسد أن يدفع الغرب إليها ليستعيد وظيفته التاريخية كشرطي حراسة في خدمة الدول الكبرى، هدفها أو أجندتها الرئيسية.
وما كنت أتخوف منه قد حصل. كان البيان الختامي الذي اتفقت عليه الدول المشاركة فاقدا للتوازن ومركزا بشكل رئيسي على مسألة التشدد والتطرف. وكان لا بد من معركة شاقة كي ننجح في تعديل البيان الذي سيصدر عن اجتماع الدول الاحدى عشر.
بالتأكيد، وهذه كانت حجة المجتمعين، البيان موقع من الدول ولا علاقة لنا نحن به. لكن ما كان من الممكن ان نقبل أن يتجاهل من يدعي صداقة الشعب السوري أولويات نضال هذا الشعب، ولا أن يحول قضيته من كفاح ضد النظام الذي يجسد الارهاب بكل أشكاله ومعانيه النظام، وكذلك ضد سياسة القتل المنظم والمجازر الجماعية وحرب الابادة والحصار والتجويع والتهجير المتعمد، إلى صراع بين متطرفين ومعتدلين.
ولا يمكن أن نقبل بتجاهل تضحيات مقاتلي الحرية وكفاحهم البطولي، باسم التركيز على مخاطر التطرف، وننسى مسؤوليات الدول وسياسة الخذلان والتردد والانتظار التي اتبعتها تجاه هذا الكفاح، والتي كانت ولا تزال المسؤولة الأولى عن صعود التيارات التي تدعي اليوم أولوية الوقوف ضدها.
على سؤال: هل لا يزال الهدف المشترك الذي يجمعنا تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بحرية والانتقال نحو دولة ديمقراطية تلغي حكم الارهاب الأسدي أم أصبحت الأولوية عند الدول الصديقة أو بعضها لمكافحة التطرف والتشدد، كان الجواب أن الهدف الأول لا يزال هو الأساس، لكن هناك مخاوف وقلق لدى الغرب من تطور التيارات المتطرفة، وهذا ما يحد من الحماس والدعم لقضيتنا.
نحن نتفهم مخاوف الدول وقلقها من مخاطر التطرف، على الشعب السوري أولا كما هو الحال على الشعوب الأخرى، لكن أولويات الشعب السوري هي الآن الخلاص من نظام القتلة ووقف سفك الدماء ووضع حد لمعاناة ملايين السوريين القابعين في مخيمات اللجوء في مواجهة الفقر والبرد والجوع والمرض والاذلال. ولا ينبغي أن تتقدم أي أجندة على أجندة إنهاء نظام القتل والدمار، الذي هو التطرف بذاته، والمولد الأول لكل أشكال التطرف الأخرى. ومن دون القضاء عليه لن يمكن التوصل إلى أي حل لمعاناة الشعب السوري وفوضى العنف والسلاح والاقتتال. ويخشى أن يخفي التركيز على التطرف، بدل حشد الجهد ضد النظام الذي ينتج التطرف كل يوم في سياساته القاتلة، نزوع البعض من بين الدول الصديقة إلى إعادة الرهان على نظم القهر والفاشية، والاستعداد من جديد للتضحية بالحقوق والحريات التي كانت ولا تزال الحافز الأول لثورة الكرامة والحرية في سورية وبقية البلاد العربية، باسم حماية الشعب من التطرف والارهاب.
باختصار. إن الرد على اجتياح اركان الجيش الحر من قبل قوى متشددة لا يكون بإعلان الحرب على هذه القوى وإنما بدعم مشروع إعادة هيكلة كتائب المقاتلين من أجل الحرية وتزويدها بما يلزمها للانتصار في معركة التغيير، والحفاظ على ما تبقى من أجهزة الدولة، وضمان وحدة الأرض والشعب.

vendredi, décembre 13, 2013

في انقساماتنا العسكرية بعد السياسية




أنا اليوم في لندن. ولدينا جلسة طويلة مع الدول الغربية لشرح الوضع في اطمة، أي وضع وتوجهات الثورة والمعارضة، بعد اجتياح الجبهة الاسلامية للاركان وإعلان هذه الدول تعليق مساعداتها للجيش الحر. 



قد لا تكون المساعدات المعلقة مهمة كثيرا، بالرغم من أننا نحتاج، في الكارثة التي نعيشها، إلى كل قرش، ولا يحق لنا التفريط بأي معونة ممكنة بينما يموت أطفالنا متجلدين من البرد. لكن الأهم من هذه المساعدات المادية، هو الموقف السياسي. إذا تخلت الدول الغربية عن دعم المعارضة والثورة أو فقدت الثقة بقضيتنا، ونظرت إلى ما يحدث على أنه صراع بين طرفين لا يعنيها نجاح أي منهما، أصبح علينا أن نحمل، إضافة إلى عبء الاصطفاف الصريح الروسي وراء نظام القتلة، عبء الضغط السياسي الغربي، وربما أكثر من ذلك التحالف بين الطرفين ضد المعارضة واتهامها جميعا بالمتطرفة.

هناك بالتأكيد تيارات متباينة داخل صفوف ثورة الكرامة والحرية التي أطلقها شعبنا بكل فئاته وأطيافه. لكن، ونحن نعترف بذلك، هل يمكن أن نؤجل الصراع على من ستكون له الأسبقية أو الغلبة في سورية القادمة، إلى أن ننتهي من هذا الوحش الضاري الذي يحشد كل من يستطيع، في الداخل والخارج، ويكذب على الغربيين والشرقيين والعرب والمسلمين، من أجل أن يقتل أطفالنا ويشرد أبناءنا ويشق صفوفنا ويزعزع ثقتنا ببعضنا وبمستقبل ثورتنا؟ 

لكل طرف من أطراف المعارضة والثورة رأيه ومكانه ودوره في هذا الصراع الذي تجاوز كل حدود المعقول والمتوقع، بدخول كل القوى الاقليمية والدولية عليه. لا بد أن نحترم رأي وموقف وتطلعات الجميع. وإذا كان هناك خلاف أو خطأ أو تقصير فينبغي أن يحل داخل صفوف الثورة بالحوار والمصارحة والتفاهم، من دون اللجوء إلى السلاح. وهذا هو الذي يحفظ لنا احترامنا في نظر الدول وقطاعات الرأي العام العربي والدولي الذي يكاد يشيح بنظره عنا بسبب ما يراه من فوضى وانقسام وتنازع بيننا.

ولا أخفي أن أحد نقاط الضعف الخطيرة في ثورتنا وما يدفع التيارات والأطراف المختلفة منا إلى الدخول في صراعات مسلحة سريعة هو غياب المرجعية. فمن دون هذه المرجعية التي ينبغي أن نفكر فيها، لا يجد كل طيف داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة وسيلة أسهل لحسم الخلاف، النابع أحيانا من شكوك وسلوك غير مفكر فيه بما فيه الكفاية، من الاحتكام للسلاح. وهذا أكبر خطر يهدد مسيرتنا التي هي بالأساس شاقة وصعبة.

mercredi, décembre 11, 2013

نظام الإبادة الجماعية في دمشق

أثار بيان اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي أدان بشدة استمرار نظام الأسد في “شن عملية إبادة جماعية ضد الشعب السوري” وأكد على رفض دول الخليج أن يحظى أي من أركان النظام بدور في مستقبل سورية السياسي، أقول أثار هذا البيان حفيظة الطغمة الارهابية في دمشق. ولم يترك لهذه الطغمة إلا أن تكرر على أسماع العرب والعالم من جديد قصصها المعروفة منذ أول أيام الثورة عن المنظمات التكفيرية والوهابية وغيرها. لكن أطرف ما جاء في بيان خارجية الأسد أنه لا يوجد حل للأزمة السورية "سوى الحل السياسي الذي يصنعه السوريون وحدهم".
إذن لماذا هذه الحرب الكارثية؟ ولماذا الاستمرار في قصف المدن والقرى وتدمير المنازل على سكانها وتهجير الأهالي وارهابهم بذبح أبنائهم وبناتهم أمام أعينهم؟ وما الداعي للاستمرار في استخدام صواريخ السكود والبراميل الحارقة والمدفعية والدبابات وجتى استخدام الاسلحة الكيماوية؟
وإذا كان الحل لا يتحقق إلا بيد السوريين وحدهم، لماذا رفضت الطغمة القاتلة كل مبادرات الاصلاح والمصالحة والتسورية، واستنجدت عندما بدأت تفقد الأمل بكل الميليشيات الطائفية وفتحت الأبواب مشرعة أمام الجنود والمرتزقة الاجانب، الايرانيين والعراقيين واللبنانيين، الذين يكادون ينفردون اليوم في القتال، إلى جانب النظام، من دون السوريين، على مختلف الجبهات؟
الكذب ليس سمة من سمات نظام الإبادة الجماعية السوري، إنه جوهره وروحه. فهو بالكذب والخداع والمراوغة تحول إلى نظام حكم سياسي، وهو ليس في الواقع إلا سطو مسلح على بلد حر، وعصابة للجريمة المنظمة. وبالكذب أصبح نظام ممانعة ومقاومة،
وهو أكبر حليف لأعداء الشعب السوري ومناهضي تحرره، من كل الأصناف.
وبالكذب أصبح حكم الاشتراكية والتقدمية وسند العمال والفلاحين، وهو أعظم تجسيد لوباء العنصرية ضد الشعب والفلاحين والعمال، والعدو الأول لمفهوم الحق ومعنى أي تقدم أو عدالة أو مساواة.
النظام السوري فتنة حقيقية، وطنية ودينية وسياسية وأخلاقية، من بدايته حتى نهايته، أساسها الغش والخديعة والجبن والتآمر والخيانة المصممة.

mardi, décembre 10, 2013

معركة رزان زيتونة الجديدة ضد النسيان

عندما كان السوريون يعيشون في العقود الماضية في رعب الفاشية البغيضة لآل الأسد وأزلامهم، ولا يجرؤون على الكلام بغير ما يريده النظام، كانت رزان زيتونة تغامر بحريتها وربما بحياتها في سبيل حماية ما تبقى من كرامة الانسان وحقوقه الأولية في بلد فقد اسمه وصفته، وتكافح مع القلة من رفاقها لفضح جرائم الاختطاف والتعذيب والاعتقال التعسفي وكل انتهاكات حقوق الانسان التي كان نظام الجريمة المنظمة يمارسها على الجميع، ومن دون اعتبار لرأي عام دولي أو قانوني.
اختطافها اليوم مع زوجها وائل حمادة وزملائها سميرة الخليل وناظم الحمادي،من لجنة توثيق الانتهاكات لحقوق الانسان، هو هدية كبيرة ورد اعتبار للجلادين والقتلة ومختطفي النساء والأطفال من أجهزة القمع والمخابرات، في ريف دمشق الذي لم تتركه رزان منذ بداية الثورة السورية حتى تاريخ اختطافها.
جميع الكتائب الموجودة في المنطقة مسؤولة عن حماية سيدة القانون والعدالة التي أصبحت، بتفانيها في الدفاع عن حريات الشعب وحقوقه رمزا من رموز الثورة. وباسم جميع السوريين، الفخورين بابنتهم البارة رزان وبرفاقها الثلاثة، أدعو هذه الكتائب إلى البحث عن المخطوفين، والعمل بكل ما يستطيعون من وسائل، للكشف عن خاطفيهم وإطلاق سراحهم ليعودوا إلى عملهم لخدمة القضية النبيلة التي رهنوا لها حياتهم: حماية السوريين من القهر والذل وانتهاك الحقوق الذي وقعت رزان ورفاقها ضحية له اليوم.

تحية إلى رزان زيتونة السيدو المتفانية من أجل الحق وتحية لرفاقها في معركتهم الجديدة، في غياهب الاعتقال، ضد الجهل والحقد والضغينة والانتقام، ضد انحطاط الانسان.

samedi, décembre 07, 2013

المشكلة في غياب القيادة وتشتت القوى

هناك مشاكل كبيرة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها في تكوين الاركان وأسلوب عملها وتقصيرها الكبير في مهامها العسكرية. وأنا من الذين لم يخفوا لحظة أنها ليست هيئة أركان حقيقية، ولكنها غرفة لتمثيل بعض القوى التي اتفقت الدول على جمعها لتنظيم الدعم والاشراف على توزيع الذخيرة.

والاركان مسؤولة بالتأكيد عما حصل حتى الآن على ارض المعركة، سواء لعجزها عن تكوين قيادة مركزية حقيقية للقوى المقاتلة مع الثورة، أو تلبيتها لحاجات المقاتلين والجبهات من السلاح والذخيرة.

والمسؤول عن ضعف الأركان ليس المعارضة السياسية، الممثلة بالائتلاف أو بغيره، فهي لم تكن وراء تشكيل الاركان، ولا ساهمت فيها ولا سمعت بمشروع تكوينها قبل أن تولد. وإنما الدول الممولة التي اجتمعت تحت ضغط الاحداث من أجل تنسيق العمل العسكري. ووجه عملها تقاسم النفوذ من خلال توزيع المقاعد على قادة الكتائب التي تتعامل معها. وهكذا ولدت الاركان هيئة شكلية تستجيب لأمرين: عدم رغبة الدول الممولة في ايجاد قيادة عسكرية وطنية جدية وفعلية، ورفض قادة الكتائب التي قبلت الصيغة الشكلية الاتحاد والخضوع لقيادة مركزية واحدة.

هذه هي العاهة الولادية للاركان. ولم تنفع محاولات المعارضة في الضغط عليها لإصلاحها، لأن الاركان والمجلس العسكري لا يخضعان لها ولا يدينان لها بشيء، لا بالتشكيل ولا بالتمويل ولا بالتسليح. وهذا الوضع نفسه لم يكن عفويا ولكن مقصودا.

كان الرهان ولا يزال على القادة الذين يتكون منهم المجلس العسكري كي يدفعوا إلى تطوير الصيغة الشكلية والعمل على تحويلها إلى هيئة أركان فاعلة. وقد رفض هؤلاء التطوير لأنه كان يحتاج إلى التعاون مع الضباط الكبار المنشقين، وادماجهم بشكل أو آخر في القيادة العسكرية. وربما شعروا بأن إدخال عسكريين محترفين يمكن أن يحمل مخاطر على نفوذهم ومواقعهم داخل الجيش الحر، ويقلل من استقلاليتهم وسيطرتهم الكلية على كتائبهم وألويتهم التابعة لهم شخصيا في معظم الاحيان.

وفي الحقيقة هذه هي الأسباب التي أفشلت كل محاولات المعارضة السياسة دمج العسكريين المنشقين في كتائب الثورة المقاتلة، أي الخوف من المنافسة والرغبة في الحفاظ على استقلال كل كتيبة، وبالتالي احتكارها لموارد الدعم المرتبطة بهذه الدولة أو تلك.

وهذه هي الاسباب التي منعت الكتائب أيضا من الاتحاد والاندماج، وتكوين قيادة موحدة، من داخل صفوفها، وبشكل مشتقل عما نسميه المعارضة الخارجية أو الداخلية.

كل هذا واضح، ويفسر ما نحن فيه.
المطلوب اليوم ليس تكرار الشكوى من المتدخلين وفشل المعارضة وندب حظنا، وإنما رفض الواقع الفاسد والسعي إلى التغيير والتفكير في كيفية إصلاح هيئة الأركان والوضع العسكري عموما لتحقيق المهام المطلوبة، وتعزيز قدراتنا العسكرية ووقف المجازر والاعدامات الميدانية للأطفال والنساء، كما حصل امس في النبك، من دون عقاب.

لن يفيدنا كثيرا أن نقسم قوانا المقاتلة بين جيوش متنازعة ومتخاصمة ومتنابذة، إسلامية وغير إسلامية بينما نحن بأغلبيتنا مسلمون. هذا ليس خطأ عسكري فحسب، ولكنه ضرب لأي مشروع وطني. ولا يعني ذلك أن يتخلى الاسلامي عن أفكاره أو العلماني، إذا وجد، عن علمانيته، فالمطلوب في هذه المرحلة ليس أن نربح المعركة الفكرية داخل صفوف الثورة وبين تياراتها المختلفة، وإنما أن نحمي شعبنا ونحرر بلادنا من نظام القتلة والمجرمين المحترفين، وبأسرع وقت. ولا أمل لنا بذلك إلا بتوحيد قوانا جميعا، أعني جميع من يقف ضد هذا النظام ويسعى إلى التخلص منه، بصرف النظر عن اعتقاداته وأحلامه وتطلعاته. وانا لا أستثني هنا أحدا من الثوار والمنشقين الذين خسرنا طاقاتهم حتى الآن من دون أي سبب ولا مبرر، وحرمنا أنفسنا من خبراتهم ومعرفتهم بالأرض والنظام ومهنة السلاح.

ولدينا سابقة في هذا التغيير من سيرة منظمة التحرير الفلسطينية التي شكلتها الدول العربية من دون مشاركة القوى الفلسطينية المقاتلة، لكنها تحولت بعد أن دخلت فيها فتح والمنظمات الفلسطينية الشعبية، إلى منظمة وطنية تمثل الشعب الفلسطيني وتجمع أغلب قواه الثورية.

قد يكون إصلاح الاركان من الأمور المستحيلة بالفعل. لكن إذا كان هذا استنتاجنا الأخير، فليس الحل في أن نشتت قوانا خارج الأركان وننقسم إلى جيش إسلامي وجيش غير إسلامي وإنما أن ننشيء هيئة أركان جديدة واحدة تقود القوى المقاتلة الثورية بصرف النظر عن اتجاهاتها الفكرية. وإذا كنا نشعر أننا أكثرية إسلامية فلن يضيرنا أن نعمل مع غيرنا، بل سوف تكون سيطرتنا على هذه الهيئة العسكرية الموحدة قوة إضافية لنا. ورفض ذلك يعني أن نقبل بأن تكون هناك جيوش مختلفة ومتنازعة وهيئات أركان متضاربة، وهذا ما هو قائم اليوم، وهو أصل الضعف والفوضى وإرساء أسس تفكيك وطننا الواحد وتحويله إلى إمارات وممالك ومناطق نفوذ خاصة وأجنبية.

والحل ليس صعبا. وكنت قد اقترحت على المعارضة والائتلاف أن تتم دعوة كبار ضباط الجيش المنشقين والمخلصين، ودعوتهم لوضع مشروع لدعم تشكيل أركان فاعلة وقيادة مركزية وتواصل وترابط بين الكتائب والتشكيلات المقاتلة، يسمح لها بالتعاون للعمل حسب خطة تحرير واحدة وواضحة. ثم دعوة القادة الميدانيين للكتائب إلى اجتماع مع الضباط الكبار لمناقشة المشروع وتعديله إذا كانت هناك ضرورة لذلك. وبعد الاتفاق عليه يطالب الجميع بالالتزام به، وتشكيل القيادة العسكرية من الضباط المحترفين والميدانيين، لكن على أسس عسكرية محترفة، لتنفيذ خطة العمل العسكري المدروسة والمتفق عليها.

هكذا نستطيع أن نتجاوز الاركان الشكلية التي فرضت علينا من دون أن نزرع المزيد من الانقسام داخل صفوفنا، كما نستطيع أن نفرض إرادتنا نحن كسوريين على الدول الداعمة لنا، وتلك التي تستغل نقاط ضعفنا لتوسع مناطق نفوذها في بلدنا وعلى حسابنا. إذا سرنا في مثل هذا الطريق لا يعود موضوع ترك الأركان الشكلية وارادا أو ذا أهمية. لكن إذا كان تركها يهدف إلى الانفراد والانقسام والتشتت، فبقاؤها الرمزي أفضل من زوالها.

vendredi, décembre 06, 2013

حول الاعلان عن انسحاب الجبهة الاسلامية من هيئة أركان الجيش الحر

أصدرت الجبهة الإسلامية صباح الخميس في ٥ كانون الأول ديسمبر بيانا موقعا باسم رئيس مجلس الشورى أحمد الشيخ ورئيس الهيئة العسكرية زهران علوش، أكد على انسحاب كل من ألوية صقور الشام وجيش الإسلام من هيئة الأركان منذ مدة بعيدة.
بالرغم من المشاكل العديدة التي تعرفها هيئة الأركان، على مستوى التنظيم والتخطيط العسكريين، لا يمكن لهذا الانسحاب أن يفيد قوى الثورة في منعطف سياسي وعسكري دقيق من تاريخها. ومثل هذا الانسحاب يؤلم الشعب السوري الذي كان يأمل ويدعو منذ أشهر طويلة لتوحيد الصف وهيكلة القوى المقاتلة وتوحيدها.
وكنا قد رحبنا بتجمع الجبهة الاسلامية كخطوة أولى مهمة على طريق توحيد قوى الثورة جميعا لتكوين جبهة وطنية واحدة في وجه العدوان المستمر الذي يمارسه النظام على الثوار وعلى المدنيين عموما لكسر إرادة الشعب ودفعه إلى التسليم بالأمر الواقع.
لا يمكن إصلاح الأخطاء ولا تحسين الأداء بالانقلاب الدائم على الهياكل القائمة واستبدالها بهياكل ومؤسسات بديلة، وهذه هي تجربة المجلس الوطني والائتلاف. ولن يقود مثل هذا العمل إلا إلى المزيد من الانقسام والتشتت والنزاع داخل صفوف الثورة وبين تياراتها ومكوناتها المختلفة.
لن نتقدم إلا إذا تبنى جميعنا فكرة العمل من داخل مؤسسات الثورة وعمل على إصلاحها ما دامت تعمل في خط الثورة ولا تحيد عنه. فلا تولد المؤسسات كاملة الأوصاف وإنما تتكامل بالتجربة والتطوير والعمل المشترك على بنائها بما يخدم أهداف الثورة ويسمح لجميع الأطراف أن تجد نفسها فيها وتشارك في قرارها. هذا هو الاتجاه الوحيد للخروج من المصاعب التي تشهدها القوى الثورية في أرض الميدان، وعكس ذلك لن يفيد إلا النظام الذي يتربص بالثوار والمقاتلين.
وأنا أدعو قادة الجبهة الاسلامية بدل الانسحاب، تقديم مشروع واضح لاصلاح الاركان وعرضه للمناقشة، والعمل بموازاة ذلك على تكوين الجبهة الوطنية الموحدة التي تضم جميع مقاتلي الحرية ضد نظام القتل والدمار والفساد.
بمثل هذا العمل الجامع وحده يمكن للجبهة أن تؤكد دورها القيادي وتجبر الاركان على استعادة دورها في الوقت نفسه.

mercredi, décembre 04, 2013

الثورة بين الأقوال والأفعال

يحيرني ذاك الذي يرد دائما على ما أكتبه في هذه الصفحة بجواب واحد لا يتغير: مليح، لكن نريد أعمالا لا أقوالا. وهو في الغالب لا يفعل شيئا. 

من قال إن العمل يفترض غياب التفكير، أو أن من يفكر في مجريات الأمور وسبل تحولها، ويعمل على تطوير المواقف والتوجهات، ويسعى إلى مناقشتها مع الآخرين، يمتنع حتما عن أداء أي واجبات عملية أخرى في الإغاثة والسياسة والمجهود الحربي؟ 

ليس هناك عمل ناجع وناجح من دون تفكير، ولا يمكن أن يكون هناك فكر سليم من دون الارتباط بالعمل. لكن للعمل مراتب ومستويات وميادين مختلفة. وفي كل ميدان هناك من يغلب على عمله طابع التنفيذ، وهناك من يخطط، وهناك من يصمم، وهناك من يصوب الأخطاء. وهذا ينطبق على كل الأعمال من صناعة الإبرة إلى صناعة الذرة، وييدأ في المجتمع من مستوى تنظيم الفرد لمشروع حياته، إلى الاسرة إلى الحرب والسياسة والخطط الكبرى، التي تتطلب باستمرار ارتقاءا مستمرا في مستوى النظر وطرائق التحليل والتركيب، وتحتاج جميعا إلى الرأي السديد.

العمل من دون تفكير لا يثمر ولا يقود إلى شيء، وربما انقلب على صاحبه، والتفكير غير المرتبط بعمل ومشروع عملي يخشى عليه أن يتحول بسرعة إلى سفسطة وكلام سائب وتنظير منفصل عن الواقع والعقل السليم.

ومعظم نقائص عملنا اليوم في الثورة، وتأخر إنجازنا فيها، ناجم عن الانفصال بين النظر والعمل، وضعف التفكر، الأخلاقي والانساني والسياسي والعسكري. ولولا الايمان بالله والثقة بنصره لما شهدنا ما شهدناه من صمود اسطوري قام بشكل رئيسي على التضحيات العظيمة بالروح والنفس، التي يقف وراءها الايمان بعدالة القضية والحق، ويغذيها الاعتقاد الصادق، والثقة بالله، والحماس الديني الذي أصبح اليوم المحرك الانفجاري الحقيقي لروح الصمود والتصميم والأمل بالنصر.

dimanche, décembre 01, 2013

الثورة السورية بين الخيار الوطني والايديولوجي


مع فوارق كبيرة بالطبع، يذكرني التنافس، وأحيانا التنابذ بالألقاب للأسف، داخل صفوف معسكر ثورة الكرامة والحرية، بين من يصفون أنفسهم وغيرهم بالعلمانيين أو الاسلاميين، بالصراع الذي حصل داخل معسكر التحرر الوطني بين القوميين العروبيين والاشتراكيين اليساريين، والذي أدى إلى سقوط الطرفين وهزيمتهما، وتسهيل انتزاع السلطة من قبل طغم عسكرية وأمنية طفيلية، بعيدة عن أي قيم، قومية أو اشتراكية، سرعان ما انكفأت على حكم العصبية الطائفية والعشائرية والمذهبية الذي ندفع اليوم ثمنه من دماء أطفالنا وبناتنا وشبابنا. 
واليوم، أيضا، أكثر ما نخشاه، هو أن يقود الصراع المتفاقم على الهيمنة السياسية، داخل معسكر ربيع الثورة السوري، بين جناح يعتقد أن تجسيد مباديء العدالة والحرية والكرامة التي فجرت ثورة آذار المجيدة لا يمكن أن يتمثل إلا من خلال حكم إسلامي ينظر إليه على أنه نقيض الحكم المدني، وضد الجناح العلماني، وجناح علماني لا يرى تحقيقا لمباديء الحرية والكرامة التي رفعتها الثورة ذاتها إلا من خلال تأكيد مركزية الدولة المدنية التي تعتمد القانون والحياد الفكري والمذهبي، وتستبعد الرجوع إلى أي رأي ديني، أقول، أخشى أن يقود هذا الصراع الشديد إلى ضرب التحالف الشعبي الذي كان وراء تفجير الثورة واستمرارها البطولي، والذي جمع قوى الوسطية من الاسلاميين والعلمانيين على مبدأ واحد ومرجعية مشتركة، هو مبدأ الحرية والكرامة للمجتمع والفرد. 
سيكون المستفيد الوحيد من هذا الوضع فلول النظام الهالك نفسه، الذي لم يهدف من الدفع إلى التطرف والعنف إلا إلى تهميش التكتل الشعبي الوسطي الواسع وتحييده، وتحويل الصراع على النظام السياسي والاجتماعي إلى صراع ايديولوجي.

حتى لا ننسى بطولات أبنائنا

تفجر الثورات عادة أعظم ما تتحلى به الشعوب من قيم التضحية والكرم الأخلاقي والغيرية ونكران الذات حتى درجة التضحية بالروح، لكنها تكشف أيضا عن كل العيوب الجماعية والفردية للمجتمعات. 
ولا تشذ الثورة السورية عن القاعدة. فما أظهره السوريون من الشجاعة والبطولة وروح التضحية والفداء، في سبيل قضية الكرامة والحرية ورفض الاستعباد، يكاد يكون من دون سابقة في تاريخ ثورات العالم. لكنها لم تشذ ايضا عن القاعدة في إبرازها الكثير من الملامح السلبية التي تميز الشخصية السورية، من فردية مفرطة، وغياب روح التنظيم الجماعي الذي يرتبط بقبول المراتبية الوظيفية، والمسؤولية، واحترام السلطة الشرعية، والالتزام بخطة العمل الكلية والاندراج فيها. ومن ثغرة الملامح السلبية هذه دخل إلى صفوف الثورة الكثير من المتسلقين والوصوليين والانتهازيين، وعملوا على الإساءة للشعب وللثورة نفسها.
وعلى هذه الإساءة، وما يرتبط بها من أعمال مخلة بروح الثورة وقيمها وأهدافها،
بعد ما يقارب السنوات الثلاث من التضحيات الهائلة، ومع تدهور شروط المعيشة في بعض الأوساط الاجتماعية وبعض المناطق إلى ما فوق الاحتمال، وتهديد مناطق عديدة بالمجاعة، من الطبيعي أن يستند أعداء الشعب والحرية على هذه الإساءة التي يقوم بها أناس ركبوا قطار الثورة ولم يكونوا جزءا منها، لتعبئة الرأي العام وشحنه ضد الثورة ومشروعها.

وإذا كان من الواجب فضح هؤلاء المتسلقين ومعاقبتهم على ما يقومون به من إساءة للشعب ومشروعه التاريخي. فمن الواجب أكثر أن لا ندع الحديث عن السلوكات والمواقف والحوادث السلبية المسيئة يغطى على الأوجه المشرقة العظيمة لثورة السوريين، على تضحيات شاباتها وشبابها الذين لا يزالون يسطرون كل يوم، ملاحم جديدة في مواجهة الألة العسكرية لنظام هالك سلم أمره بعد انهياره إلى القوى الأجنبية التي تتحدث باسمه وتقود خطاه.
وفي هذه الأيام بالذات، لا يمكننا، أمام ما يقوم به أبطال كتائب الجيش الحر من مآثر، كما تظهر ذلك الاندفاعات الجريئة على جبهات غوطة دمشق، وحلب وحماة وحمص والباب وغيرها، واخيرا في درعا البلد التي أصبحت المدينة الثانية المحررة من رجس كتائب الأسد والميليشيات التابعة لايران، إلا أن نهنيئ هؤلاء الشباب الشجعان على إنجازاتهم الرائعة، ونعبر لهم عن اعتراف الشعب وحبه وإجلاله لمواقفهم وبطولاتهم. وأن ندعو لشهدائنا الذين قضوا في ساحات الشرف، فداءا لشعبهم وعقيدتهم، بالرحمة، ونعاهدهم على أن نبقى على مستوى تضحياتهم، أوفياء لدمائهم الطاهرة ومخلصين لذاكرتهم الحية أبدا.

الثورة بين الدولة الدينية والمدنية

يسأل البعض ما المقصود بالتيارات والاتجاهات المدنية التي غالبا ما توضع، في سياق الصراع الراهن في ثورات الربيع العربي على مفهوم الدولة، المدنية والاسلامية، في مقابل التوجهات والتيارات الدينية. 
والجواب هو أن من ينادون بالدولة الاسلامية يعتقدون أن قوانين الدولة وتنظيماتها وإدارتها وكل ما يتعلق بها ينبغي ان يستمد من الأحكام الشرعية، أي الدينية. وبهذا المعنى تصبح السياسة، أي إدارة الدولة وتسييرها، فصلا من فصول الفقه، الذي يقوم عليه رجال الدين المختصون والقيمون على تأويل النصوص الدينية، من كتاب وسنة، وتفسير أهدافها ومقاصدها وغاياتها. وهذا على قاعدة أن الاسلام دين ودنيا، أي أنه يحكم أمور الحياة كلها، العقدية والمادية.

بالمقابل، ينظر أنصار الدولة المدنية إلى الدولة بوصفها تنظيما لشؤون الحياة المادية، ونوعا من التنظيمات التي تستمد مبادءها من الرأي العقلي، وتتطور مع التجربة وتقدم الحضارة، وأن السياسة بالتالي ليست من ميدان الفقه الديني الذي تستمد أحكامه من تأويل النصوص، وإنما هي من ميدان العلم والتجربة والرأي والاجتهاد العقلي. الدولة المدنية تقاد بالعقل، ويشارك في قيادتها وتطوير تنظيماتها وطرائق عملها، وشكل إدارتها، جميع أصحاب الاختصاص، من رجال السياسة والحرب والاستراتيجية والصناعة والزراعة والعلوم المختلفة، وأيضا من رجال الدين، لكن ليس وحدهم، وذلك حسب ميدان الاختصاص وانطلاقا من معايير الفاعلية والخبرة العملية والنجاعة المادية والأخلاقية.

فإذا كان المطلوب من رجل الدين أن يجتهد لايصال روح الرسالة الدينية لجمهور المؤمنين، من أجل ضمان سلامة اعتقادهم، وموافقة ممارستهم الدينية لمقاصد الشرع، وبالتالي مطابقة سلوكهم لأوامر الدين وأخلاقه، وهذا هو السبيل لضمان خلاصهم في الدنيا والآخرة من الناحية الدينية، فإن المطلوب من رجل السياسة ليس خلاص الأفراد الديني تجاه خالقهم بالدرجة الاولى، وإنما تنظيم شؤون حياتهم والارتقاء بقدراتهم العلمية والعملية، ووتعظيم قدراتهم على منافسة غيرهم من المجتمعات في تمثل العلوم والتنقنيات المدنية والعسكرية الارتقاء بمستوى معيشتهم، وكل ذلك من خلال تحسين طرائق الإدارة وسياسة الدولة والصناعة والزراعة والتعليم والصحة وغيرها من النشاطات الاجتماعية. وهذا لا يتحقق إلا باكتساب العلوم واستلهامها في التنظيمات المدنية، في الحرب والصناعة والزراعة والعلوم والبحث، وغير ذلك.

فإذا كانت مهمة رجل الدين مساعدة المؤمن على تطبيق مباديء الدين بصورة سليمة، فإن مهمة رجل الدولة هي تنظيم شؤون المجتمعات بطريقة تسمح لها بتأمين حاجات المجتمعات المادية من غذاء وكساء ودواء وسكن وأمن وسلامة الأرواح والأرزاق. وكلها أهداف مرتبطة بتطوير الوسائل ولا علاقة لها بالغايات، من مثل تحقيق التقدم في تنظيم الجيوش وقوى الأمن ووسائل الانتاج والتعليم وكل ما يتعلق بالتقدم المادي والعلمي والتقني.

والواقع ليس هناك تناقض بين الدولة المستندة في إشادة مؤسساتها على الرأي والعقل، وتحقيق مباديء الدين ورسالته، بل إن العكس هو الصحيح. لأن المجتمعات التي تخفق في تحقيق الحد الأدنى من التقدم المادي في الوسائل، ويتدهور مستوى معيشتها المادي، تنحط أخلاقيا ودينيا في الوقت نفسه. ولأنه لا يوجد تناقض بين الدين والعلم، لأن علم الدولة يتعلق بالوسائل، أي بالآلات والتقنيات والتنظيمات، وعلم الدين يتعلق بالتعريف بالغايات الكبرى والقيم التي تحكم حياة الأفراد والجماعات. وكل مجتمع يستخدم الوسائل ضمن الغايات وحسب القيم التي يستلهمها من عقائده وثقافته. فالصناعة كالحرب والإدارة وتسيير المجتمعات وعلوم الطبيعة، ليست مرتبطة بدين أو محكومة بمذهب معين، وإنما هي من متعلقات العقل الذي هو الهبة المستركة للانسان كإنسان.

وقد جاء في الحديث،"إعقلها وتوكل”. فالعقل هو العمل بالخبرة والتجربة والتامل والاجتهاد بالرأي، والتوكل هو الثقة بالله واستلهام آياته وأحكامه وقيم الدين ومقاصد الشريعة الكبرى وغاياتها المرتبطة بتحقيق العدل والصلاح في الدنيا والآخرة. فالعقل والتوكل أو الايمان، يتكاملان بمقدار ما ينجح المجتمع في تحديد ميدان اختصاص كل منهما، ويعرف كيف يتجنب الخلط بين ما هو من ميدان الرأي والعقل، وما هو من ميدان الوحي والنقل والعبادة. فكلاهما، العقل والوحي، آية من آيات الله وفضله وكرمه على العالمين..