mardi, juillet 23, 2013

خالد بن الوليد الشهيد


خالد بن الوليد صحابي ورمز للشجاعة والبطولة في تاريخ العرب والمسلمين جميعا. لم يكن سنيا ولا شيعيا، وتوفي قبل الفتنة الكبرى التي مزقت صفوف المسلمين، وكان قائدا عسكريا فذا وعبقرية استراتيجية استثنائية تركت بصمتها، كما لم يفعل أي قائد عسكري، على تاريخ العرب والمسلمين وثقافتهم. 

ما حصل من اعتداء على ضريحه في مسجده التاريخي البديع في حمص، وفي الحي الذي سمي باسمه، ليس عملا جبانا يضمر الخسة الأخلاقية فحسب ولكنه، أكثر من ذلك، عمل إجرامي تستكمل فيه مافيا السلطة السورية مشروعها في تسعير الحرب الطائفية، وتحطيم آخر ما تبقى من مقاومة لدى الأفراد ضد الانخراط الأعمى في الحرب الأهلية. والهدف من ذلك لم يتغير: إغراق ثورة الحرية السورية في بحر من الدماء والفوضى والانقسام والاقتتال لعلها تهرب بنفسها من المسؤولية، وتعوم نظامها المتهاوي على بحر الدماء السورية الزكية.

لم يترك نظام الجريمة المنظمة وسيلة إلا استعملها من أجل توريط اكثرية الشعب السوري في حرب طائفية معممة، لا تزال ثقافته وروحه الوطنية ترفضها وتحتال عليها. مارس حروب التطهير الطائفي في المدن والاحياء، وعمليات القتل على الهوية، وذبح الاطفال، وحرق الرجال والنساء أحياء، لكنه فشل في تعميم الحرب الأهلية الطائفية. ولا تزال الأغلبية من أبناء سورية يرفضون أن يتخلوا عن آمالهم في الحرية، وفي إعادة بناء سورية دولة للجميع، ودولة الجميع، من دون تمييز. 

اختطفوا أبناء المذهب الشيعي وبثوا الرعب في نفوسهم، ليس في سورية فحسب ولكن في المنطقة كلها، وأوقدوا مشاعر الخوف على مصير المراقد الشيعية، وأرادوا تخصيص السيدة زينب بحبهم وانتزاع حبها من جميع المسلمين ليجعلوا منها ذريعة للاستمرار في حربهم العنصرية التي لا هدف دينيا لها، إلا إقامة الامبرطورية الفارسية القومية. وهاهم بعملهم الإجرامي الجديد يخصصون خالد بن الوليد بالسنة، لتمزيق تاريخ العرب والمسلمين والسوريين كمقدمة لتمزيق الجغرافية السورية ووضع الحواجز والحدود بين أبناء الوطن الواحد. 

لا ندري في ما إذا كان هؤلاء البرابرة يصفون حسابات تاريخية لا يزالون يجترونها منذ قرون طويلة، أم إنهم يحلمون بتصفية سورية وحرقها وتدميرها كوطن وشعب وثقافة وتاريخ، انتقاما من رفضها لعبوديتهم واستعصائها على سلطتهم وسيطرتهم. 

لم يدروا أنهم باغتيالهم خالد بن الوليد في ضريحه، قد أعادوا له الحياة كما تعود الحياة الأبدية للشهيد. منذ الآن خالد بن الوليد حي بيننا، روحه البطولية تسري في جسد كل سوري وسورية، في جسد كل عربي. خالد بن الوليد يتحرك منذ الآن بيننا، يقود مقاتلي الحرية في شوارع حمص العدية، يعيش مع أطفال سورية ويهمس في آذانهم كلمة السر، يعلمهم سر النصر. 
فلا نامت أعين الجبناء

dimanche, juillet 21, 2013

عن الاحزاب الكردية والحكومة اللغم


فجيعة الأكراد بتنظيماتهم السياسية لا تقل عن فجيعة غيرهم من السوريين بتنظمات المعارضة التي نادرا ما أصابت في حساباتها. والسبب هو نفسه، غياب منظور المصالح الوطنية العامة وسيطرة منظور المصائر الشخصية والفئوية والحزبية علي عملها وتفكيرها. 
عندما اندلعت ثورة الكرامة والحرية كان الأكراد، وفي المدن التي يمثلون فيها الأكثرية، في طليعة المنخرطين فيها، وكانت مدن عامودا وديريك ورأس العين والقامشلي وغيرها من مدن الشمال والشرق، لا تتوقف عن التظاهر لإسقاط النظام  وإعلان التضامن مع درعا وحمص وغيرها من المدن السورية. 

لكن شيئا فشيئا تغير الوضع، وبدأت المناطق الكردية تستقل أكثر فأكثر في المناخ الذي يميزها عن المدن السورية الأخرى. والسبب أن أكثر الأحزاب الكردية التي ستشكل في ما بعد المجلس الوطني الكردي لم تكن معنية كثيرا بانتصار ثورة  السوريين بقدر ما اعتبرتها فرصة لا ينبغي أن تفوت لتعويم نفسها ومنافسة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ذا النزعة القومية الكردية القوية، على السيطرة على الرأي العام الكردي السوري. فربطت تعاونها مع المعارضة بقائمة مطالب زايدت فيها على الاتحاد الكردستاني، تفترض تغييرات دستورية ما كان من الممكن للمعارضة السورية أن تقرها وهي أصلا لا تمثل إلا جزءا من الشعب، من خارج برلمان منتخب يعبر عن سيادة الشعب السوري وإرادته الوطنية. 

خسرت أحزاب المجلس الكردي على الجانبين: فقد أثارت بمطالبها، السابقة لأوانها حذر ومخاوف الثوار السوريين على وحدة سورية أرضا وشعبا، ولم تلق مزاودتها على الاتحاد الكردستاني أي صدى يذكر لدى الجمهور الكردي السوري الذي كان قلبه يخفق مع الثورة، ولا من باب أولى عند جمهور الحزب القومي المنافس. وهكذا وجدت نفسها في الفراغ، فلا هي أرضت القطاع القومي من الجمهور الكردي السوري الطامح إلى تحقيق آمال قومية قصوى، عبر عنها بشكل أكثر اتساقا الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي بقي منذ البداية ولا يزال يغازل النظام، ولا تفاعلت مع  الجمهور الكردي المؤيد للثورة السورية الديمقراطية الذي وجد نفسه، بسبب مواقف هذه الاحزاب، من دون قيادة ومن دون توجيه، ضائعا بين أحزاب كردية تزاود على بعضها في الانسحاب من المعركة، وفي خوض  معركة قومية موازية لمعركة جميع السوريين، معركة الديمقراطية، في وقت يتعرض فيه الوطن والشعب بعمومه إلى أقسى امتحان.

وهاهي اليوم تجد نفسها صفر اليدين، مكرهة على الالتحاق بمشاريع الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، التي لا يغيب عن أحد أنها جزء من استراتيجية النظام السوري الهادفة إلى تحييد الأكراد والمناطق الكردية في الصراع الجاري، من ضمن استراتيجيات تفتيت مقاومة الشعب السوري والتهديد بتقسيم البلاد، مقابل ضمان السيطرة شبه الانفرادية لحزب صالح مسلم على مقاليد ما يمكن أن يكون نواة لحكومة محلية ومصادرة على إرادة الشعب الكردي والسوري عموما قبل تحرير البلاد. 

إن مشروع تشكيل حكومة أو إدارة محلية تحت سيطرة الاتحاد الديمقراطي الكردستاني يعني، في هذا الظرف الاستثنائي والخاص للصراع حول مستقبل سورية ومصير شعبها، تحويل المطالب القومية الكردية المحقة والمشروعة إلى لغم في قلب ثورة الكرامة والحرية والديمقراطية السورية، يمكن في أي لحظة أن ينفجر في وجه المطالب الكردية ويهدد بتقويض شرعيتها عاجلا أو آجلا.

المطلوب في هذه اللحظة الدقيقة من تاريخ سورية ليس استقلال كل عنصر بنفسه، وتغذية الأنانية القومية او الطائفية او الجهوية، وإنما المزيد من التضامن والتعاون والتعاضد بين أطياف الشعب السوري، من أجل وضع حد لنظام القتل والدمار، وإعداد البلاد بالفعل للانتقال نحو الديمقراطية، هذا الاعداد الذي لا يمكن أن يتم ولا أن ينسجم مع تسعير الأجندات الجزئية وشحن النزاعات الداخلية القومية أو الدينية. 
وبدل حكومة يسيطر عليها الكردستاني، كان ينبغي انتخاب مجلس محافظة يمثل جميع سكان المنطقة، ويتعاون مع مجالس المحافظات الأخرى لتأمين حاجات السكان، ورعاية مصالحهم جميعا، والابتعاد ما أمكن عن استخدام تلبية هذه الحاجات كحامل لمشروعات انفصال او حتى لاحتمالات تفجير نزاعات وحروب محلية. ولو فكرت الأحزاب الكردية مليا في الأمر كانت ستعرف أنه لا يوجد أي خلاص حقيقي فردي للأكراد الذين تدعي تمثيلهم، كما لا يوجد أي خلاص للشعب السوري ولا لأي طيف من اطيافه على انفراد، غير القضاء على نظام الفاشية والقتل، وبناء سورية ديمقراطية تعددية قائمة على التضامن والعدل والمساواة وحكم القانون. وكل المشاريع الموازية أو المخالفة الأخرى، لن تؤدي سوى إلى إدامة الحرب وتسعير المزيد من النزاعات وسفك دماء السوريين الزكية من أي قومية كانوا ولأي مذهب انتموا.

jeudi, juillet 18, 2013

السوريون في مصر: من لاجئين إلى كبش محرقة

مأساة اللاجئين السوريين في الدول المجاورة تكاد تغيب وراء شريط الأخبار المليء بالأحداث عن القتل والدمار والمعارك الطاحنة في كل مكان من أرض سورية. لكنها مأساة لا توصف. وهي في تفاقم مستمر، بعد أن نفذت الأرصدة التي حملها معهم البعض، وانعدمت فرص العمل وانتشر سوء المعاملة بحقهم هنا وهناك، في مخيمات اللاجئين وخارجها.
ما يحدث في مصر، منذ الانقلاب الأخير على الحكم الإسلامي، هو مثال صارخ على هشاشة وضع اللاجئين السوريين وخطورة ما يمكن أن يتعرضوا له في المستقبل القريب مع استمرار الحال على ماهو عليه.
كتب لي احد السوريين اللاجئين يقول: والله يادكتور لو ترى عدد السوريين الموقوفين وماذا فعل الضابط بنا وماذا تكلم معنا من أجل إذلالنا وإهانتنا. وختم ذلك بقوله : سأعمل بأي سوري أكثر مما عملت بك و"حتروحو بالجزمة من البلد دي" . لقد تصرفوا معي كما لو كان السوريون هم الذين احتشدوا في رابعة العدوية، وكنت أنا الذي أرسلتهم إلى هناك. السوريون يفكرون الآن جميعا في الرحيل. لكن إلى أين؟

والمشكلة كما تشير هذه الحادثة أن المعاملة المشينة للسوريين لا تقتصر على بعض المتطرفين الذين يريدون تفريغ شحنة غضبهم في أي فرد مهما كان برئيا، وإنما تشمل رجال أمن يخضعون، أو من المفترض أنهم يتلقون الأوامر الرسمية، ويخضعون في سلوكهم للقانون الذي يمنع الاهانة والتهديد والاعتقال من دون تهمة ومذكرات قضائية.
لكن الأهم من كل هذا إعادة العمل في مصر بنظام التأشيرة. فهو أخطر إجراء اتخذ في دولة مجاورة بحق السوريين بعد ثورة ١٨ آذار لأنه يعني إغلاق باب البلد الأقرب لحال السوريين، والأقدر على استيعابهم من جميع النواحي، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، أمام السوريين الهاربين من الموت .

يشكل هذا الإجراء مشاركة قاسية من قبل الحكومة المصرية الجديدة في زيادة الضغوط على السوريين ومحاصرتهم في سياق سعي نظام القتلة في دمشق، باستخدام كل ما لديه من وسائل الضغط والعنف، لفرض الاستسلام عليهم وإخماد ثورة الحرية التي فجروها للتخلص من عبوديتهم وبؤسهم.

وفي ظروف النزاع المحتدم في مصر على السلطة، والذي يضع وجها لوجه ملايين المصريين المؤيدين والمعارضين للحكم الجديد، ليس هناك أي رادع يمنع بعض السياسيين والسوقة معا، من استخدام السوريين ككبش محرقة وتوجيه أصابع الاتهام إليهم باعتبارهم السبب في كل ما يحصل لمصر من عنف وانقسام. نقلوه معهم من بلدهم الذي يعيش حربا لا هوادة فيها. وهذا ما بدأ يحصل بالفعل. فأنصار الحكم الجديد يتهمون اللاجئين السوريين بالضلوع مع الأخوانيين والاسلاميين، خاصة وأن آخر أيام الرئيس مرسي شهدت إعلانه المدوي عن تاييد مصر الرسمية لثورة السوريين، والمشاركة في مؤتمر الدعوة للجهاد فيها، كما يساعد عليه ما اتخذته الثورة السورية من طابع إسلامي متنامي في الأشهر الأخيرة. ولا يخفى وجود شخصيات أعلنت عدائها للثورة السورية واتهامها بما تتهم به حكم مرسي الماضي، وولاءها لنظام بشار، من بين مؤيدي الثظام المصري الجديد. وفي المقابل تساعد الصورة السلبية والكريهة التي تسعى بعض وسائل الإعلام الرخيصة والمدفوعة الأجر والهادفة إلى تحطيم أواصر القربى بين العرب للأبد، على تقليب قطاعات الرأي العام المصري الاسلامي والمحافظ ضد السوريين. وهو ما رمت إليه أكذوبة مشاركة النساء السوريات في رابعة العدوية وغيرها. كما أن بين المصريين عموما من يرى في السوريين اللاجئين تجسيدا لتجربة حرب دموية أهلية طاحنة لا يريدها المصريون لبلدهم، ويريديون، بإبعاد السوريين عن مصر، إبعاد شبحها عنهم.
باختصار، في سياق المواجهة الشاملة والقاسية التي يعرفها المجتمع في مصر، وانعدام المخارج السلمية المنظورة حتى الآن، وخطر الاتجاه نحو الصدام، تتجمع كل عناصر تحويل السوريين المقيمين في مصر إلى كبش محرقة أو كبش فداء. ولا ينقص من أجل النجاح في توجيه مشاعر الكره والعداء ضد السوريين في هذا الظرف، وفي تحميلهم مسؤولية كل ما تعرفه مصر من انقسامات ومتاعب، إلا إبقاء الاصبع على الزناد، كما هو حاصل اليوم، وترك الإعلام الرخيص والمدفوع الذي هبط إلى مستوى من الابتذال والعنف يصعب تجاوزها، يحرض بحرية على السوريين ويختلق القصص والترهات البائسة عن رجالهم ونسائهم التي تشجع على استصغارهم واسترخاص كرههم والعداء لهم ، وتسهل توجيه إصبع الاتهام بشكل تلقائي إليهم.
أتوجه إلى حكومة مصر، وإلى رئيسها الدكتور حازم الببلاوي الذي عرفته إنسانا كبيرا وصديقا ودودا، كما أتوجه إلى الفريق الأول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع، الذي وضعته الأحداث في قلب القرار المصري الوطني، لاتخاذ الإجراءات السريعة الكفيلة بايقاف مسلسل العزل والإقصاء والاستبعاد الممهد للاعتداءات على الأشخاص، الذي يتعرض له اللاجئون السوريون، وقطع الطريق على هذا المنحنى التشهيري الخطير، وتطمين السوريين على حياتهم وأمنهم، ومنع كارثة إنسانية جديدة من الحصول في مصر بحقهم بعد الكارثة غير المسبوقة التي عاشوها ويعيشونها في بلدهم المنكوب.

mardi, juillet 16, 2013

عن جبهة النصرة واخواتها



عندما بدأ بعض الشباب المسلمين، من العرب والاجانب، في مرحلة سادها الكفاح المسلح، الالتحاق بالثورة، رحب السوريون بهم، لأنهم اعتقدوا أنهم جاؤوا لمناصرتهم في دفاعهم عن أنفسهم ضد عدوان الأسد ونظامه وميليشياته، ولمساعدتهم على إسقاط النظام الجائر والقاتل. 

وبالرغم مما أثاره تصرف قادتهم من مخاوف لدى كتائب الجيش الحر سواء بسبب الأفكار المتشددة التي يطلقونها او تجنبهم التعاون والتنسيق مع باقي كتائب الثورة المسلحة، أو رفضهم حتى الانتماء للجيش الحر، صرف السوريون النظر عن الخلافات الايديولوجية والسياسية من أجل التركيز على القضية الرئيسية التي تهمهم وتشغلهم وهي قضية تقدم الثورة وإسقاط النظام.

واستمر الرأي العام السوري يدافع عن التعاون معهم ويرفض الدعوات المتواصلة الأجنبية لمواجهتهم. وتجلى ذلك في رفض قادة المعارضة بأغلبيتهم قبول التخلي عنهم كشرط لتسلم الاسلحة النوعية التي كانت الثورة ولا تزال بأشد الحاجة إليها.

لم يكن السوريون بحاجة لأحد من أجل الاستمرار بالثورة، فلديهم رجال وشباب كثيرون مستعدون لفداء سورية بأرواحهم، إنما لم يكن أحد يرفض حق غير السوريين في التعبير عن تضامنهم مع ثورة الشعب السوري. ومما ساعد على هذا القبول ما ظهر على هذه الكتائب المتشددة دينيا من سلوك حسن تجاه الأهالي ومن الشجاعة وروح التضحية في الميدان. 

لكن منذ بداية ظهور هذه الجماعة في سورية إلى اليوم حصلت تغيرات كبيرة على طبيعة وجودها وعملها، فانقسمت على نفسها، وظهرت منها جماعات متفددة، تعلن ولاءات لا علاقة لها لا بالثورة السورية، ولا بسورية نفسها، كما تغير سلوك أفرادها تجاه أبناء المجتمع السوري، فصار من الواضح أنها بدأت في تطبيق برنامج أخر لا علاقة لها بالثورة ولا بأهدافها ومطالبها، هو مشروع فرض وصايتها الخاصة، وحسب مفهومها على الناس، في المدن والقرى والأحياء، وتكره السوريين على الأخذ بعادات وتقاليد واعتقادات لا تمت بصلة لثقافتهم وفكرهم واعتقاداتهم وفهمهم للاسلام. ثم في الفترة الأخيرة بدأت بعض هذه الجماعات تمارس الارهاب على الجيش الحر ، وتغتال قادته، بهدف استتباعه أو إبعاده من طريقها حتى يتسنى لها فرض سيطرتها الكاملة في المناطق المتواجدة فيها. 

من الواضح أن مشروع هذه الجماعات أو معظمها، لم يعد يتطابق مع مشروع الشعب السوري الذي فجر الثورة ولا يزال يقدم من أجل انتصارها أعظم التضحيات. فهي تعمل من أجل وضع اسس ديكتاتورية جديدة أكثر انغلاقا وقسوة، باسم الدين والشريعة، بينما يخوض الشعب السوري معركة مصيرية للخلاص من الديكتاتورية وإقامة دولة حرة يكون الجميع فيها أخوة متساويين في الحقوق والواجبات، تحترم فيها كرامة كل فرد وتضمن حرياته ولا يفرض فيها أحد على أحد رأيا لا يلقى قبوله أو قناعته. 

لم يخرج السوريون ويقدموا ما قدموة من تضحيات بالأرواح والأموال والممتلكات من اجل أن يستبدلوا وصاية بوصاية أخرى، يتخلوا بموجبها عن حرياتهم وكراماتهم وحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وبمشاركة كل فرد منهم. وإذا كان رب العالمين لم يفرض على المسلمين الانصياع لأي كهنوت في ميدان الدين نفسه، فلا يستطيع أحد أن يفرض على السوريين، الذين ضحوا بأغلى مالديهم لقهر الطاغوت، كهنوتا جديدا في السياسة والمجتمع. 

أدعو جميع الأطراف إلى الدخول في حوار معمق، تحت إشراف وبمساعدة شخصيات وطنية مقبولة من الجميع، من أجل تجنب الصدام، وتوضيح المواقف، والتوصل إلى تفاهم يضمن استمرار الالتزام بالثورة السورية، والعمل على تطبيق برنامجها، بعيدا عن منطق الاتهام والتخوين والتكفير الذي لا يمكن أن يقود إلا للمزيد من التشتت وسفك الدماء.

كما أدعو جميع الشباب السوريين الذين التحقوا بالجماعات المتشددة بحثا عن إطار عسكري يضمن مشاركتهم الفعالة، إلى اليقظة، وعدم الانجرار وراء مشاريع لا يهمها مصير سورية وشعبها، وإنما تهدف إلى تطبيق أجندات خاصة متعلقة بحقدها المشروع على السياسات الاستعمارية، تعتقد أنها تمر حتما بإجهاض ثورة السوريين من اجل الكرامة والحرية، وإحلال سلطة وصاية جديدة محلها. 

وأدعو هيئة أركان الجيش الحر، التي تتعرض هي نفسها لهجوم هذه الجماعات، أن توفر لجميع هؤلاء الشباب، السوريين والأجانب، الذين لا مشروع لهم سوى دعم ثورة أخوتهم السوريين، وإسقاط الظغمة الأسدية الحاكمة، وانتصار سورية بلد الاحرار والأخوة والتسامح، الوسائل اللازمة لمتابعة مسيرتهم، بعيدا عن هذه المشاريع الغريبة التي لم تقدم للبلاد التي طبقت فيها من قبل، من أفغانستنان إلى الصومال، سوى تعميم القتل والدمار والخراب.

lundi, juillet 15, 2013

من أجل تجنب المواجهة مع جبهة النصرة واخواتها


عندما بدأ بعض الشباب المسلمين، من العرب والاجانب، في مرحلة سادها الكفاح المسلح، الالتحاق بالثورة، رحب السوريون بهم، لأنهم اعتقدوا أنهم جاؤوا لمناصرتهم في دفاعهم عن أنفسهم ضد عدوان الأسد ونظامه وميليشياته، ولمساعدتهم على إسقاط النظام الجائر والقاتل.

وبالرغم مما أثاره تصرف قادتهم من مخاوف لدى كتائب الجيش الحر سواء بسبب الأفكار المتشددة التي يطلقونها او تجنبهم التعاون والتنسيق مع باقي كتائب الثورة المسلحة، أو رفضهم حتى الانتماء للجيش الحر، صرف السوريون النظر عن الخلافات الايديولوجية والسياسية من أجل التركيز على القضية الرئيسية التي تهمهم وتشغلهم وهي قضية تقدم الثورة وإسقاط النظام.

واستمر الرأي العام السوري يدافع عن التعاون معهم ويرفض الدعوات المتواصلة الأجنبية لمواجهتهم. وتجلى ذلك في رفض قادة المعارضة بأغلبيتهم قبول التخلي عنهم كشرط لتسلم الاسلحة النوعية التي كانت الثورة ولا تزال بأشد الحاجة إليها.

لم يكن السوريون بحاجة لأحد من أجل الاستمرار بالثورة، فلديهم رجال وشباب كثيرون مستعدون لفداء سورية بأرواحهم، إنما لم يكن أحد يرفض حق غير السوريين في التعبير عن تضامنهم مع ثورة الشعب السوري. ومما ساعد على هذا القبول ما ظهر على هذه الكتائب المتشددة دينيا من سلوك حسن تجاه الأهالي ومن الشجاعة وروح التضحية في الميدان.

لكن منذ بداية ظهور هذه الجماعة في سورية إلى اليوم حصلت تغيرات كبيرة على طبيعة وجودها وعملها، فانقسمت على نفسها، وظهرت منها جماعات متفددة، تعلن ولاءات لا علاقة لها لا بالثورة السورية، ولا بسورية نفسها، كما تغير سلوك أفرادها تجاه أبناء المجتمع السوري، فصار من الواضح أنها بدأت في تطبيق برنامج أخر لا علاقة لها بالثورة ولا بأهدافها ومطالبها، هو مشروع فرض وصايتها الخاصة، وحسب مفهومها على الناس، في المدن والقرى والأحياء، وتكره السوريين على الأخذ بعادات وتقاليد واعتقادات لا تمت بصلة لثقافتهم وفكرهم واعتقاداتهم وفهمهم للاسلام. ثم في الفترة الأخيرة بدأت بعض هذه الجماعات تمارس الارهاب على الجيش الحر ، وتغتال قادته، بهدف استتباعه أو إبعاده من طريقها حتى يتسنى لها فرض سيطرتها الكاملة في المناطق المتواجدة فيها.

من الواضح أن مشروع هذه الجماعات أو معظمها، لم يعد يتطابق مع مشروع الشعب السوري الذي فجر الثورة ولا يزال يقدم من أجل انتصارها أعظم التضحيات. فهي تعمل من أجل وضع اسس ديكتاتورية جديدة أكثر انغلاقا وقسوة، باسم الدين والشريعة، بينما يخوض الشعب السوري معركة مصيرية للخلاص من الديكتاتورية وإقامة دولة حرة يكون الجميع فيها أخوة متساويين في الحقوق والواجبات، تحترم فيها كرامة كل فرد وتضمن حرياته ولا يفرض فيها أحد على أحد رأيا لا يلقى قبوله أو قناعته.

لم يخرج السوريون ويقدموا ما قدموة من تضحيات بالأرواح والأموال والممتلكات من اجل أن يستبدلوا وصاية بوصاية أخرى، يتخلوا بموجبها عن حرياتهم وكراماتهم وحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وبمشاركة كل فرد منهم. وإذا كان رب العالمين لم يفرض على المسلمين الانصياع لأي كهنوت في ميدان الدين نفسه، فلا يستطيع أحد أن يفرض على السوريين، الذين ضحوا بأغلى مالديهم لقهر الطاغوت، كهنوتا جديدا في السياسة والمجتمع.

أدعو جميع الأطراف إلى الدخول في حوار معمق، تحت إشراف وبمساعدة شخصيات وطنية مقبولة من الجميع، من أجل تجنب الصدام، وتوضيح المواقف، والتوصل إلى تفاهم يضمن استمرار الالتزام بالثورة السورية، والعمل على تطبيق برنامجها، بعيدا عن منطق الاتهام والتخوين والتكفير الذي لا يمكن أن يقود إلا للمزيد من التشتت وسفك الدماء.

كما أدعو جميع الشباب السوريين الذين التحقوا بالجماعات المتشددة بحثا عن إطار عسكري يضمن مشاركتهم الفعالة، إلى اليقظة، وعدم الانجرار وراء مشاريع لا يهمها مصير سورية وشعبها، وإنما تهدف إلى تطبيق أجندات خاصة متعلقة بحقدها المشروع على السياسات الاستعمارية، تعتقد أنها تمر حتما بإجهاض ثورة السوريين من اجل الكرامة والحرية، وإحلال سلطة وصاية جديدة محلها.

وأدعو هيئة أركان الجيش الحر، التي تتعرض هي نفسها لهجوم هذه الجماعات، أن توفر لجميع هؤلاء الشباب، السوريين والأجانب، الذين لا مشروع لهم سوى دعم ثورة أخوتهم السوريين، وإسقاط الظغمة الأسدية الحاكمة، وانتصار سورية بلد الاحرار والأخوة والتسامح، الوسائل اللازمة لمتابعة مسيرتهم، بعيدا عن هذه المشاريع الغريبة التي لم تقدم للبلاد التي طبقت فيها من قبل، من أفغانستنان إلى الصومال، سوى تعميم القتل والدمار والخراب.

من أجل تجنب المواجهة مع جبهة النصرة واخواتها



عندما بدأ بعض الشباب المسلمين، من العرب والاجانب، في مرحلة سادها الكفاح المسلح، الالتحاق بالثورة، رحب السوريون بهم، لأنهم اعتقدوا أنهم جاؤوا لمناصرتهم في دفاعهم عن أنفسهم ضد عدوان الأسد ونظامه وميليشياته، ولمساعدتهم على إسقاط النظام الجائر والقاتل. 

وبالرغم مما أثاره تصرف قادتهم من مخاوف لدى كتائب الجيش الحر سواء بسبب الأفكار المتشددة التي يطلقونها او تجنبهم التعاون والتنسيق مع باقي كتائب الثورة المسلحة، أو رفضهم حتى الانتماء للجيش الحر، صرف السوريون النظر عن الخلافات الايديولوجية والسياسية من أجل التركيز على القضية الرئيسية التي تهمهم وتشغلهم وهي قضية تقدم الثورة وإسقاط النظام.

واستمر الرأي العام السوري يدافع عن التعاون معهم ويرفض الدعوات المتواصلة الأجنبية لمواجهتهم. وتجلى ذلك في رفض قادة المعارضة بأغلبيتهم قبول التخلي عنهم كشرط لتسلم الاسلحة النوعية التي كانت الثورة ولا تزال بأشد الحاجة إليها.

لم يكن السوريون بحاجة لأحد من أجل الاستمرار بالثورة، فلديهم رجال وشباب كثيرون مستعدون لفداء سورية بأرواحهم، إنما لم يكن أحد يرفض حق غير السوريين في التعبير عن تضامنهم مع ثورة الشعب السوري. ومما ساعد على هذا القبول ما ظهر على هذه الكتائب المتشددة دينيا من سلوك حسن تجاه الأهالي ومن الشجاعة وروح التضحية في الميدان. 

لكن منذ بداية ظهور هذه الجماعة في سورية إلى اليوم حصلت تغيرات كبيرة على طبيعة وجودها وعملها، فانقسمت على نفسها، وظهرت منها جماعات متفددة، تعلن ولاءات لا علاقة لها لا بالثورة السورية، ولا بسورية نفسها، كما تغير سلوك أفرادها تجاه أبناء المجتمع السوري، فصار من الواضح أنها بدأت في تطبيق برنامج أخر لا علاقة لها بالثورة ولا بأهدافها ومطالبها، هو مشروع فرض وصايتها الخاصة، وحسب مفهومها، على الناس، في المدن والقرى والأحياء، وإكراه السوريين على الأخذ بعادات وتقاليد واعتقادات لا تمت بصلة لثقافتهم وفكرهم واعتقاداتهم وفهمهم للاسلام. ثم في الفترة الأخيرة بدأت بعض هذه الجماعات تمارس الارهاب على الجيش الحر ، وتغتال قادته، بهدف استتباعه أو إبعاده من طريقها حتى يتسنى لها فرض سيطرتها الكاملة في المناطق المتواجدة فيها. 

من الواضح أن مشروع هذه الجماعات أو معظمها، لم يعد يتطابق مع مشروع الشعب السوري الذي فجر الثورة ولا يزال يقدم من أجل انتصارها أعظم التضحيات. فهي تعمل من أجل وضع اسس ديكتاتورية جديدة أكثر انغلاقا وقسوة، باسم الدين والشريعة، بينما يخوض الشعب السوري معركة مصيرية للخلاص من الديكتاتورية وإقامة دولة حرة يكون الجميع فيها أخوة متساويين في الحقوق والواجبات، تحترم فيها كرامة كل فرد وتضمن حرياته ولا يفرض فيها أحد على أحد رأيا لا يلقى قبوله أو قناعته. 

لم يخرج السوريون ويقدموا ما قدموة من تضحيات بالأرواح والأموال والممتلكات من اجل أن يستبدلوا وصاية بوصاية أخرى، يتخلوا بموجبها عن حرياتهم وكراماتهم وحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وبمشاركة كل فرد منهم. وإذا كان رب العالمين لم يفرض على المسلمين الانصياع لأي كهنوت في ميدان الدين نفسه، فلا يستطيع أحد أن يفرض على السوريين، الذين ضحوا بأغلى مالديهم لقهر الطاغوت، كهنوتا جديدا في السياسة والمجتمع. 

أدعو جميع الأطراف إلى الدخول في حوار معمق، تحت إشراف وبمساعدة شخصيات وطنية مقبولة من الجميع، من أجل تجنب الصدام، وتوضيح المواقف، والتوصل إلى تفاهم يضمن استمرار الالتزام بالثورة السورية، والعمل على تطبيق برنامجها، بعيدا عن منطق الاتهام والتخوين والتكفير الذي لا يمكن أن يقود إلا للمزيد من التشتت وسفك الدماء.

كما أدعو جميع الشباب السوريين الذين التحقوا بالجماعات المتشددة بحثا عن إطار عسكري يضمن مشاركتهم الفعالة، إلى اليقظة، وعدم الانجرار وراء مشاريع لا يهمها مصير سورية وشعبها، وإنما تهدف إلى تطبيق أجندات خاصة بعضها متعلق بحقدها المشروع على السياسات الاستعمارية، لكنها تمر حتما بإجهاض ثورة السوريين من اجل الكرامة والحرية، وإحلال سلطة وصاية جديدة محلها. 

وأدعو هيئة أركان الجيش الحر، التي تتعرض هي نفسها لهجوم هذه الجماعات، أن توفر لجميع هؤلاء الشباب، السوريين والأجانب، الذين لا مشروع لهم سوى دعم ثورة أخوتهم السوريين، وإسقاط الظغمة الأسدية الحاكمة، وانتصار سورية بلد الاحرار والأخوة والتسامح، الوسائل اللازمة لمتابعة مسيرتهم، بعيدا عن هذه المشاريع الغريبة التي لم تقدم للبلاد التي طبقت فيها من قبل، من أفغانستنان إلى الصومال، سوى تعميم القتل والدمار والخراب.

من أجل تجنب المواجهة مع جبهة النصرة واخواتها



عندما بدأ بعض الشباب المسلمين، من العرب والاجانب، في مرحلة سادها الكفاح المسلح، الالتحاق بالثورة، رحب السوريون بهم، لأنهم اعتقدوا أنهم جاؤوا لمناصرتهم في دفاعهم عن أنفسهم ضد عدوان الأسد ونظامه وميليشياته، ولمساعدتهم على إسقاط النظام الجائر والقاتل. 

وبالرغم مما أثاره تصرف قادتهم من مخاوف لدى كتائب الجيش الحر سواء بسبب الأفكار المتشددة التي يطلقونها او تجنبهم التعاون والتنسيق مع باقي كتائب الثورة المسلحة، أو رفضهم حتى الانتماء للجيش الحر، صرف السوريون النظر عن الخلافات الايديولوجية والسياسية من أجل التركيز على القضية الرئيسية التي تهمهم وتشغلهم وهي قضية تقدم الثورة وإسقاط النظام.

واستمر الرأي العام السوري يدافع عن التعاون معهم ويرفض الدعوات المتواصلة الأجنبية لمواجهتهم. وتجلى ذلك في رفض قادة المعارضة بأغلبيتهم قبول التخلي عنهم كشرط لتسلم الاسلحة النوعية التي كانت الثورة ولا تزال بأشد الحاجة إليها.

لم يكن السوريون بحاجة لأحد من أجل الاستمرار بالثورة، فلديهم رجال وشباب كثيرون مستعدون لفداء سورية بأرواحهم، إنما لم يكن أحد يرفض حق غير السوريين في التعبير عن تضامنهم مع ثورة الشعب السوري. ومما ساعد على هذا القبول ما ظهر على هذه الكتائب المتشددة دينيا من سلوك حسن تجاه الأهالي ومن الشجاعة وروح التضحية في الميدان. 

لكن منذ بداية ظهور هذه الجماعة في سورية إلى اليوم حصلت تغيرات كبيرة على طبيعة وجودها وعملها، فانقسمت على نفسها، وظهرت منها جماعات متفددة، تعلن ولاءات لا علاقة لها لا بالثورة السورية، ولا بسورية نفسها، كما تغير سلوك أفرادها تجاه أبناء المجتمع السوري، فصار من الواضح أنها بدأت في تطبيق برنامج أخر لا علاقة لها بالثورة ولا بأهدافها ومطالبها، هو مشروع فرض وصايتها الخاصة، وحسب مفهومها على الناس، في المدن والقرى والأحياء، وتكره السوريين على الأخذ بعادات وتقاليد واعتقادات لا تمت بصلة لثقافتهم وفكرهم واعتقاداتهم وفهمهم للاسلام. ثم في الفترة الأخيرة بدأت بعض هذه الجماعات تمارس الارهاب على الجيش الحر ، وتغتال قادته، بهدف استتباعه أو إبعاده من طريقها حتى يتسنى لها فرض سيطرتها الكاملة في المناطق المتواجدة فيها. 

من الواضح أن مشروع هذه الجماعات أو معظمها، لم يعد يتطابق مع مشروع الشعب السوري الذي فجر الثورة ولا يزال يقدم من أجل انتصارها أعظم التضحيات. فهي تعمل من أجل وضع اسس ديكتاتورية جديدة أكثر انغلاقا وقسوة، باسم الدين والشريعة، بينما يخوض الشعب السوري معركة مصيرية للخلاص من الديكتاتورية وإقامة دولة حرة يكون الجميع فيها أخوة متساويين في الحقوق والواجبات، تحترم فيها كرامة كل فرد وتضمن حرياته ولا يفرض فيها أحد على أحد رأيا لا يلقى قبوله أو قناعته. 

لم يخرج السوريون ويقدموا ما قدموة من تضحيات بالأرواح والأموال والممتلكات من اجل أن يستبدلوا وصاية بوصاية أخرى، يتخلوا بموجبها عن حرياتهم وكراماتهم وحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وبمشاركة كل فرد منهم. وإذا كان رب العالمين لم يفرض على المسلمين الانصياع لأي كهنوت في ميدان الدين نفسه، فلا يستطيع أحد أن يفرض على السوريين، الذين ضحوا بأغلى مالديهم لقهر الطاغوت، كهنوتا جديدا في السياسة والمجتمع. 

أدعو جميع الأطراف إلى الدخول في حوار معمق، تحت إشراف وبمساعدة شخصيات وطنية مقبولة من الجميع، من أجل تجنب الصدام، وتوضيح المواقف، والتوصل إلى تفاهم يضمن استمرار الالتزام بالثورة السورية، والعمل على تطبيق برنامجها، بعيدا عن منطق الاتهام والتخوين والتكفير الذي لا يمكن أن يقود إلا للمزيد من التشتت وسفك الدماء.

كما أدعو جميع الشباب السوريين الذين التحقوا بالجماعات المتشددة بحثا عن إطار عسكري يضمن مشاركتهم الفعالة، إلى اليقظة، وعدم الانجرار وراء مشاريع لا يهمها مصير سورية وشعبها، وإنما تهدف إلى تطبيق أجندات خاصة متعلقة بحقدها المشروع على السياسات الاستعمارية، تعتقد أنها تمر حتما بإجهاض ثورة السوريين من اجل الكرامة والحرية، وإحلال سلطة وصاية جديدة محلها. 

وأدعو هيئة أركان الجيش الحر، التي تتعرض هي نفسها لهجوم هذه الجماعات، أن توفر لجميع هؤلاء الشباب، السوريين والأجانب، الذين لا مشروع لهم سوى دعم ثورة أخوتهم السوريين، وإسقاط الظغمة الأسدية الحاكمة، وانتصار سورية بلد الاحرار والأخوة والتسامح، الوسائل اللازمة لمتابعة مسيرتهم، بعيدا عن هذه المشاريع الغريبة التي لم تقدم للبلاد التي طبقت فيها من قبل، من أفغانستنان إلى الصومال، سوى تعميم القتل والدمار والخراب.

mercredi, juillet 10, 2013

الأزمة انتقلت من صراع داخلي على الدولة إلى صراع دولي على سوريا

الأزمة انتقلت من صراع داخلي على الدولة إلى صراع دولي على سوريا

برهان غليون: ما أصابنا أكبر مما أصاب أي مجتمع خلال التاريخ كله


برهان غليون: ما أصابنا أكبر مما أصاب أي مجتمع خلال التاريخ كله.
غسان المفلح ،صفحات سورية.
الآن بعد مرور أكثر من 27 شهرا من انطلاق الثورة السورية، يحار المرء من أين يدخل لحوار المفكر السوري برهان غليون، الذي قدم الكثير للثقافة العربية، مسيرة بدأت ببيان من أجل الديمقراطية منتصف سبعينيات القرن الماضي، مسيرة فكرية غنية، لايمكن لاي محاور للدكتور برهان إلا أن يشعر بحجم المهمة الملقاة على عاتقه، في تقديم مادة حوارية غنية، رغم ضيق المساحة الممنوحة لنا في الصحافة.
السؤال الأول: سابدأ من حيث شاغلك الاساس الآن، ماذا عنت الثورة السورية للدكتور برهان المفكر والأكاديمي؟ وماذا عنت له كأنسان عاش حلم التغيير الوطني الديمقراطي في سورية منذ بداياته؟
مضمون الثورة السورية يكمن في إعلان ولادة الشعب كقوة مستقلة وتحوله إلى فاعل.
 بالنسبة لي الثورة السورية تندرج في ثورات الربيع العربي التي جاءت بكل بساطة كرد فعل على نصف قرن من الحكومات الديكتاتورية والفاشية التي عرفتها المجتمعات العربية، وكان مضمونها الرئيسي ولادة  الشعب كقوة مستقلة وتحوله بفعل الثورة ذاتها، والتظاهر والتحشد وتوحيد الشعارات والفكر، إلى فاعل رئيس في الحياة العامة والسياسية العربية، بعد تهميش تاريخي وإقصاء كامل. ودخول الشعب في دائرة الحياة العمومية والسياسية هو جوهر الحداثة السياسية وخروج ممارسة السلطة من أيدى نخبة مغلقة، ارستقراطية، أو عسكرية، او أوليغارشية، أو مخابراتية تتدخل يوميا لردع الشعب وتحييده، كما كان الحال في أواخر عهد الديكتاتورية العربية. بالتأكيد، لا تدخل الشعوب في الحلبة العمومية والسياسية في صور وأشكال وصيغ واحدة، وإنما بصور مختلفة، ترتبط بالسياق العام وبإرثها السياسي والثقافي، ومحددات وجودها الجيوسياسية ومواردها الاقتصادية، بالإضافة إلى المفاجآت التي يمكن ان تواجهها. مرت الأمور ببساطة نسبية في تونس ومصر، حيث توجد تقاليد تعددية قوية نسبيا، وحد أدنى من تقاليد السياسة وحكم القانون وبيرقراطية الدولة وفي بيئة جيوسياسية بسيطة ومستقرة. وكان يكفي هرب الرئيس أو انسحابه من السلطة للدخول في حقبة جديدة، من دون أن يعني ذلك إنجاز مهام الثورة. ويعيش هذان البلدان الآن مرحلة الصراع على مستوى المجتمع والرأي العام لحسم مسألة توزيع السلطة وإعادة بناء المؤسسات الديمقراطية، وتحديد منظومة القيم الأساسية للدولة الجديدة والنظام الجديد.
الصراع في سوريا ارتبط  بحسم الصراعات الإقليمية والدولية أو التوصل إلى تفاهم حولها.
في ليبيا التي خضعت لنظام قضى كليا على تقاليد السياسة ومفهوم الدولة والإدارة، وكان حكما فوضويا بامتياز، لم تجر الأمور بالطريقة النظيفة نفسها، وفتحت الثورة الشعبية الباب أمام مواجهة عسكرية بدأها النظام وتعمقت مع اتساع دائرة الانشقاقات العسكرية والسياسية، ودخلت البلاد في حرب أهلية، كان من الممكن للنظام ان يحسمها لصالحه ويقضي على الثورة لولا التدخل الخارجي العسكري. وهو التدخل الذي سهله المخزون الليبي الكبير من النفط، وقدرة ليبيا على مكافأة الدول الغربية، وغياب المخاطر غير المنظورة. هكذا تم حسم الصراع عسكريا لصالح نظام جديد، لكن الصراعات السياسية والايديولوجية لا تزال مستمرة، وستحتاج ليبيا إلى وقت أطول حتى تنجح في التوصل إلى عهد وطني وإلى استقرار راسخ.
 
في اليمن لعبت البنية القبلية الراسخة والبيئة الجيوسياسية الحاضنة لدول الخليج دورا كبير في دفع اليمنيين ثوارا وحكاما إلى تسوية تحقق التغيير وتفتح الطريق إلى الاعتراف بسيادة الشعب ومشاركته. أما في البحرين فقد حسم الأمر لصالح النظام الملكي من البداية بسبب وجودها على حدود شرخ جيواستراتجي حاد، بين ايران والخليج العربي.
 في سورية اجتمع الصدع السياسي الذي يكاد يكون مطقا بين النظام والشعب، مع الصدع الجيوسياسي الذي لا يقل قوة، بين ايران الخمينية الطامحة لاستعادة السيطرة الإقليمية وبقية البلدان العربية، وعلى راسها الخليج، ليرمي الثورة في حضن صراع إقليمي لم يلبث حتى تعزز ببروز صراع دولي على الهيمنة العالمية، شجع عليه الموقف المتراجع للولايات المتحدة، وضعف موقفها العالمي بعد إخفاقاتها العديدة في أفغانستان والعراق وغيرهما. لكن العوامل الجيوسياسية التي دفعت إلى حسم الحرب في ليبيا بسرعة التدخل الغربي، وفي البحرين بوقف ديناميكية الثورة منذ البداية بتدخل خليجي، سوف تلعب في سورية دورا معاكسا، وتدفع إلى تغذية الحرب واستمرارها لتتحول من صراع على السلطة والدولة في سورية وبين السوريين، إلى صراع على سورية بين الدول الإقليمية والكبرى. وهكذا دخلت الحرب السورية في ديناميكية توسعية، وأصبح حسم الصراع في الداخل مرتبطا بحسم الصراعات الإقليمية والدولية او التوصل لتفاهم حولها.
الأميركيون غير مهتمين بانتصار الثورة ولكنهم لا يستطيعون السماح للنظام بأن ينتصر.
لا يهدف اتفاق جنيف٢ إلا إلى فتح نافذة للتفاوض بين الدول الكبرى نفسها مستغلة الصراع السوري للتوصل إلى تفاهم أصبح مقدمة ضرورية لوقف الحرب السورية السورية. وحقيقة جنيف مختلفة عن ظاهره الذي يفترض ان الدول الكبرى لا مصالح لها وأنها تريد مساعدة الاطراف السورية على التوصل إلى تسوية تضمنها. والحال أن سلوك الروس على الأرض يناقض هذا التصور عن جنيف تماما، ويؤكد أنهم، من خلال دعمهم النظام بكل الوسائل، ودفاعهم عنه، والسعي لتمكينه من الحسم العسكري والانتصار، يريدون أن يضمنوا مصالحهم ومصالح حلفائهم في المنطقة، وبشكل خاص ايران. وفي المقابل لا يبدو أن الأمريكيين مهتمين كثيرا بانتصار الثورة، وإن كانوا مضطرين إلى الوقوف في وجه انتصار للنظام يكرس انتصار ايران التي تهدد حلفاءهم في الخليج. الشعب السوري على حق عندما يقول إن الثورة السورية يتيمة، ليس لها سوى شعبها، وان عليها كي تحقق اهدافها أو الجوهري منها، وهو ضمان حقوق الشعب في اختيار قادته بصورة ديمقراطية دورية، أن تبحر بين الصخور والألغام العائمة والغميقة. وهذا يفسر درجة واتساع نطاق العنف غير المسبوقين الذين ميزا الثورة السورية وغياب الحسم فيها بعد ما يقارب السنتين والنصف من اندلاعها، والالتباس المتزايد الذي يحيط بأهدافها ونتائجها مع تدخل فاعلين إقليميين ودوليين، رسميين وخواص، بشكل متزايد فيها.
 
ينبغي أن أختم بالقول ان الثورات الحقيقية، كما هو الحال في سورية، ليست نزهة كما يصورها الحالمون، وإنما هي الدخول في جحيم صراع غير محدد الطريق ولا مضمون النتائج. هي ملحمة كبرى تتعلق برسم الشعوب مستقبلها ومصيرها. لذلك تتردد الشعوب عشرات السنين قبل ان ترمي بنفسها في أتونها. ولا تغامر بالانخراط في الثورة غلا عندما تشعر بأن هناك حظوظا كبيرة في الانتصار فيها. ثورات الياسمين ظاهرة جديدة أساسها انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يعتمد في بقائه على نخبة صغيرة قمعية مرتبطة بسلطة موسكو المركزية وأجهزتها الأمنية. وعندما زالت هذه السلطة انهارت النظم الملحقة بها كقلاع من الكرتون. هذا ليس حالنا في سورية، بل العكس هو الصحيح، إذ تسعى روسيا، من خلال اخذ سورية وشعبها وثورتها رهينة، في استعادة مركزها الدولي الذي كان لها أيام الاتحاد السوفييتي ومعه ثنائية القطبية التي ميزته.
أعتقد أن العرب وضعوا قدمهم الأولى على أول الطريق.
السؤال الثاني: انشغالك الفكري ونتاجك شكل بالنسبة للاجيال الثقافية والسياسية، مرجعا في الكثير من الهموم التي تشغلها، من هذه الهموم قضايا الدولة المدنية والديمقراطية، العلمانية والحرية، الطائفية والاقليات والمواطنة، كيف ترى الامر الآن وانت تعيش بعض حالات الخلاف والاختلاف، مع بعض هذه الاجيال نفسها؟
 
   ما كنت أدعو  إليه في كتاباتي من دولة مدنية ديمقراطية تستبطن قيم المواطنية والمساواة والحربة والكرامة الانسانية وتقود الشعوب الجديدة أو المنبعثة من رمادها خارج تقاليد الطائفية والاحكام المسبقة الجماعية والخصومات المذهبية المحكومة بالذاكرة التاريخية، أي من مجتمعات تفكر في الانسان وفي المستقبل، ولا تظل مقيدة بدروس الماضي السلبية أو بحروبه وصراعاته ونزاعاته التي تجاوزها الوقت، هو ذاته ما تصبو إليه ثوراتنا القائمة اليوم، وما يحركها في العمق. والربيع العربي، سواء اختطف أو انحرف أو أغرق في دماء الشعوب، كما هو الحال في سورية، هو، وسوف يظل، القفزة الأولى التي قفزتها شعوبنا نحو المستقبل، ومدخله لا محالة، في نظري، انجاز الثورة السياسية، أي ببساطة أخذ الشعوب لمصيرها بيدها، وتعلمها مباديء الاحترام والسيادة والتضامن والوحدة السياسية والمسؤولية العمومية. فمن دون ذلك لن يكون هناك تقدم، وسوف نظل ندور في تكرار الماضي وإعادة إنتاجه، كما فعلنا في انتكاستنا في نصف القرن الماضي، وسننتقل من ديكتاتورية إلى ديكتاتورية جديدة، ومن سيطرة طغمة فاسدة إلى سيطرة طغمة افسد. لا حرية ولا قانون ولا تقدم من دون شعوب واعية لمصالحها وممسكة بمصيرها وسيدة للدولة التي تتحكم بها والتي تشكل في عصر التقدم التكنولوجي آلة جبارة للقهر والقمع والتدمير الشامل إذا لم ينجح المجتمع في السيطرة عليها وتقييد يد النخب التي تسيرها.
     هذا يعني أيضا أننا، بالرغم من كل ما سوف نمر به من صراعات وتقدمات وتراجعات، دخلنا في المسار التاريخي الذي سيقود شعوبنا إلى عالم السيادة والسيطرة على آلة الدولة الحديثة والتحكم بها ومنعها من أن تتحول، كما حدث معنا في العقود الماضية، إلى أداة استلاب وإذلال وتجريد من الحقوق والحريات لجميع الأفراد.سيأخذ ذلك وقتا وتضحيات إضافية،  وربما انتكاسات وثورات مضادة، ثم عودة إلى المكان، لكن اعتقد أن العرب وضعوا قدمهم الأولى على أول الطريق.
 
ليس للعلمانية أي علاقة برفض الدين أو العداء له.
السؤال الثالث: هنالك التباس مفهومي لدى بعض المهتمين بالشأن العام وخاصة في صفوف الثورة، بين مفهومي الدولة المدنية، وبين مفهوم الدولة العلمانية، ماقولك في ذلك؟
غليون: ليس للعلمانية أي علاقة برفض الدين أو العداء له
     نعم حصل التباس كبير في الثقافة العربية الحديثة بين العلمانية والدين، لأسباب تتعلق بالسياق التاريخي والثقافي والسياسي معا، فصارت العلمانية تعني عند عامة الناس أو الشعب البسيط، المتدين وغير المتدين، رفض الدين والعداء له والعداء للمتدينين ولرجال الدين. وقد مثل هذا الالتباس فخا حال دون التطور الطبيعي للفكر وللقيم وللحقل السياسي العربي. ففي الأصل، ليس للعلمانية أي علاقة برفض الدين أو العداء له ولا حتى للعداء لرجال الدين، سواء أكانوا متنورين أو غير متنورين. العلمانية في معناها الجوهري الأصيل مرتبطة بنظرية الدولة الحديثة، دولة المواطنين والمشاركة السياسية والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات. فالدولة لا تكون دولة مساواة إذا أعطت الأفضلية لدين أو لمذهب من المذاهب، وبالتالي لأصحابهما، ضد الاديان والمذاهب الأخرى التي لا تخلو منها دولة تشكلت في أي مكان. وحتى تكون دولة مساواة ينبغي أن تتعامل مع أفراد المجتمع بوصفهم مواطنين، أي من حيث هم أخوة في الوطنية لا في الدين. فالوطنية جامعة، والدين مفرق بالضرورة. وهذا هو الأصل في نشوء مفهوم المواطنة والوطن والوطنية. المواطنون متعددوا الأديان والمذاهب، وهذا حقهم، وهو الأمر الطبيعي والواقع المعاش. لكن إذا بقينا على مستوى العلاقة الدينية من المستحيل أن نصل إلى إطار موحد للجميع، وسوف يسيطر على الدولة المبدأ الذي ساد في القرون الوسطى : الناس على دين ملوكها، بمعنى أن الملك يفرض مذهبه ودينه على الجميع، مما فسح المجال أمام الحروب الدينية والاضطهاد الديني، ومنع من استقرار الدول والممالك، ومن تحقيق شروط الوحدة والسلام والتفاهم التي لا يمكن من دونها تحقيق أي  استقرار للدول وأي تقدم في شروط حياة الشعوب وكل فرد.
 
-        في مواجهة هذا الوضع الصراعي والحروب الدينية المستمرة التي أدمت المجتمعات الأوروبية لقرون، حتى بين المنحدرين من دين المسيحية الواحد، اهتدت المجتمعات بالتجربة والخطأ إلى فكرة أنه لإحلال السلام في المجتمعات وتحقيق التقدم في تحسين شروط حياة الأفراد ينبغي التمييز بين فضاء المجتمع وفضاء الدولة، فضاء الحقل الخاص وفضاء الحقل العام. فلكل إنسان الحق أي الحرية في الاحتفاظ بعقيدته، ولا يحق لأحد أن يضطهده أو يأخذ عليه دينه او يمارس التمييز ضده بسببه، وهذا مجال حياة المجتمع وما يتميز به من تنوع وثراء، وأن تكون الدولة بالمقابل إطارا يمثل ما هو مشترك بين جميع المتدينين بأديان مختلفة، أي تأمين مصالحهم المشتركة في الحياة الكريمة والحرة والمرضية. وبينما تحتاج الأخوة الدينية إلى وحدة العقيدة والانتماء لبناء العصبية الخاصة، لا تولد مشاعر الأخوة الوطنية أو في الوطن إلا من الخضوع للقانون، وهو بالضرورة قانون واحد، والالتزام بقواعد سلوك وعمل تؤمن وحدة المجتمع وتعاون أفراده على تحسين شروط وجودهم جميعا. بهذا المعنى صارت الدولة هي ذلك الفضاء الجديد الذي يمثل إطار الوحدة بين المختلفين في الدين، وهو فضاء عام إذن، أي يشمل الجميع دون تمييز، وصار للفرد إنتماء وبعد إضافي لم يكن موجودا من قبل هو بعد المواطنة، وهي هوية جديدة مرتبطة بالاجتماع السياسي  يشارك من خلالها الفرد في الانتماء للدولة، مقابل الهوية الدينية المرتبطة بالعقيدة والسلطة الدينية. فالمواطنة، أي الانتماء الواحد للفضاء السياسي العمومي، او الدولة،  أصبحت مركز علاقة جديدة، وحاملة لحقوق جديدة وواجبات، هي ما نسميه حقوق المواطنة التي تعني المساواة في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن أي انتماء اجتماعي او ديني.وهذا الإطار العمومي أو الرابطة السياسية  هو ما نسميه  الإطار المدني، أي إطار الانتماء للدولة ومن ورائها للقانون الواحد والمواطنة الواحدة، من دون تمييز على أساس العرق أو الدين.
الدولة المدنية لم تلغ رابطة الأخوة الدينية.
-        لم تلغ الدولة  المدنية، أي دولة المساواة في المواطنة بصرف النظر عن الانتماء الديني، رابطة الأخوة الدينية، ولا تحتاج للعداء للدين ورجال الدين حتى تتحقق، ولكن وجودها مرتبط، في ماوراء الانتماء الديني أو الفكري، بوجود القانون. فعقد المواطنة هو عقد التزام بالقانون الذي يعني قبول الجميع بالمساواة في الحقوق والواجبات، والتعاون في إطار القانون على تحقيق مصالحهم العامة، التي التي تفيد الجميع، مع ترك المصالح الخاصة، مصالح الجماعات المختلفة، خاضعة لحرية الأفراد والجماعات حسب ايمانهم وعقيدتهم واقتناعهم. الدولة  بالمعنى الحديث، المدني، لا تنزع عن مواطنيها الحقوق والواجبات والالتزامات  التي تعطيها لهم اعتقاداتهم وجماعاتهم الدينية من إقامة شعائر الدين والتضامن والتعاون في ما بينم والحض على الخير والتقوى، ولكنها تعتير أن هذه الحقوق والواجبات مفروضة على أصحاب المذاهب والديانات، في ما بينهم، أما في ما يجمعهم مع الجماعات الأخرى ، وهو ما تقصر الدولة عليه، فهي تطلب منهم الالتزام بقواعد السلوك والقوانين الشاملة للجميع. وبهذه المناسبة لا تأخذ الدولة من مواطنيها حقوقهم الدينية أو الخاصة، ولكنها تقيم شرعيتها على تقديم حقوق جديدة لم يكن الافراد يعرفونها من قبل، ولا الأديان قادرة على توفيرها، هي الحقوق السياسية والمدنية، المستمدة من الانتماء للدولة ومن المشاركة في عقد المواطنة، ومنها على سبيل المثال حق الترشح والانتخاب والمشاركة في الحياة العامة والحريات الأساسية وحق تشكيل الاحزاب والجمعيات إلخ. ولذلك  عندما تنحل الدولة أو تنهار، لا يبقى شيء من هذه الحقوق السياسية بينما يظل الأفراد يتمتعون  بمنظومة الحقوق والواجبات المرتبطة بالجماعة الدينية التي ينتمون إليها. والفكرة الناظمة لهذه الحقوق والواجبات السياسية التي من دونها لا يمكن قيام مجتمع مدني، أي سياسي، ورابطة بين الأفراد متميزة ومضافة إلى الرابطة الدينية أو العقيدية، هي الديمقراطية.  فالديمقراطية هي التي تحدد إطار حماية حياة الأفراد وحقوقهم من خلال منظومة قانونية لا تقتصر على تشريع القوانين فحسب ولكنها تضمن تطبيقها وتحمي حقوق الأفراد في الدفاع والمقاضاة ومنظومة العدالة والأمن العام بأكملها.
ليست معاداة الدين التي ارتبطت بالدولة المدنية أو العلمانية فكرة خاطئة فحسب ولكنها مجافية تماما للحقيقة.
-        ليست معاداة الدين التي ارتبطت بالدولة المدنية أو العلمانية فكرة خاطئة فحسب ولكنها مجافية تماما للحقيقة، لأن المبرر الوحيد ومصدر شرعية الدولة المدنية نابعان من حمايتها للحريات الدينية جميعا، وهو مما لا يمكن تحقيقه من دون إطار قانوني يضمن تعايش الجميع وحرية العقيدة وتجريم أي إضطهاد بسبب العقيدة او العرق. ما تعترض عليه الدولة المدنية ليس الدين، ولا حتى رجال الدين، وإلا لأصبحت فكرة مختلة معادية للمجتمع الذي يحتضن الدين ورجاله، ومجافية لواقع الحال. فليس هناك مجتمعات من دون دين ومن دون رجال دين. ما تعترض عليه ليس رجال الدين ولا الدين وإنما سيطرة رجال الدين أو من يدعي سلطتهم وأي سلطة روحية لا يمكن فهم منطقها ولا محاكمتها عقليا ولا السيطرة على رجالاتها، على الدولة حاضن التنوع الديني والفكري للمجتمع، وصعيد تجاوز التعددية العقائدية، نحو الوحدة “السياسية”. فلو حصل ذلك زالت السياسة كإطار عام أو أشمل يضم الجميع، وكل الاديان، إلى دين وسلطة دينية. والحال أن رجال الدين يمكن أن يوحدوا الجماعة العقيدية، لكنهم لا يمكن أن يوحدوا أصحاب الديانات المختلفة. كما أن من شأن ذلك أن يخفض منطق السياسة المفتوح للاختلاف لمنطق الدين المقتصر على المؤمنين بعقيدة واحدة، وأن يتم الخلط بسهولة بين مهام الدولة المادية ومهام الدين الروحية. مما يهدد مفهوم الدولة كفضاء عام جامع، ومن ثم وجود الجماعة الوطنية نفسها ووحدتها. وأعتقد أنني أول من اقترح استخدام مفهوم الدولة المدنية في كتابي نقد السياسة: الدولة والدين ( ١٩٩٠)، لتجنب التشويش والخلط والالتباس الذي أصبحت تنطوي عليه فكرة الدولة العلمانية.
        كل ما نشاهده الآن في منطقتنا والعالم من صراعات وتجاذبات بين الدول يعود لأسباب جيوسياسية وجيوستراتيجية وليس له علاقة بنشر العقائد أو قوة المشاعر الدينية.
السؤال الرابع- قبل أن انتقل للحقل السياسي الراهن، كانت المسألة الطائفية والاقليات احد اهم همومك الفكرية والسياسية أيضا، لكن بالمقابل بقيت نتاجاتك حول هذا الموضوع، تتحدث عن وجه واحد للقضية، وهو ان الطائفية هي نتاج سياسي، سؤالي: بعد ان تنتج السياسة وخلال ذلك عملية التطييف، ألا يمكننا الحديث عن تبادل مواقع في هذه الحالة وبالتالي يصبح لدينا سياسات طائفية، إيران والسلطة السورية كنموذجين؟
غليون:
        كل ما نشاهده الآن في منطقتنا والعالم من صراعات وتجاذبات بين الدول يعود لأسباب جيوسياسية وجيوستراتيجية واقتصادية وليس له علاقة بنشر العقائد أو قوة المشاعر الدينية. عرفت المجتمعات البشرية ثورة روحية حقيقية في الماضي، وبفترات متفاوتة، نجم عنها تحويل في العلاقات بين الأفراد والمجتمعات، وشكلت عاملا قويا في تشكيل الدول أو إعادة تشكيلها، وفي تغيير جيوسياسة الأرض والعالم. وقد لاحظ ذلك ابن خلدون في كتابه الشهير عندما قال إن الدعوة الدينية كانت ضرورية كي ينجح العرب الموزعين على عصبيات قبلية متناحرة ونازعة للغلبة ورفض القبول بسيادة واحدة على الأخرى، في إقامة دولة مركزية وسلطان سياسي. وأعتقد ان الكونفوشية والهندوسية والبوذية وغيرها من الأديان لعبت دولا كبيرا في توسيع دائرة التواصل بين الجماعات وخلق شروط تكوين الامبرطوريات في كل بقاع العالم.
       هذه الحقبة، أقصد حقبة الثورة الروحية الكبرى قد انتهت منذ زمن طويل. ما نعيشه منذ همود بركانها الذي اشتعل لفترة قصيرة، هو عودة المجتمعات البشرية للسياسة أي للدولة. وهذا ما حصل أيضا في الاسلام بعد زوال الخلافة ونشوء السلطنة وحكومات الاستيلاء والاستبداد. وكل ما نشاهده هنا وهناك من حركات دينية، هو من باب السياسة التي تستخدم الدين كأداة لخدمة أهداف السياسة وغاياتها، وفي مقدمها التحكم بالسلطة وتوسيع دائرة النفوذ ولا شيء فيه لله. ولاستخدام الدين في السياسة صور مختلفة من استغلاله لبناء الامبرطورية ولحم عناصرها، كما كان الحال في العهد العثماني عندنا مثلا، أو لتعزيز شرعية السلطة والدولة التي تقوم على القوة أو الفتح أو السيطرة العسكرية.  و استخدام الدين لغايات غير غاياته الأساسة ووضعه في خدمة السياسة الخارجية او الداخلية هو ما نسميه بالطائفية. وهو الطائفية بالضبط. ايران تستخدم التشيع أداة للتوسع القومي والنفوذ الامبرطوري.  ولسنا نحن الذين نحدد مصطلح التاريخ وقواعده. فالدولة لا تقوم إلا بالسياسة، ومن يريد أن يبني اليوم دولة على اساس الدين سوف يجد نفسه واقعا في مطب طالبان والفرقة الناجية المغلقة والمكفرة لغيرها، أو بالاحرى المكفرة لأغلبية المعتنقين للمذهب ذاته.
السؤال الخامس: هل نستطيع القول ان الدكتور برهان مقتنع بتسمية الربيع العربي رغم نتائجه كلها؟ هل بقيت ربيعا ام تحولت إلى خريف، أم انها ليست ربيعا بالاساس كما يرى بعض المفكرين ادونيس نموذجا، وبعض التيارات اليسارية والعلمانية، نتيجة لمجيئ الاسلاميين إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع؟
نحن في الربيع العربي، في هذه المرحلة، نعيش أياما أكثر من خريفية.
   قد يحصل في بعض فصول السنة أن تأتينا فترات نعيش فيها الفصول الأربعة في اليوم الواحد. وفي حقبة الانقلابات الثورية هذه، حتى في   المناخ كما هو حاصل في أكثر من منطقة، تزداد الأيام التي نشهد فيها الفصول الأربعة أو تختلط فيها الفصول كلها. لكن هذه الأيام القليلة تعبر عن اختلاطات محدودة و لا تلغي فصول السنة الأربع، ولا تعكس اتجاهها. نحن في الربيع العربي، في هذه المرحلة، نعيش أياما أكثر من خريفية، أياما نشهد فيها الفصول كلها : ساعة من الصقيع الخالص وساعة من النار الحارقة.

غليون: الشعب السوري قهر نظام الديكتاتورية الأسدية منذ أكثر من سنة، وقوض كل أركانه المادية والمعنوية.
السؤال السادس: الثورة السورية الآن أين تراها في ظل هذا الفضاء الدولي الذي لايزال، بشكل أو بآخر، يغطي على جرائم السلطة الأسدية؟
بالنسبة لي، الشعب السوري قهر نظام الديكتاتورية الأسدية منذ أكثر من سنة، وقوض كل أركانه المادية والمعنوية. وسورية الحرة، سورية التي تحررت من قيودها الأسدية، هي التي تواجه اليوم التدخلات الخارجية، وفي مقدمها التدخل الايراني من خلال ميليشياته الايرانية المباشرة أو التابعة له في لبنان. ولم يعد الشعب السوري هو وحده المهدد وإنما شعوب المشرق العربي كلها. وعلى العرب أن يتحملوا جزءا من العبء الذي هو نصيبهم في معركة حرية العالم العربي واستقلاله وسيادة دوله في الوقت نفسه. الشعب السوري وحده لن يستطيع أن يقاوم إلى الأبد محورا مكونا من روسيا وايران والبلدان العربية التابعة لها والسائرة في مشروع هيمنتها الامبرطورية. هناك قسط كبير من العبء يقع أيضا على عاتق  الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي يتحمل الشعب السوري اليوم، من دون حق، دفع جزء كبير من فواتير أخطائها وسياساتها السابقة في المنطقة. وحتى لو لم تكن هذه الدول عميقة التعاطف مع ثورة الشعب السوري فهي مضطرة للوقوف إلى جانبه للدفاع عن حلفائها العرب، في الخليج المهدد بعمليات تخريب ايرانية لن تقف عند الخليج وحده، وإنما ستتوسع لو نجحت في كل الاتجاهات. هذه معركة حرية الشعب السوري واستقلاله وسيادته، لكنها تصبح أكثر فأكثر معركة حرية العرب واستقلالهم وسيادتهم أيضا في وجه التوسع الايراني والنزوع الامبريالي الجديد لروسيا المتعطشة للعودة إلى الحرب الباردة وروح امبرطوريتها السوفييتيه الزائلة.
السؤال السابع: كنت من المختلفين معكم في قضية طلب التدخل الدولي لحماية المدنيين منذ بدء الثورة السورية، رغم ما يتهمونك به من أنك مع التدخل. هل ترى أو لاتزال ترى إمكانية سقوط العصابة الاسدية بدون تدخل دولي؟ وكيف ونحن نرى مزيدا من الجرائم ترتكبها السلطة الاسدية، خاصة بعد تدخل سافر وعلني من قبل إيران وادواتها في المنطقة مثل حزب الله وجماعات إيران في العراق؟
لم يكن أحد من الثوار مع التدخل الأجنبي، على الطريقة العراقية او الليبية، في الشأن السوري.
لم يكن أحد من الثوار مع التدخل الأجنبي، على الطريقة العراقية او الليبية، في الشأن السوري، لأن السوريين كانوا يعتقدون أنهم، بشجاعتهم الأسطورية، سوف يقهرون عدوهم، ويجبرونه على الرحيل. وقد نزل الشباب في الشوارع عراة الصدر في أكثر من مرة ليظهروا للنظام أنهم غير خائفين من الموت، وانهم مستعدين لكل الاحتمالات. وقد حققوا ما طمحوا إليه بالفعل وقهروا النظام. وهذا ما استدعى تدخل أسياده ووكلاء أمره وإرسالهم السلاح في جسور جوية أسبوعية، قبل أن يدفعوا بقواتهم البرية، التي ربما تجاوز عددها اليوم ٥٠ ألفا.
 
لكنني، بالنسبة لي كنت أميز بشكل واضح بين التدخل الأجنبي والدعوة له، وفي بعض الاحيان دعوة حلف الأطلسي للتدخل على منوال ما حصل في ليبيا، وبين دعوة الأمم المتحدة لتدخل انساني لحماية المدنيين على أساس مادة مسؤولية الحماية للشعوب المعرضة لجرائم ضد الانسانية وجرائم الإبادة الجماعية المدونة في ميثاق الأمم المتحدة. وكنت أعتقد أن تدخل الأمم المتحدة في أي شكل جاء يقلل من المخاطر السياسية لتدخل اجنبي في بلد حساس جدا من الناحية الاستراتيجية والجيوسياسية، وهو في حالة حرب مع اسرائيل التي لا يغيب عن أحد التزام الغرب بحماية حدودها ومصالحها.  منذ البداية كنا ننادي بحماية المدنيين، وأيدنا إرسال قوات الامم المتحدة لوقف القتال ومراقبة سلوك ميليشيات الحكم الفاشي. لكننا كنا حذرين من طلب التدخل العسكري الغربي، من جهة أولى  كي لا تفقد القوة المعنوية والسياسية للثورة السلمية في سبيل تأمين أكثر ما يمكن من الدعم السياسي والانساني، ومن جهة ثانية لأننا كنا نعرف أيضا من نقاشاتنا مع الدول الغربية، ونحن لم نكن يوما من حلفائها، أن سورية غير ليبيا، وأن هذه الدول لن تضحي من أجلنا كما فعلت في ليبيا، وأن مصالحها في التدخل غير واضحة وغير أكيدة. لم نكن نريد أن نفقد رصيد سلمية الثورة  ونغذي  أوهام حول تدخل لن يحصل، وهذا ما كنت أعنيه عندما كنت أصرح مرارا بأن علينا أن ننزع شوكنا بأيدينا ولا نراهن على الدول الأجنبية. وبإمكانك الرجوع إلى تصريحاتي في تلك الفترة والمرات التي كنت أردد فيها أنه ما حك ظفرك مثل جلدك. وكنت اخشى أن يعتقد الثوار أن التدخل ممكن وقادم، ويركنوا له بدل أن يعززوا قدراتهم واستعداداتهم لمواجهة النظام الغاشم. لكن لم يكن احد يريد أن يسمع في ذلك الوقت صوت الحقيقة. كان لدى ثوارنا أوهام كبيرة عن استعداد الغرب للتدخل وكانوا يعتقدون أن غياب التدخل نتيجة فشلنا في إقناعه أو حتى رفضنا له.الآن الأمور واضحة أكثر.
تبدو أمريكا اليوم مصابة في الصميم، وعلى طريق تغيير استراتيجيتها المستقبلية كليا
اليوم يظهر صواب تحليلاتنا في ذلك الوقت. الأمر الوحيد الذي لم يكن في حسبان أحد، بما في ذلك الأمريكيين أنفسهم، هو الانهيار المعنوي والسياسي الذي حصل، من دون علم أحد، حتى الأمريكيين أنفسهم، للامبرطورية الأمريكية. كنا نقول إن الامريكيين يتذرعون بالفيتو الروسي حتى يتجنبوا الانخراط في النزاع السوري، خوفا من إثارة الروس أو تأمينا لمصالح اسرائيل التي يهمها إضعاف سورية وتدمير بنياتها التحتية. لكن ما ظهر الآن يدل على أن الموقف الأمريكي المتردد والخائر ينبع مما هو أخطر من ذلك. أي من إدراك عميق عند قسم مهم من القيادة الأمريكية، على مستوى النخبة والإدارة معا، بأن أمريكا لم تعد قادرة على الاستمرار في سياسة الهيمنة الدولية والحفاظ على النفوذ العالمي الواسع، وأن عليها أن تتخلى عن هذه الأهداف وتقصر طوحها على الدفاع عن المصالح القومية الأهم، في أمريكا ذاتها أولا، وفي ما يتعلق بتأمين بقاء أمريكا قوة كبرى، وليس القوة الأعظم، في المستقبل، وفي مواجهة الديناصورات الصاعدة، الصين والهند بشكل خاص. تبدو أمريكا اليوم مصابة في الصميم، وعلى طريق تغيير استراتيجيتها المستقبلية كليا، وليست في وارد الدفاع عن دورها في القيادة العالمية، كما كانت تردد في عهد بوش وحتى كلينتون. كل ما تريده هو السلام لتتفرغ لإعادة تنظيم شؤونها المبعثرة والمؤرقة. ونهاية عصر القيادة الأمريكية  يفتح حقبة جديدة من التاريخ الحديث، ويشجع قوى مثل روسيا إلى إعادة تعريف دورها وموقعها العالمي، ولو أنها لا أمل لها في الحلول محل القيادة العالمية الأمريكية. وهذا التحول الذي انكشف على ضوء الأزمة السورية هو المفاجأة الاستراتيجية، وهو أخطر ما واجهناه ونواجهه في كفاحنا البطولي نحن السوريين للخلاص من حقبة الديكتاتورية والعبودية الأسدية .
 
الوضع العسكري للثورة بحاجة بأكمله إلى مراجعة جدية.
السؤال الثامن: لدينا ظواهر في الثورة تحتاج لنتوقف عندها، جبهة النصرة وما يقال وينشر حول ما تقوم به كمثال ما رأيك؟ خاصة واننا امام انتقادات كبيرة للثورة من ناحية أن كل ما يحدث سببه عسكرة الثورة؟
غليون: 
الوضع العسكري للثورة بحاجة بأكمله إلى مراجعة جدية. لا يمكن التقدم ومواجهة التدخل الأجنبي الواسع إلى جانب النظام من قبل ايران وحزب الله  وروسيا والعراق من دون تجاوز تشتت القوات، وانفصال قياداتها عن بعضها البعض،  وضعف التمويل والتموين المركزي المنظم والدوري، وغياب قيادة عسكرية وغرفة عمليات محترفة على مستوى القطر ومستوى المناطق. ومشكلة النصرة، لا تكمن اساسا في تطرف ايديولوجيتها واختلاف عقيدتها مع عقيدة الجيش الحر فحسب وإنما، أكثر من ذلك، في استقلاليتها، وعدم خضوعها لأي قيادة مركزية سورية، بحيث تتحول إلى جيش مواز أو جيش داخل الجيش الحر. وبهذا المعنى مشكلة النصرة ليست خاصة بها فحسب، ولكنها تشكل جزاء من مشكلة التشتت والبعثرة وغياب الاندماج والقيادة العسكرية المركزية التي ترخي بظلها على كل كتائب الجيش الحر، وتضعف أداؤه، وتحرمنا من الاستفادة المثلى من الموارد والقوى المقاتلة، ويزيد من التكاليف البشرية والمادية لأي إنجاز . لا يهم اعتقاد الافراد أو الجماعات ومذاهب أعضائها، المهم منظومة العمل والقتال التي تدخل فيها هذه القوى أو تعتبر جزءا منها. ولو وجدت مثل هذه المنظومة، واندرجت كتائب من النصرة فيها، وخضعت للقيادة المركزية، لكانت الأمور أقل خطورة والنتائج اقل سلبية. فمشكلة النصرة هي  مشكلة كل الكتائب الأخرى، مع فارق أن النصرة تحظى كما هو واقع بدعم مالي وتسليحي وإعلامي أفضل يمكنها من الحفاظ على استقلاليتها والتوسع في اتجاه جذب عناصر من الجبش الحر المحرومة من الموارد والسلاح إلى صفها. وهكذا أصبحت تشكل، بالرغم من قلة عدد أعضائها، بالمقارنة مع مجمل اعضاء الجيش الحر، جيشا خاصا إلى جانب الجيش الحر، لا يتبع قيادة الأخير ولا يؤمن بأهدافه ولا يعمل معه لتحقيق نفس القيم والمباديء والغايات. هذا الوضع لا يمكن ولا ينبغي ان يستمر، ولا بد من إخضاع جميع القوى المقاتلة في صف الثورة لقيادة  مركزية واحدة، وتنظيم عملها حسب خطة واحدة، وأهداف تحددها القيادة السياسية بالدرجة الاولى. وينبغي على القيادة العسكرية، وهي متمثلة الآن بالمجلس العسكري الأعلى أن تدخل في مفاوضات مع جميع القوى المقاتلة، بما فيها النصرة، لوضع خطة لتوحيد القوات وتوحيد عقيدتها القتالية والسياسية وعدم القبول بالجيوش الموازية والمنفصلة. ولا يمكن تحقيق برنامج دمج القوات من دون ان تنجح القيادة العسكرية والسياسية معا في بناء قوة عسكرية مركزية تابعة مباشرة للاركان وقادرة على فرض النظام والانضباط على الجميع.
السؤال التاسع: وهذا أيضا يحيلنا إلى سؤال آخر، هو هل ترى ان التخوفات سواء من الغرب او من الاقليات على مستقبل سورية مبررة؟ وما هو الرد الفعلي على هذه التخوفات من وجهة نظرك؟
لا يمكن أن يكون تخوف أكبر من أن ينجح الأسد في البقاء في السلطة وأن يستمر حكم المافيا الدولية.
أنا أيضا متخوف على مستقبل سورية وحاضرها ايضا. وكل سوري وطني متخوف مثلي. متخوف من انتشار الفوضى، ومن عدم الاستقرار ومن احتمال استمرار النزاعات إلى سنوات طويلة ومن صوملة بلادنا. لكن ليس هناك ولا يمكن أن يكون تخوف أكبر من أن ينجح الأسد في البقاء في السلطة وأن يستمر حكم المافيا الدولية. ولو حصل لكنا امام ولادة دولة عنصرية جديدة مشابهة لاسرائيل في معاملتها للسكان الأصليين، وفي رهانها في وجودها على العنف والقسوة الوحشية، واعتمادها الرئيسي في الدفاع عن نفسها على الارتهان للدول الأجنبية. سنكون في هذه الحالة امام دولتين استثنائيتي،ن تضعان نفسيهما فوق القانون والعرف والأخلاق، حليفتين ضد العرب ومشاريع تحررهم جميعا، اسرائيل التي تعمل تحت مظلة القوة الأمريكية وأداة في يدها للحفاظ على مصالحها الشرق أوسطية ضد أبناء المنطقة وشعوبها، وسورية الأسد التي ستكون عميلة لروسيا وايران ومنصة للعدوان على الشعوب العربية، وأداة تحييدها وتركيعها لصالح الامبريالية الروسية والإيرانية الصاعدة.
لا بد من إعادة بناء هيكل القوات وتنظيمها وتدريبها وتحويلها إلى جيش وطني، يخضع لسلسلة قيادة واحدة.
السؤال العاشر: كيف ترى وضع الجيش الحر وقوى الثورة المسلحة الآن؟ وكيف يمكن اجتراح اساليب وطرق من أجل توحيد التمثيل العسكري للثورة؟
كما ذكرت لا يمكن لحالة التشتت التي تعرفها الكتائب المقاتلة، والموروثة من الحقبة  الأولى لتسلح الثوار المدنيين في القرى والأحياء للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم أن تستمر وتحقق نتائج مطلوبة لحسم المعركة. لا بد من إعادة بناء هيكل القوات وتنظيمها وتدريبها وتحويلها إلى جيش وطني، يخضع لسلسلة قيادة واحدة، ويتحرك كجسد واحد وعلى ضوء خطط واضحة، تحت إشراف عسكريين محترفين وبمشاركتهم الميدانية. المطلوب في الواقع ليس توحيد التمثيل وإنما توحيد القوات نفسها، وإنشاء هيكل قيادة وتحكم وتوحيد موارد الدعم والاشراف الكامل عليها. والحال أن الكتائب المقاتلة لا تزال مستقلة واحدتها عن الأخرى، ومعتمدة في قسم كبير منها على التمويل الذاتي، أو الخاص، ومفتقرة للقيادات المحترفة المدربة وللخطط الميدانية. والانفصال بين القيادة العسكرية والسياسية مسؤول إلى حد كبير عن ذلك.
السؤال الحادي عشر: هنالك من حملني سؤال ماهو وضع الائتلاف الآن قبل اجتماعكم المرتقب في 04-05 تموز لانتخاب هيئات جديدة له من جهة، ولماذا لاتترشح لرئاسته من جهة أخرى؟
لا يمكن لمن يفتقر للقيادة أن يشكل هو نفسه قيادة لأحد.
وضع الائتلاف الآن غير مسر بالتأكيد. والسبب أن روح التكتلات سيطرت عليه ومعها الصراع على توسيع دوائر النفوذ لكل منها، والتزاحم على احتلال مناصب المسؤولية، من الاهتمام بمضونها أو القيام بواجباتها. ومن هنا سيطر مناخ النزاع عليه، وزادت شكوك الرأي العام السوري والدولي بمقدرته على القيام بالمهام الملقاة عليه في تمثيل الثورة وقيادتها. ولا يمكن لمن يفتقر للقيادة ان يشكل هو نفسه قيادة لأحد. لكن الائتلاف يعكس أيضا ضعف خبرة النخب السورية السياسية  المعارضة والانقسامات داخل الحراك الثوري المدني والمسلح. وآمل أن يتمكن الائتلاف في اجتماعه القادم من تجاوز نقاط ضعفه والسير بشكل أفضل نحو الاتحاد والعمل الايجابي وتنمية روح المسؤولية والالتزام . بالنسبة لي لم أغير قراري منذ استقالتي من أول جمعية لحقوق الانسان في باريس بعد أن أسستها كفرع للمنظمة العربية لحقوق الانسان عام ١٩٨٥ وهو ان الابتعاد عن أي منصب مهما كان حتى في الجمعيات الانسانية رغبة في أن أجنب نفسي النزاع أو الصراع على أي سلطة مهما كانت. الاستثناء الوحيد الذي حصل هو عندما قبلت أن استلم رئاسة المجلس الوطني السوري في سبتمبر ٢٠١١ تلبية لما بدا لي في ذلك الوقت واجبا وطنيا في خدمة الثورة وردا على دعم قطاع واسع من الثوار وتأكيدا لالتزامي بثورة الكرامة والحرية التي أنفقت عمري في الدفاع عن قيمها ومبادئها ومفهومها منذ تحرير كتابي الأول عام ١٩٧٦ بيان من أجل الديمقراطية.  ولا أذيع سرا عندما أقول إن تجربتي كانت مخيبة للآمال، لأنني وجدت نفسي تماما في مواجهة ما كنت أخشاه وما منعني لرفض أي موقع سلطة خلال  سنوات طويلة، أعني التشاحن على المناصب والصراع من حول مواقع سلطة رمزية، على حساب القضية الرئيسية والهدف المنشود. لا أعتقد أن الوضع قد اختلف الآن، وتجربة الائتلاف التي رفضت أن أترشح فيه لأي موقع، كانت أكثر سلبية حتى مما عشته في المجلس الوطني ووصل فيه النزاع على النفوذ إلى درجة استدعت تدخل الدول لحله، مع كل أسف.
السؤال الثاني عشر: جنيف2 ماذا عنى للدكتور برهان خاصة وان جنيف1 لم يعط أية نتائج سوى تمديد ما تقوم به مليشيات الاسد من قتل وتدمير، وكيف يمكن للمعارضة السورية ان تعالج الموقف منه؟
السوريون جزء من المسألة في جنيف وليس القضية كلها.
 جديد عن العجز الدولي والتغطية على الاستقالة الدولية وتعويض عن التدخل الانساني المطلوب لوضع حد للمجزرة اليومية ولهمجية نظام يعمل لصالح دول أجنبية، ورمي الكرة إلى السوريين ليتدبروا امرهم حسب ما يستطيعون. البديل عن التدخل لحسم الصراع لصالح الشعب الثائر كما حصل في ليبيا هو فتح مسار سياسي للتفاوض بموازاة المسار العسكري، لعله يكون بالإمكان التوصل إلى تسوية سورية سورية توفر على الدول مزيدا من الدعم وتخفف ضغط الرأي العام الدولي عن العواصم الكبرى، وتضمن قبل كل شيء  مصالح هذه الأخيرة. وهو يفترض ان المسألة معقدة وطويلة كما يقولون دائما وأن التفاهم المتعدد الأطراف السوري والاقليمي والدولي المطلوب لحلها لن يكون سهلا. السوريون جزء من المسألة في جنيف وليس القضية كلها.
السؤال الأخير: الثورة إلى أين؟ بكلمة وجيزة لأنه سؤال الأسئلة الراهنة كلها ربما.
ما أصابنا أكبر منا جميعا، ينبغي أن نعترف بذلك. 
 ما أصابنا أكبر منا جميعا، ينبغي أن نعترف بذلك، وأن نعمل من منطلقه، وهو أكبر مما أصاب أي مجتمع خلال التاريخ كله. لم يحصل أن دولة بكل ما تملك من وسائل عنف وموارد وجيوش وأجهزة انقلبت على شعبها، وصارت قوة احتلال، وقررت أن تثخن فيه جراحا وتدمر بنياته وحضارته وتحوله إلى ركام وتمحو ذكره من التاريخ، وهي التي كان من المفترض أنها قائمة لتحميه وتضمن حقوق ابنائه وسلامتهم.
 الرد على مثل هذا الوضع ليس سهلا ولن يكون سريعا. وهو لا يتجاوز مقدرة معارضة بالكاد لملمت صفوفها بعد موت طويل، وانضم إليها مئات وآلاف الشباب الذين لم يعرفوا يوما خبرة العمل العمومي المنظم، وإنما يتجاوز مقدرة المجتمع الدولي كله. لسنا نحن المرتبكين أمام الكارثة، وإنما الدول الكبرى جميعا التي تحسب ألف حساب لكل خطوة تخطوها معنا. نتائج انخراطهم معنا، يزيدون من مأساتنا ومعاناتنا
شهدت سورية حتى الآن معجزتين، الأولى معجزة تفجير الثورة نفسها ضد نظام لم تعد همجيته تحتاج لوصف أو برهان، والثانية معجزة الصمود سنتين كاملتين في وجه استراتيجية القتل الممنهج والابتزاز بالدمار الشامل، وأخذ الشعب بطوائفه وأطيافه جميعا رهينة وتهديده بالموت والدمار.
تبقى معجزة ثالثة هي التي ننتظرها وينتظرها جميع السوريين، المعجزة التي سوف ترسم تاريخ ولادة سورية الجديدة من أنقاضها وخلاص السوريين: الانتصار على مشاعر الشك والخوف والانتقام وفقدان الثقة بالمستقبل، ويقظة الروح الوطنية الجامعة التي تخرج سورية من عثرتها، وتوحد جميع السوريين بعد طول انقسام واقتتال، موالين وخائفين ومترددين، وتحررهم من كل الأوهام، أوهام الانفراد والسيطرة الأحادية، والرهان على القوى الأجنبية، والاستقواء بالعصبية القبلية أو الفئوية أو الطائفية، وتقودهم إلى طريق الخلاص الوحيد: العودة إلى سورية الأم، سورية الكرم والعطاء والإحسان، سورية المدنية والألفة والقلب الواحد، ووضع الولاء للوطن والشعب والقانون قبل أي ولاء، وتقديم مصلحة سورية وحقن دماء أبنائها فوق أي مصلحة أو أولويات داخلية أو خارجية.
لقد أسقط الشعب نظام الجريمة الجماعية المنظمة بأظافره وأسنانه، وبالدماء الغزيرة والبريئة التي قدمها جيل كامل من الشباب والبنات الأحرار، لكن لن نستطيع تنظيف البلاد منه ومن ميليشياته، ولا رفع رأسنا من تحت الأنقاض التي أهالها علينا ليهرب من مصيره، ما لم ننجح في تنظيم أنفسنا. هذه هي كلمة السر ولا شيء غيرها. يعرفها وينبغي أن يعرفها المقاتل والمعارض والمسؤول في أي قطاع، وكل مواطن يصبو إلى إقامة نظام الكرامة والحرية والعدل.
أقول هذا وانا أرى بوادر أمل كبيرة في ما يحصل من تقدم، ولو بطيء في إدارة بعض المناطق المحررة، وفي مواجهة الشعب، وبشكل خاص بناته ونسائه الأحرار، للكثير من التجاوزات والاختراقات والانتهاكات التي يقوم بها البعض، عن جهل أو ضلال، لما ينبغي أن يكون عهدا وطنيا جديدا، عهد الكرامة والأخوة والعدالة والمساواة والمواطنة الحقة، أي الاحترام والدفاع المتبادل عن الحقوق والحريات لكل السوريين.
****
*برهان غليون : (٠٣ مايو  1945)، ولد في مدينة حمص عاصمة الثورة السورية، هو مفكر سوري، أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس  . خريج جامعة دمشق بالفلسفة وعلم الاجتماع، دكتور دولة في العلوم الاجتماعية والإنسانية من جامعة السوربون، بعد الثورة تم انتخابه رئيسا للمجلس الوطني السوري، والآن عضوا في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، ومرشح من قبل فعاليات ناشطة في الثورة لتسلم رئاسة الائتلاف.
من أهم مؤلفاته:
- المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
- ثقافة العولمة وعولمة الثقافة (سلسلة حوارات لقرن جديد)
- العرب وعالم ما بعد 11 أيلول
- النظام السياسي في الإسلام (سلسلة حوارات لقرن جديد)
- بيان من أجل الديمقراطية
- اغتيال العقل
- مجتمع النخبة.
- المأساة العربية: الدولة ضد الأمة
- نقد السياسة
كلنا شركاء
صفحات سورية

mercredi, juillet 03, 2013

المواحهات المصيرية في مصر


المواجهة التي تشهدها مصر هذه الأيام ليست غريبة عن ما يعيشه الشعب السوري أو بعيدة عما يهز سورية الثائرة. وسيكون لها تأثير كبير على مستقبل الثورة فيها. 
في نظري المواجهة الراهنة في مصر مواجهة مصيرية، لا يمكن أن تحسم لصالح أي طرف لوحده من دون ان تقود إلى حرب أهلية. 
الشرعية التي يملكها الرئيس بمنطق الانتخابات حجة قوية، لا يمكن تجاهلها بأي شكل في ظرف ديمقراطي طبيعي ومستقر. لكن الشرعية الثورية التي تتشبث بها قطاعات كبيرة من الرأي العام ليست أقل قوة منها. والسبب أننا لم ندخل بعد حقبة الديمقراطية المستقرة و لا نزال نعيش في سياق غليان الثورة الشعبية والتحولات العميقة التي تطرأ على الرأي العام بشكل مستمر. نتائج الانتخابات الرئاسية أعطت لمرسي بطاقة دخول إلى حكم الشعب المصري، لكن على شرط أن يوحد صفوف شعبه ويضمن تجاوزه لانقساماته، وهذه هي وظيفة الرئاسة الأساسية ورسالتها. إخفاقه في ذلك، بصرف النظر عن الأسباب، سواء أكانت ذاتية أو موضوعية، يضعف، في مرحلة انتقالية كتلك التي تعرفها مصر، كثيرا من شرعيته الانتخابية، ويحول دون تحويل النجاح الانتخابي إلى نجاح سياسي وجعل الرئيس ممثلا لإرادة الأمة كلها، لا لفريق منها. 
القبول بانتخابات رئاسية مبكرة، هو جزء من الحل، لكن ليس الحل كله. فلن تزيل الانتخابات ما تعرفه الامة من انقسام. لا بد من أجل تحويلها إلى مناسبة لتجاوز القطيعة والتقدم على طريق بناء مؤسسات الديمقراطية وقواعدها الثابتة من مواكبتها بمفاوضات وحوارات وطنية تساعد على توضيح مواقف الأطراف وتقضي على مخاوفها المتبادلة وتزيل نقاط الالتباس التي لا تزال تحيط بالعهد الوطني الجديد الذي انبثق عن ثورة ٢٥ يناير الشعبية المجيدة. وهذا يعني أنه لا مهرب في هذه المرحلة الانتقالية من القبول بحد من التوافقية التي تستدعي تنازلات متبادلة من الطرفين إلى جانب الاحتكام للشرعية الانتخابية. 
فلا يكفي في هذه المراحل الصعبة والتحولات العميقة الاحتجاج بنتائج صناديق الاقتراع الاحصائية، ينبغي للسلطة المنبثقة عنها أن تطمئن الطرف الآخر على عدم تهديد مصالحه الأساسية. من دون ذلك لا يمكن تجاوز المواجهة والانقسام ولا ترسيخ مؤسسات الديمقراطية وتقاليدها.

lundi, juillet 01, 2013

حمص الاسطورة لا تسقط ولا تموت



أطلق العداون المتجدد على حمص، وعلى جامع الصحابي والقائد العسكري الفذ، خالد بن الوليد، الذي أعطى المدينة اسمه، أقلام أبنائنا الناشطين الذين أرعبهم مصير القصير، بما اتسم به من همجية في القصف والدمار والتهجير. وتباروا في الدعوة لنجدة المدينة المحاصرة منذ أكثر من سنة، وهددوا أركان الجيش الحر وتوعدوا الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ولم تجد الاركان جوابا على استغاثات شباب حمص سوى التهديد بمقاطعة مؤتمر جنيف، أما أعضاء المعارضة والائتلاف فقد وجدوا من الأسهل عليهم التهديد بحل الائتلاف لوضع الدول الحليفة أمام مسؤولياتها السياسية والانسانية؟؟ 
تقدم قوات النظام وميليشياته في أحياء حمص القديمة ضربة معنوية بالتأكيد للثوار، وعلينا جميعا، عسكريين وسياسيين، العمل بكل الوسائل لتجنيب الثورة نكسة إضافية. 
لكن لا أرى تماما ما هي العلاقة بين تعزيز الدفاعات عن حمص ومقاطعة مؤتمر جنيف أو حل الائتلاف أو القطع مع الدول الصديقة أو اتهامها. هذا يعني أننا نعتقد أن مشاركتنا بمؤتمر جنيف إذا حصلت، وهذا لم يتحدد بعد أصلا، أو حفاظنا على الإئتلاف، هو خدمة لمصالح الدول الأجنبية التي تدعي صداقتها لنا، وليس من أجل مصالحنا الوطنية. ونتحدث عن الدول التي تشكل نواة تجمع أصدقاء سورية ونعاتبها كما لو كانت بمثابة حاضنة لنا، ومسؤولة عنا وعن انتصارنا، وننسى أنها دول أجنبية، وأن لها مصالح وسياسات واستراتيجيات وحسابات لا تنبع من "حبها" لنا بالتأكيد، وأنها لا تحبنا بالضرورة وربما لا ترغب حتى في التورط في قضيتنا والتضحية من أجلنا. نتصرف في الحالتين كأطفال يهددون بإيذاء أنفسهم أو برميها من النافذة إذا لم تلب مطالبهم، بمثل هذا السلوك والمنطق لن نربح شيئا ولن نحمي حمص ولا ننقذها.
لا يحتاج إنقاذ حمص إلى مقاطعة جنيف، ولا يمكن للتهديد بالانتحار أو بقطع العلاقات مع الدول شبه الحليفة أو الحليفة بالاكراه، تعزيز موقف الثوار في حمص ولا ربح معركة بقاء سيطرة الثوار المحاصرين على حمص. يستدعي الدفاع عن حمص ببساطة تنظيم جهدنا العسكري الذي لم نقم به خلال أكثر من سنة من الحصار، وهذا لا يقتصر على تقديم السلاح والمال، وإنما يحتاج إلى بناء جبهة حمص العسكرية بالفعل وتطوير بنية قتالية حقيقية، وقيادة عسكرية موحدة لثوار حمص وخطط مدروسة، وغرفة عمليات مؤلفة من ضباط محترفين قادرين على التواصل المستمر مع القطعات وإعطاء الأوامر وتلقي المعلومات والتحكم بالعمليات. 
ويستدعي أيضا وجود قيادة سياسية متواصلة مع المقاتلين ومهتمة بتامين الدعم والغطاء السياسي لهم، سوريا وعالميا، وقادرة، بما توحي لهم به من الثقة والاهتمام، وما تبث فيهم من روح الوطنية، على أن تحفزهم للقتال وتشحذ هممهم وترفع معنوياتهم. 
وكل هذا لا يحصل بين ليلة وضحاها وإنما يحتاج إلى عمل دؤوب ومستمر، على مستوى التنظيم والتدريب والتسليح والتوعية السياسية والوطنية. كما أنه لا يتحقق بالتهديد بالاستقالة والانسحاب من الأطر العسكرية والسياسية كلما واجهتنا صعوبة، ولا بتعطيل هيئات الائتلاف والمعارضة خلال شهر كامل لترتيب المواقع الشخصية لهذا المرشح أو ذاك. 
الذي يهدد مواقع الثوار في حمص ليس الإعلان عن مؤتمر جنيف ولا وجود الإئتلاف ولكن غياب العمل الجدي والمهني العسكري والسياسي في حمص وغيرها من المدن والجبهات السورية. وتنظيم هذا العمل هو الذي يسمح لنا بالرد على التحدي، ولا يفيد من دونه ندب ولا استغاثة ولا بيانات ولا تهديدات ولا انتحارات سياسية. وربما لا نبالغ إذا قلنا أن الدول الحليفة بالاكراه لن تتأثر بكل هذه الحركات وربما وجدتها مناسبة لترتاح منا ومن مواقفنا الطفولية.
لا يزال مصير معركة حمص كما هو الحال في كل المناطق السورية في يدنا. ومهما نجح النظام في كسب هذا الموقع أو ذاك فهو لن يستطيع أن يربح الحرب، بل ولا أن يسيطر على المدنية. المهم أن نعرف نحن كيف نستمر في المقاومة، مهما كانت الأوضاع ومع تغير الأوضاع، ونستمر في القتال مع تغيير تكتيكاتنا وتشكيلاتنا القتالية. 
لا أدري إذا كان المقاتلون في حمص سيستطيعون مقاومة جحيم القذائف التي يتعرضون لها أم لا، لكن على جميع الأحوال ليست معركة الدخول ثانية إلى المدن في أقرب وقت بأصعب من معركة الخروج منها. ولا أعتقد أن البقاء تحت الحصار في حمص أفضل من الخروج لمقاتلة ميليشيات النظام على حدود حمص، على طريقة حرب العصابات، وقطع طرق الاتصال والمواصلات للنظام، ونصب الكمائن لشبيحته وقواته. وهذه هي التكتيكات التي كان من المفترض أن تكون تكتيكات معركتنا الرئيسية التي تسمح للثوار بأن يتصيدوا أعداءهم ويحموا أنفسهم في الوقت نفسه. وكان من الأفضل لو أن الثوار المحاصرين بادروا إلى الأخذ بها منذ زمن أطول. 

حمص ليست مدينة ولكنها أسطورة، والاسطورة لا تسقط ولا تموت. والشعب سينتصر والنظام سيهزم، سواء ربح في بعض المواقع أو خسرها. فالعصابة لا تصبح دولة، والمجرم لا يتحول إلى رجل دولة وقانون. 
والطريق واضح ومعروف : الاستمرار في المقاومة، والاصرار على التقدم والتصميم على النصر. وهذا لوحده كفيل بأن يكسر إرادة أعداء الشعب، ويغير مواقف الدول الصديقة وغير الصديقة من قضيتنا المقدسة، ويمكننا، ليس من تحرير حمص، عاصمة الثورة فحسب، وإنما الدخول منصورين بإذن الله إلى دمشق الفيحاء عاصمة الدولة السورية الواحدة والمتجددة.