mardi, avril 26, 2005

المسار الصعب للديمقراطية العربية

الاتحاد27 أبريل 2005

بالرغم من أن المفاهيم والتحليلات الأساسية التي لم نكف عن استخدامها منذ ثلاثة عقود في صراعنا المرير من أجل الديمقراطية لم تفقد من راهنيتها، خاصة ما تعلق منها بإبراز عواقب إخفاق الحركة القومية- الوطنية العربية وتطور ظاهرة الاستعمار الداخلي وتهميش المجتمع والشعب وتغييبهما لصالح السلطة الفئوية بدل بناء الدولة المواطنية، إلا أن التحولات الجذرية إن لم نقل الانقلابات التي طرأت على البيئة السياسية والجيوسياسية والفكرية في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموما خلال العقود القليلة الماضية قد غيرت كثيرا من الشروط التي تطرح فيها القضية الديمقراطية العربية في الوقت الراهن.
فبعكس ما كان عليه الحال في السبعينيات، تعيش المجتمعات العربية اليوم لحظة إفلاس النظم الواحدية, وبداية تحللها من الناحيتين السياسية والفكرية معا. فمع تواتر الإحباطات وتراجع مستويات المعيشة والركود الاقتصادي وتفاقم عمليات القمع وتقييد الحريات الفردية والجمعية تدهورت أيضا بشدة الشرعية السياسية التي كانت تتمتع بها بعض النظم التي كانت قد اكتسبت بعض الشعبية في فترة سابقة نتيجة تطبيقها سياسات اجتماعية ساهمت في إعادة توزيع الثروة الوطنية وفي دمج الفئات المحرومة والمهمشة منها في العملية الاقتصادية والاستهلاكية, أو بسبب ما كان يبدو على استراتيجياتها الوطنية من حرص على التمسك ببعض الأهداف القومية المرتبطة بفلسطين وبالتضامن العربي أو بمظاهر السيادة والاستقلال والدفاع عن المصالح الوطنية. كما قادت الإخفاقات المتكررة التي جعلت من المجتمعات الخاضعة له الأكثر تأخرا بين دول العالم في مجاراة التقدم الحاصل على جميع الأصعدة وزادت من إغراءات التدخل الأجنبي فيها إلى حرمان هذه النظم الواحدية من أي صدقية. وهي تظهر اليوم بعد ضياع عنصري الصدقية والشرعية عارية تماما أمام الرأي العام العربي والعالمي، ضعيفة وكسيحة لا تضمن لا أمنا ولا سلاما كما كانت توحي بذلك لعقود طويلة بقدر ما تشكل عقبة كأداء أمام تقدم المجتمعات وتفاعلها مع بيئتها الإقليمية والعالمية. وأصبحت مسألة تفكيكها من دون تكبيد مخاطر كبيرة للمجتمعات والدول شاغلا أكبر للمجتمعات والقوى الكبرى من مسألة التعامل معها أو الحد من هامش مبادرتها.
والمسألة الثانية هي أن الديمقراطية تتقدم في العالم العربي في الوقت نفسه الذي تنهار فيه مواقع هذا العالم الاستراتيجية والجيوستراتجية وتترافق بولادة إرادة الهيمنة الإمبرطورية. وتبدو الأجندة الديمقراطية العربية أكثر فأكثر وكأنها أجندة أميركية أو مفروضة من قبل القوى الدولية. وهو ما يدفع إلى التصادم أو التضارب القائم والمحتمل بين برنامج التحولات الديمقراطية وبرنامج الحفاظ على الخيارات الوطنية.
والواقع ليس للولايات المتحدة التي أدخلت مؤخرا شعار التحويل الديمقراطي في استراتيجيتها العالمية أي دور حاسم في انطلاق هذه الموجة الديمقراطية الجديدة في العالم. فالأصل فيها هو كما ذكرت خراب النظم الأحادية نفسها بسبب تآكل صدقيتها وانهيار أسس شرعيتها معا. وما تهدف إليه الولايات المتحدة من سياساتها الجديدة المؤيدة للديمقراطية هو استثمار هذه الفرصة المفتوحة أمام التغيير السياسي في المنطقة لتعيد موضعة نفسها في الخريطة السياسية الداخلية للبلدان العربية بعد أن أدركت أنه لم تعد لها مصلحة في الاستمرار في ربط نفوذها ببقاء النظم الاستبدادية المهترئة التي دعمتها خلال العقود الطويلة الماضية واستندت إليها في تطبيق سياساتها الإقليمية والدولية معا. فهي تسعى من خلال ركوب الموجة الديمقراطية التي يحبل بها المجتمع العربي إلى إنقاذ رهاناتها التقليدية واستعادة المبادرة وإيجاد حلفاء جدد لها من داخل البلاد العربية وقطع الطريق على منافسيها من الدول الأجنبية. ومما ساعدها على تحقيق أهدافها هذه وهي في طريقها لأن تحقق الكثير منها، هو سلوك النظم ذاتها التي ركزت جهودها في العقد الماضي على إجهاض أي قوى ديمقراطية ناشئة وقمعها على أمل أن تجبر الولايات المتحدة على الاختيار بين الطغم الحاكمة على قباحتها أو بين القوى الإسلامية المتطرفة التي تدرك مدى نفورها منها. والواقع أن سياسة قمع الحركة الديمقراطية وإغلاق الأبواب أمامها، سواء بالاعتقال اللاشرعي للكثير من قادتها أو بممارسة شتى أنواع الترهيب والتنكيل إزاء الناشطين المدنيين والسياسيين لمنعهم من الحركة ما كان من الممكن إلا أن تصب في الطاحونة الأميركية. فالرأي العام الذي فقد ثقته بالحكومات القائمة ولم يتعرف على قيادات جديدة في المعارضة الديمقراطية، أو لم يثق بقدرة قواها الضعيفة التي حرمت من فرص النمو على التغيير، قد دفع أكثر فأكثر إلى الاعتقاد بأنه لا تغيير ممكنا من دون التدخلات الخارجية.
وقد طرح هذا الوضع المفارق تحديات جديدة على الحركة الديمقراطية العربية. ففي الوقت الذي تبدو فيه شروط التحول الديمقراطي الأكثر ملاءمة للتغيير تبدو القوى الديمقراطية العربية المنظمة أقل من أي حقبة سابقة استعدادا لقيادة حركة التغيير. وفي الوقت الذي تبدو فيه خيارات التكتل الأطلسي الإقليمية أقرب إلى التسليم بضرورة التخلي عن النظم الأحادية لصالح نظم تعددية، تظهر فيه المجتمعات العربية أضعف جاهزية من أي فترة أخرى على قيادة الحركة الاجتماعية والشعبية وبناء التحالفات الداخلية والخارجية التي تضمن لها هامش المبادرة الضروري لمواجهة التدخلات الأجنبية. لكن فيما وراء هذا التحدي الاستثنائي والكبير الذي تواجهه الحركة الديمقراطية العربية يتم الانتقال العربي نحو الديمقراطية في ظروف اقتصادية واجتماعية وجيوستراتيجية وفكرية تضع النظم التعددية الجديدة أمام تحديات ليس من السهل التغلب عليه
ا. ومن هذه التحديات الموقف الهش الذي ورثته في مواجهة مسائل الاحتلال وتصاعد موجة العدوانية والتوسعية الإسرائيلية في فلسطين وتدهور علاقات التضامن والتعاون بل تفكك الرابطة القومية التي جسدتها لفترة طويلة الجامعة العربية، والخراب الواسع الذي يميز مؤسسات الدولة والفساد المعمم الذي يضرب إداراتها واستنزاف الموارد الذي قادت إليه سياسات الهدر وسوء الاستخدام، وتقديم معايير الولاء على معايير الكفاءة والجدية. ومنها أيضا انعدام الثقة وتفاقم البطالة وانتشار الفقر الذي يتجاوز في العديد من البلدان ثلث السكان في ظروف إخفاق محاولات التكتل والاندماج الاقتصادي العربية واطراد الضغوط الخارجية من أجل فتح الأسواق وتكوين مناطق التجارة الحرة في سياق لا تزال الاقتصادات العربية فيه غير مؤهلة أو ضعيفة التأهيل.
ومن هنا إذا كان طريق التحول والانتقال نحو أنظمة تعددية قد انفتح في البلاد العربية أو على وشك الانفتاح إلا أن تحقيق الديمقراطية بما تعنيه من إرساء حياة سياسية سليمة قائمة على التداول السلمي للسلطة والمشاركة الشعبية الايجابية في تسيير الشؤون العمومية وبناء علاقات قائمة على المساواة في المواطنية واحترام قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، ليس أمرا سهلا ولا قضية محسومة سلفا. وإذا لم تنجح المجتمعات العربية في السنوات القليلة القادمة في الخروج من حالة عدم الثقة والانتظار لترفد الحركة الديمقراطية بالقوى والأفكار والحيوية التي تحتاج إليها, وإذا استمرت الدول الكبرى الأطلسية التي تتمتع بمواقع نفوذ قوية في المنطقة العربية في التلاعب بالشعارات الديمقراطية لأهداف تتعلق بمد سيطرتها الاستعمارية أو شبه الاستعمارية فلن يكون هناك أي عائق يحول دون تحول النظم التعددية القادمة إلى مجرد غطاء شكلي لتنافس شبكات المصالح المافيوزية ولاستراتيجيات الصعود الفردي والصراع بين الزعماء الصغار المحليين أو المصنوعين في الخارج على السلطة وبالتالي غرق النظم الديمقراطية، كما حصل مع مثيلاتها في الخمسينيات، في الفساد ووقوعها ضحية النزاعات الفردية والمنافسات الطائفية والعشائرية والعائلية.

samedi, avril 23, 2005

تصدع المشرق العربي


الجزيرة الفضائية برنامج الكتاب خير جليس

مقدم الحلقة: خالد الحروب
ضيفا الحلقة:
- صالح بشير/ باحث وكاتب تونسي- برهان غليون/ أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون
تاريخ الحلقة: 2/4/2005
- الصراع العربي الإسرائيلي ومنطق المهزوم- محارق اليهود وشرعية الدولة اليهودية- العرب والفشل في تأسيس دولة أمة- الطائفية في العراق صناعة أميركية
خالد الحروب: مشاهدي الكرام مرحبا بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج الكتاب خير جليس، لا تنتهي الكتب والقراءات التي تحاول تقديم رؤى وطروحات جديدة حول الصراع العربي الإسرائيلي من مختلف جوانبه، بعضها يعيد إنتاج المقولات التقليدية وبعضها الآخر يحاول تحدي هذه المقولات. وكتاب اليوم الذي عنوانه تصدع المشرق العربي.. السلام الدامي في العراق وفلسطين يحاول تحدي عدد من المقولات التقليدية، فيه من الجدة ما فيه من الاستفزاز والخلافية، المؤلفان هما حازم صاغية وصالح بشير. نستضيف هنا في الأستوديو أحد المؤلفين الأستاذ صالح بشير المقيم في إيطاليا الباحث والكاتب التونسي، فأهلا وسهلا به.. أهلا وسهلا نستضيف أيضا لمناقشة الكتاب الدكتور برهان غليون أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في باريس فأهلا وسهلا به أيضا.. أهلا برهان إذا بدأنا معك أستاذ صالح أولا ما هي المقولة الأولى التي تتحدث هنا فيها أنت وحازم صاغية حول ضرورة تفكيك عقدة الخوف عند الإسرائيلي عند الطرف الإسرائيلي حتى نجرجره إلى السلام ويشعر بأنه في أمان في هذه المنطقة ويمشي في عملية مسألة السلام.
الصراع العربي الإسرائيلي ومنطق المهزوم
صالح بشير: المشكلة الحقيقة أننا نواجه في.. مع إسرائيل إحدى ربما أعقد المشاكل التي واجهتها أي حركة تحرر في العالم وهو التعاطي مع قوة عظمي على الأقل على صعيد المنطقة ذات عقلية وسلوك الخائف والضعيف، السلام بطبيعة الحال هو في نهاية المطاف وهذه قضية كثير من المسائل نحن العرب في نهاية المطاف مسألة ميزان القوى نحن نحتاج إلى ميزان القوى حتى نحارب وحتى نسالم وفي المنطقة العربية عموما يغيب مفهوم ميزان القوى تماما سواء لدى الحرب أو لدى السلام نقبل على الحروب دون مراعاة ميزان القوى ونقبل على السلام دون مراعاة ميزان القوى فغالبا ما نفشل في النهاية..
خالد الحروب [مقاطعاً]: أنت في الفصل الأول هذا الذي يتحدث عن تحرير السلام من الأمن، هناك تفصيل إضافي أن الأمن هذا عقدة الخوف وعقدة الحرص الهاجس الأمني الرهيب هذا عند الإسرائيليين عنده تاريخ وعنده تراكمات تاريخية وأسباب طبيعية، لو تلقي الضوء على هذه الصيرورة وما آلت إليه عندما جاؤوا إلى الشرق الأوسط والشعور بالأقلية أنهم أقلية في هذه المنطقة تتعرض إلى ربما الإبادة مثلا.
صالح بشير: الشيء الذي يجب أن نتوقف عنده ربما ليس تفهم هذا الهاجس لأنه ليس من مهمتنا أو من وظيفتنا أن نتفهم خصمًا لا يتفهمنا في نهاية المطاف ويبدي حيال قضايانا الكثير من الشطط ولا يعبأ بالتنازلات حتى الآن. الشيء هو نحاول تفكيك هذا المنطق منطق الأقلية، إسرائيل يبدو أنها تنسى بأنها في منطقة أقليات في النهاية..
خالد الحروب [مقاطعاً]: بمعني؟
صالح بشير: بمعني أنها موجودة في عندها خصومها المباشرين حولها إحداها دولة وهذه تتصرف تصرف الدولة اللي هي مصر عندما حاربت، حاربت كدولة وعندما توصلت إلى اتفاقية سلام توصلت لها كدولة وملتزمة بها كدولة، فيه منطق دولة تتعامل في هذه الحالة مع منطق. حُيِّدَت مصر ماذا بقي؟ بقي المحيط المباشر..
خالد الحروب [مقاطعاً]: سوريا الأردن لبنان..
صالح بشير [متابعاً]: سوريا الأردن كذا إلى أخره لنقول أنه بلاد الشام التاريخية، بلاد الشام التاريخية منطقة أقليات ليست الأغلبيات في كثير من الأحيان هي الحاكمة حتى تخشى إسرائيل أن يكون مآلها مآل بقية الأقليات، في هذه المنطقة غالبا تحكمها أقليات أولا وإسرائيل يجب أن تعي هذا الشيء إذا كانت جادة في السلام وتعلم أنها أقلية بين أقليات في منطقة قوامها الأقليات.
خالد الحروب: نعم نسأل برهان حول هذه المسألة مسألة عقدة الخوف والأمن ومسألة الخشية من كون إسرائيل أقلية في وسط أكثرية عربية أن هذا مآله ومستقبله ربما الإبادة أو الاندثار أو غير ذلك.
"تاريخ اليهود في أوروبا وخلال القرون الماضية زرع عندهم شعورا أكيدا بالاضطهاد والخوف وعقدة السامية" برهان غليونبرهان غليون: يعني بشكل عام الإسرائيليين هم بشر مثل البشر الآخرين وتاريخ اليهود يعني في أوروبا بشكل أساسي وخلال القرون الماضية زرع عنده شعور أكيد بالاضطهاد بالخوف وعقدة اللاسامية هي معروفة ليست شيء جديد بالنسبة لنا. وما فيه شك إنه أضيف إلى ذلك المحرقة والقتل والإبادة الجماعية اللي تعرضوا لها بالحرب العالمية الثانية عند.. تحت.. على أيد الألمان. كل هذا خلق بالتأكيد مخاوف وقلق وعند الفرد الإسرائيلي وعند اليهودي قوي جدا لكن أنا بأعتقد أنه ليس هذا هو الذي يفسر موقف إسرائيل ولا قضية السلام والحرب في المنطقة العربية، بأعتقد أنه أثيرت مسألة الخوف عند الإسرائيليين عندما تردَّد الإسرائيليون يعني باراك بشكل أساسي تراجع عن آخر مشروع لعقد صفقة سلام صفقة بين قوسين مع السوريين وقيل يومها أنه الإسرائيليين خافوا كثير وباللحظة الأخيرة رجعوا كشوا أو ما قبلوا بالسلام، أنا بأعتقد إنه هذا يستخدم فقط للتغطية على حقيقة أساسية هي إنه العرب نفسهم أظهروا أنهم عاجزين عن أنهم بالعكس يكونوا يخوفوا إسرائيل. يعني أنا برأيي العكس هو الصحيح إنه الإسرائيليين في لحظة من اللحظات ما شعروا إنه هيضحوا لأنه خايفين على أمنهم.
خالد الحروب [مقاطعاً]: ليست هناك عقدة خوف هناك عقدة استرخاء.
برهان [متابعاً]: شعروا بأنه بيحسوا بيأخذوا الأراضي ويبقوا بالمستوطنات ويستولوا الضفة الغربية ويأخذوا الجولان بدون ما يكون فيه تهديد كبير جدا أو مخاطر كبيرة من الطرف العربي لأنه الطرف العربي ظهر إنه مفكك نهائيا وغير قادر على المبادرة، بأعتقد هذا أهم واستخدم بعدين للتغطية على تراجع الإسرائيليين عن أي مشروع سلام، أنا بأعتقد إنه المشكلة الحقيقية هي موجودة بعنصرين بس عشان انتهي تفكك العالم العربي أمام إسرائيل وهذا لازم نعترف فيه، تفكك الجبهة العربية أمام إسرائيل اللي أعطى الإسرائيليين الشعور إنه ما فيه مجال للخوف مش إنه نحن خايفين ما فيه مجال الخوف والنقطة الثانية الدعم غير المشروط من قبل الولايات المتحدة الأميركية بشرط أساسي لكن أيضا الأوروبيين للسياسات الإسرائيلية وعدم تجنب أي أوروبي على أرضه.
محارق اليهود وشرعية الدولة اليهودية
خالد الحروب: نعم ذكرت برهان أشرت إلى المحرقة وهذه هي الفصل الثاني هنا وفيه تركيز عليها في الكتاب مهم وأستاذ صالح تقول إنه بالفصل هذا عولمة المحرقة أو كسر الاحتكار اليهودي لها، أنه هناك فيه دعوة أنه هذه المحرقة كارثة إنسانية يجب أن لا تحصر في الجانب اليهودي وما استتبع عنها يجب أيضا أن ينظر له من زاوية أوسع ماذا تقصدان؟
صالح بشير: من زاوية أوسع خصوصا أن المحرقة كان لها ضحية، اليهود يهود أوروبا وليس يهود إسرائيل لأنه في البداية يهود إسرائيل لم يكونوا عابئين بما كان يجري في أوروبا. ودخلت المحرقة في السجل الإسرائيلي مؤخرًا يعني في الستينات المهم فهناك ضحيتان للمحرقة الضحية الأولى طبعا هي يهود أوروبا والضحية الثانية هي الشعب الفلسطيني الذي حُلَّت المشكلة اليهودية على حسابه، ففي تقديري بهذا المعنى أنه لا يجب أن تحتكر قصة محرقة اليهوديين إضافة إلى بعدها الإنساني الأكيد هي في بعدها الفلسطيني المحرقة جزء من التاريخ الفلسطيني أو أصبحت جزء من التاريخ الفلسطيني بمأساوية تكاد تساوي مأسويتها لدى اليهود لأنها.
خالد الحروب [مقاطعاً]: نعم نقطة أخرى أخ صالح مهمة في هذا الفصل هناك ربط أو هناك تفكيك للربط المشتهر في الأدبيات العربية والثقافة العربية بين المحرقة وقيام دولة إسرائيل وأننا بإنكار حدوث المحرقة فإننا ننفي الشرعية عن إسرائيل فهناك نوع من دائما النفي العربي شبه التقليدي لحدوث المحرقة حتى لا نبرر قيام دولة إسرائيل؟
صالح بشير: هذه القصة تذكر كثيرا وكما تفضلت أنت نفسك قبل شوية قبل ما ندخل على هنا على الأستوديو تذكر كثيرا بقصة الإعجاز العلمي في القرآن، المقصود أيش المقصود إنه يجيبوا نظرية علمية دعاة الإعجاز العلمي في القرآن ويبحثون لها عمَّا يمكن أن يكون إرهاص بها أو تعبير عنها أو كذا إلى أخره في النصوص المقدسة المعروف أنه النظريات العلمية فرضيات حتى تلك التي تعتبر راسخة فالمشكلة أنك تعرض الحق.. تعرض المطلق يحاكمه النسبي فأنت إيش تعمل لما تتبين أنه النظرية تجاوزت وكذا وإلى أخره..
خالد الحروب [مقاطعاً]: يعني إذاً المحرقة ثبت أنها قامت..
صالح بشير [متابعاً]: فإذا المحرقة ثبت أنها قامت إيش نعمل نعتبر إيش نعتبر أنه إسرائيل صارت لها شرعية وهذه الفكرة استعرتها منك للأمانة يعني..
خالد الحروب [مقاطعاً]: أستاذ دكتور برهان هذه المسألة..
برهان غليون [متابعاً]: صحيح أنه الرأي العام العربي بشكل عام ميَّال لأنه ينفي المحرقة ميَّال ما معناتها ما فيه ناس واعيين وعارفين إلى أخره لكن ما بأعتقد أنه هذا الميل نابع من يعني تشكيك بما حدث أو نابع من تأييد للألمان في عمليتهم أو نابع من كره لليهود بشكل أساسي يعني كره لا سامي مثل ما بنقول باللغة الحديثة إنما هو نابع باعتقادي من الاستخدام السياسي اللي اعترف فيه بعض ناس كثير غير عرب على كل حال لمسألة المحرقة في السياسية العربية الإسرائيلية في الصراع العربي الإسرائيلي بمعنى أنه الإسرائيليين والدولة الإسرائيلية والخطاب الرسمي الإسرائيلي يستخدم تاريخ المأساوي للشعب اليهودي في ألمانيا وفي أوروبا من أجل أن يبرر ويضفي شرعية على مذابح وسياسات عدوانية وعنصرية ومعادية للفلسطينيين، فرَد الفعل الطبيعي أنه ليس هناك ضحية تبرر ضحية أخرى يعني هم يريدوا أن يحتكروا هكذا يشعروا الرأي العام العربي يحتكروا رمزية الضحية ليمنعوا استخدامها من قِبل الضحايا ضحاياهم أيضا الذين هم الفلسطينيون والعرب إلى حد كبير فبأعتقد هناك صراع ليس على تأكيد وجود الحدث أم لا، ما بأعتقد حد بينكر لكن هناك صراع على شرعية استخدام المحرقة من أجل جعل إسرائيل ضحية وبالتالي جعل سياستها فوق القانون وفوق الأخلاق وهذا ما حصل بالفعل الإسرائيليين يستخدمون المحرقة أو جزء كبير منهم من السياسيين ليضعوا سياساتهم فوق أي نقد وهو شيء طبيعي..
خالد الحروب [مقاطعاً]: بعد توقف قصير أستاذ صالح سوف أسألك عن محور الدولة الأم لأنه هذا أيضا تحليل مهم في سبب الهزيمة أمام إسرائيل مشاهدي الكرام نتواصل معكم بعد هذا الفاصل القصير.
[فاصل إعلاني]
خالد الحروب: مشاهدي الكرام مرحبا بكم مرة ثانية نواصل معكم نقاش كتاب اليوم تصدع المشرق العربي.. السلام الدامي في العراق وفلسطين من تأليف حازم صاغية وصالح بشير، أستاذ صالح توقفنا عند مسألة الدولة.. مركزية فكرة الدولة الأمة وفشل قيامها بشكل قوي وسبب ذلك أو مساهمة ذلك في الهزيمة أمام إسرائيل.
صالح بشير: قبل تناول هذا الموضوع أود إضافة صغيرة حول مسألة المحرقة.. المحرقة يعني احتكار المحرقة لليهود أو احتكار اليهود للمحرقة واعتبارها الجريمة الأقصى هو أقصى درجات الإبادة أو أقصى أنواع الإبادة لأنه ضحية الضحية المطلقة لا وجود لها، إذا كان اليهود هم اليهود هم الضحية المطلقة فهذا بمثابة إبادة أكثر من سياسية وأكثر من جسدية للشعب الفلسطيني هي إبادة رمزية والإبادات الرمزية هي الأقوى فلهذا السبب لابد من كسر هذا الاحتكار اليهودي للمحرقة ومن تحويل المحرقة إلى تراث بشري وتراث فلسطيني بالدرجة الأولى.
خالد الحروب [مقاطعاً]: وتراث لا يستخدم ولا يبرر.
صالح بشير: بالعكس هو تراث هذا هو ادعاء اليهود ادعاء احتكارهم للمحرقة هو أقوى ما يمكن أن يحاسبوا به في تصرفاتهم حيال الفلسطينيين.
خالد الحروب: نعم خليني أنتقل إلى محور الدولة حتى لا يدركنا الوقت محور الدولة..
صالح بشير [مقاطعاً]: ننتقل إلى محور الدولة هذا الموضوع المحرقة كثير ما رأينا ما كان محل جدل محل جدل عند العرب ومع الأسف لم يتناول كما يجب..
صالح بشير [متابعاً]: ننتقل إلى محور الدولة هذا الموضوع محرقة كثير ما كان محل جدل في العرب..
خالد الحروب [مقاطعاً]: في الكتاب في الفصل..
صالح بشير: ومع الأسف لم يتناول كما يجب..
العرب والفشل في تأسيس دولة أمة
خالد الحروب:في الفصل الثالث والرابع هناك حديث طبعا عن أسباب الهزيمة أن الدول العربية في مرحلة ما بعد استعمار وفي مرحلة ما بعد العثمانية أيضا لم تستطع أن تنشئ دول يعني (Nation State) دولة أمة مقابل الكيان الإسرائيلي القائم والمحدَّث والمتبني للحداثة سياسيا.
صالح بشير: هو طبعا عندنا سلطات لا دول هذا من مواضيع..
خالد الحروب [مقاطعاً]:عندنا سلطات لا دول.
صالح بشير: لا دول والسلطة ليست بالضرورة دولة ليست لها وظائف الدولة ولا مهام الدولة ولا عقلانية الدولة كمعبِّر كعقل جماعي إن صح التعبير يمثل الجموع نحن لدينا سلطات هذا شيء قديم عندنا ربما لأننا تاريخيا لم نحل مشكلة العنف مجتمعاتنا لم تحل مشكلة العنف أي العنف مَن يتولى العنف، فغالبا ما ذهبت إلى تكليف طرف خارجي بها مثلا أنه كلفت في التاريخ الإسلامي كلفت بإدارة العنف الرسمي جماعات مثلا انكشاريين الجيش.. الأتراك أيام الدولة العباسية فكانت المجتمعات هذه لم تواجه مشكلة العنف وضعتها بين قوسين وكلَّفت بها قوى خارجة عن المجتمع أوكلت أمرها إلى قوى خارجة عن المجتمع وهذا الشيء هذا بهذا المعنى العسكر الذين حكموا المنطقة العربية ليسوا من الحداثة في شيء لأنهم يمثلون ذلك الطرف البراني..
خالد الحروب [مقاطعاً]: بين مزدوجين إنما لم ينشئوا دولة.
صالح بشير [متابعاً]: الذي ليس له من الحداثة إلا شكل، يؤبد هذه المبارزة فنحن لم تظهر عندنا دول. عفوا ظهر عندنا تباشير دول في المناطق التي ووجهت بالاستعمار بشكل مباشر.
خالد الحروب: دعنا نسأل دكتور برهان حول هذه المسألة لأنها أيضا ملحة في الأدبيات العربية إسرائيل دولة حديثة ناشئة نحن واجهناها بالطائفة بالقبيلة بالعائلة بالفكر العشوائي وليس دولة كدولة بنيان كبنيان.
برهان غليون: يعني يبدو لي أن هذه فكرة أساسية بالكتاب كل الكتاب موجه حول تفسير حتى تاريخ العربي الحديث حول فكرة الدولة الأمة فشل العرب في تكوين دولة أمة مش العرب ككل كجماعة كلية يعني كجميع العرب وإنما فشل العرب في كل بلد في كل قطر فشلوا في إقامة دولة أمة دولة مواطنين خلينا نقول، أول سبب في تفسير إخفاقات كثيرة بالتنمية وبالديمقراطية وبالخطر الإسرائيلي إلى أخره.
خالد الحروب: إلى أي حد هذا التحليل فيما خص الكتاب طرح الكتاب بالهزيمة أمام إسرائيل بالفشل أمام المشروع الصهيوني عدم قيام الدولة الأمة في المنطقة المحيطة هو حتى أيضا يذكر الكتاب أنه في فلسطين لم يكن هناك كمشروع دولة أمة بالمعنى الحقيقي أثناء أو قبل قيام دولة إسرائيل فلذلك الفلسطينيون قاتلوا المشروع الصهيوني ليس للاستقلال بقدر ما هو للجهاد مثلا أو لأجل القتال..
برهان غليون: تمام يعني بالتالي أنه بيفكروا أن الفكرة السائدة بالكتاب أنه ما زلنا اقرب إلى مجموعات الطوائف والعشائر والعصبيات منها إلى مفهوم الدولة نظمنا الأساسية هكذا أنا بأعتقد أنه مش فقط كلمة مبالغة لكن فيه عدم تحليل جدي لديناميكية تكوين الدول نفسها، السؤال هو مش حققنا دولة أمة ولا لا السؤال هو لماذا لم ننجح بالفعل في تحقيق الدولة الأمة؟ في أن يكون.. ما هو السياق التاريخي والسياق السياسي والسياق الاجتماعي والسياق الجيبولوتيكي اللي خلانا أن ننتقل للشيء اللي أنا سميته مش اللي عدم وجود دولة أمة سميته االدولة ضد الأمة لأنه تخلق دول حديثة وأنا هنا بأختلف لأنه بأعتقد أنه نشأت دول حديثة يعني كأجهزة كهياكل حديثة لكن تنشأ في معاداة للأمة ولقهر الأمة أكثر مما تنشأ للتعبير عن إرادة الأفراد كأفراد في مجتمع واحد وجماعة واحدة، الآن السبب هو الشيء اللي بيتجنبه الكتاب يذكر بيتجنب ذكره الكتاب هو الشيء اللي يسموه اليوم علماء الاجتماع ما بعد الاستعمار يعني الاستعمار أعاد تكوين المجتمعات بشكل ما، الاستعمار ما قصة وجود جيش أجنبي في بلد إعادة بناء لهيكلة العالم كله وهيكلة الأفكار وهيكلة القوى السياسية العشائرية الجديدة هي الجزء اللي عندنا نحن جزء من النظام الاستعماري هي مش قبل النظام الاستعماري هي اللي أعاد إنتاجها النظام الاستعماري وربط بالدولة الحديثة.
الطائفية في العراق صناعة أميركية
خالد الحروب: في الفصلين أو تقريبا الثلاثة تتحدث عن المسألة العراقية لفت انتباهي هنا مثلا في صفحة 138 تقولون أنه قد يقال بحق أن التدخل الأميركي في العراق أنه حاول تسريع مثلا تسريع المسألة العراقية الجمود التكلس اللي الموجود هذا فهذا سرَّعها لكن هذا التسريع، التسريع الثوري بين قوسين قد يكون أسوأ من التدرج قد يسأل سائل يعني نحن نعيش هذا التدرج من ستين عام ولم يحدث أي شيء وهذا التسريع اللي حصل أحدث تغيّر حقيقي في العالم العربي على الرغم بالمرارات التي تجرعناها جميعا لكن فيه تغيير.
صالح بشير: لا هذا هو.. هذا ليس التغيير المرجو يعني أول شيء أنه تم اجتياز القوانين الدولية فيما يخص قضية العراق اللي هي أساس التي إلى أن يأتي ما يقارب ذلك الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الحيزة الدولية وإلا اختلط الحابل بالنابل ثاني شيء التجربة العراقية دلت حتى الآن على أنه وهنا قد أتفق مع برهان على أنه بصدد إعادة اختراع الطائفية في العراق. الشيء الذي نجح فيه الاحتلال الأميركي حتى الآن أنه وهذه الانتخابات التي أجريت ورُحِّب بها على أساس أنها إقبال شعبي منقطع النظير دلت على شيء واحد دلت على ولادة طائفية سياسية جديدة معبأة بهذه الطريقة عبَّرت عن نفسها بقوة هذا معطى أساسي لا يجب أن يُنكر ولا يجب أيضا أن يذم..
خالد الحروب [مقاطعاً]: نسأل برهان عن هذا، معلش نسأل برهان عن هذا التحليل في المسألة العراقية خاصة في هذه النقطة لأنها مطروحة الآن حاليا كما يطرحها الكتاب أن التدخل الأميركي يضر أكثر مما ينفع ربما هناك عراقيون كثر يقولون العكس أن هذا التدخل أفاد العراقيين والآن فيه ديمقراطية وانتخابات مهما كانت مثلا منتقصة.
"الكتاب يقول الرأي العام العربي كان ضد التدخل الأميركي في العراق وبينما العراقيين كانوا أقرب لقبول هذا التدخل" برهان غليونبرهان غليون: هذا اللي بيقوله الكتاب على كل حال نحن الرأي العام العربي بيقول الكتاب الرأي العام العربي كان ضد التدخل الأميركي في العراق بمجمل وبينما العراقيين كانوا أقرب لقبول هذا التدخل وبالتالي حاول أن يُفهم ليه كيف ممكن أنه الرأي العام يكون معادي والناس معنيين مباشرة يكونوا مع.. وفكرة حلوة يعني النقاش، النقاش فيه أنا بأعتقد هاي نقطة إيجابية بالكتاب الآن أنا بأعتقد إنه ما يحصل في العراق هو تعبير بالفعل عن الشيء اللي بيسموه إعادة التشكيل ما بعد الاستعماري للدول يعني شو معنى بأي معنى كلمة ما بعد استعماري مفهوم مهم، مفهوم مهم بمعنى إنه لا يزال حتى الآن الدول لا تزال الشعوب الصغيرة والضعيفة مثل الشعوب العربية ليست هي التي تصنع تاريخها يعني ليست هي أوروبا وليست هي الولايات المتحدة الأميركية وإنما تاريخها يُصنع من قِبل ديناميكيات صراع خارجي مش ضروري يكون فيه احتلال قوات احتلال ديناميات الصراع والتنافس بين الشرق والغرب بين الكتلة الشرقية والغربية بالماضي واليوم بين الأوروبيين والأميركان وأحيانا حتى بين الأوروبيين، نحن موضوع لإعادة التشكيل المستمر والعراق واضح إنه موضوع إعادة التشكيل طبعا يساهم فيه السكان المحليين بشكل أو بآخر وحسب ما يُسمح لهم أن يساهموا به يعني ما من قبيل الصدفة بالفعل إنه الأميركيين وقت اللي دخلوا بالعراق عملوا مجلس انتقالي سموه حسب الطوائف ما سموه حسب الاتجاهات السياسية ما سموه حسب الكفاءات المهنية مثلا ممثلين عن النقابات ممثلين عن العمال عن الفلاحين عن الطبقة، بس أخذوا بعين الاعتبار وبالتالي أعادوا زرع الديناميكية الطائفية بالبلاد على أساس إنه ممكن طبعا من خلالها يسيطروا على الوضع فأنا بأعتقد إنه العراق مثل ما نحن عم نشوف اليوم ببقية البلدان العربية العامل الخارجي لا يزال عامل حاسم وأساسي في إعادة تشكيل الحياة السياسية في العراق.
خالد الحروب: شكرا برهان وشكرا أستاذ صالح وشكرا لكم أيضا مشاهدي الكرام على مرافقتكم لنا جليس هذا اليوم الذي كان كتاب تصدع المشرق العربي.. السلام الدامي في العراق وفلسطين من تأليف حازم صاغي وصالح بشير وأشكر صالح بشير ضيفنا في الأستوديو هنا الباحث والكاتب التونسي المقيم في إيطاليا كما أشكر الأستاذ الدكتور برهان غليون أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون بباريس وإلى أن نلقاكم الأسبوع المقبل هذه تحية مني خالد الحروب ودمتم بألف خير.

dimanche, avril 17, 2005

التغيير الديمقراطي ودور المثقفين

عندما ورث بشار الأسد السلطة عن أبيه كنت أعتقد اعتقادا راسخا وهو ما كررته مرارا في مقابلاتي ومقالاتي بأن الخيار الوحيد الناجع للحفاظ على الأمن والاستقرار في سورية وتجنب المواجهات الداخلية والخارجية التي تهدد استقلالها وتسيء إلى موقفها الاستراتيجي تجاه إسرائيل وتضمن بالمقابل مكانتها ومصالحها الوطنية على الصعيد الدولي والإقليمي هو العمل السريع على خطين متوازيين.الأول تحقيق الانسحاب السريع لسورية من المعارك الخارجية التي ارتبطت باستراتيجية مواجهة دولية وإقليمية انتهى عصرها ووصلت إلى طريق مسدود، وفي مقدمة ذلك الانسحاب الطوعي من لبنان والكف عن الضغط على السلطة الفلسطينية والتلاعب ببعض القوى المتطرفة الاسلامية وغير الاسلامية لأغراض السياسة الخارجية والتركيز، بالعكس من ذلك كله، على إعادة بناء العلاقات السورية الإقليمية على أسس جديدة ايجابية قائمة على قاعدة توازن المصالح والندية والاحترام المتبادل.
وكان اتفاق أضنة الذي وقعته دمشق مع تركيا في نهاية التسعينات يشكل في نظري برهانا قاطعا على ما يمكن لسورية أن تقطفه من عوائد نتيجة تغيير أسلوبها السياسي، مع العلم أنها لم تقبل بتغيير سياستها في هذه الحالة إلا تحت الضغط والتهديد العلني بالحرب والاجتياح.والثاني خط التفكيك المنظم والطوعي لنظام الحزب الواحد والحكم المطلق - الذي تحول في سورية إلى قدر لا راد له بينما صار استمراره مصدر مهانة يومية لشعب كامل - وفتح الحقل السياسي في سبيل إعادة بناء علاقات السلطة مع الشعب وملء الفراغ السياسي والفكري والأخلاقي الهائل الذي تركته عقود طويلة من السيطرة الآلية إن لم نقل الوحشية على المجتمع وحلت فيه جميع العرى المادية والمعنوية.
وكانت مراهنتي في ذلك على ما قيل في ذلك الوقت عن الانفتاح الذي وصف به فكر الرئيس الجديد وبشكل خاص على ما يتمتع به، وهو ابن الرئيس حافظ الأسد، من أهلية لا يمكن لأحد أن يشكك فيها في تغيير السياسات السابقة وتجاوز إرث والده السياسي من دون أن يجرؤ أحد على اتهامه بالخروج على الخط أو بالعداء لأفكار الحقبة السابقة وقيمها. بل لقد قلت بأن انخراطه الجدي في هذا التغيير هو وحده ما كان من الممكن أن يضفي على عملية توريث السلطة نوعا من الشرعية.
بيد أن ما حصل كان معاكسا تماما لما كان منتظرا لسوء الحظ. فبدل إسراع العهد الجديد بمراجعة استراتيجية سورية الوطنية والإقليمية والدولية وإعادة صوغ خياراتها وأهدافها في اتجاه مزيد من التحرر من أعبائها الخارجية ومتعلقات المعارك والحروب السابقة السلبية في اتجاه التركيز على إعادة بناء الداخل وتعزيزه تبنت السلطة الخيار المباين تماما واعتقدت أن أفضل وسيلة لقطع الطريق على المخاطر المنظورة وغير المنظورة القادمة هي التكور على النفس والعمل على تجديد شباب أسس السيطرة الشاملة الداخلية والإقليمية، أي العودة إلى سياسات التحكم الأمني الدقيق بحركة الأحداث اليومية داخل سورية والتثبت على سياسة تعزيز المواقع السورية الخارجية بالمزيد من القوة والإكراه. وهذا ما حولها بسرعة، من العراق إلى فلسطين ثم إلى لبنان، إلى فخ وقع فيه النظام السوري بكامل عدته فأصبح ينتظر قرار الدول الأجنبية بشأنه بعد أن كان يقرر أو يعتقد أن بإمكانه أن يقرر في مصير المجتمعات والقوى ومناطق النفوذ الإقليمية.لا أعتقد أن هناك مخرجا للنظام من الشرك الذي وضع نفسه فيه. ولن تتركه القوى الدولية منذ الآن يسترجع أنفاسه لحظة واحدة ولكنها سوف تستمر في تكثيف الضغوط المتنوعة، العسكرية والسياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية المتواصلة عليه في انتظار أن يتصدع من تلقاء نفسه وينهار. ولن تفيد أعمال التفجير التي تتكرر في لبنان، كائنا من كان المسؤول عنها، إلا في تقديم ذرائع إضافية للقوى الدولية حتى تطور موجة العداء والمقاومة وتضييق الخناق على النظام الأمني السوري اللبناني. إنها تعلن عن نهاية معركة أكثر مما تعكس إرادة قوة متجددة أو تعبر عن إرهاصات حرب جديدة.
لا أعتقد كذلك أن بإمكان النظام، مهما ارتفعت النداءات والمطالبات والاستغاثات الداخلية، القيام بأي إصلاح يجنبه المصير المحتوم أو يضمن إنقاذه. ولا يمكن عمل شيء سوى تفكيكه بشكل طوعي لإقامة نظام آخر في مكانه يضمن لبعض عناصره البقاء والاندراج في مسار سياسي جديد أو انتظار انهياره وتفكيكه من قبل قوى أخرى داخلية أو خارجية ولصالحها. وأعني بالنظام أسلوب الحكم الراهن والتوازنات التي يستند إليها والقوى التي يخدمها والغايات التي يسعى إليها معا. وليست الأخطاء الاستراتيجية والسياسية القاتلة التي ارتكبها في السنوات الماضية إلا التعبير عن الطريق المسدود الذي يجد نفسه فيه، وما كان من الممكن أن لا يرتكبها مهما حصل عليه من إرشادات وما أسدي له من نصائح في الداخل والخارج. فهو مدان بسبب وضعه وخياراته الأساسية بخوض حروب خاسرة وبارتكاب أخطاء فوق أخطاء.
ليس هذا مطمئنا بأي حال. فالمخاطر كبيرة بالفعل وعديدة. ولن يكون الانتقال نحو نظام ديمقراطي لا في سورية ولا في لبنان مفروشا بالورود. والسؤال: هل يمكن للقوى المحلية أن تكون شريكا في الانتصار أم أن سقوط النظام سوف يكرس أيضا، وهذا ليس بمستبعد، فراغ القوة المحلية التي خلقها هو نفسه من حوله وبالتالي الهيمنة الخارجية المباشرة أو غير المباشرة، عن طريق القوى المرتبطة بها، عسكرية كانت أم مدنية ؟ في نظري أن كل الاحتمالات مفتوحة. وليس هناك طريق آخر لتفكيك النظام بأقل خسائر ممكنة سوى السعي بجميع الوسائل لايجاد حلفاء للقوى الديمقراطية من داخل النظام. وهم موجودون بالفعل لكن ما يمنعهم من التعبير عن أنفسهم هو الخوف المتأصل فيهم والرعب الذي لا يزال النظام قادرا على بثه في قلوبهم وقلوب القطاعات الواسعة من الرأي العام. ومن المتوقع أن يزول هذا الرعب تدريجا مع الزلزال الذي ضرب مفهو السلطة الأمنية ونمط السيطرة التي فرضته في لبنان بصورة مروعة وما أدى إليه ذلك من انكشاف النظام وتزايد عدد القوى الداخلية والإقليمية التي كانت مضطرة للخضوع له وعزمها على إظهار مناهضتها لسياساته وسعيها للتفاهم من حوله. لكن قبل ذلك وشرط ذلك أيضا أن تخرج القوى الديمقراطية السورية نفسها من قمقمها وأن تظهر ثقة أكبر بنفسها وتتجاوز حالة الشك والتردد والاتكال والعجز التي تكبلها حتى تستطيع أن تفرض حضورها بقوة أمام الرأي العام الداخلي والخارجي وتضمن المشاركة في معركة تقرير مصير مجتمعها.في الوقت الراهن، لا يستطيع أحد أن يحسم في الأسلوب الذي سيتم به تفكيك النظام أو انهياره، بأي وسائل ومن قبل من ولصالح من. فليس هناك من يستطيع أن يقرر بالضبط أو يتنبأ بقرار اللاعبين العديدين المعلنين والمحتملين الذين سيثير شهيتهم ضعف النظام وتفكك أوصاله بما في ذلك قوى موجودة داخل النظام. وإذا أصر الأمريكيون كما هو واضح اليوم على تكبيله بالعقوبات والحملات الإعلامية والسياسية وانهائه لصالحهم فليس لدى أي قوى أخرى داخلية أو خارجية، وفي مقدمة ذلك المعارضة السورية، القدرة على الحيلولة دون ذلك. إنما تستطيع المعارضة الديمقراطية ومن واجبها أن لا تشارك في هذه الوليمة ولا أن تغطي عليها. أعني أن تظل ملتزمة بالخيار الديمقراطي والدفاع عن السيادة الشعبية في مواجهة أي سلطة قد يفرزها التحلل الحتمي للنظام.
وبالمثل لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما سيحصل في المستقبل. هل ستعرف سورية وضعا شبيها بما حصل في العراق أو كما حصل في لبنان. فالأمر يتوقف على عوامل عديدة في مقدمها حركة الرأي العام السوري الذي لا يمكن لأحد توقع رد فعله على الأحداث القادمة وعلى طبيعة هذه الأحداث التي ستحسم في أمر النظام. كما لا نعرف بعد بالضبط ما ذا سيكون عليه التوافق الأمريكي الأوروبي بشأن المصير السوري. وهل يضطر الاوروبيون تحت تأثير السياسات السورية إلى الاصطفاف وراء الخيار الأمريكي الهجومي. هذه أمور لم تحسم بعد. إن ما حسم هو وقف التعامل الدولي مع النظام. ومن المحتمل أن تتجه السياسات الدولية بشكل أكبر في القريب نحو عزل النظام واعتباره نظاما شاذا خارجا على المألوف وربما على القانون. وعلى الأغلب سيكون المخرج السوري بعيدا عن المثالين العراقي واللبناني معا، أي تصدعا للنظام يفرز قوى انقلابية ذاتية تواكبها تحركات شعبية قوية تفتح طريق التغيير بإنهاء حكم حزب البعث الاسمي وتعترف بالتعددية السياسية قبل أن تسعى إلى إعادة السيطرة هي نفسها على الوضع.
أما في ما يتعلق بطبيعة العلاقات التي ستنشأ أو يمكن أن تنشأ بين سورية ولبنان في المستقبل فالأمر مرهون بطبيعة النظم التي ستستقر فيهما. ولن تقوم علاقات ثابتة ومستقرة وايجابية تساهم في تصفية ذيول الحقبة القاسية السابقة وبناء علاقات مثمرة تخدم مصالح الشعبين إلا مع ترسخ نظم ديمقراطية حقيقية تعكس إرادة الشعبين وتضمن الوسائل المؤسسية السليمة لتضامنهما وتعاونهما. وهذا يتطلب أيضا العمل من قبل الديمقراطيين اللبنانيين والسوريين على نشر ثقافة ديمقراطية فعلا تستبعد العنصرية والتكبيل بالتهم التاريخية كما تستبعد النزعات الوطنية الشوفيينية المضرة بأصحابها قبل أعدائها.
لكن حتى نصل إلى هذا الطور سيتوجب علينا خوض معارك طويلة وصعبة في سورية ولبنان معا، ليس في مواجهة نظم الاستبداد والأمن ومساوئها فحسب ولكن أكثر من ذلك ضد الجهل والتحيز والتعصب والخوف والتشوه في الوعي عند الرأي العام والفرد الذي تعلم رفض المسؤولية والاستقالة الأخلاقية والسياسية واستمرأ الأنانية والتعلق الدنيء بالمصالح الفردية والعائلية على حساب الجماعة الوطنية في سورية ولبنان معا. وهي معركة قاسية وطويلة، معركة الثقافة والسياسة العربيتين في الوقت نفسه.وفي النتيجة، إن كل الظروف تجتمع كي لا يكون في إمكان المثقفين ولا القوى الديمقراطية تغيير النظام أو وراثته. ولقد فعل أصحابه كل ما أمكنهم فعله كي يوصلوا البلاد إلى معادلة الاختيار المستحيل: بين الطغيان والتحالف مع الاستعمار، اعتقادا بأن الجمهور الواسع سيختارهم في النهاية. والحال إن عكس ذلك هو ما سوف يحصل.
لا يمكن للمثقفين الديمقراطيين القبول بأي من الخيارين كما لا يمكنهم الوقوف متفجرجين على ما يحصل لمجتمعهم وشعبهم. إن التسارع الكبير في الأحداث يستدعي منهم الانخراط بقوة في معركة التغيير والسعي للعب دور توجيهي فيه يحد من تأثير القوى الاستعمارية والانتهازية والوصولية التي ستركب الموجة لا محالة ويدفع في اتجاه تقدم حظوظ الخيار الديمقراطي البديل. وهو ما يتطلب العمل الجماعي الشاق على طريق إعادة بناء المجتمع، أي الثقافة والقوة المنظمة، التي لا تجعل من الخيار الديمقراطي الوطني خيارا ممكنا فحسب ولكن راهنا أيضا. أما التحالف مع الطغيان أو الاستعمار فلن يقطع الطريق على هذا الخيار الديمقراطي فحسب ولكنه سوف يلغيه أيضا. ذلك أن بناءه من حيث هو خيار شعبي ووطني لا يتحقق ، في سورية والعالم العربي المهدد بالسيطرة الأجنبية، إلا في الصراع المرير ضد هذا التوأم البغيض والمتضامن معا، أعني توأم الطغيان والاستعمار، وانتصاره لا يتم إلا بهزيمتهم
ملحق النهار17 نيسان 2005

mercredi, avril 13, 2005

محنة الديمقراطية العربية بين حلم الإمبراطورية ووهم الاستقلال

الاتحاد 12 أبريل 2005
بالرغم مما أخذ يشوب خطاب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وبقية أعضاء الإدارة الأميركية
بخصوص مسألة دفع الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير والعالم العربي بشكل خاص من نبرة رسالية، بل ربما بسبب هذه النبرة المتصاعدة بالذات تطرح المسألة الديمقراطية عند الرأي العام العربي أسئلة كبيرة وعديدة لم تتبلور أي إجابة عنها بعد. من هذه الأسئلة وأكبرها ما يتعلق بموقف الدول الأطلسية الأوروبية والأميركية العميق وحقيقة التزامها بالتحولات الديمقراطية العربية. فما الذي يبرر مثلا الاعتقاد بأن بث الديمقراطية في البلاد العربية يشكل خيارا نهائيا للولايات المتحدة لا تعبيرا سطحيا عن التقاء ظرفي للمصالح نابع من رغبة واشنطن في تحسين صورتها كقوة هيمنية جديدة طامحة إلى خلافة المنظومة الإقليمية العربية والعروبية معا؟... أو من شعور عميق عند الأميركيين والأوروبيين عموما بأن ما حققوه من نفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة من العالم عن طريق فرض أنظمة أمنية تحكم بالقوة المجردة والتنكر للقانون لن يستطيعوا الحفاظ عليه من دون تغيير سياساتهم والرهان منذ الآن، حتى لا تغرق سفينتهم مع النظم الاستبدادية المنهارة، على شعار الديمقراطية والقوى التي تنضوي تحت رايتها؟ وكيف سيتصرف الأطلسيون والأميركيون على رأسهم في المستقبل إذا حصل أن أتت نتائج الاقتراع الديمقراطي لتعزز السير في طريق لا يخدم المصالح الأطلسية؟ وإلى أي حد يمكن أن تشكل النظم الديمقراطية إطارا مناسبا يتفق مع هذه المصالح أو يساعد على التوفيق بينها وبين المصالح الوطنية للعرب عامة؟ ثم إلى أي حد يمكن تصور نشوء ديمقراطية عربية مستقلة وربما متناقضة في توجهاتها العامة مع متطلبات نفوذ القوى الأطلسية في المنطقة؟ ومن جهة أخرى، وفي ما يتعلق بوجهة النظر العربية، هل ينبغي لنا أن نرفض التحولات الديمقراطية لأنها قد تؤدي إلى تراجع مواقعنا الاستراتيجية وزيادة فرص تدخل الدول الأجنبية؟ ثم أليس من مصلحتنا أن نتعاون مع الدول الكبرى الطامحة إلى الهيمنة على المنطقة العربية ونيل قسط أكبر من الحريات الفردية وربما من الفرص لتحقيق التنمية الاقتصادية والتحكم بشكل أفضل بمصير أوطاننا القطرية بدلا من الوقوف ضدها وربما خسارة جميع الرهانات العربية؟ وهل لا يزال من المشروع بل من الممكن الدفاع عن النظم الاستبدادية أو تبرير التعاون معها تأكيدا لاستمرار روح المقاومة حتى لو كان ذلك على مستوى الخطاب والحفاظ على قيم الوطنية العربية الأساسية؟ هذه هي الأسئلة التي يتوجب علينا اليوم جميعا الإجابة عنها في المعركة الدائرة اليوم حول إعادة بناء الشرق الأوسط ومستقبل التحولات التي سيشهدها في السنوات القادمة.
ما حصل ولا يزال يحصل في لبنان ما بعد اغتيال الحريري، وما حصل ولا يزال يحصل أيضا في العراق قبل انتخابات 31 فبراير وبعدها يقدم صورة واضحة عن الانقسام العميق الذي يعيشه الوعي والمجتمع العربيان في مواجهة هذه الاختيارات الصعبة والمؤلمة معا. وهو من النوع الذي لم يطرح ربما في أي منطقة في العالم تعيش كما تعيش مجتمعاتنا العربية مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية. مما يجعل من غير المفيد بالفعل مقارنة ما يجري في بلادنا مع ما عاشته أو تعيشه بعض بلدان أوروبا الشرقية الطامحة إلى ملاقاة الدول الغربية على طريق الديمقراطية والاندماج السياسي والتوجهات الثقافية معا.
ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن السمات الخاصة التي تميز هذه المنطقة وتجعل منها منطقة استراتيجية من الدرجة الأولى، تقضي بأن لا تأتي الديمقراطية هنا إلا في مناخ القطيعة والشك والتمزق، فهي تأتي بالفعل على أنقاض نظام الحركة القومية العربية الذي ولد من صراعات نهاية الحرب الثانية وتبلور حلم الاستقلالات العربية. وهذا ما يجعل من معركة الديمقراطية في البلاد العربية معركة طويلة ومعقدة معا. لا ينبغي أن نأمل بتحقيق أي تقدم راسخ وثابت على صعيد تحقيق برنامج التحولات الديمقراطية من دون أن ننجح مسبقا في الدمج الخلاق بين قيم الديمقراطية وقيم الوطنية، وهو التحدي الرئيسي الذي يتوقف على مواجهته نجاح مشروع إعادة بناء أو تأسيس الوطنية العربية التي دمرتها سنوات طويلة من الاستبداد وضياع الأحلام القومية والاحتراب بين قوى المجتمعات وقيمها الأساسية.من هنا من المفيد أن نسمع أصوات الموالاة وهي تشير إلى السياق الجيوسياسي الدولي والإقليمي الذي يفسر ولادة الوضع الجديد. فهو يساعدنا على ألا نعيش في الأوهام ولا أن نتجاهل حدود الإنجازات التي حققتها الحركة الشعبية الديمقراطية مهما كانت قوة هذه الحركة وأصالتها واستقلالها. لكن هذا لا يقلل من قيمة التحولات الجارية ولا يلغي مضمونها الديمقراطي. بل أكثر من ذلك إنه لا يشكل بأي شكل مصدرا لإعادة الشرعية لنظام القهر القائم أو يبرر استمرار تقديم الدعم له.
فالمسؤول الأول عن وضع مسألة الديمقراطية في المأزق الذي تعرفه الآن هو النظم الاستبدادية نفسها التي قطعت على المجتمعات طرق التحول السلمي والمستقبل وحرمتها من جميع الوسائل السياسية التي تسمح لها بالتعبير عن إرادتها بحرية. ينبغي أن يدفع ذلك بالعكس إلى إدانة هذه النظم.
لكن مهما كان الحال، لا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يطلب من شعب أن يقبل الخضوع إلى ما لا نهاية، باسم أي قضية كانت، بما في ذلك قضيته الوطنية، في حال كان من الممكن تصور ارتباط ضروري بين الوطنية والقهر في ظرف ما. ومهما فعلنا فلن يمكننا تأخير الانفجار والخروج على أنظمة قمعية فقدت مبرر وجودها بالدرجة الأولى لأنها أظهرت عجزا متزايدا عن الرد على متطلبات المقاومة الناجعة والتصدي للاحتلال والاستعمار والهيمنة الأجنبية معا. وبقدر ما أصبحت هذه الأنظمة تساوم، هي نفسها، على برنامجها الوطني وتقوم بتقديم التنازلات الواحدة بعد الأخرى للحفاظ على مواقعها أو للبقاء في السلطة فستفقد بشكل أكبر مشروعيتها وتحول خطابها الوطني إلى عملية ابتزاز بالوطنية تتناقض مع حقيقة الممارسة اليومية. وعندما يصبح الخيار بين خضوع للسيطرة الأجنبية في إطار نظام قهري يعمل لحساب أقلية اجتماعية ضئيلة وخضوع للسيطرة ذاتها في إطار نظام تعددي يفتح أفق التحولات السياسية والاجتماعية الداخلية هو الخيار الوحيد القائم فسيكون من الأسهل على المجتمعات الاتجاه نحو الخيار الثاني. ولا يعني ذلك ولا يمكن أن يعني التفاهم أو القبول بالسيطرة الأجنبية ولكن استخدام ثغراتها من أجل الإطاحة بها واستعادة السيادة الوطنية.
الاتحاد 13 أبريل

jeudi, avril 07, 2005

الديمقراطية وإعادة بناء الوطنية العربية


يشكل المسرح السياسي اللبناني الراهن مختبرا متقدما لمستقبل التحولات السياسية القادمة في عموم المنطقة العربية. وكما عبرت المظاهرات العديدة والمتكررة التي ارتبطت بالاحتجاج على اغتيال الحريري، في ما وراء المطالبة بتفكيك نظام السيطرة الأمنية السورية اللبنانية وانسحاب القوت السورية من لبنان، عن قوة الحوافز التي تدفع إلى طريق الديمقراطية بما تعنيه من سيادة قيم المواطنية واحترام الحريات الفردية والأمن الشخصي والمشاركة السياسية وسيطرة دولة القانون عند الشعوب العربية، عبرت المظاهرة الضخمة التي قادها حزب الله، في ما وراء التعبير عن الوفاء لسورية والتمسك بسلاح المقاومة اللبنانية، عن المخاوف المشروعة عند قطاعات واسعة من الرأي العام العربي من التفريط بالقيم القومية والوطنية التي حركت الشعوب العربية لعقود طويلة بعد الاستقلال ولا تزال تشكل بالنسبة لقطاعات واسعة منها رصيدا قويا ومصدرا لا يمكن التنكر له للمشروعية السياسية. لكن الدرس الأكبر لهذا التنافس المتزايد بين حركة ديمقراطية تركز على قيم الحرية عموما وحركة وطنية تركز على قيم القومية أساسا - بما تعنيه من تأكيد على الهوية والخصوصية ووشائج القربى والتضامن العربية - هو حالة الانقسام العميق الذي يعيشها الرأي العام العربي، بسبب ما يبدو من تعارض لا يمكن تجاوزه بين متطلبات تطبيق برنامج الديمقراطية الذي يتلاقى اليوم مع برنامج الهيمنة الغربية ومتطلبات الاستمرار في المقاومة الوطنية الذي يبدو أيضا وكأنه مرتبط ولو ظرفيا بالتمسك بالنظم الاستبدادية والدفاع عن خياراتها السياسية والاستراتيجية. وهذا يعني أن الوعي العربي التاريخي الراهن يعيش في حالة تراجيدية مهما كانت طبيعة القيم الرئيسية التي يركز عليها هذا القطاع أو ذاك. بل هو يعني أكثر من ذلك أن التعارضات التي قادت إلى تفكك الوطنية العربية وانحلالها على المستوى الجماعي الإقليمي وعلى مستوى كل قطر عربي على حدة لا تزال قائمة كما كانت من قبل، إن لم نقل قد تعمقت أكثر من أي حقبة أخرى سابقة.
فكما عاش الوعي العربي محنة وضع السياسات القومية في مواجهة القيم الديمقراطية وبناء وطنية تستلهم نظم الشمولية وقيمها الاستبدادية في العقود الثلاثة الماضية التي أعقبت الاستقلال، يعيش الوعي العربي اليوم محنة وضع الخيارات الديمقراطية في مواجهة حدية مع قيم الوطنية واختياراتها الأساسية، سواء ما تعلق بمفهوم السيادة الوطنية أو الاستقلال عن الدول الأجنبية أو التضامن بين الدول العربية أو العداء للامبريالية والصهيونية أو التمسك بالخصوصية الثقافية والحضارية. ومن الممكن أن يقود هذا الفصام بين قيم الديمقراطية وقيم الهوية إذا استمر من دون حل إلى وضع الديمقراطية الوليدة اليوم في العالم العربي في طريق مسدود، تماما كما قاد وضع القيم الوطنية في مواجهة قيم الديمقراطية في الماضي الحركة الوطنية العربية على المستوى الاقليمي وداخل كل قطر إلى طريق مسدود عزلها تماما عن العالم وفصل أنظمتها عن أي قاعدة اجتماعية وجعلها تعتمد على قوى الزبائنية والمساندة الأجنبية فحسب وحول النخب الوطنية نفسها إلى حامل للهيمنة الأجنبية والتبعية.
يطرح هذا الوضع بالتأكيد مسألة كبيرة جدا على التحولات الديمقراطية العربية الجارية والقادمة، بل ربما طرح السؤال والتحدي الأعظمين. فليس هناك مهرب من الاعتراف اليوم بأن استعادة الحرية في العالم العربي قد ارتبطت أو هي في طريقها لأن ترتبط بعودة الهيمنة الأجنبية على المستوى الإقليمي وبالتالي بتراجع مواقع النظام العربي الإقليمي أو ما بقي من ذكراه الماضية. ولا يمكن لمثل هذا الوضع إلا أن يثير قلقلا عميقا عند قطاعات واسعة من الرأي العام العربي ويدفع جزءا كبيرا منه إلى اتخاذ موقف الممانعة أو على الأقل موقفا سلبيا مما يجري. وهو ما يجعل من الديمقراطية قضية إشكالية أيضا في الواقع العربي المعاصر. ومما يفاقم من هذه المشكلة أن الدول الأجنبية التي تقف اليوم وراء مشروع الديمقراطية أو تستخدم شعارها كي تستعيد مواقعها الاستراتيجية قد لعبت دورا أساسيا ولا تزال في تثبيت ركائز الحكم المطلق منذ عقود طويلة في العديد من بقاع العالم العربي وفي جميع بلدانه في ربع القرن الأخير على الأقل. وهي المسؤولة بشكل رئيسي أيضا عن خلق النزاع العربي الاسرائيلي ورعايته وتقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي كي تستمر اسرائيل في إنكار حقوق الشعب الفلسطيني وفي احتلال الأراضي العربية. بل أكثر من ذلك، إن هذه القوى نفسها التي تريد أن تستعيد مواقعها من خلف ثورة الحرية التي تحبل بها الشعوب العربية لا تخفي إرادتها في تفكيك العالم العربي وتكريس تذرره فحسب ولكنها لا تخفي أيضا إرادتها في أن تفرض عليه الاندراج في إطار هوية شرق أوسطية تلغي وشائج القربى العميقة بين أطرافه في سبيل تحجيم الدول العربية جميعا ودمج اسرائيل وتمكينها من السيطرة على مقدرات الأمور الإقليمية.
كل هذا يحول دون المطابقة بين ما يحدث في لبنان وما حدث من قبل في دول أوروبة الوسطى أو في أوكرانيا حيث لم يكن هناك انفصال ممكن بين متطلبات الدفاع عن المصالح الاستراتيجية العليا ومتطلبات معانقة رياح الحرية. ولذلك لم يكن للدعم الذي قدمته ولا تزال تقدمه الدول الأوروبية والأمريكية للثورات السياسية الديمقراطية التي تجرى في البلقان أو في أوكرانيا المضمون ذاته الذي يتخذه مثل هذا الدعم في البلاد العربية. فلا يوجد هناك أي استحقاقات سياسية أو استراتيجية بين شعوب البلقان وشعوب أوروبة وأمريكا يمكن أن يجعل من التعاون بينهما على تغيير النظم القائمة صفقة خاسرة تعزز مجموعة من القيم السياسية ضد مجموعة أخرى. بل بالعكس إن الالتقاء مع تيار الحرية السياسية الجارف يتماشى تماما هنا مع الاندماج في الجماعة الأوروبية والتحول إلى عضو أصيل فيها، أي إلى المشاركة في السيادة العالمية.
أما بالنسبة للشعوب العربية فإن الدعم الذي تحظى به أو تطمح إلى أن تتلقاه الحركة الديمقراطية من التحالف الأوروأمريكي يبدو وكأنه الثمن للتنازل عما بقي في بلدانها من أوهام هذه السيادة والاستقلال. فهو يندرج في مشروع أشمل لا يكاد ينفي نواياه في إعادة تركيب المنطقة الشرق أوسطية حسب حاجات الهيمنة الأمريكية والأطلسية عموما سواء ما ارتبط منها بالسيطرة المباشرة على موارد استراتيجية عربية في مقدمها النفط أو بوضع اليد على كل ما يتعلق بالترتيبات الجيوسياسية والجيوستراتيجية الإقليمية في سبيل ضمان هذه السيطرة واستخدامها في حرب الهيمنة العالمية أو أخيرا بالحفاظ على أمن إسرائيل وتوطينها في المنطقة من منطلق تلبية طموحاتها في الحفاظ على علاقة القوة والتفوق الاستراتيجي على جميع البلدان العربية وربما الاسلامية. ولا يمكن تحقيق مثل هذا البرنامج الأمبرطوري الأمريكي من دون التضحية بالبرنامج الوطني العربي، أي من دون القضاء على طموح السيادة والاستقلال وتأكيد هوية مشتركة تفتح آفاق تعاون متميز بين بلدانهم يسمح لهم بتجاوز حالة البلقنة والانقسام ويخلق فرص التنمية والتقدم والأمن الإقليمي في مواجهة مشاريع الهيمنة الاسرائيلية والخارجية عموما ويمكنهم من بناء ما يشبه اتحادا قوميا قريبا مما عرفته الهند أو روسيا الاتحادية أو الصين يتماشى وصورتهم عن حضارتهم وموقع هذه الحضارة بالفعل في الثقافة العالمية. فالسيطرة على منابع النفط وتأمين إسرائيل وتمكينها في المنطقة والتخلي عن الحلم العربي الذي يعني الإقرار بأولوية الهوية العربية الثقافية والسياسية في إقليم الشرق الأوسط هي في الواقع الأهداف الثلاثة اليوم إن لم نقل الشروط الرئيسية لموافقة التحالف الأوروأمريكي على حصول تحولات ديمقراطية، بالضرورة وبالتأكيد جزئية، في البلاد العربية.
وبالرغم من الطابع الرسالي الذي بدأت تأخذه مسألة الحرية والانتقال إلى الديمقراطية في خطاب رئيس الدولة الأعظم، الولايات المتحدة، وربما بسبب ذلك أيضا لا تزال هناك أسئلة كثيرة مطروحة حول حقيقية التزام القوى الغربية بمسيرة التحول الديمقراطي في البلاد العربية. فهل هناك بالفعل ما يبرر الاعتقاد بأن بث الديمقراطية في البلاد العربية يشكل خيارا نهائيا للولايات المتحدة أم أنه يعبر عن التقاء ظرفي للمصالح نابع من رغبة واشنطن في تحسين صورتها كقوة هيمنية جديدة طامحة إلى خلافة المنظومة الإقليمية العربية والعروبية معا؟ وما ذا سيكون عليه الوضع إذا كانت نتائج الاقتراع الديمقراطي لغير صالح الهيمنة الأجنبية؟ وفي اتجاه آخر، هل تخدم التحولات الديمقراطية بالضرورة مصالح الهيمنة الأجنبية وتساعد على استقرار نفوذ الدول الأوروبية في البلاد العرية وبالتالي هناك استحالة في فصل الديمقراطية العربية عن هذه الهيمنة أم أن من الممكن تصور ديمقراطية عربية مستقلة ومختلفة مع المخططات الأطلسية؟ لكن، أيضا، هل ينبغي أن نرفض التحولات الديمقراطية لأنها قد تؤدي إلى تراجع مواقعنا الاستراتيجية أم نقبل بوقف الممانعة وأن نتعاون مع الدول الكبرى الطامحة إلى الهيمنة على المنطقة العربية لنيل قسط أكبر من الحريات الفردية وربما من الفرص لتحقيق التنمية الاقتصادية والتحكم بشكل أفضل بمصير أوطاننا القطرية؟ وبالعكس، هل لا يزال من المشروع بل من الممكن الدفاع عن النظم الاستبدادية أو التعاون معها طالما كانت لا تزال تمثل ولو على مستوى الخطاب قيم الوطنية العربية الأساسية المرتبطة ببناء الهوية الثقافية والسياسية العربية الواحدة والمستقلة وربما على أمل أن تستعيد هذه النظم زمام المبادرة وتعيد ترتيب أوضاعها بما يمكنها من إعادة الاعتبار لمشروع القوة العربية؟ هذه هي الأسئلة التي يتوجب علينا اليوم جميعا الإجابة عنها في مواجهة ما تخبؤه الأيام القادمة من المواجهات العنيفة على ساحة المشرق العربي والتي يتوقف عليها تحديد موقع كل واحد منا في المعركة الدائرة اليوم حول إعادة بناء الشرق الأوسط ومستقبل التحولات التي سيشهدها في السنوات القادمة.
لكن هل هناك فعلا اختيار؟
من الواضح أن السمات الخاصة التي تميز المنطقة العربية وتجعل منها منطقة استراتيجية من الدرجة الاولى، بل مركز بناء استراتيجية الهيمنة الدولية للعقود القليلة القادمة، تقضي بأن لا تأتي الديمقراطية هنا إلا في مناخ القطيعة والشك والتمزق وأحيانا الخيانة للذات. ومن المحتم أن تكون معركة الديمقراطية في البلاد العربية طويلة ومعقدة معا. ولن نستطيع الحديث عن انتصار الديمقراطية إلا عندما ننجح في التوفيق بين القيم الديمقراطية المستمدة من مفهوم السيادة الشعبية المرتكز على احترام حرية كل فرد وتمكينه من المشاركة في تقرير المصير الجمعي والقيم المرتبطة بمفهوم السيادة الوطنية الذي يضمن أن لا تكون ممارسة هذه الحريات على حساب التخلي عن الحقوق الجماعية الكبرى، وفي مقدمها الاستقلال واسترجاع الأراضي المحتلة وبالنسبة للبلاد العربية تحقيق الحلم العربي النبيل والمشروع في بناء اتحاد يضم جميع أو معظم الدول العربية ويسمح للثقافة وللهوية العربيتين بالاستقرار والازدهار في إطار من الأمن والسلام والتفاهم العالمي. وهذا يعني أنه لا ينبغي أن نأمل بتحقيق أي تقدم راسخ وثابت على صعيد تحقيق برنامج التحولات الديمقراطية بما يتضمنه من قيم احترام الفرد وحرياته وحقوقه الأساسية أو على صعيد تحقيق برنامج الدفاع عن المصالح الجماعية العربية والبعيدة المدى وما تعنيه من الحفاظ على الاستقلال والسيادة والحقوق الوطنية من دون أن ننجح مسبقا في الدمج الخلاق بين قيم الديمقراطية وقيم الوطنية، وهو التحدي الرئيسي الذي يتوقف على مواجهته نجاح مشروع إعادة بناء أو تأسيس الوطنية العربية التي دمرتها سنوات طويلة من الاستبداد وضياع الأحلام القومية والاحتراب بين قوى المجتمعات وقيمها الأساسية.

الجزيرة نت 7 أبريل 05

mercredi, avril 06, 2005

سورية في مواجهة العالم : أين الخطأ

الوطن6 مارس 2004
عاش نظام الأسد على عوائد سياساته الإقليمية والدولية أكثر بكثير مما استند إليه من مصادر قوة داخلية. بيد أن الدور الإقليمي السوري قد بدأ يتراجع ومعه العوائد المادية والمعنوية التي ارتبطت به منذ بداية التسعينات من القرن الماضي مع زوال الحرب الباردة من جهة والإنهاء المأساوي للمواجهة العسكرية العربية الاسرائيلية بخروج مصر من المعركة وتوقيعها على اتفاقيات كمب ديفيد من جهة ثانية. وكان على النظام الأسدي أن يعيد تدوير نفسه وأن يجد مخارج للأزمة الحقيقية التي واجهته. وهو ما قام به بالفعل بنجاح منذ بداية التسعينات من القرن العشرين عندما قبل المشاركة بقوات التحالف الدولي لغزو العراق (1991) والدخول في مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية التي أطلقها مؤتمر مدريد للسلام. وكان المغزى الحقيقي لهذا التوجه الجديد هو تجاوز الاستراتيجية القديمة التي كانت تراهن على استثمار التناقضات الدولية والإقليمية والاستفادة منها لبناء قوة مستقلة أو توازن استراتيجي مع إسرائيل نحو القبول بالتعاون إن لم يكن بالاصطفاف وراء الاستراتيجية الوحيدة الصاعدة في المنطقة، وهي الاستراتيجية الأمريكية الأطلسية. وقد برهن هذا التغيير السريع نسبيا في خيارات السياسة السورية على قدرة كبيرة على التكيف مع الوضع الجديد الذي نشأ على أثر زوال حقبة الحرب الباردة. ولم يعن هذا التغيير شيئا في الواقع سوى التخلي عن السياسات القديمة التي أقام عليها النظام هيبته في الداخل والخارج، أي استتباع القوى العربية الصغيرة المجاورة لبناء مركز قوة محلية وتحقيق أكبر إجماع عربي وإقليمي ممكن وراء سورية يمكنها من استعادة أراضيها المحتلة بالطرق العسكرية أو السياسية. وقد ترافق هذا التحول عن مذهب إرادة السيطرة في السياسة الخارجية السورية مع انفراج داخلي كبير منذ عام 1995 عبر عن نفسه بانسحاب قوى الأمن من مواقع تمركزها الكثيفة والمتعددة داخل المدن السورية ووقف عمليات الملاحقة والاعتقال خلال تلك الفترة وبدء إطلاق سراح المئات من المعتقلين السياسيين وتقديم بعضهم إلى المحاكمة بعد قضاء مدة سجن طويلة من دون تهم قانونية.
لكن انعدام التجربة والمزايدات وصراعات القوى المتناحرة دفعت بالنظام كما هو واضح منذ تولي بشار الأسد السلطة إلى العمل بعكس هذا الاتجاه تماما. فمن جهة حاول النظام بجميع ما يملك من وسائل الحفاظ على ما أطلق عليه اسم دور سورية الإقليمي، أي حقها في التدخل في شؤون المجتمعات والبلدان الأخرى المحيطة من دون أن يدرك ما يعنيه ذلك بالنسبة للهيمنة الأمريكية الصاعدة وللشعوب التي أخضعت طويلا بالخوف مع وجود فرص جديدة للتحرر والانعتاق. ومن جهة ثانية اعتقد النظام أن بإمكانه، عن طريق التلويح أو التلميح ببعض مظاهر الانفتاح، أن يكسب ولاء الرأي العام السوري أو أن يعيد تجديد هذا الولاء له مقابل بعض الإصلاحات الشكلية والتزينية. والواقع أن العهد الجديد قد زج بنفسه من دون أن يدري في مواجهتين لم تهدآ ولن يمكن تهدئتهما بعد ذلك أبدا: أعني المواجهة مع الاستراتيجية الأمريكية الصاعدة في المنطقة التي اتخذت منحى عدوانيا خطيرا بعد أحداث 11 سبتمبر والمواجهة مع روح التحرر المتنامية في سورية ولبنان معا تحت تأثير الشعور العميق والصحيح بتراجع مواقع النظام ونشوء توازن قوة إقليمي يخلق فرصا جديدة. وقد نجح خصوم النظام الخارجيين منذ تصويت مجلس الأمن على قرار 1559 بعد تصويت الكونغرس الأمريكي على قانون محاسبة سورية وسيادة لبنان على عزل سورية وتضييق الخناق على نظامها وحشره في زاوية ضيقة. لكن التخبط الذي أظهرته السلطة السورية في ردها على هذين القرارين الخطيرين قد قذفا بها، أكثر من ذلك، في رمال متحركة جعلت أي مقاومة لها أو أي محاولة للخروج من الورطة مناسبة لدفعها بشكل أكبر نحو الأسفل. باختصار لقد وقعت السياسة السورية في شرك الحفاظ على نمط السيطرة الداخلية والإقليمية القديم الذي بنى عليه النظام قوته في مرحلة سابقة في الوقت الذي أصبح الدفاع عنه مستحيلا بعد أن زالت منابع القوة والشروط التي ضمنت تراكمها في السابق والأهداف التي كانت تضفي عليها المشروعية ولم يعد من الممكن استرجاعها.
لقد كان لوفاة حافظ الأسد الذي كان يمسك وحده بأسرار عمل النظام الذي بناه في هذه المرحلة بالذات أثر كبير على إضاعة السياسة السورية بوصلتها وتهورها في خيارات سياسية غير قادرة على السيطرة على نتائجها. فلم يكن ورثته على القدر نفسه من معرفة الحقيقة الاستراتيجية لسورية. وبدل أن يتابعوا ما بدأه عندما وقع مع أنقرة على اتفاقية أضنة فاتحا باب التخلي التدريجي عما يسمى بالدور الإقليمي أي عن سياسة القوة للتأقلم مع الواقع الجيوسياسي الجديد، سعوا بالعكس إلى تحويل هذا الدور إلى أساس لتكوين ما يشبه الامبرطورية السورية. ولعل حاجة الرئيس الشاب إلى تأكيد قوته ونفوذه في عالم السياسة السورية الذي جاء من خارجه جعلت الانسحاب من السياسة التوسعية القديمة يبدو في نظره وكأنه تصفية للمكاسب الاستراتيجية السورية وبالتالي علامة ضعف. كما أن الأجهزة الأمنية والعسكرية التي حررتها وفاة الأسد الأب من عقدة الخضوع والارتهان للسياسة العليا وعززت لديها الشعور بأنها المؤتمنة الوحيدة على النظام وتراثه قد وجدت في الدفاع عن السياسة التوسعية مصدر شرعية وحيدة لاستمرارها في فرض وصايتها التقليدية على المجتمع وفي ماوراء ذلك في الحفاظ على امتيازاتها ومكاسبها الاستثنائية في سورية ولبنان معا.
ومن سوء طالع العهد الجديد أن محاولة تجديد قوة النظام السوري قد جاءت في الفترة نفسها التي بدأت تبرز فيها نزعات الهيمنة الامبرطورية الأمريكية في العالم واختيارها المنطقة المشرقية للرد على أحداث 11 سبتمبر 2001 وحسم مسألة السيطرة الأمبرطورية العالمية وتأكيدها. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة لن تكتفي منذ الآن من الدول العربية بتقديم يد العون لها في تحقيق مهمات خاصة ولكنها أصبحت تريد منها التعاون الكامل في إعادة ترتيب وضع المنطقة، بما في ذلك إنهاء النزاع العربي الاسرائيلي لصالح تل أبيب.
كان الخيار الوحيد الناجع للحفاظ على الأمن والاستقرار في سورية وتجنب المواجهات الداخلية والخارجية التي تهدد استقلالها وتسيء إلى موقفها الاستراتيجي تجاه إسرائيل وتضمن بالمقابل مكانتها ومصالحها الوطنية على الصعيد الدولي والإقليمي هو العمل السريع على خطين متوازيين. الأول تحقيق الانسحاب السريع لسورية من المعارك الخارجية التي ارتبطت باستراتيجية مواجهة دولية وإقليمية انتهى عصرها ووصلت إلى طريق مسدود، وفي مقدمة ذلك الانسحاب الطوعي من لبنان والكف عن الضغط على السلطة الفلسطينية كما تم التخلي منذ نهاية التسعينات عن أوهام الضغط العسكري من خلال القوى الكردية المسلحة على تركيا، والتركيز، بالعكس من ذلك كله، على إعادة بناء العلاقات السورية الإقليمية على أسس جديدة ايجابية. والثاني هو خط التفكيك المنظم والطوعي لنظام الحزب الواحد والحكم المطلق الذي كاد يتحول إلى قدر أبدي وفتح الحقل السياسي في سبيل إعادة بناء علاقات السلطة مع الشعب وملء الفراغ السياسي والفكري والأخلاقي الهائل الذي تركته عقود طويلة من السيطرة الآلية إن لم نقل الوحشية على المجتمع وحلت فيه جميع العرى المادية والمعنوية.
وكانت المراهنة في ذلك على ما قيل في ذلك الوقت عن الانفتاح الذي وصف به فكر الرئيس الجديد وبشكل خاص على ما يتمتع به، وهو ابن الرئيس حافظ الأسد، من شرعية لا يمكن لأحد أن يشكك فيها في تغيير السياسات السابقة وتجاوز إرث والده السياسي من دون أن يجرؤ أحد على اتهامه بالخروج على الخط أو بالعداء لأفكار الحقبة السابقة وقيمها. بيد أن ما حصل هو العكس تماما لسوء الحظ. فبدل إسراع العهد الجديد بمراجعة استراتيجية سورية الوطنية والإقليمية والدولية وإعادة صوغ خياراتها وأهدافها في اتجاه مزيد من التحرر من أعبائها الخارجية والتركيز على إعادة بناء الداخل وتعزيزه تبنت السلطة الخيار المعاكس تماما واعتقدت أن أفضل وسيلة لقطع الطريق على المخاطر المنظورة وغير المنظورة القادمة هي التكور على النفس والعمل على تجديد أسس السيطرة الشاملة الداخلية والإقليمية، أي العودة إلى سياسات التحكم الأمني الدقيق بحركة الأحداث اليومية داخل سورية والتثبت على سياسة ترسيخ المواقع السورية الخارجية، التي سوف تتحول وقد تحولت بالفعل إلى فخ وقع فيه النظام السوري بكامل عدته فأصبح ينتظر قرار الدول الأجنبية بشأنه بعد أن كان يقرر أو يعتقد أن بإمكانه أن يقرر في مصير المجتمعات والقوى ومناطق النفوذ الإقليمية.

mardi, avril 05, 2005

La crise syro-libanaise

Paris, le 5 mars 2005
Entretien avec Burhan Ghalioun

Claire Moucharafieh
PLP

Q : Coalition communautaire et remobilisation des seigneurs de guerre pour les uns, phénomène à l’ukrainienne et émergence d’une citoyenneté nouvelle en actes pour les autres, comment interprétez-vous le « mouvement » et cette rue libanaise qui ne désemplit depuis maintenant 3 semaines ?
C’est avant tout un ras le bol gigantesque contre une gestion sécuritaire qui a duré trop longtemps et qui a réussi à s’aliéner jusque y compris les alliés du système. N’oublions pas que Joumblatt et même Hariri étaient les alliés des Syriens et du gouvernement libanais.
Les Syriens n’ont pas compris la nécessité de faire bouger ce système ni au Liban ni d’ailleurs chez eux et de réduire ce contrôle preque « primitif » des appareils de sécurité sur une population mais surtout sur une classe politique.
Les choses ont commencé à se détériorer depuis les dernières élections (municipales) de mai dernier. Alors que tout le monde attendait que ce scrutin se déroule un peu autrement et que les Syriens laissent davantage d’autonomie aux Libanais – suite à moults concertations – les services syriens sont abondamment intervenus (pratiquement les Syriens ont fait les élections comme ils voulaient) . Depuis, la crise dans les relations syro-libanaises était lattente et ne demander qu’à éclatrer au grand jour.
On assiste aujourd’hui à une sorte de soulèvement à l’ukrainienne de la part à la fois des alliés des Syriens et de la population libanaise réprimée depuis trop longtemps. La société vivait dans la peur et l’intimidation, assujetit à une intervention très visible des appareils de sécurité syriens mais aussi libanais que l’on peut considérer comme des filiales, des branches des appareils syriens. Donc, il y a là un élément à l’ukrainienne, un soulèvement, un mouvement de désobéissance civile qui conteste une kyrielle de contrôle injustifiée et inacceptable.
L’expression dans la rue est pacifique et spontannée.
Le caractère le plus intéressant de ce mouvement est le dépassement de cette division et même des sensibilités confessionnelles. A tel point que certains parlent de refondation du nationalisme libanais. Ce n’est pas là mon sentiment mais à partir de là on peut repenser la refondation d’un nouveau nationalisme fondé sur le dépassement des frontières confessionnelles et d’une République démocratique sans distinction communautaro-confessionnelle.
Cet événement a montré que les Libanais peuvent aussi se comporter comme des citoyens et pas seulement comme des druzes, des maronites ou des sunnites.

Q : La communauté chiite libanaise semble être pourtant la grande absente de cette révolution de velours. Pourquoi ? Quel est l’intérêt pour le Hezbollah de lier totalement son sort à la Syrie ?

Il y a deux élements d’explication. Depuis la fin de la guerre civile libanaise, il est vrai que l’élite politique chiite s’est allié dans ses deux composantes – Hezbollah et Amal – à Damas. Par conséquent, la sortie des troupes syriennes du Liban et l’élimination de l’influence syrienne ne peuvent avoir que des répercussions directes sur la position de cette élite au sein de la classe politique libanaise.
Deuxièmement, toute modification de la carte géopolitique actuelle (et l’application de la 1559) signifient, d’après les proclamations des alliés américano-européen, le démantèlement du Hezbollah, donc de la plus grande organisation politico-militaire de cette communauté chiite. La communauté chiite est organisée et encadrée par des organisations qui sont des alliés syriens, donc tout retrait syrien réduit leur influence. Je comprend la réaction des chiites en quelque sorte parce que la nouvelle donne leur donnera beaucoup moins d’influence au sein du Liban recomposé que dans la situation actuelle. Et cela d’autant plus que Hezbollah est menacé directement par ce changement.
Il ne faut pas oublier que tout l’évolution actuelle, y compris le soulèvement civil libanais, se déroule dans le contexte de changement international et régional.

Q : Quelles peuvent être les conséquences d’une convergence – objective – des intérêts de l’opposition libanaise – elle même marquée par son hétéroclisme même en terme de projet - et des puissances occidentales ?

Dans cet acte (ou position) de négation du contrôle syrien sur le Liban, il y a unité des différentes composantes de l’opposition libanaise. Mais au-delà de cet acte négatif en quelque sorte, que les divergences idéologico-politiques n’apparaissent réellement. Ce qui fait peur c’est qu’au sein de cette opposition, il y a des composantes qui ont toujours opté pour des positions soit absolument anti-syriennes soit anti-arabe etc. Ce n’est rassurant en ce qui concerne l’avenir de ce mouvement, sauf si par un élan nationaliste réel les conditions de fondation d’une nouvelle République deviennent possibles sur le principe de la laïcité.
Je ne crois que cela va se produire mais j’appelle de mes vœux cette évolution : profiter de cette conjoncture pour pouvoir capitaliser et aller de l’avant dans la réalisation d’un régime démocratique au Liban.
Evidemment, il n’y a pas de point commun entre la Gauche démocratique par exemple et le général Aoun, ou les FL, entre le PSP et Amine Gemayel etc. C’est là où le bât blesse et où il faut réfléchir pour penser l’avenir du Liban, le Liban de l’après-Syrie. Il y a beaucoup de points d’interrogations qui susbsistent et les différentes composantes de l’opposition libanaise ne semblent pas en train de réfléchir sur l’après-Syrie. D’autant plus qu’ils disent qu’ils sont tous attachés à l’accord de Taëf alors que cet accord est entièrement dépassé et correspond à une autre période historique.

Q : La responsabilité ou pas de la Syrie dans l’élimination de Hariri ne semble désormais plus être la question. Quel est le sens de cette page d’histoire –immédiate- qui se tourne sous nos yeux ?

On assiste aujourd’hui au démantèlement total d’un système régional dominé par une hégémonie arabiste. Ce système était lui-même le résultat de tout un ensemble de mouvements de libération nationale arabes qui ont tous échoué, depuis, aussi bien sur le plan du développement, de l’unification et du dépassement de ce morcellement du monde arabe.
On vit en réalité un moment de démantèlement, d’échec, et le retour à un système colonial – nouvelle manière. A partir de mainternant, l’avenir de la région pour quelques années, peut-être pendant quelques décennies sera décidée par l’alliance euro-américaine. Le Moyen-Orient est en train d’être placée sous une tutelle américaine, euroépenne et éventuellement israélienne.
Mais si on est en train de basculer c’est aussi parce que ces régimes arabes qui sont la dégénérescence des mouvements nationalistes arabes ne sont plus capables de faire face aux défis qu’affrontent ce monde arabe, ni sur le plan stratégique, ni économique, ni politique, ni culturel ; ils sont coupés de leurs peuples. Cette dégénérescence explique le triomphe des Américains et des Européens, dont les politiques sont pleines de contradictions et d’atrocités (comme on le voit en Irak ou en Palestine) mais qui marquent des points contre les populations/peuples arabes car ces peuples sont vraiment dirigés des groupes de plus en plus autonomisés et atomisés et rassemblent plus à des mafias qu’à des classes politiques et des Etats.

Q : Les SR syriens ont menacé de détruire le Liban –« il ne restera plus une pierre »- Quelle est leur capacité de nuisance ? De manière plus générale le régime en place à Damas est-il encore capable d’une stratégie, ou tout au moins d’une rationalité ?

Les appareils de sécurité syriens ont effectivement encore beaucoup de moyens d’agir. Ils ont la capacité de semer le désordre et d’organiser des opérations de sabotage si la décision politique est celle-ci. Mais le régime syrien n’a pas intérêt, sur le plan stratégique, à aller dans ce sens car il sera balayé. N’a-t-il pas été accusé de l’assassinat de Hariri avant même l’ouverture d’une enquête ? Donc, toute action allant dans le sens du sabotage sera interprêtée comme une nouvelle provocation pour la nouvelle alliance euro-américaine dans la région.
Ceci étant les services de renseignements et de sécurité syriens n’ont pas d’autonomie propre tout simplement car ils sont au cœur du système en Syrie. Il n’y a pas un pouvoir central qui manipule ou qui dirige ou ordonne les appareils ; ce sont les appareils qui se sont emparées du pouvoir central et qui mènent le jeu. En leur sein, il y a bien sûr des courants divergents, des contradictions, des lectures différentes – parfois opposées - de la situation actuelle locale et régionale, mais il n’existe pas d’organes qui pourraient obliger ces appareils à agir selon une autre politique. Le contenu et la forme du pouvoir syrien ce sont les services de renseignements : c’est la reproduction du contrôle de l’ensemble de ses services sur l’ensemble de la société syrienne et de la société libanaise. Le départ des troupes syriennes est avant tout une défaite de ces appareils, ce qui risque d’être ressenti très profondément et d’avoir des répercussions en Syrie même.
La structure du pouvoir est telle en Syrie que ceux qui règnent sont incapables de réfléchir – tout au moins à long terme. Depuis quelques années, le pouvoir syrien, fondé sur une alliance de quelques appareils, des militaires et des familles règnantes réagissent, réflechissent au jour le jour. Il n’a aucune vision pour l’avenir. Il peut reculer, il peut avoir des conduites rationnelles à l’échelle d’un mois, mais dans l’ensemble, comme ils sont sur une pente, ils ont tendance toujours à se comporter de manière irrationnelle ou à projeter des projets irrationnels (organiser des attentats, des opérations de sabotages, montrer leur capacité de nuire pour conclure un marché avec les nouvelles puissances régionales).
Il faut toujours réfléchir en terme de marché pour comprendre le pouvoir syrien.
(moi : il y a un ensemble de demandes américaines –comme sécuriser la frontières avec l’Irak, se débarrasser des opposants irakiens et des organisations radicales palestiniennes, désarmer le Hezbollah etc. dès lors que la Syrie y répond, les Etats-Unis ne sont-ils pas prêts à enterrer la 1559 ?
Sur Hezbollah, la Syrie n’aura rien à gérer, car s’ils quittent le Liban, ce sera du ressort du gouvernement libanais.
Il faut réfléchir à l’échelle des mois à venir : les Syriens quittent le Liban, on ne parlera plus de la résolution 1559, le Liban deviendra l’affaire libano-atlantique en quelque sorte. La référence des Libanais ne sera plus la Syrie. C’est quoi la tutelle ? Jusqu’à présent c’était la Syrie, en cas de conflits internes, de difficultés, la classe politique libanaise se tournait vers Damas et le recours se faisait par rapport aux Syriens.
D’ores et déjà les Syriens ont perdu. Même si leurs troupes ne quittent pas le Liban, ils ont perdu le contrôle sur le Liban.
Une fois que l’affaire du Liban sera réglée, ce que les Américains entendent imposer à la Syrie, ce n’est pas un changement radical des politiques intérieures. Cela ne les intéresse pas. Ils auront le Liban, une coopération sur la frontière irakienne et une coopération de la Syrie concernant la politique palestinienne d’apaisement – la nouvelle politique menée par Abou Mazen. Il n’y aura pas beaucoup de problème, ce sont les Syriens qui en auront.

Q : Que vous suggère l’appel des quelque 200 intellectuels syriens ? Au-delà de leur résonnance – notamment médiatique – à l’extérieur, cet appel a-t-il eu des échos dans la société syrienne ? ouvre-t-il de nouvelle perspectives ?

Il existe de nombreuses forces en Syrie, comme au Liban. Personne ne pensait qu’il existait des forces lattentes de soulèvement civile de cette ampleur au Liban, même une semaine avant l’élimination de Hariri. En Syrie, c’est pareil. Le régime ne convainc plus personne, ne fait plus peur depuis déjà très longtemps… Ce qui fait que les gens se taisent encore et n’agissent pas c’est qu’ils n’ont pas de représentants politiques alternatifs qui défendent une vision dans l’avenir, ils n’ont pas de perspectives. Il existe une opposition mais dans les circonstances actuelles elle n’a pas les moyens de proposer quelque chose réalisable.
A partir de ce constat, il y a l’exemple libanais, l’isolement de la Syrie au sein même du monde arabe comme à l’échelle internationale – la Syrie a perdu l’Europe, après les Etats-Unis, et maintenant c’est au tour du monde arabe, même de l’Arabie Saoudite. C’est donc un régime isolé. Or malgré leurs concessions aux Européens et aux Américains, les négociations sur le dossier du Golan n’a jamais été aussi peu à l’ordre du jour. Le vrai problème du régime et du système syrien, c’est le Golan. Il a maintenu jusqu’à présent toutes ses cartes – ce qu’on appelle le rôle régional de la Syrie – pour pouvoir l’échanger contre des négociations un peu plus équilibrées avec les Israéliens. Aujourd’hui, la Syrie est en voie d’être désarmée sur le plan stratégique et géopolitique, après l’élimination de son pôle régional, sans même avancer d’un seul pas sur la question de la récupération du Golan.
L’alliance euro-américaine marque des points alors que leur politique est pleine de contradictions et d’incohérences notamment concernant leur position à l’égard de la Syrie. Ils veulent réduire la Syrie à un néant, sans proposer la moindre solution pour restituer le Golan, ou même ouvrir des négociations sérieuses avec les Israéliens.

Q : Il y a bien un effet domino, de Bagdad à Beyrouth et de Beyrouth à Téhéran. Quel est le calendrier régional de la crise libanaise et la nature de la recomposition régionale à l’œuvre ? Les peuples en sont-ils forcément les gagnants ?

La politique ne se fait plus aujourd’hui dans le cadre national. Ce ne sont les nations ou les peuples qui disposent de la jouissance de leur autodermination ou qui déterminent leur destin.
Cette tendance lourde d’un monde interdépendant ne date pas d’aujourd’hui. Jusqu’à maintenant les systèmes despotiques se sont maintenus dans la région non seulement à cause d’un rapport de forces qui défavorise les classes populaires mais aussi parce qu’ils ont réussi à passer des pactes avec les grandes puissances et qu’ils ont été soutenus par elles. Les occidentaux ont soutenus ces régimes impotents et non démocratiques soit parce que comme dans les pays du Golfe il s’agit de territoires ultra stratégiques du fait de la présence de 70% des réserves mondiales de pétrole, soit par crainte des mouvements nationalistes, hier, et des mouvements islamistes, aujourd’hui, qui apparaissent comme des mouvements anti-occidentaux.
Le mouvement nationaliste arabe auquel les occidentaux se sont opposés de manière très féroce n’étaient pas du tout dans un système concurrentiel – comme le sont aujourd’hui les nébuleuses jihadistes internationalistes.
Mon sentiment profond est que l’alliance atlantique n’a pas pour projet une véritable démocratisation de la région et du monde arabe. Il n’y a aucun projet visant à reconnaître la souveraineté réelle des peuples. Je reste très sceptique sur cette vague de démocratisation ; les occidentaux essayent de changer de cheval de bataille : ils se sont appuyés jusqu’à maintenant pour maintenir leur influence sur des régimes despotiques, totalitaires, de non droit ; aujourd’hui ils veulent donner à leur domination un aspect beaucoup plus pluraliste et une façade démocratique, mais cela ne va pas plus loin que ça.

Ceci étant, il ne s’agit pas de dire non plus c’est une perte pour les populations arabes. Si on reconnaît même 10% des droits de ces peuples, c’est un gain incontestable.
Il demeure que nous ne pouvons pas non plus reconnaître ce système de tutelle occidentale. Il faut continuer à se battre pour arracher une souveraineté et une véritable démocratie issue d’un suffrage universel et populaire.

Q : quid de l’alliance reconfirmée entre Damas et Téhéran ? Est-ce que finalement la cible syrienne ne serait pas l’arbre qui cache la forêt, le véritable enjeu étant l’Iran, et sa capacité nucléaire en construction.

Avant de parler de l’Iran, je voudrais ajouter une remarque sur la signification de cette nouvelle donne géo-politique et géo-stratégique dans la région. Si les Euro-Américains qui n’ont pas lâché prise sur notre région disent aujourd’hui « nous voulons moins de despostisme dans la région » ce n’est pas à moi de dire « non, nous nous sommes attachés au despotisme et on ne veut aucun changement ».

Sur la question de l’Iran, il faut rappeler ce qui s’est passé il y a quelques jours et qui est très significatif. Le premier ministre syrien s’est rendu à Téhéran pour affirmer cette aliance avec l’Iran et à l’issue de sa visite il a fait une déclaration proclamant la mise en place d’un front de résistance commun. Deux heures après, le ministre des AE iranien intervient pour démentir l’information.
Les Syriens jouent leur dernière carte et mènent un combat d’arrière garde. Leur affaire est presque terminée. Ce n’est pas le cas de l’Iran : l’Iran est un grand pays, il est dans un autre contexte, et Téhéran est en traind e négocier avec intelligence leurs positions dans la région comme dans le système des nations. Il n’y a aucune comparaison entre la Syrie et l’Iran. Je n’exclus pas que les Iraniens gagnent leur bataille pour le nucléaire s’ils négocient bien, notamment avec les Européens. Depuis un an, ils manœuvrent, contournent, négocient de façon intelligente et n’ont aucun intérêt et ils le savent à se retrouver dans une logique d’affrontement avec les Américains et les Européens. Téhéran n’est nullement dans une posture d’affrontement, comme l’ont été les Syriens– très stupidement d’ailleurs qui ont précipité cet affrontement…
La cassure euro-américaine, à l’occasion de la guerre contre l’Irak, il y a un an, est dépassée. Il reste des divergences mais ce ne sont pas des contradictions profondes. En définitive, le Liban a permis de sceller de nouveau l’alliance euro-atlantique ; la Syrie en sera le prix et la victime en même temps de ce retournement, bref de ces retrouvailles euro-américaines.

Q : Les Syriens seraient-ils tentés de jouer la carte des mouvements armés palestiniens islamistes mais aussi des Brigades al-Aqsa pour tenter de régionaliser, pour désserrer l’étau autour d’eux, pour leur permettre de retrouver a minima un ancien rôle de pôle régional ? Le Hezbollah poursuit en tous cas cette politique …

Les Syriens seront tentés de rallumer ce front, de déstabiliser le pouvoir palestinien, mais ils n’auront pas le temps. Les Américains et les Européens ne leur laisseront pas le temps de réagir, car ils vont continuer à exercer des pressions sur Damas même après le retrait du Liban. Ils vont les accabler en Syrie même et réduire leurs marges de manœuvre à néant. C’est cela que le régime n’a pas encore compris puisqu’il fonctionne à très court terme, il pense qu’en gagnant du temps, quelques jours, un mois, ils peuvent renverser la vapeur. En réalité, ils sont totalement coincés.

PLP

lundi, avril 04, 2005

انتخابات ينايرالعراقية والمسألة الوطنية

الجزيرة نت 9 فبراير 2005

بالرغم من النواقص الكثيرة التي طبعت الانتخابات العراقية الأخيرة سواء في ما تعلق بمناخ الإعداد لها أو بظروف إجرائها السياسية والأمنية أو بعمليات المراقبة والإشراف الدولية المحدودة أو بغياب المرشحين أنفسهم عن حلبة النقاش الوطني وتغييبهم، من الصعب على أي محلل سياسي مع ذلك أن ينكر الأهمية أو المدلولات السياسية والرمزية التي تنطوي عليها مشاركة نسبة كبيرة من الناخبين قد تتجاوز 60 بالمئة في أول انتخابات تشريعية عراقية منذ نصف قرن. فلا شك في أن هذه المشاركة الواسعة قد عبرت عن رغبة عميقة عند غالبية العراقيين في الخروج من نفق الحرب والفوضى والعودة إلى الحالة الطبيعية، أي إلى حالة السلم الأهلي والعمل السياسي والصراع بوسائل سلمية إن لم نقل ديمقراطية تتيح لجميع الأفراد المشاركة في تقرير مصير بلادهم. وحصول ذلك في ظروف الاحتلال لا يقلل من شرعية هذا التطلع العراقي نحو العودة إلى الوضع الطبيعي ولكنه يعكس عمقه وسعة انتشاره معا. وبالمثل، لا يمس إجراء الانتخابات تحت ضغط القنابل البشرية المتفجرة وانعدام الأمن صدقية نتائجها بقدر ما يعبر عن إصرار الناخبين على المشاركة فيها. إن مشاركة قسم كبير من الناخبين وقبولهم المغامرة بأرواحهم في سبيل الإدلاء بأصواتهم من جهة وامتناع قسم آخر مهم منهم عن المشاركة وتحملهم نتائج الوقوف ضدها يعطي العملية قدرا كبيرا من الدلالات السياسية.
من هذه الدلالات المهمة أن الرأي العام العراقي منقسم بالفعل حول الاستراتيجية التي ينبغي اتباعها في تحقيق الأجندة الوطنية العراقية للحقبة الراهنة أي الجواب على المسألتين الرئيسيتين اللتين يواجههما العراق اليوم : إعادة إعمار البلاد وإخراج القوات المحتلة منه. ومن هذه الدلالات المهمة أيضا أن القسم الأكبر من الرأي العام العراقي يميل إلى أو يأخذ بأطروحة القوى التي دفعت إليها وساهمت في تنظيمها والتخطيط لها، أعني الأطروحة التي تولي الأولوية في الأجندة الوطنية العراقية لمسألة البناء الداخلي، وفي مقدمه البناء السياسي، والتي تعتقد إنطلاقا من ذلك أن من غير الممكن ولا المفيد للعراق رفع شعار إخراج قوات الاحتلال قبل تحقيق هذا البناء. بل أكثر من ذلك إن السعي لإخراج القوات الأمريكية من العراق قبل استكمال بناء مؤسساته السياسية لا بد أن يقود إلى الفوضى والاقتتال الأهلي كما صرح بذلك رئيس الدولة ورئيس الوزراء العراقيين معا. لكن هذا الاعتقاد نفسه هو الذي يفسر أيضا رفض القيادات الدينية الشيعية دعم العمليات القتالية وتحبيذها خيار المفاوضات وأساليب الضغط السياسية لتحقيق هدف الاستقلال.
فمن الواضح أن الذي يمزق العراق اليوم في مرحلة ما بعد صدام حسين وإعادة بناء العراق الجديد هو وجود جدولي أعمال لتحقيق البرنامج الوطني لا يختلفان ربما في الجوهر ولكنهما يتباينان في تحديد الأولويات. جدول الأعمال الذي تتمسك به قوى قومية وإسلامية بعضها كان على علاقة قوية بالنظام السابق وبعضها الآخر كان يشكل جزءا منه وبعضها كان يقف ضده تماما، وهو الجدول الذي يجعل من إخراج الاحتلال بالقوة المسلحة المدخل إلى أي تفكير في إعادة بناء العراق السياسي والاقتصادي والثقافي. وهو يستند إلى فكرة أساسية هي أهمية انتزاع السيادة الوطنية وحتمية الانطلاق منها لإضفاء الشرعية على أي مشروع إعادة بناء داخلي وطني. وجدول الأعمال الثاني الذي تبنته قوى عديدة محسوبة على الجماعات الشيعية والكردية وممثلة لهما والذي يقوم على الاعتقاد بأن إعادة بناء العراق السياسي ينبغي أن تبدأ منذ الآن، وهي بالتالي سابقة على طرد الاحتلال، وربما كانت مقدمة له، وبالتالي فإن تعديل الموازنة السياسية عن طريق إجراء انتخابات ديمقراطية تمثيلية هو سابق على انتزاع الاستقلال وشرط له. ويعبر جدول الأعمال هذا في الواقع بشكل واضح عن مصالح تلك الطوائف والجماعات التي تعتقد أن انقلاب الموازين الراهنة على ضوء الاحتلال الأمريكي يفتح فرصا أفضل لإعادة التوازنات الوطنية العراقية الداخلية بشكل يضمن لها موقعا ودورا كانت تفتقر إليهما في تاريخ العراق الحديث، منذ نشوئه على أرضية التفاهم بين زعماء العشائر والاحتلال البريطاني. ولا تريد هذه الجماعات أن تضحي بهذه الفرصة لصالح استراتيجية مقاومة ليس هناك أي ضمانة كي لا تفضي إلى تكريس المعادلة التاريخية التقليدية أو في أحسن الأحوال إلى النزاع الدائم. ومن هنا يبدو وكأن هناك انفصال بين أجندة وطنية وأجندة ديمقراطية تركز الأولى على طرد الاحتلال قبل أي نقاش آخر وتركز الثانية على تعديل الموازنة السياسية قبل أي حديث عن الاستقلال.
هذه حقائق السياسة العراقية اليوم. فالمقاومة المسلحة التي يراهن عليها عموما أغلب الساسة المنحدرين من المجموعة السنية والانخراط في عملية البناء السياسي الذي يراهن عليه عموما أغلب الساسة الشيعة والأكراد اليوم في العراق، هما استراتيجيتان اجتماعيتان تخفيان الصراع بين مكونات العراق السكانية على بناء صيغة أو معادلة وطنية جديدة بما تعنيه من توزيع للسلطة وتقاسم للثروة المادية والمعنوية. وكما أن أحدا لا يستطيع أن ينكر حق المجتمع السني في الدفاع ضد مخاطر التهميش السياسي والاجتماعي الذي يهدده، فلا أحد يستطيع أن ينكر أيضا حق مجتمع شيعة العراق وأكراده في تعديل صيغة دستور الحكم في العراق القادم حتى تعبر بشكل أفضل عن وزنهم وخصوصيتهم الدينية والثقافية. وهذا هو في نظري التحدي الرئيسي الذي يواجهه مشروع إعادة بناء الوطنية والوطن العراقيين أيضا. أعني القدرة على التوفيق بين مطالب السنة في تجنب التهميش المقبل الواضح ومطالب الشيعة والأكراد في تجاوز الإجحاف التاريخي ورفض الاعتراف بالوزن والخصوصية أيضا.

ومن هذا المنظور لا يبدو أن الانتخابات التي جرت في العراق في 30 يناير 2005 سوف تساهم أو يمكن أن تساهم في فتح آفاق أفضل لحل هذا النزاع الحقيقي الذي يمزق الشعب العراقي بالفعل والذي يغذي التنافس بين السنة والشيعة على تكريس معادلة قوة جديدة على طريق بناء العراق القادم، ومن وراء ذلك على طريق إرساء قواعد بناء عقد وطني عراقي جديد يعترف فيه كل طرف للطرف الآخر بحقوقه.
فمن جهة أولى كرس إجراء الانتخابات في ظروف الانقسام التي ذكرت وما سينجم عنها من تكوين برلمان تمثيلي يحظى بحد كبير من الشرعية عند قسم واسع من الشعب العراقي فوز أولوية إعادة البناء وما تعنيه من إعطاء دفعة أكبر للأولويات الشيعية والكردية. وقد عكس هذا الفوز من دون شك الوزن المتزايد للشيعة والأكراد في السياسة العراقية لحقبة ما بعد صدام كما عبر عن تقاطع المصالح بين برنامج هؤلاء من أجل تعديل الصيغة السياسية الداخلية ورغبة قوات التحالف في التغطية على أزمة الاحتلال.
لكن من جهة ثانية وضعت الانتخابات التي جرت من دون موافقة المجتمع السني وضد رأي ممثليه سنة العراق أكثر من أي فترة سابقة أمام خيارين لا ثالث لهما: الالتحاق بعملية البناء السياسي التي يقودها التآلف العراقي الشيعي الكردي الحاكم مع القبول بموقع الأقلية أو الاستمرار بل والتوسع في استخدام العنف ضد الحكومة العراقية القادمة وقوات التحالف في سبيل تعطيل عملية إعادة البناء بأكملها. وفي الحالتين تهدد الانتخابات الجديدة بدفع العراق نحو تفاقم الشرخ بين مكوناته الشيعية والسنية وبموازاة ذلك نحو احتمال تكوين دولة منفصلة ومستقلة في الشمال الكردي. وهكذا بدل أن تفتح الإنتخابات آفاق جديدة لحل مشاكل العراق يمكن أن تزيد في تعقيد الوضع واحتمالات انفجاره. وفي هذه الحالة سيكون المستفيد الأكبر منها إدارة الرئيس جورج بوش اليمينية وليس الطوائف الشيعية أو السنية أو الكردية.
الخطأ الرئيسي الذي قاد الحكومة العراقية المؤقتة وسلطات الاحتلال إلى هذا المأزق هو رفضهما مواجهة المشكلة الحقيقية، أي واقع الانقسام داخل الرأي العام حول الوضع العراقي بعد الاحتلال وتوفير وسائل العمل السياسي الضرورية والملائمة لتجاوزه كمقدمة لإجراء انتخابات تمثيلية بالفعل وشرطا لها. فبدل أن تجعلا من الانتخابات وسيلة لتكريس التفاهم بين العراقيين حولتاها إلى أداة للهرب من المشكلة وتحميل القطاعات السنية من الرأي العام ثمن هذا الانقسام ومسؤولية استمراره. باختصار ومنذ اللحظة التي رفضت فيها التفاوض والتفاهم مع الأطراف السنية جعلت الحكومة المؤقتة من الانتخابات مناسبة لإجبار طرف من الأطراف على الإذعان والالتحاق. وهكذا عوضا عن أن تأتي الانتخابات لتعبر فعلا عن جميع السكان وتكرس تفاهمهم وتبني وحدة إرادتهم استخدمت بالعكس من ذلك في سبيل نزع الشرعية عن قضية أحد الأطراف الرئيسية فيهم. وما لم تدرك الحكومة القادمة وسلطات الاحتلال معا ضرورة معالجة أسباب الأزمة الفعلية ودفع العراقيين إلى الحوار في ما بينهم في سبيل مناقشة عقد جديد يعيد بناء الوطنية العراقية على أسس قوية متوازنة، ولا يمكن أن تكون متوازنة إلا إذا قامت على مباديء إنسانية عمومية غير طائفية وغير عرقية، أي على أساس المواطنية الواحدة، مع الاعتراف بالخصوصيات المذهبية والإتنية، فلن يخرج من انتخابات يناير إلا أوضاع أكثر مأساوية من الأوضاع التي سبقتها.
لكن مسؤولية الحكومة العراقية المؤقتة وقوات الاحتلال لا ينبغي أن تخفي أيضا مسؤولية النخب العراقية السياسية والثقافية والدينية. فبسبب تجاهل الحقائق السياسية الخاصة بالجماعات المنافسة وانكفاء كل جماعة على منطق الربح المباشر واقتناص فرصة انهيار الدولة العراقية لتحقيق أقصى المكاسب الخاصة بكل جماعة، لم تكف الوطنية العراقية عن التفكك ولم تقف العلاقات بين الجماعات الدينية والأقوامية في مواكبتها عن التدهور أيضا ومعها تفاقم الشرخ داخل الجماعة الوطنية. وكما أصبح استهداف مواقع شيعية جزءا من حرب المواجهة للاحتلال عند بعض الفرق المتطرفة الدينية أصبح قبول تهميش المجتمع السني أو استسهال استبعاده، انطلاقا من تصور خاطيء عن حجم تأييده للعهد السابق، من عملية إعادة بناء الوطنية العراقية أمرا مقبولا عند قطاعات واسعة من الرأي العام العراقي. وإذا لم يضع ممثلو الرأي العام العراقي على مختلف مذاهبهم وشيعهم الدينية والثقافية حدا لهذا التدهور وما لم يسعوا بأسرع وقت لتجاوز الانقسام والتوصل إلى تفاهم يعيد تأسيس عقد الوطنية الذي يجمع بينهم ويوحد إرادتهم فلن يكون من الممكن تحقيق أي من أهداف الوطنية العراقية، لا في ما يتعلق بإقامة حياة ديمقراطية فعلية ولا في تحرير البلاد من السيطرة الأجنبية ولا في إطلاق عملية إعمار وتنمية جدية تضع العراق على سكة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والعلمية التي ينتظرها الشعب العراقي الذي حرم من مستقبله لعقود طويلة.