samedi, avril 30, 2011

قناة الآن 27ابريل 11

http://youtu.be/ryzXM881Kzw

الجزيرة الخميس 28 ابريل 11

http://youtu.be/Y-nWGRl1NKA

الخصوصية السورية

الاتحاد 4 مايو 11

كنت دائما أقول إن مشكلة النظام السوري هو أنه يفتقر إلى الحلقة الرئيسية التي تجعل من أي حكم حكما سياسيا. وكل سياسة قائمة، بعكس الحرب، على تفاعل بين أطراف يعترف كل واحد منهم بالآخر، حتى لو فرض عليه صورة مشوهة لهويته، أو تعامل معه بأقل مما هو عليه بالفعل. وكل تفاعل يفترض الأخذ والعطاء، أي حدا من المرونة لا يمكن من دونها التوصل إلى حلول سياسية، أي سلمية لا تستدعي استخدام العنف والقوة. وكل مرونة قائمة على قدر من الاستعداد للتراجع والتقدم، كما وصفها معاوية عندما تحدث عن الشعرة التي لو كانت بينه وبين الناس، أي الطرف الآخر، وبشكل خاص معارضيه في ذلك الوقت، لما انقطعت. باختصار السياسة تقدم للحكم القائم بالضرورة على هيمنة طرف على طرف آخر والتحكم بالقرار المتعلق بحياة المجموع أو المجتمع أو الشعب، استعدادات ومباديء وقواعد ومؤسسات للتوسط بين الأطراف، وللمناورة والمداورة بحيث يصل فيه كل طرف من الأطراف المتنافسة إلى أهدافه، كلها أو بعضها، من دون الاضطرار إلى استخدام القوة أو تعريض نفسه لسيف العنف. وهي تفترض قبل هذا وذاك الاعتراف بأن هناك أطرافا مختلفة، أي اعتراف الطرف السائد والحاكم بوجود الطرف الآخر، وأن له حقوقا ومصالح مشروعة، حتى لو كان هدفه إخضاعه وفرض تسويات مجحفة بحقه.

بهذا المعنى وجدت السياسة لتكون بديلا للحرب في علاقة الأطراف والجماعات والطبقات والطوائف والعشائر فيما بينها. فالحرب تعني بالتعريف تعريض حياة الأفراد والجماعات للموت وتعميم الدمار، وبالتالي لا يمكن أن تقوم حضارة ويحصل تقدم وتمدن، ما لم تتراجع قاعدة الحرب في العلاقات داخل المجتمعات وبينها، وتنشأ في مكانها علاقة سياسية أي تنازعا سلميا مقبولا ومحكوما بقواعد خاصة تستمد قوتها من سلميتها، كالضغوط المجسدة في التجمعات والتظاهرات والبيانات والمهرجانات، هدفها التفاوض الرسمي أو الضمني، والتفاعل للوصول إلى التسويات التي تؤمن حدا ادنى من المصالح للجميع وتضمن الاستقرار.

وتبدأ المدنية عند الشعوب في الوقت الذي تبدأ هذه الشعوب بالكف عن اللجوء السريع والسهل إلى القوة لحل نزاعاتها، سواء من أجل تأمين الموارد اللازمة لمعيشتها، أو لفرض قسمة تمكنها من الحصول على حصة الأسد من الموارد المتاحة وحرمان الآخرين منها أو من القسم الأكبر منها. وهذا يفترض أن شروط الفعل السياسي (التفاوض) المختلف تماما عن الفعل العسكري (استخدام العنف) قد توفرت، وأن الشعوب قد نضجت، بعد معاناة طويلة، في ميدان الوعي وإدراك وحدة المصالح والاهداف. وتاريخ انتقال العرب من البداوة إلى الحضارة، مثلهم مثل غيرهم، ارتبط منذ ماقبل الاسلام بالتخلي عن الغزو وعن حروب داحس والغبراء التي كانت تحكم العلاقات بين القبائل وتحدد مكانة كل منها وحصتها من الموارد المتاحة، وبالدخول في مشروع بناء الدولة، الممالك الصغيرة أولا، ثم الامبرطورية الواسعة التي تعني قبل أي شيء آخر وجود سلطة مركزية مسلحة بقانون أو بشرعة مقبولة تشكل مرجعا للسلطة والشعب معا، تضبط من خلالها النزاعات وتنازع المصالح، وتجعل الخضوع للقانون، أي لإرادة الدولة التي تطبقه، منطلقا للسلام والاستقرار والسلم الأهلي.

وعندما نتحدث عن القانون الذي هو أهم مقتضيات السياسية ومكوناتها فنحن نتحدث في الوقت ذاته عن الحق الذي يدور حوله الفعل السياسي بأكمله، أي حق كل فرد تجاه الجماعة وتجاه الأفراد الآخرين، ونتحدث أيضا من ورائه عن مفهوم العدالة التي هي احترام الحق، كما حدده القانون، وهو ما ينظر إليه المجتمع، في حقبة معينة، كتجسيد للعدالة. وهذا لا يعني المساواة بين الأفراد بالضرورة. ففي المجتمع العبودي الحق ليس واحدا، والعدالة لا تعني المساواة في الحقوق وإنما احترام العبد لسيادة السيد والسيد لحياة العبد.

وكل نظام وجدت فيه اداة التوسط السياسية هذه، أي حقلا سياسيا متميزا عن حقل الحرب ومستقلا عنه، مهما كانت مساحته، قادر على التحرك والتفاعل والتطور. لأنه يملك الجهاز الذي يسمح له بقياس موازين القوى ونوعية الضغوط التي قد تقود إلى العنف وتلك التي يمكن التغاضي عنها من أجل تجنبه. من هنا لا تستقيم السياسة من حيث هي ايجاد الحلول للنزاعات والخلافات عن طريق التفاوض لا عن طريق العنف من دون تطوير نمط من المنطق والعقل السياسيين، أي من فهم شروط العمل لتوحيد المجتمعات او ضمان استقرارها مع الاعتراف بحق كل طرف في النزاع السلمي والتنافس لضمان مصالحه والدفاع عن حقوقه، ولتحسين شروط حياته. فالسياسة وحدها هي التي تضمن الوحدة داخل التعدد، وتمنع النزاع من التحول إلى انقسام ومواجهة شاملة في مجتمع هو بالضرورة متعدد المصالح والأطراف والتشكيلات. وكلما تطورت بنية العمل السياسي في نظام اجتماعي تعمق الاستقرار، وابتعد احتمال النزاع العنيف والمسلح، ونعم أفراد المجتمع بدرجة أكبر من الثقة والأمل الضرورين لتشجيع الاستثمار وبذل الجهد والابداع.

وبالعكس، يشكل تفكيك البنية السياسية وتفريغ الأجهزة المرتبطة بها من مضمونها الهدف الاول لأي نظام اجتماعي قائم على الاحتكار وسيطرة فئة واحدة على حساب الفئات الأخرى، وتحويل السياسة إلى استيلاء والشرعية إلى خضوع بالقوة. في هذه الحالة تعود العلاقة بين الأطراف إلى مستوى الصفر السياسي، ولا يضمن استمرارها سوى الاستخدام المنظم أو الاعتباطي للعنف، وهدم القانون أو تفريغه من مضمونه، ومعه مباديء الحق والعدالة وأدوات التفاوض السلمية من حرية التعبير والتنظيم والتظاهر وغيرها. في هذه الحالة تتوحد السيطرة القائمة مع مصالح طرف واحد وتتطابق معها، ولا تبقى وسيلة لتنظيم العلاقات الاجتماعية سوى العنف، وأسوأ أشكاله العنف الأعمى والمجاني، أي الفوضى. وهو ما تلجأ إليه عادة سلطة النظم القهرية عندما تمر بأزمة خطيرة.

هذا يفسر ما يجري في البلدان العربية من لجوء مكثف للعنف أمام صعود حركات الاحتجاج الاجتماعي التي تعبر، كما هو واضح من اتساع المشاركة في المسيرات، عن إرادة قطاعات واسعة من الشعب العربي في إعادة تعريف مصالحها وحقوقها، وبالتالي موقعها ودورها في النظام الاجتماعي بأكمله. ولعل المثال الأكبر لما ذكرت هو ما نشهده في سورية اليوم، حيث يكاد المرء يرى صورة كاريكاتورية عن نظام اجتماعي يفتقر إلى أي بنية سياسية تقوم بوظيفة السياسي فعلا ولا تشكل غلالة تخفي معادلة القوة ومنطق الحرب والعنف الذي يستند إليه النظام. ولو دققنا النظر في ما جرى ويجري منذ أسابيع لما رأينا أي رجل سياسة يظهر على المسرح ليتحدث إلى الشعب، ولا أي خطاب سياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة يستخدم لغة الحقوق والمصالح والتسويات. تكاد البنية السياسية تختصر في شخص الرئيس وحده، ويكاد الرئيس يختصر في خطابه، خطاب الحرب، بل هذا ما أكده في أول ظهور له في مجلس الشعب بعد أسبوعين من التظاهرات ومسيرات الاحتجاج، عندما قال إذا أرادوا الحرب فنحن مستعدون لها.

بغياب بنية سياسية تسمح بالتوسط بين السلطة والشعب وبين فئات المصالح المختلفة والمتعددة يختصر النظام إلى حلقتين مترابطتين: مركب من المصالح، وهنا مصالح فريق يجمع أصحاب السلطة مع أصحاب الثروة مع أصحاب السلاح مع أصحاب الحزب والإدارة البيرقراطية، وذراع أمنية مكونة من اجهزة متعددة الأشكال والوظائف تؤمن لهذا المركب سيطرة شاملة وكاملة ومستمرة، لا تقبل النقاش ولا المراجعة ولا المنافسة ولا الاعتراض. وعندما تكرس مثل هذه الوضعية بمادة دستورية، لا يبقى هناك أي إمكانية لوضع صيغة اقتسام السلطة والثروة والقوة والمركز الاجتماعي أمام أي تساؤل، مهما كان شكله أو هدفه، حتى لو قصد الاصلاح، ولا أي فرصة لدى الحاكم نفسه للتقدم والتراجع. النظام وحده هو الذي يقدم عند الضرورة أعطيات ومكرمات يوزعها هنا وهناك لشراء سكون البعض أو استرضاء وجهاء الأطراف.

هذا هو الذي يفسر المكانة الاستثنائية الطاغية التي تحتلها أجهزة الأمن أو الترويع، والجاهزية والشمولية والسرعة التي تتحرك بها أذرعها المتعددة في كل لحظة يشعر فيها النظام بالتحدي. والتحدي لايعني هنا وجود خطر يهدد النظام، ولكن كل ما لا يصدر عن النظام او لا يكون تحت إشرافه وسيطرته، ربما مقالة نقدية لكاتب أو انتشار خبر أو كتابة شعار على جدار، فما بالك عندما تتظاهر آلاف الناس في الشوارع. هذا في منطق النظام القائم على الحرب ومنع أي تعبير مهما كان ضيئلا عن الخلاف والاختلاف عما يقوله النظام، أي ريئسه، مؤامرة حقيقية. وهذا هو الذي يفسر ظاهرتين مترابطتين ومتكاملتين في هذا النوع من الانظمة : التقديس الكلي لشخص الرئيس، أي تحويل رجل السياسة إلى إله، يمن ويفرض ولا يحاور ولا يناقش، وهوس التآمر والمؤامرة الخارجية الذي رافق النظام منذ نشأته ولا يزال. فالاستقرار قائم على منع أي تعبير عن الاختلاف مهما كان حجمه، وظهور الاختلاف لا يمكن إلا أن يكون نتيجة مؤامرة، وهو ما يبرر عمليات التطهير السياسي المنهجية والدائمة التي لا يعيش النظام من دونها، والتي تشكل السياسية، او الفعل السياسي الأصيل الوحيد في النظام. فبغياب البنية السياسية كحلقة توسط بين سلطة المصالح والمجتمع، لا يبقى سوى منطق الحرب الدائمة والمستمرة كوسيلة لضبط الاوضاع وتجميدها ومنع أي طرف اجتماعي، بل حتى فرد، من حيازة أي موارد يمكن أن تقلل من احتكار النظام الحصري لموارد القوة: من الكلمة إلى المعلومة إلى المناصب الادارية والحريات السياسية.

samedi, avril 23, 2011

مقابلة مع الصنارة

البروفيسور غليون للصنارة: لن يسمح بإنزلاق الدولة!


2011-04-22 08:00:59 | أمين ابو جبل http://www.sonara.net/images/comi.jpg

ما زالت الثورة في سوريا مندلعة وتجتاح كافة المدن والقرى السورية حتى وصلت الى الجامعات. وخصوصاً جامعة حلب ودمشق. وتتحدث الأنباء عن سقوط شهداء وعن حملات اعتقالات عشوائية, بالرغم من ان الحديث يدور عن رفع حالة الطوارئ وقوانين اصلاحية يقوم بها النظام في سوريا, إلاّ أن الشعب لم يعد يكتفي بما يقدمه له النظام ويصرّ على مطلبه بالحرية والكرامة تحت شعار "سلمية".

ودعا الثوار السوريون ونشطاء على المواقع الاجتماعية الى مسيرات سلمية تحت اسم "الجمعة العظيمة", في كافة المدن والمحافظات السورية. هذا وكان لـ "الصنارة" حديث مع المعارض السوري والمحلل السياسي البروفيسور برهان غليون حول ما يجري وما هو متوقع في سوريا.

"الصنارة": كانت هناك مجموعة من القرارات الهامة مثل رفع قانون الطوارئ والتظاهر ومجموعة قوانين أخرى قدمها النظام, ماذا يريد الشعب اكثر من ذلك؟ غليون: المشكلة ليست في قانون الطوارئ, المشكلة في الأجهزة الأمنية التي لا تزال تعمل خارج القانون في أي عمل تقوم به وهناك قوانين ما زالت تمنع محاسبة كل من يقوم بالقتل ومحاكمة عناصر الأمن على جرائمهم وهذا هو النظام بنفسه لأن في سوريا لا يوجد نظام سياسي بل نظام أمني ومخابراتي, والمخابرات, مع قانون الطوارئ او بدونه, تمارس تعسفاً لا حدود له فلا يمكن ضمان حريات الناس وأمنهم وحقوقهم ومشاركتهم بالحياة السياسية بدون الاعتراف من قبل السلطة بضرورة وجود حكومة منتخبة من الشعب وممثلة للشعب ولها القدرة على الإشراف والسيطرة على هذه الأجهزة الأمنية, لن يكون هناك استسلام وتنازل من قبل الشعب وهذا هو جوهر الموضوع.

الصنارة: ما هو المطلوب من الثوار الآن للإستمرار بإنتفاضتهم؟غليون: المطلوب من جميع ابناء الشعب السوري, بصرف النظر عن اصولهم وانتماءاتهم الطائفية والعرقية, ان يخرجوا الى الشوارع ليؤكدوا ان مطلبهم الرئيسي هو الحرية والديموقراطية ولإلغاء وصاية حزب "البعث" على الدولة والشعب. هذا, بالإضافة الى التأكيد على الوحدة بين فئات الشعب وتجاوزه لكل اشكال التمييز والإنقسام الطائفي والمذهبي الخ.. وهذا ما يتردد, حتى الآن, في كافة انحاء سوريا "الشعب السوري واحد", والتمسك دائماً بشعار "السلمية" وأن يعزل الشبيحة ومن يمكن ان يستخدمهم, الشبيحة كطرف مقابل ويتجنبهم على الاطلاق وايقافهم وان يتبرأ منهم. وهناك قضية اخرى لا تقل أهمية وهي ان اجهزة الأمن قتلت بعض ابناء العشائر الذين ما زالوا يتبنّون عبر التاريخ فكرة الثأر والمطلوب من الجميع التوجه الى هذه العشائر واقناعهم ان الثأر يتم بتغيير الحياة السياسية وتحقيق العدالة وليس بالقصاص, لأن هذا ما يريده النظام ليثبت ان هناك فوضى عارمة والاحتكام الى السلاح في الوقت الذي يجب ان تبقى هذه الحركة سلمية.

"الصنارة": لماذا نفتقد التنسيق بين اقطاب المعارضة في سوريا؟غليون: هذا يدل على عدم التنسيق بينهم وهذا معروف وحان الوقت الآن لتتداعى أطراف المعارضة وتأخذ موقفاً موحداً من أجل ان يكون لها تأثير اكبر ودور اكبر في توجيه الانتفاضة الشعبية والتي هي بالعمق انتفاضة شعبية وليست مسيّرة من أي طرف ومن عناصر ضعف هذه الانفتاضة أنه ليس لها تنظيم واضح ومتفق بل هناك تشتت بالقيادة ولكن هذا يبقى امراً طبيعياً وهذا ايضاً ما حصل في مصر وتونس لأن هذه الثورة انطلقت من جيل الشباب الذي لا ينتظم في حزب معين او عاش تجربة حزبية لذلك فإن الانتقال الآن نحو بناء اطار سياسي منظم ومرجعية فكرية وسياسية للحركة هو شيء ضروري ومهم الآن لكل من يريد ان تتوج هذه المسيرة بإنتصار حقيقي للشعب.

"الصنارة": هل تعتقد أنه يجب التوجه الى اقطاب خارجية عربية أو غربية من أجل دعم هذه الثورة في ظل التعسف ضد الشعب؟غليون: بإعتقادي, وهذا اعتقاد مشترك لدى جميع السوريين, ان هذا النظام هو الذي يستفيد من الدعم الخارجي وبعد خمسة اسابيع من الاحداث لم يلقَ الشعب السوري أي تأييد. وانا اقصد تأييداً سياسياً وليس شيئاً آخر, لا من الدول العربية ولا من الدول الغربية. بإستثناء كلام فارغ لملء الفراغ. نحن لا نريد منهم الا الدعم السياسي والقانوني ونريد لجنة تحقيق مكونة من محامين عرب ومنظمات حقوق الانسان للتحقيق في الجرائم التي ترتكب, ومن أجل ازالة التعتيم على ما يجري في سوريا وعن ممارسات السلطة وهذه هي المساعدة الحقيقية التي نريدها وفيما عدا ذلك نحن نراهن على قوة وإرادة الشعب السوري وهو قادر على اسقاط هذا النظام حتى من خلال التحاور معه, اذا امكن, شرط ان نصل الى ما نريد لأن الشعب السوري ليس من هواة الثورات بل هو شعب يخرج ويضع روحه على كفه لأنه يريد الخلاص من حكم الأجهزة الأمنية والقهر وانعدام الحريات من قبل اقلية تعتبر البلد ملكية خاصة بها. نحن نؤمن بقدرة الشعب السوري على التغيير لكننا ندعو جميع اوساط الرأي العام العربي والدولي الى كشف حقيقة ما يجري في سوريا من خلال لجان التحقيق القانونية الدولية. "الصنارة": ما رأيك بما يقوله المحللون بأن السيناريو سوريا هو بإتجاه الفوضى وحتى حرب أهلية وطائفية وسيكون أقرب الى السيناريو الليبي؟غليون: السيناريو الليبي لا يمكن أن يحدث الا في ليبيا لأنه يجب ان يكون هناك شخص مثل القذافي فالسيناريو الليبي مرتبط بشخصية القذافي وليس بليبيا بشعبها وبجيشها لأن القذافي شخصية مريضة وهناك اجماع بأن هذا الشخص مريض ولديه جنون العظمة ولديه من المال ما يكفي لفرق مرتزقة التي يعتمد عليها لقتل شعبه ويرفض أي حوار مع الشعب. لذلك فإنّ هذه حالة نادرة ليس في العالم العربي فقط بل في كل العالم. لكن في سوريا نعتقد ان لدينا, اولاً دولة وطبقة وسطى ومجتمع منظم اكثر تنظيماً وتفاعلاً وثقافة مشتركة عميقة الجذور اكثر من الكثير من الدول العربية, الجيش السوري هو جيش منظم وليس ميليشيا بيد الرئيس وحتى لو أن الرئيس يعين الضباط الكبار كما هو الحال في كل البلدان العربية لكن الجيش مؤسسة وطنية وهو جيش وطني يضم اكثر من نصف مليون انسان وهو مركب من كافة أطياف الشعب السوري. للنظام توجد ميليشيات اهمها الحرس الجمهوري ولديهم الشبيّحة الذين نسمع بهم, بالإضافة الى ميليشيا الحزب, حيث بدأ الآن تسليح جزء من الحزبين البعثيين ليكونوا لجاناً مسلحة في الأحياء. لذلك لا يمكن لاي تحليل موضوعي ان يقبل الجيش وهو مؤسسة وطنية وليس لديه أي مصلحة في ان يتحول الى ميليشيا أو يقبل ان يكون ألعوبة بيد شبكة مصالح صغيرة عائلية تحكم البلد وتروّعه. فالجيش في اللحظة المناسبة سيتصرف وقد يكون ببطء اكثر او بصعوبة اكثر لكن سيحسم الموضوع في النهاية ولن يسمح للسلطة بأن تأخذ البلد الى منزلق الهاوية وبالتالي لا بُد من عملية تفاعل بين ما سيحققه الشعب والجيش لنقل صحيح للسلطة من اجل تحقيق الانجاز النهائي."الصنارة" متى سنلاحظ تحرك الجيش السوري؟غليون: لا احد يعرف هذا الشيء ولكني اعتقد ان في احدى اللحظات سيشعر الجيش ان سلوك النظام والطغمة الحاكمة يهدد أمن الوطن ويهدد الجيش معه ومصداقيته ووطنيته ونحن نضمن تغييراً بدون فوضى وكوارث لذلك لا بد من ان يتبنى الجيش أخيراً ما سيؤول اليه الشعب.

"الصنارة": هل برأيك هناك نقاش داخل الجيش حول ما تؤول اليه الأمور وهل كان هناك تواصل مع افراد الشعب بشكل او بآخر؟غليون: ليس المطلوب من الجيش ان يكون له تواصل مع المعارضة لكن بالطبع هناك نقاش بين الضباط وداخل الهيئة العسكرية حول ما يجري في سوريا لأنهم أولاً ابناء الشعب السوري ولديهم شعور بمخاطر تتهدد الوطن وابناءه والجيش لن يسمح بإنزلاق الدولة لمكان غير صحيح وليس هناك أي خطر من الانقسام داخل الجيش. تابعوا

آخر الأخبار على موقع "الصنارة نت" sonara.net

dimanche, avril 17, 2011

المعجزة السورية

الاتحاد 20 ابريل 11

دخلت انتفاضة الحرية والكرامة في سورية أسبوعها الخامس . ولا يقدم الخطاب الثاني للرئيس، الذي كرر فيه وعود الخطاب الأول، أي إشارة إلى احتمال الخروج قريبا من الازمة التي فجرتها. وبعد أن اقتصرت دائرتها في 15 آذار على عشرات المشاركين، تحولت بعد حادثة أطفال درعا الخمسة عشر إلى انتفاضة كبرى، وتوسعت دائرتها اليوم لتشمل الأراضي السورية بأكملها كما زاد عدد المشاركين فيها ليصل مئات الآلاف في الجمعة التي أطلق عليها جمعة الصمود (15 أبريل)، والتي وضعت الانتفاضة على سكة الانتفاضات العربية الأخرى، في حجم المشاركين فيها وقوة تصميمهم، وصار من الصعب اليوم توقع همود بركانها قبل أن تحقق أهدافها التي لا تختلف من حيث الجوهر عن الأهداف التي رفعتها وترفعها جميع انتفاضات الحرية والكرامة العربية.

ما حدث حتى الآن في سورية شيء كبير وخطير، يتجاوز بكثير ما حدث في الأقطار العربية الأخرى. ذلك أن النظام القائم في سورية يتميز أيضا عن النظم العربية الأخرى، في تونس ومصر واليمن والبحرين وغيرها، بغياب أي حياة سياسية في البلاد، مهما كان ضيق هامشها. فالبلاد لا تقاد سياسيا وإنما تديرها مجموعة من الأجهزة الأمنية، المستندة هي نفسها إلى توازن عام للنظام تضمن السيطرة العسكرية. ولا يمثل حزب البعث الحاكم سوى غلالة رقيقة هدفها التغطية على غياب السياسية والحقل السياسي تماما، وتبرير حكم الأجهزة وسيطرتها الشاملة، بما في ذلك داخل الحزب الحاكم وداخل الجيش وداخل الإدارة وداخل الحكومة نفسها. فلا يمكن القيام بأي أمر، قولا او عملا، من تعيين رئيس الجمهورية إلى إجراء معاملة مدنية بسيطة في الإدارة، مرورا برئاسة الوزارة وانتقاء نواب مجلس الشعب والمناصب الإدارية، بل حتى القبول في أي وظيفة عمومية مهما كانت محدودة الاهمية مثل حارس مبنى أو آذن مكتب، من دون أن يمر بالأجهزة الامنية وينال رضاها وموافقتها، احدها أو مجموعة منها. وبالإضافة إلى ذلك يخضع الشعب السوري منذ عام 1963 إلى حالة الطواريء التي تكرس هذا الاستباحة الكاملة لحقوق الشعب من قبل الأجهزة، وتشرع لمعاقبة أي قول أو سلوك أو نشاط لا ترضى عنه الأجهزة الامنية، ولا يصب في هدف تعزيز سلطتها وتاكيد سيادتها على الشعب والبلاد. هكذا تحول الحكم السوري القائم إلى كابوس حقيقي يربض على صدر شعب قيد بالسلاسل، وفرض عليه الصمت والطاعة خلال ما يقارب نصف قرن، لا يمكن للفرد أن يتكلم فيه ويعبر عن أي رأي مخالف، حتى داخل دوائر الحزب والسلطة، ولا يحق لأفراده التواصل وما بالك بالاجتماع والتنظيم والمشاركة السياسية أو غير السياسية. وهذا ما يشكل حكما بالاعدام السياسي على شعب كامل. وقد اعتاد رجال الأمن، وهم في الحقيقة رجال ترويع للشعب وظيفتهم إشعار كل فرد بأنه ليس آمنا ما لم يتعامل مع الأجهزة ويخضع لها ويقبل باقتسام تجارته أحيانا مع أفرادها، أن يهينوا المواطنين لسبب أو من دون سبب، من أجل إخضاعهم وإشعارهم بدونيتهم وعبوديتهم وترسيخ الشعور بالعجز والمهانة والمذلة لديهم. وكان الضرب والأذى الجسدي من الامور اليومية أما الشتائم المذلة فقد أصبحت عملة التداول اليومية داخل الدوائر الرسمية حتى من قبل أعضاء الإدارة من غير جهاز الأمن. وتحولت الإهانة المعممة في الواقع إلى تقنية سلطوية هدفها بناء العلاقة بين اصحاب السلطة وابناء الشعب كعلاقة سيد إلى عبد، وقادر إلى عاجز، ونبيل إلى صعلوك، مهما كان وضع الفرد ومكانته الاجتماعية والعلمية. كل فرد سوري هو مشروع قن أو عبد مأمور. والواقع أن جميع أبناء الشعب قد تحولوا إلى عبيد وأقنان، تطحنهم آلة واحدة ومنطق واحد هو التشكيك والتحقير والتكسير المعنوي المتبادل.

. ولم يكن من قبيل الصدفة أن ترتبط شرارة الانتفاضة بهذه المعاملة المهينة التي اعتاد عليها أبناء النظام. فكانت أول حادثة لفتت انتباه السوريين والمراقبين الأجانب تلك التظاهرة الصغيرة التي حصلت في سوق تجاري، سوق الحريقة، في دمشق، بسبب تعرض أحد التجار الشباب للضرب المبرح امام الملأ من قبل رجل شرطة، فتجمع تجار السوق، وانطلقت من حناجرهم أول صرخات الانتفاضة وشعاراتها من دون أن يدروا: الشعب السوري ما بينذل، أي لا يذل. ولم يتفرق المتظاهرون إلى أن اضطر وزير الداخلية أن يأتي بنفسه ليعتذر لهم، ويأمر بمعاقبة الشرطي ليرطب خواطرهم. لكن الحادثة الأهم للاهانة والتي سوف تطلق بالفعل شرارة الانتفاضة السورية، والثورة العارمة في منطقة حوران جنوب سوريا التي تعد اليوم منطقة محررة كليا من سلطة البعث ورموزه، تتلخص في اعتقال الأمن لخمسة عشر طفلا سوريا بين سن العاشرة والرابعة عشر، بسبب كتابة بعضهم شعارات تبشر بسقوط النظام. وقد تعرض الأطفال للتعذيب وقلعت أظافر أحدهم ومنعت أسرهم من زيارتهم. وعندما ذهبوا بوفد لمقابلة محافظ درعا، شتمهم جميعا وأخبرهم أن عليهم أن ينسوا أولادهم، وأن يرجعوا ليناموا مع نسائهم لإنجاب بديل لهم لأنهم لن يروهم أبدا.

كان خروج السوريين إلى الشوارع لتحدي سلطة من هذا النوع معجزة بالمعنى الحرفي للكلمة. ليس بسبب الخوف، بل الرعب الذي عشش في الصدور، ولا بسبب الحضور الأمني والعسكري الكثيف والدائم والشامل في كل شبر، خاصة في المدن الرئيسية فحسب، ولكن، أكثر من ذلك، بسبب الشعور العميق الذي ترسخ في قلب كل سوري بالعجز والغلبة على الأمر وعدم القدرة على فعل شيء تجاه نظام جبار، ورجال أمن وحكم عتاة لا يتورعون عن ارتكاب أي شيء في سبيل نزع ثقة الشعب بنفسه، وتشكيكه حتى بقدراته العقلية، ودفعه إلى الشك في ذاته وأهليته وإنسانيته.

علينا أن نعرف ونسجل للتاريخ أيضا أن هؤلاء الذين خرجوا في الأيام الاولى من الانتفاضة، وكانوا بالمئات فقط، خرجوا كشهداء، ولم يخرجوا كمتظاهرين. وبقي هذا الشعور قويا عند الشباب الذين أتيح لي التواصل معهم، حتى جمعة الصمود العظيمة التي تحولت فيها المظاهرات إلى مسيرات بعشرات الأولوف، والتي نقلت الانتفاضة من مرحلة الخطر، وصار من غير الممكن القضاء عليها من دون المغامرة بمجزرة كارثية لا يمكن لنظام تحمل نتائجها. وفي الساعات الأولى لجمعة الصمود هذه كتب لي شاب من الدير على الفيس بوك يقول سنخرج اليوم في مسيرة حاشدة وستكون أكبر من كل سابقاتها. وكانت السلطات قد أغلقت في الأيام الثلاثة السابقة مدينة بانياس الساحلية، وقطعت عنها الاتصالات والكهربا والماء، وارتكبت فيها مجازر، وشنت حملة تطهير سياسي بالمعنى الحرفي للكملة، ومارست كما تعودت، لكن على نطاق أوسع تقنيات الإذلال والإهانة، كما ظهرت في الصور التي تناقلتها التلفزة حيث يركل رجال ميليشيات "الشبيحة" الخاصة، التي استخدمتها السلطة لقهر المواطنين زاعمة أنها لا تملك السيطرة عليها، وكان هدفها ترويع اهلها وإعطاء مثال للسورييين عن مدى العنف الذي يمكن أن تصل إليه السلطة. فاردت طمأنة الشاب الذي بدا لي مصمما على الخروج، فكتبت: لا تخف انتهى درس الترويع. فرد علي في الحال: استاذي أنا أنقل لك الخبر فحسب، أنا لست خائفا أبدا. أنا لا أخرج من أجل أن أعود. أن خارج شهيدا.

ليس الخبز بالرغم من ندرته، ولا انتهاك حقوق الانسان، التي لم يبق إنسان ليتصف بها، ولا حتى تجبر الحاكمين وفسادهم المنقطع النظير، هو الذي كان الصاعق وراء تفجير بركان انتفاضة الكرامة والحرية في هذا البلد العربي الجميل. إنه الإفراط في الإهانة والإذلال والاحتقار، أي سحق الانسان الذي شكل جوهر السياسة، بل الفعل السياسي الأصيل الوحيد، لنظام حكم سورية خلال ما يقارب نصف قرن. لذلك لا أعتقد أن من الممكن لثورة الكرامة والحرية أن تتوقف في سورية قبل أن تقطع الذراع التي تسببت بهذا الكم الأسطوري من الإهانة والإذلال الذي تعرض له أبناء الشعب السوري النبيل والمسالم، أعنى أجهزة الرقابة والعقاب والتنكيل الثلاثة عشر، والميليشيات والسجون المرتبطة بها، والتي تسمى فروع الامن، ولا وظيفة لها سوى حرمان الأفراد من أي أمان، وتقديمهم عراة، خارج أي حماية قانونية او سياسية، لوحوش مافيات السلطة والمال الضارية.

mercredi, avril 13, 2011

رسالة إلى المؤتمر القومي الاسلامي

بيروت 17 نيسان 2011

الأخ العزيز منير شفيق أمين عام المؤتمر القومي الاسلامي

الأخوة الأعزاء أعضاء المؤتمر القومي الاسلامي،

أسمحوا لي أن ألفت نظركم إلى ما يحصل اليوم في سورية نتيجة مطالبة الشعب السوري باسترجاع بعض حقوقه الأساسية، وأولها العيش بكرامة من دون تسلط أجهزة المخابرات التي تقاسمه أرزاقه وتقض مضاجعه ليلا نهارا، وبحد أدنى من الاعتراف بالمواطنية، أي بالمساواة بين الجميع واحترم الحريات الفردية الطبيعية.

إن ما يحدث الآن في سورية نتيجة خروج مظاهرات شعبية تطالب بالحقوق الاساسية، كما حصل في معظم الأقطار العربية، هو كسر إرادة شعب عربي بالقوة وإطلاق حملة تطهير سياسي بالمعنى الحرفي للكملة، تجري في حالة من التعتيم الاعلامي الكامل وعزل المدن وقطع الاتصالات ، من أجل الاستفراد بشعب مغلوب على أمره بهدف تركيعه بالقوة المسلحة وإعادته إلى بيت الطاعة وتقييده بأغلال العبودية. معظم المدن والضواحي التي شهدت مسيرات للحرية هي اليوم محاصرة من قبل قوات الأمن التي تقوم في الداخل بعمليات القنص والقتل وحملات الاعتقال والترويع والخطف من دون تمييز. نأمل من مؤتمركم الكريم أن يلحظ هذا الوضع المؤسي والمأساوي، وأن يعلن تضامنه مع حقوق هذا الشعب العظيم، الذي خاض جميع معارك العروبة، وكان في طليعة روادها، وفتح صدره وأبوابه مشرعة دائما للقضايا وللشعوب العربية. ونأمل أن تؤكدوا للسلطات السورية التي تريد أن تستثمر بعض المواقف الحميدة في السياسية الخارجية أن الصمود أمام إسرائيل ومقاومة المخططات الاسرائيلية لا تقتضي انتهاك حقوق الشعب السوري ولا تجريده من أهليته الوطنية واستباحة كرامته وحرياته، اللهم إلا إذا كانت تعتقد أن هذا الشعب متآمر مع إسرائيل بالسليقة وأنه بمجرد حصوله على حرياته سوف يقف في صف الاستيطان الاسرائيلي والقوى الاستعمارية. في هذه الحالة سيكون كل شيء مبرر للجميع.

مع خالص مودتي وتمنياتي لمؤتمركم بالتوفيق

samedi, avril 09, 2011

نداء إلى شعوب الأمة العربية

إخوتي وأصدقائي في كل بقعة من بقاع الأرض العربية، في تونس ومصر وفلسطين والجزائر والمغرب وموريتانيا ولبنان والأردن والعراق والسودان وبلدان الخليج العربي وفي بلاد المهجر. اتخذ جهاز الأمن القومي لنظام الاستبداد والفساد والقهر في سورية قرارا يقضي بالقضاء بالقوة المسلحة على ثورة الكرامة والحرية التي عمت، منذ جمعة الصمود في 8 ابريل، جميع مدن وقرى سورية، من الشمال إلى الجنوب. وقد أعلن هذا القرار وزير الداخلية في الثامن من الشهر الجاري، الذي ورد فيه أن السلطة لن تسمح بعد الآن بالمظاهرات وستقضي عليها بأي ثمن. كما أكد ذلك استقبال وزير الخارجية وليد المعلم سفراء الدول العربية والاجنبية لينقل لهم الرسالة ذاتها. وقد بدات قوات الجيش الموالية للنظام بالفعل في محاصرة المدن السورية، بموازاة حملة من الاغتيالات والاعتقالات التي تستهدف الناشطين والمثقفين، وحملة مسعورة من الافتراءات حول وجود مؤامرة خارجية ودخول أسلحة إلى سورية وانتشار مسلحين خارجين عن السيطرة، وهم ليسوا إلا رجال أمن مموهين باللباس المدني. إن النظام السوري الذي يدرك أنه يعيش آخر معاركه الحاسمة يراهن على التعتيم الإعلامي شبه الشامل، وانشغال الشعوب العربية كل بمشاكله الداخلية، وتواطؤ الحكومات الغربية، لتوجيه ضربة حاسمة للثورة الديمقراطية السورية يعتقد أنه سيستعيد بعدها سيطرته المنهارة على الشعب والبلاد.

وبالرغم من أن هذه ستكون حملته الأخيرة على الشعب قبل أن يسدل عليه الستار، إلا أن ما يخطط له يحمل في طياته كارثة إنسانية ومئات الضحايا من الأبرياء.

أطلب منكم التحرك منذ الغد بمسيرات شعبية تضامنا مع الشعب السوري الذي يعيش أخطر مراحل تاريخه الحديث، كما حصل في ميدان التحرير في القاهرة منذ أيام، وإعلان مواقف حاسمة لشل يد القتل وإدانة الاعتداءات الغاشمة لأجهزة المخابرات والأمن على حياة المدنيين المطالبين بالحرية، المتهمين بالتغطية على مؤامرة خارجية ليس لها وجود إلا في مخيلة ضباط الأمن ولخدمة مخططاتهم الرامية إلى إحباط أي إصلاحات جدية لنظام القهر والاقصاء والاذلال الذي يعاني منه الشعب السوري منذ نصف قرن.

ليس للشعب السوري نصير حقيقي اليوم سوى شعوب الأمة العربية التي يشكل الانتماء لها الهوية الحقيقية للسوريين. وإليكم ينظر السوريون اليوم من أجل وضع حد لهذه الحملة القمعية الغاشمة، وحالة الحصار السياسي والإعلامي الذي تضربه سلطة البطش والاستبداد على ثورة الديمقراطية السورية التي هي مفتاح أي تحول ديمقراطي مقبل في المنطقة العربية الآسيوية.

لا تتركوا أخوتكم السوريين وحيدين أمام رصاص الغدر الذي أسقط في ثلاثة أسابيع أكثر من مئتي شهيد وآلاف الجرحى والمعاقين. أنتم وحدكم من يستطيع أن يردع النظام الذي يستخدم مواقفه السياسية الخارجية لتبرير استباحة حقوق شعبه، وفي مقدمها حقه في الحياة، وفي حد ادنى من الكرامة والحرية. ولا أعتقد أن هناك عربي واحد يقبل بأن يعاقب الشعب السوري وتنتهك حقوق أبنائه بسبب مواقفه الوطنية والعربية وروحه الاستقلالية الأبية.

mardi, avril 05, 2011

الفتنة الأهلية أو استراتيجية إجهاض الثورة الديمقراطية

الاتحاد 6 ابريل 11

فتحت الثورة المدنية والديمقراطية للشعوب العربية آفاقا كانت الاستراتيجيات القديمة التي استخدمتها بعض حركات المعارضة السياسية قد أغلقتها عليها تماما، إن لم تساهم في تعزيز سطوة النظم الاستبدادية من خلال ما أحدثته من شروخ ومخاوف وعداوات داخل المجتمعات. بل إن هذه الثورة المدنية التي تنادي بالكرامة، بما تعنيه من احترام للفرد الانساني بوصفه كذلك، وبصرف النظر عن أصله ودينه ووضعه الاجتماعي، كما تنادي بالحرية التي تؤسس لسياسات مشاركة جميع الأفراد بصورة متساوية في الشأن العام، أي تنشد باختصار تحقيق المواطنية للجميع، ما كان من المقدر لها أن تنطلق وتتقدم وتنتصر في بعض الأقطار العربية إلا لأنها نجحت في أن تتجاوز ثقافة العصبية وتقاليد الانقسام الحزبوية وتضع نفسها على السكة ذاتها التي تحرك جميع المجتمعات اليوم وتدفعها إلى الارتقاء بوعيها وثقافتها ونظم سياستها وإدارتها إلى مستوى المباديء والقيم والممارسات الإنسانية. ونقصد بهذا المستوى الوصول إلى رؤية الانسان كإنسان، خارج كل مواصفاته الخارجية، وجعل غاية أي حياة سياسية ومدنية منظمة، تحسين شروط حياة هذا الانسان الفرد، من الناحية المعنوية والثقافية والمادية.

هذا هو المضمون العميق للأجندة التحررية التي تحرك اليوم المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج بالفعل، وتسمح لأؤلئك الذين كانوا قد هجروا الحياة السياسية، وهم الأغلبية الساحقة، بالعودة من جديد إلى ساحة العمل الوطني والاجتماعي، ومن وراء ذلك استعادة ثقتهم بأنفسهم، وأكثر من ذلك بأقرانهم الذين بقوا لفترة طويلة غرباء عنهم بسبب الانقسامات الداخلية. وفي تعبيرها عن التطلعات الجديدة والعميقة لهجر الأفراد معازلهم الطائفية والعشائرية التي فرضتها ظروف الشح السياسي على الجميع في الماضي، تعلن هذه العودة إلى ساحة العمل العام، والاستعداد للتضحية من أجلها، بما في ذلك التضحية بالأرواح، الولادة الجديدة للوطنية العربية او بالأحرى الشوق الملتهب إلى الخروج من ذل وضعية الزبائنية والمحسوبية، إلى وضعية المواطنة وما تعنيه من كرامة شخصية وممارسة للحرية والسيادة الذاتية.

من هنا ما كان من الممكن لإرادة الانعتاق التي تحملها المطالب المواطنية إلا أن تصطدم في كل مكان برزت فيه بأنماط من الحكم والإدارة البيرقراطية أو الاستبدادية التي لا يمكن أن تستمر إلا بتحييد الشعوب، ووسيلته الرئيسية تقسيمها والتعامل معها بالقطعة، كقبائل أو عشائر أو طوائف أو جهويات ومحليات، وتعزيز خصوصياتها الأهلية وإبرازها على حساب عموميتها السياسية، أي مواطنيتها. فالمواطنية لا تستقيم من دون الحرية والكرامة والمساواة بين الأفراد وتقديس الحياة القانونية، وبالتالي من دون تكون الشعب كقوة مستقلة عن العشيرة والقبيلة والعائلة والعصبية المحلية، وتدخله المباشر والدائم في تسيير شؤون الدولة واختيار ممثليه بحرية.

وما شهدناه في الأشهر الماضية من مواجهات بين النخب الحاكمة التي عملت ولا تزال المستحيل من أجل إبراز الانقسامات الأهلية داخل مجتمعاتها، وتفجيرها إذا امكن، والشعوب الناهضة لتوها من حطامها، والطامحة إلى أن توحد نفسها وتفرض إرادتها، يعكس بشكل واضح هذا الصراع على تحديد وضعية الفرد ومكانته في بلادنا العربية: وضعية الزبون التابع لزعامة عشيرته أو طائفته أو حزبه أو رئيس دولته، والملتزم من دون تفكير بكل ما يفرضه منطق المحسوبية من ولاء والتصاق والتحام أعمى، او من عصبية، أو بالعكس وضعية المواطن الحر الذي يعرف أن شرط ممارسته لهذه الحرية واحتفاظه بها وتعزيزها والارتقاء بمستوياتها ومعانيها هو احترام حرية الآخر، وتعميم المشاركة على الجميع لتحويلهم إلى رجال أحرار، فاعلين ومسؤولين، أي واعين لمعنى الحرية المدنية والسياسية.

وكما يتطلب الحفاظ على الأوضاع وأنماط الحكم الرعوية والأبوية والاستبدادية الراهنة، القائمة على إخراج الشعوب من معادلة السياسة والقوة، تكسير هذه الشعوب وتقسيمها وإجهاض روح الكرامة والحرية في كل فرد منها، وهذا ما تتكفل به العصا الأمنية الغليظة، يتطلب تحقيق المواطنية التي تجتاح بروحها اليوم الوعي العربي، الانتقال إلى نمط جديد من الحكم، وتنظيم السلطة السياسية، والعلاقة بين الحاكمين والمحكومين، يكون فيها للأفراد السيادة على من يحكمونهم وليس العكس. وهذا يعني أولا انقلابا أخلاقيا، يشير إلى تغير نظرة الفرد إلى نفسه ورفضه أن يعامل، وبالتالي أن يتعامل مع غيره، كمولى وتابع وزبون ومحسوب لا إرادة خاصة له ولا استقلال ذاتي، وثانيا انقلابا فكريا يدفع بالأفراد إلى الخروج عن عصبوياتهم وانغلاقاتهم التقليدية في حجر العشيرة أو القبيلة أو الطائفة نحو فضاءات أرحب يلتقي فيها مع أقرانه في المواطنية، ومن ورائهم، مع أبناء الإنسانية، وثالثا ثورة سياسية تقودهم إلى التحرر من جميع الوصايات الأبوية، المدنية أو الطائفية، والاندماج في مغامرة تكوين رابطة الأمة السياسية التي هي التعبير الأوضح عن الانخراط في التاريخية الحضارية، وأخيرا ثورة اجتماعية تفتح الباب أمام انفتاح الجماعات الأهلية والفئات الاجتماعية والجهوية بعضها على البعض الآخر، من دون أحكام مسبقة وحسابات ماضية أو راهنة، وتقود إلى نشوء روح جماعية جديدة، تتجدد عبرها الجماعة ذاتها وتتحول إلى جماعة وطنية.

وفي هذا الصراع، ليس لنظم الحكم الأبوية والاستبدادية القائمة، وللمصالح الاجتماعية المرتبطة بها، أمل في البقاء من دون إجهاض دينامية التحرر المواطني الراهن هذا، الذي جسده شعار ثوار سورية : (واحد واحد واحد، شعب واحد)، ومن دون إحياء ذاكرة النزاعات المأساوية القديمة، وشحن العواطف البدائية، وتخويف الكل من الكل، ووضع الناس في مواجهات طائفية أو عشائرية إجبارية تفرض على كل فرد الالتحاق بعصبيته ليضمن لنفسه الحماية التي حرمته منها الدولة. والهدف من ذلك هو إجهاض الوليد في المهد، أي الشعب المواطني الحديث الحر والمتساوي، وإكراه الجميع على الانطواء ضمن عشائرهم وطوائفهم من جديد، حتى يمكن التلاعب بانقساماتهم وفرض الوصاية الأبدية عليهم.

وليس من قبيل الصدفة أن الرئيس السوري، عندما زادت عليه الضغوط الداخلية والخارجية، وأدرك أنه لا يكفي الرهان على الرصاص وقنابل الغاز الخانق لكسر إرادة الثورة الشعبية، اختار أن يفتح حواره مع زعماء العشائر الكردية في الجزيرة السورية ومع رجال الدين ووجهاء المجتمع وأعيانه في عموم المدن الأخرى، وأشار إلى ضباط المخابرات لفتح ما سموه حوارا مع الناشطين والمثقفين. يعني هذا أن النظام لا يزال يصر على إنكار الحقوق السياسية التي تعني جميع أفراد الشعب، وبالتالي على الحوار مع من يمثل هذه السمة الجمعية، من شباب الانتفاضة أو المعارضات السياسية، بل ومحاولة الالتفاف على القوى الوطنية من خلال رشوة الزعامات الدينية والقبلية، وتكثيف ضغط المخابرات على القوى السياسية الحاملة وحدها لمطالب موحدة او توحيدية، أي وطنية شاملة.

ويعني الإصرار على إدارة الأزمة عبر تلبية المطالب الجزئية لكل فئة أو عشيرة أو طائفة أو أقوامية خاصة، التصميم على رفض الاعتراف بالشعب كحقيقة سياسية، والاستمرار في استراتيجية التقسيم والتفتيت التي تهدف إلى قطع الطريق على تكون الشعب واتحاده كهوية سياسية جامعة ومشتركة، وهي الهوية التي لا يمكن قيامها إلا على أسس سياسية ومبادي وقيم إنسانية. فاستراتيجية إجهاض الثورة الديمقراطية، من حيث هي أيضا ثورة تكون الشعوب كقوة مستقلة ومصدر شرعية السلطة والحقوق المدنية والسياسية، تقوم على عدم الاعتراف داخل المجتمع سوى بما يعزز الانقسامات والتمايزات القبلية والطائفية، وعلى عدم الاستجابة إلا للأمور المطلبية الخاصة بكل قبيلة أو طائفة. وذلك من أجل تجنب الاستجابة للمطالب الديمقراطية التي تعني الجميع وتتعامل معهم كمواطنين متساوين وتتوجه إليهم كأفراد لا أبناء عشائر وقبائل وطوائف.

وبالعكس، تستدعي الاستجابة للمطالب الديمقراطية، التي تتلخص في الاعتراف بسيادة الشعب لا بالوصاية عليه، وبالمواطنة المتساوية للجميع، تجاوز التمثيل الطائفي والعشائري والجهوي، والتوجه مباشرة للمواطن كفرد، وإقرار الحقوق الأساسية للشعب ككل، أي أولا بحق الشعب في أي يقرر وحده من يحكمه، وثانيا في الحوار مع ممثليه السياسيين، أو رجال السياسة والقانون والثقافة، من أجل وضع التشريعات وتحقيق التعديلات الدستورية وتحديد الأجندة الزمنية اللازمة لترجمة مباديء الديمقراطية في الواقع العملي.

هذا النمط من الاصلاح الرامي قبل أي شيء آخر إلى تقسيم الشعب ومنعه من التكون كقوة مستقلة ومصدر للشرعية والسيادة، كما تعبر عنها النظم الديمقراطية، هو ما سعى إليه أيضا من قبل نظام مبارك عندما دفع بوزير داخليته إلى تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية لتبعث الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، حتى يبرهن على أن الفوضى هي النتيجة الطبيعية للحرية، ويبرر استمرار نظام القمع وضرورة تجديد البيعة للسلطة الاستبدادية الأبوية. وهذا ما فعله النظام اليمني وما يفعله النظام الليبي عندما هددا بالفتنة بين القبائل، معتقدين أن الولاءات القبلية ينبغي أن تكون أسبق من الولاءات السياسية الجديدة الطامحة إلى بناء فضاءات المواطنة الرحبة والمنفتحة. وهذا ما حاول ان يفعله النظام في البحرين مؤلبا السنة على الشيعة والعكس، ونافيا لروح الوطنية البحرينية الصاعدة على انقاض اللعب بالحزازات الطائفية والمذهبية. وهذا ما يحاول أن يفعله اليوم النظام السوري الذي يسلح هؤلاء وأولئك ويشحن مشاعر الخوف والضغينة بين الطوائف.

لم يعد لهذه الأنظمة جميعا إلا رسالة واحدة، هي تفجير مجتمعاتهم من أجل الاستمرار في إخضاعها وسلب إرادتها وحرياتها ومواردها، وفرض الإذعان عليها، وشدها نحو عصور الظلام الكيئبة. وبالرغم انني على ثقة من أن الشعوب لن تضحي بحرياتها المنشودة وحلمها بحياة جديدة حرة وكريمة في سبيل سفاسف وحساسات وحسابات قديمة وانتقامات لا أخلاقية وتافهة، لا تفيد إلا الطغاة وأعداء العرب أجمعين، إلا أننا لا ينبغي أن نستهين بما يمكن أن تفعله طغم فقدت صوابها، ولم يكن لديها يوما شعور بالمسؤولية تجاه بلدانها، وما يمكن أن تنصبه للشعوب من أفخاخ تكلفها ضحايا كثيرة، وربما تؤخر يقظتها وولادتها الجديدة لسنوات طويلة قادمة. وما فعله القذافي وأفراد عائلته الذين ورطوا شعبهم في حرب جرت عليه الدمار وكرست التدخل الدولي في شؤونه، لا يزال ماثلا أمامنا. باسم هذه الشعوب المقهورة وحقها في أن تعيش بسلام وتحرز تحررها أدعو جميع المثقفين العرب والوطنيين إلى ان يرفعوا عاليا، وفي كل مكان من الأرض العربية، راية المقاومة العنيدة لاستراتيجيات الفتنة الطائفية هذه وأن يدينوا بصوت مرتفع أصحابها من النظم النظم العقيمة والمعقمة التي تفضل تدمير بلدانها على فتح باب المشاركة في السلطة لشعوبها.

الثورة المدنية وخطط الثورة المضادة

الاتحاد ٥ أفريل ١١

فتحت الثورة المدنية والديمقراطية للشعوب العربية آفاقا كانت الاستراتيجيات القديمة التي استخدمتها بعض حركات المعارضة السياسية قد أغلقتها عليها تماما، إن لم تساهم في تعزيز سطوة النظم الاستبدادية من خلال ما أحدثته من شروخ ومخاوف وعداوات داخل المجتمعات. بل إن هذه الثورة المدنية التي تنادي بالكرامة، بما تعنيه من احترام للفرد الانساني بوصفه كذلك، وبصرف النظر عن أصله ودينه ووضعه الاجتماعي، كما تنادي بالحرية التي تؤسس لسياسات مشاركة جميع الأفراد بصورة متساوية في الشأن العام، أي تنشد باختصار تحقيق المواطنية للجميع، ما كان من المقدر لها أن تنطلق وتتقدم وتنتصر في بعض الأقطار العربية إلا لأنها نجحت في أن تتجاوز ثقافة العصبية وتقاليد الانقسام الحزبوية وتضع نفسها على السكة ذاتها التي تحرك جميع المجتمعات اليوم وتدفعها إلى الارتقاء بوعيها وثقافتها ونظم سياستها وإدارتها إلى مستوى المباديء والقيم والممارسات الإنسانية. ونقصد بهذا المستوى الوصول إلى رؤية الانسان كإنسان، خارج كل مواصفاته الخارجية، وجعل غاية أي حياة سياسية ومدنية منظمة، تحسين شروط حياة هذا الانسان الفرد، من الناحية المعنوية والثقافية والمادية.
هذا هو المضمون العميق للأجندة التحررية التي تحرك اليوم المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج بالفعل، وتسمح لأؤلئك الذين كانوا قد هجروا الحياة السياسية، وهم الأغلبية الساحقة، بالعودة من جديد إلى ساحة العمل الوطني والاجتماعي، ومن وراء ذلك استعادة ثقتهم بأنفسهم، وأكثر من ذلك بأقرانهم الذين بقوا لفترة طويلة غرباء عنهم بسبب الانقسامات الداخلية. وفي تعبيرها عن التطلعات الجديدة والعميقة لهجر الأفراد معازلهم الطائفية والعشائرية التي فرضتها ظروف الشح السياسي على الجميع في الماضي، تعلن هذه العودة إلى ساحة العمل العام، والاستعداد للتضحية من أجلها، بما في ذلك التضحية بالأرواح، الولادة الجديدة للوطنية العربية او بالأحرى الشوق الملتهب إلى الخروج من ذل وضعية الزبائنية والمحسوبية، إلى وضعية المواطنة وما تعنيه من كرامة شخصية وممارسة للحرية والسيادة الذاتية.
من هنا ما كان من الممكن لإرادة الانعتاق التي تحملها المطالب المواطنية إلا أن تصطدم في كل مكان برزت فيه بأنماط من الحكم والإدارة البيرقراطية أو الاستبدادية التي لا يمكن أن تستمر إلا بتحييد الشعوب، ووسيلته الرئيسية تقسيمها والتعامل معها بالقطعة، كقبائل أو عشائر أو طوائف أو جهويات ومحليات، وتعزيز خصوصياتها الأهلية وإبرازها على حساب عموميتها السياسية، أي مواطنيتها. فالمواطنية لا تستقيم من دون الحرية والكرامة والمساواة بين الأفراد وتقديس الحياة القانونية، وبالتالي من دون تكون الشعب كقوة مستقلة عن العشيرة والقبيلة والعائلة والعصبية المحلية، وتدخله المباشر والدائم في تسيير شؤون الدولة واختيار ممثليه بحرية.
وما شهدناه في الأشهر الماضية من مواجهات بين النخب الحاكمة التي عملت ولا تزال المستحيل من أجل إبراز الانقسامات الأهلية داخل مجتمعاتها، وتفجيرها إذا امكن، والشعوب الناهضة لتوها من حطامها، والطامحة إلى أن توحد نفسها وتفرض إرادتها، يعكس بشكل واضح هذا الصراع على تحديد وضعية الفرد ومكانته في بلادنا العربية: وضعية الزبون التابع لزعامة عشيرته أو طائفته أو حزبه أو رئيس دولته، والملتزم من دون تفكير بكل ما يفرضه منطق المحسوبية من ولاء والتصاق والتحام أعمى، او من عصبية، أو بالعكس وضعية المواطن الحر الذي يعرف أن شرط ممارسته لهذه الحرية واحتفاظه بها وتعزيزها والارتقاء بمستوياتها ومعانيها هو احترام حرية الآخر، وتعميم المشاركة على الجميع لتحويلهم إلى رجال أحرار، فاعلين ومسؤولين، أي واعين لمعنى الحرية المدنية والسياسية.
وكما يتطلب الحفاظ على الأوضاع وأنماط الحكم الرعوية والأبوية والاستبدادية الراهنة، القائمة على إخراج الشعوب من معادلة السياسة والقوة، تكسير هذه الشعوب وتقسيمها وإجهاض روح الكرامة والحرية في كل فرد منها، وهذا ما تتكفل به العصا الأمنية الغليظة، يتطلب تحقيق المواطنية التي تجتاح بروحها اليوم الوعي العربي، الانتقال إلى نمط جديد من الحكم، وتنظيم السلطة السياسية، والعلاقة بين الحاكمين والمحكومين، يكون فيها للأفراد السيادة على من يحكمونهم وليس العكس. وهذا يعني أولا انقلابا أخلاقيا، يشير إلى تغير نظرة الفرد إلى نفسه ورفضه أن يعامل، وبالتالي أن يتعامل مع غيره، كمولى وتابع وزبون ومحسوب لا إرادة خاصة له ولا استقلال ذاتي، وثانيا انقلابا فكريا يدفع بالأفراد إلى الخروج عن عصبوياتهم وانغلاقاتهم التقليدية في حجر العشيرة أو القبيلة أو الطائفة نحو فضاءات أرحب يلتقي فيها مع أقرانه في المواطنية، ومن ورائهم، مع أبناء الإنسانية، وثالثا ثورة سياسية تقودهم إلى التحرر من جميع الوصايات الأبوية، المدنية أو الطائفية، والاندماج في مغامرة تكوين رابطة الأمة السياسية التي هي التعبير الأوضح عن الانخراط في التاريخية الحضارية، وأخيرا ثورة اجتماعية تفتح الباب أمام انفتاح الجماعات الأهلية والفئات الاجتماعية والجهوية بعضها على البعض الآخر، من دون أحكام مسبقة وحسابات ماضية أو راهنة، وتقود إلى نشوء روح جماعية جديدة، تتجدد عبرها الجماعة ذاتها وتتحول إلى جماعة وطنية.
وفي هذا الصراع، ليس لنظم الحكم الأبوية والاستبدادية القائمة، وللمصالح الاجتماعية المرتبطة بها، أمل في البقاء من دون إجهاض دينامية التحرر المواطني الراهن هذا، الذي جسده شعار ثوار سورية : (واحد واحد واحد، شعب واحد)، ومن دون إحياء ذاكرة النزاعات المأساوية القديمة، وشحن العواطف البدائية، وتخويف الكل من الكل، ووضع الناس في مواجهات طائفية أو عشائرية إجبارية تفرض على كل فرد الالتحاق بعصبيته ليضمن لنفسه الحماية التي حرمته منها الدولة. والهدف من ذلك هو إجهاض الوليد في المهد، أي الشعب المواطني الحديث الحر والمتساوي، وإكراه الجميع على الانطواء ضمن عشائرهم وطوائفهم من جديد، حتى يمكن التلاعب بانقساماتهم وفرض الوصاية الأبدية عليهم.
هذا ما سعى إليه نظام مبارك عندما دفع بوزير داخليته إلى تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية لتبعث الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، حتى يبرهن على أن الفوضى هي النتيجة الطبيعية للحرية، ويبرر استمرار نظام القمع وضرورة تجديد البيعة للسلطة الاستبدادية الأبوية. وهذا ما فعله النظام اليمني وما يفعله النظام الليبي عندما هددا بالفتنة بين القبائل، معتقدين أن الولاءات القبلية ينبغي أن تكون أسبق من الولاءات السياسية الجديدة الطامحة إلى بناء فضاءات المواطنة الرحبة والمنفتحة. وهذا ما حاول ان يفعله النظام في البحرين مؤلبا السنة على الشيعة والعكس، ونافيا لروح الوطنية البحرينية الصاعدة على انقاض اللعب بالحزازات الطائفية والمذهبية. وهذا ما يحاول أن يفعله اليوم النظام السوري الذي يسلح هؤلاء وأولئك ويشحن مشاعر الخوف والضغينة بين الطوائف.
لم يعد لهذه الأنظمة جميعا إلا رسالة واحدة، هي تفجير مجتمعاتهم من أجل الاستمرار في إخضاعها وسلب إرادتها وحرياتها ومواردها، وفرض الإذعان عليها، وشدها نحو عصور الظلام الكيئبة. وبالرغم انني على ثقة من أن الشعوب لن تضحي بحرياتها المنشودة وحلمها بحياة جديدة حرة وكريمة في سبيل سفاسف وحساسات وحسابات قديمة وانتقامات لا أخلاقية وتافهة، لا تفيد إلا الطغاة وأعداء العرب أجمعين، إلا أننا لا ينبغي أن نستهين بما يمكن أن تفعله طغم فقدت صوابها، ولم يكن لديها يوما شعور بالمسؤولية تجاه بلدانها، وما يمكن أن تنصبه للشعوب من أفخاخ تكلفها ضحايا كثيرة، وربما تؤخر يقظتها وولادتها الجديدة لسنوات طويلة قادمة. وما فعله القذافي وأفراد عائلته الذين ورطوا شعبهم في حرب جرت عليه الدمار وكرست التدخل الدولي في شؤونه، لا يزال ماثلا أمامنا. باسم هذه الشعوب المقهورة وحقها في أن تعيش بسلام وتحرز تحررها أدعو جميع المثقفين العرب والوطنيين إلى ان يرفعوا عاليا، وفي كل مكان من الأرض العربية، راية المقاومة العنيدة لاستراتيجيات الفتنة الطائفية هذه وأن يدينوا بصوت مرتفع أصحابها من النظم النظم العقيمة والمعقمة التي تفضل تدمير بلدانها على فتح باب المشاركة في السلطة لشعوبها.