lundi, juin 27, 2011

حول لقاء ناشطين ومثقفين في فندق سميراميس يوم 27 يونيو 11

دعا ناشطون ومثقفون للقاء يعقد اليوم في قاعة فندق السميراميس في دمشق قال منظيمه أن هدفه هو تدارس الأوضاع السورية والتشاور فيها، وهو مبادرة مستقلة لا علاقة لها بالنظام القائم ولا تهدف إلى الاعداد لأي حوار معه. بيد أن انعقاده في هذه اللحظة التي تتميز بتصاعد مناورات النظام السياسية الهادفة إلى إعطاء انطباع بأن السلطة أصبحت مستعدة للحوار وأنها تتواصل مع بعض أطراف المعارضة أثار الشك في نوايا المنظمين وأهدافهم. وربما ساهم في ذلك أيضا عدم نشر أو تعميم المنظمين لأي بيان واضح بأهداف المؤتمر والمشاركين فيه.

ومن غير المفيد أن يستمر اللغط حول الموضوع في أوساط التنسيقيات أو المعارضة السورية عموما. فكما أن من حق أي سوري أن يمتنع عن المشاركة في هذا المؤتمر وغيره، لا يتناقض استمرار الانتفاضة ودعمها ولا العمل على توحيد المعارضة، مما هو حاصل اليوم، مع رغبة أي فريق سوري في أن يجتمع ليبلور مشروع عمله أو يحدد هويته السياسية والفكرية، ليشارك بحرية، وحسب ما يتفق مع مصالحه ورؤيته الخاصة، في الحراك السياسي الذي يهز سورية اليوم.

موقفنا من هذ اللقاء ليس موقف مسبق ولا يمكن أن يكون كذلك. وليس هناك في الثورة حساب على النوايا. إن موقف قوى الثورة الشبابية والشعبية مرتبط بالموقف الذي سيصدر عن اللقاء، ومدى مواكبته لمسيرة الشعب السوري التحررية، وموافقة اهدافه لمطالب الشعب وأهدافه.

نحن دعاة الحرية والديمقراطية، ولا ندعو بها لنا فقط، إنما لنا ولغيرنا بالتساوي، ولا يمكن أن نحرم أحدا منها حتى قبل انتصار الثورة. وبالمثل لا يمكن لنا، نحن الذين نطالب الآخرين بالنزول إلى الساحة والمشاركة في الثورة وعدم الوقف في مقاعد المتفرجين، أن نطلب من أي فرد أن يشارك حسب ما نريد، أو أن نحرمه من الحرية في تقرير موقفه وطريقه. لذلك ينبغي أن نعتاد على هذا الحراك التعددي، ونسمح للجميع بالتعبير عن رأيهم من دون أن نتوقف عن العمل من أجل تكوين أكبر تآلف ممكن من التنسيقيات وأحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية والمثقفين، لكسب المعركة، وتحريك أكبر طيف ممكن من الرأي العام وجذبه إلى جانب الثورة. وينبغي أن نستمر في تشجيع قطاعات الرأي على بلورة هويتهم والتعبير عن اختلافتهم حتى يمكن هيكلة الرأي العام السوري وتحويله إلى قوى منظمة وفاعلة وإعادة تنظيمه على أسس سياسية وعقلانية واضحة.

ونحن نعرف أن هناك حساسيات فكرية وسياسية متعددة داخل هذا الرأي العام وأن تكوين تآلف واحد منها لا يمكن أن يحصل من خلال أسلوب الاستتباع والالتحاق الآلي كما درجت السلطة القائمة على العمل وإنما من خلال التفاهم والتفاعل بين مختلف هذه القطاعات المنظمة وما تمثله من مصالح ورؤى خاصة، وإقامة التآلف على قاعدة من الوعي الواضح بهوية الأطراف ومصالحها أيضا.

jeudi, juin 23, 2011

رسالة مفتوحة إلى قادة الثورة والمعارضة السورية

بعد صمت دام شهرين كاملين، تحدث الأسد للمرة الثالثة. وكعادته لم يتوجه إلى الشعب حتى لا يشك أحد بأنه قرر الاعتراف بوجوده السياسي وحقه في المراقبة والمحاسبة، ولكن إلى الخاصة من المؤيدين، بعد توسيعها لتتجاوز هذه المرة أعضاء البرلمان أو أعضاء الحكومة وتضم عناصر جديدة من الحزب والدولة. ولم يكن الهدف من الخطاب تخفيف الضغوط الأجنبية المتزايدة بسبب استمرار عمليات القتل والتنكيل بالأبرياء والمتظاهرين السلميين العزل فحسب وإنما، قبل ذلك، إعطاء أمل لقاعدة النظام الاجتماعية، وبعض الشرائح أو الطبقات المهنية التي بدأت تخشى على مستقبلها ومصيرها من استمرار الأزمة، وبشكل خاص للفئة التي لا تزال صامتة وتنتظر جلاء الوضع حتى تتخذ موقفها، والتأكيد على أن النظام لا يزال مسيطرا على الوضع السياسي رغم غيابه عن المشهد، وأن فشل الحل الامني لم يفقد هذا النظام قدرته على الحركة من أجل دفع الأمور نحو عودة الاستقرار المفقود، وأنه قادر على التغيير والتغير، وهاهو يقدم حلا عن طريق الحوار الشامل كما يقول. وكان النظام يراهن من أجل ذلك على قدرة الخطاب المليء بالوعود على أن يثير رضى قطاعات من الرأي العام وأن يؤدي إلى الانقسام والبلبلة، ولو لدرجة قليلة، في أوساط الشعب وحركته الاحتجاجية وحركة المعارضة. أملا بأن يبرهن بذلك للرأي العام على أن هناك أفقا للخروج من الأزمة وأن خطته في قمع الانتفاضة لم تبؤ بالفشل، وأن نظامه قادر على البقاء.

ولا يخفى على أحد، نحن والنظام، أن الجزء السياسي الأهم من الصراع القائم اليوم يدور على كسب هذه الشريحة المهمة من المجتمع التي سيكون موقفها حاسما في الشهر القادم. ويتوقف هذا الموقف على تقديرها للوضع. فإذا شعرت أن النظام لا يزال لديه القدرة على السيطرة على الأوضاع، ستميل إلى مسايرته ثم الالتحاق به، سواء أثبت قدرته هذه عن طريق الانتصار العسكري أو القيام بالاصلاحات التي ترضي قسما كبيرا من الرأي العام. وبالعكس، سوف تلقي بثقلها لصالح الثورة والتغيير إذا أدركت أن النظام هالك لا محالة، ولا فائدة من التمسك به أو المراهنة عليه.

ومن الواضح، وهذا ما أظهرته ردود فعل القوى الاحتجاجية والجمهور السوري عامة، بالإضافة إلى تعليقات الصحافة العربية والعالمية، أن أثر الخطاب كان سلبيا إن لم نقل معاكسا للمطلوب. مما يعني أن الرئيس لم يقنع هذه الفئة الاجتماعية المهمة والصامتة حتى الآن بالانضمام له. وربما خلق عندها شعورا متزايدا بعجزه عن استعادة المبادرة السياسية من خلال ما طرحه من برنامج إصلاح وحوار يفتقدان لأي مضمون مباشر، وعدم قدرته على تجاوز أسلوب الوعود المعروف لكسب الوقت، وتجاهله كليا مسألة الاستخدام المستمر للعنف ضد السكان العزل، ووقف الحرب المعلنة على الشعب، في سبيل الاحتفاظ بطبيعة النظام كما هي، وعدم التطرق إلى وضعه هو كرئيس أبدي، والتلميح على الأقل بأنه لن يستمر في المنصب الذي يحتله إلى الأبد.

كل ذلك عزز الشعور بأن الرئيس لا يملك حلا للأزمة، وإن ما ستشهده البلاد في الأشهر القادمة لن يختلف كثيرا عما شهدته في الأشهر الماضية، حتى لو تخلل ذلك قرارات وإصلاحات شكلية، والتصويت على قوانين جديدة، لا قيمة لها طالما بقيت السلطة الحقيقية مركزة في يد أجهزة الأمن التي تعطل عمل الدستور والقانون منذ عقود، ومادامت سلطة الامن وسلطة الرئيس المطلقة لا تخضع لرقابة او محاسبة لا شعبية ولا برلمانية ولا حتى حزبية.

لامتصاص المفعول السلبي لخطاب الرئيس في الداخل الوطني والخارج الدولي، كلف وزير الخارجية، بوصفه شخصية تقنوقراطية، بعقد المؤتمر الصحفي الذي أريد له أن يشرح بطريقة أكثر إقناعا، خطط النظام الاصلاحية، وأن يطمئن السوريين المترددين في أن المخرج من الأزمة لا يزال في يد النظام، وان السلطة لا تزال تملك المبادرة. وقد حاول وليد المعلم أن يؤكد من جهة على أن النظام لديه القدرة على البقاء، وهو ما دفعه إلى استعراض أسماء الدول والمنظمات التي تدعمه واحدة واحدة، من روسيا إلى الصين إلى الهند إلى البرازيل بعد أن اعلن عن دعم ايران وحزب الله له. ومن جهة ثانية حاول أيضا أن يقنع الرأي العام السوري بأن الاصلاح قادم بالتأكيد، وكاد يقول إن لم يقل بالفعل: جربونا وستجدون أن لدينا ما يسركم، من دون أن يقدم ولو حجة واحدة على جدية التغيير الذي يتحدث عنه النظام والذي يريد له أن يكون تحت سيطرته الكاملة.

لسوء حظ النظام، لم تكن آثار مؤتمر المعلم الصحفي أفضل بكثير من آثار الخطاب الرئاسي. وربما فاقم منها بدل أن يرتيها. فليس من الامور المطمئة لطبقة رجال الأعمال والأوساط الاقتصادية معرفة أن النظام يفكر بمنطق محو الغرب من الخريطة، وهو مثال على التطرف واللاعقلانية وعدم الواقعية، ولا من المتصور أن يردد وزير خارجية دولة تعيش ازمة كبيرة أن القافلة تسير والكلاب تعوي. ووليد المعلم نفسه لم يعود الرأي العام على مثل هذه المبالغات المثيرة التي هي من مصطلحات منطق الحرب. كان من الواضح إذن أن هناك مشكلة، وأن أصحاب النظام بدأوا يفقدون أعصابهم، وأنهم غير مقتنعين هم انفسهم بما يريدون أن يقنعوا به الرأي العام السوري والعالم.

من هنا، بدت مبادرة الرئيس ووزير خارجيته لتخفيف الضغوط الخارجية والداخلية وجذب الطبقة الوسطى أو قسما منها إلى صف النظام وإقناعها بأن هناك مشروع إصلاحي جدي هذه المرة من دون مستقبل. وكان لا بد من دعمها بالمسيرات التأييدية من جهة، وبتشديد القمع للمتظاهرين المعارضين من جهة ثانية. وزاد من طابعها المأساوي رفض قوى الاحتجاج وقوى المعارضة على مختلف فصائلها القبول بمشروع الحوار الوطني الذي عرضه الخطاب، والذي نظروا إليه بوصفه فخا منصوبا لزرع البلبة بين صفوف المعارضن. والواقع أن النظام لم يقدم في مشروعه الحواري من التنازلات ما يغري حتى الأطراف الضعيفة من المعارضة، وبدا كما لو كان امتدادا في مفهومه وأهدافه، وإن على مستوى أكبر، لحوارات الرئيس المستمرة منذ ثلاثة أشهر مع الوجهاء والاعيان المفترضين بهدف تقديم خدمات خاصة لهم تفصلهم عن قضية شعبهم الرئيسية، وهي قبل أي شيء آخر، قضية الحرية، أي الخروج من نظام القهر والقتل والاضطهاد القابع على صدور السوريين منذ خمسة عقود. وهي الكلمة التي تجنب الرئيس لفظها في خطابه كله.

والواقع ان فشل النظام في إقناع الرأي العام بمشروع الانفتاح السياسي الجديد الذي لوح به، بعد وصول حملته القمعية المنظمة إلى طريق مسدود، جاء ليفاقم من أزمة السلطة وضياعها. وعلى صعيد العمل الميداني، سوف ينعكس هذا الإخفاق في إقناع الرأي العام السوري، خاصة الفئة المترددة، بأن لديه مخرجا للأزمة، في تطور متزايد لحركة الاحتجاج. وهو يفتح الطريق لانضواء فئات جديدة سورية تحت لواء التغيير، بعد فقداتها الثقة بمقدرة النظام على معالجة الأزمة، أو ربما برغبته في تقديم التنازلات اللازمة من أجل الخروج منها.

وهذا ما يرتب على قادة الحركة الاحتجاجية وقادة المعارضة الديمقراطية مهام جديدة، تتلخص في ربط الخيوط مع هذه الشرائح السورية التي ستتطلع أكثر فأكثر نحوها بوصفها الوحيدة التي تملك المفتاح لحل الأزمة وحسم الصراع القائم. وتعني هذه المهام أولا بلورة خطاب يتجاوب مع حاجات هذه الشريحة ومصالحها،من ضمن الرؤية الشاملة للتغيير الديمقراطي الشعبي طبعا. كما تعني ارتفاع قادة المعارضة والاحتجاج إلى مستوى المسؤولية في ما يتعلق برسم تصور واضح لهذا المستقبل وتقديم خطة طريق للانتقال نحو الديمقراطية من دون زعزعة أسس الاستقرار الكلي وتدمير النظام العام أو المساس بسلامة الدولة ووحدة الشعب.

المهم أن شرائح الرأي العام السوري التي كانت لا تزال تتردد حتى الآن في الانخراط في الفعاليات الثورية، بالرغم من ايمانها بشرعية التحول الديمقراطي وحتميته، أصبحت الآن مستعدة للتفاعل مع الثورة، وعلينا نحن أن نحول هذا التفاعل إلى مراهنة فعلية على التغيير، وانخراط جدي وعملي في الجهود الرامية إلى عزل النظام ومحاصرته كشرط لتفكيكه والقضاء عليه. ومن أجل النجاح في ذلك ينبغي علينا العمل على محورين: أولا تأكيد الاتساق والانسجام داخل الثورة ووقف التشتت والانقسام وتعدد الأقطاب وتضارب الآراء والاتجاهات، كما بدأنا نشاهد الآن، وثانيا إبراز شخصيات سياسية من الشباب ومن المعارضة الحزبية متناغمة ومستقرة ومطمئنة، وجلعها هي الناطقة الرسمية باسم المعارضة، والتفاهم مع وسائل الإعلام العربية والدولية على ذلك، والحد من التشويش الذي يثيره في ذهن الرأي العام السوري والعربي والدولي ظهور من هب ودب للحديث على وسائل الإعلام باسم الثورة أو باسم المعارضة، وتحميلها مواقف قد تضر بسمعتها واتساق أهدافها، بسبب فقدانهم أي ارتباط بقواها الفاعلة وأي معرفة بخطط عملها وبرامجها واستراتيجياتها وتكتيكاتها. وأنا أتلقى يوميا دعوات لحضور مؤتمرات وتكوين هيئات وحكومات من أناس لم يكن لهم قبل علاقة بالسياسة، وغالبا من منطلق حب المشاركة والحرص على أن لا تضيع فرصة تحرير سورية من نير نظام الرق الذي فرض عليها خلال العقود الماضي.

باختصار، نحن الآن أمام مرحلة جديدة من تطور الثورة، هي مرحلة كسب الرأي العام الصامت، مما يشكل شرطا لحسم الصراع مع النظام. ولا نستطيع أن نحقق ذلك إذا بقينا نسير على النهج الذي اتبعناه حتى الآن، والذي تفتقر فيه المعارضة وحركة الاحتجاج الشبابي إلى رموز واضحة، ويحق فيه لأي فرد مهما كانت ارتباطاته ضعيفة بالقوى الفاعلة على الأرض وأفكاره بعيدة عن أفكار الحراك السياسي الواسع، وأحيانا مناقضة لها، بأن يعبر عن الثورة والمعارضة، كما لو كان زعيما من زعمائها أو ممثلا لها. وإذا لم نستطع أن نتفق منذ الآن على تكوين جبهة معارضة موحدة، فلا مانع من أن تعين قوى المعارضة المنظمة المختلفة ناطقا رسميا لكل منها، ينطق باسمها، فيكون للتنسيقيات ناطق رسمي أو أكثر، ولإعلان دمشق ناطق رسمي، وللتجمع الوطني الديمقراطي ناطق رسمي، وللمعارضة الكردية ناطق رسمي أيضا إذا أرادت أن تحتفظ بتميزها داخل إعلان دمشق. وأن يشكل الناطقون الرسميون للحركة الشبابية الشعبية وللمعارضة لجنة تشاورية ينسقون في ما بينهم بشأن الخطاب والشعارات والمهام الإعلامية المطلوبة لدعم الثورة. على أن تكون مسؤولية الحركة الديمقراطية مرتبطة فقط بما يصرح به هؤلاء وليس غيرهم.

هذا هو الحد الأدنى من التنظيم والتنسيق المطلوبين اليوم في غياب إمكانية الإعلان الرسمي عن ولادة جبهة معارضة سورية شاملة. وبهذا يتبلور للمعارضة الديمقراطية خطاب واحد لدى الرأي العام، ويطمئن كل فرد وكل جماعة على اهداف الثورة وقيمها وغاياتها، ولا تختلط تصريحات هولاء باولئك. فمن المعروف ان للنظام، كل نظام أعداء وخصوم مختلفين، على يساره ويمينه وفوقه وتحته. ومن المفروض أن يكون للمعارضة صوت واحد معروف ومسؤول لا يختلط بتصريحات قوى أخرى تكن العداء، لغايات مختلفة تماما، للنظام. وليس كل معاد للنظام بالضرورة شريك في المعارضة، خاصة وأن النظام السوري كون لنفسه عداوات في كل مكان وفي كل الجهات. فالنقمة الطائفية ليست معارضة ديمقراطية، وخطابها العدواني حتى لو عادى النظام فهو يسيء للمعارضة بمقدار ما يساهم في خلق شرخ داخل المجتمع والرأي العام يعطل الحركة الديمقراطية القائمة على تعميم مفهوم المواطنية. وعداء بعض القوى الغربية للنظام من ضمن طموحها لتوسيع نفوذها وسيطرتها على المنطقة أو دعم بعضها لاسرائيل لا علاقة له، ولا ينبغي بأي حال أن يختلط مع صراع المعارضة من أجل سورية ديمقراطية، لأن أساس هذه الديمقراطية هو سيادة الشعب ومن ورائها سيادة الدولة واستقلالها أو استقلال قرارها الوطني. ولذلك من يطالب بتدخل عسكري أجنبي مستفيدا من هذا العداء، يقوض الأسس التي تقوم عليها ثورة الشعب الديمقراطية، أعني السيادة الشعبية.

من دون العمل على تعيين ناطقين مسؤولين أمام الرأي العام عن أقوالهم، يمثلون بالفعل قوى المعارضة المنظمة، الاحتجاجية والحزبية، ويعبرون عن أهداف الشعب ومصالحه لا عن مصالح وعداوات خاصة او أجنبية، ستجد الثورة نفسها في حالة من الفوضى الفكرية والسياسية، لا يعرف أحد ماهي قواها الحقيقية وما هي غاياتها ولا إلى ماذا ستؤول إليه بعد سقوط النظام. وبالتاكيد لا يمكن لهذا أن يطمئن أحد أو أن يكسب من لا يزال مترددا من الجمهور السوري. وإذا ستمر من دون معالجة سنجد أنفسنا أمام وضعية اهتراء لا تغيير، تتلخص في أن النظام يتهالك ويفقد رصيده ويضعف لكن مع غياب أي قوة أخرى تستثمر هذا الضعف وتجيره لصالح بناء سورية الجديدة. ومن المؤكد أن استمرار مثل هذا الوضع الذي يجمع بين ضعف النظام وضعف المعارضة لن يطمئن أحدا وسوف يزيد من القلق وعدم الثقة لدى الرأي العام السوري والدولي، وبالتالي لن يساعد على التقدم إلى الأمام، وإنما سيخلق حالة من الإحباط والاستنقاع والمراوحة في المكان إلى أن تظهر عوامل داخلية او خارجية جديدة تدفع بالاوضاع إلى مسارات لا أحد يريدها او يسيطر عليها.

mercredi, juin 22, 2011

خطاب الأسد: ما الذي يمنع سورية من الانتقال فورا نحو الديمقراطية؟

الجزيرة نت 25 يونيو 11

يصمت الرئيس الأسد أسابيع وأحيانا أشهرا طويلة قبل أن يتوجه بخطاب إلى شعبه، بينما تعيش سورية أياما وليالي دامية منذ اتخاذ قرار مواجهة السلطة حركة الاحتجاج الشعبية بالعنف. وفي كل مرة يقرر الرئيس أن يتكلم فيها يزيد من تعقيد المشكلة ويفاقم الأزمة بدل أن يساهم في حلها. والسبب أنه لا يزال يرفض الاعتراف مما لم يعد من الممكن تجاهله، أعني لفظ جزء كبير من الشعب السوري، إن لم يكن أغلبيته الساحقة، لنمط النظام الأحادي والأمني القائم في البلاد منذ ما يقارب نصف قرن، وتطلع أبنائه، كما حصل في أكثر من بلد عربي، إلى الحرية، واستعدادهم لبذل أرواحهم من أجل تأكيد حضورهم السياسي وحقهم في استعادة ملكيتهم لبلدهم الذي اختطف منهم. وبدل البدء بخطوات عملية سريعة تظهر الاستعداد للتغيير والسير نحو نظام ديمقراطي جديد يعترف بحقوق الشعب ويكرسه مصدرا طبيعيا للسلطات، يفيض الرئيس دائما بالحديث عن المؤامرة، والتفريق بين الصالحين والأشرار، والتقليل من أهمية حركة الاحتجاج، وأحيانا من قيمة المحتجين وشرفهم، ويذكرنا، تقريبا في كل خطاب، باللجان التي شكلها، وبتلك التي سوف يشكلها للقيام بهذه المهمة أو تلك، من دون أن يسأل مرة واحدة عن حصيلة عمل هذه اللجان ونتائج أعمالها، ومنها مثلا لجنة التحقيق في قتل المتظاهرين التي شكلها في الخطاب الاول بعد أن أشاع إعلامه أنه لم يأمر بإطلاق النار، ولم نسمع عن هذه اللجنة بعد ذلك أي خبر.

مع ذلك ما يحتاج إليه الرئيس كي يخرج البلاد من الأزمة ويوقف شلال الدم اليومي الذي يتعرض له مواطنوه، وما تحتاجه سورية من أجل إطلاق عجلة النشاط الاقتصادي الذي تنتظره جميع الفعاليات المهنية بفارغ الصبر، كما ينتظره أبناء الشعب الذين تفاقم الأزمة المستفحلة من قلقهم على مصيرهم ومستقبل أبنائهم، هي خريطة طريق بسيطة لا تتعدى بضعة نقاط. وهي ما كان السوريون ينتظرونها في ال20 من يونيو حزيران:

- إلغاء المادة الثامنة من الدستور وكف يد المسؤولين عن وضع البلاد على شفير الحرب الأهلية، ووقف العمليات العسكرية وأعمال العنف بكافة أشكالها، وفتح وسائل الإعلام الوطنية، وضبط أجهزة الأمن ووضعها تحت إشراف وزارة الداخلية والقضاء، وحل الميليشيات الخاصة التي استخدمت في قمع المتظاهرين، وإلحاق جميع القطعات العسكرية المستقلة بالجيش الوطني النظامي.

- تشكيل حكومة انقاذ وطني تضم شخصيات مقربة من حركة الاحتجاج الشعبي، مثل عارف دليلة وميشيل كيلو ورياض سيف وحسن عبد العظيم، مهمتها قيادة المرحلة الانتقالية وإنجاز المهام المرتبطة بها، وهي إعداد دستور ديمقراطي جديد وقانون الأحزاب والانتخابات للبلاد، والتحضير لانتخابات تشريعية تعددية تحت مراقبة هيئات قانونية، خلال مدة ستة أشهر، بهدف الوصول إلى نظام ديمقراطي وحكومة منتخبة من الشعب ومسؤولة امامه.

- الإطلاق الفوري للحريات النقابية والاعلامية والسياسية.

- وأخيرا الإعداد لعقد مؤتمر للانصاف والعدالة، غايته معالجة آثار الصراعات الدامية القريبة والبعيدة، ورد المظالم، وإشاعة روح المصالحة والأخوة بين السوريين، وتعزيز اللحمة الوطنية وترسيخ الايمان بالمستقبل القائم على استلهام قيم الحرية والعدالة والمساواة والأخوة الجامعة للسوريين، بعد عقود من الفرقة وممارسة سياسة التمييز وزرع الشكوك وإخفاء المآسي التي خلفها نظام الحزب الواحد.

لو أخذ الرئيس بمثل هذه الخطة البسيطة والقابلة للتطبيق فورا لكان لخطابه وقع الصاعقة على الأزمة السياسية السورية، تفكيكا وتقطيع أوصال. وكان سيحصل في سورية ما حصل في تونس ومصر وليس في اليمن وليبيا، ولو متأخرا، أي استمرار المظاهرات لفترة قصيرة، لا تتجاوز ربما الأسبوع أو الأسبوعين، ثم تعود المياه إلى مجاريها، بعد أن يدرك الشعب المتظاهر والخائف من المستقبل والغاضب على سياسة العنف التي تتبعها السلطة، بأن هناك حكومة ثقة بدأت العمل فعلا، وأنها لن تخدعه أو تخذله أو تملي عليه أوامرها باستخدام القوة، وأنها لا تمانع في أن تحفظ له حقه في التظاهر السلمي الذي هو سلاحه الوحيد من اجل ضمان حقوقه ومشاركته.

ما الذي منع ويمنع الرئيس من تبني خطة من هذا النوع، واستبدالها بخطة واضح أنها ترمي إلى كسب الوقت، ثلاثة أشهر أو سنة حسب ما جاء في الخطاب؟ بالتأكيد ليس السبب، ولا يمكن أن يكون، الحرص على الاستقرار، وطمأنة رجال المال والأعمال وبقية الصناعيين والحرفيين، المهددين مع استمرار الأزمة بالإفلاس. فبعكس ما أوحى به الرئيس الأسد في خطابه الأخير، ليس الاستقرار المفروض بقوة السلاح هو الذي يضمن الاصلاح اليوم. وهذه كانت فرضية السلطة منذ عقود. إن استخدام القوة ضد المتظاهرين هو الذي يشكل اليوم المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار مع ما يرافقه من عنف واضطرابات وقلاقل يومية، بينما يشكل الاصلاح الجدي، أي تحقيق مطالب الشعب في الانتقال نحو نظام ديمقراطي جديد، المدخل الحقيقي والوحيد للاستقرار وإعادة إطلاق الحياة الاقتصادية والاجتماعية ووقف شلال الدم والضغوط الأجنبية والإقليمية المتزايدة المرتبطة به. وهذا يعني أن تطمين رجال الأعمال والصناعيين والتجار والمستثمرين الاجانب الذي يحتاجهم إقتصاد البلاد، أصبح اليوم، بعكس الماضي، رهن تطمين الطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة التي فقدت أي أمل لها بالحياة في ظل نظام الفساد والقمع القائم، وأصبحت تشكل الخزان الواسع، إن لم نقل البركان الثائر، لجحافل الثورة وتقدم لها وسائل الاستمرار. والمراهنة على قهر هذه الطبقات والشرائح، بالعنف أو بتنظيم المسيرات المضادة، ليست خاسرة سلفا فحسب ولكنها لن تفيد إلا في زعزعة أكبر للاستقرار، وربما تقود أكثر من ذلك، إلى نزاعات أهلية لا يمكن السيطرة عليها، وتجر معها تدخلات عسكرية أجنبية ستفرضها لا محالة شلالات الدماء إذا ما اندلعت لا سمح الله مثل هذه النزاعات.

ولا أعتقد كذلك أن سبب رفض مثل هذه الخطة هو الحفاظ على قوة سورية ودورها الإقليمي كلاعب متميز في المنطقة. فلا نقاش في أن سورية ستكون أقوى عندما يحصل التلاحم بين الشعب والحكومة، ويسودها حكم القانون، وتتعزز فيها المؤسسات الشرعية التي فرغها من مضمونها تسلط أجهزة ومنطق الامن والمخابرات، وتقوم السلطة فيها على أسس الشرعية الديمقراطية التي تضمن التداول السلمي والدوري للسلطة من دون صراعات دموية ولا إنقلابات عسكرية، وتقوم وحدة شعبها على العدالة والمساواة والتضامن بدل تسيد البعض وسياسة التهميش والاقصاء والتمييز وحكم الغاب إزاء البعض الآخر. ففي ظل هذا النظام الديمقراطي سيزول عنها كابوس الأجهزة الامنية وأشباحها وشبيحتها، وتزيد ثقة أبنائها سيطرة حكم القانون، ويسودها الوئام الاجتماعي ويعم فيها الازدهار الاقتصادي. وستكون قدرة سورية ومجتمعها على مواجهة التحدي الاسرائيلي واستعادة الجولان المحتل أكبر بكثير عندما تتفرغ قواتها المسلحة إلى عملها العسكري ولا تشغل نفسها بقمع المتظاهرين في المدن والاحياء الشعبية ولا تدفع إلى مواجهة شعبها والتورط في قتل الاطفال والشيوخ. وبعكس ما يحاول الايحاء به خطاب الانصار والأزلام، لن يضعف التحول الديمقراطي من التزامات سورية العربية وتضامنها مع الشعب الفلسطيني واندماجها في محيطها الطبيعي، وإنما سيجعلها أكثر انسجاما مع هذا المحيط النازع هو نفسه إلى الحرية، والمتمرد على الأنظمة القمعية، وبالتالي أكثر قدرة على التعاون والتفاهم والتضامن مع الديمقراطيات العربية الصاعدة. وسوف يفتح كل ذلك، اكثر من أي حقبة سابقة، طريق الاتحاد العربي الذي لا يمكن أن يتحقق بين نظم ملكية او شبه ملكية وراثية تعتبر البلاد ملكها الشخصي، بأرضها ومن عليها، وإنما بين شعوب حرة صاحبة قرارها وذات سيادة على أوطانها. وماحصل في تونس ومصر هو خير دليل على ذلك. وسيدفع ذلك أيضا إلى تعزيز اواصر التعاون الثقافي والاقتصادي والاستراتيجي مع دول الإقليم الصديقة.

إن ما يملي على الرئيس الأسد اختياره لخطة طريق غير مقنعة وغير سالكة، هو سعيه إلى التوفيق المستحيل بين مصالح أصبحت اليوم متنافية بحكم التغير الكبير الذي طرأ على تفكير الشعب السوري أو على جزء مهم منه اليوم. فلا يمكن التوفيق بين الحوار الذي يقترحه النظام، حتى في شكله الذي يفتقر إلى تحديد الهدف وجدول الاعمال والضمانات، واستمرار الحرب المعلنة على المسيرات السلمية وما ينجم عنها كل يوم من فظاعات وعنف وحشي لا يستطيع أحد أن يحتمله. ولا بين مكافحة الفساد وحماية شبكات المصالح العائلية والزبائنية التي أصبح القريب والغريب يعرفها ويعرف موقعها ودورها، ولا بين الوعد بتعديل الدستور وانتخابات تعددية والحفاظ على السلطة التعسفية المطلقة التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية التي روعت الشعب السوري خلال عقود وانتهكت حقوقه وكانت السلاح الأمضى الذي استخدمته شبكات الفساد من أجل لجم الشعب ومنع المراقبة والمحاسبة وتأجيل الإصلاح.

على الرئيس إذا أراد لخطابه أن يحظى بشيء من ثقة السوريين بعد أشهر من السياسات الخاطئة، وغير المبررة، أن يختار بين أن يكون محاورا يمد يده بصدق إلى الشعب المتمرد وإلى معارضته، أو أن يكون قائدا لميليشيات الأمن والوحدات الخاصة في قمعها للشعب وردعها له وترويعه، وبين أن يكون حامي الفساد والفاسدين أو من يطبق حكم القانون عليهم، وبين أن يكون الطاغية الذي يعتمد في وجوده على توسيع مهام أجهزة الأمن وأدوات القمع والقهر والترويع للأفراد والجماعات أو أن يصبح رئيس الجمهورية الذي يمتثل لإرادة الشعب ويراهن على مشاعر الولاء والثقة والمكانة والاحترام التي يولدهاعند الشعب كفالته لتطبيق القانون بعدالة وإنصاف ومساواة المواطنين في حماية حقوقهم وحرياتهم,

هنا تكمن المشكلة الحقيقية التي لا تزال تفصل بين الرئيس وبين عموم السوريين، والتي حاول أن يغطي عليها بالإشارة إلى الحب الاستثنائي الذي يمحضه له جمهور لا يقل سورية عن الآخرين. وهو موجود بالتاكيد، وينبغي الاعتراف به، وإعطاؤه حقوقه أيضا. لكن ليس لهذا الحب ولا لتلك الحقوق قيمة اليوم إذا كان هدفها إنكار شرعية حقوق السوريين الآخرين، وتكريس غياب حكم القانون، والتشهير بالقيم الإنسانية التي لا معنى للحياة المدنية من دونها، قيم الحرية والمساواة والعدالة والانصاف، كما تفعل أجهزة الرئيس الإعلامية. فكي يحفظ لخطابه صدقيته ولجماعته حقوقها ينبغي أن يكون الرئيس رئيس جميع السوريين وأن يخضع مصالح فريقه لمباديء القانون والعدالة نفسها التي يخضع لها مصالح الآخرين. وإذا تحول أو قبل أن يتحول إلى رئيس فريق من السوريين ضد فريق آخر، أصبح أمير حرب وسببا في إشعال الفتنة لا دريئة تحمي منها. وبمقدار ما يتورط في مثل هذا الموقف، ويترك منصب الرئاسة، الضامن لوحدة الشعب وسيادة القانون، شاغرا، يساهم هو نفسه، أكثر من أي طرف اجتماعي آخر، في تقويض "النظام" الذي يريد أن يدافع عنه.

vendredi, juin 17, 2011

Statement of the local coordinating committees and the unity of the Syrian opposition

The revolution of the Syrian people that began on March 15, 2011, stirred up a stagnant life and led to an explosion of politcal energy of thel Syrian society as never before. This initiative led to many conferences and meetings, the latest of which was the initiative of the Local Coordination Committees that reflected a matured vision of the current phase and can be a common ground for a united effort of Syrians to support the revolution and continue on its path until reaching its goals.

And in order to avoid that the efforts be distributed in a way that would waste time for our people, and to lift the siege they are under as quickly as possible, and to reobtain the political initial inside and outside the country, I call upon all of the friends who have given me their trust and all the activists and opposition members to join this initiative to develop and cooperate with it to form a united opposition front that the Syrian people has been waiting for for months, representing a clear and strong political title of the revolution, empowering its achievements and standing in face of the regime's maneuvers, paving the path of victory for the free and democratic Syria


وثيقة لجان التنسيق المحلية ووحدة المعارضة السورية

دفعت الثورة الشعبية التي انطلقت في الخامس عشر من آذار عام 2011 إلى تحريك الحياة الراكدة وتفجير طاقات المجتمع السوري السياسي كما لم يحصل من قبل. وأنتج هذا الحراك مبادرات ومؤتمرات ولقاءات كثيرة كان آخرها المبادرة التي طرحتها لجان التنسيق المحلية التي تعبر عن رؤية ناضجة للمرحلة وتصح أن تشكل أرضية لوحدة العمل السوري من أجل دعم الثورة والاستمرار بها حتى بلوغها غاياتها. وحتى لا تتوزع الجهود ونضيع المزيد من الوقت على شعبنا ونسرع أكثر ما يمكن في كسر الحصار المفروض عليه واستعادة المبادرة السياسية في الداخل والخارج، أدعو جميع الأصدقاء الذين أولوني ثقتهم وجميع النشطاء وقوى المعارضة إلى الالتفاف حول هذه المبادرة من أجل تطويرها والعمل من حولها على سبيل تكوين جبهة معارضة موحدة لا يزال الشعب السوري ينتظرها منذ أشهر، تشكل عنوانا سياسيا واضحا وقويا للثورة، وتعزز مكاسبها، وتضع حدا لمناورات السلطة، وتعبد طريق الانتصار لسورية الحرة والديمقراطية.

lundi, juin 06, 2011

المعارضة السورية أمام تحدي إسقاط النظام




صدق من قال إن سوريا نموذج قائم بذاته لا يشبه أي نموذج عربي آخر. وما ميز هذا النموذج بالمقارنة مع النماذج العربية الأخرى، بما في ذلك ليبيا واليمن، هو طبيعة النظام القائم، ومنطق ممارسته السلطة، والعلاقة التي تحكم ردوده تجاه قوى الاحتجاج الشبابية التي تعرفها سوريا منذ الخامس عشر من مارس/آذار الماضي.

وقد لفت نظر الرأي العام العربي والعالمي السهولة التي يظهرها أصحاب النظام في استخدام القوة وإطلاق النار على المتظاهرين، كما لو كنا في فيلم رعاة بقر هوليودي، والجرأة التي تميز بها النظام في إرسال الدبابات والمدرعات والحوامات للقضاء على بؤر الثورة، وممارسة العقاب الجماعي، وتلقين السكان المدنيين العزل دروسا في الهزيمة والإذلال والقهر لم يحصل إلا تجاه شعوب محتلة وفي إطار الاحتلالات القاسية التقليدية.

"
أن تتصرف تجاه شعبك كما لو لم يكن هناك قانون أو رادع وطني أو أخلاقي غير العنف والقوة، فهذا هو التميز الأكبر للنظام السوري بالمقارنة مع الأنظمة العربية الأخرى
"
أن تتصرف تجاه شعبك كما لو لم يكن هناك قانون أو رادع وطني أو أخلاقي غير العنف والقوة، بصرف النظر عن عدد الخسائر في الأرواح والممتلكات، وعن عواقب ذلك على مستقبل الدولة والأمة، ومن دون أن تحسب حسابا للرأي العام العربي والعالمي، وأن تكابر أكثر، وتصر على أن القاتل هو الشعب نفسه أو جزء منه، وأنك أنت الضحية والشعب هو المذنب، هذا هو التميز الأكبر للنظام السوري بالمقارنة مع الأنظمة العربية الأخرى.

في جميع النماذج التي عرفناها، باستثناء ليبيا التي دفعها ملوك أفريقيا إلى دائرة التدخلات العسكرية الأجنبية، حصل إطلاق نار بالتأكيد ولا يزال يحصل، لكن ضمن نطاق محدود، وفي إطار الاعتراف بالشعب والتلويح بإمكانية النقاش حول حقوقه أو الالتزام بتحقيقها أو تحقيق جزء منها.

لكن لم يطلب نظام آخر من شعبه الاستسلام من دون قيد أو شرط، والعودة إلى تقبيل موطئ قدم الرئيس، الذي هو شعار أنصار الأسد وجنوده المخلصين، والقبول بالعقاب الجماعي كتطبيق للقانون، كما يحصل في سوريا.

بعد شهرين ونصف الشهر من التضحيات الهائلة، قدم فيها السوريون آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، وتعرض فيها الألوف أيضا للتعذيب المر ولممارسات حاطة بالكرامة الإنسانية والسلامة البدنية، ومثل فيها بجثث أطفال، وأهين شيوخ، وقتلت نساء، من دون أي سبب سوى إرادة الترويع والإرهاب التي جعلت منها السلطة السورية سلاحها الأمضى لثني الشعب عن مطالبه وإجباره على الركوع، لا يزال النظام متمترسا وراء خندق المؤامرة الخارجية ليبرر جميع الأعمال والانتهاكات الصارخة لحقوق الفرد والمجتمع.

ولا يزال الرأي العام العربي صامتا بصورة مريبة. فلم يصدر عن أي دولة عربية ولو نداء للنظام السوري بوقف المجازر والأعمال العسكرية تجاه شعب يعتبر رسميا شعبا مستقلا وذا سيادة. كما فشل مجلس الأمن في إصدار بيان يدين فيه أعمال العنف التي يمارسها النظام ضد شعب أعزل بسبب معارضة موسكو والصين وحمايتهما للنظام لغايات إستراتيجية ومصالح قومية.

أمام هذه التحديات الكبرى التي تواجه الثورة السورية، والصعوبة المتزايدة لتسجيل نتائج سياسية على الأرض مقابل آلاف الضحايا، تبدو المخاطر التي كنا نحذر منها في السابق أكثر احتمالا اليوم من أي وقت آخر.

ومن هذه المخاطر الاحتمال المتزايد لانزلاق قطاعات من الرأي العام المروع والملوع بعد شهور من القتل والملاحقة والعنف، نحو الطائفية. ووقوعها، في موازاة ذلك، تحت إغراء المراهنة على القوة والعنف المضاد بدل التمسك بالوسائل السلمية.

"
رجال السلطة الذين سعوا ولا يزالون يسعون، بكل ما أوتوا من قوة ووسائل، لإفساد الثورة، لا تبدو عليهم المقدرة على الالتزام بأي مبدأ أخلاقي أو إنساني أو وطني
"
وإذا كانت هذه القطاعات لا تزال محدودة حتى الآن فليس من المستبعد أن يتفاقم الأمر، إذا استمر انسداد أفق الحل السياسي، وتصاعد التوتر والشعور بالاختناق داخل صفوف الشرائح الشعبية. وسيصبح من الصعب أكثر فأكثر على القوى الديمقراطية الحفاظ على موقف الحركة السلمية والمدنية الوطنية، بينما سيزداد خطر تطلع بعض الشرائح إلى التدخلات الأجنبية على سنة المستجير من الرمضاء بالنار، وكذلك إثارة شهية بعض الأطراف الخارجية الانتقامية أو ذات المصالح الخاصة والاستفادة من هذه الانزلاقات من أجل الدخول على الخط والسعي إلى تحقيق غايات ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بأهداف الثورة الديمقراطية ومطالبها.

بالتأكيد، إن الذي يتحمل المسؤولية عن هذه الانزلاقات هو النظام والسلطة التي سدت على الشعب السوري جميع أبواب الرحمة وحكمت عليه بالعبودية الأبدية أو الصراع حتى الموت، للتخلص من أصفاده وكسر قيوده وتحرير نفسه من شروط حياة لا أخلاقية ولا إنسانية.

لكن رجال السلطة الذين سعوا ولا يزالون يسعون، بكل ما أوتوا من قوة ووسائل، لإفساد الثورة ودفعها نحو منزلقات الطائفية والعنف، حتى يبرروا كما يعتقدون القضاء عليها واستعادة السيطرة على المجتمع والبلاد بشروط العبودية التقليدية، قد تخلوا تماما عن أي مسؤولية من تلقاء أنفسهم، ولا تبدو عليهم المقدرة على الالتزام بأي مبدأ أخلاقي أو إنساني أو وطني يمكن المراهنة على تفعيله أو العزف عليه لثنيهم عن خططهم الجنونية في الإبقاء بأي ثمن على نظام العسف والإذلال والقهر والفساد.

من هنا تقع مسؤولية الإنقاذ الوطني وتجنيب البلاد الانزلاق نحو الفوضى والدمار والعنف والنزاعات الداخلية اليوم بالدرجة الأولى على قوى الثورة الديمقراطية، وفي مقدمها قوى الشباب الاحتجاجية التي تشكل المحرك الرئيسي لها، كما تقع على المعارضات السياسية وقطاعات الرأي العام السوري المستنيرة والمستعدة للعمل من أجل المحافظة على مستقبل سوريا، وعلى فرص الانتقال نحو حياة مدنية وديمقراطية سليمة، وتجنيبها أي انزلاقات خطيرة محتملة.

وهذا ما يرتب على الجميع عبئا إضافيا ويهيب بجميع القوى إلى الارتفاع إلى مستوى اللحظة التاريخية، والعمل من دون تأخير على بناء الإطار السياسي الضروري لتوحيد جهد القوى الداعمة للمشروع الديمقراطي المدني وتقديم رؤية واضحة عن سوريا المستقبل، ووضع عنوان واضح ومرجعية ذات مصداقية للثورة، يمكن من خلالها التواصل مع جميع القوى المحلية والعربية والدولية.

"
أظهرت الأيام الأخيرة أن شباب الانتفاضة كانوا السباقين إلى طرح مسألة إعادة هيكلة المعارضة السورية وبنائها بما ينسجم مع حاجات تقدم الثورة وتجذيرها
"
وكل ذلك من شروط تسريع وتيرة عزل النظام وانحلال عصبيته وتعميق تفككه السياسي، وكذلك من شروط إعادة الأمل إلى الشعب بالخلاص القريب وإغلاق سبل اليأس والمغامرة والاستسلام للعنف.

في اعتقادي هناك ثلاث قوى رئيسية تشكل جسم المعارضة السورية، ويتوقف على توحيدها أو التلاقي في ما بينها مستقبل المعارضة الديمقراطية وقدرتها على وضع حد لعسف النظام الراهن وطغيانه وتحكمه في الداخل، كما يتوقف نجاحنا في أن نكسر حاجز الخوف من المجهول والفوضى الذي يبقي جزءا من مواطنينا مترددين في الانخراط في ثورة الحرية، ويسمح للأطراف الدولية بالتهرب من مسؤولياتهم والاستمرار في التساهل مع النظام، بل والتواطؤ معه كما هو حال دولتي روسيا والصين.

الأولى من بين هذه القوى هي قوى الشباب الذين يشكلون الجسم الأكبر للثورة وهم أيضا النسبة الأكبر من المجتمع. وبعكس ما كان يقال حتى الآن عن عفوية الثورة وضعف أطرها التنظيمية، أظهرت الأيام الأخيرة أن شباب الانتفاضة كانوا السباقين إلى طرح مسألة إعادة هيكلة المعارضة السورية وبنائها بما ينسجم مع حاجات تقدم الثورة وتجذيرها.

وأريد بهذه المناسبة أن أحيي هؤلاء الشباب الذين بادروا إلى تشكيل اتحاد التنسيقيات، وهم في طريقهم إلى استكمال هذه العملية على طريق تشكيل قوة واحدة قادرة على العمل الميداني والسياسي المتسق والمنظم. وهم الذين يقفون الآن أيضا في طليعة القوى الداعية إلى تحرك قوى المعارضة الأخرى وتوحيدها.

وقد أظهروا بذلك أنهم قدوة لبقية الحركات والأحزاب السياسية التي لا يزال بعضها يجد صعوبة كبيرة على ما يبدو في اللحاق سياسيا وفكريا بحركة الثورة والتفاعل معها وتقديم إضافة جديدة لها تمثل خبرة الأجيال السابقة ومعارفها.

القوى الثانية التي أظهرت نشاطا متجددا في الشهرين الماضيين هي المعارضة المستقلة التي ولدت من تجمع مواطنين سوريين في المهجر، وهم كثر، من باب الانخراط في العمل الوطني العام، وتقديم الدعم للانتفاضة.

ففي كل العواصم والمدن في العالم أجمع، حيث توجد جاليات سوريا، يكتشف السوريون هويتهم السياسية والوطنية، ويستعيدون علاقتهم مع وطنهم، ويحلمون بالمساهمة الفعالة في بناء مستقبلهم الجمعي. وفي كل يوم تتشكل مجموعات عمل جديدة وتتواصل مع الداخل أو مع بعضها. وهي تشكل بمجموعها خزانا كبيرا للكفاءات والعناصر التي تحتاج إليها الثورة اليوم من أجل كسب الرأي العام العالمي، وغدا من أجل بناء سوريا الديمقراطية الجديدة.

لكن الذي يعيق حركة توحيد هذه القوى التي ينتمي معظمها إلى أفراد مستقلين لم يمارسوا السياسة في السابق، وليس لديهم انتماءات حزبية، هو غياب قوى سياسية منظمة يمكنهم الاستناد إليها والعمل معها أو من خلالها.

أما القوى الثالثة التي كان من الضروري أن تلعب دور الدينامو في تحريك جميع هذه العناصر والجمع بينها وتوحيد رؤيتها ونهجها، فهي قوى المعارضة الحزبية المنظمة التي اكتسبت خلال كفاحها الطويل والمرير ضد الاستبداد خبرة مهمة، وتحول العديد من رموزها إلى رصيد وطني في نظر الرأي العام المحلي والعالمي معا.

للأسف بدت هذه المعارضة أو معظمها، حتى الآن، وكأنها غير قادرة على مواكبة حركة الشباب في ثورتهم، ولا تزال تضيع وقتها في مناقشات ونزاعات داخلية هي من مخلفات العقد الماضي. وبدل أن تشارك في إبداع الإطار الجديد الذي يتماشى مع وتيرة تقدم الثورة ويساهم في تغذيتها بالأفكار والرؤى والتوجهات، ويقدم لها مظلة تحمي ظهرها وتصد عنها الضربات والاتهامات، بقيت غارقة في نقاشاتها السفسطائية، باستثناء بعض البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

إلى هؤلاء أود التوجه اليوم وأقول لهم إن ما نعيشه الآن ليس حالة طبيعية أو عادية وإنما حالة استثنائية وعاجلة وتحتاج إلى عمل ذي وتيرة سريعة تلبي مطالب التحول المستمر داخل الثورة وتستجيب لديناميكيتها. ليس المطلوب منا اليوم التفاهم حول برنامج عمل لحكومة بديلة لسوريا المستقبل.

"
لم يعد أمام السوريين اليوم خيار أو احتمال خيار آخر سوى التعاون من أجل الانتقال بسوريا إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي يساوي بين كافة المواطنين
"
لدينا الوقت الكافي لهذا العمل، وبمشاركة الشباب الذين فجروا هذه الثورة. المطلوب أن تضعوا رصيدكم السياسي والوطني في خدمة الثورة الديمقراطية وبأسرع وقت حتى تحموها وتحفظوا رهاناتها المدنية والديمقراطية من الضياع، أو من الانحراف والانزلاق.

إن ما نحتاج إليه اليوم، لكسر أوهام النظام بشأن قدرته على الاستمرار، وطمأنة الرأي العام السوري وقطاعاته المترددة على المستقبل، وترسيخ أقدام الثورة على الأرض، وتوسيع دائرة انتشارها ونسبة المشاركين فيها، هو تكوين هيئة وطنية تضم هذه القوى المعارضة جميعا، وتنسق بين نشاطاتها، وتوحدها لصالح ثورة الحرية.

فبعد برهان النظام المدوي عن استقالته الوطنية ورفضه التفاهم مع شعبه، وتصميم رجاله على سياسة القتل والقهر والاستعباد، لم يعد أمام السوريين اليوم خيار أو احتمال خيار آخر سوى التعاون من أجل الانتقال بسوريا إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي يساوي بين كافة مواطني سوريا، أو الانزلاق الأكيد نحو العنف والفوضى والخراب.

المصدر:الجزيرة

برهان غليون: سورية دخلت مرحلة الثورة الشعبية - روسيا اليوم

http://www.almogaz.com/news/137011