lundi, décembre 31, 2012

فشل الوساطة الروسية أو عندما تكون روسيا الخصم والحكم في آن واحد



-      تسارعت في الآونة الأخيرة وتيرة البحث عن حلول سياسية للأزمة السورية بعد أشهر طويلة من التصعيد الصاعق للعنف. ولم يتوقف الحديث في الأيام الماضية عن احتمال وجود اتفاق روسي أمريكي حول مخرج قريب يضع حدا للقتال الدائر منذ واحد وعشرين شهرا، حتى بعد أن نفى الروس ذلك وأكد الأخضر الابراهيمي انه لم يأت لتطبيق أي مخطط مسبق متفق عليه بين الدولتين الكبريين.
-      ومن الملفت أن الجميع قد قبل بإعطاء المبادرة لموسكو كي تساهم في هذا الحل، وكأن المطلوب هو تطمين الروس على مواقعهم ومصالحهم في أي حل يخرج سورية مما أصبح يعرف وكانه صراع أهلي أكثر منه ثورة شعب مقهور ضد جلاديه. وبالرغم من أنها كانت ترمي باللائمة على الروس في غياب أي تحرك دولي لحماية المدنيين أو وقف عنف النظام، إلا أن واشنطن لم تكف منذ بداية الازمة عن إسداء النصح لنا بعدم القطع مع الروس وبالتقرب منهم والحوار معهم. وأنا اعتقد الآن أن هناك نوعا من الاعتراف الضمني من قبل واشنطن لروسيا بحقوق خاصة في سورية التي شكلت منذ نصف قرن جزءا من مناطق نفوذها بالفعل، وهي تسعى دائما منذ بداية الأزمة إلى أن تؤكد لها دائما أنها لا تطمح إلى انتزاعها منها.
-      وربما كانت واشنطن تفضل حلا سياسيا يضمن المصالح الروسية في سورية على أي تدخل عسكري تعتقد أنه يمكن ان يكون باهظ التكاليف. كما أن واشنطن التي تقف بالمطلق إلى جانب إسرائيل ليس لها مصلحة كبيرة في أن تستثمر كثيرا في سورية، وليس لها أمل في أن تشدها إليها، وربما كان من الأفضل لها أن تقايض عليها مع روسيا لقاء مصالح استراتيجية أخرى أكثر ديمومة.
-      وربما يتوافق هذا المطلب أيضا مع مطالب معظم الدول الغربية التي تدافع عن انتقال سلمي للسلطة يجنب البلاد الفوضى أو سيطرة القوى المتطرفة كما يقولون، وهو ما يعني أيضا الحفاظ على المؤسسات التي تمكن السلطة الجديدة من ضبط الاوضاع وبسط السيطرة. وهذا ما تقصده الاطراف الدولية جميعا، وفي مقدمها الولايات المتحدة، عندما تؤكد هي الأخرى على التمسك بالحل السياسي واستبعاد الحسم لأي طرف من الأطراف. وهذا ما يفسر أيضا إصرار هذه الدول على التذكير الدائم برفضها القبول بأي شكل من أشكال التدخل العسكري لصالح حماية المدنيين السوريين من القتل المنظم الجماعي أو لتعزيز قدرة الثوار ومنع النظام من إجهاض الثورة والعودة بالبلاد إلى الوراء.
-      والواقع أن هناك قطاعا كبيرا من الرأي العام السوري، بما في ذلك كثير من الثوار، من يميل إلى مثل هذا الرأي، ويعتقد أن حلا سياسيا يحفظ الحد الادنى من تماسك مؤسسات الدولة، حتى لو كان ذلك لقاء تقديم بعض التنازلات الجزئية للنظام، مثل السماح للعصابة المجرمة بالرحيل من دون محاكمة، قد يكون مفضلا على ترك الامور تحسم بالسلاح وما يمكن أن يتبع ذلك من انهيار الدولة وتقاسم المصالح ومناطق النفوذ والصراع المحتمل بين القوى والتنظيمات العسكرية وغير العسكرية، خاصة وأن المعارضة ليست على قدر كبير من القوة والاتحاد.
-      ويعتقد الكثير من السوريين أن الاحتفاظ بعلاقات ايجابية مع روسيا الاتحادية يشكل مصلحة وطنية بعد سقوط النظام لما يقدمه ذلك من موازنة للنفوذ الغربي والامريكي خاصة الذي لا يخفي أن أولوياته في المنطقة هي حماية اسرائيل وضمان أمنها قبل أي شيء آخر.
-      كل هذا كان يعطي لموسكو، بالرغم من كل المعاناة التي كبدتها للشعب السوري، حظوظا كبيرة في أن تقود المبادرة السياسية وأن تستعيد بذلك ما فقدته بسبب دعمها المستمر، خلال الأشهر الطويلة الماضية، لنظام القتلة في دمشق.
-      لكن من الواضح أن موسكو لم تحسن استغلال الأوراق العديدة التي وضعت في يدها والثقة التي أعطتها لها الأطراف المعنية جميعا، بما في ذلك الدول العربية. ولم تظهر الدبلوماسية الروسية لسوء الحظ أنها على مستوى الآمال التي علقت عليها، لا من قبل بعض أطراف المعارضة السورية ولا من قبل الدول الغربية. فقد تصرف الروس ولا يزالون يتصرفون كما لو كانوا طرفا في النزاع وليس وسيطا محايدا فحسب.
-      والواقع أنهم الآن طرف رئيسي فيه. وبقدر ما كانوا في السنة الأولى في خدمة بشار الاسد أصبح بشار الأسد، الذي فقد أي أمل في البقاء أو الحكم، هو الذي يعمل ببقائه لصالحهم. وهم يستخدمون أصراره على البقاء من أجل أن يساوموا على الحفاظ على مصالحهم هم وحلفائهم الايرانيين. وما يبدو على أنه مفاوضات بوساطتهم بين المعارضة والنظام، لا يعدو أن يكون مفاوضات بين المعارضة والحكومة الروسية نفسها. ولذلك لن يتخلى الروس عن الأسد ولن يقبلوا برحيله ما لم تتحقق مطالبهم، وفي مقدمها الاحتفاظ بسلامة المؤسسات التي ترتكز عليها العلاقات الروسية السورية منذ عقود، وفي مقدمها المؤسسة العسكرية والقوى المؤثرة فيها.
-       
-      لذلك لا يبدو أن الروس قد غيروا كثيرا من موقفهم الأصلي، ربما باستثناء قبولهم بمناقشة مصير الأسد، وذلك بالرغم من التصريحات الايجابية للرئيس بوتين ومساعد وزير الخارجية بوغدانوف التي سبقت جولة الابراهيمي ومؤتمراته الصحفية. فجوهر المطالب الروسية في نظري لا يزال هو نفسه، أعني التغيير من ضمن النظام، أو الحفاظ على المؤسسات والتوازنات التي سمحت باستمرار النظام خلال العقود الماضية، خاصة الجيش وربما بعض الأجهزة الأمنية. بالمقابل ليس لديهم مانع الآن من تشريع عمل المعارضة بل القبول بمشاركتها في السلطة.
-      الخطأ الأكبر الذي ارتكبته روسيا هو نفسه الذي ارتكبه النظام أعني التصرف كما لو أن الأمر يتعلق فعلا بمعارضة مسلحة، أي بتمرد يقوم به جزء من النخبة السياسية على السلطة، لا بثورة شعب تتجاوز في دينامياتها آليات الصراع على السلطة ومسائل المشاركة وتقاسم النفوذ واقتسام المناصب والمواقع. وبدل أن يسعى الروس إلى طمأنة السوريين الذين أدماهم النظام ودمر بيوتهم وشروط حياتهم الطبيعية وشردهم في كل الأنحاء، على مستقبل ثورتهم، ثورة الحرية والكرامة التي بذلوا في سبيلها أرواحهم وأملاكهم ورهنوا بانتصارها مصيرهم بأكمله، مالوا إلى لغة التهديد والوعيد، مستقوين بما أظهره بشار الأسد ونظامه من إرادة هستيرية في القتل والتدمير والتمسك بالسلطة مهما كانت النتائج.
-      لن يكون من الممكن التوصل إلى أي حل سياسي يضع حدا للقتال ويحقن الدماء ما لم تعترف كل الأطراف بحقيقة وماهية الثورة المتفجرة على الأرض السورية منذ الخامس عشر من آذار ٢٠١١. وهذا يعني قبل الاعتراف بأن نظام الأسد قد مات بالفعل، ونفق تحت نعال ملايين السوريين الذين لم يكفوا عن التظاهر في ساحات المدن وشوارعها، وفي القرى والأنحاء منذ واحد وعشرين شهرا، واكثر من ذلك تحت أقدام ملايين النازحين والمهجرين واللاجئين الذين فقدوا أغلى مالديهم ومقومات حياتهم.
-      وهذا يعني أيضا أن أية تسوية بين النظام وبين المعارضة على تقاسم السلطة والمناصب والمواقع لن تكون ممكنة، وإذا حصلت مع بعض أطرافها، فلن تحل أي شيء ولن تستمر. إن ما تعيشه سورية هو ثورة على نظام وليس ثورة لتقاسم المواقع والمصالح داخل النظام. ولن تتوقف قبل تكنيس هذا النظام واقتلاعه من جذوره، نظام القتل والعنف والقهر والعبودية والاذلال والإهانة. ومن يريد أن يحتفظ للأسد وزبانيته من الجلادين والمجرمين بمكان ولو رمزيا في النظام الجديد، أو في مرحلة الانتقال إلى هذا النظام، يهدد بأن يفجر المزيد من العنف بدل أن يضع حدا له، ويغامر بأن يوحد نفسه مع القتلة والمجرمين.
-       مثل هذا الاعتراف يفتح الطريق أمام الحلول والمفاوضات كلها وبين جميع السوريين من دون استثناء. فلن يكون هناك لا استئصال ولا استبعاد ولا تمييز لأي فريق. ولن تقبل سورية الجديدة أن تكون على مثال سابقتها، بلد الظلم والتمييز والاقصاء، وستبحث عن جميع التسويات التي تضمن وحدة شعبها وتفاهم أبنائه بصرف النظر عن أصولهم ومذاهبهم ومواقعهم الاجتماعية وقومياتهم.
-       فليس هناك طريق سوى الحوار والتفاوض والتفاهم بين الجميع لوضع أسس المجتمع الجديد ومحاربة أي نزعة مهما كانت للإقصاء أو التمييز أو التهميش. التسويات ليست مممكنة فحسب بين الأطراف الوطنية ولكنها واجبة أيضا لقيام أي نظام ديمقراطي جديد وللحفاظ على وحدة الدولة واستقرارها. لكن أي تسوية لن تكون ممكنة بوجود نظام الاسد القائم على تمزيق النسيج الوطني وزرع الفتنة والانقسام، والتمسك به يعني رفض الحوار الوطني الفعلي والاستمرار في حلم الانتصار على الطرف الآخر والحسم بالقوة العسكرية المحض. وهو ما يتعارض مع أي أمل بإعادة الوحدة والأمن والاستقرار والسلام لسورية والسوريين.
-        

lundi, décembre 24, 2012

معركة الدستور في مصر والبلاد العربية



معركة الدستور في مصر ليست جزئية وإنما هي أم المعارك السياسية، وليست مصرية لكن فاتحة عديد المعارك القادمة حول اعادة اكتشاف بل اختراع المجتمعات أو النظم المجتمعية في كل البلاد العربية التي تعيش اليوم مخاضا عسيرا بالمعنى الحرفي للكلمة. فمن رحم الماضي، رحم الديكتاتورية المقيتة والطويلة توشك أن تولد إنسانية عربية جديدة مخضبة بالدماء والدموع. بالكاد نتعرف على وجهها بين الخرائب، خرائب الروح وخرائب العقل وخرائب الجسد وخرائب المدن.كالوتر المشدود بين ماض لا يريد الرحيل ومستقبل لم تتبلور معالمه بعد، تعيش أمة العرب، من الخليج إلى المحيط، تتقلب على الجمر، والحاضر غياب والحياة أصعب من الموت. إنسانية المواطنة والقانون والدولة والمجتمع والشعب. 
ليس المهم في المعركة القائمة ما نشاهده من اختلاف وتنازع على الكلمات والصياغات والأفكار، المهم أن الدستور أصبح موضع رهان، أصبح ذا معنى. كانت الدساتير تكتب في الدواوين بأيدي المنتصرين وقادة الانقلابات من دون أن تثير أي اهتمام، ومن دون أن ينازع على كتابتها أحد. كان الجمهور يعرف أن دستور تلك البلاد التي هي اليوم رهن الخراب هي إرادة الزعيم والحاكم ورجل الأمن. لأول مرة يدرك العرب أن الحياة في المجتمع تحتاج إلى دستور، و أن لكل كلمة في الدستور قيمة، وأن عليها تبنى قررات ومنها تستمد أفعال وإجراءات تمس حقوق الأفراد وشروط حياتهم. باختصار ان الدستور ليس لعبة حاكم وإنما هو أمر جلل. هو روح النظام في المجتمع وثبت المراجع والقواعد التي تتمحور من حولها وتتأسس عليها علاقات المجتمع بأكملها: علاقات الدولة والمواطن وعلاقات المواطنين فيما بينهم. الآن، في هذا النزاع العنيد حول الدستور يولد المواطن وتولد النظام من قلب الجمهور، تولد الديمقراطية، التي لا تقوم من دونها حرية سياسية ولا كرامة إجتماعية.
Voir la traduction

vendredi, décembre 21, 2012

جمعة عودة الأمل واقتراب النصر


كما كان منتظرا وكما كنا نعمل عليه، شجع تطور ميزان القوى على الأرض لصالح قوى الثورة على تغيير أو على الأقل تعديل مواقف الدول التي كانت لا تزال ترفض الاعتراف بثورة الشعب السوري وتؤيد نظام العبودية والاجرام الذي بنته عصابة من المافيا غطت على حقيقة اهدافها بالحديث عن البعث والوحدة والعروبة والممانعة لقوى الاستعمار والصهيوينة لعقود طويلة. وعندما يقول الرئيس الروسي بوتين أن موسكو لم تعد مهتمة بمصير الاسد الذي حكمت عائلته البلاد خلال اربعين عاما، معترفا بالحاجة إلى التغيير، فهو يقول ايضا بصورة غير مباشرة أن ايام هذه الأسرة القاتلة أصبحت معدودة، ليس ذلك بفضل ما اكتشفه بعد ما يقارب السنتين من التفكير، ولكن لأن الأرض بدأت تميد تحت أقدامها بعد أن وصلت طلائع الجيش الحر إلى دمشق ومشارف القصر الرئاسي. 
والواقع أن بوتين لم يكن حتى في السابق مهتما بمصير الأسد ولكنه كان يرى في وجود الأسد، مثله مثل القوى الأخرى التي تؤيده، الطائفية منها والانتهازية والمنتفعة معا، ضمانة للابقاء على تماسك النظام وعدم تعريضه لضربة سياسية قاضية. وهذا أيضا ماكنا نرمي إليه في المعارضة عندما اعتبرنا رحيل الأسد شرطا للقبول بأي مفاوضات للانتقال نحو نظام ديمقراطي، لأن بقاء الأسد وفريقه، أو زبانيته من كل الأصول، يعني قبولنا بالحوار مع نظام قائم، مستبد ومجرم وفاسد. وهذا الحوار غير مقبول بأي حال. وهو مستحيل مع نظام لا يعرف سوى القتل والغش والخديعة والإذلال. 
إذا كان لا بد من التفاوض مع أحد من أجل ترتيب المرحلة الانتقالية فلا يمكن ولا ينبغي أن يكون مع النظام كنظام، سواء أكان ذلك بوجود الأسد أو من دون وجوده. وإنما مع مكونات اجتماعية تعلقت بالنظام خوفا على مصالحها، أو اعتقدت أنه يشكل حماية لها، بسبب ما خضعت له من عمليات غسل دماغ خلال عقود طويلة ومن خوف الأقلية الطبيعي من الأغلبية، نظرا للقلق من أن تتحول سيادة ثقافتها الخاصة إلى طغيان اللون الواحد على الثقافة الوطنية. هؤلاء هم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري ولا يؤثر في حقوقهم المتساوية ومكانتهم انخداعهم بنظام احترف الكذب والغش والخديعة والاحتيال. والديمقراطية هي النظام السياسي الوحيد الذي يكفل حقوق الأقلية من دون أن يهضم حقوق الأغلبية، سياسية كانت أو مذهبية، ويضمن بالتالي الوحدة الوطنية القائمة على الاختيار لا على الإكراه والقهر.
من هنا يعكس الموقف الروسي الجديد تطورا مهما في مقاربة موسكو للموضوع، لأنها حتى فترة قريبة كانت تتحدث بلغة النظام ذاتها، ولا تقبل أي تغيير لا يكون على رأسه خائن شعبه بشار الأسد. مما أوحى بأن موسكو أسدية أكثر من نظام الأسد نفسه.
هذه خطوة مهمة من قبل الرئيس بوتين لا يمكن لنا إلا الترحيب بها. ولا بد من الترحيب أيضا بما ذكره من أن الشعب السوري هو الذي يقرر من يحكمه وأن المهم ليس مصير الأسد وإنما مستقبل سورية التي ينبغي أن نجنبها مخاطر الانقسام والفوضى وأن نجنب شعبها احتمالات الحرب الأهلية. وجميع هذه الاعتبارات لا يختلف عليها الوطنيون السوريون من أي مذهب كانوا. وبإمكانها أن تشكل منطلقا للحوار بيننا وبين موسكو، من أجل التوصل إلى أفضل الصيغ لتحقيق الهدف المشترك : أعني تغيير النظام الحاكم مع تجنب أكثر ما يمكن مخاطر الفوضى والانقسام، والعمل بشكل جماعي وتوافقي، داخل سورية وبين الأطراف الدولية المعنية، على نقل سورية إلى نظام ديمقراطي مستقر يعبر عن إرادة الشعب ويضمن مشاركة جميع الأطراف ويحظى بثقة الأطراف الدولية التي سيقع عليها العبء الأكبر في دعم مسيرة تحول سورية نحو الديمقراطية وإعادة البناء الوطني بكل ما يعنيه ذلك من معنى، البناء العمراني بالتأكيد، لكن قبل ذلك، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي. 
وبعكس ما يعتقد بعض المتعلقين بأذيال الماضي، وبنظام القمع والقهر الذي فرض على السوريين من الخارج ولم يكن ثمرة اختيارات واعية لأحد، لن يضعف إخراج الأسد وزبانيته من إدارة عملية الانتقال الديمقراطي مكانة الفئات التي أوهمت نفسها بأن وجوده يضمن بشكل أكبر حقوقها، وإنما بالعكس تماما. إن خروجه من العملية هو أكبر ضامن لتعزيز دورها ومكانتها ومشاركتها في مسيرة التغيير الديمقراطي. فهو لم يشكل العائق الرئيسي لهذه المسيرة حتى الآن فحسب، ولكنه هو الذي بنى مجده وحكمه وسيطرته على تقسيم شعبنا، وكان أول من بادر إلى زرع بذور الحرب الأهلية والطائفية، ومن نفخ في نار الانقسام والفوضى والدمار داخل صفوف الشعب والدولة والبلاد لعله يحرف بذلك ثورة الحرية والكرامة عن مسارها . 
لقد كان حكمه خلال السنوات الاثنى عشر الماضية سبة في تاريخ سورية الحديث، تماما كما كانت إدارته للأزمة التي فجرتها هذه الثورة المباركة كارثة، بالمعنى الحرفي للكلمة، على البلاد وسكانها، من جميع المشارب والمذاهب والطبقات. وكلما اسرعنا في الخلاص من هذا المسخ الغريب، زادت حظوظ بلادنا في أن تجد الهدوء والوحدة الوطنية والاستقرار. لقد كان هو ذاته القنبلة الموقوتة الأخطر التي خلفتها بين ظهرانينا إرادة السيطرة الأجنبية الباحثة عن الاستقرار الإقليمي على حسابنا، بما في ذلك اسرائيل والحلف الدولي المؤيد لها، والتي شهدنا في السنتين الماضيتين الأثار المدمرة لانفجارها، ونأمل أن تسعفنا الإرادة الوطنية الصادقة لدى الجميع في أن نحتوي أثارها الفتاكة بعد سقوط الطاغية وزوال حكم الطغيان. 
إذا تم التحقق من هذا الاتجاه وحصل الاتفاق على استبعاد الاسد وعصابته من أي مشروع انتقال للبلاد نحو النظام الديمقراطي الجديد، نكون قد وصلنا بالفعل إلى نهاية النفق، ووضعنا قدمنا لأول مرة، بعد سنتين من العذاب والمحن، على أرض صلبة، وفتحنا طريق التغيير. لن يكون طريقنا سالكا دائما كما نريد، لكننا سنكون عبرنا على الأقل إلى الضفة الأخرى التي تنتظرنا فيها تحديات كثيرة أيضا سنتجاوزها ونتغلب عليها بإذن الله كما تغلبنا على سابقاتها.

jeudi, décembre 20, 2012

الحوار الوطني السوري المطلوب



زاد الحديث عن التسويات السياسية في الأزمة السورية في الأيام الأخيرة، بعد تصريحات فاروق الشرع التي ليس فيها من جديد سوى اعتراف النظام بأنه لن يستطيع ان يربح الحرب التي أعلنها هو نفسه على شعب مسالم لم يحمل البندقية إلا للدفاع عن نفسه بعد تعرضه للقتل المتعمد والمنظم خلال ستة أشهر متواصلة. 
وجوابي أنه لا تسوية بين نظام مجرم وجائر وشعب انتهكت جميع حقوقه وأولها وأخطرها الحق في الحياة. على من أعلن الحرب أن يوقفها، وعلى الدول الكبرى والصغرى التي تريد أن توقف الحرب أن تجبر القاتل على وقف عملياته. وليس هناك تسوية ممكنة بين الجلاد وضحيته. ولا ينبغي أن يكافأ القاتل والمجرم، الذي دمر بلده وقتل عشرات الألوف من شعبه ليبقى في السلطة، على جرائمه ولا أن تقدم له تسوية يخرج منها مبرءأ من الذنب، وربما شريكا في حكم شعب حكم عليه بالإبادة الجماعية والفتك والدمار. ولا أعني رئيس العصابة وحده ولكن العصابة بأكملها. ينبغي على هؤلاء أن يحاكموا ويدفعوا ثمن ما اقترفوه بحق شعبهم بطوائفه وأطيافه جميعا دون تمييز.
وإذا كانت هناك مخاوف عند بعض الطوائف الصغيرة، وهي حقيقية ومحقة، ينبغي على جميع السوريين الحوار من حولها والعمل مجتمعين على الوصول إلى الترتيبات التي يحتاج إليها التفاهم الوطني وتضمن تطمين الجميع. 
ليس هناك أي سبب كي لا يبدأ الحوار منذ الآن، لكن ليس مع عصابة الاجرام، وإنما بين أطياف المجتمع المختلفة نفسها، ومع من يمثلها فعلا ويعبر عن مطالب الناس المواطنين السوريين الحقيقية والشرعية المتساوية وحقوقهم. وليس لأحد أن يعطي ضمانة لأحد سوى الشعب نفسه، ولا يستطيع أن يعطي مثل هذه الضمانات الحقيقية سواه. أما الضمانات الشكلية أو الأجنبية أو الانقسامية التي يراد إقامتها على حساب السوريين أو بالأحرى وحدة الشعب السوري وسيادته واستقلاله ووحدة أراضيه فلن تقدم أي ضمانة فعلية، بل إنها ستكون منبع نزاعات جديدة لا تنتهي. أما بشار وعصابته فهو لا يمثل وليس من المقبول أن يمثل أي فئة اجتماعية أو طائفةو ولا أن يتحدث باسم أحد من السوريين الذين دفعهم إلى الانقسام والدمار والموت وهو عارف ومصمم وقاصد . ولا يكون التطمين بالقوة وإنما بالتفاهم حول دستور الدولة الذي يحكم السوريين ويحتكمون إليه جميعا، والقوانين التي ينبغي أن تضمن المساواة والحرية والعدالة للجميع، من دون أن يظلم أحد أو أن تحصل التسوية إذا كان هناك حاجة إلى تسوية على حسابه، مهما كان وزنه أو عدده أو موقعه. 
من هنا الحديث عن تسوية مع النظام لا يعني سوى مكافأة المجرمين على إجرامهم، لكن التسوية والصفح والمصالحة بين جميع طبقات وفئات وطوائف ومذاهب الشعب، هذا هو المطلوب وهو ما ينبغي تحقيقه. ولا مانع أن تساعد الدول المعنية بوقف العنف في تنظيم طاولة حوار وطنية بين ابناء الشعب أو أطيافه لتذليل عقبات التفاهم وتطمين الجميع وإعادة بناء الوحدة الوطنية لجميع السوريين. لكن ليس هناك أي سبب بأن لا نبدأ هذا الحوار الوطني نحن السوريين بأنفسنا.
وربما كان هذا هو المدخل الأول لعزل عصابة الحكم وتجاوز الشك وعدم الثقة بل العداء الذي سعت إلى خلقه بين أبناء الشعب الواحد للاحتفاظ بالسلطة. وأنا أدعو منذ الآن جميع الوطنيين المخلصين للعمل على تنظيم هذا الحوار الوطني الذي سيعيدنا إلى أرضية الوطنية الجامعة بعيدا عن أصحاب المشاريع التسلطية والطائفية البغيضة.

mardi, décembre 11, 2012

حول اجتماع الائتلاف الوطني الأخير في القاهرة



عدت من القاهرة البارحة حزينا، كالعديد من أعضاء الائتلاف الوطني السوري، الذين ذهبوا مثلي لاجتماع، قيل انه طاريء. وقد فهم الجميع من كلمة طاريء، وهذا ما عبرت عنه الصحافة وأكدت عليه أيضا، اتخاذ قرارات ضرورية وعاجلة، وفي مقدمها الاتفاق على اسم رئيس الحكومة المؤقتة التي كثر الحديث عنها في الاسابيع الاخيرة. 
وقد استغربت الأمر لأن احدا لم يتصل بي من قبل ع
لى الاقل للتشاور في الاسماء أو في اجندة الاجتماع، ولم انجح في الحديث هاتفيا مع احد من الاخوة المسؤولين الذين عذرتهم لمعرفتي بحجم المهام الواقعة عليهم. 
والحال ان ماحصل كان غير ذلك. لم يشعر احد بأن هناك فعلا ما يستدعي الاجتماع الطاريء، أو ان الداعين من قيادة الائتلاف لديهم هم انفسهم هذا الشعور بالطارئية، أو أنهم كانوا جاهزين لتقديم أي اقتراح بتعيين اسم أو مجموعة أسماء والتشاور عليها. لماذا إذن هذا الاجتماع قبل ثلاثة ايام من اجتماع، مهم جدا بالنسبة لمستقبل الائتلاف، لمؤتمر اصدقاء سورية في مراكش؟ ولماذا تقديم هذه الهدية المجانية فعلا، أعني ما سيظهر كفشل للائتلاف في التوصل إلى تشكيل حكومة مؤقتة، لأعداء الائتلاف او المترددين من الدول، بينما لم تطرح المسألة إلا لماما ومن أجل تأجيل البت فيها لاجتماع آخر؟ 
الذين دعوا لهذا الاجتماع اساؤو إساءة لا تغتفر للائتلاف لأنهم أظهروا للعالم الذي يراقب عن كثب وبالمجهر كل خطوة نخطوها وكل كلمة ننطق بها ليقيس مدى جدارتنا في أن نتسلم شؤون أنفسنا ونقرر مصيرنا الذي يكاد ينتزع منا، انهم غير ناضجين، حتى لا نقول ضائعين وغير جديين. 
كنت استغرب ان تتم الدعوة لاجتماع حول الحكومة المؤقتة بهذه السرعة، ولكن المفاجأة كانت أكبر. فبعد ان تركت قيادة الائتلاف الصحافة تؤكد طوال يومين على قرب تشكيل الحكومة المؤقتة وأعلنت مسبقا عن مؤتمر صحفي يعقده الائتلاف بعد الاجتماع للإعلان عن الموضوع، رافعة بذلك سقف التوقعات إلى أعلى مستوى، عند الشعب السوري المنكوب بحكومته ومعارضته، والرأي العام الدولي الذي يمتحن صدقية المعارضة وجدارتها في كل خطوة تخطوها، لم تخرج من الاجتماع العتيد حتى ببيان مقتضب تشرح فيه للسورييين المتعطشين لمعرفة اين يجرفهم التيار، وللصحافة الدولية الذي يحتل خبر سورية رأس صفحاتها، ما حصل بالضبط في الاجتماع. ومن الطبيعي ان يفسر جميع من كان ينتظر تشكيل الحكومة وعلى راسهم اصدقاء سورية الذين يعدون قرار الاعتراف بالائتلاف جماعيا، بأن الائتلاف قد فشل في التوصل إلى قرار بهذا الشأن. 
والحال لم يكن هناك فشل لأن الموضوع نفسه لم يطرح جديا ولم يقدم فيه أي تقرير. فمن الواضح أنه لم يكن قد حظي من قبل القيادة نفسها بالاعداد الكافي ولم تقم القيادة بالمشاورات الضرورية مع القوى الثورية على الارض ومع الدول الصديقة المعنية ولا حتى مع أعضاء الائتلاف. 
تكرار مثل هذا الخطأ مرتين يقوض نهائيا مصداقية الائتلاف والمعارضة ويعيدنا إلى نقطة الصفر. واعتقد ان وزير خارجية المغرب الذي يحرص بالضرورة على نجاح المؤتمر الذي يعقد في بلده شعر بحرج الموقف فحاول ان يقطع الطريق على التردد المحتمل عند الدول - القادمة للاعتراف بالائتلاف اصلا - بالتصريح للصحافة بأن تشكيل الحكومة المؤقتة مسألة سورية محض، والسوريون وحدهم هم الذين يقررون ساعة تشكيلها. 
أريد أن أقول لإخوتي في الائتلاف لا تعتقدوا أن النجاح قد اصبح في متناول اليد لان بعض الدول أو كلها رحب بنشوء الائتلاف أو اعترف به، ولا تعتدوا كثيرا بأن وراءكم دعم من هذه الدولة أو تلك، ولا في أن الدول بحاجة للائتلاف كممثل لوحدة المعارضة من أجل التحضير للعملية السياسية التي تتبع تنحي الاسد أو سقوطه. ليس هناك في السياسة شيء يكتسب مرة واحدة وعلى الدوام. عليكم أن تظهروا في كل خطوة وكل حركة وموقف وقرار الجدية والكفاءة وفهم الوضع الفهم الصحيح حتى تحتفظوا بالصدقية وتحافظوا على الاعتراف الدولي والتعاون وتنالوا لدعم اللازم لمساعدة الشعب على الخلاص. فما حصل للمجلس الوطني من اعترافات وما قوبل به من حماس كان أكبر من ذلك بكثير، ومع ذلك عندما انتشرت فكرة أننا نتنازع فيه بين الأحزاب والأشخاص على الحصص والكراسي والمناصب، وأن هناك أطرافا تريد بسط سيطرتها ضد أطراف أخرى بدل العمل كفريق وطني واحد موحد، لحست الدول اعترافاتها أو لم تعد تعطي لها معنى، وبدأت الضغوط على المجلس من أجل التفلت من الاعترافات السابقة بحجة ضرورة التوسعة وضم قوى جديدة وماسسة المجلس وغيرها، وكان كل ذلك مقدمة لنوع من سحب الاعتراف أو التحلل من الالتزامات المترتبة عليه. وهو ماحصل بالفعل. وأملي أن لا يكون مثل هذا التوجه، اعني اجندات المحاصصة والنزاع على المواقع والمناصب والألقاب، الذي أساء لصورة المجلس الوطني عند شعبنا قبل ان يحرمه من الاعتراف الدولي، هو ما يسير نحوه الائتلاف. 
إن الصراع الرئيسي الذي يخوضه أي تشكيل سوري جديد للمعارضة هو على نيل الصدقية أو المصداقية، في الشارع السوري أولا، لكن في المحيط الدولي أيضا. وجوهر المصداقية العمل كفريق واحد ونسيان الذات الحزبية والجهوية والفئوية والشخصية، والجدية والاحتراف في العمل. الأخطاء السياسية تغتفر لكن ليس طريقة العمل ولا نسيان الأهداف الرئيسية وهي هنا بالتأكيد حشد جميع الجهود الداخلية والخارجية وتوجيهها في اتجاه التعجيل بالقضاء على نظام الطغيان الدموي وتوفير المزيد من الضحايا والدمار. من دون ذلك سنضيع الكثير من الوقت قبل أن نضمن تحول الموقف الدولي نهائيا لصالحنا. وسندفع ثمن النصر الذي اصبح قاب قوسين أو أدنى، بفضل الله، أضعافا مضاعفة، كما حصل لنا حتى الآن.

mercredi, décembre 05, 2012

خيار الأسد الأول والأخير



مع حصد الثوار لمواقع النظام واحدها بعد الآخر، ومحاصرتهم أكثر من مئة واربعين موقعا، منها مطارات ومواقع عسكرية أساسية، ومع التحييد النسبي للطيران بدخول الصواريخ المضادة في القتال لصالح الثوار، من الواضح أن وجود النظام على الارض في انحسار متسارع، واننا نقترب من نقطة النهاية.
أمام النظام الآن اختياران لا ثالث لهما: البحث من خلال اصدقائه الدوليين عن مخرج للطغمة الحاكمة، يجنبها الموت،
 ويفتح الباب امام انهاء الحرب المعلنة على الشعب والدخول في الحقبة الانتقالية، أو الاستمرار في القتال حتى الموت، مع احتمال استخدام الأسلحة الأكثر فتكا من أجل كسب المزيد من الوقت، أو إعطاء أكبر بريق (فضيحة) ممكنة للسقوط المدوي لنظام لم يعرف يوما غير العنف، ولم يحكم بغير الحديد والنار. وواضح أنه نظام يعشق رجاله الحرائق والهدم والدمار والتمثيل بالجثامين وايقاع اكبر اذى ممكن بخصومهم والتشفي منهم ليلا نهارا إذا أمكن. 
سألني صحفي للتو: هل تعتقد ان الأسد امام هذا الوضع سوف يدرك ان المعركة حسمت ويبدأ التصرف بطريقة عقلانية، على الأقل من أجل إنقاذ نفسه؟ 
قلت كل شيء ممكن. لكنني اعتقد انه سوف يستمر في القتال. فقد اختار المواجهة منذ البداية إلى النهاية، ولم يفتح أي نافذة على الحلول السياسية، مهما كانت صغيرة، في أي وقت، قبل الثورة وبعدها. كل ما كان يقوم به هو المراوغة والخداع من اجل كسب الوقت والقضاء على المعارضة أو الاحتجاج وعلى الثورة اليوم، بالحديد والنار. 
فسياسة النظام الذي عاش عمره المديد كاملا، أي ما يقارب نصف قرن، محاصرا، أو بشعور المحاصر، من شعب رافض له وغير معترف بشرعيته، كانت دائما الهرب إلى الأمام ، أي إلى المزيد من استخدام العنف وتكبيل الشعب وتقييد حرياته وانتهاك حقوقه حتى تحولت سورية إلى أسوأ سجن في الوجود. وحتى أصبح من غير الممكن فتح دكان أو استئجار شقة أو بيع أو شراء، من دون موافقة مسبقة من "الأمن"، أمن النظام. وكان الرفض الصارم والمتعجرف رده الدائم على مطالب الشعب، مهما كانت قليلة أو محدودة، حتى صار سلوكه تجاه الشعب السوري شبيها بسلوك اسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، أي الرد بمزيد من الاقصاء والتهميش والإذلال على المطالبة بالحرية، كما ترد اسرائيل بمزيد من الاستيطان والتضييق والقتل على أي مقاومة يبديها الفلسطينيون لسياسات الاستيطان التي تمارسها سلطات الاحتلال، أي ألى مزيد من الاحتلال. وهكذا تحول النظام السوري أيضا إلى نظام احتلال. فقد حكم سورية ويحكمها حتى الآن خلال نصف قرن بالقوة والعنف لا بالسياسة ولا بالثقافة ولا بالاقتصاد ولا باي إلانجاز. 
والسبب في هذا الاختيار لا يرجع فقط لطبيعة النظام الذي رفض هو نفسه ان يبني شرعيته بأي شكل كان، وقرر أن يبقى انقلابا دائما على القانون والشرعية، وأن يحكم بالقوة وارهاب السكان. 
وهكذا بنى استقراره على الخوف الذي زرعه في صدور السوريين كبارا وصغارا، نساءا ورجالا. وترجم هذا الحكم بسيطرة أجهزة الأمن التي تمارس كل صنوف العسف والتقسيم والتمزيق والتمييز والإهانة، حتى اصبح السوري يعتقد أن ما يعيشه بلاء، لا قدرة له على رده، ولا مهرب من الخضوع له والتعامل معه. وصار النظام أو رجاله يؤمنون بالفعل أن سورية هي سورية الأسد، أي ملكه الصافي، وان الأسد باق إلى الأبد، أي أنه إله. 
كنت أقول، وقد كتبته خلال فترة ربيع دمشق، ردا على نفس السؤال: إن في النظام جناحا انتحاريا لا يقبل أي حوار، وهو مستعد لأي احتمال، ولا يهمه إلى اين يصل بالبلاد نتيجة سياسته الخرقاء الرافضة لأي حوار أو تنازل أو إصلاح. وكان يجسد هذه السياسة في مخيلتي الأخ الأصغر للاسد لما اشيع عنه من أنه لا يتوانى عن ارتكاب اي حماقة، أي جريمة، مهما كانت كبيرة، من أجل الدفاع عن إرث الوالد وإغلاق لنظام . الآن، بعد ما يقارب السنتين على المواجهة المسلحة مع الشعب اصبح النظام كله انتحاريا لا يفكر سوى برد التحدي والانتقام. ومن الممكن بالفعل ان يجره هذا الموقف إلى ارتكاب أكبر الحماقات المحتملة، بما في ذلك اللجوء إلى الأسلحة الكيماوية، من اجل ان يعطي لنهايته السوداء الأبهة التي افتقدها أو عجز عن تحقيق حلمها في بداياته الخرقاء. 
بشار الأسد، والنظام الذي أصبح على شاكلته، ليس شخصا سويا. إنه مزيج من الشعور بالضعة والنقص واللاشرعية واغتصاب السلطة ومن مشاعر العظمة والتأله والعلو والغطرسة التي ورثها عن أبيه السلطان. واختلاط الشعور بالضألة والتأله في الوقت ذاته يشكل مزيجا متفجرا من العواطف المتناقضة يصعب معها على فرد مثله ان يسيطر على نفسه. فتألهه وشعوره المتضخم بالعظمة والقوة التي تؤمنها له أجهزة الأمن المتفشية في كل مكان يزيد من غطرسته، ويدفع به الى التطلع إلى غايات مستحيلة، وهي ان يركع له الناس ويبجلوه ويتعبدون له ويقدسوه، وهو ما حاوله منذ سنته الأولى في الحكم. وضألته الانسانية والأخلاقية تزين له كل أفعاله ولا تقيه من اللجوء إلى أدنأ الوسائل وأخسها لتحقيقها. إنه مسخ برأسيين يصعب معهما السيطرة على نفسه وعلى الواقع. 
وهو في كل ذلك ضحية النظام نفسه الذي صنع من أجل أن يكون رمزه وسيده وضحيته معا. فالنظام الذي لا يمكن استمراره من دون الإقصاء الكامل للشعب، وبالتالي بناء شبكة المرتزقة وميليشيات القمع والإذلال والقتل، لردع الشعب وإخضاعه، يحتاج دائما إلى رئيس مرفوع إلى مرتبة إله، يبرر بإلهامه قتل التفكير وإسكات الاصوات، ويغطي بعظمته وجلاله على وضاعة أساليب الابتزاز والقمع التي تقوم عليها علاقات السلطة والمجتمع داخل هذا النظام .
وأكاد أقول إن ما يقوله الروس صحيح هو أنهم غير قادرين على إقناعه بالتخلي عن الحكم. لكن خطأهم يكمن في أنهم، باستمرارهم في تقديم العون المالي والتسليحي له، يعززون شعوره بأنه فوق الهزيمة وأن بإمكانه دائما الانتصار. 
لن يترك بشار الحكم من تلقاء نفسه مهما زادت الضغوط. فهو لا يفكر ولا يمكن أن يضع نفسه في وضع التفكير. إنه كالمسخ الجريح الذي يدافع عن نفسه أي عن صورته عن نفسه، أو كطفل أخرق انتزعت منه لعبته المفضلة. وهذه اللعبة هي سورية، هي نحن.