mercredi, février 23, 2011

ثورة مصر : الصراع على السيادة


الاتحاد 23 فيفرييه 2011

ما حدث في مصر هو ثورة سياسية ستحدد مصير العرب ومنطقة الشرق الأوسط لعقود طويلة قادمة. وبسبب رهاناتها الداخلية والإقليمية والدولية الكبيرة كانت بالضرورة معركة ضارية، استخدمت فيها كل الوسائل وتدخلت فيها العديد من القوى الداخلية والخارجية. فالأمر يتعلق أولا بتقرير مصير شعب مصر ومستقبله، أي باختيار أسلوب حكمه ووجهة سيره واهدافه وأجنداته الداخلية والخارجية. وفي معركة تقرير المصير هذه يقف في مواجهة شعب مصر، الذي يشكل العمود الفقري للأمة العربية، تآلف من جميع القوى الخارجية الخائفة من استقلال القرار المصري والعربي، وعلى رأسها إسرائيل، والقوى المحلية التي تضم، إلى الطغمة الفاسدة التي كانت تدير شؤون مصر بأكملها من منطق تعظيم ثرواتها وحساباتها المصرفية، قطاعات واسعة من رجال المال والأعمال الذين يشكلون طبقة من الرأسمالية الميركنتيلية التي ارتبطت مصالحها بمصالح العائلة والنظام ، وكذلك قاعدة واسعة من القوى الزبائنية المتحكمة بمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والإدارية، والمسستفيدة من موقعها وعلاقتها الوثيقة بالعائلة الحاكمة .

كما يتعلق الأمر، في المعركة التاريخية الراهنة، بتحديد موقع مصر ودورها في المنطقة الشرق أوسطية، ومن وراء ذلك هوية المنطقة نفسها، والمصالح السائدة فيها، ومستقبل تطورها ومكانتها الدولية. ومن المحتم أن عودة مصر للشعب المصري الذي اختطفت منه، واستعادة هذا الشعب سيادته وحريته في تقرير شؤونه السياسية الداخلية والخارجية، سوف يغير من الوظيفة التي قامت بها مصر في العقود الثلاث السابقة في إطار النظام الإقليمي، فيحولها من رصيد استراتيجي للتحالف الغربي والاسرائيلي الذي يبسط نفوذه في المنطقة، ويسعى من خلال إخضاع الشعوب العربية وتحييدها إلى احتواء المقاومات المحلية والإقليمية وضمان سيطرته على منابع الطاقة الاستراتيجية وعلى أمن إسرائيل ومشروع توسعها الاستعماري، إلى قاعدة كبرى لعملية إعادة بناء المنطقة العربية وتأهيلها للدخول في عصر السيطرة الذاتية والقضاء على المشاريع والمطامع التوسعية الاسرائيلية وفتح الطريق امام ممارسة الشعوب حقوقها الطبيعية وجعل المنطقة مركزا من المراكز العالمية للتنمية الحضارية والانسانية.

هذا هو الذي يفسر ما شهدته ساحة الثورة ولا تزال تشهده من مناورات دولية ومحلية، ومن ضمنها السعي إلى تقسيم القوى السياسية، وربما شق الجبهة الموحدة أو الالتفاف على إمكانية قيام جبهة موحدة تجميع الشباب وقوى المعارضة المصرية في خط واضح وحاسم لاحاث تغيير نوعي في النظام. فقد عمل حسني مبارك وحلفاؤه كل ما مايستطيعونه، مستخدمين الحوار تارة والبلطجة تارة أخرى، من أجل احتواء عناصر الثورة وصهر مطالبها داخل النظام وقواعده الدستورية والقانونية، أي في الحقيقة كي تتحول الثورة من مشروع تغيير للنظام إلى مشروع إصلاح داخل النظام، وينجح الالتفاف على مطلب الثورة الحقيقي والجوهري الذي هو إقامة نظام يستمد شرعيته من الشعب، ويكون الشعب فيه هو مصدر السلطة وصاحبها ومرجعها، وبهدف الإبقاء على الوضع القائم الذي يفتقر إلى أي شرعية سوى التمسك الأعمى بدستور تمت صياغته بحسب حاجات ومصالح قاعدته الزبائنية المحلية وحلفائه الخارجيين. هذا هو المعنى الحقيقي لشعار التغيير مع الحفاظ على الاستقرار او ما يسمى في قاموس التصريحات الأمريكية الرسمية التي كان يرددها المسؤولون المصريون حرفيا، الانتقال السلمي والآمن، أو انتقال السلطة، من دون أي تحديد لمضمون هذا الانتقال.

لكن التظاهرات المليونية التي استمرت ما يقارب الأسابيع الثلاثة والتي فقد فيها الشعب مئات الشهداء حسمت الأمر. وعندما أصبح من الواضح أنه لم يعد من الممكن تجاهل إرادة الشعب في إسقاط النظام، وأن مراوحة النظام في المكان تقود إلى تصعيد خطير في عدد المحتجين ومطالبهم معا، تقدم الجيش الذي بقي يراقب عن قرب الصراع المحتدم بين الشعب ونظام مبارك، ليحسم الموقف، فارضا نفسه لاعبا أساسيا في الصراع.

لم يحسم الجيش الموقف لصالح الشعب، أي من أجل بناء نظام جديد يستمد شرعيته من الشعب وحده، ويلغي نظام الوصاية القائم، وصاية الرئيس أو الطغمة الحاكمة. ولكنه حسمه لصالحه، فصار هو الطرف الرئيسي المؤهل لإعادة بناء النظام المقبل. وبالرغم من أن هذا النظام الجديد المنتظر قد قطع الطريق على عودة النظام السابق وسيقوم على حساب الطبقة الميركنتيلية التي استند إليها، إلا أنه لن يكون نظاما ديمقراطيا بسيادة شعبية خالصة ومعترف بها، أي لن يكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه الشعب الذي نزل إلى الشوارع والساحات وقلب النظام، وإنما نظاما ديمقراطيا بسيادة متقاسمة بين الشعب والجيش تعكس هي نفسها الوضعية التي يعيشها المصريون والعرب عموما والتي تتجسد في الفصل داخل السيادة بين وظائف مختلفة ومتباينة. ومن البداية برز هذا التقاسم للسيادة بوضوح. فالجيش الذي كان وحده القادر على إخراج الكستناء من النار بعد صراع طويل هو الذي أمسك بزمام المبادرة وأعلن منذ الأيام الاولى تمسكه بالتزامات مصر الدولية، والمقصود اتفاقيات السلام المصرية الاسرائيلية، ومن وراء ذلك بتحديد السياسات الخارجية وعلاقات مصر بمحيطها الإقليمي والدولي. وبالمقابل سيمارس الشعب سيادته في مجال تحديد السياسات الداخلية. مما يعني حقه في أن يحكم نفسه في الداخل من خلال ممثلين يختارهم بحرية. فالديمقراطية المصرية ستكون ديمقراطية مقيدة، لا يصون الجيش فيها مصالح الشعب في ممارسة حرياته إلا بمقدار ما لا تتعارض هذه الممارسة مع الحفاظ على موقع مصر وتحالفاتها الإقليمية والدولية كما تنظر إليها وتحددها نخبتها العسكرية اليوم.

وهذا يعني أننا نسير نحو نموذج شبيه بذاك الذي عرفته تركيا في فترة ماقبل قدوم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، ولا يزال قائما جزئيا بعده، يحتفظ فيه الجيش بحق مراقبة ممارسة الشعب لسيادته والاشراف عليها، لكن لا يمنع الشعب من هذه الممارسة، أي يسمح بانتخابات حرة .

يشكل هذا انجازا كبيرا من دون شك. لكنه ليس نهاية المطاف. فقد كانت الصيغة التي فرضت على مصر والعرب عموما تقضي بحرمان الشعب من جميع حقوقه السياسية، أي انتزاع سيادته تماما لصالح نخبة حاكمة مطلقة الصلاحية ضمانا لتحقيق أهداف الأمن الإقليمية التي يقع في مقدمها الأمن الاسرائيلي. والمطروح اليوم بعد بروز الشعب كفاعل قوي في السياسة الاعتراف بحقه في ممارسة سيادته في كل ما يتعلق بشؤون تنظيمه لحياته الداخلية على شرط أن لا يمس تلك المنطقة من السيادة التي تتصل بعلاقاته الدولية، أي اصطفاف مصر الاستراتيجي واتجاهات عملها المستقبلية.

لكن السيادة بطبيعتها لا يمكن أن تتجزأ. والتسوية التي بدت مقبولة في الأيام الاخيرة للثورة سوف تصبح بسرعة موضوع صراع مستمر بين الشعب والجيش أو بالأحرى بين النخبة السياسية الجديدة التي ستطلع من صفوف الثورة وتجربتها والنخبة العسكرية التي تربت في ظل نظام الامتيازات والمنافع الخصوصية البائد. وهذا ما أكدته للتو مسيرة الملايين التي احتلت ميدان التحرير في جمعة الانتصار 18 فبراير الماضية.

lundi, février 21, 2011

القبليَّة والتطرف فزَّاعة القذافي

دوتشيه فيلي

21.02.2011

القبليَّة والتطرف فزَّاعة القذافي للاستمرار في الحكم قهرا

أثار التحذير الذي أطلقه سيف الإسلام نجم الزعيم الليبي بقيام حرب أهلية في ليبيا وتمزقها إلى إمارات، تساؤلات حول الصعوبات التي يمكن أن تواجه عملية إعادة بناء المؤسسات السياسية والدولة في ليبيا في مرحلة ما بعد حكم القذافي

يرى برهان غليون المفكر العربي وأستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة السوربون في باريس، أن نظام القذافي هو من خلق حالة الفوضى وأطلق فزَّاعتي الانقسام القبلي والتشدد الإسلامي، بهدف مواصلة سيطرته على الشعب الليبي وحكمه قهرا لمدة 42 عاما. وفي حوار مع دويشته فيله قال غليون، إن غياب أحزاب ومجتمع مدني في ليبيا، ربما يجعل مهمة الشعب الليبي صعبة قياسا لحالتي تونس ومصر ولكنه سيتمكن بفضل نخبه وقياداته من القيام بها، مشيرا إلى أن "إزاحة القذافي من الحكم ستكون أصعب من مبارك وبن علي".

وفيما يلي نص الحوار مع الدكتور برهان غليون:

دويشته فيله: هل تعتقد أن نظام الزعيم الليبي معمر القذافي يمكن إصلاحه من خلال ما طرحه نجله سيف الإسلام، بشأن إقامة جمهورية ثانية في ليبيا بدستور جديد؟

برهان غليون: لا أعتقد أن ما ورد في خطاب سيف الإسلام يقنع الليبيين،خاصة أنه قدم هذه المقترحات كمنَة على الشعب الليبي، قائلا إنه مستعد في هذه الظروف للقيام بعمليات تغيير سياسي. والأسوأ أنه عرض أفكاره في سياق تهديد لليبيين بأنهم سيواجهون حربا أهلية، وبأن والده القذافي في طرابلس وهو يقود المواجهة ضد الانتفاضة. وقد قال سيف الإسلام بأنهم (أي هو ووالده) سيستمرون في المواجهة حتى آخر طلقة نار. وهذه مفارقة لأنه ليس هنالك زعيم سياسي في التاريخ، يهدد شعبه بالحرب والقتل إذا لم يقبل بالحوار والتصالح، بما أن الموضوع الأساسي هو إيجاد صيغة للتصالح مع الشعب من أجل وقف الاحتجاجات. اعتقد أن خطاب سيف الإسلام نموذج معبر بوضوح عن طبيعة النظام القائم في ليبيا، وهو في حقيقة الأمر ليس بنظام سياسي.

ماذا تقصد بأنه ليس بنظام سياسي؟

هنالك نظام في ليبيا ولكنه ليس بنظام سياسي ولا يمكن أن يُصلَح أو يُغيَّر، وهو في حقيقة الأمر نظام قائم على حكم عصابة لها موالون توزع عليهم المنافع، ولكن لا يتم الحكم استنادا إلى سياسة محددة. وما يصدر عنه يعتبر كلام مجرمين وليس سياسيين أو مسؤولين، فكيف يخاطبون شعبا بهذه الصيغة التي لا تحمل أي اعتبار أو احترام له. ولذلك اعتبر أن ما هو قائم في ليبيا ليس بنظام سياسي بل نظام سيطرة بالقوة على شعب من أجل السطو على موارده النفطية...

وإذا قارنا خطاب نظام القذافي بوعي الشعب الليبي وبدعوات شيوخ العشائر والقبائل الليبية للثورة على الطاغية، وبدعوتهم إلى إقامة نظام سياسي ديمقراطي، يتبين للمرء الفرق الكبير بين هذه الزمرة الحاكمة التي انخلعت عن شعبها ولم يعد لها أي مفهوم للسياسة، وبين الشعب الذي، وبالرغم من تركيبته القبلية، ما يزال يؤمن بالسياسة والمؤسسات والدولة وباحترام القانون، وبالتصالح والتفاهم بين أبناء مختلف طبقات وفئات المجتمع. ولذلك أرى بأن خطاب سيف الإسلام مهين للشعب الليبي.

هل إن بنية المجتمع الليبي ذات الطابع القبلي وغياب مؤسسات الدولة بالمعنى الحديث، سيجعل مهمة بناء مؤسسات سياسية جديدة صعبة في مرحلة ما بعد نظام القذافي؟

سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي، تم تقديمه لسنوات كخليفة محتمل لوالده.سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي، تم تقديمه لسنوات كخليفة محتمل لوالده.لا على الإطلاق، لأن القبائل العربية على مر التاريخ هي التي بنت الدولة والإمبراطورية الإسلامية. إن فكر القبيلة لا يعني بالضرورة العداء والتعارض مع الدولة. فالقبائل تتفاهم وتتعاقد على قيام الدولة، وكل الدول العربية بنيت على تفاهم بين النخب المدينية (نخب المدن) وزعماء القبائل، وحتى فترة قريبة كانت البرلمانات في الخمسينات تتكون من زعماء العشائر الذي يمثلون أهلهم، كسبيل لضمان الوحدة الوطنية.

ولكنني مبدئيا أعترض على هذه الصورة النمطية التي تقدم عن المجتمع الليبي بكونه مجتمعا قبليا، هنالك قبائل أجل، لكن هنالك أيضا مجتمع حضري (من المدن) متطور مثل غيره من شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا يمكن أن ننفيه، لأن القذافي نفاه (أي المجتمع المديني) وعرضه للتفكيك والقهر.

وكيف يمكن مساهمة البنية القبلية في مؤسسات الدولة الحديثة؟

اعتقد أن الليبيين قادرون بفضل نخبهم المدينية الواعية، وهي لا تقل وعيا عن نخب البلدان العربية الأخرى، وبفضل التعاون مع زعماء القبائل والعشائر، بأن يقودوا جميعا حملة بناء مؤسسات الدولة، وفق معادلة تفاهم وتعاقد، يتم في إطارها تلبية مطالب العشائر والقبائل وهي تتلخص في تحقيق التنمية والعدالة وتوفير الخدمات ومرافق الصحة والتعليم ورفع مستوى معيشة أبناء القبائل، وهم لا يطالبون بتولي الحكم. وقد انتهى العصر القبلي، وما يتردد هو مجرد فزَّاعة تم تضخيمها من قبل حكم القذافي وجعلها كحاجز يغطي على الآخرين فهم ما يجري في المجتمع الليبي والتستر على الكارثة الاجتماعية التي ارتكبها في حق بلده. لأنه نظام أفرغ الدولة من كل مضمون.

بعد أربعة عقود من حكم القذافي، يوجد فراغ سياسي في ليبيا وليس بها مجتمع مدني ولا أحزاب ولا نقابات، بخلاف تونس أو مصر التي لعبت فيها هذه المؤسسات دورا مهما بعد الثورة، الا تعتقد أن ليبيا ستواجه مرحلة صعبة بعد نظام القذافي؟

اعتقد أن الصعوبات ستكون أكبر من حالتي مصر وتونس، ولاشك أن إسقاط القذافي سيكون مهمة أصعب من إسقاط مبارك وبن علي، لأننا لسنا أمام نظام يمتلك الحد الأدنى من مفهوم السياسة وقيم العصر. ولكن ليس هنالك ما يحول دون بروز مجتمع مدني في ليبيا ويلتحم فيما بينه ويتفق على إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية. واعتقد أن النظام التعددي البرلماني هو القادر على استيعاب هذه الحالات في المجتمعات التي لا تتوفر على مجتمع مدني قوي ومنظم بسبب تعاقب الحكومات المتسلطة. ومن شأن هذا النظام ( التعددي البرلماني) أن يسمح للشعب بإعادة ترتيب أوضاعه وتحقيق المصالحة بينه وبين السياسة وإعادة توزيع السلطات بشكل مرن وقابل للتطوير.

هل يمكن مقارنة المرحلة التي يجتازها المجتمع الليبي بحالات أخرى في محيطه العربي أو الإفريقي، وهل هناك بدائل مساعدة، مثلا دور الجيش؟

يمكننا أن نشير في هذا الصدد إلى تجارب الدول الإفريقية التي تبنت النظام التعددي وهي أكثر قبلية من ليبيا وبعض الدول العربية. وفي مصر التي هي دولة عريقة تمتد إلى آلاف السنين، كان فيها مجتمع مدني ضعيف جدا، ومن تولي عملية إعادة بناء النظام هو الجيش. وفي ليبيا هناك جيش وهو يستطيع كمؤسسة أن يلعب دورا مع بقية أطراف المجتمع والقوى السياسية والقبلية، من أجل إعادة بناء الدولة. وهذه مهمة لن يجد الشعب صعوبة في تحقيقها طالما هو متماسك وموحد حول رفضه لحالة الفوضى التي كانت الهدف والشرط الأساسي من أجل استمرار حكم القذافي وعائلته.

واعتقد أن الثورة القائمة في ليبيا هي ضد القذافي وضد الفوضى والتمزيق الذي خلقه في المجتمع.

هنالك بعض المراقبين الذين يتخوفون من هيمنة التيارات الإسلامية وبعضها متشددة في ظل ضعف القوى السياسية الليبرالية والحداثية في البلاد؟

الثورة على نظام القذافي تجاوت أسبوعها الأول الثورة على نظام القذافي تجاوت أسبوعها الأولليس هنالك شيء مضمون بشكل تام، فنحن بصدد تحول حقيقي وانقلاب بالمعنى السياسي والفكري. ولكن ما يبعث الأمل هو أن حركة الثورة الليبية ليست منفصلة عن سياق حركة الثورة العربية القائمة اليوم من أجل الديمقراطية، وهي جزء من عملية إعادة وضع ليبيا في سياق هذه الثورة كما حدث في سياقات تاريخية أخرى.

واعتقد أن سياق التحول الديمقراطي في المنطقة سيكون عنصر ضغط وتشجيع لليبيين بمختلف خلفياتهم القبلية والحضرية أو السياسية على أن يقتفوا اثر الشعوب العربية الأخرى ويتعاونوا معها ضمن هذه الحركة الديمقراطية الشاملة. وليس لدي تخوف من أن الإسلاميين سيتمكنون من الهيمنة على الوضع، لأن الرأي العام العربي يشعر أن من أنقذ أو من هو في طريق إنقاذ مصير الشعوب العربية هم ليسوا الأحزاب أو الجماعات الإسلامية وإنما هو الشعب. إنه الشعب الذي لم يكن منضويا في أطر تنظيمية هَبَّ من أعماقه في صحوة من أجل إنقاذ مستقبله والتحكم في مصيره. ولذلك لا أرى مجالا للخوف من أن تسيطر الجماعات الإسلامية المتطرفة على الأوضاع، بالرغم من أنه ستكون هنالك أحزاب تستلهم الإيديولوجية الإسلامية والدين، ولكن ليس إلى حد أن تكون عقبة أمام تشكُّل دولة تعددية حديثة في العالم العربي.

ألا تعتقد أن ثروات ليبيا الهائلة واتساع رقعتها الجغرافية، يمكن أن تشكل تهديدا لأمنها، أو ربما تواجه وضعا مشابها لحالة العراق بعد سقوط نظام صدام حسين؟

عندما نقارن ليبيا بالعراق، يتعين أولا التأكيد على أن ما حدث في العراق لم يكن نتيجة قيام الشعب بثورة أدت إلى سقوط النظام وتسلم الشعب زمام الأمور بيده وإعادة بناء نظامه السياسي، وإنما قامت دولة عظمى بتحطيم النظام المركزي... أجل استبدادي، لكن اسقاطه لم يكن بسبب سياسة العراق الداخلية ومن أجل إقامة ديمقراطية فيه، بل بسبب سياسته الخارجية.

ولذلك فُرض على الشعب العراقي حكومة تحت نظام أُطلق عليها صفة الفيدرالية، وهي في حقيقة الأمر حكومة ضعيفة غير قادرة على التأثير في السياسات الإقليمية النفطية وأن لا تشكل تهديدا لإسرائيل. ولذلك لا يمكن إجراء مقارنة بين ما حدث في العراق وما يحدث الآن في العالم العربي.

وفي ليبيا الأمر مختلف كليا، وليس هنالك سبب ليعود الليبيون إلى مرحلة الإنقسام بسبب اتساع البلد جغرافيا. بطبيعة الحال فإن ضعف تعداد السكان (5 ملايين نسمة) في مساحة جغرافية فسيحة سيشكل صعوبة في التواصل، ولكن في ظل التكنولوجيا الحديثة وبما تمتلكه ليبيا من ثروة هائلة وفي ظل عدد سكانها المحدود، فإن ذلك يمنحها فرصة نادرة في بناء ديمقراطية جديدة مدعومة ببنيات تحتية ومشاريع وشبكات اتصالات ومواصلات عبر سكك الحديد. ويمكنها أن تحقق ثورة اقتصادية حقيقية خلال سنوات قليلة تُخرج الشعب الليبي من مآسي الماضي وانسداد الآفاق والمطبّات التي أدخله فيها حكم القذافي بهدف السيطرة عليه وإخضاعه إلى الأبد.

أجرى الحوار منصف السليمي

مراجعة: يوسف بوفيجلين

lundi, février 14, 2011

ثورة مصر ترسم مصير العرب

يرى مدير مركز دراسات الشرق المعاصر برهان غليون، في حواره مع الجزيرة نت، أن الثورة المصرية لن يقتصر تأثيرها على مصر فحسب بل ستعيد رسم مصير العرب والمنطقة برمتها.
يبدي المفكر غليون إيمانه الكبير بالدور الذي يلعبه المثقف الحقيقي المبشّر منذ عقود. ويتحمس، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون الجديدة في باريس، لما تشهده المنطقة العربية من حراك وعدوى نحو التحررّ، وإن كان ينبّه إلى اختلاف المسارات لدى كل دولة.
.
ـ كيف تتصورون مآلات ما يحدث في مصر راهنا؟ مع مشهد انقسام الشعب إلى مؤيد ومعارض للنظام، ودخول الاخوان المسلمين حلبة الحوار.. وهل تثقون في قدرة العقل العربي على استيعاب ومواكبة كل هذه المستجدات المتلاحقة؟

برهان غليون:

ما يحدث في مصر هو ثورة شعبية عارمة ستحدد نتائجها مصير العرب ومنطقة الشرق الأوسط لعقود طويلة قادمة. وبسبب ضخافة رهاناتها الداخلية والإقليمية والدولية كانت بالضرورة معركة ضارية، تستخدم فيها كل الوسائل ويتدخل فيها العديد من القوى الداخلية والخارجية. فالأمر يتعلق أولا بتقرير مصير شعب مصر العظيم ومستقبله على أرضه، أي الاستمرار في استعباده وإخضاعه أو تحرره من نظام العسف والفساد والاستبداد والمعاملة المهينة واللاإنسانية. ويقف في مقابل شعب مصر الذي يشكل العمود الفقري للأمة العربية تآلف يجمع بين الولايات المتحدة وإسرائيل والقوى الغربية الخائفة من تحرر المنطقة العربية ومجموعة من القوى المحلية التي تضم، إلى جانب الأسر المافيوية التي تدير مصر بأكملها من منطق تعظيم ثرواتها وحساباتها النقدية، قطاعات واسعة من رجال المال والأعمال الذين يشكلون طبقة من الميركنتيلية التي ارتبطت مصالحها بمصالح العائلة والنظام الاستبدادي والفاسد على حد سواء، بالإضافة إلى قاعدة واسعة من القوى الزبائنية المتحكمة بمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والإدارية والمسستفيدة من موقعها وعلاقتها الوثيقة بالعائلة الحاكمة أو بالأحرى المالكة.

كما يتعلق الأمر، أعني المعركة التاريخية الراهنة، بتحديد موقع مصر ودورها في المنطقة الشرق أوسطية، ومن وراء ذلك هوية المنطقة نفسها، والمصالح السائدة فيها، ومستقبل تطورها ومكانتها الدولية. ومن المحتم أن عودة مصر للشعب المصري الذي اختطفت منه، واستعادة هذا الشعب لسيادته وحريته في تقرير شؤونه السياسية الداخلية والخارجية، سوف يغير من الوظيفة التي قامت بها مصر في إطار النظام الإقليمي، فيحولها من حليف استراتيجي للتحالف الغربي والاسرائيلي الذي يبسط نفوذه في المنطقة ويسعى من خلال إخضاع الشعوب العربية وتحييدها إلى احتواء المقاومات المحلية والإقليمية وضمان سيطرته على منابع الطاقة الاستراتيجية وعلى أمن إسرائيل ومشروع توسعها الاستعماري، إلى قاعدة كبرى لعملية إعادة بناء المنطقة العربية وتأهيلها للدخول في عصر السيطرة الذاتية والقضاء على المشاريع والمطامع التوسعية الاسرائيلية وفتح الطريق امام ممارسة الشعوب لحقوقها الانسانية وجعل المنطقة مركزا من المراكز العالمية للتنمية الحضارية والانسانية.

من الطبيعي إذن أن نشهد المناورات الدولية والمحلية المستمرة على الثورة، ومن ضمنها السعي إلى تقسيم القوى السياسية، وربما شق الجبهة الموحدة أو الالتفاف على إمكانية قيام جبهة موحدة تجميع الشباب وقوى المعارضة المصرية في خط واضح وحاسم لتغيير النظام. وهذا هو الهدف من الحوار الذي طرحه نائب الرئيس والذي أراد فيه أن يحتوي عناصر الثورة ومطالبها داخل النظام وقواعده الدستورية والقانونية، أي في الحقيقة أن يقلب الثورة من مشروع تغيير للنظام إلى مشروع إصلاح داخل النظام. وهذا يعني الالتفاف على مطلب الثورة الحقيقي والجوهري الذي هو إقامة نظام يستمد شرعيته من الشعب، أي يكون الشعب فيه هو مصدر السلطة وصاحبها ومرجعها، بهدف الإبقاء على الوضع القائم الذي يفتقر إلى أي شرعية سوى التمسك الأعمى بدستور تمت صياغته بحسب حاجات أجندة السيطرة الغربية ومصالح قاعدتها الزبائنية المحلية، وفي مقدمها العائلة الحاكمة. وهذا هو المعنى الحقيقي لشعار التغيير مع الحفاظ على الاستقرار او ما يسمى في قاموس التصريحات الأمريكية الرسمية التي يرددها المسؤولون المصريون حرفيا، الانتقال السلمي والآمن، أو انتقال السلطة، من دون أي تحديد لمضمون هذا الانتقال. والحال أن المطلب الأول للثورة الذي هو سيد جميع المطالب الأخرى الاعتراف بأن الشعب هو مصدر السلطات، أي صاحب السيادة في البلاد، وبالتالي هو الذي يقرر وحده مصيرها واختياراتها الداخلية والخارجية، من خلال ممثلين شرعيين تم انتخابهم بحرية وفي شروط قانونية. ولا تعبر التظاهرات المليونية التي يقوم بها هذا الشعب منذ ثلاثة أسابيع، والتي تزداد اتقادا وقوة يوما بعد يوم، إلا عن هذه الحقيقة الناصعة أعني تأكيد الشعب لحقه في هذه السيادة التي انتزعت منه بالقوة والحيلة والغش والخداع، وإرادته في أن يستعيدها ممن اختطفوها منه. مما يعني بدهيا أن السلطة القائمة هي بالضرورة سلطة ساقطة لأنها تقوم على تزييف إرادة الشعب واغتصاب حقه في السيادة، كما تستند إلى نواب لا يمثلونه وإنما هم الادوات التي استخدمها ويستخدمها صاحب السلطة الفعلية للقيام بهذا التزييف وإضفاء الصفة القانونية الشكلية عليه. ففي الواقع الصراع القائم اليوم في مصر يدور حول تقرير صاحب السيادة في مصر، الشعب المصري أم النظام الكمبرادوري الذي قام بالتفاهم بين النخبة الحاكمة والولايات المتحدة الأمريكية التي التزم أمامها بسياسة إقليمية تخدم مصالحها القومية، أم الجيش وقيادة القوات المسلحة، أي القوة أو من يملك القوة والتفوق في استخدام العنف.

وفي اعتقادي أن جميع المصريين أصبحوا منخرطين اليوم في هذه الثورة أو المعركة الكبرى الداخلية لكن ذات الأبعاد الإقليمية والدولية. لكن جميعهم ليسوا على درجة واحدة من إدراك رهاناتها الكبيرة والمتعددة، الاجتماعية والإقليمية، وليس لديهم جميعا المصلحة ذاتها في تغيير التوازن السياسي والاجتماعي والاقتصادي وربما الجيوستراتيجي القائم، وبعضهم ليس على ثقة كبيرة بإمكانية الذهاب في الثورة إلى حد القطيعة مع الوصاية العسكرية والدولية، مع ايمانه بضرورة التغيير، وبعضهم يعتقد أن من الممكن البناء على ما أظهره الشعب حتى الآن من قوة لبدء مرحلة التفاوض على الانتقال نحو حكومة تعددية تضمن الحريات الأساسية، وبعضهم الآخر يعتقد أن هذه هي الفرصة التاريخية لفرض قاعدة جديدة للعمل السياسي تنطلق من التسليم النهائي بسيادة الشعب وحقه في اختيار قادته ومن يمثله ويطبق سياساته. وأن حسم المعركة لصالح سيادة الشعب ليست مستحيلة ولكنها راهنة.

على هذا التباين الطبيعي في اختيارات الاطراف والأفراد وحساسياتهم يلعب النظام القائم لبث الفرقة والاختلاف داخل صفوف الشعب، مستخدما منذ البداية الحوار والمفاوضات كأفضل وسيلة لفك التحالف الشعبي الواسع الذي كان في طريقه إلى البناء. لكنني أعتقد أن الحوار قد فشل وكان محكوما عليه بالفشل ليس في تحقيق هدفه الرئيسي هذا، أي المناورة لتقسيم قوى الثورة وقطع الطريق على بناء تحالف ثوري واسع، ولكن أيضا في تحقيق أي نتائج مع المحاورين المعتدلين أنفسهم. ولذلك انسحب القسم الأكبر منهم منه. وفي المقابل ادى انكشاف خطة النظام في استخدام الحوار كوسيلة للمناورة للاحتفاظ بالمبادرة وتشويش الرأي العام المصري، إلى رد فعل معاكس عند الشعب فتح الطريق امام نزول فئات وقطاعات جديدة إلى الشارع وساهم في توسيع دائرة التحالف الثوري، بما يجعل من هذا الحوار فارغا من المضمون تماما

أنا أعتقد أن النظام قد خسر مناورة الحوار تماما، وأن الصراع من أجل تأكيد السيادة الكاملة للشعب على أرضه وفي تقرير مصيره لم يعد هدفا بعيد المنال أبدا. لقد أصبح مع انخراط الشعب المصري بأكمله في الصراع الهدف الوحيد المطلوب والمقبول من قبل المصريين. وهذا يعني عدم القبول بأي تسوية مع النظام القائم، والاصرار على أن من يقرر مصير الشعب وخياراته هو الشعب نفسه، وأن المطلوب من النظام القائم ليس الاعداد للانتقال كما يدعي حتى يبرر التمديد لها وينتزع شرعية من العدم، وإنما الانسحاب والاستسلام للنظام الجديد النابع من الشعب نفسه. المطلوب إذن نظام جديد يستمد شرعيته من الشعب نفسه، ويلغي نظام الوصاية القائم، وصاية الرئيس او الجيش أو الطغمة الأبوية الحاكمة. وعندما نصل إلى الاعتراف بهذه القاعدة الرئيسية يمكن البحث، بين قوى الثورة المختلفة والمتعددة المصالح ،عن تسويات في ما يتعلق برزنامة تحقيق المطالب المرتبطة بتجسيد هذه السيادة، وبأسلوب التعامل مع الحقبة الماضية ومخلفاتها.

لم يعد هناك مجال للخوف. الذي يقرر مصير الثورة الآن، ليست طاولة الحوار، لكن زخم الحشود والتعبئة الشعبية. وفي اعتقادي أن الثورة المصرية تجاوزت خطر التراجع أو انحسار المد الشعبي كما يدعي أعداؤها، وسوف تجذب إليها اكثر فأكثر جماهير جديدة بدأت تتعرف على نفسها في جو الحرية وتعي عمق المأساة التي تعيشها وتستيقظ على حقوقها الطبيعية.

وهذا ما يفسر إخفاق الحوار الذي طرحه نائب الرئيس وانسحاب الاخوان منه. وفي اعتقادي سوف يدرك جمبع من شارك ويشارك في هذا الحوار أن طريقه مسدود، وليس بإمكانهم هم أنفسهم تحقيق شيء من اهدافهم الجزئية من دون استمرار ضغط الشارع والتعبئة الشعبية. ولذلك ينبغي في اعتقادي عدم التركيز على هذا الحوار والعمل على استعادة الجميع على صف الثورة وإشراكهم في القضاء على مشروعت تكريس نظام الوصاية العسكرية أو الابوية.

أما في ما يتعلق بقدرة العقل العربي على مواجهة تحديات التغيير الثوري، فالواقع نفسه يقدم الجواب. مصر كلها تغلي اليوم بحلم الثورة وترمي بنفسها في أتونها. ويجدر بنا أن نتجنب في هذه اللحظة التاريخية التشكيك بقدرات شعوبنا. ليس هناك عقل عربي او أعجمي أو غربي. هناك خيارات سياسية واستراتيجية علينا أن نناقشها بطريقة عقلية ونقدية وأن نثق بأننا قادرين ونحن قادرون بالتأكيد على تحقيق أهدافنا وإنجاز مطالبنا العادلة. وقد نغامر من دون أن ندري، عندما نطرح أسئلة من نوع ما هي قدرة العقل العربي على كذا وكذا، بتسفيه أنفسنا ومجتمعاتنا وثقافتنا بشكل غير مباشر. فالتساؤل بهذه الطريقة عن قدرة العقل العربي على استيعاب حاجات الثورة أو التغيير قد يغذي نوعا من العنصرية الموجهة نحو الذات التي تعكس استبطاننا للعنصرية التي وجهت إلينا خلال العقود الماضية والتي جعلتنا نعتقد أن لنا عقلا يختلف عن عقول بقية أبناء الانسانية، وهو الذي يفسر فشلنا في مسايرة ما يحصل في المجتمعات الاخرى. والثورة العربية الراهنة تأتي لتحطم هذا الوهم بالذات.

3 ـ رفضتم اطلاق صفة الاتكالية على الشعب المصري الذي ينتظر تحركا للجيش، معتبرا ذلك خطوة في التموقع الصحيح أي في اطار ضبط دور المؤسسة العسكرية في حماية السيادة الوطنية والقانون لكن ألا يعتبر إلتزام الحياد طيلة الوقت، في ظل كل التغيرات، سلبية لا جدوى منها! خصوصا وأن موقف الجيش كان نقطة مفصلية في الثورة التونسية؟

غليون:

الشعب المصري هو الذي فجر الانتفاضة الراهنة ولم يتكل على الجيش أو على مبادرة العسكريين لتحقيق ذلك. وهذا أمر لا يناقش. وهذا كان ردي على سؤال من قبل قناة اورونيوز يقول متى يتخلي الشعب المصري عن اتكاله على الجيش. وقلت بالفعل إن الشعب لا يتكل على الجيش في تحقيق مطالبه ولكنه يعتمد على نفسه، لكنه يسعى إلى التآخي مع الجنود حتى يكسبهم لقضيته.

وفي اعتقادي أن الجيش المصري ليس كتلة واحدة صماء بالرغم من انه مؤسسة راسخة. فقيادته مرتبطة بالتاكيد بالنظام القائم وحريصة على الوفاء بالتزاماتها الإقليمية والدولية أيضا حيث تجد لنفسها الدعم المادي والعسكري. لكن القيادة العسكرية لا تستطيع أن تقرر ما تشاء، لأن عليها أن تحسب أيضا حساب القاعدة المكونة من جنود وضباط مصريين هم أبناء الشعب وربما لا تختلف معاناتهم كثيرا إن لم تزد عن معاناة بقية طبقاته. وهذا ما يفسر الموقف الذي اتخذته القيادة العسكرية. وهو في اعتقادي ليس موقفا محايدا أبدا. لم يقمع الجيش المتظاهرين، هذا هو المكسب الرئيسي، لأن القادة كانوا يخشون أن يؤدي مثل هذا الأمر إلى تمرد القاعدة من الضباط والجنود. لكنه لم يدعم مطالب الشعب كما حصل في تونس، ولم يتخذ أي موقف لدعوة الرئيس مبارك إلى التخلي لضمان مصالح مصر الوطنية وعدم جر البلاد إلى الفوضى والعنف. وهذا يعني أنه لم يتخل عن الحكم القائم ولم يسحب تأييده عنه. كانت قيادة الجيش ايجابية تجاه الرئيس والنظام وسلبية تجاه مطالب الشعب، لكن من دون عنف حتى الآن. وفي اعتقادي أن أي مشاركة للقيادة العسكرية في قمع الثورة الشعبية تهدد تماسك الجيش ويمكن أن تدخل البلاد في حرب أهلية حقيقية. هذه أخطر مغامرة يمكن أن تتخذها القيادة العسكرية أو حكم حسني مبارك.

ـ ألا ترون أنّ ما حدث من ثورة شبابية انطلقت شرارتها في تونس ومرت على عديد دول عربية قبل أن تستقر حاليا في مصر هو تحدّ جاد للمفكر العربي الذي كثيرا ما استخف بهذا الجيل كونه جيلا لا يعوّل عليه كثيرا وبكونه جيلا مستقيلا من الشأن العام؟!

غليون: أكيد أن معظم المثقفين العرب اهتزت موازينهم في العقود الثلاثة الماضية المريرة والمؤلمة، فالتحق بعضهم بالأنظمة اعتقادا منهم أنها أصبحت قوية لا أمل بالخلاص منها ولا مهرب من التعامل معها، وفقد بعضهم الآخر، حتى عندما بقي بعيدا عن التعامل مع الانظمة، ثقته كليا بالشعب وعاش في ما يشبه المناحة والقطيعة واليتم في مجتمعه نفسه. لكن لا ينبغي هذا أن ينسينا أن قسما آخر من المثقفين استمر في المقاومة الفكرية والسياسية، وشكلت أفكاره خميرة الثورة الشبابية التي تفجرت اليوم. ولم تثن الأوضاع السيئة هؤلاء عن الايمان بأهلية الشعوب العربية ذات الثقافة التاريخية وقدرتها على الرد عندما تنضج الشروط على نظم القهر والإهانة التي تكبلها. وكان الرهان على الشباب هو أيضا أحد منابع الأمل والإلهام عندهم.

وهذا يعني أنه لا ينبغي علينا أيضا أن نخلق قطيعة نفسية جديدة بين الأجيال الشابة وغير الشابة في مجتمعاتنا المتحولة التي تحتاج للشباب وللأقل شبابا أيضا. ومن استخف في الماضي بجيل الشباب تلقن درسا لن ينساه أبدا، ولا ينبغي أن نستخف اليوم بالكهول. لا يمكن لنا أن نتقدم إلا إذا سرنا معا صفا واحدا، شبابا وكهولا وتوحدت أفكارنا وقلوبنا حول مطلب التغيير الشامل الذي يعيد لمجتمعاتنا الحيوية والوحدة والدينامية الضرورية للتنمية الانسانية التي ستصبح منذ الآن التحدي الرئيسي لنا جميعا وللثورة المجيدة التي فجرها الشباب أيضا. فالمهام المنتظرة منا لا تنتهي بتفجير الثورة وإنما تبدأ بعدها. ومن واجبنا أن ننجح في تحقيقها. وهذا ما يحتاج تضافر جميع القوى وتعاون جميع الأفراد بصرف النظر عن أعمارهم وأنسابهم ومذاهبهم الفكرية ودياناتهم.

ـ كتبتم في أول يوم من السنة الجديدة أن عام 2011 سيكون "عام القلاقل والتحولات" فبعد شذرات وجزئيات بسيطة استطعتم التنبؤ بـ "بداية دورة جديدة من الحراك الداخلي الذي يستفيد من اهتزاز وضع النظم القائمة الخارجي وتراجع ثقتها بنفسها وبحماياتها الخارجية".. إلى أين يمكن أن تصل المنطقة العربية من هذا المخاض الذي نشهده هذه الأيام؟

غليون:

في نظري كانت المنطقة العربية ناضجة للتحول نحو التعددية السياسية إذا لم نشأ الحديث عن الديمقراطية منذ الثمانينات مع انهيار مشاريع التنمية التي رعتها الدولة. لكن الأوضاع الإقليمية والسياسات الدولية هي التي شجعت النخب الحاكمة على اتباع طريق القمع والديكتاتورية. وجاءت الحرب الأمريكية على العراق الأولى والثانية لتجهض موجة الاحتجاج والنقمة الشعبية وإرادة التغيير الديمقراطي عند الشعوب العربية قبل أن تغلق سياسة الحرب العالمية على الارهاب الباب كليا أمام أي أمل في حصول إصلاحات سياسية وتعزز الانغلاق المتزايد للنظم العربية على نفسها ومحو الديمقراطية تماما من قاموس السياسة العربية.

ما نعيشه هو تصحيج عنيف للانحراف الذي دفع الأقطار العربية خارج المسار الطبيعي وفرض عليها مسارات استبدادية واستعمارية في الوقت نفسه.

ونحن ذاهبون نحو تكسير هذه الحواجز التي حالت دون الشعوب العربية والديمقراطية ودونها أيضا واستقلالها وسيادتها الوطنية. وإذا نجحنا في ذلك فسيكون كل شيء متاح بعده، من القضاء على الاحتلال إلى التعاون العربي الشامل بل ربما تكوين اتحاد عربي من الدول العربية الديمقراطية، إلى خلق شروط التنمية الاقتصادية الوطنية، إلى النهضة الفكرية والأدبية والعلمية.

ـ أصدر المثقفون العرب والمصريون بيانهم المؤيد لما أسموه هم بـ "ثورة الشباب" بعد 12 يوما عن بداية التظاهرات والاحتجاجات.. إلى أيّ مدى فقد المثقف زمام المبادرة وأضحى سائرا خلف الثورت لا أمامها؟

غليون:

لم يفقد المثقف في نظري زمام المبادرة. لقد كان معظم المثقفين الحقيقيين في موقف المبشرين بالتغيير والعاملين من اجله منذ عقود. لكن الذي يصنع التاريخ في كل مجتمع ومكان ليس المثقفين ولا الأحزاب السياسية وإنما الشعوب نفسها. البطل الحقيقي كان وهو اليوم وسيظل الشعب. وما لم تنضج روح الثورة في الشعب ويتحقق التواصل بين أعضائه، وتشتعل فيه الخميرة الأخلاقية، لا يستطيع المثقف ولا الحزب السياسي أن يفعل شيئا. والشباب ليسوا بمعزل عن الشعب أو خارجه، وإنما هم جزء منه. وكانوا هم أيضا وسيلة تواصله وفتيلة اشتعاله.

وعندما نقول إن الثورات العربية الجديدة من فعل الشباب فليس المقصود بذلك صغر السن فحسب، وإنما صدور المبادرة من الشعب وليس من المنظمات السياسية أو الطبقات المرتبطة بالسلطة، سواء أكانت سلطة سياسية أم اجتماعية أم ثقافية. ينبغي بالعكس مساعدة المثقفين المخلصين على الالتحاق بالمبادرة والانخراط في الثورة والمشاركة الفعالة فيها. فنحن بحاجة للجميع، ما لم يكن أحدهم قد ارتكب جرما واضحا بحق الجماعة الوطنية.

ـ دائما ما تحتاج الثورة إلى فئة نخبوية تؤطرها وتدعم هيكلها.. هل ماتزال هناك امكانية في استعادة المثقف لدوره الحقيقي الفعال، والقيام بما يجب القيام به قبل أن تسرق هذه الثورات ويشوه مسارها الطبيعي؟

ليس تفجير الثورة أو النجاح في قلب النظام القائم هو نهاية المطاف وإنما هو بداية المسيرة الطويلة نحو التغيير. وفي معركة التغيير هذه لا تكفي الشجاعة ولا المبادرة وإنما لا بد من بناء مؤسسات فاعلة واقتراح خطط وبرامج اجتماعية للمثقفين ورجال السياسة دور كبير في بلورتها وتطوير النقاش من حولها وإنضاجها. ما قصر فيه المثقفون قبل الثورة يمكن ان يعوضونه ما بعد الثورة. المهم أن لا نخلق كما قلت قطيعة لا معنى لها ولا وجود بين الشعب ومثقفيه وقواه السياسية المنظمة. وقد أثر في كثيرا كلام روائية عربية معروفة التقيتها منذ أيام واعترفت لي بأنها تريد أن تعتذر للشعب العربي لأنها وصلت قبل الانتفاضات الراهنة إلى درجة من اليأس والاحباط فقدت ايمانها بالشعوب العربية وبقدرتها على الارتفاع إلى مستوى الحياة الاخلاقية والكفاح من اجل الحرية والعدالة الانسانية. بل وصلت إلى حد أنها لم تعد تشعر بنفسها أنها عربية أو لا تريد أن تعلن عن عروبتها. وهي تقول اليوم إنها فخورة فعلا بانتمائها العربي. وأعتقد أن هذا الشعور مشترك بين الجميع.

والقصد من هذا أننا لا ينبغي أن نجعل من خطأ الناس أو جهلهم أو ضعفهم أو سرعة احباطهم سببا لإدانتهم والتخلي عنهم، فندخل في المدخل السيء نفسه الذي دخل فيه من نثور اليوم ضدهم. علينا بالعكس أن نؤكد ثقتنا بالجميع وايماننا بأنهم قادرين، ولو على درجات متفاوتة، على أن يكونوا مواطنين أو جديرين بصفة المواطنية بما تعنيه من مقدرة على السلوك الاجتماعي على قاعدة قانونية وسياسية وأخلاقية. وأن نقبل الخطأ كشرط إنساني ونتقبل الاعتذار ونتجنب كل أشكال العزل والإدانة والابعاد بسبب الاختلاف في الرأي أو التقييم أو الالتزام. المواطنية تستحق بالعمل من دون شك، ولكنها حق مسلم به للجميع ما لم تقع من بعضهم ممارسات تخل بالالتزامات الجماعية.

ـ هل ننتظر، مستقبلا، انتفاضة باقي الدول العربية بهوامش واسعة ونتائج ايجابية؟!

منذ انطلاقها اعتقدت أن الانتفاضة التونسية ليست تونسية فحسب ولكنها مقدمة لانتفاضات عربية قادمة لا محالة، لا بسبب تشابه الأحوال والنظم الحاكمة فحسب، وإنما بسبب تماثل العوامل الداخلية والخارجية أيضا التي عززت نظم الحكم البوليسي وعممتها على بلدان المنطقة العربية بأكملها، وقطعت طريق التغيير والاصلاح بالصورة نفسها تقريبا في كل الأقطار. من هنا وضعت لأول مقال كتبته حول هذه الثورة عنوان: تونس تفتح طريق الحرية للعرب. ولم يمض أسبوع على انتصار الثورة التونسية حتى اندلعت شرارة الثورة المصرية الكبرى التي سوف تغير موازين القوى واتجاهات الفكر والممارسة في المنطقة العربية بأكملها.

لكن قلت أيضا أننا لا ينبغي أن نتوقع حصول هذا التغيير حسب الأنماط نفسها والمسارات ذاتها. وأن الثورة التي انطلقت من تونس شكلت خميرة قوية سوف تدفع إلى اختمار العجين العربي في كل مكان. إنما لن يكون هذا الاختمار منفصلا عن نوعية العجين والمناخ العام الذي يحيط به وحرارة الجو والمجتمع. فحيث تكون العوامل ملائمة ستنطلق الثورة على الفور كما حصل في مصر وتتحول إلى ثورة شاملة. لكنها يمكن أن تبدأ بإرهاصات مديدة وتستمر لوقت طويل في أقطار أخرى، كما أن من الممكن لبعض النظم أن تتعلم من أخطاء غيرها وتقوم ببعض الاصلاحات التي تبرد الجو أو تخفف من حرارة المجتمع وتؤجل الثورة أو تغير من نمط إنجازها.

لكن ما نستطيع أن نؤكده هو أولا أن العالم العربي لن يكون بعد الثورة التونسية، ثم أكثر المصرية، كما كان قبلها، وذلك على جميع الأصعدة، النفسية والثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية. وثانيا أن التغيير الذي سيحصل سيتمحور أساسا على أجندة تحررية تعنى بمكانة الفرد ودوره ومعاملته ومشاركته الاجتماعية، وتفتح باب البناء الديمقراطي الذي كان تغييبه والعمل ضده الاستراتيجية الرئيسية التي استخدمها التحالف الأمريكي الاسرائيلي الغربي وتوابعه العربية من أجل إحكام السيطرة على الشعوب العربية وتحييدها في معركة التحكم بمصير المنطقة الشرق أوسطية ، التي حددت وظيفتها بتوفير الطاقة النفطية الرخيصة للدول الصناعية، وبتكوين بيئة جيوستراتيجية وسياسية ملائمة لتأمين الدولة اليهودية وتعزيز قوتها وتفوقها الاستراتيجي الساحق وضمان ازدهارها، على حساب الشعوب العربية والتضحية بحقوقها الانسانية الأساسية.

المصدرالجزيرة

حول الثورة المصرية شباط 11

samedi, février 05, 2011

Arab Popular Uprisings Or the Arab incoming to political modernity

Middle East Studies Online Journal- ISSN 2109-9618- Issue N°4. Volume 2 ( 2011)

Through more than a century and a half, the Arabs have been undoubtedly able to achieve an intellectual and cultural renaissance. They have led staunch national liberation wars, and they are still leading others in Palestine and elsewhere. They have built states or rather the structures of modern states still standing on their socles despite the interior and exterior violent tremors they have faced. They have started agricultural, industrial and scientific transformations not much different from what did other nations. Yet, they failed on the level of the entire Arab world as well as on the level of each country separately, in building a modern nation, in the sense of a united interactive and cohesive political group whose members are linked by the bond of citizenship, a common desire to live together and the affirmation of human dignity that cannot uphold today without true equality and intellectual and political freedom endorsement, which is the basis of participation in the national community, with its sense of responsibility, the exercise of citizenship rights, and the ambition to a proactive participation in the current civilization and its humanitarian values.

The first reason for this failure is the confiscation by tyrannical powers of the buds of political modernity that does not mean but people's liberation from Foreign influences, whether religious or political or cultural, and the achievement of sovereignty de facto, meaning the right of every member of the national community to think for himself and participate on an equal basis and without coercion of any kind in the decision concerning private and public affairs and in working to achieve what the individual believes essential to the public interest. The rise of the people as the major actor and as the center of political life and public decisions is the essence of political modernity. It is the basis for transforming popular sovereignty into the source of political power and a permanent reference to it, as well as the place where social conflicts are solved. People's sovereignty means independence for each individual and assertion of their right to sovereignty and equality with peers in sovereignty, far from being marginalized or humiliated and excluded from collective decisions, and impossibility to be punished but for their own offenses regarding the law of equal citizenship. Such is the foundation of national partnership and its very condition. Sovereignty also means the existence of the Free State, not dependent on any subordination to foreign powers, for only such a state can protect people’s sovereignty and guarantee its exercise away from foreign pressures and interventions.

The fact is that as soon as the Arab peoples were delivered from the cocoon of past sultanates and made their first steps on the path to political modernity, the Crows of authoritarian regimes assailed them pushing them back to the pre-modern times and forcing them into submission to their will that soon turned to be alien. And there they became again transformed into a mass of minors impelled, by force or trick and deception, to comply with the will of the master ruling them, be it a person, an elite, or a party, deciding for them what their interest is and replacing their will by his own, absolute, universal and definitive will.

The success in hijacking people’s sovereignty and freedoms was possible thanks to the charismatic leaders and the political, social and national elite that used them for general purposes such as the elimination of backward traditional worn-out systems and the acceleration of the transition to modern economic, social, technical and scientific modernity, or on behalf of nationalism and the defense of the nation’s interests against foreign powers. And so it is virtually possible to say that the people have abandoned sovereignty and freedoms almost voluntarily.

Since the seventies of the last century the movements of protest started opposing the authoritarian regimes that had lost their legitimacy when they lost the combat for development, social justice and national sovereignty while facing the Israeli military and strategic pressure. The slogans of reform and change and democracy spread out everywhere in the hope of renewing and replacing the governance of the ruling elites. However, vital international interests, notably the fear of industrial countries that the main sources of oil energy get out of their direct control and fall in the hands of some anti-Western forces, beside the need to ensure maximum protection and security to the Jewish state, provided the ruling Arab authoritarian elite with a historic opportunity to circumvent the will of the people and find a justification strategy with the necessary global support for staying in power while combating firmly their people. Since the eighties, these regimes never tired of enhancing the means of their repressive rule thanks to an alliance understanding with the most influential Western nations in the Middle East region, so that the states became monstrous machines of oppression and the countries became wide prisons for their population, since they have to comply with the will of the ruling elite serving an international - particularly US agenda, and dispossessing them systematically from their freedom and practically from all their political and sometimes civilian rights.

The systematic repression of the protests and the uprisings and all forms of political dissent or critical thinking ended up breaking effectively the will of the people, forcing them to abandon and grabbing their surrender. It succeeded in consecrating the tutelage of the ruling elite and their conversion, in their own eyes with the support of foreign powers , into an aristocratic elite seeing the people but as under-classed groups, with no self-awareness, no will and subsequently no rights. Their life is reduced to insuring a living and serving their masters who are supposedly the lone to know how to protect them from foreign powers and provide them with national values and meaning.

In the context of regressing to the medieval framework for people relationship with the rulers, the Arab societies have almost lost all the progress they had achieved in other fields of the national, economic, social, cultural and mental modernity. The fear of the self-designated superior elite snubbing the people and their quest to monopolize and perpetuate power in their hands pushed them to forge an alliance with foreign powers at the expense of sovereignty and independence. It produced methods of governance and practices and individual and collective behaviors based on violence, coercion, cronyism and sidekicks. It generated corruption almost beyond what was known in medieval decayed regimes. It resulted in the execution of the free self and the uprooting of each individual will. The practice of the burnt land policy aiming at emptying culture and identity from their human values resulted in the lack of a sense of collective patriotism. The economy supposed to generate work opportunities and good products without which no social life is possible has become a speculative economy whose main engine consists in accelerating the accumulation of wealth and funds in the hands of the power elites and their allies from the business community. The elimination of all forms of political communication and national solidarity led to the revival of the tribal, confessional and sectarian bonds and within such a context to the revival of the traditional values centered on the anti-individual, anti-rational culture, anti- intellectual freedoms and anti-law spirit of clan. Arab societies grew more and more frustrated, scary and inwardly closed, as a result of their aggravated alienation from the modern world and the increasing attempts to isolate, marginalize and subordinate them by force in a context dominated by global powers.

As people’s sovereignty and emancipation from the tutelage of foreign powers, and the possibility for each individual to fairly participate in the decision concerning the destiny of the political community and contribute to defining its future, is the first condition for opening up the modernity to all economic, social and cultural fields and levels, depriving States and individuals from Independence and freedom creates the suitable soil for sabotaging and corrupting any project of modern economy and eliminates any possibility for the emergence of national social relations on the basis of the free bond between individuals - i.e., the possibility of the birth of a social contract. It also eliminates any hope for the development of a modern culture or any civil ethics raising the individual to a level above the culture of simulation, imitation, instinct-gratification and identification with primitive or spontaneous clanism.

Thus, the assertion of people's sovereignty, which has sometimes called to the physical presence of the masses on the streets and to bloody revolutions, is the essence of the political modernity. This is also the origin of the democratic revolution whose diffusion is still the axis of modern social thought throughout the world. This is indeed the greatest achievement of the popular revolution that broke out firstly in Tunisia and secondly in Egypt that is on the way to re-introduce the Arabs into the universal history, from which several foreign and Arab powers have endeavored for many decades to get them out.

Regardless of the direction that they will take in the upcoming weeks and days, popular uprisings in the Arab countries record for the beginning of this decade of the twenty-first century the most important chapter in the new history of the Arabs, the history of political modernity which they did not know before, despite the passage of more than a century and a half since their incoming to modern history.

mardi, février 01, 2011

la révolution égyptienne et l'armée

LUNDI 31 JANVIER 2011

“Le peuple égyptien veut fraterniser avec l’armée pour la rallier à sa cause”

  1. smaller_text
  2. larger_text
  3. print_article

Burhan Ghalioun, directeur du Centre d’Etudes sur l’Orient Contemporain et professeur de sociologie à la Sorbonne à Paris, analyse le rôle et le poids de l’armée en Egypte comparés à ceux des militaires en Tunisie. Il a été interviewé ce lundi par notre collègue Ali Takach. Pour Burhan Ghalioun, l’armée est la seule institution “capable de tenir l’Egypte, (pays) où l’opposition est faible et dispersée”.

Euronews: Quelles éventuelles répercussions l’attitude de l’armée en Tunisie peut-elle avoir sur les militaires en Egypte?

Burhan Ghalioun: “L’armée n’a pas la même dimension ni la même image dans les différents pays arabes. En Tunisie, l’armée a été marginalisée durant l‘ère Ben Ali. Elle n’a pas joué un rôle politique dans l’histoire de la Tunisie. Or, en Egypte, le cas est différent. L’armée y a joué un rôle important surtout avec le putsch contre le régime royal. Et aujourd’hui, malgré tout ce qui se passe, l’armée n’agit pas contre les foules de manifestants, mais elle prend en charge la protection des institutions. Il y a un sentiment général que l’armée est la seule institution capable d’instaurer la sécurité après l‘échec de la police. D’autre part, il n’y a pas d’autre institution capable de tenir le pays surtout à cause de l’opposition qui est relativement faible et dispersée”.

Euronews: “Dans un avenir proche, est-ce que vous pensez que l’armée va répéter le scénario du putsch de 1952?

Burhan Ghalioun: “Nous sommes loin du scénario de 1952, car il n’y a plus de royauté, les officiers de l’armée sont très proches des gens et ils sont au coeur des réformes nationales. Elle est loin l‘époque où il y avait un soutien massif en faveur de l’armée en Egypte, un soutien surtout lié à des demandes anticolonialistes et des réformes sociales. Aujourd’hui, le peuple veut que l’armée soit la garante de la démocratie et pas qu’elle confisque les libertés. C’est sur ce point que se concentre le conflit à l’intérieur de l’armée d’une part, et entre l’armée et les dirigeants d’autre part.

Euronews: “De quoi les Egyptiens, en particulier, et les peuples arabes en général, ont-ils besoin pour ne pas dépendre de l’armée dans leur révolution, comme on l’a vu en Tunisie, et comme on le voit peut-être en Egypte?

Burhan Ghalioun: “Je ne pense pas que dans la conscience du peuple égyptien il y ait un sentiment de dépendance vis-à vis de l’armée. Au contraire, le peuple est sûr que l’armée lui appartient et que cette armée ne peut pas faire obstacle à ses ambitions d’instaurer une vraie démocratie. Le peuple veut fraterniser avec l’armée pour la rallier à sa cause. Non, il ne compte pas sur l’armée, ce n’est pas son attente. Le peuple veut que l’armée garde un rôle de garant de la souveraineté nationale et de l’hégémonie de la loi. Du coup, une fois qu’on sera passé à l‘état de démocratie, nous aurons des institutions qui accepteront ce qu’implique la démocratie et une de ces institutions, c’est l’armée. Mais à condition que l’armée ne soit pas manipulée et qu’on ne lui impose pas un agenda extérieur à l’Egypte, un agenda autour d’un rapport de force régional dont la sécurité d’Israël fait partie”.

Copyright © 2011 euronews

الثورة المصرية والجيش

  1. smaller_text
  2. larger_text
  3. print_article

الباحث الدكتور برهان غليون الاستاذ في جامعة السوربون في باريس و مدير مركز الدراسات الشرقية المعاصرة يتحدث الى يورونيوز عن دور الجيش المصري في الازمة المصرية الراهنة

“للجيوش مكانة و اوضاع مختلفة في البلدان العربية و الجيش المصري لعب دورا اساسيا في تاريخ مصر المعاصر و الجمهور المصري يعتبر الجيش مؤسسة رئيسية يعتمد عليها في ضبط الامن و الجيش المصري اليوم هو ضمانة للديموقراطية و هكذا يريده الشعب المصري ولا يريد الاتكال على الجيش بقدر ما يريد ان يكسبه من اجل قضيته”

يورونيوز : دكتور برهان غليون كيف تقرؤن ما حصل مع المؤسسة العسكرية في تونس و كيف تقرؤن ما تقوم به المؤسسة العسكرية المصرية

د.برهان غليون: الجيش ليس له نفس المكان و لا نفس الموقع و لا نفس الصورة في كل البلدان العربية ، في تونس كان الجيش مهمشا في نظام بن علي السابق و هو لم يلعب اي دور سياسي كبير في تاريخ تونس السياسي لكن الامر يختلف كليا في مصر فالجيش لعب دورا كبيرا في الحياة السياسية المصرية بعد الانقلاب على الملكية و الجيش بالرغم من كل ما يحصل لم يدخل في صراع مع الجمهور و تموضع في الاماكن الحساسة لحماية مؤسسات الدولة و هنالك شعور لدى الجمهور المصري انه ليس هنالك من عداء مع الجيش الذي هو المؤسسة الرئيسية في الدولة القادرة على ضبط الامن عندما انهار نظام الشرطة و نظام الامن لوزارة الداخلية و ايضا بسبب وجود معارضة مفككة نسبيا ليست هنالك من قوى حقيقية للامساك بالوضع الامني في البلد اكثر من الجيش.

يورونيوز: دكتور برهان غليون كيف تقرؤن دور الجيش المصري في المستقبل القريب و هل تعتقدون ان سيناريو عام 1952 سيتكرر

د.برهان غليون:نحن بعيدون اليوم عن هذا السيناريو بسبب زوال الملكية و لم يعد الضباط الاحرار بصدد تطبيق اصلاح زراعي و برنامج تحرر وطني فنحن الآن خارج هذه الحقبة التي اتسمت حقيقة بالحقبة الشعبية و التأييد الواسع و العارم للجيش في سياسته التي كانت سياسة تحرر وطني و اصلاح اجتماعي فالجيش المصري اليوم هو ضمانة للديموقراطية في مصر و هكذا يريده الشعب و لا يريده مصادرا لارادته و الصراع اليوم هو داخل الجيش نفسه و داخل المؤسسات العسكرية و المؤسسات الحاكمة.

يورونيوز:دكتور برهان غليون ما الذي يحتاجه الشارع المصري بشكل خاص و الشارع العربي بشكل عام حتى يتخلص من هذه الاتكالية على الجيش تحديدا في ثوراته

د.برهان غليون:لا اعتقد ان في شعور الشعب المصري اليوم اي اتكال على الجيش بالعكس هنالك شعور بان الجيش جيشه كما ان مصر مصره و لا يستطيع الجيش ان يقف امام طموحات الشعب و امله في تحقيق ديموقراطية حقيقية و الشعب المصري يريد ان يؤاخي الجيش من اجل ان يكسبه لقضيته و لا يريد ان يتكل عليه و نحن اليوم لسنا في اطار الاتكال على الجيوش انما في اطار ضبط دورها في حماية السيادة الوطنية و القانون لان التحول الى الديموقراطية لا بد ان تكون فيه مؤسسات تقبل باللعبة الديموقراطية و تحميها داخل الدولة و الجيش يمكن ان يكون احدها اذا لم يلعب به من الخارج و لم يجير و يضغط عليه من الخارج من اجل تطبيق امور لها علاقة بالسياسات و الرهانات الاقليمية بما فيها حماية امن اسرائيل و ليس لها علاقة بالرهانات الوطنية المصرية.

Copyright © 2011 e