jeudi, août 29, 2013

الهذيان


ينفق النظام السوري عشرات ملايين الدولارات اليوم على مكاتب العلاقات العامة وشركات الدعاية والإعلان كي يبريء نفسه من تهمة استخدام السلاح الكيماوي. في البداية، وخلال اليومين الأولين، نفى تماما وجود آثار لاستخدام السلاح الكيماوي. بعد أن ظهرت الصور، ورأي العالم بأم عينيه آثار الجريمة المروعة، غير خطابه، واعترف باستخدام سلاح كيماوي في غوطة دمشق، لكنه رمى التهمة على المعارضة. واخترع نظريات لا يقبلها إلا الحمقى، ليؤكد أن مقاتلي الجيش الحر أطلقوا شحنات كيماوية على بلداتهم وحيث تسكن عائلاتهم وأبنائهم.
ومنذ يومين يحاول، بمساعدة مكاتب العلاقات العامة المستأجرة في معظم البلدان الكبرى، وكل الدعم السياسي واللوجستي لروسيا وايران، أن ينسحب من فرضية المعارضة ويقنع العالم بأن من أطلق الغازات الكيماوية ليست المعارضة نفسها ولكن جماعات مندسة في صفوفها، تم تمويلهم من قبل دول معينة.
هذه الأكاذيب التي لا تمر إلا على من يريد أن يصدقها، وبعض الناس الذين اكتوا أيضا بنار الأكاذيب الدولية منذ زمن طويل، لا يمكن لصحاب عقل يتابع الحدث السوري منذ شهور أن يصدقها.
لا يكذب هذه الإداعاءات ما عرف به النظام من الكذب الصريح والدائم والشامل، الذي يعرفه الشعب السوري والعالم، وفي كل شيء، حتى، كما قال الشاعر المرحوم ممدوح عدوان، في نشرة أحوال الطقس، وإنما أكثر من ذلك الوقائع الواضحة التالية :
اولا رفض النظام دخول مفتشي الأمم المتحدة في اليوم نفسه إلى مكان الإصابة للتحقق من الأوضاع، وإصراره على رفض دخولهم حرصا على أرواحهم. ولم يغير موقفه إلا بعد الضغوط الكبيرة التي مارستها حليفته روسيا عليه.
وعندما قبل بذلك حاول أن يتوه المفتشين. فأخذهم في طريق غير المتفق عليها، وأدخلهم في مناطق المعارك الحامية، حتى يعرضهم للنيران ويخيفهم ويثنيهم عن الاستمرار
وثانيا، إصرار النظام، بعد أشهر من المفاوضات مع الأمم المتحدة على السماح لفريق المفتشين بالمجيء إلى سورية، للتحقيق في استخدامات سابقة للكيماوي طالت ٢٨ موقعا، على تقليص صلاحية لجنة التحقيق، بحيث حرم عليها البحث في تحديد من المسؤول عن إطلاق السلاح الكيماوي، وحصر مهمتها في تقرير في ما إذا كانت هناك آثار للغازات المستخدمة أم لا، وذلك بعد أشهر من استخدامها.
وثالثا، الجميع يعرف أن التعامل مع الأسلحة والغازات السامة ليست مسألة سهلة يتقنها من يشاء، ولكنها تحتاج لتقنيات ومختبرات ووسائل لا يملكها إلا النظام، وأن المعارضة لا تملك اسلحة كيماوية، وهو لم يعلن عن سرقة مثل هذه الأسلحة، بل أعلن دائما أنها تحت حمايته وسيطرته التامة.
وأخيرا لو امتلكت المعارضة مثل هذه الأسلحة، وكان لديها إرادة استخدامها، وهو أمر مرفوض تماما، لما استخدمتها ضد نفسها، وضربت بها مواقعها، وإنما، وهذا عين المنطق، ضد مواقع خصومها وأعدائها.
يبقى أن هناك طرفا ثالثا هو الذي دخل على الخط كما نقول، وفي هذه الحالة على النظام الذي يملك هذه الأسلحة ويحميها أن يكشف عنه ويتحقق من هويته ويخبر عنها قبل أن يتهم المعارضة. وهو لم يكلف نفسه حتى التحقيق باستشهاد مئات الأبرياء معظمهم من الأطفال والنساء، وبعض أنصاره وزعوا الحلوى على مرآى مشاهد الجريمة النكراء. ومهما كان الحال، وحتى لو أن طرفا ثالثا هو الذي سرق السلاح الكيماوي واستخدمه، يبقى لا يخفف هذا من مسؤولية النظام، واتهامه بأنه أخفق في حماية شعبه من استخدام أسلحة محظورة تقع تحت سيطرته. ولا شيء يمنعنا أيضا، لو كان هذا هو الحال، أن نأخذ باحتمال أن يكون هو من سربها واشترى خدمات فريق ثالث حتى يحقق أهدافه منها من دون أن يناله الاتهام المباشر.

أما آخر الأطروحات التي سمعتها عن الموضوع، فهي الأغرب. يقول بعض أنصار النظام وداعميه ماذا لو أن دولة أو دولا نجحت في أن تخترق قوات الأسد نفسه، وتدفع بعض جنوده لإطلاق مثل هذه الغازات، لتوريط النظام في هذه الجريمة. لم يبق إلا أن نشك في أن بعض أجناس الجان تتآمر على الأسد وتبحث عن هلاكه وتكبيله بتهم هو منها براء كبراءة الذئب من دم يوسف.
كل ذلك كان من الممكن تصديقه، أو تصديق بعضه، لو لم يكن نظام بشار الأسد قد أدمن الجريمة واستمرأ القتل بكل الأسلحة، بما في ذلك اسلحة الدمار الشامل، وأتقن الذبح بالسكاكين، وولغ في دماء السوريين منذ ما يقارب السنوات الثلاث، على مرأي العالم كله وبصره. لكن لسوء حظ السوريين وخيبة أمل أنصار الأسد وولاة أمره، ليس هذا هو الواقع.

يحكى أن رجلاً نفخ في قربة و ربطها ثم نزل بها يسبح في النهر. و كانت القربة ضعيفة الوكاء ( أي الرباط )، فتسرب هواؤها، و أوشك الرجل أن يغرق، فاستغاث برجل كان واقفاً على الشاطئ فقال له الرجل :
" يداك أوكتا و فوك نفخ "
وذهبت هذه الجملة مثلا يضرب فيمن يقع في سوء عمله

ونحن نقول للأسد تماما: يداك أوكتا وفوك نفخ

lundi, août 26, 2013

حول الإعداد لضربة عسكرية لنظام الاسد



لا شك من أن هناك ضربة قادمة تحضر ضد نظام الأسد. وهو ما تشير إليه كل التصريحات والاستعدادات. فالسكوت عما قام به من عمل مروع لا يقوض مصداقية الدول والمواثيق الأممية، التي حظرت استخدام هذا السلاح فحسب، وإنما يهدد بشرعنة استخدامه، وتعميم انتشاره، وبالتالي جعل الارهاب القاعدة للحكم والسيطرة في كل مكان، والقضاء على أي نظام مدني او دولي.

لكنني أود أن احذر قادة الدول المجتمعة اليوم في عمان لتقرير ما يمكن عمله، من التفكير بضربة، حتى لو كانت موجعة، لا هدف لها سوى تبرئة الذمة من دم السوريين، أو تقليم أظافر الأسد للحد من أذاه. لن يكون نتيجة مثل هذه الضربة الاستعراضية سوى إعطاء حجج جديدة للأسد كي يزيد انتقامه من الشعب السوري واعتبار نفسه طليق اليدين في استخدام كل الوسائل الأخرى لإبادته وتدفيعه ثمن هذه الضربة.

ينبغي أن يكون ماحدث من جريمة مروعة منطلقا لتحرك دولي شامل من أجل إنهاء المأساة السورية برمتها، وفي أساسها وجوهرها، سعي نظام الأسد الفاشي والفاسد إلى البقاء في السلطة مهما كان الثمن.

ليس المطلوب عملا عقابيا أو انتقاميا من هذا النظام الذي يستخدم الجريمة وسيلة للحكم منذ عقود، وإنما خطة لتغيير الوضع القائم، والذي لم يعد يحتمل، لا من قبل الشعب السوري ولا من قبل الشعوب المرعوبة المحيطة بها، 

وأن تكون العمليات العسكرية جزءا من خطة تنحية الأسد ودفع أصحاب الضمير من الضباط والإداريين الذين خضعوا لابتزازه خلال ما يزيد عن سنتين ونصف، إلى الاستقلال عنه، والاستعداد للتعاون مع المعارضة والجيش الحر لإقامة نظام وطني جديد في مكانه، 

وأخيرا أن يتم كل ذلك بالتنسيق بين الفاعلين الدوليين والمعارضة السورية وقادة الجيش الحر. 

لا يمكن للوضع الراهن أن يستمر. كما لا يمكن السماح بعمليات القتل اليومي الممنهج والتدمير المنظم وتهجير الآلاف من الناس، وتعذيب مئات الألوف من الشباب في الزنازين الرهيبة، والقضاء على مستقبل شعب كامل إلى ما لانهاية. ولا يمكن للدول المحيطة بسورية أن تحتمل سنوات أخرى عواقب الدمار السوري، لا على المستوى الانساني ولا على المستوى السياسي ولا على المستوى الاقتصادي. وها هو لبنان بدأ يترنح منذ الآن بعد انتقال المواجهات إليه. 

معاناة الشعب السوري طالت أكثر مما يمكن لشعب أن يحتمل، وهذه هي الفرصة تحضر اليوم للتخلص نهائيا من هذا الوحش المجنون الذي استمرأ شرب الدم، والسباحة فيه، والذي لم يتوقف عن القتل وتدمير المدن وتغيير المعالم السكانية والتاريخية يوما واحدا، منذ ما يقارب ثلاث سنوات.

samedi, août 24, 2013

لماذا يتهاون الغرب بحق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية؟



أكثر سؤال يتردد في ذهن السوريين هو: لماذا يتجاهل الغرب الذي يدعي الحرص على قيم الحرية والديمقراطية ونشرها في العالم، حقوق الشعب السوري في هذه الحرية وهذه الديمقراطية؟
والجواب:
لأن الحرية والديمقراطية للشعب السوري ليست في مصلحة أحد من حلفاء الغرب في المنطقة. وبالتالي ليست مصلحة غربية. من هنا هم يتخذون موقف انتظر وراقب ماذا سيحصل، ومن سيكون الرابح. إذا كان الفائز قريبا منك تقف معه، وإن لم يكن تعاديه، 
بالتأكيد لم يعد هناك من يراهن على بقاء بشار ونظامه لأنه أصبح أجربا يقرف أي مسؤول دولي في مصافحته أو أخذ صورة معه. إنما التخلي عن بشار لا يعني تلقائيا الوقوف مع الديمقراطية السورية. 
ومن طرفنا نحن، لم تسلك قياداتنا سلوكا مسؤولا يسهل على الآخرين تجاوز مخاوفهم وشكوكهم وتحفظهم، ويفرض عليهم الاعتراف بحقنا في تقرير مصيرنا بأنفسنا. انقساماتنا وخلافاتنا وتشتت قوانا واستهانتنا بسيادتنا واستقلال قرارنا، بقدم للدول الغربية، التي ليست صديقة بالأصل لنا، ذريعة ليهربوا من مسؤولياتهم والتزاماتهم الدولية والأخلاقية تجاه حماية شعبنا، إلى درجة يكادون يمررون فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والتهاون مع عمليات الابادة الجماعية بعد صرف النظر عن عمليات التدمير المنهجي لشروط حياة مجتمعنا الطبيعية.

ظام المهام القذرة




لم يتردد نظام القتلة في دمشق عن القيام بأي مهمة قذرة لصالح الغرب أو الشرق أو اسرائيل أو طهران حتى يضمن لنفسه اجماع العالم على تأييده وصرف النظر عن ممارساته اللاإنسانية في خنق شعبه وتكبيله بالأغلال ومص دمه والتسلط على موارده وحقوقه، وفي مقدمها الدولة السورية نفسها التي حولها لأداة لتحقيق الأغراض الشريرة لكل الحلفاء. 



دمر لبنان والعراق واليوم يدمر سورية، وتعاون مع كل المخابرات الغربية ضد المنظمات الاسلامية، المتطرفة وغير المتطرفة، وتوكل بتعذيب وقتل العديد من أعضائها، ولم يتوقف عن تقسيم الفلسطينيين وضرب بعضهم بالبعض الآخر، ولا في إغلاق حدود سورية الجنوبية بالمفتاح لصالح أمن وسلامة إسرائيل. وكذلك فعل بالأردن وتركيا وغيرهما. أما مع طهران فقد عقد حلقا مدنسا هدفه تغيير الخريطة السكانية والمذهبية والجيوسياسية والتاريخية لسورية لوضع دمشق في مواجهة الدول العربية وفتح طريق السيطرة والهيمنة الإقليمية لايران على حساب العرب جميعا.
لقد باع سورية وشعبها ودولتها وجيشها ودينها وكل شبر منها في سوق النخاسة من أجل أن يتحول بعض خصيانه إلى أسياد
ومن اجل ذلك كان على الشعب السوري أن يخضع ويخنع ويقبل معاملة السجناء والأسرى والعبيد والمتهمين، وأن يعذب أبناؤه في السجون والمعتقلات والمنافي، وأن يكون جنوده وقودا لحروب الديكتاتورية. 
هذا هو جرد حساب النظام السوري ومنجزاته التي ينبغي أن يعرفها الصغير والكبير

mercredi, août 21, 2013

عهد السوريين الأحياء للشهداء



في آخر استخدام للسلاح الكيماوي من قبل قواته، ضد بلدات الغوطة الشرقية، ضمن خطة لاجتياح شامل للمنطقة، تجاوز نظام الأسدكل المحرمات. وبلغ في تصعيده في العنف درجة لم تشهدها أي نزاعات سياسية داخلية في أي عصر. فلأول مرة ينتقل النظام/العصابة من استخدام غاز السارين لهدف تكتيكي يرمي إلى ارهاب المدنيين ودفعهم إلى الانقلاب على الثورة وكسر شوكة مقاتلي الجيش الحر والفت في عزيمتهم، إلى استخدامه لهدف استراتيجي، وكسلاح رئيسي لحسم المعارك من بين الأسلحة العديدة الثقيلة الأخرى. لقد تجاوز العدد الأولي لضحايا هجوم ٢١ آب ٢٠١٣ في غوطة دمشق : ١٥٠٠ شخصا، قضى معظهم اختناقاً و أغلبهم من النساء والاطفال. ومن المؤكد أن هذا الرقم سوف يتضاعف مع نفاذ ترياق غاز السارين من المشافي الميدانية.
يضع هذا الاستخدام الاستراتيجي للسلاح الكيماوي الجيش الحر أمام تحد هائل في التصعيد في العنف لا يمكن للمعارضة أن ترد عليه، وليست مستعدة لا سياسيا ولا أخلاقيا على مجاراته. وهو التحدي الذي يوجهه ايضا للعالم أجمع، للامم المتحدة التي ادانت استخدام الاسلحة الكيماوية وأصرت على إرسال لجنة تحقيق دولية في الموضوع، ولتجمع أصدقاء سورية الذي أعلن دعمه وتسليحه للثورة، وللمجتمع الدولي بأكلمه، وعلى رأسه مجلس الأمن الذي فرض العقوبات على النظام، ولا يزال يرفض الانصياع لابتزازه وتحرير ودائعه المجمدة. 
أراد النظام السوري المحاصر أن يوجه من خلال هذه الهجوم غير المسبوق بالاسلحة الكيميائية على ريف دمشق عاصمة الدولة عدة رسائل أساسية. 
رسالة للثوار ومقاتلي الجيش الحر الذين أثبتوا تصميما اسطوريا على الاستمرار في القتال، ومقدرة لا تقارن على مواجهة المصاعب وتحمل مشاق لا يتحملها بشر، مفادها أن كلفة الاصرار على المقاومة وهزيمة النظام ستكون عالية فوق ما يتصور أي إنسان، وأن آفاق التصعيد في العنف عند النظام لا حدود لها، وأنه مستعد لحرب إبادة جماعية لا يمكن لأحد ايقافها وأن الجيش الحر مهما حصل عليه من سلاح وتحلى به من شجاعة لن يستطيع ان يحسم الحرب.
رسالة للشعب السوري الذي فشل النظام في استعادته لصفه بالرغم من كل الاستراتيجيات والحيل التي استخدمها من أجل ردعه عن الانفكاك عنه، وتخويفه، ومن ضمنها بث الفوضى وتسعير النزاعات الطائفية والاتنية، وإطلاق يد حركات التطرف والتكفير العالمية، وتخوين المعارضة وتشويه صورتها، ونشر أفلام العنف والتمثيل والقتل الوحشية. رسالة تقول للشعب أنه لا المعارضة ولا الدول العربية الداعمة لها ولا تجمع أصدقاء سورية ولا المجتمع الدولي قادرين على حمايتهم، أو منع انتقام الأسد وأنصاره منهم وتهديده لحياتهم وحياة أبنائهم. 
رسالة ثالثة لمجلس الأمن، ولجنة التحقيق الدولية في الاسلحة الكيماوية، ليبين لهما عبث عملهما وتمسكهما بإجراء التحقيق الذي فاوض مطولا على حصره في موقع واحد، والبرهنة لهما على أنه يستطيع أن يقوم بمجازر أعظم، أمام اعينهما، وعلى بعد كيلومترات من إقامة اللجنة في فندق في دمشق، من دون أن يكون لديهما أي امل في إثبات أي تهمة على النظام، بعد أن نجح في تحديد مواقع عمل اللجنة وضبط تحركاتها وتقليص صلاحياتها. 
ورسالة رابعة لأصدقاء سورية وداعمي ثورتها، مفادها أن كل الضغوط السياسية والاقتصادية والقانونية التي مارسوها ويمارسونها عليه لن تؤثر في قراره وتصميمه على الاستمرار في الحرب، وأن أحدا لا يملك الحق في أن يتدخل في شؤونه، ولا القدرة على الحد من سيادته على الشعب والبلاد.
هذا الهجوم المصمم عن سابق إصرار رسالته للجميع أنه مستمر في حربه، ومصمم على الحسم العسكري، مهما حدث، وبأي ثمن كان، وأن أحدا لا يستطيع أن يمسكه بالجرم المشهود أو يثبت عليه أي جريمة كانت، وأنه من الذكاء إلى درجة تمكنه من أن يخلط كل الأوراق ويقلب التهمة على متهميه، ويدينهم بأبشع الجرائم ويقتص منهم بدل أن يقتصوا منه. 
لكن في ماوراء ذلك تعكس الفظاعة الجديدة التي ارتكبها الأسد منطقا واحدا وثابتا طبع سلوكه منذ استلامه السلطة عام ألفين، وهو عدم الاعتراف بالخطأ وعدم التراجع عن خطوة خطاها، والهرب إلى الأمام، وتغطية الجريمة بجريمة أكبر، والرد على أي اتهام باتهام، بل باستباق الاتهام الموجه إليه باتهامات أخطر للخصوم وللمنظمات الدولية وللعالم. هكذا حاول تتويه لجنة التحقيق الدولية بمقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام ٢٠٠٥ بخلط الأوراق والقيام بمزيد من الاغتيالات، وجعل من إرهاب الدولة الذي مارسة ضد الثورة السلمية منذ بدايتها على أوسع نطاق ردا على إرهاب منظمات لم تكن موجودة إلا في مخيلته، وحول المؤامرة الحقيقية التي حاكها وأزلامه منذ عقود لحرمان الشعب السوري من حقوقه وتحييده في وطنه، إلى مؤامرة كونية تستهدف نظام الممانعة البائسة. 
اللجوء الأكثر تصميما على تطبيع استخدام الاسلحة الكيماوية في النزاع السياسي السوري، يشكل تصعيدا خطيرا من قبل نظام يدرك اليوم أن مصيره قد حسم، ولم يعد لديه ما يخسره، ويريد أن يصدم المجتمع الدولي العاجز، ويثير رعبه بهجوم كيماوي على مدنيين في عز نومهم، لعله يعود إلى رشده، ويقبل التراجع عن مواقفه، لتجنب الفضيحة والإفلاس السياسي والأخلاقي. 
بهجوماته على الشعب بالاسلحة الكيماوية، وبشكل خاص هجومه الأخير في غوطة دمشق، لا يبرهن النظام عن إخلاصه لتراثه ومنطق حكمه القائم على الابتزاز بالموت لإخضاع الشعب وتركيعه وحرمانه من تقرير مصيره، ولكنه يضع أيضا العالم، الذي قبل بدور الشاهد على المذبحة اليومية السورية المستمرة من سنتين ونصف، أمام حقيقة جبنه وفشله، ويقوض مصداقية المجتمع الدولي، ويثبت عن حق بأنه ثمرة هذا الجبن وذاك الفشل الدولي الذي رعاه وانشأه، ولايزال يحتضنه منذ إربعين سنة من عمر الارهاب والقتل المنظم والتنكيل بشعب بريء، لا ذنب له سوى أن مصالح استقلاله وسيادته وحقوق أفراده في الحرية وتقرير المصير والمساواة، لم تتقاطع مع مصالح ضمان الأمن والسلام والرفاه والاستقرار لبعض دوله وحلفائه الأقربين. 

لا يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى مكتوف اليدين امام حرب الابادة التي يخوضها الأسد ضد شعبه. وأمام التعطيل المستمر لمجلس الأمن الذي فشل حتى الآن في الوفاء بالتزاماته تجاه الشعب السوري، يقع على الجميعة العامة للأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها وتقوم بتفعيل البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلام في حال تهديد السلم والأمن الدوليين. 
أمام هذه الجريمة المرعبة ضد السوريين، وضد شرف الانسانية جمعاء، لا يسعنا، نحن السوريين، الذين لا سلطة لنا ولا مال، إلا أن نتقدم بالعزاء لعائلات الضحايا، ونأمل أن يتمكن الشعب السوري، في يوم قادم، من إنزال القصاص العادل بمرتكبي هذه المجزرة النكراء.
وأن ندعو مقاتلي الثورة وجيشها الحر إلى التكاتف والاتحاد من أجل مواجهة أكبر تحد واجهه شعب في تاريخه، تحدي خيانة موصوفة لنخبة الدولة والسلطة وانقلابها ضد الشعب والبلاد.
نتطلع إلى شعوب العالم وندعوها للتضامن مع الشعب السوري ضد سياسة القتل الجماعي المنظم وضلوع المجتمع الدولي ورفضه التحرك لوقف الجريمة والقيام بواجبه الطبيعي.
ندعو جميع المنظمات الدولية الاغاثية للدخول الى المناطق المنكوبة وتقديم كافة اشكال المساعدات الاغاثية والطبية للازمة. 
ننحني بخشوع واحترام أمام جثامين أطفالنا ونسائنا ورجالنا الشهداء، ونترحم عليهم ونعدهم بأن لا نفرط بحقوقهم ولا بحقوق أي سوري، وأن نستمر في ثورة الكرامة حتى بزوغ فجر الحرية والعدل. لن نتوعد ولن نثأر ولن ننتقم، لكننا نتعهد، نحن السوريين جميعا، الباقين على قيد الحياة، بأننا لن نتهاون في القصاص، ولن نستكين أمام الظلم، ولن نقبل الغبن والمذلة، ولن يهدأ لنا بال قبل سحق العدوان. 
باريس في ٢١ آب ١٣

mardi, août 20, 2013

الرهانات الكبرى للصراع المستمر في مصر



"ما حدث في مصر (٢٥ يناير ٢٠١١) هو ثورة سياسية ستحدد مصير العرب ومنطقة الشرق الأوسط لعقود طويلة قادمة. وبسبب رهاناتها الداخلية والإقليمية والدولية الكبيرة كانت بالضرورة معركة ضارية، استخدمت فيها كل الوسائل، وتدخلت فيها العديد من القوى الداخلية والخارجية. 

فالأمر يتعلق أولا بتقرير مصير شعب مصر ومستقبله. وفي معركة تقرير المصير هذه يقف في مواجهة شعب مصر، الذي يشكل العمود الفقري للأمة العربية، تآلف من جميع القوى الخارجية الخائفة من استقلال القرار المصري والعربي، وعلى رأسها إسرائيل، والقوى المحلية التي تضم، إلى الطغمة الفاسدة التي كانت تدير شؤون مصر بأكملها من منطق تعظيم ثرواتها وحساباتها المصرفية، قطاعات واسعة من رجال المال والأعمال الذين يشكلون طبقة من الرأسمالية الميركنتيلية التي ارتبطت مصالحها بمصالح العائلة والنظام ، وكذلك قاعدة واسعة من القوى الزبائنية المتحكمة بمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والإدارية، والمسستفيدة من موقعها وعلاقتها الوثيقة بالعائلة الحاكمة".

"كما يتعلق الأمر، في المعركة التاريخية الراهنة، بتحديد موقع مصر ودورها في المنطقة الشرق أوسطية، ومن وراء ذلك هوية المنطقة نفسها، والمصالح السائدة فيها، ومستقبل تطورها ومكانتها الدولية. 

ومن المحتم أن عودة مصر للشعب المصري الذي اختطفت منه، واستعادة هذا الشعب سيادته وحريته في تقرير شؤونه السياسية الداخلية والخارجية، سوف يغير من الوظيفة التي قامت بها مصر في العقود الثلاث السابقة في إطار النظام الإقليمي، فيحولها من رصيد استراتيجي للتحالف الغربي والاسرائيلي الذي يبسط نفوذه في المنطقة ويسعى، من خلال إخضاع الشعوب العربية وتحييدها، إلى احتواء المقاومات المحلية والإقليمية وضمان سيطرته على منابع الطاقة الاستراتيجية وعلى أمن إسرائيل ومشروع توسعها الاستعماري، إلى قاعدة كبرى لعملية إعادة بناء المنطقة العربية وتأهيلها للدخول في عصر السيطرة الذاتية والقضاء على المشاريع والمطامع التوسعية الاسرائيلية وفتح الطريق امام ممارسة الشعوب حقوقها الطبيعية وجعل المنطقة مركزا من المراكز العالمية للتنمية الحضارية والانسانية".

"هذا هو الذي يفسر ما شهدته ساحة الثورة ولا تزال تشهده من مناورات دولية ومحلية، ومن ضمنها السعي إلى تقسيم القوى السياسية، وربما شق الجبهة الموحدة أو الالتفاف على إمكانية قيام جبهة موحدة تجميع الشباب وقوى المعارضة المصرية في خط واضح وحاسم لاحداث تغيير نوعي في النظام". 

من مقال بعنوان "ثورة مصر: الصراع على السيادة"

الاتحاد 23 فيفرييه 2011

mardi, août 13, 2013

حان الوقت كي نفكر بمصير سورية الديمقراطية الواحدة


زاد الحديث في الأسابيع الأخيرة عن مخططات تقسيم سورية. ونشرت خرائط على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وعرضت تقارير ف الصحافة المكتوبة والمشاهدة، وبدأت بعض الأوساط الدبلوماسية والسياسية، المحلية والدولية، تجس نبض القوى الاقليمية والدولية بدفع بيادقها الأولى في هذا الاتجاه.
ما يشجع على هذا المسار استمرار الحرب الداخلية منذ سنتين ونصف من دون أي بوادر حل في المدى المنظور، وضعف الامل بحسم عسكري سريع، واعتقاد البعض من أصحاب المشاريع الجاهزة بأن الفرصة أصبحت مواتية لوضع الجميع أمام الأمر الواقع، بذريعة انقاذ ما يمكن إنقاذه، في سياق تدمير الدولة الجاري من قبل النظام القائم، واتساع الهوة المتزايد بين مشروع الثورة الديمقراطية الاول ومشاريع دولة العراق والشام وأشباهها، وأخيرا تفاقم الفوضى وتوسع عمليات الاختطاف وانعدام الأمن بالنسبة للأفراد والجماعات.

يتفق هذا مع ما كان النظام يعد به السوريين ويتوعدهم. وما يقود إليه مشروع التدمير المنهجي للدولة ومؤسساتها من جهة، والتدويل المتزايد للأزمة السورية، مع تدخل قوى اقليمية منظمة ورسمية في الصراع، من جهة ثانية. كل ذلك يشير إلى أن سورية لم تعد حصينة ضد الاختراقات ولا منيعة في وجه مشاريع التقسيم أو بالأحرى التقاسم بين الفرقاء والاعداء.

يتحمل المسؤولية عن ذلك رئيس النظام المارق الذي لم يتردد في التضحية ببلده والمخاطرة بدفعها نحو الكارثة إذا لم يرضخ شعبها لإرادته ويقبل بحكمه مهما كان. لكن يشاركه في المسؤولية المجتمع الدولي، ومجلس الأمن بشكل خاص، الذي أخفق، أمام جدار الفيتو الروسي، في الوفاء بالتزاماته تجاه الشعب السوري، وتركه ضحية طغمة همجية، عديمة المسؤولية، ومستعدة لكل الخيارات بما فيها الأسوأ، أي علي وعلى أعدائي. ولا ينجوا من المسؤولية من سموا انفسهم أصدقاء الشعب السوري الذين تفننوا في اختراع الذرائع والحجج حتى يمنعوا عن السوريين وسائل الدفاع عن أنفسهم وحسم المعركة لصالح الانتقال الديمقراطي قبل أن يستفحل الخطب وتغلق كل أبواب الاصلاحات والمصالحات والتسويات.

ومع ذلك، نحن ايضا مسؤولون. أولا لأننا قبلنا بأن نبقى مقسمين ومتنافسين، في صفوف المعارضة والثورة على حد سواء. وبدل أن نجتمع في قوة واحدة وقيادة موحدة قادرة على التفكير والتخطيط والتنفيذ المشترك، على مستوى الجمهورية بأكملها، اكتفينا بالعمل كل فريق في قريته أو بلدته أو مدينته أو منطقته، وتنازعنا على السلاح والذخيرة والموارد ووسائل الاعلام، ودخلنا ولا نزال متفرقين في مواجهة شاملة ومصيرية مع نظام واحد، ومركز قيادة موحد، وجيش نظامي، مجهز بكل وسائل الاتصال وببنية تحتية عسكرية تمكنه من تحريك القوات ونشرها في كل الاتجاهات. لم يمكن هذا الوضع النظام من تحقيق اهدافه وإسقاط الثورة، لكنه سمح له بالمقاومة والبقاء وكسب الوقت، وزاد من تكاليف الثورة ومن حجم الكارثة التي يتحملها شعبنا اليوم وسوف يتحملها السوريون لسنوات طويلة قادمة.

قليل من الشعوب من دفع من أجل الحرية هذا الثمن الانساني والمادي الباهظ، وعاشها في لحمه ودمه وجرحه النازف.

لكن الفرصة لا تزال قائمة لتدارك أخطائنا. وليس المطلوب توحيد قوى الثورة والمعارضة والخروج نهائيا من منطق التنافس والاتهام المتبادل والتشكيك والتخوين فحسب، وكله ذلك في تزايد، وإنما، أكثر من ذلك، التطلع نحو توحيد الشعب السوري، أفرادا وجماعات، ووضع الأسس والمباديء الكبرى والواضحة لتجاوز القطيعة والانقسام، بين التيارات والاتجاهات وجميع أطياف الرأي العام السوري، المذهبية والقومية، واستعادة الايمان بسورية الدولة والثقة بمستقبلها وخلاصها.

حان الوقت كي نتجاوز حساسيات الماضي القريب والبعيد، وأن ندخل في شراكة وطنية حقيقية تضم الجميع، وتوحد بين الجميع، وتساوي بينهم، من دون تمييز ولا تفرقة من أي شكل كان. وإذا نجحنا في أن نستعيد هويتنا السورية ونعود إليها، من وراء خليط الانفعالات السلبية اليائسة ومشاعر النفور الطائفية والقومية التي ولدتها الحرب، وأن نعقد "صفقة" وطنية ترضي الجميع، سيكون بإمكاننا بسهولة أن نعقد "صفقة" مماثلة مع حلفائنا وخصومنا الإقليمين والدوليين.

أمام هذا التحول الذي نضج في نفوس جميع السوريين، الذين أصبحوا بأكملهم ضحية للحرب المجنونة، موزعين بين شهداء ومشردين ومهددين بأرواحهم وممتلكاتهم، لا يوجد إلا عقبة واحدة، كانت ولا تزال المسؤول الأول عن دمار سورية وخرابها ومحنة شعبها، هي الأسرة الحاكمة والنظام الأمني الذي أقامته خلال عقود طويلة في بلادنا، لكسر إرادة الشعب، وإخضاعه بالقوة، وانتزاع السيادة لها وحدها من دون سائر الناس، وكان جوهره التفريق بين الجماعات واستخدام التنوع المذهبي والإتني الذي أثرى هوية سورية وثقافتها وميز حضارتها عبر التاريخ، لتأليب بعض الجماعات على البعض الآخر وقمع واحدتها بالأخرى، وتحييد الجميع واستعبادهم من دون تمييز.

لا تقوم المصالحة الحقيقية على تنازلات جزئية، واعتراف بالخصوصية، او مراكمة قائمة المطالب الخاصة بالجماعات، ووضعها بموازاة بعضها البعض. لن يخرج عن مثل هذه العملية اي مصالحة، وإنما تكريس الانقسام والتقسيم الذي هز النفوس في الواقع القانوني والسياسي، وترك جمر الكراهية والحرب مستعرا تحت الرماد.

المصالحة الحقيقية تقوم على التفاهم حول مباديء عامة تضمن لكل فرد أن يكون مساويا للفرد الآخر، ليس في الحقوق والواجبات فحسب وإنما أيضا في الأمن والازدهار والتضامن والاطمئنان على النفس والمستقبل. وفي هذه الحالة سيكون تطبيق هذه المباديء في الممارسة العملية، ومن قبل أي حكم أو سلطة جديدة، والتزام الجميع باحترامها وتقديسها، بصرف النظر عن المدارس السياسية والاعتقادات الفكرية، هو الضمان الحقيقي لأمن الجميع والمساواة بينهم، ولوحدة البلاد والشعب. لكن يستدعي هذا ارتفاع الجميع في تفكيرهم وسلوكهم إلى مستوى القيم والمباديء الانسانية والقواعد القانونية. فالوحدة لا تقوم على طرف واحد، وإنما تحتاج لصناعتها إرادة طيبة وايجابية عند كل الأطراف.

أوهام النصر أو الرهان على الخارج قد يمنع الكثيرين من العودة إلى التفكير العقلاني ويدفعهم إلى الاستمرار في تغذية حلم الهروب بأنفسهم من المحرقة بأقل الخسائر، وربما بمزيد من الغنائم. هؤلاء لا يمكن المراهنة عليهم، لأنهم هم المشكلة، ونموذجهم الأمثل هو طغمة النظام وحلفاؤه. المراهنة ينبغي أن تكون على أؤلئك الأفراد القلائل الذين تحرروا، في كل الطوائف والقوميات، من أسر العصبيات الجاهلية ومشاعر الحقد والانتقام، و الذين يدركون بوعيهم الكبير أن الهرب إلى الحلول الجزئية والخلاصات الفئوية لن يحل الأزمة السورية ويوقف الحرب ولكنه سيزيدها استعارا ودموية، وأن العودة إلى الحاضنة الوطنية، وإعادة بناء الدولة السورية، لا يزال الأقل كلفة من بين كل الحلول. باختصار المراهنة تقع على أؤلئك الذين يعرفون أن مواجهة الحقيقة كما هي، والتعامل مع الوقائع بجدية وايجابية، أي العود إلى العقل، هما وحدهما ما يفتح سبيل الخلاص ويعبد طريق الحرية.

لا ينبغي أن ننتظر حتى تنتهي الحرب كي نطبق هذه المباديء ونظهر ايماننا و التزامنا بها، وبالتالي بدء عملية إعادة توحيد سورية والسوريين، وقلب اتجاه الاحداث لغير صالح الانقسام والتباعد المتبادلين. منذ الآن، يشكل سلوك الوحدات والمقاتلين والسياسيين والاعلامييين على الجبهات المفتوحة في مناطق الاختلاط، وهي تكاد تغطي سورية جميعها، اامتحانا لإرادتنا ومقدرتنا على الارتفاع إلى مستوى هذه المباديء المقدسة الكفيلة وحدها بضمان وحدة سورية أرضا وشعبا، ومستقبل شعبها وأجيالها الجديدة.


بمقدار ما ننجح في إعادة الثقة بقدرة السوريين على التفاهم حول مباديء كبرى ثابتة، تشكل خطوطا حمراء أو محرمات، لا يمكن لاحد تجاوزها أو المساس بها من دون عقوبة رادعة، والايمان باقتراب نهاية المأساة، نستعيد قوة الجذب والاستقطاب للوحدة السورية، ونوقف آلية الانشقاق والافتراق التي لن تجر على أصحابها إلا المزيد من المآسي والنزاعات والحروب الداخلية والإقليمية. وأول هذه المباديء والحقوق المقدسة التي لا يمكن لسورية أن تعود دولة موحدة، بل دولة فحسب، من دون الالتزام القاطع بها وتطبيقها، هو مبدأ تقديس الحياة الانسانية. ولذلك أيضا لا يمكن لسورية أن تنقذ نفسها وتفوز بخلاصها إذا لم تقدم أؤلئك الذين استسهلوا هدر حياة الناس واستباحة دمائهم، على أمل الهرب من مسؤولياتهم والاحتفاظ بسلطتهم وامتيازاتهم، إلى المحاكم المختصة كي ينالوا قصاصهم العادل، وكي ما يتأسس على هذا القصاص النظام الجديد، ويقام على مبدأ تقديس النفس التي حرم الله، نظام الحق والعدل واحترام كرامة الانسان وحريته واختياره.

samedi, août 10, 2013

مصير الدولة السورية في عهدة بشار الصغير

لا أعتقد أن هناك صاحب عقل، ولا أريد أن أقول صاحب ضمير،  يقبل باستمرار ما يجري في سورية من تدمير منهجي مقصود للمدن السورية، وقتل الآمنين من أهلها، أطفالا ونساءا وشيوخا وشبانا، لا لذنب إلا لأنهم رفضوا أن ينصاعوا لإرادة حاكم أخرق، أصابه مس من الجنون، وقرر إما هو أو حرق البلد. 
يقول البيان الذي صدر للمرة الألف عن اجتماع وزيري أكبر دولتين، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، أنه لا يوجد للمسألة السورية حل سوى الحل السياسي.  فهو وحده الذي يضمن الانتقال المنظم أو المتفق عليه مع الاحتفاظ بالدولة ومؤسساتها. 

:أقول لهؤلاء الذين يخافون التضحية بالأسد حفاظا على الدولة، من السوريين والعرب والاجانب 
كل السوريين الطبيعيين متفقين على الحفاظ على الدولة والمؤسسات وعلى تدعيمها. لكن هل يقوم نظام الاسد بشيء آخر غير التدمير الممنهج والمنظم للدولة ومؤسساتها عندما يسيل دماء السوريين أنهارا، ويفجر كل الثوابت الوطنية، ويقسم الشعب طوائف ومذاهب واديانا، ويدفع ملايين الناس إلى النزوح واللجوء من دون مأوى، ومن دون موارد، ومن دون مستقبل؟ ولو كان نظام الأسد نظام دولة، ومؤسسات، هل كان الجيش الذي وجد للدفاع عن سيادة البلاد، وحماية الشعب، وضمان الأمن والاستقرار، يفرط بكل هذه الاهداف، فيترك الحدود سائبة، ويوجه حرابه إلى شعبه، ويقبل باستخدام وسائل الإبادة الجماعية في القمع، من إطلاق الصواريخ الباليستية التي تدمر الأخضر واليابس إلى استخدام الغازات السامة والاسلحة الكيماوية، كل ذلك من اجل الدفاع عن مستقبل فرد، وقعت السلطة في يده بالمصادفة، لا يعرف إدارتها ولا يستحق أن يكون فيها؟ وما هي هذه الدولة التي تقبل بأن يقودها شخص قاصر، لا ثقافة ولا خبرة ولا وعي، وأن يدافع عنها شبيحة مجرمون جعلوا من بوطهم العسكري عقيدتهم، وأقاموا له، منذ أيام فقط، نصبا في ساحات مدنهم، يعلنون فيه برنامج عملهم وطريقة حكمهم لبلدهم، ويعكسون فيه أخلاقياتهم "العالية"و"حداثتهم" و"تقدميتهم"، والمستقبل الذي يخبؤونه لأولادهم وأبناء وطنهم "أعداءهم"!!؟

كل من عاش في سورية، وكل الدوائر السياسية والدبلوماسية الدولية، بل حتى أصحاب الحكم، يعرف أنه لا يوجد في سورية دولة، بمعنى أجهزة متخصصة تعمل حسب القانون، وبعيدا عن نزوات الحاكمين ورغباتهم الشخصية، من أجل ضمان الحياة الطبيعية، الاخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية  لجميع الأفراد، بصرف النظر عن مذاهبهم وأديانهم وافكارهم، وفرض احترام القانون وتطبيق العدالة والمساواة، والعمل على رفع مستوى حياة السكان وثقافتهم وتعليمهم، وتحسين مشاركتهم في الحياة العامة، ووضع الخطط لضمان مستقبل البلاد وأمنها واستقرارها ومستقبل الأجيال القادمة.

ما يوجد في سورية هو حكم عصابة لا تهتم إلا بمصالحها، ولا تخطط إلا لنهب موارد البلاد واستملاكها، ولا تنشيء من المؤسسات والأجهزة الأمنية والعسكرية إلا تلك التي تساعدها على كسر إرادة الشعب وتركيعه وإخضاعه واستعباده لتكون هي الوحيدة السيدة، وكي لا يستطيع بشر ولا إنسان أن يسائلها أو يحاسبها على أي جرم تقترفه في حق الشعب، أو أي فرد فيه. وككل سارق، لا تتردد في قتل الأهالي وحرق البلد بأكمله لإخفاء معالم الجريمة عندما تخشى أن تضبط بالجرم المشهود.. 

يحتاج السوريون بالفعل إلى دولة تحميهم وتحترم إرادتهم وتثمر تنوعهم وتعدد مذاهبهم ومنابتهم ومشاربهم. دولة تسهر على أمنهم، وتعمل من أجل سعادتهم، وتساوي بينهم، وتحكم بالقانون الذي يصوغه ممثلوهم ونوابهم بحرية ونزاهة في مجالسهم التشريعية المنتخبة. يحتاجون إلى مؤسسات مدنية وعسكرية وعلمية من صنعهم، وتعمل لتوسيع هامش خياراتهم وتحسين فرص تقدمهم، وتخضع لإرادتهم المشتركة العامة، تكون إطارا يعمل على تعزيز تواصلهم وتعاونهم وتضامنهم، مؤسسات لهم، لا عليهم، ولا أداة في يد أعدائهم، لا هدف لها سوى سلبهم، ووضع القيود في معاصمهم، وشل إرادتهم لتأبيد سلطة متمردة خارجة على القانون والسياسة وكل المعايير الانسانية، ومرتهنة لإرادة دول الحماية والوصاية الأجنبية.


دولة السوريين يبنيها السوريون أنفسهم. ولا يمكن أن يكون شريكا فيها من قوض أركانها وهو مصر كل يوم على تدمير ما تبقى منها.

dimanche, août 04, 2013

لا يستحق جنيف أن يكون سببا في انقسام المعارضة



يشكل الموقف من مؤتمر جنيف موضوع خلاف رئيسي بين المعارضين السوريين، ويهدد بتقسيمهم كما فعلت مس التدخل العسكري الخارجي في المرحلة الماضية. وكما أن الانقسام الذي أثارته مسألة التدخل هو الأمر الوحيد الذي بقي من تلك الفترة أما التدخل فلم يكن في الأصل واردا عند أحد، باستثناء حلفاء النظام، على الأغلب لن نحصد من مؤتمر جنيف سوى الانقسام والاختلاف ايضا.
والسبب أننا تعودنا في فترة الفاشية الطويلة أن نخلط بين الكلام والفعل، كما كان يفعل النظام، ولا نميز بين الدبلوماسية والسياسة. هدف الدبلوماسية التوصل إلى تفاهمات أو تدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر، وهذا يعتمد على حسن التناول للمسائل، وتجاوز التناقضات في المواقف، بل رش السكر على الموت في معظم الأحيان لامتصاص التوترات أو تأمين التحالفات أو تحييد القوى. الخطاب أو الكلام، وكل ما يقرب بين الأطراف، من مساعدات واتفاقيات اقتصادية وغيرها، هي عده الدبلوماسية ووسائلها لربح الرهان الدبلوماسي. 
 بالعكس تماما من ذلك تنتمي السياسة أساسا إلى ميدان الفعل. فهي تنظيم للجهود والمبادرات في اتجاه تغيير الوقائع. ولا قيمة لكلام لا أثر له مباشر على الأرض ولا يتبعه فعل. هي تنظيم وتحشيد وتدخل عملي، (تنظيم، تأهيل، تدريب عناصر، حشد، تظاهر، اعتصام، مواجهة او منازعة) هدفه قلب ميزان القوى أو بناء ميزان قوى جديد.

جنيف حتى الآن فكرة سياسية لم تتحول بعد إلى فعل، ومن المحتمل أن تبقى في إطار الدبلوماسية، يستخدمها كل طرف، روسيا وأمريكا من جهة، والمعارضة والنظام من جهة أخرى، لشرعنة السياسة التي لا يزال محورها المواجهة والحرب عند البعض، والهرب من المسؤولية الدولية والأخلاقية عند البعض الآخر. ففي الوقت الذي أعلن فيه النظام الفاشي قبوله بجنيف كان يعد لأوسع وأعنف هجوم عسكري شنه خلال سنتين ونصف على مواقع الثوار بهدف تصفية الثورة كلها. وفي الوقت  الذي كانت فيه موسكو تطالب المعارضة بقبول جنيف وتلح عليها فيه، كانت تضاعف مساعداتها العسكرية للنظام، ولا تتردد في تأكيد دعمها السياسي والعسكري له، وأملها، بل فرحها بانتصار،ه وحماسها لمعاركه ضد المعارضة.

جميع هذه الأطراف لا ترى في جنيف إلا وسيلة لشرعنة سياستها الفعلية، تحت مظلة الحل السياسي الذي ليس له بعد أي أساس واقعي واضح. يستخدمه النظام للتغطية على التصعيد العسكري، وموسكو لتبرير دعمها المستمر اللا أخلاقي للنظام، وواشنطن وأوروبا عموما، لتبرير الهرب من المسؤولية وغياب أي سياسة فعلية قوية، تنسجم مع الالتزامات الدولية، في الشأن السوري. هنا تشكل جنيف جزءا من الخطط الدبلوماسية للأطراف، لا أكثر ولا أقل. دبلوماسية شرعنة الحرب هنا، والتغطية على التخاذل ببيع أوهام الحل السياسي للسوريين وللمعارضة هناك..

بهذا المعنى جنيف ٢ بهذا المعنى يمثل جنيف فخا منصوبا للمعارضة والثورة يثير الشك والقلق والخوف لدى معظم قواها المتحركة على الأرض. وهو فخ بالمعنى الحرفي للكلمة لأنه مهما كان الموقف منه ستكون المعارضة هي الخاسرة. فإذا رفضته قدمت هدية مجانية للنظام وحلفائه لشرعنة سياسة استمرار القتال، ووضعت نفسها موضع المتهم والمسؤول عن استمرار المذابح والحرب التي يشنها النظام على الشعب بكل الأسلحة، وغطت على هرب واشنطن من التزاماتها تجاه شعبنا. بل إن مثل هذا الرفض سوف يخسرها تأييد قطاعات واسعة من الرأي العام السوري التي تدفع إلى اليأس بسبب عنف النظام وتردد المجتمع الدولي، وتبحث عن الخلاص وتريد الخروج من المحنة باي ثمن. مثل هذا الخيار يشكل إذن خطأ دبلوماسيا كبيرا من دون شك..

بالمقابل إذا قبلنا جنيف كمشروع للعمل الرئيسي وقبلنا به كطريق للحل كما يطالب به الأمريكيون والروس والاوروبيون والمجتمع الدولي عموما، قبلنا بأن نجلس على طاولة واحدة مع قاتل شعبنا، وأدنا أنفسنا بأن نكون طرفا في حرب يريد لها النظام وحلفاؤه أن تكون حربا أهلية لا مخرج منها إلا على مبدأ لا غالب ولا مغلوب، بدل أن نكون ممثلين لشعب وثورة قدمت أعظم التضحيات ولا تزال للتخلص من كابوس نظام دموي مجرم ومدان، وقبلنا بأن نضحي بمفهوم الحق، حق الشعب في تقرير مصيره والثورة على جلاديه، وأن نتقاسم المسؤولية مع قاتل الشعب ومدمر وطنه وحضارته. وبشكل أو آخر نكون قد أضفينا الشرعية على عمل الجلاد وسياساتها الإجرامية.  والنتيجة الطبيعية لاستبعاد فكرة الجلاد والضحية هي المساواة في المسؤولية عما حدث، والقبول بالدخول في منطق التسوية التي تريح موسكو وواشنطن وتضمن تفاهمهما، على حساب حقوق شعبنا الأساسية، مع العلم أن التوصل لمثل هذه التسوية يمكن أن يأخذ سنوات، وندخل في مسار قريب من مسار أوسلوا للتسوية الاسرائيلية الفلسطينية. وكما كانت إسرائيل قادرة على تحويل المسار إلى وسيلة لكسب الوقت واستكمال مشاريعها الاستيطانية، يمكن لنظام القتلة الذي يسيطر على أجهزة الدولة ومفاصلها أن يتلاعب ما يشاء بالوقت لتحقيق مشاريعه التصفوية وتكثيف الضغوط الخارجية والداخلية على الثورة والمعارضة .

“لعم” ياسر عرفات التاريخية التي نحتها بعبقريته الدبلوماسية من كلمتي لا ونعم، في ظرف مشابه لظرفنا، لا تفيدنا في شيء، كما لم تفده في شيء، وكانت نتيجتها إخراجه من السياسة بل من الحياة.


الموقف الصحيح هو أن نحدد لمؤتمر جنيف الوظيفة التي أعطيت له من قبل مطلقيه، كورقة للعمل الدبلوماسي، تستخدم ورقته بمقدار وبالقدر الذي يساهم في تحقيق أهداف الثورة وأولها تقيؤ نظام القتلة وتحرير الشعب من الاحتلال الجاثم الداخلي والأجنبي الذي ارتبط به وبسلطته الدموية. في هذه الحالة ليس المهم ما نقوله في جنيف وعن جنيف وإنما ما نقوم به ونخطط له بالفعل، من وراء ظهر جنيف، وعلى مستوى العمل الميداني. والذين يريدون أن يقولوا لا لجنيف من دون أن يعملوا على تغيير الواقع على الأرض، أو يقبلوا بما يحتاجه هذا التغيير من تضحيات، يختارون سياسة جنيف، أي سياسة التسوية، حتى لو ظلوا يرددون بأعلى صوتهم لا لجنيف. وبالعكس، يمكن أن نردد إلى ما لانهاية : نعم نعم نعم، من دون أن يصيبنا بأس، إذا كان سلوكنا السياسي، أي على مستوى الفعل، تغيير الواقع على الأرض، الواقع العسكري، والواقع الإغاثي، والواقع السياسي. لا ينبغي أن نقول لعم، ولكن أن نستخدم اللا والنعم، حيث ينبغي استخدامهما لتحسين شروط علمنا السياسي والعسكري وتقريب ساعة الخلاص.  ونقول لهؤلاء الذين يريدون الذهاب إلى جنيف بأي ثمن، أملا في وقف نزيف الدم، أن التراجع أمام غول النظام، لن يزيده إلا استشراسا وطمعا في نصر خالص، وبالتالي جلب المزيد من القتل والدمار. ونقول للذين يستخدمون المزاودة في رفض مؤتمر جنيف، داخل صفوف الثورة والمعارضة، كوسيلة للصراع على القيادة والمواقع والنفوذ، سوريون كانوا أو عربا، إن من الخطأ تقديم مثل هذه الهدية المجانية لنظام بدأ يفقد انفاسه، وهو على طريق الإفلاس السياسي والعسكري، بعد أن سقط في هوة الانهيار الأخلاقي. جنيف لا ينبغي أن يكون موضوع صراع داخل صفوف الثورة والمعارضة، طالما كان هناك إجماع على أنه لا خلاص لسورية وشعبها من دون القضاء على نظام الجريمة والاحتيال والاحتلال والطغيان.