زاد
الحديث في الأسابيع الأخيرة عن مخططات
تقسيم سورية. ونشرت
خرائط على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي
وعرضت تقارير ف الصحافة المكتوبة
والمشاهدة، وبدأت بعض الأوساط الدبلوماسية
والسياسية، المحلية والدولية، تجس نبض
القوى الاقليمية والدولية بدفع بيادقها
الأولى في هذا الاتجاه.
ما
يشجع على هذا المسار استمرار الحرب
الداخلية منذ سنتين ونصف من دون أي بوادر
حل في المدى المنظور، وضعف الامل بحسم
عسكري سريع، واعتقاد البعض من أصحاب
المشاريع الجاهزة بأن الفرصة أصبحت مواتية
لوضع الجميع أمام الأمر الواقع، بذريعة
انقاذ ما يمكن إنقاذه، في سياق تدمير
الدولة الجاري من قبل النظام القائم،
واتساع الهوة المتزايد بين مشروع الثورة
الديمقراطية الاول ومشاريع دولة العراق
والشام وأشباهها، وأخيرا تفاقم الفوضى
وتوسع عمليات الاختطاف وانعدام الأمن
بالنسبة للأفراد والجماعات.
يتفق
هذا مع ما كان النظام يعد به السوريين
ويتوعدهم. وما
يقود إليه مشروع التدمير المنهجي للدولة
ومؤسساتها من جهة، والتدويل المتزايد
للأزمة السورية، مع تدخل قوى اقليمية
منظمة ورسمية في الصراع، من جهة ثانية.
كل ذلك يشير إلى أن سورية
لم تعد حصينة ضد الاختراقات ولا منيعة في
وجه مشاريع التقسيم أو بالأحرى التقاسم
بين الفرقاء والاعداء.
يتحمل
المسؤولية عن ذلك رئيس النظام المارق
الذي لم يتردد في التضحية ببلده والمخاطرة
بدفعها نحو الكارثة إذا لم يرضخ شعبها
لإرادته ويقبل بحكمه مهما كان.
لكن يشاركه في المسؤولية
المجتمع الدولي، ومجلس الأمن بشكل خاص،
الذي أخفق، أمام جدار الفيتو الروسي، في
الوفاء بالتزاماته تجاه الشعب السوري،
وتركه ضحية طغمة همجية، عديمة المسؤولية،
ومستعدة لكل الخيارات بما فيها الأسوأ،
أي علي وعلى أعدائي. ولا
ينجوا من المسؤولية من سموا انفسهم أصدقاء
الشعب السوري الذين تفننوا في اختراع
الذرائع والحجج حتى يمنعوا عن السوريين
وسائل الدفاع عن أنفسهم وحسم المعركة
لصالح الانتقال الديمقراطي قبل أن يستفحل
الخطب وتغلق كل أبواب الاصلاحات والمصالحات
والتسويات.
ومع
ذلك، نحن ايضا مسؤولون.
أولا لأننا قبلنا بأن
نبقى مقسمين ومتنافسين، في صفوف المعارضة
والثورة على حد سواء.
وبدل أن نجتمع في قوة
واحدة وقيادة موحدة قادرة على التفكير
والتخطيط والتنفيذ المشترك، على مستوى
الجمهورية بأكملها، اكتفينا بالعمل كل
فريق في قريته أو بلدته أو مدينته أو
منطقته، وتنازعنا على السلاح والذخيرة
والموارد ووسائل الاعلام، ودخلنا ولا
نزال متفرقين في مواجهة شاملة ومصيرية
مع نظام واحد، ومركز قيادة موحد، وجيش
نظامي، مجهز بكل وسائل الاتصال وببنية
تحتية عسكرية تمكنه من تحريك القوات
ونشرها في كل الاتجاهات.
لم يمكن هذا الوضع النظام
من تحقيق اهدافه وإسقاط الثورة، لكنه سمح
له بالمقاومة والبقاء وكسب الوقت، وزاد
من تكاليف الثورة ومن حجم الكارثة التي
يتحملها شعبنا اليوم وسوف يتحملها السوريون
لسنوات طويلة قادمة.
قليل
من الشعوب من دفع من أجل الحرية هذا الثمن
الانساني والمادي الباهظ، وعاشها في لحمه
ودمه وجرحه النازف.
لكن
الفرصة لا تزال قائمة لتدارك أخطائنا.
وليس المطلوب توحيد قوى
الثورة والمعارضة والخروج نهائيا من منطق
التنافس والاتهام المتبادل والتشكيك
والتخوين فحسب، وكله ذلك في تزايد، وإنما،
أكثر من ذلك، التطلع نحو توحيد الشعب
السوري، أفرادا وجماعات، ووضع الأسس
والمباديء الكبرى والواضحة لتجاوز القطيعة
والانقسام، بين التيارات والاتجاهات
وجميع أطياف الرأي العام السوري، المذهبية
والقومية، واستعادة الايمان بسورية
الدولة والثقة بمستقبلها وخلاصها.
حان
الوقت كي نتجاوز حساسيات الماضي القريب
والبعيد، وأن ندخل في شراكة وطنية حقيقية
تضم الجميع، وتوحد بين الجميع، وتساوي
بينهم، من دون تمييز ولا تفرقة من أي شكل
كان. وإذا
نجحنا في أن نستعيد هويتنا السورية ونعود
إليها، من وراء خليط الانفعالات السلبية
اليائسة ومشاعر النفور الطائفية والقومية
التي ولدتها الحرب، وأن نعقد "صفقة"
وطنية ترضي الجميع، سيكون
بإمكاننا بسهولة أن نعقد "صفقة"
مماثلة مع حلفائنا وخصومنا
الإقليمين والدوليين.
أمام
هذا التحول الذي نضج في نفوس جميع السوريين،
الذين أصبحوا بأكملهم ضحية للحرب المجنونة،
موزعين بين شهداء ومشردين ومهددين بأرواحهم
وممتلكاتهم، لا يوجد إلا عقبة واحدة،
كانت ولا تزال المسؤول الأول عن دمار
سورية وخرابها ومحنة شعبها، هي الأسرة
الحاكمة والنظام الأمني الذي أقامته خلال
عقود طويلة في بلادنا، لكسر إرادة الشعب،
وإخضاعه بالقوة، وانتزاع السيادة لها
وحدها من دون سائر الناس، وكان جوهره
التفريق بين الجماعات واستخدام التنوع
المذهبي والإتني الذي أثرى هوية سورية
وثقافتها وميز حضارتها عبر التاريخ،
لتأليب بعض الجماعات على البعض الآخر
وقمع واحدتها بالأخرى، وتحييد الجميع
واستعبادهم من دون تمييز.
لا
تقوم المصالحة الحقيقية على تنازلات
جزئية، واعتراف بالخصوصية، او مراكمة
قائمة المطالب الخاصة بالجماعات، ووضعها
بموازاة بعضها البعض.
لن يخرج عن
مثل هذه العملية اي مصالحة، وإنما تكريس
الانقسام والتقسيم الذي هز النفوس في
الواقع القانوني والسياسي، وترك جمر
الكراهية والحرب مستعرا تحت الرماد.
المصالحة
الحقيقية تقوم على التفاهم حول مباديء
عامة تضمن لكل فرد أن يكون مساويا للفرد
الآخر، ليس في الحقوق والواجبات فحسب
وإنما أيضا في الأمن والازدهار والتضامن
والاطمئنان على النفس والمستقبل.
وفي هذه الحالة
سيكون تطبيق هذه المباديء في الممارسة
العملية، ومن قبل أي حكم أو سلطة جديدة،
والتزام الجميع باحترامها وتقديسها،
بصرف النظر عن المدارس السياسية والاعتقادات
الفكرية، هو الضمان الحقيقي لأمن الجميع
والمساواة بينهم، ولوحدة البلاد والشعب.
لكن يستدعي
هذا ارتفاع الجميع في تفكيرهم وسلوكهم
إلى مستوى القيم والمباديء الانسانية
والقواعد القانونية.
فالوحدة لا
تقوم على طرف واحد، وإنما تحتاج لصناعتها
إرادة طيبة وايجابية عند كل الأطراف.
أوهام
النصر أو الرهان على الخارج قد يمنع
الكثيرين من العودة إلى التفكير العقلاني
ويدفعهم إلى الاستمرار في تغذية حلم
الهروب بأنفسهم من المحرقة بأقل الخسائر،
وربما بمزيد من الغنائم.
هؤلاء لا يمكن المراهنة
عليهم، لأنهم هم المشكلة، ونموذجهم الأمثل
هو طغمة النظام وحلفاؤه.
المراهنة ينبغي أن تكون
على أؤلئك الأفراد القلائل الذين تحرروا،
في كل الطوائف والقوميات، من أسر العصبيات
الجاهلية ومشاعر الحقد والانتقام، و
الذين يدركون بوعيهم الكبير أن الهرب إلى
الحلول الجزئية والخلاصات الفئوية لن
يحل الأزمة السورية ويوقف الحرب ولكنه
سيزيدها استعارا ودموية، وأن العودة إلى
الحاضنة الوطنية، وإعادة بناء الدولة
السورية، لا يزال الأقل كلفة من بين كل
الحلول. باختصار
المراهنة تقع على أؤلئك الذين يعرفون أن
مواجهة الحقيقة كما هي، والتعامل مع
الوقائع بجدية وايجابية، أي العود إلى
العقل، هما وحدهما ما يفتح سبيل الخلاص
ويعبد طريق الحرية.
لا
ينبغي أن ننتظر حتى تنتهي الحرب كي نطبق
هذه المباديء ونظهر ايماننا و التزامنا
بها، وبالتالي بدء عملية إعادة توحيد
سورية والسوريين، وقلب اتجاه الاحداث
لغير صالح الانقسام والتباعد المتبادلين.
منذ الآن، يشكل سلوك
الوحدات والمقاتلين والسياسيين والاعلامييين
على الجبهات المفتوحة في مناطق الاختلاط،
وهي تكاد تغطي سورية جميعها، اامتحانا
لإرادتنا ومقدرتنا على الارتفاع إلى
مستوى هذه المباديء المقدسة الكفيلة
وحدها بضمان وحدة سورية أرضا وشعبا،
ومستقبل شعبها وأجيالها الجديدة.
بمقدار
ما ننجح في إعادة الثقة بقدرة السوريين
على التفاهم حول مباديء كبرى ثابتة، تشكل
خطوطا حمراء أو محرمات، لا يمكن لاحد
تجاوزها أو المساس بها من دون عقوبة رادعة،
والايمان باقتراب نهاية المأساة، نستعيد
قوة الجذب والاستقطاب للوحدة السورية،
ونوقف آلية الانشقاق والافتراق التي لن
تجر على أصحابها إلا المزيد من المآسي
والنزاعات والحروب الداخلية والإقليمية.
وأول هذه المباديء والحقوق
المقدسة التي لا يمكن لسورية أن تعود دولة
موحدة، بل دولة فحسب، من دون الالتزام
القاطع بها وتطبيقها، هو مبدأ تقديس
الحياة الانسانية. ولذلك
أيضا لا يمكن لسورية أن تنقذ نفسها وتفوز
بخلاصها إذا لم تقدم أؤلئك الذين استسهلوا
هدر حياة الناس واستباحة دمائهم، على أمل
الهرب من مسؤولياتهم والاحتفاظ بسلطتهم
وامتيازاتهم، إلى المحاكم المختصة كي
ينالوا قصاصهم العادل، وكي ما يتأسس على
هذا القصاص النظام الجديد، ويقام على
مبدأ تقديس النفس التي حرم الله، نظام
الحق والعدل واحترام كرامة الانسان وحريته
واختياره.
2 commentaires:
شو هلق صار النظام قوي عاساس حزب اللات هوي عميحارب وشومنشان الليبيين والشيشان والتوانسة برايك العظيم هدول مبشرين بالديمقراطية
في اشاعة انو النظام بدو ينيك البشرية منهون لجنيف شو رايك استاذ بهتان هوليود؟
Enregistrer un commentaire