samedi, août 18, 2012

عيد مواساة جميع السوريين


يمر عيد الفطر على سورية الحبيبة هذا العام وشعبنا غارق في دمائه، يقتل ابناؤه وتذل نساؤه وتشرد اسره في اصقا المعمورة. وبينما يظل العالم مشدوها وعاجزا معا امام ما يجري من اغتيال شعب كامل، تستمر طائرات النظام الغاشم ومدفعيته ودباباته في قتل السوريين والتمثيل بجثامين شهدائهم وتدمير مدنهم وأحيائهم. فما يحصل في سورية اليوم من فصول القتل والتدمير والتنكيل لم يسبق له مثيل في اي نظام ديكتاتوري أو فاشي، بل ولا في اي نظام استعماري بغيض حتى من نموذج نظام التمييز العنصري الذي شهدته بعض الدول في الماضي. 
في هذه الايام العصيبة التي نعيشها سنجعل من هذا العيد مناسبة للتفكير بأبنائنا البررة الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل تحرر شعبهم من نير العبودية والترحم على أرواحهم الطاهرة والدعاء لابنائنا الجرحى بالشفاء ولاسرانا ومهجرينا بالفرج والعودة القريبة إلى اسرهم وذويهم. و هذه هي المناسبة أيضا لتجلي كرم السوريين وتعاطفهم مع بعضهم وتكاتف أطيافهم  على اختلاف اصولهم ومشاربهم وافكارهم، وتأكيد وحدتهم الراسخة في مواجهة أعداء الشعب وجلاديه من القتلة والمجرمين. 
 كل السوريين يعيشون هذا العيد في المعاناة والحرمان وفقدان بعض الاهل او افتقادهم. لكن عزيمة السوريين التي لاتفل وكبريائهم وتصميمهم على النصر لن تترك للطغاة  فرصة للنجاة، وسوف يكون عيد السوريين الحقيقي عيد الحرية عندما ستنهار جدران السجن الكبير الذي حبسنا فيه جميعا لعقود طويلة وتتكسر قيود العبودية والذل التي كبلت ابناء سورية البررة صغارا وكبارا، نساءا وأطفالا.
في هذه الايام الفضيلة مرتين، لما تمثله من قيم دينيه وما يتجلى فيها من روح التضحية والفداء نتعاهد ان نعمل جميعا بقلب واحد وفكر واحد وأمل واحد حتى نقتلع الطغيان من جذوره ونقيم دولة العدل والكرامة والحرية والمساواة التي لن يكون فيها لانسان الحق أو المقدرة على استعباد انسان آخر أو انتهاك حقوقه أو المس بكرامته أو  تركه لمصيره. والتكافل الانساني الارقى الذي تجلى خلال هذه الثورة، وكان الركن الرئيسي في قيامها واستمرارها، هو مضمون هويتنا الوطنية 
وعنوانها ومرجعها في الوقت نفسه.
وإنه بإذن الله لنصر قريب 

vendredi, août 17, 2012

الثورة السورية الكبرى امام تحدي الانتصار


الثورة السورية الكبرى أمام تحدي الانتصار
برهان غليون

١ـ ليست المصطلحات التي استخدمت ولا تزال تستخدم للتعبير عن الثورة السورية  بريئة ولاعفوية، ولكنها تعكس المصالح العميقة، واحيانا غير الواعية، لمستخدميهاولا اريد ان اشير هنا الىمصطلح الحرب الاهلية او الطائفية التي تتردد منذ بداية الثورة، ولا عن العصابات ثم المجموعاتالارهابية التي يستخدمها النظام، والتي تعكس نكران الواقع وارادة الحرب المعلنة ضد الثورة،والسعي الى مواجهتها بكل الوسائل، فهذا امر بديهي اليوم ومعروفلكنني اريد ان اشير الىاستخدام مصطلح المعارضة بوصفها الطرف المناقض للسلطة الذي درجت عليه الدبلوماسيةالدولية عموما ووسائل الاعلام الاجنبية والكثير من الاعلام العربي، والذي يغيب تماما مفهوم الثورةومنطقها ومفرداتهاوقد اوقع هذا الخلط بين الواقع والصورة الخاطئة المشكلة عنه اطرافا عديدةفي الخطا، وادخل مقارباتها او سياساتها في طريق مسدود، وحكم على خططها جميعا بالفشل،وفي مقدمها ما سمي بمبادرات الحوار بين السلطة والمعارضة من أجل انتقال سلمي للسلطة.فالاطراف الدولية التي اختصرت كل ما يحصل في سورية اليوم من احتجاج شعبي واسع النطاقبنشاط المعارضة بالمعنى السياسي والحزبي للكلمة، وجعلت من التفكير فيها وتحليل مواقفهاوالتشديد على عيوبها محور اهتمامها، انتهت الى تجاهل ديناميكيات الثورة التي تسيطر علىالارض وتتحكم بالتحولات والاحداث، وجعلت من توحيد المعارضة القليلة التأثير في الوقت الراهنلازمة يومية، فاخطات في فهم آليات التحول الجارية، ووجدت نفسها تدور في حلقة مفرغةوهي لمتدرك ان انقسام المعارضة ذاته لا ينبع من الاختلاف السياسي أو الايديولوجي وإنما من علاقتهابقوى الثورة واحداثها ومن التنافس في ما بينها على اعطاء معنى لحدث الثورة الكبير أو أحياناكثيرة من استخدامها لتأمين مواقع في حركة التغيير تضمن لها في المستقبل الحصول علىمناصب قياديةاما النظام الذي راهن على الانكار المطلق للثورة ومنطقها ورفض الاعتراف حتىبوجود المعارضة السياسية الكلاسيكية فقد تمسك بفكرة المؤامرة الارهابية ولم يبق له من افكارلمواجهة الوضع سوى فكرة الاستئصال بالقوة والعنف، كما حصل في الثمانينات من القرنالماضي في حماة، لكل ما يمت للثورة بصلة من تظاهرات أو احتجاجات مدنية أو مقاومات شعبية.والنتيجة مزيدا من الانفجار وتوسيع قاعدة الثورة وانتشارها في كل مكان بموزاة التصعيدالجنوني في العنف والممارسات الوحشية..
٢ـ هناك بالتأكيد معارضة سياسية في سورية مرتبطة اليوم اكثر فاكثر بالثورة لكنها لا تشكلالقوة المحركة فيها ولا يمكن ان تشكل مثل هذه القوةإنها بالاحرى تابعة ولا يمكن إلا ان تكونكذلك للثورة بما تمثله من ديناميكية تاريخية فاعلة مرتبطة بزخك كتلة شعبية متفجرة تحركها روح لاتخمد من إرادة التحرر والتضحية والفداء، وهي وحدها من يملك زمام المبادرة على الارض.والفرق بين الثورة والمعارضة هو الفرق بين منطقين وديناميكيتين اجتماعيتين مختلفتين تمامافلاتعمل المعارضة إلا بمنطق السياسة القائم هو نفسه على الحوار والتفاوض للوصول إلى تسوياتأو حلول وسط ترضي جزئيا على الأقل الاطراف المتنازعةومن دون هذا الحوار والتفاوض ليسللمعارضة اي امل في تحقيق شيءولذلك يرتبط نجاح المعارضة بالخبرة السياسية العمليةوبمقدرة القادة السياسيين ومهاراتهم في فن الحوار والمفاوضة والمناورة السياسية والتكتيكيةبشكل خاصولا يمكن لها ان تتقدم من دون خطط واضحة وبرامج مبلورة واهداف معروفةللجميعفالسياسة هي فن الوصول إلى أهداف ممكنة بوسائل قانونية وشرعية اي سلميةوهذايعني انها ممارسة واعية ومنظمة وعقلانية تتحقق ضمن نظام مستقر على مباديء وقواعد واضحةومعلومة.
وبالعكس، تشكل الثورة ظاهرة من نوع الظواهر الطبيعية التي لا تخضع لمعايير العقلانيةالسياسية العادية ولكنها تستمد هويتها من منطق اخر تماما هو منطق الانفجارفهي ظاهرةموضوعية لا ترتبط بأي وعي نظري صوري أو أعداد مسبق أو مسار مخطط له، ولا يتحكم بها أيإدراك سياسي او غير سياسيهي تعبير عن حالة استثنائية بكل المعاني، استثنائية فيمضمونها وفي شكلها معاولذلك لا توجد ثورة شبيهة بثورة اخرى وليس هناك نموذج واحدللثوراتوما يسيرها هو منطق داخلي عميق يستمد قوته ومعناه من منطق الانفعال العميق المرتبطبكتلة من العواطف والمشاعر والإدراكات المتناغمة والمتباينة، المتراكمة عبر التاريخ الاجتماعيلحقبة طويلة من الزمنوهو منطق البركان الذي يتفجر فجأة وعندما يتفجر لا يستطيع احد انيقوده او يتحكم بهوتزداد روح الثورة اشتعالا بمقدار ما تواجه من مقاومة أو عوائق وليس العكس.ويقودها منطق التحدي الذي تدفعه المصاعب الى المزيد من التجذر والمغالاة والنزوع الى القضاءعلى كل من يقف في طريقها او تعتقد انه يفعل ذلك، حتى لو كان داخل صفوفهافليس في الثورةمساومة ولا مهادنة ولا ترشيد للجهد أو اختصار للمسارليس للثورة اهداف مستقلة عنها وإنماهي نفسها الوسيلة والهدف من حيث هي تعبير عن التغيير والتحول الاعمق وتجسيد لانهيارالوضع القائم والانقلاب الشامل عليههي غاية ذاتها، وتحققها هو تحقق لهدفها في الوقت نفسه.
 في منطق الثورة ترمي الشعوب نفسها بكليتها وتضع مصيرها بأكمله في الرهان فإما النصر أوالموتفالثورة من الظواهر الحدية التي تعني ان الاطراف ترمي بنفسها فيها بشكل كلي وشامللا توسط فيه ولا مساومة، ومن دون حساب او حتى من دون تفكير في العواقب او النتائج وفيالربح والخسارة .وهذا يعني ايضا انه لا مجال ولا مكان للهزيمة، للتراجع او للاستسلام والعودةإلى قانون العبودية والمهانة والإذلالفالتضحية تقود في الثورة إلى مزيد من التضحية ومن دونحساب، والقتل الذي يستهدف الثوار لردعهم عن الاستمرار يجر إلى المزيد من القتل بمقدار مايصبح فاقد الطاقة الردعية والمعنىوما شهدته الثورة السورية هو التصعيد المتبادلفي التضحيةوالتفاني من قبل الثوار من أجل الخلاص والتحرر من العبودية من جانب اول، وفي القتل المنظمالهادف لكسر ارادة التحرر والانعتاق من جانب آخر.
من هنا لا تنبثق الثورة من التأمل المسبق وإنما بالعكس من حالة تفقد فيها كل التنظيراتوالحسابات السياسية معناها سوى حساب كسر الطوق والخروج من الاسر والانتصارولو تأملالثوار في عواقب ثورتهم ومآلاتها ما كانوا رموا بانفسهم فيهاهناك قيمة واحدة تحرك كل الثوراتهي الحرية، ومنطق الثورة هو دائما التطلع الى الحرية التي تعني ايضا الخلاص من القهر، أوالموت. 
 ٣ ـ لم يبرز الاختلاف بقوة في البداية بين منطق الثورة السورية ومنطق المعارضةفقد كانتالمعارضة في طريق مسدود وجاءت الثورة لتفتح امامها جميع الآفاقوكما نظرت القوى الثائرةإلى المعارضة بوصفها امتدادا لها في الداخل الاجتماعي والخارج الدولي، رأت المعارضة فيالثورة بساط الريح الذي سيحملها إلى تحقيق برنامجها السياسي وأهدافهالكن مع الوقت،وبموازاة تحول الثورة من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة، بدأ التميز يظهر بشكل اكبر بين منطقالثورة ومنطق المعارضة السياسية.
وقد اخذ هذا التمايز يعبر عن نفسه في البداية في المقابلة بين معارضة الداخل والخارج ثم فيالتباعد بين مواقف المعارضة نفسها، واستقلال طرف من المعارضة بالتمسك بالسلمية وتوجهاطراف اخرى نحو تبني خيار تسليح الثورة لمواجهة عدوانية النظام المتزايدة وهمجية سياساته.وهذا ما يفسر انهيار مواقع هيئة التنسيق التي لم تنجح في مواكبة التحول الداخلي للثورة وتعلقتبحلم السلمية الدائمة مهما كان الوضع.
لكن في ما بعد سوف يؤثر هذا التعارض بين منطق الثورة ومنطق السياسة على مكانة المجلسالوطني نفسه الذي اعلنته الثورة ممثلا لها في الفترة الاولىوقد باءت محاولتي، كأول رءيسللمجلس، لرسم طريق وسط يؤلف بين منطق الثورة الذي لا يساوم ومنطق السياسة الذي يطمح إلىبناء معادلات وتوازنات داخلية، تخفف من احتمالات المواجهة الشاملة والتصعيد اللامحدودبإبقائها على هامش من المناورة السياسية ورفض القطيعة مع اطراف المجتمع المترددة ومعالمجتمع الدولي معا، بالفشل بسبب سد النظام الطريق امام اي حل سياسي واعتماده سياسةالاستئصال المطلق للثورةوبهذا الفشل تم أيضا القضاء على اي امل في تحول المعارضةالسياسية إلى قيادة سياسية للثورة وبالتالي الى المواءمة بين الثورة والسياسة التي من دونها لايمكن وجود اي افق للخروج من المواجهة والتصعيد المستمرين من دون قاتل أو مقتولفأماماستمرار النظام في نهج الحرب الشاملة الاستئصالية من الصعب للسياسة ان تؤمن لها مكانا فيدائرة الثورة التي تنزع هي ايضا إلى جعل التصعيد في العنف تجاه النظام خيارها الأول وترىفي اي مسعى لفتح طريق اخر غير المواجهة اضعافا لها امام آلة حرب نظامية لا تعرف إلا صناعةالموت والدمار.
٤ ـ يقود هذا الوضع الذي يجمع بين اقتراب النصر على النظام وفي الوقت نفسه الخوف منالفوضى بسبب غياب القيادة السياسية ـ والقيادة ليست مجرد رؤية لسورية المستقبل، وانما مركزالقرار الذي يقود تطبيق هذه الرؤية ويضمن تحقيقها ويحظى في الوقت نفسه بثقة الثوار اولا لكنبقية اطياف الشعب ايضا ـ اقول يقود هذا الوضع إلى نوع من القلق على مصير الثورة من جهة منقبل الشعب والثوار، في الداخل، كما يقود هذا الفراغ السياسي إلى مخاوف كبيرة على مستقبلالاستقرار في سورية والمنطقة ايضا، في الخارج الدوليفالشعب والثوار الذين يريدون منالثورة أن تحقق لهم اهدافهم في التحرر وبناء سورية جديدة ديمقراطية مدنية تعددية تساوي بينجميع مواطنيها وتضمن حقوقهم وفي مقدمها حقهم في الحياة أي في الأمن والأمان، يخشون أنيؤدي غياب مثل هذه القيادة التي تضبط وقع الثورة وتوجه خطاها وتحظى بثقة الثوار وتأييدهموبالتالي وحدة التوجه والقرار، إلى وضعية تسود فيها الفوضى وتتصارع فيها  القوى الثورية علىاقتسام النفوذ أو المواقع أو يسود فيها الانتقام بعد السقوط الحتمي القريب للنظام، ويتضاعفهذا القلق وذاك الخوف اضعافا عندما يتعلق الامر بثورة مسلحة وبجيش تحرير مكون من كتائب لاتحصى ولا تخضع في تنظيم صفوفها لأي هيكلية عسكرية نظامية او سياسيةوبالمثل، لا يطمئنغياب  قيادة سياسية واضحة تحظى بثقة الثوار والشعب ولها الحد المطلوب من المصداقي المجتمعالدولي، بما في ذلك اصدقاء سورية، انتشار السلاح على نطاق واسع في بلد يحتل موقعااستراتيجيا وجيوسياسيا خطيرا في منطقة ذات خطورة استثنائيةوترى في ذلك مؤشرا كبيراعلى الفوضى العارمة التي سوف تعم بعد سقوط الاسد عندما لن تجد البلاد اي مركز قرار واضحيجمع الناس ويضمن احترام الكتائب المسلحة للقانون وتعاونها والتزامها.
يشكل هذا الوضع في نظري التحدي الاكبر للثورة السورية التي توشك على الانتصار.   ويولدهذا الوضع شعورا خطيرا بأن مرحلة مابعد السقوط يمكن أن تكون اقسى وتطرح مشاكل علىالبلاد اكبر مما هو الحال اليوم حيث لم يعد للنظام اي نفوذ في اي ميدان لكن وجوده الشكلييساعد على توحيد قوى الثورة والمقاومة المسلحة ضده ويضمن القليل من الاستقرار وضبط النفس.
 بالتأكيد لم تساهم الضغوط العنيفة التي مارسها النظام على المعارضة في دفع الاخيرة إلىالتعاون والتواصل مع قوى الثورة بما يمكنها من مد جسور الثقة المتبادلة والعمل المشترك والتفكيرالمشتركينكما ان حرمان الدول الصديقة المعارضة من الموارد الضرورية لبناء الثقة مع الثوار لعبايضا دورا كبيرا في استمرار القطيعة وتفريغ المعارضة السياسية من صدقيتها امام الثواروالشعب.
لكن من جهة اخرى لا يستطيع احد ان يخلق قيادة سياسية حسب إرادتهوما تقوم به الدولالصديقة لسورية أو التي تطلق على نفسها هذا الاسم من من مناورات ومساعي كاريكاتوريةلتوحيد المعارضة او ابراز وحدتها الشكلية لتزويدها ببعض الصدقية والمشروعية في مواجهة الرأيالعام السوري والعالمي لن يفضي إلى شيءوما تقوم به بعض كتائب الثورة في الداخل منانشاء غطاءات سياسية بديلا لما تسميه المعارضة الخارجية لا قيمة له أيضا ولن يقود إلى ملء فراغالقيادة السياسية الذي تعاني منه الثورة السورية في الداخل والخارج.
 ٥ـ بغياب قيادة سياسية تملك رؤية نظرية وعملية واضحة وتحظى باجماع الناس وقبولهم،وبالتالي تملك نفوذا كبيرا عليهم لتوجيه خطاهم ونيل تعاونهم وضمان وحدتهم، مما لم تسمح لهاالظروف بالنشوء، وتجنبا للرغبة في تركيب قيادة اصطناعية لن تحظى بأي من محددات القيادة، لاأجد بديلا عن تنفيذ مجموعة من الاجراءات العملية والتنظيمية الممكنة والتي تضمن تطمين الرأيالعام السوري والدولي وتقليل مخاطر ما بعد السقوط إلى ابعد حد بانتظار ان تنبثق عن ذلك، وهذاليس مستبعدا، فرصة لولادة الثقة الدافعة هي نفسها لبلورة ولاء ونشوء روح قيادية ايضا عندالشعب والنخبة السياسية معامن أهم هذه الإجراءات التنظيمية:
 ـ العمل على بناء هيكلية ولو مبسطة لكتائب الجيش الحر نتجاوز فيها التشتت والانقسام، وذلك منخلال دفع الكتائب المتواجدة في كل محافظة إلى الانضواء تحت راية قيادة واحدة في مجلسعسكري، يضم ممثلين عنها ويجري فيه التشاور في كل ما يتعلق بالتخطيط للعمليات في المحافظةوتوزيع الموارد المالية وغير الماليةوفي خطوة لاحقة يمكن تشكيل قيادة موحدة من ممثلي جميعالمجالس العسكرية في المحافظاتوهو ما سعينا إلى أطلاق حركته في الاسابيع الماضيةلكن منالمهم ان يتحقق هذا الهدف تحت اشراف قيادة سياسية سورية حتى يكون له الأثر الذي نريده فيما يتعلق بتعزيز شروط بروز مثل هذه القيادة للثورةوقد اكتشفنا ان الدول الصديقة بدأت العملعلى المشروع ذاته بموازاتن وبعيدا عناويشكل هذا إجهاضا لفرص نشوء قيادة سياسية سورية،ويحتاج إلى معالجة سريعة حتى لا تخرج قوة الثورة السورية المسلحة الرئيسية عن اشرافالسوريين انفسهم ونفوذهم.
ـ العمل بنشاط على توحيد المصادر التي تغذي كتائب الجيش الحر والمقاومة، وتوحيد معاييرالتمويل والتسليحمن دون ذلك سنجد انفسنا امام تشكيل ميليشيات خاصة سوف تخضع شئنا امابينا في القريب لإرادة مموليها، وفي وضع تزداد فيه شروط الحياة قساوة سيزيد احتمال تحولالميليشيات إلى مشاريع تحقيق مصالح واهداف خاصةوهذا يتطلب ان تتوجه جميع التبرعاتالمالية والعينية الى قيادة سياسية سورية هي التي تتكفل بتوزيعها على الكتائب.
ـ الاستفادة من القوة العسكرية النظامية المنشقة سواء بإلحاقها بالمجالس العسكرية المشكلة فيالمحافظات أو من خلال تشكيل ألوية نظامية وطنية خاصة تتحول إلى قطب موحد أو مركزاستقطاب الكتائب الأخرى والمقاومين بما تتمتع به من تنظيم ومزايا ميدانية، ويكون من السهلتوجيهها ودمجها في المستقبل في الجيش الوطني وتحويلها إلى نواة للقوات المسلحة الوطنيةالباقية المعاد تشكيلها.
ـ السعي إلى انبثاق لجنة مبادرة وطنية تضم اهم الرموز الوطنية المشهود لها بالنزاهة والعدالةوالاستقلال والتي تحظى بحد كبير من التوافق، على ان تقبل هذه الرموز التي لن تتجاوز ربمااصابع اليد بالالتزام بعدم التقدم لاي منصب سياسي، على الاقل خلال المرحلة من الان إلى ساعةتنظيم اول انتخابات رسمية قانونية، وبالعمل سوية في كل الظروف ومهما كان الحال كمجموعةمتحدة ومتضامنة وضامنة لمصالح الوطن والشعب العليا، والتجرد عن اي مصلحة خاصة أوشخصية، بما في ذلك دعم طرف سياسي أو اجتماعي أو مذهبي ضد آخر أو شخص مقابلشخص آخروأن تتعهد بتطبيق العهد الوطني الذي قبلت به جميع اطياف المعارضة، وباحترامحقوق السوريين المتساوية جميعا والدفاع عنها في كل الظروفوستشكل هذه اللجنة نوعا منالمرجعية الوطنية التي تسهر على وحدة الوطن والشعب واستقلال القرار الوطني وعلى ضمانالاستقرار وخلق الثقة بترفعها على التنافس السياسي ووضعها نفسها على مسافة واحدة منجميع الأطراف الشعبية وتمسكها الوحيد بالاجندة الوطنية العامة وصياغتها لها مقابل الاجنداتالخاصة التي ستفرزها القوى السياسية والاجتماعية المختلفة والمتعددة.
تعمل هذه اللجنة كلجنة حكماء او عقلاء وتقوم بالمصالحة بين الأطراف الشعبية والثورية والتوسطبينها لتجنب التوترات والانقسامات أو تجاوزها، كما تقوم بالمشاورات الضرورية لاستصدار توافقشعبي عام حول أي قرار خطير يتعلق بالمصير العام.
ـ تشكيل حكومة مؤقتة، بعد مشاروات تقوم بها لجنة المبادرة الوطنية، تأخذ مكانها كحكومة ظلتضمن وجود سلطة جاهزة لاستلام مؤسسات الدولة وتسييرها حال سقوط النظام، وتقضي علىمخاوف انتشار الفوضى في الساعات الأولى من انهيار الوضع الراهن، وتساهم في تطمينالمجتمع الدولي على مرحلة مابعد السقوط وتؤمن الغطاء  السياسي الضروري على الصعيدالدولي لاقصاء ممثلي النظام في الدول والمنظمات الدولية والحلول محله، وتمثل  منذ الآن الدولةالسورية الجديدة وسياسدتها ووحدتها واستقلالها.

لن تحل هذه الإجراءات التي هي في متناول اليد مسألة غياب القيادة السياسية التي جعلتالبعض من الثوار انفسهم يصفون ثورتنا باليتيمةلكنها، بالإضافة إلى تعبئة الحراك الثوريوالرأي العام عموما حول شعارات الثورة التي لا تعني اسقاط النظام فحسب إنما في الوقت نفسهبناء الدولة الجديدة وتأهيل القوى الثورية والشعب أيضا للدخول في مناخ وسياق هذه الدولةالديمقراطية المدنية التعددية القادمة، سوف تلعب بالتأكيد دورا كبير في تخفيف الاحتقاناتوالتوترات  وتطمين السوريين، من ثوار واهالي، على مستقبلهم، وتزيل قسما كبيرا من المخاوفالتي تنتابهم اليوم بسبب حالة التشتت وغياب التأطير وغياب القيادة الموحدة التي تحظى بالثقةوبسبب سياسات الدول الصديقة التي تثير الريبة أيضا وتزيد من التوتر بسبب تأكيدها هي نفسهاعلى المخاوف من المستقبل بعد سقوط النظام أو تصوير هذا السقوط كما لو كان مصدرا للقلقولتفجر مشاكل لا قبل لأحد في ضبطها بما في ذلك احتمال تفتت البلاد وانتشار معمم للفوضىوالعنفوآمل ان يكون بيننا من العقلاء ما يكفي لتجنب دفع الناس إلى الإحباط والشعور بالخوففي الوقت ذاته الذي بدأت فيه معالم الانتصار تلوح في الأفق واصبح النصر قاب قوسيين أوأدنى.
وفي النهاية، مهما كان الحال، انني على يقين من أن الشعب السوري سيظهر، في الوقت المناسبواللحظة الحاسمة، كما أظهر خلال الأشهر السبعة عشر السابقة، أنه شعب عظيم وخلاق، قادرعلى تجاوز نفسه والارتفاع إلى مستوى المسؤولية الوطنية والأخلاقية والانسانية، ووضع كلالخلافات والحزازات والمخاوف والاحقاد جانبا من أجل بناء الوطن  الذي حلم به لعقود، وطنالحرية وكرامة الانسان والفرد ووطن العدالة والأخوة والمساواةوسوف ينتصر عنده لا محالة كلما هو نقيض لنظام الموت والخراب الهالكالعقل على الجنون، والوعي على الجهل، والمحبة علىالبغضاء، والتضامن على الانانية، والتسامح على الانتقامهذا هو الشعب السوري وهذه هيثقافة سورية التاريخيةوهي أيضا وسوف تبقى ثقافة سورية المستقبل ومضمون هويتها الواحدةالمتعددة معا.

باريس 14 ايار 2012