vendredi, mai 22, 2015

أميركا لا تريد ولا تستطيع حل مشكلات العرب

22 مايو 2015

برهان غليون

ما كان لقمة كامب ديفيد الخليجية الأميركية (13 مايو/أيار 2015) أن تنتهي إلا بسوء تفاهم بين الأطراف، والسبب التباين العميق في جدول الأعمال لدى الطرفين الشريكين. 
لم يكن في أجندة واشنطن للقمة أي بند يتجاوز مهمة تبديد قلق دول الخليج من نتائج الاتفاق النووي وتجديد التزام واشنطن التقليدي بأمن دول الخليج ضد أي اعتداءات خارجية، وبالتالي، إقناع الخليجيين بأن التوقيع على الاتفاق النووي بين طهران والدول الخمس لن يكون على حساب أمنها، وإنما هو جزء من تحجيم القوة الإيرانية، ولجم صعودها، وأن واشنطن مستعدة لمناقشة أي مقترحات أخرى لتعزيز أمن دول الخليج واستقرارها، لقاء ما يمكن أن ينجم عن هذا الاتفاق الغربي الإيراني من مخاطر على الخليج.
في المقابل، عندما رحبت دول الخليج بالذهاب إلى كامب ديفيد لم تكن تقصد زيادة ترسانتها من الأسلحة، أو تبديد شكوكها في العلاقة التاريخية التي تربطها بواشنطن، وإنما كانت تريد أن تدفع واشنطن إلى التفكير والعمل لمواجهة الخيارات السياسية التي تبنتها طهران في المنطقة. فمخاوف الخليج لا تنبع من خطر تعرض بلدانه لهجوم عسكري من إيران أو غيرها، على الأقل ليس حتى الآن. إنه ينبع من إغراقها في مستنقع الحروب والنزاعات المتفجرة في محيطها العربي، والتي لا تفيد فيها الأسلحة، حتى المتطورة، بمقدار ما إنها تنجم عن عملية التفكيك الممنهج للمجتمعات وتمزيقها وتوجيه بعض جماعاتها ضد البعض الآخر، بالدعاية الأيدولوجية والشحن المذهبي، قبل تزويدها بالمال والسلاح والخبرة والمشورة.

بين الأمن الوطني والأمن الإقليمي
ما طرحه قادة الخليج على واشنطن لا يتعلق بالأمن الخليجي، بالمعنى الضيق للكلمة، وهو الذي لم تتخل عنه واشنطن، وليس من مصلحتها التخلي عنه، وإنما بالرد الذي ينتظرون أن توجهه واشنطن على أزمة النظام الاقليمي المشرقي بأكمله، بعد محاولات طهران الناجحة لتقويضه. وبالتالي، مواجهة هذه المحاولات نفسها. وكانوا يشعرون عن حق بأن تحجيم القدرة العسكرية النووية الإيرانية لا يفيد كثيرا في هذا المجال، وأن التفاهم الذي ولد في سياق حل الملف النووي الإيراني بين واشنطن وطهران أخطر على دول الخليج من النووي نفسه، بمقدار ما يشكل تطمينا لطهران وتشجيعاً لها على الاستمرار في خياراتها الإقليمية السلبية، ويفرض على واشنطن غض النظر، أو على الأقل، التساهل في مواجهة سياسات التقويض السياسي لاستقرار الدول العربية وسيادتها.

قادة الخليج محقون في اعتقادهم، الذي ولد في نار المعارك الملتهبة في الشرق، بأن أمن الخليج لم يعد ممكنا خليجيا، أو لم يعد من الممكن ضمانه بالانكفاء على منظومات الدفاع الخليجية العسكرية مهما كانت قوتها، وإنما أصبح جزءا لا يتجزأ من أمن المشرق العربي بأكمله، أي أن مصدر التهديد الأكبر جيوسياسي، وليس استراتيجيا فحسب، وأن ضمانه لا يتوقف على توفير الأدوات العسكرية الفعالة، وإنما يحتاج إلى إعادة النظر في توازن القوة الذي اختل اختلالاً كبيرا في المشرق خلال العقود الماضية، حتى انتهى الأمر إلى اجتياح طهران قسماً كبيراً من المشرق العربي.
هذا بالضبط ما رفض تناوله الرئيس الأميركي، وأصر على أن يقصر دعمه للخليج على أمن دول مجلس التعاون، ولا يربط به الأزمة الاقليمية التي تهدد مصير سورية والعراق واليمن ولبنان، والتي رأي أنها معقدة، وليس هناك حلول قريبة لها. وكان من الطبيعي أن يفهم الخليجيون أن قمة كامب ديفيد لن تقدم أي عناصر جديدة لمواجهة الأزمة التي لم يعد من المسموح النظر إليها بوصفها مجموعة أزمات وطنية متزامنة، وأن أوباما لم يقبل الدخول في نقاش جدي حول الانهيار الشامل للنظام الإقليمي، ولا الالتزام بالمشاركة في مواجهته، ما يعني تعويم الوضع المشرقي، والتسليم بالفوضى فترة طويلة مقبلة، بعد زوال القواعد التقليدية الناظمة للعلاقات بين الدول والجماعات وغياب فرصة انبثاق قواعد جديدة في الأفق القريب من الصراع والمواجهات الجارية. وهذا هو التهديد الرئيسي الذي تواجهه دول الخليج، اليوم، حيث لم يعد هناك أمل في ضمان أمن أي دولة، من دون وقف التدهور المتفاقم للأمن الإقليمي.
يدرك قادة الخليج، عن حق، أن الفاعلين الرئيسيين في هذه الأزمة العميقة التي حولت البلاد العربية إلى ساحات قتال لا يهدأ، ولا أمل في وقفه في القريب هما إيران والولايات المتحدة. فقد دفع اختلال معادلة القوة إيران الخامنئية إلى الرهان على اجتياح الدول العربية، لتوسيع قدراتها ودائرة نفوذها الإقليمية، لإجبار الغرب على الاعتراف بها قوة إقليمية مهيمنة، وفك الحصار السياسي والاقتصادي الذي ضربه عليها منذ الثورة الخمينية في الثمانينات من القرن الماضي، والقبول بإشراكها في نظام الهيمنة والنفوذ العالمي، والاعتراف لها بمستعمرات أو بمجال حيوي، يوسع من هامش مناورتها الدولية. ولا شك أن طهران وجدت في بلدان المشرق العربي المفتقر لبنية أمنية تمكنه من الدفاع عن نفسه أفضل الفرص لتحقيق مشروعها. فاستغلت هشاشة الدول العربية الصغيرة وفقرها وتخبط نظمها السياسية التي افتقرت لكل سبل الأمن والاستقرار والازدهار، لبناء مجد امبرطوري جديد، يرفع إيران من دولة إقليمية متوسطة إلى ند للدول الكبرى نفسها، أو هذا هو تفكير قادتها اليوم، مسلحين بعقيدة دينية خلاصية، ومشاعر قومية على حافة العنصرية تجاه ضحاياهم العرب.
أما الولايات المتحدة فقد كانت المسؤول الأول عن ترتيب الأوضاع الإقليمية في شبه النظام الشرق أوسطي الذي قام، منذ نشوئه بعد الحرب العالمية الثانية، على إدارة العنف وتنظيم الحروب والتدخلات المختلفة الأشكال، حسب مقتضيات الحفاظ على السيطرة الخارجية، والحيلولة دون نشوء نظام إقليمي مستقل، وبقيت واشنطن الكافل الرئيسي لاستقراره، أو للاستقرار النسبي الذي شهدته بعض دوله إلى وقت قريب. ولهذا، يبدو تخلي واشنطن عن مسؤولياتها، اليوم، بعد أن دمرت أسس القوة العربية حماية لإسرائيل، أو دفاعا من مصالح استراتيجية، أو بسبب أخطاء سياسية، عن حق، وكأنه مصادقة على مشروع الهيمنة الإيرانية المعلن، بعد المصادقة على مشروع الهيمنة الإسرائيلي، على حساب الشعوب العربية، تماما كما تبدو واشنطن، وكأنها أصبحت الحليف الرئيسي لطهران، حتى لو لم يكن هذا الحلف من أهدافها وبقرار منها.

أزمة المشرق العربي المفتوحة
لا ترفض الولايات المتحدة التدخل في الأزمة المشرقية الكبرى، من منطلق مبدئي، أو بسبب تخليها عن سياسة التدخل والتلاعب بالتوازنات الاقليمية، التي كانت السبب الرئيسي في تشوهات هذا النظام ونزاعاته وحروبه المستمرة، وأخيرا خرابه، ومعه منظومات الدول وحياة المجتمعات، وإنما لأن النظام الاقليمي المنهار لم يعد من الممكن ترميمه، وهي ليست معنية بنشوء نظام جديد قائم على أسس أكثر توازناً، وعلى الأغلب تخشى نشوءه، سواء أكان ذلك ضمانا لإمكانية تدخلها المعهود في شؤونه، أو مسايرة لطهران أو لإسرائيل، أو تأمينا لحرية الحركة والمناورة في مواجهة قوى إقليمية صاعدة. كما أن التدخل حتى للتهدئة، وتخفيف خلل القوة داخل الإقليم سيفرض عليها الاختيار بين أطراف وتوجهاتٍ ليس من مصلحتها أن تختار بينها أو تستعديها، بما في ذلك المنظمات المتطرفة.
بمعنى آخر، ليس من المؤكد أن للولايات المتحدة الأميركية مصلحة في وقف انهيار النظام الإقليمي في المشرق، أو في إعادة بناء هذا النظام على أسس جديدة. وربما ليس لديها القدرة على تحقيقه، حتى لو أرادت ذلك. فمثل هذا العمل يتطلب الإجابة عن مسائل عديدة، لا تملك الولايات المتحدة القدرة، ولا الشرعية لتقديمها، ومنها وضع حد لمطامح طهران، ونزع فتيل الحرب الطائفية التي تملك طهران مفتاحها، ووضع حد لتنامي قوى التطرف والإرهاب، وحل النزاعات بين النخب الاجتماعية المتنابذة، الإسلامية وغير الاسلامية، في البلدان العربية، وتنظيم علاقة الدين بالدولة في دول المنطقة بأكملها، وإرساء نظم مشاركة سياسية، والاستثمار في إعادة إعمار الإقليم، وضمان رضى إسرائيل التي لا تزال تراهن على تفتت المشرق العربي وضعفه وتخلفه للحفاظ على أمنها. بل إن الرئيس الأميركي لم يجد أمرا أكثر أهمية في حديثه مع الخليجيين من التغييرات السياسية، عندما ذكر أن المخاطر التي يمكن أن تواجهها دولهم داخلية أكثر منها خارجية، ولسان حاله يقول: لا تغيير ممكن في البيئة الإقليمية والمخاطر ستستمر، حصنوا بيئتكم السياسية الداخلية مع التشجيع، في الوقت نفسه، وبموازاة الإصلاحات السياسية، على فتح حوار مع طهران. 

الإصلاحات السياسية ضرورية ولازمة، من دون أدنى شك. لكن، لا يمكن لشعوب المشرق، في المقابل، أن تحلم، كما يقترح الرئيس أوباما، بإمكانية تسوية مع طهران عن طريق الحوار بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الخمس، بينما عجزت عن إقناعها بتسوية معقولة قبله. وكما هو واضح من نتائج قمة كامب ديفيد، لا يمكن لشعوب المشرق، أيضاً، وفي مقدمها دول الخليج، أن تستمر في المراهنة على الحماية أو الشراكة الأميركية لدرء الحروب ووقف نزيف الدم في بلدان مشرقية عديدة، ولا من باب أولى لوضع حد لاختلال ميزان القوة الإقليمي. ولن تساعد مراكمة الأسلحة، مهما كانت متطورة في درء مخاطر الاجتياحات والتدخلات الأجنبية الإقليمية والدولية. ما يعني أن المستقبل الوحيد لأكثر الدول العربية، في حالة النجاح في تغيير التوازنات الجيوسياسية، هو لبنان، حيث تتقاسم النفوذ فيه الدول الأجنبية، ويعتمد الاستقرار فيه على تفاهماتها أو نزاعاتها، ولا وجود لدولة أو قانون غير توازن قوى الطوائف والميليشيات وعرابينها.

بديل الامبرطورية الفارسية
إعادة بناء النظام الإقليمي بما يضمن توازن قوى يمنع طهران، وغيرها، من العبث بأمن الدول العربية، وتقويض بنيانها من الداخل، هي مسؤولية عربية، وهي مسؤولية عربية مشتركة، لا يمكن أن يقوم بها طرف واحد وحده، ولو أن التكتل الخليجي هو القوة الأكبر والأكثر قدرة اليوم على الدفع نحو صياغة جديدة للأمن العربي والإقليمي، والمشاركة في إعادة إطلاق حياة المشرق العربي والأوسط معا. وليس في هذه الصياغة أي سر، وليس فيها أي أحجية. وقد اكتشفت الدول الخليجية نفسها، والنظم التي وقفت بقوة في مواجهة فكرة الاتحاد العربي في فترة سابقة، الطريق إلى ذلك، عندما طرحت في القمة العربية في شرم الشيخ، أخيراً، مشروع القوة العربية المشتركة.
إنما لم يعد من الممكن والمسموح قصر النظر، في موضوع الأمن، على حجم أو نوعية القدرات العسكرية وإمكانيات التدخل بالقوة هنا وهناك. القوة العسكرية شرط ضروري، لكنه ليس كافيا. المطلوب العمل بتؤدة وأناة، وبشكل تدرجي على رص الصفوف السياسية، وتهيئة الشروط الاقتصادية التي تفتح المشرق أمام حركة التقدم والازدهار المادية، وتزيد من فرص العمل والأمل بالمستقبل.
بديل الالحاق القسري بالإمبراطورية الفارسية المموهة بغلالة خلافة إسلامية طائفية، والقائمة على منطق القوة والسيطرة وتقويض الاستقرار وزرع الحروب والنزاعات، وتغيير البنية السكانية والمذهبية للأقاليم العربية، لا يمكن أن يكون المراهنة على الحماية الأجنبية الأميركية أو الأوروبية والتسليم لقدراتهما الاستثنائية. بديل الامبراطورية الفارسية والصراعات الشيعية السنية المواكبة لها، هو فيدرالية عربية مشرقية. وهذا لا يتحقق من دون إصلاحات ديمقراطية أساسية تطمئن الشعوب، وتعيد لها جزءا من حقوقها وتدربها على مسؤولياتها الوطنية. من دون ذلك، ليس هناك أي أمل، لا اليوم ولا غدا، في إعادة بناء النظام الإقليمي على أسس توازنات جديدة، تضمن استقلال الدول العربية وأمنها وتفاهم سكانها وازدهار حياة شعوبها. وهذا خيار لا تريده، ولا تقدر عليه، لا واشنطن ولا طهران ولا إسرائيل ولا أي دولة إقليمية طامعة في تحويل الأقاليم العربية إلى مناطق نفوذ أو مستعمرات أو أسواق لبضائعها وممول لصناعاتها العسكرية والمدنية الخاسرة.
واقع الشرذمة والانقسام والتمزق الذي يعيشه المشرق العربي لا ينبغي أن يحول دون ذلك. بالعكس، ينبغي أن يكون الحافز الأقوى للخروج من المأزق، وهو الحل الأمثل لمشكلة الحدود التي محتها المدرعات والدبابات والصواريخ البعيدة وأقدام المقاتلين من كل الأصناف، وفي الوقت نفسه، لتجنب إعادة رسمها على وقع خطى جيوش الاحتلال، وبحسب مصالح القوى الأجنبية.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/5/21/%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B7%D9%8A%D8%B9-%D8%AD%D9%84-%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8#sthash.iUIfs7kA.dpuf

mardi, mai 12, 2015

خطاب إلى قادة مجلس التعاون الخليجي


خطاب موجه من شخصيات سورية إلى قادة مجلس التعاون الخليجي بمناسبة مباحثات كمب ديفيد العربية الامريكية

القادة الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي

كل يوم يسقط في سورية مئات السوريين بالبراميل المتفجرة والغازات الكيماوية، وتدمر المدارس والمشافي والأسواق والمنازل من دون رحمة، ويجبر الألوف منهم على الرحيل وترك بلادهم. كل ذلك بسبب تمسك طاغية دموي بالسلطة وطموحات طهران وأطماعها التوسعية وفشل مجلس الامن في اتخاذ الاجراءات العملية الكفيلة بوقف ما أصبح يشكل حرب إبادة جماعية، كما تؤكد الآن نصوص العديد من الهيئات الدولية و المنظمات الانسانية .
نحن على ثقة من أنكم تنظرون إلى القضية السورية على أنها قضيتكم. فمصير سورية والسوريين هو اليوم مفتاح تقرير مصير المشرق العربي بأكمله. لذلك، ونحن نحيي مواقفكم الشجاعة لدعم نضال شعبنا، نود أن نعبر لكم، وأنتم على موعد قريب مع الإدارة الأمريكية لبحث الأوضاع في منطقتنا، عن الأمل الكبير الذي يعقده السوريون في كل مكان، وبصرف النظر عن أي انتماء، على الجهود الكريمة التي تبذلونها، لدى الدول الشقيقة والصديقة.

إن معاناة شعبنا المستمرة منذ أربع سنوات باتت تتطلب مضاعفة العمل من أجل :
١- - إنشاء منطقة آمنة لحماية المدنيين وتطمين السوريين ووقف نزيف المهاجرين والنازحين منهم،
٢- - تمكين السوريين من الدفاع عن أنفسهم بجميع الوسائل ضد القصف بالبراميل المتفجرة والغازات الكيماوية وحرب التجويع
٣- إلزام نظام الأسد بتطبيق بيان جنيف١، ونقل السلطة إلى هيئة حكم انتقالية تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، تعيد توحيد السوريين، وطرد الميليشيات الأجنبية بكافة أشكالها، والقضاء على المنظمات المتطرفة والارهابية، وتأهيل البلاد للانتقال نحو نظام ديمقراطي تعددي يضمن الأمن والسلام والازدهار للجميع.
٤- الاسراع بدفع ملف نظام الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية.

وبهذه المناسبة، نؤكد لكم وللعالم أجمع، التزامنا بالعمل على تعميق عهد الأخوة والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في سورية، وذلك بالتمسك بقواعد تطمئن جميع السوريين وتحول دون أعمال الثأر والانتقام، ومنها :
١- أن الهيئة الانتقالية سلطة مؤقتة لا تقرر عوضا عن السوريين إنما تقتصر مهمتها على تأمين الشروط اللازمة لتمكينهم من تقرير مصيرهم والتعبير عن اختياراتهم بحرية، وتنتهي سلطاتها فور إنتخاب الهيئات التشريعية والتنفيذية الدائمة للبلاد .
٢- أن جميع إجراءات المرحلة الانتقالية ينبغي أن تتوافق مع مباديء وحدة الشعب السوري وسيادة الدولة وحكم القانون والالتزام بالمساواة التامّة في المواطنة وضمان الحريّات الفرديّة والعامّة والجماعيّة، بعيدا عن أي تمييز، من أي نوع كان، دينيا أو قوميا أو جنسيا.
٣- أن الغاية من إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية هو تعزيز دورها والارتقاء بأدائها لصالح المواطن السوري مهما كان، وهذا يعني رفض أي إجراءات تطهيرية ضد اي مجموعة أو فئة معينة أو حزب، وتشجيع الكوادر وجميع المسؤولين على الاستمرار في عملهم، ما لم تحل دون ذلك أحكام قضائية.
وفقكم الله لما فيه خير شعوبكم وأمتنا العربية،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

دمشق في ١٢ أيار/مايو ٢٠١٥

الموقعون حسب الأحرف الأبجدية
أحمد طعمة رئيس الحكومة المؤقتة
برهان غليون رئيس سابق للمجلس الوطني السوري
رياض حجاب رئيس سابق للحكومة السورية
رياض سيف نائب سابق في مجلس الشعب
سليم إدريس وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة
معاذ الخطيب رئيس سابق للإئتلاف الوطني السوري
ميشيل كيلو رئيس التجمع الوطني السوري
هيثم المالح رئيس اللجنة القانونية في الإئتلاف الوطني السوري

من فهم العلمانية إلى المعارك الزائفة

من فهم العلمانية إلى المعارك الزائفة


الأحد 10/05/2015 م (آخر تحديث) الساعة 10:30 (القدس) ،8:30 (غرينتش)

من فهم العلمانية إلى المعارك الزائفة

2015-05-10 | برهان غليون
لا يوجد مصطلح أسيئ استعماله في الأدبيات العربية الفكرية والسياسية مثل مصطلح "العلمانية"، حتى إنه أصبح في نظر المؤمنين مساوياً للإلحاد، وفي نظر المعادين للدين عقيدة دينية بديلة. والحال ليست العلمانية لا هذا ولا ذاك. وقد ميزتُ في كتابات سابقة بين العصرنة التي تشير إلى تقدم مطالب الحرية والعدالة والمساواة والإخاء عند الفرد الحديث على أي مطالب أخرى، والنظر إلى تحقيقها على أنه مصدر السعادة، وبالتالي غاية الدولة وأي منظومة اجتماعية ومعيار نجاحها. والعلمانية التي هي فلسفة وعقيدة تفيد بأن الذي حال ويحول دون الوصول إلى هذه القيم والسعادة التي تنتجها هو السلطة التي تمتع بها رجال الدين، والتي تجسدت في السلطة الكنسية البابوية على أكمل وجه، وفي شقها الأكثر راديكالية الفلسفة التي تعتبر الدين سببا رئيسا في تغييب هذه المطالب، ومن ثم في الحد من التطلع إلى الرقي في شروط حياة الإنسانية.

والحال أن ليست هناك علاقة حتمية بين العصرنة، أو تحول قيم الحرية والعدالة والمساواة والإخاء وحكم القانون، إلى مطالب مركزية عند الفرد في العصر الحديث، والإيمان بالفلسفة العلمانية. ففي جميع الثقافات والمجتمعات، وعند جميع الأفراد، مهما كانت درجة إيمانهم، أصبح نشدان الحرية، والتطلع إلى السعادة الدنيوية، والاستفادة من التطورات العلمية والتقنية والإدارية لتوسيع هذه الحرية والسعادة، قوة رئيسية، إن لم تكن القوة الرئيسية التي تدفع الأفراد والجماعات إلى بذل الجهد والتضحية والصراع أيضا. وتظهر الدراسة التاريخية أنه لم تظهر فلسفات علمانية على درجة أو أخرى من الوضوح والاتساق، إلا في الحالات التي اصطدم فيها تطلع الأفراد لتحسين شروط حياتهم المدنية، السياسية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية على الأرض، بسلطة دينية قهرية واستبدادية حالت بالفعل دون تطور القيم الدينية التقليدية نفسها عند الأفراد لتساير التطورات الحضارية المدنية. لكن في أكثر التجارب البشرية، حصل الانتقال من منظومة القيم القروسطوية المطبوعة بالبحث عن الخلاص الأخروي نحو القيم الحديثة المتمحورة حول السعادة الدنيوية، من دون صدام مع الدين، بل بالتكيف الطبيعي للدين ورجاله مع متطلبات الحداثة والعصرنة. فالناس هم الذين يحملون الدين في قلوبهم وهم قادرون على إعادة تأويله بما يتناسب مع مطالب رقيهم وتقدمهم الأخلاقي والإنساني، ما لم يحل دون ذلك سلطة قسرية تضغط على الافراد وتمنعهم من ذلك.

وعلى سبيل المثال، لم يحصل الدخول في الحداثة في المجتمعات العربية في سياق الصراع بين سلطة كنسية متحالفة مع النظام القديم وسلطة سياسية-مدنية ناشئة جديدة في المجتمع المدني، ولكنه حصل، في العديد من الحالات، في سياق تطور النخبة الدينية نفسها وتحت رعايتها وإشرافها. بل إن الفلسفة العقلانية العربية الحديثة نفسها قد نشأت في سياق الإصلاح الديني والتأويل العقلاني الذي رافقه على يد رجالات مثل الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وغيرهما في مواجهة النخبة الدينية الرجعية والمحافظة. فالعصرنة سلوك عملي وإحساس داخلي وتوجهات وتطلعات عميقة عند الأفراد لمواكبة العصر، بل هي روح العصر. أما العلمانية فهي مبدأ فكري وعقيدة يدافع عنها في مواجهة عقائد أخرى، وبشكل أساسي في مواجهة العقيدة الثيوقراطية التي تسعى إلى حبس التجربة البشرية التاريخية، أي المتحولة، الفكرية والسياسية معا، داخل تأويل ثابت، جاهز وناجز، تحت الإشراف المباشر لسلطة دينية أو مذهبية واحدة وثابتة لا تقبل من الفرد المؤمن سوى التسليم والاقتداء والتخلي عن حقه في الاختيار كما تمليه الحكمة العقلية والضمير.

وغياب الأيديولوجية العلمانية القوي في الثقافات الإنسانية الحديثة، باستثناء الغربية منها، لم يمنع هذه الثقافات من استيعاب قيم الحداثة والانخراط فيها. فليس هناك مجتمع قادر على البقاء مع رفض قيم العصر. والانطلاق من القيم والمعايير الزمنية أو التاريخية والعقلانية هو شرط تحسين شروط هذه الحياة وتحقيق السعادة الأرضية، تماما كما أن التقيد بالقيم الدينية والتمسك بشعائر الدين هو الوسيلة لكسب الحياة الأخرى والسعادة الأبدية.

(كاتب وأكاديمي سوري)
جميع حقوق النشر محفوظة 2015
























mardi, mai 05, 2015

مفاوضات جنيف، استقصاء رأي أم إعداد لمفاوضات سياسية؟

بدأ اليوم المبعوث الخاص لبان كي مون مشاوراته في جنيف مع الاطراف السورية بهدف العثور على ثغرة يستطيع من خلالها أن يحقق انجازا ولو محدودا في جمع ما يسميه بالاطراف السورية. إن لم يكن هذا الانجاز من أجل مفاوضات تنهي الحرب الدائرة منذ أربع سنوات، وقد تحولت إلى مجزرة تتكرر كل يوم، فعلى الأقل من أجل التقاط صورة تذكارية تخلد مهمته الاستثنائية وتحولها ربما إلى لحظة تاريخية. 
لم يترك ستافان دي ميستورا طفلا أو شيخا، رجلا او امرأة، شابا أو كهلا، له علاقة بالمعارضة من قريب أو بعيد لم يدعه إلى وليمة إعداد تقرير المفاوضات السورية. ويقال أن عدد المدعوين للتشاور مع المبعوث الدولي قد تجاوز ال٣٠٠، وبعضهم يقول ٤٠٠ وعليهم جميعا أن يجيبوا على أسئلة دي ميستورا كتابة حتى تكون لشهاداتهم القيمة والصدقية المطلوبتين.
علينا أن نشكر دي ميستورا على هذا الجهد الكبير الذي يبذله في استنطاق السوريين حول مواقفهم واختياراتهم للمستقبل. لكن عدد ٣٠٠ أو حتى ٤٠٠ غير كاف للقيام باستفتاء للشعب السوري حول موقفه من نظام الأسد ومن أداء المعارضة ومستقبل البلاد. يحتاج الاستفتاء إلى عدد اكبر بكثير، حتى على سبيل العينة السوسيولوجية. لكنه كبير جدا إذا كان المقصود التداول مع قادة المعارضة والرأي في موضوع بناء اجندة المفاوضات وتحديد أهدافها.
اعتقد أن على دي ميستورا أن يختار وان يحدد في ما إذا كان يريد القيام بمسح اجتماعي وسبر للرأي العام السوري لصالح مجلس الامن، أو أي مركز دراسات آخر، أم يعمل على تنظيم طاولة مفاوضات فعلية بين الاطراف المتنازعة. في هذه الحالة الأخيرة من واجبه أن يقصر مشاوراته على قادة المعارضة وربما إذا أراد التوسع، على بعض قادة الرأي المعروفين، ممن لديهم الحد الادنى من التجربة والخبرة والمكانة السياسية والاجتماعية لخوض غمار مفاوضات يتوقف على نتائجها مستقبل البلد والخروج من أكبر كارثة إنسانية لهذا العصر. غير ذلك يعني التلاعب بالمعارضة وإغراقها وطروحاتها في بحر من المفاوضين الوهميين وغير الجديين وفي النهاية التلاعب بالرأي العام وبالمجتمع الدولي معا.
حتى الروس كانوا أقل تطرفا في إنكارهم لشرعية تمثيل المعارضة من المبعوث الدولي. فلم يتجاوز عدد من اختاروه لتمثيلها من خارج الائتلاف الثلاثين شخصا. ومع ذلك لم تكن النتيجة باهرة كما كان يتمناه أصحاب الدعوة أبدا.
لا يمكن للمارضة ولا ينبغي عليها أن تقبل بمثل هذا المنهج الذي يحولها إلى رقم لا قيمة له، ولا أن تشارك في مثل هذه المسرحية الهزلية التي تفقدها صدقيتها وتجبرها على الاعتراف بشرعية المشاركة في مفاوضات الحل السياسي المحتملة لكل من يختاره المبعوث الدولي أو يرد على طلبات الأطراف المشاركة.
هذه ليست مشاورات من أجل مفاوضات جدية. إنها تعميم للتشويش والانقسام والفوضى داخل صفوف المعارضة ونزع الصدقية والشرعية عنها، لن يستفيد منها أحد، سوى أعداء المعارضة والشامتين بها.

samedi, mai 02, 2015

معركة الحسم في سورية/العربي الجديد


برهان غليون
2 مايو 2015
تفجرت بمناسبة الربيع العربي جميع ازمات المنطقة وتفتحت كل جروحها. وانكشفت جميع النزاعات التاريخية الدفينة وظهرت بمناسبتها مختلف الاختلالات في التوازنات الدولية والاقليمية والوطنية والمحلية التي زعزت لعقود طويلة استقرارها. ولاسباب تاريخية وجيوسياسية وسياسية ومذهبية ايضا التقت في وقت واحد جميع هذه المواجهات دفعة واحدة على الارض السورية، ويكاد يصبح حسم الحرب في سورية مدخلا لحسم جميع المعارك الدائرة في المشرق العربي وغير العربي منذ قرون وفي كل الميادين.
هكذا لم تعد المواجهة في سورية تعني الصراع على طبيعة السلطة وتغيير نظام الحكم بين شعب منتفض ونظام اكثر من جائر، وانما حربا استراتيجية متعددة الابعاد محلية وأقوامية وسياسية ووطنية واقليمية ودولية، تفتح فيها وبمناسبتها دفعة واحدة كل حسابات المنطقة المعلقة وحروبها.
فهي بشكل واضح حرب إعادة ترتيب المعادلة الدولية بعد التهميش القاسي لروسيا ما بعد السوفييتية واستبعادها من أي حسابات دولية في منطقة جبوسياسية مركزية حساسة. وحرب تقويض التوازنات الإقليمية مع انفجار الغام ثلاثة لا تزال تعس منذ عقود من دون حل: المشكلة الايرانية : مشكلة الحصار وتصدير الثورة وتعديل الخرائط الجيوسياسية وتأكيد الهيمنة الإقليمية، والمشكلة الاسرائيلية التي تمثل اخصاءا لاي مشروع دولة في المنطقة وتقويضا لها من الداخل، مهما كان حجمها وتاريخها، بما يستدعيه "أمنها" وبقاؤها من فرض الامر الواقع بالقوة ورفض القانون والإطاحة بأي مفهوم للعدالة والحق والأخلاق الإنسانية في العلاقات الإقليمية، والمشكلة الكردية المشتعلة منذ بدايات القرن الماضي تخبو فترة لتعود اكثر التهابا في فترة ثانية، وهي مشكلة شعب حرم من حق تقرير مصيره بسبب تناقض السياسات الاستعمارية وتضارب المصالح الدولية والإقليمية.  
وهي بالإضافة إلى ذلك ثورة شعب جرد من حقوقه وأخضع لعملية تنكيل وإذلال مستمر لعقود في سبيل تطويعه وإخضاعه لنظام لم يعتمد منذ ولادته، منذ ما يقارب نصف قرن، سياسة أخرى سوى تشتيته وتمزيقه وتقويض أي أمل له في الحرية والاستقلال والازدهار. وحرب تصفية الحساب بين التيارات الاسلامية والتيارات العلمانية التي أجهضت قدرة الشعوب على مواجهة نظم القهر والاستبداد لعقود أربعة ماضية، ولا تزال تحبط أي استراتيجية وطنية للتغيير. وهي معركة الأقليات والأغلبيات التي تعل في الشرق الأوسط منذ القرن التاسع عشر والمسألة الشرقية. ومعركة الصراعات الاسلامية التاريخية بين المذاهب السنية والشيعية، بل هي معركة داخل تيارات المذاهب السنية ذاته واتجاهاتها المتضاربة، وأخيرا وفي أحد أبعادها معركة اجتماعية بين سكان الارياف المهمشة ومدنها، وبين فقرائها المغلوبين على أمرهم وأغلبية شعبها ورأسمالييها الذين تحالفوا مع الطغيان وكونوا ثرواتهم بالتذلل للسلطة وعمل قسم كبير منهم كمرتزقة في خدمة نظام القهر والعبودية والموت.
وعلى حسم معركة إسقاط نظام الديكتاتورية والخيانة وانتصار مباديء ثورة الحرية والكرامة يتوقف اليوم حسم العديد من الحروب التي تزعزع، بعضها منذ قرون، استقرار المنطقة وتغذي صراعاتها، او على الأقل وضع الاطار الملائم لحلها. ومن ينجح في ذلك سيشارك في وضع الاجندة التاريخية للمنطقة في الحقبة القادمة
هذا التقاطع على الأرض السورية، وبمناسبة ثورة شعبها، بين حروب عديدة ومتعددة الأغراض والرهانات هو الذي يفسر ما شهدته وما ستشهده هذه الحرب، او الحروب المتداخلة على مثال "العروسة الروسية"، من ضراوة ودمار ووحشية  غير مسبوقة في تاريخ الصراعات السياسية في العصر الحديث، وهو ما يفسر ايضا تعقدها وطول اجلها وانعدام القدرة منذ أكثر من أربع سنوات على الحسم أو التقدم ولو خطوات قليلة نحو الخروج بحل او بتسوية.  

مثل هذا الموقع المتميز والمركزي الذي احتلته سورية ما بعد الحرب العالمية الثانية في ترتيب التوازنات الجيوسياسية والاستراتيجية والمذهبية والدينية والقومية والوطنية كان من المفروض ان يحمي البلاد، ويشجع جميع الاطراف، الداخلية والخارجية، على التفاهم والبحث عن تسويات ولو مؤقتة، وتجنب الدخول في الحرب باي ثمن. لكن طرفان همجيان بالمعنى الموضوعي للكلمة، اي لا يقيمان اي وزن للمصالح الوطنية وللتقاليد السياسية والاعراف الدولية التي لا تعيش من دونها الاوطان ولا تستقر حياة دولية أو إقليمية، حالا دون ذلك. اولهما نظام الفاشية الاسدية، والثاني النظام التيوقراطي الايراني الذي قرر، بعد مقاطعة الغرب له وفشل مشروع تصدير الثورة الخمينية، ان يكون المعول لتدمير كل المنظومة الاقليمية وتفجير توازناتها وزعزعة استقرارها لفرض نفسه واستعادة هيبته ومد نفوذه وهيمنته. دخل الطرفان المازومان والمحاصران : الاول من شعبه، والثاني من المنظومة الدولية، في منطق انتحاري بكل معنى الكلمة، وقررا خوض معركة الفوز بالسيطرة على المشرق كله، على مبدا إما قاتلا او مقتولا، ولم يتركا ولو مقدار شعرة واحدة للحوار او النقاش. وفي هذا السياق ينبغي أن نفهم معنى خسارة سورية او التخلي عن دمشق، وقررا القتال حتى النفس الاخير وتدمير المنطقة كلها او الظفر بالسيطرة الكاملة عليها. هكذا صار من السهل على الاسد ان يهدد بحرق البلد ويحرقها بالفعل وان ييتم أطفالها ويشرد ابناءها ويحرمهم من وطنهم ويرمي بهم على دروب النزوح والهجرة. كما صار بامكان متعصبي وانتقاميي طهران الافصاح، من دون خوف، على لسان مستشار مرشد الجمهورية، اي على لسان المرشد نفسه، بان طهران استعادت صورتها الامبرطورية التاريخية، وان بغداد هي التي اصبحت عاصمتها الابدية. هكذا دخلنا في منطق جنون النصر والسيطرة وحرب الدمار الشامل وانعدمت كل امال التعايش او التوصل الى سلام.

كانت طهران على حق في الاعتقاد بان من يسيطر على سورية في هذا الوقت يفتح لنفسه كل الابواب ويربح كل الحروب ويحسم لحسابه النزاعات القديمة والجديدة، لكنها اخطأت عندما اعتقدت ان الاطراف الاخرى واولها اصحاب البلاد انفسهم، اي الشعب السوري، سوف يقبل بالتخلي عن سيادته ويذعن لقرار تسليم بلده للاجنبي، لاي سبب كان.
والان وضعت طهران نفسها في موقع يجعل من غير الممكن حسم الحرب من دون خروج ايران من المنطقة كلها واعادة بناء التوازنات من دونها وعلى حسابها.
 كان منطق السياسة والاستراتيجية والعقل يقضي، بسبب خطورة الموقع الذي تحتله سورية في استقرار هذه التوازنات الجيوسياسية والدينية والمذهبية والقومية الحساسة والمعقدة، بضرورة العمل بسرعة على تجنب تفجير الأوضاع وإلهاب المشاعر والسقوط في ما سماه بشار الاسد نفسه بالفالق الذي تقف عليه سورية. لكنه كان هو ذاته السباق لدفعها اليه، بل إنه اعتبر ان التهديد بدفعه لها للسقوط والدمار سيكون سلاحه الامضى لردع الشعب واجباره على الاستسلام نصف قرن اخر لحكم الطغيان.
وجاءت سياسة المقامرة بوجود سورية من قبل الاسد وطغمته بردا وسلاما على حكم مهووسي العظمة والنصر وأبطال الحرس الثوري في طهران الذين وجدوا فيها الفرصة المناسبة لزحلقة كل الاطراف الاخرى واخراجها من المعادلات الاقليمية. حتى ان طهران لم تكتف بإعلان مشروعها باعادة بناء الامبرطورية على أكتاف السوريين فحسب، ولكنها حلمت بان تتحول من خلال سيطرتها على المشرق بجد إلى قوة عالمية كبرى وتصبح ندا للولايات المتحدة وروسيا وغيرهما، ولن تقبل بالتفاوض على مصير جيرانها إلا مع هذه الدول الكبرى. هي سيد المشرق ودولته الوحيدة المعتبرة، وعلى واشنطن ان تتفاوض معها وحدها على مصير ومستقبل دوله وشعوبه.
 ايران دخلت ايضا في مغامرة السيطرة الكلية، تماما كما فعل نظام النازية الهتلرية منذ ما يقارب القرن، وسوف تخسرها. فسورية ليست أرضا من دون شعب، بل لقد اثبتت أنها أرض البطولة والفداء والشهادة من دون منازع ولا نظير، وأن أحدا لا يستطيع أن يستفرد بسورية ويحولها إلى أداة لخدمة مصالحه القومية على حساب مصالح القوى والاطراف الاخرى. لكن ما حصل هو ان ايران الخامنئية قررت ان بامكانها او لديها القوة لتلوي ذراع كل الاطراف الاخرى، وتطهر سورية من شعبها، وتبسط سيطرتها عليها، بل تنجح في الحاقها بها. وها هي تواجه، وسوف تواجه أكثر، العواصف التي فتحت هي ذاتها أبوابها على مصراعيها.
لم تدمر طهران وطن السوريين وتقضي على مستقبل أجيال عديدة منهم فحسب، ولكنها دمرت معه البيئة الإقليمية برمتها، ودفعت للهجرة والنزوح عن أوطانها وبيوتها جماعات كاملة وشردتها. لكنها لم تحصد ولن تحصد سوى الخيبة ومشاعر الحقد والكراهية التي ولدت من حروبها وتغذت من ممارساتها اللاإنسانية ومن تسعيرها الأحقاد والنزاعات الطائفية والمذهبية. معركة السوريين للتحرر والاستقلال لن تكون سهلة، لكن تحقيق السلام والاستقرار في المشرق لا يبدأ إلا بربح معركة السلام والاستقرار في سورية .