مأساة اللاجئين السوريين في الدول المجاورة تكاد تغيب وراء شريط الأخبار المليء بالأحداث عن القتل والدمار والمعارك الطاحنة في كل مكان من أرض سورية. لكنها مأساة لا توصف. وهي في تفاقم مستمر، بعد أن نفذت الأرصدة التي حملها معهم البعض، وانعدمت فرص العمل وانتشر سوء المعاملة بحقهم هنا وهناك، في مخيمات اللاجئين وخارجها.
ما يحدث في مصر، منذ الانقلاب الأخير على الحكم الإسلامي، هو مثال صارخ على هشاشة وضع اللاجئين السوريين وخطورة ما يمكن أن يتعرضوا له في المستقبل القريب مع استمرار الحال على ماهو عليه.
كتب لي احد السوريين اللاجئين يقول: والله يادكتور لو ترى عدد السوريين الموقوفين وماذا فعل الضابط بنا وماذا تكلم معنا من أجل إذلالنا وإهانتنا. وختم ذلك بقوله : سأعمل بأي سوري أكثر مما عملت بك و"حتروحو بالجزمة من البلد دي" . لقد تصرفوا معي كما لو كان السوريون هم الذين احتشدوا في رابعة العدوية، وكنت أنا الذي أرسلتهم إلى هناك. السوريون يفكرون الآن جميعا في الرحيل. لكن إلى أين؟
والمشكلة كما تشير هذه الحادثة أن المعاملة المشينة للسوريين لا تقتصر على بعض المتطرفين الذين يريدون تفريغ شحنة غضبهم في أي فرد مهما كان برئيا، وإنما تشمل رجال أمن يخضعون، أو من المفترض أنهم يتلقون الأوامر الرسمية، ويخضعون في سلوكهم للقانون الذي يمنع الاهانة والتهديد والاعتقال من دون تهمة ومذكرات قضائية.
لكن الأهم من كل هذا إعادة العمل في مصر بنظام التأشيرة. فهو أخطر إجراء اتخذ في دولة مجاورة بحق السوريين بعد ثورة ١٨ آذار لأنه يعني إغلاق باب البلد الأقرب لحال السوريين، والأقدر على استيعابهم من جميع النواحي، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، أمام السوريين الهاربين من الموت .
يشكل هذا الإجراء مشاركة قاسية من قبل الحكومة المصرية الجديدة في زيادة الضغوط على السوريين ومحاصرتهم في سياق سعي نظام القتلة في دمشق، باستخدام كل ما لديه من وسائل الضغط والعنف، لفرض الاستسلام عليهم وإخماد ثورة الحرية التي فجروها للتخلص من عبوديتهم وبؤسهم.
وفي ظروف النزاع المحتدم في مصر على السلطة، والذي يضع وجها لوجه ملايين المصريين المؤيدين والمعارضين للحكم الجديد، ليس هناك أي رادع يمنع بعض السياسيين والسوقة معا، من استخدام السوريين ككبش محرقة وتوجيه أصابع الاتهام إليهم باعتبارهم السبب في كل ما يحصل لمصر من عنف وانقسام. نقلوه معهم من بلدهم الذي يعيش حربا لا هوادة فيها. وهذا ما بدأ يحصل بالفعل. فأنصار الحكم الجديد يتهمون اللاجئين السوريين بالضلوع مع الأخوانيين والاسلاميين، خاصة وأن آخر أيام الرئيس مرسي شهدت إعلانه المدوي عن تاييد مصر الرسمية لثورة السوريين، والمشاركة في مؤتمر الدعوة للجهاد فيها، كما يساعد عليه ما اتخذته الثورة السورية من طابع إسلامي متنامي في الأشهر الأخيرة. ولا يخفى وجود شخصيات أعلنت عدائها للثورة السورية واتهامها بما تتهم به حكم مرسي الماضي، وولاءها لنظام بشار، من بين مؤيدي الثظام المصري الجديد. وفي المقابل تساعد الصورة السلبية والكريهة التي تسعى بعض وسائل الإعلام الرخيصة والمدفوعة الأجر والهادفة إلى تحطيم أواصر القربى بين العرب للأبد، على تقليب قطاعات الرأي العام المصري الاسلامي والمحافظ ضد السوريين. وهو ما رمت إليه أكذوبة مشاركة النساء السوريات في رابعة العدوية وغيرها. كما أن بين المصريين عموما من يرى في السوريين اللاجئين تجسيدا لتجربة حرب دموية أهلية طاحنة لا يريدها المصريون لبلدهم، ويريديون، بإبعاد السوريين عن مصر، إبعاد شبحها عنهم.
باختصار، في سياق المواجهة الشاملة والقاسية التي يعرفها المجتمع في مصر، وانعدام المخارج السلمية المنظورة حتى الآن، وخطر الاتجاه نحو الصدام، تتجمع كل عناصر تحويل السوريين المقيمين في مصر إلى كبش محرقة أو كبش فداء. ولا ينقص من أجل النجاح في توجيه مشاعر الكره والعداء ضد السوريين في هذا الظرف، وفي تحميلهم مسؤولية كل ما تعرفه مصر من انقسامات ومتاعب، إلا إبقاء الاصبع على الزناد، كما هو حاصل اليوم، وترك الإعلام الرخيص والمدفوع الذي هبط إلى مستوى من الابتذال والعنف يصعب تجاوزها، يحرض بحرية على السوريين ويختلق القصص والترهات البائسة عن رجالهم ونسائهم التي تشجع على استصغارهم واسترخاص كرههم والعداء لهم ، وتسهل توجيه إصبع الاتهام بشكل تلقائي إليهم.
أتوجه إلى حكومة مصر، وإلى رئيسها الدكتور حازم الببلاوي الذي عرفته إنسانا كبيرا وصديقا ودودا، كما أتوجه إلى الفريق الأول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع، الذي وضعته الأحداث في قلب القرار المصري الوطني، لاتخاذ الإجراءات السريعة الكفيلة بايقاف مسلسل العزل والإقصاء والاستبعاد الممهد للاعتداءات على الأشخاص، الذي يتعرض له اللاجئون السوريون، وقطع الطريق على هذا المنحنى التشهيري الخطير، وتطمين السوريين على حياتهم وأمنهم، ومنع كارثة إنسانية جديدة من الحصول في مصر بحقهم بعد الكارثة غير المسبوقة التي عاشوها ويعيشونها في بلدهم المنكوب.
ما يحدث في مصر، منذ الانقلاب الأخير على الحكم الإسلامي، هو مثال صارخ على هشاشة وضع اللاجئين السوريين وخطورة ما يمكن أن يتعرضوا له في المستقبل القريب مع استمرار الحال على ماهو عليه.
كتب لي احد السوريين اللاجئين يقول: والله يادكتور لو ترى عدد السوريين الموقوفين وماذا فعل الضابط بنا وماذا تكلم معنا من أجل إذلالنا وإهانتنا. وختم ذلك بقوله : سأعمل بأي سوري أكثر مما عملت بك و"حتروحو بالجزمة من البلد دي" . لقد تصرفوا معي كما لو كان السوريون هم الذين احتشدوا في رابعة العدوية، وكنت أنا الذي أرسلتهم إلى هناك. السوريون يفكرون الآن جميعا في الرحيل. لكن إلى أين؟
والمشكلة كما تشير هذه الحادثة أن المعاملة المشينة للسوريين لا تقتصر على بعض المتطرفين الذين يريدون تفريغ شحنة غضبهم في أي فرد مهما كان برئيا، وإنما تشمل رجال أمن يخضعون، أو من المفترض أنهم يتلقون الأوامر الرسمية، ويخضعون في سلوكهم للقانون الذي يمنع الاهانة والتهديد والاعتقال من دون تهمة ومذكرات قضائية.
لكن الأهم من كل هذا إعادة العمل في مصر بنظام التأشيرة. فهو أخطر إجراء اتخذ في دولة مجاورة بحق السوريين بعد ثورة ١٨ آذار لأنه يعني إغلاق باب البلد الأقرب لحال السوريين، والأقدر على استيعابهم من جميع النواحي، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، أمام السوريين الهاربين من الموت .
يشكل هذا الإجراء مشاركة قاسية من قبل الحكومة المصرية الجديدة في زيادة الضغوط على السوريين ومحاصرتهم في سياق سعي نظام القتلة في دمشق، باستخدام كل ما لديه من وسائل الضغط والعنف، لفرض الاستسلام عليهم وإخماد ثورة الحرية التي فجروها للتخلص من عبوديتهم وبؤسهم.
وفي ظروف النزاع المحتدم في مصر على السلطة، والذي يضع وجها لوجه ملايين المصريين المؤيدين والمعارضين للحكم الجديد، ليس هناك أي رادع يمنع بعض السياسيين والسوقة معا، من استخدام السوريين ككبش محرقة وتوجيه أصابع الاتهام إليهم باعتبارهم السبب في كل ما يحصل لمصر من عنف وانقسام. نقلوه معهم من بلدهم الذي يعيش حربا لا هوادة فيها. وهذا ما بدأ يحصل بالفعل. فأنصار الحكم الجديد يتهمون اللاجئين السوريين بالضلوع مع الأخوانيين والاسلاميين، خاصة وأن آخر أيام الرئيس مرسي شهدت إعلانه المدوي عن تاييد مصر الرسمية لثورة السوريين، والمشاركة في مؤتمر الدعوة للجهاد فيها، كما يساعد عليه ما اتخذته الثورة السورية من طابع إسلامي متنامي في الأشهر الأخيرة. ولا يخفى وجود شخصيات أعلنت عدائها للثورة السورية واتهامها بما تتهم به حكم مرسي الماضي، وولاءها لنظام بشار، من بين مؤيدي الثظام المصري الجديد. وفي المقابل تساعد الصورة السلبية والكريهة التي تسعى بعض وسائل الإعلام الرخيصة والمدفوعة الأجر والهادفة إلى تحطيم أواصر القربى بين العرب للأبد، على تقليب قطاعات الرأي العام المصري الاسلامي والمحافظ ضد السوريين. وهو ما رمت إليه أكذوبة مشاركة النساء السوريات في رابعة العدوية وغيرها. كما أن بين المصريين عموما من يرى في السوريين اللاجئين تجسيدا لتجربة حرب دموية أهلية طاحنة لا يريدها المصريون لبلدهم، ويريديون، بإبعاد السوريين عن مصر، إبعاد شبحها عنهم.
باختصار، في سياق المواجهة الشاملة والقاسية التي يعرفها المجتمع في مصر، وانعدام المخارج السلمية المنظورة حتى الآن، وخطر الاتجاه نحو الصدام، تتجمع كل عناصر تحويل السوريين المقيمين في مصر إلى كبش محرقة أو كبش فداء. ولا ينقص من أجل النجاح في توجيه مشاعر الكره والعداء ضد السوريين في هذا الظرف، وفي تحميلهم مسؤولية كل ما تعرفه مصر من انقسامات ومتاعب، إلا إبقاء الاصبع على الزناد، كما هو حاصل اليوم، وترك الإعلام الرخيص والمدفوع الذي هبط إلى مستوى من الابتذال والعنف يصعب تجاوزها، يحرض بحرية على السوريين ويختلق القصص والترهات البائسة عن رجالهم ونسائهم التي تشجع على استصغارهم واسترخاص كرههم والعداء لهم ، وتسهل توجيه إصبع الاتهام بشكل تلقائي إليهم.
أتوجه إلى حكومة مصر، وإلى رئيسها الدكتور حازم الببلاوي الذي عرفته إنسانا كبيرا وصديقا ودودا، كما أتوجه إلى الفريق الأول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع، الذي وضعته الأحداث في قلب القرار المصري الوطني، لاتخاذ الإجراءات السريعة الكفيلة بايقاف مسلسل العزل والإقصاء والاستبعاد الممهد للاعتداءات على الأشخاص، الذي يتعرض له اللاجئون السوريون، وقطع الطريق على هذا المنحنى التشهيري الخطير، وتطمين السوريين على حياتهم وأمنهم، ومنع كارثة إنسانية جديدة من الحصول في مصر بحقهم بعد الكارثة غير المسبوقة التي عاشوها ويعيشونها في بلدهم المنكوب.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire