داعش ليست من بيئتنا الطبيعية. إنها الثمرة المرة لتلاقي شرين : خيانة النخب العربية الحاكمة، وقصر نظر، حتى نقول فساد، سياسات الحكومات الغربية الاقليمية والدولية.
خيانة النخب الحاكمة العربية واضحة في استقالتها الأخلاقية والسياسية وتخليها عن شعوبها، ورفضها أي تعديل أو إصلاح في نظمها، تجنبا لسفك الدماء على الأقل، وسعيها إلى الحفاظ على سلطاتها المطلقة مهما كانت النتائج وأيا كانت التكاليف. وهذا لم يتغير حتى اليوم، رغم الانهار الجارية من الدماء والدموع.
قصر نظر الحكومات الغربية واستهانتها بمباديء الحق والعدالة بارزان في معالجة كل الملفات الكبرى الإقليمية والعالمية
في الصراع العربي الاسرائيلي الفلسطيني، حيث باءت جميع وعود السلام وحل الدولتين بالفشل والصمت.
في القضاء على حلم الاتحاد العربي الذي ولد مع إنشاء الجماعة العربية في منتصف الخمسينات واستمر عبر الناصرية، والعمل بجميع الوسائل على إجهاضه خوفا من بروز قوة في جنوب المتوسط، مما كرس التوازنات الاقليمية الهشة والمختلة وغير القابلة للحياة في منطقة تزخر بالتناقضات.
في الحرب الأفغانية التي ادخلت المجاهدين ليكونوا رأس حربة في القتال ضد الاحتلال السوفييتي، ثم لاحقتهم خوفا من تأثير تجربتهم ومكنت حكوماتهم من القضاء على العديد منهم.
في الحرب العراقية الايرانية لكبح جماح الثورة القومية الاسلامية وقطع الطريق على تحرر ايران من النفوذ والسيطرة الغربيين.
في حرب التدخل الدولي في العراق ٢٠٠٣ والتصميم على تدمير الدولة العراقية.
في تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته في الأزمة السورية وتركه نظاما عنصريا وفاشيا أقولويا يخوض حرب ابادة حقيقية ضد الشعب السوري، من دون أي اعتبار لضمير أو حسابات سياسية أو إنسانية.
وقصر النظر نفسه هو الذي يدفع من جديد التحالف الدولي اليوم إلى محورة كل الجهد على قضية الارهاب التي ستتحول في هذه الظروف، أعني ظروف استنزاف الدول والمجتمعات والشعوب وانهاكها، إلى ثعبان الماء، الذي يغيب ليبرز من جديد في أي لحظة وكل مكان، والذي يعصى على أي سيطرة ممكنة، ويستخدم غلالة لإخفاء العلل الخطيرة التي تنهش بالدول والمجتمعات.
أمام مثل هذه المعالجة القصيرة النظر، لأنها تهرب من مواجهة المشاكل والتحديات بالتركيز على بعد واحد منها، أو بالأحرى على مظاهرها وآثارها، هناك خطر كبير في أن نجد أنفسنا أمام حرب مستمرة دوارة تنتقل من ساحة إلى أخرى وتواكب أزمات لا تخمد في وقت إلا لتتفجر في وقت ومكان آخر.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire