vendredi, septembre 19, 2014

عن التطرف والاعتدال في الفكر والممارسة




سألني صديق الصفحة (علي العلي) : كيف عرفت ان داعش تنظيم متطرف 
وهو سؤال وجيه رأيت من المناسب أن نشترك جميعا في النقاش فيه والحوار من حوله، أقصد أصدقاء الصفحة. 
وفي نظري أن التطرف والاعتدال مفهومان نسبيان مرتبطان باعتقادات المجتمعات وثقافتها والقيم التي تربت عليها. فليست هناك معايير واحدة ولا اعتبارات متماثلة بالضرورة لكل المجتمعات وفي كل الأزمان. لكن بشكل عام الفرق بين المتطرف والمعتدل هو أن 
المعتدل يقبل بالتفاوض على تسويات مع أقرانه داخل المجتمع، عندما لا يرى أن هناك إجماعا كاملا على فكره، أي الأهداف التي يرسمها والوسائل التي يريد استخدامها. والسياسة لا تعيش من دون تسويات وتفاهم على مباديء وقيم وقوانين مشتركة، تسمح لكل الاطراف أن تحفظ الحد الأعلى من مصالحها الخاصة. وربما ارتبط الاعتدال بالاعتقاد بنسبية الحقيقة، أي الرأي.
أما التطرف فهو بالعكس يرى في موقفه تجسيدا للحقيقة المطلقة، ويرى في الحقيقة أمرا ثابتا ودائما وقاطعا، لا يتغير ولا يتحول، عبر الزمان والمكان. ولا يقبل بالتالي بالحوار حول مواقفه ولا بأقل من تحقيق أهدافه التي رسمها من منطلقاته الفكرية أو العقدية، ولأنه لا يقبل التسوية أو التفاوض عليها مع الأطراف الأخرى، لا يستبعد استخدام أكثر الوسائل تطرفا لتحقيقها، أي أقصى أشكال العنف. 
وقد وسمت داعش بالتطرف مع الكثير من الحركات السياسية والفكرية الأخرى، ومعظمها ليست دينية، كما كانت الشيوعية مثلا، لأنها لا تقبل إلا بتطبيق فكرتها الخاصة عن المجتمع والعقيدة، رغم أنف الجميع، وحتى لو كانت أغلبية المجتمع غير مقتنعة بها أو لا تشاركها تأويلاتها، ولأن الوسائل التي تستخدمها، وأكاد أقول تسوقها عبر الشرائط المصورة التي تنشرها، هي وسائل عنفية مقصودة لبث الرعب وترويع الآخرين وإجبارهم على الاستسلام والخضوع والإذعان لإرادتها.
ووراء موقف الاعتدال وموقف التطرف موقف أخلاقي وسياسي وتصور أيضا للنظام السياسي والاجتماعي، وكذلك لطبيعة السلطة والحكم واتخاذ القرار. التطرف لا يقبل المشاركة ويدافع عن حقه في فرض أمره ونظامه على الآخرين، ولا يرى أي خطء في استخدام القوة والعنف لفرض ما يعتقد أنه الصواب والحقيقة. أما الاعتدال فينبع من الاعتقاد بتعدد المصالح والأفكار ووجهات النظر وضرورة االحوار والنقاش للوصول إلى تفاهم وموقف وطني موحد ومشترك يرضي الجميع أو الأغلبية.
من هنا ليس هناك أكثر تطرفا وعدوانية وانغلاقا على الحوار وتمسكا بمنطق الحرب والاستعداد للقتل والذبح والتعذيب والتنكيل من نظام الأسد الذي احتكر الحكم والسلطة والقرار والكلام وحتى احتكر تفسير الدين نفسه، عن طريق فقهاء السوء، خلال نصف قرن. وقد وضع البلاد أمام مأزق أدى إلى تدميره بسبب رفضه أي حوار. ولن يمكننا أنقاذ ما تبقى منها، واعادة الحياة لمجتمعنا من دون القضاء على نبع التطرف الأول هذا واحلال نظام يقبل فيه جميع الأفراد والجماعات مبدأ الحوار والتفاهم والتعاون لبناء وطن حقيقي لا يحتكر القرار فيه احد، ولا يهمش أحد ولا يقصى أحد. 
ثورة الكرامة والحرية كانت أيضا ثورة الاعتدال والتسامح والتفاهم بمقدار ما كانت ثورة ضد الديكتاتورية والطغيان، ودعوة لمشاركة جميع أبناء سورية في حياتها السياسية وإقامة نظام الحرية والمساواة وقطع الطريق على أي تسلط واحتكار.

Aucun commentaire: