dimanche, juin 02, 2013

حتى لا يكون مؤتمر جنيف للسلام دافعا لتأجيح الصراع وإدامة الحرب



ليس هناك أحد لديه مصلحة في التوصل إلى حل سياسي يوقف نزيف الدم مثل الشعب السوري الذي يتعرض لعدوان مستمر منذ سنتين ونصف، من قبل النظام، واليوم من قبل الميليشيات الطائفية الحاقدة التي تتداعى عليه من كل مكان لتحرمه من حقه في الحرية والكرامة والحياة. لكن بعد سنتين ونصف من التضحيات وأكثر من مئة ألف شهيد ومئات ألوف الجرحى والمعتقلين في سجون أسوا من سجون الاحتلال، وملايين المشردين والمهجرين والنازحين، لا يجوز التفريط بدماء الشهداء وتضحيات الشعب، والمغامرة من دون ضمانات . 
سنكون أول الذاهبين إلى أي مؤتمر سلام عندما نتاكد من أنه سيوقف القتل والتدمير، ويقود إلى هدف الشعب المنشود وتطمينه على حقوقه ومستقبل بلده وابنائه. وإذا كنا نعتقد أن الصيغة التي توصل إليها الروس والامريكيون لا تلبي مطالب الشعب ولا توصله إلى أهدافه في الخلاص من نظام القتل والجريمة والارهاب، وبناء النظام الديمقراطي الذي يختاره بمحض إرادته، فلا ينبغي أن نتردد في المطالبة بتعديلها حتى نضمن مصالح الشعب السوري. فهي ليست مقدسة ولا يحق لأحد أن يقرر مصير الشعب السوري من دون استشارته. اتفاق الروس والأمريكيين يعكس وجهات نظرهم، ويستجيب لمصالحهم القومية المتبادلة، لكن للشعب السوري أيضا مصالحه وله الحق في أن يكون شريكا في تقرير مسار الحل السياسي وفي التأكد من صدق نوايا الأطراف والمطالبة بضمانات حقيقية حتى لا ينقلب مؤتمر السلام إلى فخ ويحرم الشعب من الوصول إلى الهدف المنشود.
والحال أن ما حصل منذ الإعلان عن الاتفاق الروسي الأمريكي لا يطمئن ولا يوحي بالثقة. فقد رافق هذا الإعلان أربع أمور تثير الريبة والشك في نية الأطراف الأخرى. أولها إطلاق النظام، بدعم كامل من قبل الحكومة الروسية وايران، لأوسع هجوم عسكري على مواقع الثوار لتعديل ميزان القوى وتسجيل نقاط تسمح له بفرض شروطه عمليا. وثانيها إعلان روسيا عن نيتها بتسليم منظومة صواريخ اس ٣٠٠ المتطورة، ثم دفعة طائرات مقاتلة جديدة من نوع ميغ ٢٩ لتعزيز قدرة النظام على متابعة حرب تدمير المدن وتعقب الثوار وملاحقتهم في مواقعهم، وثالثا الانخراط الواسع لحزب الله وبقية الميليشيات الشيعية في كل المنطقة في الحرب، بمباركة موسكو. وأخيرا الخطاب الصلف لراس النظام الذي قوض مفهوم جنيف ٢ نفسه، عندما أصر على أن يبقى قائدا للجيش والقوى الأمنية، وأن يخضع أي اتفاق إلى استفتاء "شعبي" أي مخابراتي، وأهان شعبه عندما رفض ان يتحاور مع المعارضة وقال إنه ذاهب إلى جنيف للحوار مع الدول الاجنبية التي اعتبرها هي المفاوض الوحيد الذي لديه اعتبار عنده. كل ذلك لا يشير على أن هناك إرادة حقيقية للسلام، وإنما توظيف لمؤتمر السلام في الحرب الدموية. 
ليس هناك أي مبرر للدخول في مفاوضات إذا لم يكن الهدف منها بوضوح كامل الانتقال نحو نظام ينهي تماما حقبة عائلة الاسد السوداء، وبأسرع وقت، وبخطى واضحة وسقف زمني محدد. ولا يمكن الدفاع عنها إذا لم تترافق بوقف العنف والقتل والدمار وإطلاق سراح المعتقلين،وعودة المهجرين والنازحين إلى بيوتهم، أو كانت سببا في تأجيج الحرب وتكثيف الدعم الروسي والايراني للنظام للقضاء على الثورة أو الاستمرار في معاملة أبطالها . 
السوريون لا يبحثون عن تسوية مع النظام، ولا عن مخرج للأسد الذي يرتعد خوفا من مواجهة القانون، بعد ان أجرم بحق شعبه إجراما لا سابق له في تاريخ البشرية، ولم يعد أمامه أي مخرج سوى تسليم البلاد لقوى الهيمنة الاقليمية والدولية، أي لايران وروسيا، اللتين ستقاتلان حتى آخر قطرة دم سورية دفاعا عن مشاريع سيطرتهما على المنطقة واستعادة روسيا مكانتها كقوة عظمى في الساحة الدولية، في مواجهة الولايات المتحدة الخانعة والغرب الحائر. 
ينبغي أن تدخل المعارضة المفاوضات لتربحها، اي لتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، مع الاتفاق على وقف النار والقصف والقتل والدمار، وإطلاق سراح المعتقلين، والسماح لمنظمات الإغاثة الدولية بالعمل بحرية في كل المناطق، وحل مشكلة المهجرين واللاجئين، وتشكيل قوة مراقبة فعالة لتأمين الحماية للمدنيين، وتحديد سقف زمني واضح وقصير لبدء التنفيذ على الارض. وكل هذه البنود تتعارض مع سعي ايران وروسيا مساعدة النظام بكل الوسائل على تحقيق انتصارات عسكرية يلغي من خلالها الحاجة للمفاوضات ويفرض على الشعب السوري الامر الواقع الذي عاش في ظله منذ نصف قرن.
عدم التنازل عن ثوابت الثورة لا يعني التردد في تلبية واجب التفاوض لحقن المزيد من الدماء إذا وجدت شروط النجاح والتقدم. بالعكس، هذا هو الذي يضمن الدخول في مفاوضات جدية وعدم هدر الوقت وإعطاء أمال كاذبة للشعب، وفرص جديدة للنظام كي يستمر في حربه الدموية.
موقف روسيا في الدعم العلني للنظام والسعي لتمكينه من وسائل الانتصار لا يتفق مع مفهوم المفاوضات للوصول إلى حل سياسي يرضي تطلعات الشعب. وهو فضلا عن ذلك، موقف لا أخلاقي لأنه يقبل التضحية بمصير شعب من أجل مصالح استراتيجية وهيمنية لا ناقة للسوريين فيها ولا جمل. 
وهو ليس موقف حيادي، بل موقف داعم للنظام ، مع العلم أنه ليس حيادا موقف المساواة بين القاتل والمقتول، و بين الضحية والجلاد .

Aucun commentaire: