التوسعة التي شهدها الائتلاف أخيرا خطوة كبيرة على طريق تحسين تمثيليته وربما دعمه بقوى جديدة، تشمل ممثلي مقاتلين ومدنيين. لكنها ليست كافية لإطلاق طاقات الائتلاف. لا بد من مراجعة يقوم بها أعضاء الائتلاف لتجاوز أخطاء كثيرة وقعوا فيها، وبشكل خاص تعنت البعض لدرجة استدعى تدخل الدول التي كان لها الدور الأول في التوصل إلى اتفاق. كان من المفروض أن يكون هم السوريين أنفسهم قبل غيرهم في هذه الحقبة الدقيقة من تطور وضع الثورة والبلاد. لكن الذي منعهم من ذلك غياب مفهوم السياسة التي لا تقوم بين أبناء الشعب الواحد إلا بالبحث عن الحلول الوسط والتسويات، وإلا فليس هناك سوى المواجهة. هذا ما قادنا إليه الاسد بتشبثه بمنصبه ومصالح عصابته، من دون اعتبار لمصالح بقية السوريين، وبالتالي للمصلحة الوطنية التي يقع في مقدمتها الحفاظ على وحدة الشعب في مواجهة الدول والمصالح الأجنبية. لقد راهن على تقسيم الشعب ووضع كل طرف من أطرافه في مواجهة الاطراف الأخرى حتى ينقذ كرسيه، ويحبط إرادة التغيير
لن يتوقف هذا المشهد إلا عندما يبلغ المعارضون، أو من احتلوا موقعهم -ومعظمهم حديثوا عهد بالمعارضة، وربما بالسياسة، وليس لديهم فكرة لا عن الدولة ولا إدارتها، ولا عن العمل بالشأن العام، ولا فكرة عن المصالح العامة، ولا يرون في مواقعهم سوى مناسبة لتحسين فرصهم في الحصول على الموارد والنفوذ، فما بالك بروح الوطنية - أقول لن يتوقف تدخل السفراء العرب والأجانب، اليوم، وتدخل الدول الاجنبية غدا، في شؤون المعارضة وشؤوننا جميعا مالم نبلغ نحن انفسنا سن الرشد السياسي.
والرشد السياسي، بعكس الطفولة، هو الخروج من التمحور حول الذات، والتطلع نحو الآخرين المحيطين بنا من قوى وطنية وغير وطنية، والتمييز بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة التي تخص بناء المجتمع كدولة، وبناء الدولة كمركز لتسوية كل الخلافات وتجاوزها، وهو ما نسميه الوعي الوطني او المدني، والتمييز بين قوى الصديق، مهما اختلفت عنا، وقوى العدو مهما بدت في الظاهر مؤيدة لنا. ومن دون ذلك لا يمكن أن توجد سياسة ولا دولة ولا قيادة وطنية، ولا أساس للشعور بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية. وسوف يتزايد نزوع الدول الخارجية إلى التدخل في شؤوننا ما لم يبرز عند المجموعات المتنازعة على تقاسم الموارد والنفوذ، شعور أعمق بالمسؤولية العمومية والوعي بالمصالح الوطنية، وهي مختلفة جدا في مفهومها عن المصالح الفئوية الخاصة، لأن جوهرها ان تأخذ بالاعتبار مصالح الأطراف الأخرى جميعا وتنظر إليها بمعيار الحق والعدل، كما هو متعارف عليه في كل زمان ومكان. وهذا يتطلب مسبقا وجود أو نمو شعور بالانتماء، عند كل فرد وكل جماعة، إلى رابطة أوسع وأكبر، الرابطة السياسية أو الأخوة الوطنية، والحرص عليها، والتمسك بوحدتها، والعمل في إطارها، واحترام الأسس والمواثيق الضمنية والمعلنة التي يقوم عليها وجودها واستمرارها. من غير ذلك لا توجد سياسة، ولا أمة، ولا وطن ولا مجتمعات مدنية فاعلة، وإنما عصبيات وعصائب متنازعة ومتصارعة ومتنابذة، جوهر حركتها وعملها التخريب والأذى المتبادل والسلبية. ولا يمكن أن نتوقع في هذه الحالة أن يكون هناك في البلاد لا بناء ولا ارتقاء.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire