أخيرا، وفي مقال نشر في "فورين أفيرز" الصادرة عن مركز أبحاث "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي،
بعنوان "رجل إسرائيل في دمشق... لماذا لا تريد القدس سقوط الأسد؟"، كشف الرئيس السابق للمخابرات الإسرائيلية (الموساد) إفرايم هليفي، سر حكم الأسد وعائلته الذي تميز بالعنف والفساد وارتكاب جرائم إبادة جماعية متكررة ليس اليوم فقط وإنما منذ ثلاثة عقود، كما لم يحصل في أي بقعة من العالم.
وهذا السر هو ضمانه السلام والاستقرار لاسرائيل خلال أكثر من اربعين عاما كما قال الكاتب : "إن تاريخ محاولات بناء السلام بين سوريا وإسرائيل يجب أن يؤخذ في الحسبان لدى محاولة فهم الموقف الإسرائيلي الحالي من نظام دمشق، مضيفاً أن الهدف الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل في ما يتعلق بسوريا كان وجود سلام مستقر".
هذا ما كنا نؤكد عليه منذ عقود في تحليلنا لسر المعاملة الاستثنائية التي يحظى بها نظام الأسد الأب والابن من قبل المجتمع الدولي والتي جعلته فوق أي مساءلة فما بالك بالعقاب.
والواقع أن هناك في العالم دولة واحدة مستثناة من الخضوع للقوانين والاعراف الدولية، وأولها احترام حقوق الانسان والشعوب، هي إسرائيل. حتى الولايات المتحدة الأقوى في العالم ليست فوق القانون ولو أن قوتها تسمح لها بخرقه باستمرار، اسرائيل تخرق لكن لا تخضع إذا فعلت إلى أي مساءلة. هذا جزء من حقها الطبيعي المكتسب. ولأن نظام الأسد ضروري لأمن اسرائيل واستقرارها فهو يحظى بنصيب كبير من هذه المعاملة نفسها، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب..
لا يفسر لنا هذا أيضا النكبة الفلسطينية ونحن نعيش ذكراها اليوم، وإنما محنة الشعب الفلسطيني ومأساته التي لا تختلف محنة الشعب السوري كثيرا عنها: وهي تجريد شعب من حقوقه، بما في ذلك ارضه، لضمان أمن وسلامة وازدهار شعب آخر، حوله الضمير الأوروبي الآثم إلى ضحية أبدية، فلم يعد يرى من الحقوق إلا ما يخصه، ولا يصون من حياة الشعوب إلا ما يفيده، ولا يهتم مهما حصل لا بحقوق الآخرين ولا بمصيرهم..
نظام الأسد من العجينة ذاتها وسلوكه يخضع للمعايير نفسها، وهذا هو نظام وسلوك أي سلطة نابعة من السطو على حقوق الشعوب والسعي إلى الحلول محلها واغتصاب مواردها وأرضها. هي روح الاستيطان والاحتلال ذاتها للدولة والمجتمع والزمان والمكان التي تدفع إلى استباحة حقوق الشعوب المنكوبة والمغلوبة على أمرها وتحويلها إلى كم من الشهداء والجرحى والمعوقين واللاجئين والمشردين.
وبهذه المناسبة أريد أن أقول لبعض السوريين الذين خدعوا انفسهم وفكروا أنهم بتقربهم من إسرائيل يمكن أن يكسبوا دعمها وتأييدها للثورة، أن إسرائيل تعرف رجالها، وأن الشعب الثائر، مهما اعتدل في كلامه، لا يمكن أن يكون عميلا لأحد، ولا يمكن لأحد أيضا أن يضمن تحويله، مهما كان الوضع، إلى رجل اسرائيل، كما كانت عائلة الأسد وأنصارها
وتابعيها من المرتزقة والمنتفعين والفاسدين. ولذلك لم تقنع اي قيادة معتدلة الاسرائيليين بالمصالحة والسلام.
محنة سورية الراهنة التي تتجسد في تآمر المجتمع الدولي على شعبها وثورتها وغضه النظر عن كل جرائم النظام القاتل ليست منفصلة عن محنة فلسطين ولا تختلف عنها. كلاهما نتيجة مباشرة لإقرار المجتمع الدولي بحق إسرائيل في أن تكون فوق الحق والقانون وقائمة فوق أي مبدأ إنساني أو ضمير.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire