من جلاء آخر جندي اجنبي إلى جلاء آخر جزار محلي
كان من المفروض ان يكون يوم ١٧ نيسان، وهو تاريخ خروج اخر جندي فرنسي من سورية، والأعلان عن الاستقلال السياسي الناجز وولادة الدولة السورية الحرة لشعب سورية الحر، عيدا وطنيا يتذكر فيه السوريون أباء الاستقلال العظام ويتفكرون في المباديء والقيم الوطنية التي كانت وراء انتصار الشعب، وإعادة التأكيد عليها وترسيخها، وهي وحدة الشعب، في ما وراء تنوع أطيافه القومية والدينية، وتفاوت أوضاع أبنائه الاجتماعية، والخيار الجمهوري الذي يضمن المساواة بين جميع السوريين في الحقوق والواجبات، وتأكيد حكم القانون والتعددية السياسية، واعتبار احترام الحريات الأساسية والحقوق الانسانية والعدالة الاجتماعية والتكافل والتضامن بين جميع السوريين الضمانة الرئيسية لاستمرار الدولة واستقرار المجتمع وازدهار الحضارة في بلد الحضارة الأول.
لكن ما شغل السوريين ويشغل اذهانهم ومشاعرهم اليوم أكبر بكثير من الاحتفاء بانتصارات الماضي وانجازاته. ما يشغل سورية اليوم ويحرك كل عصب فيها هو صناعة المستقبل والملحمة العظيمة التي فجرها شعب فرضت عليه العبودية بكل الوسائل، وتآمر على حرياته واستقلاله وسيادته محور الشر الاقليمي وتخاذل المجتمع الدولي وخيانته لكل المباديء التي قامت عليها الامم المتحدة.
جلاء الاستعمار الأجنبي اصبح اليوم من الماضي، أما الحاضر فهو عامر بالكفاح ضد الاحتلال الداخلي الأكثر همجية، والذي دمر حياة السوريين ويريد أن ينتزع منهم مستقبلهم، ويحول وطنهم إلى مزرعة عائلية وإمارة وراثية، وأن لا يترك لأبنائهم سوى الاختيار بين أن يكونوا من قافلة الشهداء أو الجرحى أو المختطفين والمعتقلين أو المنسيين والمشردين واللاجئين والمهجرين والمغتربين.
أنسانا رد نظام القتل على ثورة الكرامة كل تاريخ الظلم الماضي، وجعل من ذكرى معاناتنا تحت الحكم الاستعماري البغيض صورة باهتة في مقابل ما تفتقت هنه عبقرية الخيانة الوطنية من فنون الابادة الجماعية والتعذيب والتمثيل بالضحايا والاعتقال والتعذيب.
وفتح التصميم الأسطوري للشعب السوري على الانتصار فصلا جديدا في تاريخ سورية المجيد، فصلا مليئا بالأمل والتطلع نحو المستقبل وتأكيد العدالة والمساواة والحرية والكرامة التي لا يقوم من دونها اليوم مجتمع، ولا يستقيم أي اجتماع إنساني. فصل ملحمي مفعم بروح البطولة والبسالة والشهادة والتضحية النادرة، لكنه أيضا فصل مصبوغ بالعنف الذي لا يقارن ومكتوب بدم السوريين وآلامهم وشقائهم، أطفالا ونساءا وشبانا وشيوخ.
بعد ثلاثة اعوام من المعاناة غير المسبوقة يعرف السوريون اليوم أن الاستقلال الحقيقي الذي ينتظرونه هو رحيل نظام الاستعباد والطغيان، نظام القتل والتعذيب والدمار والفساد، وان الطريق إلى ذلك لا تزال طويلة، ولا يزال علينا جميعا أن نرقى بفكرنا وسلوكنا وعملنا إلى مستوى المعايير والقيم الأخلاقية والانسانية الحقة قبل ان يحتفل السوريون الأحرار بجلاء آخر "بشار" من البشارونات الكثر عن أرض سورية المباركة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire