تدخل الثورة السورية عامها الرابع على وقع أصوات القصف والانفجارات وتصاعد أعداد الشهداء والقتلى، من دون أفق لحل يوقف نزيف الدم. ويزداد تعقيد المسألة بين تصاعد العنف في ميادين القتال وتراجع المجتمع الدولي وعجزه عن إيجاد مخرج يوقف النزاع، بل يكاد العالم ينسحب منهزما من مسؤولياته أمام أكبر مأساة في العصر الحديث.. أمام هذه المعطيات، حاورت "زمان الوصل" الدكتور برهان غليون المفكر والأكاديمي المعارض المعروف، وأول رئيس للمجلس الوطني السوري، وذلك لتسليط الضوء على كل ما يحيط بالأزمة داخليا وإقليميا ودوليا في بداية هذه السنة الرابعة من عمر النكبة السورية.
في هذا اللقاء شدد غليون على ضرورة الإسراع في إصلاح الائتلاف، الذي وصفه بالعاجر عن تحمل مسؤولياته تجاه الثورة، تزامنا مع إعادة هيكلة الأركان، وتجاوز النزاعات بين الأشخاص والأفراد، نحو بناء قيادة عسكرية قوية ومحترفة قادرة على إعادة تنظيم كتائب الثوار وتسليحهم وتأمين فرص استعادة المبادرة على الأرض.
وحول الموقف الروسي من الصراع، رأى غليون الذي زار موسكو أربع مرات أن الروس خدعوا الغرب في الأزمة السورية وأنهم باتوا يعتقدون أن النظام السوري قادر على حسم المعركة على الأرض .. فإلى التفاصيل:
• الجعفري عندما يريد الإساءة للأخضر الإبراهيمي.
• لا بد من المحاسبة والمساءلة في كل ما اتخذ من قرارات أساءت إلى رصيد الثورة والثوار، في الائتلاف وفي الأركان.
• تراجع الجيش الحر وضرورة تغيير خطط واستراتيجيات القتال.
• لا فائدة من تبديل الوجوه والمؤسسات إذا لم نتعلم العمل كفريق ومعنى المسؤولية والمصلحة العامة والانضباط
• موسكو تخلت عن فكرة تشكيل هيئة حاكمة انتقالية، وتعمل في السر والعلن لتمكين الأسد من انتصار مستحيل
• خديعة روسية للغرب في سوريا وتحديها له في أوكرانيا
• ماذا كسبت المعارضة من الذهاب إلى جنيف2؟
أهم ما جرى في جنيف2 أن المعارضة أثبتت للمجتمع الدولي، وقبل ذلك للوسيط العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي، خطأ الاعتقاد بنية النظام الدخول في عملية سياسية من أي نوع واستمراره في الرهان على الحسم العسكري والحل الأمني. وهذا ما ساهم في كشف النظام ونواياه بشكل أفضل، وأعاد وضع المجتمع الدولي، الذي فشل حتى الآن في الرد على حرب الإبادة التي يشنها الأسد، من جديد أمام مسؤولياته التي أراد أن يتهرب منها وراء ورقة التوت التي اسمها جنيف2.
• ماذا بعد جنيف2؟
نحن الآن أوقفنا على الأقل "اسطوانة" جنيف المشروخة التي غطت على تقصير المجتمع الدولي وجمدت كل المبادرات السياسية بل والعسكرية خلال ما يقارب العام، بانتظار نتائج مفاوضات جنيف التي لم تحصل في الحقيقة حتى من حيث المظهر والشكل. حقبة ما بعد جنيف2 ترسم نهاية وهم الحل السياسي مع النظام، وبداية جديدة لإطلاق مبادرات سياسية وعسكرية جديدة لمواجهة الحرب الطاحنة التي يشنها النظام على الشعب والتخيف عن معاناة السوريين.
• هل صحيح أن مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري أساء للأخضر الابراهيمي؟
هذه تفاصيل لكنها تظهر غياب الاستعداد لدى وفد النظام للدخول في أي مفاوضات سياسية. بالتأكيد تهرب الجعفري من الانخراط في المفاوضات ووضعه العراقيل أمام تبني جدول أعمال لبدء الحوار الجدي، وضع الإبراهيمي في مأزق، وزاد منه اتهامات الجعفري، من قبيل الضغط عليه، اتهام المبعوث المشترك بالانحياز للمعارضة، حتى أنه استخدم لعدة مرات اسم "مسهّل" بدل وسيط لاستفزاز الابراهيمي والتقليل من موقعه ودوره. كان من الطبيعي أن تتطور إساءة المعاملة لوفد المعارضة إلى إساءة المعاملة مع الوسيط المشترك الذي كان أكثر تعاطفا مع وفد المعارضة لتعاونه معه وقبوله بجدول الأعمل الذي اقترحه واستمر يرفضه وفد الاسد.
• ما هو تقييمك لأداء الائتلاف في جنيف2؟
كان أداء الائتلاف أفضل مما كنا نتوقع، خاصة وأن ما حصل هو أن الوفد التفاوضي لم يكن على المستوى الذي كنا نخطط له من تمثيل أوسع لقوى الثورة والمعارضة، بما فيها المسلحة، ومن مشاركة شخصيات وطنية اعتبارية من المجتمع المدني والمثقفين وغيرهم. كنا متخوفين من أن الكثير من أعضاء الوفد، الذين هم أنفسهم أعضاء في الائتلاف لا يمتلكون الخبرة الكافية في فن التفاوض وليسوا على استعداد كاف لخوض التجربة. فوجئنا بأن أداء وفد الأسد الذي يتمتع بإمكانيات وخبرات وموارد لا تقارن كان على متسوى من السوء والبؤس وانعدام الخيال والأدب يصعب أن يخسر أحد أمامه.
• تحدثت عن خيارات المعارضة فما هي .. وما المطلوب منها برأيك؟
ولد على هامش الثورة ثلاث مؤسسات رئيسية كان من المفروض أن تكون في خدمة قوى الثورة والمعارضة. الأولى الائتلاف المعارض، والثانية هيئة أركان الجيش الحر، والثالثة الحكومة المؤقتة. في نظري المؤسسات الثلاث تعاني من مشاكل كبيرة وليست على المستوى المطلوب للقيام بالمهام المنوطة بها.
على الائتلاف أولا أن يقوم بإصلاح نفسه، بعد أن تدهورت صورته وضعف أداؤه كثيرا، خاصة في الشهرين الماضيين. ومن أجل ذلك ينبغي استعادة وحدته وربما ضم عناصر جديدة له على قاعدة جذب الكفاءات بصرف النظر عن المحاصصات السياسية، وتعديل نظامه الداخلي بحيث لا تظل سلطة القرار محصورة في يد شخصين أو موقعين، الرئاسة والأمانة العامة، كما هو الوضع الآن، وتزويده ببرنامج عمل، وتوزيع المهام المختلفة المرتبطة بتنفيذه على الأعضاء وايجاد آليات واضحة وديمقراطية لاتخاذ القرارات على جميع المستويات واطر للمتابعة، واجتماعات دورية للمساءلة وكشف الحساب وتحديد المسؤوليات في أي تقصير يحدث هنا وهناك وفي أي قرارات خاطئة تتتخذ. لا يمكن أن تقدم خطوة إذا استمرت الأمور مائعة وربما ضائعة والقرار رهن بالأهواء والرغبات الشخصية، والعجز وعدم الإنجاز هو السمة الرئيسية لعمل الائتلاف. استمرار الوضع كما هو عليه يعني ببساطة قطيعة مطلقة ونهائية مع قوى الثورة والشعب، وربما تخصيص جمع قادمة لإسقاط الائتلاف.
في الوقت نفسه لا بد من إيلاء اهتمام مركزي وسريع لمؤسسة هيئة الأركان التي تتولى تنظيم أهم قاعدة لعمل الثورة وحماية مصالحها وأهدافها الآن وهي كتائب الثوار المسلحة. وللأسف، بدل الاستفادة من الدعم الجديد الذي بدأت الدول الصديقة تفكر بإرساله إثر فشل مؤتمر جنيف، دفعت القرارات الانفرادية والمرتجلة وغير السديدة إلى أحداث مزيد من الانقسام والفوضى في قيادة الجيش الحر. ما نحن بحاجة إليه في هذا المجال هو التقدم السريع في إعادة تنظيم وهيكلة الكتائب وتفعيل قيادة عسكرية مهنية ومسؤولة وعاملة على أرض المكان، وفي الوقت نفسه البحث عن تسليح أفضل، من حيث الكمية والنوعية.
لكن قبل ذلك ينبغي علينا أن نوجد حلا سريعا للنزاع الذي نجم عن التنقلات الأخيرة في الأركان، وجمع كلمة القادة العسكريين، ودفعهم إلى التفاعل بشكل أكبر مع حاجات هيكلة الكتائب المقاتلة على الأرض ومتابعة عملها بالدعم والخطط العسكرية.
• فما هو الحل؟
الحل في دعوة المعنيين، من أعضاء هيئة الأركان والقادة العسكريين، لجلسة عمل ومراجعة لما حصل، من منطلق المسؤولية أمام الشعب والثورة، ووضع النقاط على الحروف والاعتذار لمن تمت الإساءة إليه وتثبيت القرارات السليمة، وإلغاء القرارات غير الصحيحة، وبناء أرضية التنسيق والتعاون الدائمين بين القيادة العسكرية والسياسية، وبناء العلاقات على أسس قوية وسليمة وتحديد الصلاحيات لمختلف المناصب والهيئات، ثم مناقشة خطة العمل داخل الجيش الحر ومن أجل إعادة هيكتله وتنظيمه وتدعيمه، في جلسة مشتركة تجمع السياسيين والعسكريين.
• كيف تعول على إعادة هيكلة الكتائب المقاتلة في ظل التنوع والتناحر والأيديولوجيات المتضاربة؟
عندما نتحدث عن توحيد الكتائب فنحن نتحدث عن الجيش الحر، أما توحيد المقاتلين جميعهم على الأرض فهي مهمة مستحيلة، وغير مطلوبة. ثم إن التوحيد لا يعني تحويلهم إلى جيش واحد، وإنما تنظيمهم بشكل يسهل توزيع الأسلحة والذخيرة والتخطيط للمعارك بشكل مركزي ومحكم. وهذا هو الذي يسمح لنا برسم خطة واستراتيجية للعمل العسكري بحيث لا يبقى مجرد ردود أفعال تقوم بها كتائب منعزلة ومتفرقة، ويمكنا من الانتقال من استراتيجية الدفاع والمقاومة في المدن والقرى إلى استراتيجية هجومية نستعيد من خلالها المبادرة وتنفيذ خطة واضحة ومسبقة لتشتيت قوى الخصم. لقد خسرنا المبادرة العسكرية منذ 2012 بعد تمسكنا بالمواقع، وزاد تراجعنا مع تزايد تدخل الميليشيات الأجنبية المسلحة والمنظمة ودخول القاعدة الممثلة في داعش على خط القتال لصالح النظام أو بموازاته. كل ذلك ينبغي أن يكون واضحا لدينا عندما نتحدث عن مؤسسة الأركان ودورها وأهمية تطويرها. فإعادة هيكلة الأركان لا تعني استبدال شخص بشخص وإنما إيجاد بنية عسكرية تستجيب لحاجة كتائب الثورة لمزيد من الإعداد والتنظيم والتسليح والتخطيط.
• هل ترى أن الائتلاف يقوم بما يجب القيام به تجاه الثورة عموما؟
الائتلاف ليس مقصرا بحق الشعب والثورة فحسب، ولكن بحق نفسه فلم يطور أداءه ولا نجح في التحول إلى منظمة فاعلة على أي صعيد. لا يزال يقضي معظم وقته واجتماعاته في مناقشة أموره الداخلية والتنظيمية الغارقة في الفوضى والانقسام والتنازع، وفي قضايا تفصيلية ولا يكاد يتطرق إلى القضايا الكبرى، وفي مقدمها خطة العمل لتحقيق الأهداف التي ولد من أجلها، أي خلق شروط القضاء على الديكتاتورية والانتقال نحو حكم ديمقراطي يرضي طموحات الشعب ويرد على مطالبه التي دفعته للثورة. ولذلك بدل أن يصبح أداة لخدمة الثورة تحول الائتلاف بعد أشهر من ولادته إلى عبء عليها بسبب سيطرة المماحكات والخلافات والمهاترات داخل صفوفه وفي الصحافة والاعلام.
الائتلاف مقصر في إغاثة المحتاجين واللاجئين ومساعدة الجرحى وأسر الشهداء، وفي متابعة شؤون الطلبة ورعاية ملايين الأطفال اليتامى أو الضائعين الذين لا يعرفون ما هو مصيرهم ومستقبلهم. وهو مقصير بحق المقاتلين، ولا يكاد يلعب أي دور في تنظيم شؤونهم وتلبية حاجاتهم والرد على مطالبهم وتساؤلاتهم السياسية والوطنية. ولذلك يشعر السوريون جميعا بأنه بعيد عنهم ولا يكاد يهتم بقضاياهم، ولا يعيش النكبة التي يعيشونها، ومن هنا يأتي الحديث عن اتهام أعضائه بالعيش في أبراج عاجية والنزول في فنادق الخمس نجوم. وهو طبعا بعيد عن الواقع أيضا ويعكس سوء التفاهم المتزايد بين الطرفين.
• هناك من يقول أنه لا بد من تجاوز الائتلاف إلى تشكيل معارض جديد .. بعد فشله في تحمل مسؤولياته؟
هذا هو المنطق الخطأ الذي ثابرنا عليه وقادنا إلى ما نحن عليه. فقد تعودنا على التبديل السريع في المنظمات لعل القادمة ستكون أفضل والنتيجة تدهور نحو الأدنى. هكذا استبدلنا المجلس الوطني الذي كان أفضل بنية وأكثر استقلالا وتماسكا بالائتلاف ولم يتغير شيء، بل بالعكس رجعنا خطوات إلى الوراء. ولو أسقطنا الائتلاف فربما لن نستطيع أن نقيم إطارا ثالثا يملك الحد الأدنى من أسس القبول الشعبي والدولي وفرص التكوين والتطور.
والسبب في كل ذلك هو أننا نفتقد إلى الثقافة السياسية والجمعياتية، ونعتقد أن المشكلة مرتبطة بأشخاص وليست بالنظام الذي يحكم عمل المؤسسات والأشخاص. والمشلكة في نظري قائمة في انعدام خبرتنا السياسة كأفراد وكفريق، ولا يحلها تبديل الحصان، لأن الحصان الجديد لن يستطيع تحقيق شيء آخر ما لم تتغير شروط تدريبه وإعداده وتمكينه من شروط النجاح في السباق. ولا تولد المؤسسات كاملة مكملة وإنما تتطور باكتساب الخبرة والمعرفة. وإسقاطها بدل العمل على تطويرها يقطع الطريق على تطوير المؤسسات القائمة و يجعلنا نكرر التجارب ذاتها و ندور في حلقة مفرغة كما نفعل في المعارضة السورية منذ التخلي عن المجلس الوطني، ما دمنا محكومين بنفس الخبرة والمعرفة والعيوب الشخصية والذاتية.
- ماذا يجب تطويره؟
في الواقع كل شيء: العقلية التحاصصية السائدة منذ تكوينه والمشجعة على التنافس والتزاحم والانقسام وشراء الولاءات، والنظام الأساسي الذي يضع كل سلطة القرار في يد منصبين الرئيس والأمين العام، من دون أي تحديد ويترك لهما حرية التنازع عليها والصراع، وأسلوب العمل الشخصي أو المشخصن الذي تعودنا عليه وورثناه عن نظام المافيا السورية القابع على صدورنا منذ عقود طويلة، وغياب روح العمل الجماعي وإرادة العمل وبذل الجهد بشكل عام، وانعدام قيم الانضباط والمتابعة، وسيادة عقلية إفشال الآخر للصعود على فشله بدل التعاون على تحقيق الأهداف المشتركة لصالح تقدم العمل العام، ومن وراء ذلك غياب روح المسؤولية الفردية والجمعية، ومفهوم المحاسبة والمساءلة، وضعف ثقافة الشأن العام، وخدمة المصلحة العمومية التي هي مضمون السياسة والعمل السياسي.
بسبب ثقافتنا السياسية والمدنية الضعيفة وغير المؤسساتية، نحن ميالون لتحميل الأشخاص كل مسؤولية الفشل، والبحث عن كبش فداء يغطي على مسؤوليات الجميع. والحال أن الفشل ليس بالضرورة بسبب نوعية الأشخاص وإنما سببه بشكل أكبر سوء القواعد والنظم والآليات التي تحكم أي تنظيم وتبث روح التشوش واختلاط الصلاحيات وغياب المسؤوليات، مما يحد من القدرة على استخدام القوى والطاقات بل يعطلها.
إذا لم نتعلم كل هذه الأمور، لن نستطيع أن نبني أي مؤسسة فاعلة، وسوف نظل نهدم ونبني مؤسسات غير فاعلة وغير ناجعة مهما غيرنا وبدلنا من الأشخاص والشخصيات.
• زرت موسكو 4 مرات هل لمست متغيرات في الموقف الروسي؟
نعم .. التقيت وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف 4 مرات، وكان أطولها اللقاء الأخير، ضمن وفد الائتلاف، الذي دام أربع ساعات متواصلة. بعد انتهاء اللقاء قلت لزملائي روسيا تخلت عن القرار 2118 وانسحبت من الالتزام به. وكان لافروف قد صرح بشكل واضح وعلني أن من الخلافات بيننا والنظام كبيرة لدرجة يستحيل فيها تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، ومن الأفضل أن نعمل من خلال لجان متعددة حول نقاط بيان جنيف1. وهذا كان موقف وفد الأسد الذي اعتبر أن الانتقال السياسي لا يعني تغيير النظام، وإنما تشكيل حكومة وحدة وطنية في ظل النظام، ولا تمس بصلاحيات الأسد ولا الجيش ولا الأمن، أي تدعو إلى التحاق المعارضة علنا بالنظام المجرم. لذلك أعتقد أن الموقف الروسي تغير خلال السنوات الثلاث الماضية وصار أسوأ بكثير وأقرب إلى بشار الأسد منه إلى ما كان عليه في السنة الأولى حيث كان لافروف يردد أن المهم ليس الأسد ولكن مصلحة الشعب السوري وتفاهم أبنائه. وسبب هذا التغير نحو الأسوأ هو تراجع حلفائنا، وكبحهم جماح الكتائب المقاتلة منذ منتصف عام 2012 حين كان مصير النظام مهددا بالفعل، باسم البحث عن حل سياسي وتجنب انتصار الثوار ضمانا للإبقاء على مؤسسات الدولة وتجنب الاستمرار في القتال والعنف. ونحن ندفع اليوم، ومعنا الأشقاء العرب، ثمن خطأ الولايات المتحدة أو رهانها على وعود الروس في الدفع نحو حل سياسي يضمن مخرجا أقل كلفة من الأزمة الطاحنة. وبينما أوقفوا أو حدوا من الدعم للجيش الحر، كثف الروس من دعمهم للنظام بكل الأسلحة والذخائر، وغضوا الطرف، وربما شجعوا الإيرانيين على التدخل المباشر من خلال ميليشياتهم، وهاهم يحاولون استغلال الخلل في الموقف العسكري لغير صالح الثورة من أجل فرض تصور للحل لا يختلف عن تصور الأسد لها.
• وماذا تفكر الولايات المتحدة الآن؟
الولايات المتحدة الآن في موقف محرج، فهي ما تزال تضغط على النظام لتسليم الترسانة الكيماوية التي أوقفت من أجلها الضربة العسكرية، في حين أن النظام مازال يلعب على عامل الوقت ليضمن المزيد منه لتحقيق أهدافه العسكرية، ويخفي بعض هذه الأسلحة. ومما يزيد من إحراج هذا الموقف عدم التزام نظام الأسد بتطبيق قرار مجلس الأمن 2139 المتعلق بوقف القصف بالبراميل المتفجرة ووقف التعذيب والقتل العشوائي وتامين طرق مرور المساعدات الإنسانية. فواشنطن مجبرة اليوم على اتخاذ إجراءات لتأكيد تمسكها بالتزاماتها ومقدرتها على الوفاء بها وإلا فإن روسيا سوف تزيد من تحدي إرادتها وتقويض صدقيتها, وهذا ما فعلته في القرم. لقد خدع الروس الأمريكيين والمجتمع الدولي في كل الملفات (الكيماوي- جنيف- أوكرانيا) .. وأعتقد أن أمريكا بحاجة لعمل ما لإنقاذ مصداقيتها في العالم.. أمريكا بحاجة أن تثبت لروسيا والنظام السوري أنهم ليسوا هم من يفرضون على العالم ما يريدون.
• ما هو الرابط بين الأزمة السورية والأوكرانية؟
تقدم روسية البوتينية وتراجع الغرب. وانقلاب الأدوار. كانت روسيا في بداية الأزمة السورية تبرر مواقفها المتعنتة في مجلس الأمن بالخديعة التي تعرضت لها من قبل الغرب في العراق وبشكل خاص في ليبيا. وها هي تقلب الطاولة على الغربيين وتفرض هيمنتها بالرغم منهم وتتحدى إرادتهم في القرم ومن قبل في سوريا. كلا الأزمتين تعكسان التراجع العميق في السياسة الغربية في ظل قيادة أوباما، وتنامي مطامح روسيا وإيران، وحلمهما بفرض حلولهما في كل جبهات الصراع الدولي على الغرب الخائف والمنقسم والمتردد. وإذا استمر الوضع كما هو عليه سيجد الغرب نفسه أمام تحدي التسليم لروسيا أو خوض الحرب.
• شهدت العلاقات السعودية القطرية توترا في المرحلة الأخيرة .. هل يؤثر ذلك على الثورة السورية؟
بالطبع تأثرت الثورة السورية بهذا الخلاف، وسيعمل التنافس وغياب التنسيق على بعثرة الجهود وانقسام القيادة وإضاعة الفرص على الثوار لتحقيق نتائج على الأرض. ثم إن جزءا متزايدا من جهود هذه الدول الخليجية سوف ينصب على النزاعات الداخلية بدل التركيز على الشأن السوري. وقد كان همنا الدائم من قبل دفع الأطراف إلى توحيد الجهود من وراء المعارضة السورية والجيش الحر، أما الآن فنحن نحاول أن لا يتداخل النزاع الخليجي مع قضية دعم الثورة. ولا نزال نسعى وسوف نسعى باستمرار إلى تجنيب قضيتنا أكثر ما يمكن تأثير هذا التباين في وجهات نظر الدول الداعمة، وأن يعود الخليج والعالم العربي إلى وحدته ويكون له موقف داعم وموحد من نكبة الشعب السوري.
• بدا الموقف المصري مريبا من الثورة السورية بعد 30 يونيو .. فكيف تقرأ موقف القيادة الجديدة الآن؟
معاملة السوريين في مصر وفرض التأشيرة على الهاربين من ويل النظام، تجلعل الكثير من السوريين يخشون تحولا ما في الموقف المصري الذي كان شديد الترحيب بالثورة السورية. وهناك شكوك في استعادة بعض التعاون الأمني بين مصر ونظام القتلة في دمشق. لكن أنا أثق أيضا في وزير الخارجية نبيل فهمي الذي أكد لي أكثر من مرة التزام مصر وإيمانها بقضية الشعب السوري، لكن –أنا أعلم أيضا- أن وزارات الخارجية ليست هي التي تسير سياسات الدول، وبكل الأحوال أنا أؤمن بأن الشعب المصري، والكثير من المسؤولين في الدولة، وخصوصا الجيش، يقفون مع الشعب السوري ولا يمكن لهم أن يفعلوا غير ذلك.
• هل تخشى على بنية النسيج الاجتماعي السوري من التطرف؟
أعتقد أن المجتمع السوري لفظ داعش وأفكارها، ليس لأنه مجتمع يميل إلى الاعتدال في كل شيء، ويهرب من المغالاة والتطرف فحسب، وإنما لأن سلوك داعش لا علاقة له بالإسلام، خصوصا إعدام الأطفال والتعذيب والمقابر الجماعية التي لا تنتمي إلى الإسلام ولا إلى أي دين أو منظومة أخلاق.
السوريون ثاروا من أجل حريتهم وكرامتهم، وضحوا بكل شيء للتخلص من الذل والمهانة، والانتهاك الدائم لحقوقهم الأساسية، ولا يمكن لأي طرف أو فريق أن يسلبهم الحرية التي انتزعوها بتضحياتهم، ويمنع عنهم ممارسة حقوقهم الأساسية التي قدموا من أجلها مئات آلاف الشهداء، لا داعش ولا أي تنظيم أو قوة، داخلية أو خارجية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire