lundi, février 18, 2013

النقد بين الاصلاح والتشهير



بموازاة الضغط الدولي الواسع في اتجاه فتح مفاوضات بين السلطة والمعارضة، بدأت الصحافة وبعض مواقع التواصل الإجتماعي، بما فيها تلك المحسوبة على الثورة، تتداول قصصا، ربما كان قسم منها صحيح، عن احداث سلبية ترافق ثورة شعب لم يشهد التاريخ لبطولته مثيلا في التضحية والفداء والصمود والتصميم. من تلك القصص الإحباط الذي أصاب ويصيب هذا المقاتل أو ذاك نتيجة ما شاهده من تجاوز لأخلاق الثورة ومبادئها هنا وهناك، سواء على مستوى الأمانة المالية، أو الحفاظ على الثروة والموارد الوطنية وحمايتها بدل التصرف بها، أو إعادة بيع المؤن والسلاح.
وأنا لا أشك لحظة في أن تجاوزات كثيرة وخطيرة تحصل اليوم في كل مناطق سورية نتيجة الفلتان الأمني العام، وغياب السلطة المركزية والقانون والشرطة والقضاء في الأراضي المحررة. ويساهم في تزايد تلك التجاوزات التدهور الخطير في شروط المعيشة بالنسبة للأهالي وفي صفوف القوات المقاتلة أيضا، وغياب الهيئات المتخصصة في الإشراف على مصير المعونات الكبيرة المقدمة، الإغاثية والمالية والعسكرية أيضا. ولا ينبغي أن ننكر أن بعض هذه التجاوزات أصبح من الخطورة بمكان، ليس لأنه يننتهك حقوق الآخرين ويعرض حياة كثير من المواطنين للخطر، ولكن لأنه يهدر موارد وثروات البلاد، ويهدد أكثر من ذلك، مستقبل الثورة وقيمها ومبادءها. 
تقع المسؤولية الأولى في العمل على وقف هذه التجاوزات على قيادات الثورة، أي على أؤلئك الذين يحتلون مناصب المسؤولية في الجيش الحر، وأشير هنا إلى هيئة الأركان التي هي اليوم أعلى سلطة عسكرية، وفي المعارضة، وبشكل خاص قيادة الإئتلاف الوطني الذي يجسد الهيئة السياسية الوحيدة المعترف بها اليوم، أن يتحملوا مسؤولياتهم، في تشكيل لجان تحقيق في هذه التجاوزات بأسرع وقت، وتوقيف مرتكبيها، وتشكيل هيئات الإشراف والمراقبة الضرورية للحؤول دون استمرارها. وإن لم يقوموا بالواجب فهم مخطئون في حق الشعب وحق الثورة معا.
لكن بعد التاكيد على ذلك علينا الحذر من الاستخدام الدعائي لهذه التجاوزات من قبل أعداء الثورة، ومن قبل بعض قطاعات الرأي العام المحبط نيتجة المعاناة اللاإنسانية المستمرة منذ سنتين. ولا ينبغي لهذه التجاوزات أن تختلط مع روح النبالة التي تحرك الثوار وتحكم سلوكهم وتشكل الحافز الرئيسي لثورة الكرامة والحرية أو تغطي على أعمال البطولة القائمة على التضحية والفداء ومظاهر التعاون والتضامن ونكران الذات التي يظهرها الثوار، مفتدين شعبهم بأرواحهم. فمن دون قيم التضحية والفداء ومن دون هذه البطولات ما كان يمكن للثورة أن تستمر ولا أن تحقق المكاسب والانتصارات التي نشهدها اليوم، والتي ستتوج قريبا بالانتصار على نظام خونة الشعب والقتلة والمجرمين.
الكشف عن النقائص والعيوب والتجاوزات مطلوب لتصحيح المسار وحماية الثورة وتعزيز قدراتها. لكن النظام المجرم وحده له المصلحة في تحويل هذه التجاوزات إلى وسيلة للتغطية على السلوك البطولي وروح التضحية والقيم الأخلاقية العليا التي تحرك الثوار وتدفعهم للتضحية في سبيل وطنهم وشعبهم. وعلينا جميعا أن نميز بوضوح بن النقد الذي يهدف إلى الإصلاح والحفاظ على قيم الثورة وقبل ذلك على قوة الثورة واستمرارها، والتشهير الذي يستخدمه الخصوم من أجل ضرب مصداقية الثورة والثوار وقلب الرأي العام عليها. والفارق بينهما هو أن الأول يضع التجاوزات في سياقها السياسي والإنساني وحجمها الحقيقي في النشاط العام، بينما يطلقها الثاني على عمومها فتبدو كما لو كانت هي النشاط الرئيسي للثورة، وهي التجلي الطبيعي لقيمها وأهدافها ومبادئها. الأول ينظر إليها بوصفها نشازا طارئا على الثورة واستغلالا لها واعتداءا على مبادئها وخيانة لأهدافها ينبغي إصلاحه. وينظر الموقف التشهيري إليها على أنها الثورة ذاتها أو المظهر الرئيسي لها. 
التمسك بأي فرصة لحقن الدماء والتوصل إلى حلول سياسية توقف القتل الإجرامي والتدمير والخراب واجب على المعارضة. لكن لا يخدم التشهير بالثورة، أو المبالغة في عرض التجاوزات الحاصلة على هامشها، تحقيق هذه الأهداف ولكنه يعزز بالعكس موقف النظام ويضعف قدرتنا على الوصول إلى حل مقبول من الثوار والشعب المضحي معا. فلن تستطيع أي مفاوضات أن تقود إلى نتيجة تكافيء التضحيات العظيمة التي قام بها الشعب السوري، وذلك في ترحيل النظام الإجرامي القائم والتمهيد لانتقال الدولة نحو نظام ديمقراطي، يعبر عن إرادة الشعب، ويضمن حقوقه في الكرامة والحرية وحكم القانون والمساواة والعدل، ما لم تدعمها على الأرض قوة مادية متماسكة وقادرة على التدخل في أي لحظة يحاول فيها الخصم أن يستعيد المبادرة أو ينقلب على وعوده، هذا في حالة قبل النظام بالرحيل وترك السلطة للشعب. وهو أمر لم يحصل بعد. ولن يسلم النظام بالأمر الواقع، وسيسعى إلى البقاء أو على الأقل إلى التوصل إلى تسوية تحفظ له ولحلفائه وقواعده مصالحهم الرئيسية، ما لم يفقد الأمل تماما بقدرته على مقاومة تقدم المقاتلين الأحرار. ولا أمل لنا نحن في التقدم وفرض الأمر الواقع على النظام بإضعاف الثورة او تشويه صورة أبطالها.

Aucun commentaire: