حول أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام
برهان غليون
لا أحبذ استخدام مفردات مثل العلل، لأنها توحي كما لو أن المجتمعات العربية ذات عاهات موروثة ودائمة، وأننا نضع أنفسنا في موضع الطبيب الذي يسعى إلى معالجة هذه العلل. والحال أن ما تعيشه المجتمعات العربية اليوم لا ينبع من علل قائمة فيها، لا في ثقافتها ولا أديانها ولا سلامة عقول أفرادها، وإنما نتيجة ظروف طرأت عليها، بعضها داخلي وبعضها خارجي، ينبغي تحليلها وفهم شروط تغييرها.
وفي اعتقادي أن كل ما تعرفه المجتمعات العربية اليوم من ظواهر سلبية، في أنماط حكمها السياسي، وفي تخبط سياساتها الاقتصادية، وفي نكستها الفكرية والثقافية، يعود إلى أمر واحد هو الازمة العميقة التي دخلت فيها بسبب إخفاق أو على الأقل توقف مسيرة التحول والتقدم التي انخرطت فيها منذ أكثر من قرن، والتي كان من المفروض أن تنقلها من أنماط الفكر والسلوك والإدارة والحكم القديمة أو التقليدية نحو أنماط حديثة، وتحل بذلك مشكلتها الرئيسية التي هي تحقيق المعاصرة، واستدراك التأخر التاريخي الذي لحق بها نتيجة تلكؤ نخبها القائدة أو جمودها في القرنين الماضيين.
وبعكس ما تشيعه الأدبيات الرائجة كانت المجتمعات العربية طليعية في دخول مغامرة الحداثة لأنه لا يوجد في ثقافتها الزمنية والدينية ما يعيق النظر العقلي والتجديد الفكري والديني: لا سلطة بابوية ولا تقاليد إقطاعية متجذرة. وقد سبق محمد علي اليابان في شق طريق التحديث، وبقيت مصر أكثر تقدما من الناحية الصناعية والعلمية والتقنية من معظم بلدان أوروبة حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وبالرغم من الضغوط والتهديدات الاستعمارية، استمر الضغط ، حتى عقود قليلة سابقة، شديدا داخل المجتمعات العربية، من جانب الشعب ومن جانب النخب الثقافية والقوى الاجتماعية الصاعدة، والأحزاب الليبرالية والقومية واليسارية الناشئة معا، من أجل اللحقاق بالعصر. ولم تستطع الهيئات الدينية المحافظة أن تؤثر على هذا التحرك نحو المستقبل أو أن تشكل عقبة تذكر أمامه. بل لقد تمت محاصرة رجال الدين المحافظين من قبل رجال دين تقدميين وإصلاحيين ساروا في اتجاه التحويل الحديث لمجتمعاتهم ونظروا له ودعموه، كما فعلت الحركة الاصلاحية الاسلامية. ولم يضعف سقوط الأقطار العربية تحت الاحتلال من زخم تيار الحداثة والتحديث. ففي ظله نشأت الحركات الوطنية حول مفاهيم وقيم ومطالب حديثة في بناء الدولة والامة والسياسة، وولدت الأحزاب الليبرالية والاشتراكية والماركسية والقومية على مختلف أشكالها. وما إن تحقق الاستقلال حتى انطلقت مسيرة التحديث والتقدم بأقوى صورها، متلفحة رداء القومية العربية التي حددت أهدافها بوضوح في استكمال الاستقلال وتوحيد البلدان العربية ومواجهة النفوذ الامبريالي، وبناء أمة حديثة من خلال تصفية بقايا الاقطاع وتوزيع الأرض على الفلاحين، وإحداث ثورة صناعية وتقنية وعلمية شاملة.
من هنا كانت الصدمة قوية عندما ظهر إخفاق هذا المشروع، أعني مشروع الدخول في العصر والخروج من التأخر، وتحقيق السيادة الكاملة وتطوير البنى الاقتصادية والعلمية للعالم العربي. وانقلب الحلم إلى كابوس بعد أن أطلق هذا الانهيار جميع القوى الناقمة التي كانت رابضة تنتظر فرصتها، لتستعيد نفوذها وتنهش من لحم المجتمعات العربية وتستملك مواردها المادية والمعنوية: من اسرائيل التي عادت فأطلقت مشاريع التوسع الاستيطاني في ما تبقى من فلسطين، إلى البلدان الصناعية الغربية التي أعادت وضع يدها على الثروة النفطية التي خافت في فترة سابقة أن تخرج عن سيطرتها تحت شعار نفط العرب للعرب الذي أطلقته الحركة القومية، إلى ملوك الطوائف والعشائر الذين لم يحلموا يوما بأن يكونوا في موقع القيادة العربية فصاروا أسيادها، إلى الزعماء الصغار الذين كبتوا طويلا عقد نقصهم الشخصية وانتظروا موت عبد الناصر ليعبروا عن طموحاتهم العنيفة لبناء ممالك شخصية ما لبثت حتى تحولت إلى ممالك وراثية، إلى الكبمرادوريين وأشباه الاقطاعيين الذين عادوا بعد إقصاء أليم في ثياب مقاولين ورجال أعمال ومديرين ومنتفعين ومرتشين دوليين ليحتلوا مقدمة المسرح، إلى رجال دين أو متدينين غلب عليهم حب الانتقام وتصفية الحسابات ليس مع النظام القوي الهالك فحسب ولكن مع القومية العربية وشعاراتها، بل مع العروبة ذاتها.
لم تأت مقاومة مشروع الحداثة والنهضة من قبل الشعوب والمجتمعات أو أغلبيتها، وإنما جاءت كما لا يخفى على عاقل من قبل ثلاث قوى رئيسية: الامبريالية الغربية أولا وفي مقدمها إسرائيل، والنظم العربية التقليدية شبه الإقطاعية ثانيا، والقوى الاجتماعية العربية التي تضررت بالفعل من إجراءات الاصلاح التحديثي التي اتخذتها الحكومات الوطنية: إزاحة النخب الارستقراطية أو شبه الارستقراطية والاقطاعية السائدة واحلال نخبة جديدة، من أصول ريفية غالبا، وسطى وشعبية، محلها، وتشجيع ثقافة المواطنية الحديثة، في مواجهة ثقافة المراتبية والهرمية والتمييز ضد الطبقات الدنيا، التي وسمت كل النظم التقليدية، نزع ملكية الأرض الاقطاعية وإعادة توزيعها، تأميم المصارف والشركات الخاصة.
إنها تتجسد أولا في غياب أي مشروع جامع، وطني او إقليمي، شعبي أو حتى نخبوي. نحن نعيش في نظام تسوده المصالح والحسابات الفردية أو العائلية ولا يخضع لأي رؤية او حساب جماعي، وتحكمه اللحظة الراهنة، من دون أن يكون هناك أي أفق أو نظر في المستقبل، ويخضع لقانون القوة والعنف والقسر، ولا يقوم على أي مبدأ او مفهوم للحق، سواء أكان مبدأ المساواة بين الأفراد، كما هو الحال في النظم الحديثة، أو قاعدة التراتب الطبقي والمللي، كما كان الحال في النظام السابق.
وثانيا في غياب أي تنمية جدية، حتى أصبحت البلدان العربية الغنية بالموارد مضرب المثل في سوء الأداء الاقتصادي وتراجع مستوى حياة السكان ودخلهم وتدني نوعية الخدمات المقدمة لهم، وكذلك في نسبة اليد العاملة المهاجرة أو الباحثة عن مهجر.
وثالثا في النمو السرطاني لاقتصاد رأسمالية الأعمال والمضاربة المفتوحة، حتى أصبح الاقتصاد اقتصاد مافيات تتقاسم فيه المنافع والمغانم أعداد محدودة من الأسر والعائلات القريبة من الحكم أو العاملة على أطرافه، وتبني نظاما اقتصاديا همه تعظيم هذه المنافع والغنائم والامتيازات الناجمة عن احتكار السلطة والمنصب الرسمي وعمليات المضاربة والنهب المكشوف والسلبطة والرشوة والمحسوبية، ولا ينظر أبدا لا لمشاكل التنمية المتكاملة ولا إلى مصير ملايين البشر الذين ينتظرون فرص عمل حتى يضمنوا معيشتهم ويحققوا ولو جزءا يسيرا من انسانيتهم أو شعورهم بكرامتهم. هكذا يبدو الأفق الاقتصادي مغلقا تماما أمام أجيال الشباب، ولا أمل لأحد منهم بالخروج من قبضة الفقر والبؤس والبطالة إلا بالهجرة أو بقبول التسول على أعتاب مافيات السلطة والأمن والمال وخدمتهم.
والنتيجة شعور مدمر بالفراغ والخوف وغياب الأمن وعدم الاستقرار يهز المجتمعات ويعمق الشعور بالإخفاق والخيبة والاحباط، ويدفع أغلبية أفرادها إلى الشك في أنفسهم ومقدراتهم بل وشرعية وجودهم وجدواه. وكل هذا من منتجات هذه الحداثة الكمبرادورية والنظام العربي الجديد ومتطلبات بقائه وتقويته واستمراره أيضا.
والمخرج من هذه الأزمة، وما نجم عنها من تقهقر فكري وثقافي وديني وإنساني واقتصادي واجتماعي وسياسي، هو في تغيير هذا النظام أو الترتيب أو التوازن السائد، والقائم كما ذكرت على تحالف القوى الثلاث، وفتح باب التحرر والحداثة للشعوب. بمعنى آخر ليست مقاومة الاسلام او الثقافة العربية او التراث للحداثة هو السبب في ما تعيشه هذه الشعوب من أزمات، وإنما العكس تماما هو الصحيح، إن حرمان المجتمعات من حقها في دخول الحداثة بمعناها الحقيقي، وبما تعنيه من تحرير للانسان وتأكيد للحريات والحقوق والسيادة والمشاركة، وإجهاض حركاتها الوطنية والقومية وضرب محاولات تحديثها ، وهذا ما تقوم به القوى الثلاث التي ذكرت، هو وليس الغرب وحده، وإن كان الغرب هو سيد الموقف وقائد المسار، السبب في نكوص الوعي العربي ، وتفجير ازمة هوية قومية ودينية حقيقية في حجر المجتمعات الاسلامية، بلغت في أكثر من مكان وزمان مرحلة العنف بل الحرب الأهلية. وهذه المجتمعات وليس الغرب هي التي تتحمل النصيب الأكبر من التضحيات، بسبب هذه الأزمة التي يكاد يكون معظم ضحاياها من العرب والمسلمين نتيجة الصراع الدامي بين إسلام متطرف وإسلام معتدل وإسلام سلطة وإسلام أهلي وإسلام شيعي وإسلام سني. من دون الحديث عن استنفاذ طاقات المجتمعات وجهد نخبها في تطوير استراتيجيات المواجهة والأمن وتضييع الوقت في نقاشات عقيمة حول العقيدة والدين لا يمكن التقدم فيها لأنها ليست من الشؤون الخاضعة للعقل ولا هي ثمرة الاقتناع بقوة الحجج العقلية وإنما هي ثمرة ردود أفعال سياسية وايديولوجية. وفي النتيجة حرف نظر النخب والمجتمعات وإلهائها عن التصدي لمشاكل التنمية الانسانية الحقيقية، مما يقود إلى تعميق ازمة ضياعها وإحباطها وتفاهم النزوع إلى العنف فيها.
حرمان المجتمعات العربية، بأي ثمن وبكل الوسائل، بما فيها شراء نخبها وتدعيم ديكتاتورياتها ضد شعوبها، وزعزعة استقرارها المادي والنفسي، وتحطيم ثقتها بنفسها ومحو هويتها والتشكيك بها، هذا هو جوهر الأزمة وأصلها. وما تبقى ضياع وردود فعل وهيجانات وتشنجات الضحية المتوجعة. ولليس هناك غول إسلامي حقيقي وإنما الغول الحقيقي هو هذا التوازن الناجم عن تلاقي مصالح الأطراف الثلاث: الاستعمارية والديكتاتورية والكمبرادورية الذي يستدعي تهميش الشعوب وشل إرادتها وحرمانها من الموارد اللازمة للنمو والتقدم الانساني ويحول بالضرورة دون دخول معظم المجتمعات في دائرة الحداثة الحقة، وليس العرب فحسب. وهذا التحالف هو الذي صنع البعبع الاسلامي واختلقه من العدم، ولا يزال يغذيه ويرفع من شأنه، ويعزز قوته كلما ضعف أو مات, وقد نجح في أن يستخدم العرب أنفسهم، وفي مقدمهم النظم الحليفة، في تسويق أسطورة هذا البعبع، وقوته وجبروته. فهو يعيش بفضل الخوف الذي ينشره عن طريقه، ويستخدمه من أجل إغلاق النظم وقفلها تماما أمام أي تغيير أو إصلاح. وفي اتجاه هذا الغول الحقيقي المسيطر على جميع موارد الإقليم والمدجج بالسلاح من رأسه حتى أخمص قدميه، والذي لا يكف عن تزويد نفسه بصفقات تفوق الخيال، ينبغي أن توجه النصال كي يحصل التحرر الفعلي، ويخرج العالم العربي ومجتمعاته من أزمة الضياع واليأس والعنف والاقتتال والتقهقر ويدخل في الحداثة الحقيقية والعصر.
2 - تظل العلمانية واحدة من أكثر الموضوعات المثيرة للجدل في الفكر العربي المعاصر،وربما لم ينقطع النقاش حولها -ولا يتوقع له أن ينقطع- منذ وطئت أقدام الاستعمار الغربي بلداننا ، وبدأت تتشكل معالم "صدمة الحداثة والغرب" في الوجدان والفكر العربيين ، إذ يرى بعض المفكرين العرب أن العلمانية متتالية تاريخية تطورت بشكل حصري في السياق الغربي، عكست الأزمات والحلول والصراعات والمساومات السياسية والفكرية والنظرة الفلسفية المتكونة في عصر النهضة وما بعده وتوترات علاقة السلطة الدينية بالزمنية في الغرب، وهي بالتالي لا تصلح للعالم العربي والإسلامي، في حين يرى آخرون أن الخطاب العربي المعاصر حول العلمانية تناولها تناولا سطحيا على صورة إيديولوجية مبتسرة يغلب فيها السجال على النظر المتروي وعلى الاعتبار التاريخي تبعاً لخطاب الوسط ، وفق مقولة " جعلناكم أمة وسطا" ؟ ولكن توجد إلى جانب تلك الآراء المتعارضة، بعض الأبحاث الجادة والعلمية في هذا الصدد، فكيف تقيمون تلك الآراء والأبحاث في هذا الصدد؟
غليون :
للعلمانية وجهان، وجه خصوصي مرتبط بشروط نشوئها الأول، وبخصائص المجتمعات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي بلورت مفهومها، وبالتوترات والتناقضات التي كانت نظمها الاجتماعية تعيشها، والصرعات التي تفجرت في حضنها بين القوى الفاعلة الدينية والمدنية، والمساومات أو التسويات التي وصلت إليها لضمان استقرار النظام الاجتماعي. ووجه عام مرتبط بتاريخ تطور الفكر والممارسة الحضارية للانسانية عموما، والانتقال من نظم اجتماعية نسميها اليوم قديمة أو تقليدية، قائمة على مركزية الجماعة والهوية وبالتالي الايديولوجية في تحقيق الوحدة والاندماج والاستقرار، إلى نظم حديثة تقوم على مركزية الدولة القانونية التي تسمح بهامش كبير من الاستقلال الايديولوجي وحرية الرأي، وبالتالي بمزيد من حضور النظرة الموضوعية والمعرفة العلمية، وتستدعي تعزيز الحريات الفردية والضمانات القانونية.
3 - هل تعتقدون بوجود إمكانية فعلية لإلزام التيارات الإسلامية علي التحول إلى -أو الذوبان - في تيارات مدنية بصبغة علمانية- عملا يحسب على الديمقراطية ولا يمس حرية الفكر والاعتقاد الديني والسياسي و مبدأ المواطنة والمساواة أم لا؟
المطلوب بالعكس التعاون بين جميع أصحاب المباديء الحرة واحترام الانسان على تفكيك نظم القمع والوصاية وفرض الرأي السائدة، وذلك من اجل خلق شروط تسمح للاسلاميين، كما تسمح لغيرهم، بتطوير تفكيرهم، والاعتراف بالرأي الآخر، وبالاختلاف، والالتزام بالصراع السلمي وقواعد العمل القانوني والديمقراطي وجدواه. باختصار لا نستطيع بالقمع أن نقنع الطرف الآخر بجدوى التخلي عن سلاح القمع. وما سمح للديمقراطيات الغربية أن تنمو وتتطور وتستقر أنها لم تخضع لمنطق القمع، حتى تجاه الحركات الثورية التي كانت ترفض الديمقراطية وتعتبرها خدعة برجوازية، وفي مقدمها الشيوعيون. ولم تقل إنه لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية، ولكنها نجحت لأنها لم تخضع لابتزاز اليمين بالقمع، وأثبتت للرأي العام أن النظام الديمقراطي أقوى من أعدائه، بل إنه قادر على استيعاب إعدائه. مما فرض على هؤلاء الالتزام بقواعد العمل الديمقراطي حتى عندما كانوا يرفضون مفهوم الديمقراطية ا"لشكلية"، ثم قادهم في مرحلة لاحقة إلى التمسك بها ضد أي خيارات سلطوية سواء سميت ديكتاتورية البروليتاريا او الديمقراطية الشعبية والاجتماعية. لا نستطيع أن نبرهن للناس على أن نظام الديمقراطية أفضل من الديكتاتورية إذا قبلنا نحن أنفسنا أن نلجأ إلى الديكتاتورية لدعم الديمقراطية أو كبديل عنها. وفي نظري تطور مقاربة الاسلاميين لمسائل السلطة والحكم مرتبطة بتطور وسائل الحكم والسياسة والتفكير السياسي في مجتمعاتنا وعند نخبنا المثقفة عموما. لكن هذا يتضمن أن ننظر إلى الاسلاميين السياسيين على أنهم أصحاب قضية، مهما كانت، لا مجرد مرضى بالدين وجهلاء وظلاميون ومعادون للحداثة والغرب. فهم في نظري، قبل هذا وذاك، معارضون سياسيون، ومتمردون على السلطات القائمة. وهم يستمدون قوتهم ونفوذهم الايديولوجي والسياسي من معارضتهم هذه للنظم القائمة، لا من جهلم أو محافظتهم الدينية او عدائهم للغرب والقيم الحديثة. وتطوير فكر الاسلاميين يبدأ بحل مشكلة هذه الأنظمة التي يرى فيها الجمهور العريض أيضا مثالا للظلم والقهر والغطرسة والانفصال عن المجتمعات والاستهتار بالمصالح العامة والعمالة للخارج. فلكل فعل رد فعل من طبيعته ونمطه. وهذا ما يفسر سرعة انحياز الاسلاميين أو بعضهم لأفكار الديمقراطية وتخليهم عن الخيارات العنفية في كل الحالات التي دخلت فيها النخب العلمانية بجد في عمية معارضة للنظام، وأثبتت أنها يمكن أن تكون حاملة لمشروع نظام ديمقراطي وتعددي، يختلف عن تلك النظم القمعية والبوليسية التي تستخدم شعار العلمانية كورقة توت تغطي بها على عورتها أمام قطاعات الرأي العام العالمية.
4 - ما الحل الأمثل برأيكم للتعامل مع الحركات الإسلامية ( أخذا بالاعتبار تجربة الإسلاميين في الجزائر وسوريا ومصر والعراق) ؟
الحل الأمثل يكمن في التعامل معهم كأصحاب رأي ووجهة نظر مختلفة في المجتمع وربما في الدين، والنقاش معهم حولها ومقارعة حججهم بالحجج العقلية والمنطقية، وعدم التسليم بانتصارهم السياسي نتيجة ازدهار المشاعر الدينية لدى عامة الناس، ولا بالتالي التنازل لهم عن مسألة الكفاح من أجل التغيير، أي عن المستقبل، والتشبث بالنظم القائمة كخشبة خلاص. فاستقالة المثقفين والنخب العلمانية عموما في معركة الديمقراطية هو الذي يجعل من الاسلام السياسي المشروع الوحيد البديل المطروح امام الرأي العام.
والحال إن الحل يكمن في بلورة مشروع الديمقراطية كمشروع بديل في مواجهة النظم الفاشلة والقمعية الراهنة. وهذا ما سيعطي للديمقراطية والقيم الانسانية المرتبطة بها، من حرية وعدالة ومساواة واستناره عقلية، صدقيتها أمام قيم المشاريع الاسلامية المرتبطة بقيم السلطة الدينية والعصبية الجمعية والأفضلية المذهبية والولاءات الجمعية الايديولوجية. إن ما يعزز موقع الاسلاميين ونفوذهم في المجتمع هو اصطفاف النخب العلمانية، وهي نخب مثقفة على العموم، وذات نفوذ في القطاعات الحيوية من الإدارة والسياسة والاقتصاد، إلى جانب النظم القمعية والنخب المافيوزية، بعضها للحصول على الامتيازات، وبعضها الآخر للحفاظ على حقوقها الطبيعية، وبعضها الثالث خوفا مما هو أسوأ. والنتيجة غياب أي بديل ديمقراطي جدي، ووضع المجتمعات والرأي العام أمام تحدي الاختيار بين الحل الاسلامي والحل الكمبرادوري الاستبدادي القائم. وفي هذه الحالة من الطبيعي أن تكون الأرجحية عند الرأي العام للحل الأول، لأنه إذا كان استبدادا فسيكون على الأقل لصالح المحرومين من السلطة والنفوذ والجاه، بالإضافة إلى وجود أمل أو وهم أكبر في أن لا تكون النخب الاسلامية على الدرجة نفسها من انعدام الأخلاق وسوء الإدارة وعدم الشعور بالمسؤولية. ومن الطبيعي أيضا أن يؤدي التمسح الشكلي للنظم الفاسدة القائمة بالعلمانية إلى تلويث سمعة هذه الايديولوجية وإساءة فهمها وتاويلها.
والحل الأمثل للتعامل مع الحركات الاسلامية هو تغيير العلمانيين، أو من يعتقدون أن العلمانية هي الأبرز في عناصر هويتهم أو مضمونها، أسلوب تعاملهم مع النظم السياسية والاجتماعية التي تقدم المجتمعات فريسة سهلة لجميع أصحاب الدعوات التغييرية، وفي الأساس ايجاد مشروع التغيير الديمقراطي الوطني الذي يشكل المخرج الوحيد لأزمة المجتمعات وضياعها. وبلورة مشروع تغيير ديمقراطي وطني لاتعني رفع الشعارات فقط، وإنما الصراع مع الجمهور الواسع، كل في مجاله، من أجل ضمان حقوقه، والصراع ضد السلطة الاستبدادية في صفوف النخب الحاكمة وغير الحاكمة، المسؤولة عن استمرار النظام وفساده، والصراع ضد جميع أشكال القهر والسيطرة الاجنبية والاستلاب، والصراع أخيرا لخلق ثقافة حرة تبني الفرد من الداخل وتؤسس لحياة أخلاقية وروحية واجتماعية حية ومرضية.
5 - هل يحق للمفكرين العلمانيين القيام برسم صورة الإسلام الصحيح بدلا عن الإسلاميين؟ وكيف يعطي الفكر العلماني بتنويعاته الحق لنفسه بادعاء التعبير عن ارادة الشعب أو أنه والسياسة، الإسلام الصحيح أو علي الأقل عن الفهم الصحيح لعلاقة الدين بالسياسة بدون الرجوع إلى رأي الأغلبية الشعبية؟ وهل إن فكرة فصل الدين عن السياسة والدولة أو غيرها من أفكار العلمانيين المتصلة بالدين والسياسة، هي أفكار معصومة عن الخطأ وممنوعة معارضتها؟
- بالتأكيد لا. فأصل التخبط الأعمق في فكرنا الراهن وفي تعاملنا مع بعضنا ومع الدين هو الخلط بين المهام الفكرية والعلمية والمهام الايديولوجية والدينية. فالاصلاح الدني مهمة دينية وهي من مهام أصحاب الخطاب الديني، ولا يصلح لمن هو من خارج دائرة هذا الخطاب أن يتحدث فيها. لكن هذا لا يمنعه، مثله مثل أي إنسان، أن يعبر عن رأيه بالفكر الديني السائد وأن ينتقده ويظهر مطباته وأخطاؤه. فهذا حق لكل إنسان ولا ينكره الاسلام على المسلمين بصرف النظر عن موقعهم الديني كما تؤكد عليه منظومة حقوق الانسان الحديثة. ومأساة مفكرين كبار مثل محمد أركون الذي غيبه الموت في الأسبوع الماضي، هي أنه أراد أن يكون في الوقت نفسه ناقدا للفكر الديني، على طريق فلاسفة الأنوار، وهذا مهم وضروري، ومصلحا دينيا في الوقت نفسه، وهذا مستحيل. لا يقوم الاصلاح الديني على النقد العقلي للدين، ولا يمكن إلا أن يقود إلى سوء فهم، وإلى إساءة للنقد الديني وللاصلاح الديني معا.
الجواب على ذلك هو دائما: الصفاء الذهني، وابتعاد المفكرين عن الرهانات العامة، وفي مقدمها السلطة، والحفاظ على على جذوة الفكر النقدي حية.
6 - يتم منذ فترة ليست بالقصيرة تداول مصطلح - العلمانية الإنسانية -، فهل هذا تعبير من العلمانيين العرب لتمييز علمانيتهم عن علمانية تركيا تحت حكم العسكر التي رغم نجاحها رافقت تطبيقاتها الكثير من المظالم و الإجحاف بحق المجتمع التركي المسلم المحافظ، والقوميات
الأخرى، وبالقوى السياسية المعارضة ؟
8 - أتذكر كلاما لجبران خليل جبران يقول فيه -إن أراد العرب أن يكونوا أمة عظيمة فعليهم أن يصبحوا جزء من أمة عظيمة- ولا بد أن الأمم العظمى في عهده كانت بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا , كيف تفهمون هذا الكلام؟ فهل كان جبران على حق ؟
-لا أعتقد أن جبران كان يعني الالتحاق بالأمم الأخرى وإنما تشكيل أمة كبرى مشابهة لهذه الأمم، أي تمثل القواعد والمباديء التي قامت عليها الحياة العمومية في هذه الأمم. وخلاف ذلك لا معنى له ولا يمكن أن يستقيم. فمن الواضح أن التحاق العرب بأمة عظيمة لن يجعل منهم أمة عظيمة أبدا وإنما مستعمرات وملحقات وربما أدوات في يد هذه الأمم تتلاعب بها وتستخدمها لتحقيق مصالحها الخاصة. والبقاء في حالة الانقسام والتشرذم والعداء لا يخلق شروط التنمية والتقدم المطلوبة. وعلى أية حال جبران شاعر وأديب كبير لكنه ليس رجل استراتيجية ولا مؤلف عظبم في تاريخ الدول والشعوب حتى يصبح لقوله سمة المرجعية أو الإلهام في هذا الميدان.
9 - لقد طرحتُ على مفكرين آخرين ضمن مشروع حواراتنا تساؤلاً عن اختلاف أهداف الحملات الاستعمارية في القرن التاسع عشر ( مثل حملة نابليون على مصر) عن شبيهاتها في القرن العشرين. وقد علمنا أن الأولى هبت معها رياح التغيير على منطقتنا، ثقافيا و سياسيا، وكانت تحمل معها مشاريع تشكيل دول ومجتمعات حديثة على هامش المراكز الغربية، لكننا نشهد المآسي والكوارث التي لا نزال نعيشها رافقت الحملات الامبريالية في عصر الرأسمالية المالية أو الإمبريالية. كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟
ولإدراك المضمون الحقيقي للاستعمار القديم الذي يبدو أنك تحن له أنت أيضا تكفي إعادة قراءة ماركس نفسه، ورؤية تقييمه لتجربة بريطانيا في الهند ونظريته في التراكم البدائي. لقد كان من دون تردد مأساة حقيقية. ولا يخفف من شدة هذه المأساة كونها كانت في أساس تحول كبير في تاريخ الشعوب. فماذا نقول عن استنزاف الموارد الأفريقية البشرية والطبيعية، وعن حرب الأفيون الصينية، وعن الاستعمار الاستيطاني الذي أدمى شعوبا كثيرة، لا يزال نموذجه اللاإنساني قائما في فلسطين، في تحد مباشر لجميع القيم والمباديء الانسانية التي تقوم عليها ثقافة العصر.
من هنا لا اعتقد أن هناك مجالا للفصل القاطع بين حقبتين من السيطرة الاستعمارية الغليظة والناعمة، ولا من باب أولى تفضيل واحدتهما على الأخرى. جوهر الاستعمارين القديم والجديد، وما حصل ولا يزال يحصل منذ أكثر من قرنين، هو إلحاق شعوب وأمم وبلدان تضم أغلب سكان الأرض بنواة من الدول والامم التي نجحت في تحقيق سبق علمي وتقني لا مجال للشك فيه، وبالتالي تفكيك الكثير منها وفرض التبعية على البعض الآخر ومنع البعض الثالث من التقدم إلى مستوى القطب المنتج والمستقل نسبيا، حتى لا نقول الندية. وهذا التاريخ هو الذي لا نزال نعيش فيه وإن بدأت معالمه تتغير ببروز دول قوية في الصين والهند، وتقدمها ضد إرادة الدول الغربية المركزية.
والواقع أننا لا نزال نعيش في تاريخ واحد ومستمر. فحقبة الاستعمار الكلاسيكي هي التمهيد المباشر لحقبة السيطرة الامبريالية الراهنة، ولا تنفصل واحدتهما عن الأخرى. فأزمة التطور الحضاري العالمية المتجلية في تخلف القسم الاكبر من المجتمعات وتأخرها، هي الثمرة الطبيعية لهذه السيطرة التي تنتج التفاوت المتزايد في توزيع فرص التنمية والتقدم في جميع الميادين : السياسية مثل بناء الدولة الأمة، أو الاقتصادية، (نشوء السوق المستقلة التي تعني الحد الأدنى من التوازن بين العرض والطلب والانتاج والاستهلاك وبين الموارد البشرية والوسائل المادية والرأسمالية)، أو الثقافية بما تعنيه من تطور أخلاقيات وقيم مدنية مساواتية، كل ذلك وغيره كثير. فماضي الرأسمالية يفسر حاضرها أو على الأقل جزءا منه.
ولا أعتقد كذلك أن فرص التحرر من نير الاستعمار الجديد، أو السيطرة الامبريالية الراهنة، أكبر من الفرص التي أتاحها الاستعمار القديم. ولا ندري بعد على أي مبدأ يمكن أن يستند تحرر الشعوب في عصرنا الحالي بعد انحسار الفكرة الوطنية وتراجع الحمية الدينية، بالرغم من وجود جماعات تعبر بعنف متزايد عن تمردها على النظام القائم. ولعل قيمة المساواة ورفض التمييز بين البشر، أفرادا وامما، التي تكمن في صلب الفكرة الإنسانية الكونية، أو الكسموبوليتية الجديدة، هي التي ستشكل المحرك لحركات الانعتاق المقبلة التي ستكون هي أيضا ذات هوية وعقيدة وأبعاد كونية أو كوكبية. لكن لن يحصل هذا في أفق منظور أو على الأٌقل ليس في جيلنا.
10 - في فترات معينة يقع العلمانيون والتحرريون أمام خيارين أحلاهما مر ّ، هو الموقف الذي يفترض أن يتخذوه بين دعم دكتاتورية تقوم بخطوات علمانية، بما في ذلك إعطاء المرأة بعض حقوقها، وبين معارضتهم لها لانتهاكها الفظيع لحقوق الإنسان و المواطنين واحتمال وصول قوى إسلامية سياسية أشد إيلاماً للمجتمع بسبب ما تمارسه من استبداد فكري وسياسي وديني عل المجتمع ومناهضة جميع الاتجاهات الفكرية والسياسية والقوى الأخرى. ما هو الخيار الذي يمكن أن يكون صالحاً لبلداننا والخروج من النفق المظلم الذي يختنق فيه فكر الحرية والحداثة والتقدم؟
-كما ذكرت في جواب سابق، الخيار الصحيح هو الديمقراطية. وهذا يعني أولا عدم التسليم بخيارين لا ثالث لهما : الديكتاتورية "العلمانية" أو شبه العلمانية أو المتسترة بالعلمانية والحداثة، وهي مثال القرسطوية السياسية والفكرية، والدولة الكهنوتية التي يقوم على إدارتها وتوجيهها رجال يعتقدون أنهم يمثلون الله على الأرض أو أنهم مخلصون لوحيه وينفذون إرادته، سواء أكان ذلك نتيجة ايمان حقيقي أو استخدام مكيافيلي للدين. وثانيا بناء الخيار الديمقراطي، بالعمل السياسي المنظم ضد أنظمة القهر السياسية والنقاش المستمر مع قطاعات الرأي العام المختلفة، بما فيها القطاعات الاسلاموية، من أجل رفع الوصاية عن الضمير وتأكيد حرية الفرد وحقه في الاختيار ورفض مصادرة أمراء الجماعات، دينية كانت أو إتنية، إرادة الأفراد وقرارهم. وثالثا اعتبار الخيار الديمقراطي خيارا استراتيجيا وتاريخيا، مما يعني ضرورة العمل في برنامج الديمقراطية على المدى المتوسط والطويل، وعدم الاعتقاد بأن المسألة تتعلق بحسم السلطة بأي طريقة وأي ثمن، أو أن الديمقراطية تختصر في انتزاع السلطة من فئة وإعطائها لفئة أخرى. إن الديمقراطية السياسية لا تعيش من دون ثقافة ديمقراطية، ومن دون توازنات جديدة بين الدولة والمجتمع، والنخبة والشعب، وعلاقات مختلفة للأمة ككل بالمنظومة الدولية وعبرها بالأمم الأخرى. فالخيار الديمقراطي في ظروف عصرنا الراهن برنامج تاريخي يشمل مهام متعددة لا يمكن تحقيقها واستكمالها بانقلاب أو دفعة واحدة وإنما تحتاج لعمل دؤوب وطويل النفس، حتى لو أن احتمال أن تميل الكفة داخل الرأي العام لصالح الخيار الديمقراطي ليست مرتبطة بالضرورة باستكمال البرنامج الديمقراطي التاريخي أو إنجاز جميع مهامه.
لا ينبغي التردد إذن في العمل ضد نظم القهر، المتداخلة، محليا ووطنيا وإقليميا وعالميا، والتي هي مصدر جميع التشوهات النفسية والسياسية والفكرية لمجتمعاتنا. فبقدر ما يتقدم هذا العمل وتظهر في الأفق معالم الخيار الجديد، واحتمالات التغيير في هذا الاتجاه، سينقلب تدريجيا مزاج الجمهور الواسع، وينتقل قسم كبير منه إلى جبهة النضال الديمقراطي. والقصد أنه إذا كانت الديمقراطية لا تشكل قطب جذب قوي اليوم للرأي العام فلأنها لا توجد لا في الواقع ولا في النظرية كخيار ممكن، او لأن النخب الرئيسية التي يمكن المراهنة عليها من أجل التغيير الديمقراطي لا تزال عاجزة عن بلورة الديمقراطية كخبار قابل للتحقيق، وغير قادرة على صوغ البرنامج العملي الذي يعطي للعمل الديمقراطي صدقيته ويجعل منه مشروعا راهنا ومفتوحا للاستمثار من قبل جميع القوى الرافضة لنظام التحالف الثلاثي القائم أو المتضررة منه.
وإذا أردنا صياغة أكثر دقة للموقف الديمقراطي في مواجهة الخيارين القائمين قلنا، بلغة الماركسيين الكلاسيكيين، أن التناقض الرئيسي والعدائي للمشروع الديمقراطي هو مع الاستبداد ونسقه الفكري والعملي، أما التناقض مع التيارات الاسلامية المعارضة فهو تناقض يأتي في الدرجة الثانية، ولا يحتمل العداء، لأن تجاوزه شرط لتوحيد الصف الشعبي او تكوين كتلة سياسية قادرة على التغيير، وهذا التجاوز لا يتم بالمواجهة وإنما بالعمل على الرأي العام الاسلامي بما في ذلك الحركات أو التيارات الاسلاموية، من أجل كسب من يمكن كسبه للخيار الديمقراطي، وتشجيع من يمكن دفعه بشكل اكبر إلى الارتقاء بالمشروع الاسلامي إلى مستوى القبول بالتعددية والتسامح مع التيارات الأخرى، وتحييد من يمكن وينبغي تحييده من غلاة الاسلامويين المتعصبين والمعادين لروح المواطنية وفكرها.
والخطأ الذي لا يزال يقع فيه العلمانيون، أي الذين لايرون العالم والمجتمع إلا عبر أولوية العلمانية، ولا يهمهم كثيرا النظر في مشاكل السيطرة والامبريالية والصراعات الطبقية والفقر والظلم والاضطهاد، هو سكوتهم عن الاستبداد وأحيانا التغطية عليه أو تجميله خوفا من الاسلاميين. فهذا لا يعني شيئا آخر سوى انتحار التيار الديمقراطي لصالح الاستبداد من جهة ولصالح الاسلاموييين المتطرفين الذين يجدون في موقف خصومهم أفضل مصدر لشرعية دعوتهم ولمقارعة الاستبداد "الكافر" بالاسستبداد المؤمن. إن مغالبة الديمقراطيين للاسلامويين، أي تخليص الرأي العام من وهم الحلول الدينية للقضايا الاجتماعية، لا تتحقق بدعم الاستبداد الذي يفرخ الاسلاموية ويشرعن مشروعها بوصفه نقيضها ومثالها معا، وإنما بالعمل والاجتهاد لشق طريق التحول الديمقراطي والمثابرة عليه والاستثمار المتواصل فيه على الصعيد الفكري والعملي. وكما يقول المثل الصيني إن طريقا من ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. لكن المهم وضع قدمنا على أرض صلبة لنبدأ الخطو. وهو ما لم ننجح فيه بعد.
1 commentaire:
you are a great writer keep going .
Enregistrer un commentaire