تكرس منظمة الأمم المتحدة، بوجودها ومبادئها، مفهوما وهميا لنظام دولي مكون من مجموعة دول مستقلة ومتساوية وذات سيادة، تتتعاون أو تتنازع في فضاء دولي محكوم بقواعد وقوانين وشرائع وأعراف تهدف إلى أن تضمن لكل منها هويتها ومصالحها وحقوقها. والحال أن هذه صورة خادعة ومزورة لواقع السياسة الدولية لا علاقة لها بما يجري بالفعل. فالعالم يخضع لبنية سياسية واحدة تتوضع كل من الدول فيها بحسب قدراتها وإمكانياتها، ويخضع فيها الضعيف حتما للقوي والمسود للسائد، في علاقة تفاعل دائم ومتجدد. وهذا يعني أنه لا توجد هناك دولة مشابهة لدولة أخرى في درجة السيادة والاستقلال وإمكانيات النمو والتقدم. وما يوجد بالفعل هو بنية سياسية دولية تحدد مكانة الدول ومصيرها إلى حد كبير.
وإذا أردنا التبسيط قلنا على شاكلة مؤلفينا القدماء أن هناك طبقات دول كما كان هناك طبقات شعراء. فهناك ، داخل هذه البنية الدامجة للجميع في منظومة واحدة، طبقة الدول السيدة التي تتمتع بدرجة كبيرة، ولو نسبية، من االمركزية أو الاندماج الداخلي الوطني ومن السيادة، وطبقة الدول التابعة أو الناقصة السيادة والاندماج الوطني إلى حد كبير أو صغير، وهناك أخيرا طبقة من الدول الفاقدة تماما لأي درجة من تمركز السلطة (الوطنية) والسيادة . وكل من هذه الطبقات محكومة بقوانين تطورها الخاصة,لا ينبغي أن نفهم من ذلك أن طبقات الدول، المرتبطة بالمواقع التي تحتلها في فضاء النظام الدولي العام، ثابتة أوجامدة. بالعكس إنها في تحول وتبدل مستمرين، بطيء أحيانا وسريع أحيانا أخرى، على نمط التحولات التي تعرفها الخريطة الجيولوجية من تقارب القارات وابتعادها وولادة الهزات والزلازل والانهدامات وتلاشيها. وهي الظروف التي تسمح للفاعلين الواعين، أي للنخب، التي تنجح في استغلال فرص ااختلال التوازن الظرفي أو البعيد المدى، لتغيير مصير بلدانها أو تحسين مواقعها على خريطة التحولات الدولية وطبيعة اندراجها في البنية العالمية.
والمقصود أن الدولة، ليست كيانا قائما بذاته، ولا يمكن أن يفهم تحولها وتطورها بمعزل عن علاقاتها مع الدول الأخرى في إطار النظام الدولي الذي يحكم مسار الدول جميعا، بما في ذلك الدول الكبرى التي تستمد كبرها والدرجة العالية من تمركزها واندماجها الداخلي وسيادتها العالمية، من علاقتها مع من هو تحتها، أي من قدرتها على تحويل غيرها إلى أضعف منها، والحفاظ على علاقات التفوق والسيطرة بوسائل مادية ومعنوية معا. فقوة البعض هي ثمرة ضعف البعض الآخر. والصراع على الاحتفاظ بالسيطرة أو على مواقع السيطرة هو الدافع للاستثمار في التفوق المادي والتقني والعلمي معا بين الدول.وتترتب على هذه الفرضية التي ترى في الدولة جزءا من بنية دولية بالأساس حتى في ما يتعلق بوجودها، لا تجسيدا مباشرا لإرادة شعبية ، ولا تعبيرا عن خصائص أو إمكانيات المجتمعات المدنية أو الثقافات المحلية، نتائج عديدة. أولها وأهمها أن الدول، بعكس ما تشيعه النظرية السياسية السائدة، لا يمكن أن تتطور بطريقة واحدة، ولا تنطوي بنياتها أو أنماط بنياتها الخاصة جميعا على بذور التطور ذاته وفي مقدمه فرص تكوين أمة. وثانيها أن الدول ليست إلا جزئيا، وفي البلاد الكبرى ذات الاستقلالية الواسعة، تعبير عن إرادة سكانها وتحقيقا لتوازنات داخلية، أما في معظم أصقاع الأرض فهي تابعة في تطورها وفرص نضجها وتحقق مفهومها لإرادة الدول الكبرى ، وهي أحيانا ليست إلا أداة خارجية، تستخدمها هذه الدول ، بصورة غير مباشرة، من خلال التفاهم مع النخب المحلية، لكن أحيانا بصورة مباشرة، من دون تفاهم لتحقيق أغراضها. بينما لا تملك القدرة على التحول إلى ديمقراطية حقيقية إلا تلك الدول التي تتمتع بقسط كبير من السيادة يعطي لإرادة شعبها المشتركة الأثر الأكبر في تحديد سياساتها الداخلية.
وثالثها وجود تناقض بنيوي بين منطق اشتغال الدولة ومنطق اشتغال المجتمع، وهو ما تعبر عنه النظرية السياسية بالتمييز بين "ريزون ديتا" (منطق الدولة)، الذي تضعه دائما في موقع الأسبقية لكونه مرتبط بمتطلبات الحفاظ على وجود الدولة ذاته، وإرادة الأمة وحرياتها التي هي مصدر شرعية الدولة. وهذا التناقض، الذي يزداد أو ينقص حسب الطبقة التي تنتمي لها الدولة، إلى أن يبلغ أقصاه في البلدان الضعيفة التابعة ويحرم الدولة نفسها من الوجود كدولة أمة ويحولها إلى وكالة خصوصية للنظام العالمي، أو يقضي عليها تماما بسبب الفوضى والنزاعات الدائمة وعدم الاستقرار، هو الذي يفسر ما نعرفه من علاقات عداء وتناقض صارخ أحيانا، في بعض الدول التابعة الصغيرة، بين الحكومات والنخب السائدة التي تعرف أنها لا تضمن مصالحها إلا بالتفاهم مع الدول الكبرى المسيطرة من جهة، والشعوب التي تنزع، من منطق الحرية والاستقلال والسيادة الذي يقوم عليه رسميا النظام العالمي للدولة، إلى تعريف مصالحها الوطنية، بصرف النظر عن ضغط العلاقات الدولية ومحتواها. حتى لتبدو أغلب حكومات البلدان الصغيرة في نظر شعوبها حكومات أجنبية أو "خائنة"، وهي تتردد بالفعل بين موقف التبعية والالتحاق، أو كما نقول اليوم الاعتدال، لتضمن دعم الدول الكبرى، وموقف التمرد ورد الفعل الذي ينطوي عليه النزوع المبالغ فيه للاستقلال وتأكيد السيادة المستحيلة. ويسرى هذا الوضع اليوم جزئيا على بعض الحكومات الاوروبية الوطنية التي تحتاج كي يستقيم أمرها أن توفق بين الإرادة الشعبية الداخلية وحاجات الاندماج أو الاتساق الأوروبي على مستوى سلطة القرار الاتحادية التي يحركها منطق مستقل عن منطق المصالح الوطنية الخاصة بالاعضاء المكونة لها.قد تنجح بعض الدول في انتزاع قسط كبير من السيادة والاستقلال في حقبة ما نتيجة اضطراب يحصل في علاقات القوة داخل النظام العالمي للدول، كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب النكسة التي شهدتها السيطرة الغربية، والأوروبية خصوصا، بعد الدمار الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية، ومن قبلها الحرب العالمية الأولى، والنزاعات العنيفة التي احتلت النصف الأول من القرن العشرين بين الدول الكبرى. لكن سرعان ما نجحت الدول المسيطرة بنيويا، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في امتصاص هامش المبادرة الذي منحته الثورات الوطنية وحركات التحرر من الاستعمار للشعوب والدول الجديدة. وما لبثت بعد زوال الحرب الباردة، وانهيار القوة المناوئة للنظام، حتى أعادت سيطرتها الكاملة، الاقتصادية والسياسية والثقافية على هذه الشعوب، لدرجة زالت فيها من الوجود أو تكاد حركة عدم الانحياز التي كانت تجمع بينها خلال حقبة الاستقلالات القصيرة التي ستبدو في ما بعد وكانها بالفعل حقبة استثنائية مسروقة من التاريخ لا جزءا لا يتجزأ منه.
وفي منطقتنا بدأت الدولة، بوصفها عنصرا في منظومة دولية، تنمي هذا التعارض بين منطق السيادة الشعبية والسيادة الدولية منذ الاستقلال، بل حتى في عصر الوصاية الأجنبية، بالرغم من خضوعها في تلك الحقبة لنظم تعددية ودستورية انتخابية. وهذا هو الذي يفسر الانقلابات الداخلية التي عرفتها هذه الدول والنزاع الذي ميز علاقات النخب المحلية في ما بينها. وكان له دور كبير في إضعاف شرعية النظم الليبرالية نفسها.
بيد أن مقدرة الدولة على مقاومة الإرادة الشعبية وتجاوز النزاعات الداخلية بين النخب السائدة سوف تتضاعف مرات عندما ستتخلص هذه الدولة من النظم والتقاليد التعددية الدستورية، وتفرض نظام الحزب الواحد. ففي مثل هذه الحالة سوف تتحول الدولة إلى لاعب مستقل تماما عن المجتمع، وتدخل مباشرة في لعبة النظام العالمي للدول. وستصبح وظيفتها الرئيسية إخضاع شعوبها بالقوة والعنف لصالح أجندة عالمية، وبالتالي السعي إلى التفاهم مع الدول الكبرى بدل العمل على اكتساب الشعبية من أجل الحفاظ على الوضع القائم وضمان استقرار النظام واستمرار النخب الحاكمة في السلطة والحكم. وسيتسع هامش مبادرة النخب الحاكمة في مواجهة شعوبها بمقدار كسبها التأييد من الخارج وتحسين علاقاتها به وتقاسم المنافع معه. ولن يخفف من ذلك تبني النخب عقائديات اشتراكية أو قومية، بل سوف يعززه بقدر ما يموه منطق العلاقة الجديدة ويبرر الانفراد بالسلطة والقرار.
تشكل الدولة إذن جزءا من بنية سياسية عالمية واحدة، هي التي تحدد طبقتها بين الدول، وتخضعها، بوصفها عضوا في منظومة دولية متفاعلة ومتضامنة، لقواعد عمل لا تستطيع أن تتجاوزها، وإذا تجاوزتها دخلت في منطق العصيان، وألبت ضدها النظام الدولي بأكمله، وعلى رأسه الدول الكبرى المسيطرة لتي تسهر عليه، وتدافع عنه دفاعا عن مكانتها وموقعها وامتيازاتها.
وإذا أردنا التبسيط قلنا على شاكلة مؤلفينا القدماء أن هناك طبقات دول كما كان هناك طبقات شعراء. فهناك ، داخل هذه البنية الدامجة للجميع في منظومة واحدة، طبقة الدول السيدة التي تتمتع بدرجة كبيرة، ولو نسبية، من االمركزية أو الاندماج الداخلي الوطني ومن السيادة، وطبقة الدول التابعة أو الناقصة السيادة والاندماج الوطني إلى حد كبير أو صغير، وهناك أخيرا طبقة من الدول الفاقدة تماما لأي درجة من تمركز السلطة (الوطنية) والسيادة . وكل من هذه الطبقات محكومة بقوانين تطورها الخاصة,لا ينبغي أن نفهم من ذلك أن طبقات الدول، المرتبطة بالمواقع التي تحتلها في فضاء النظام الدولي العام، ثابتة أوجامدة. بالعكس إنها في تحول وتبدل مستمرين، بطيء أحيانا وسريع أحيانا أخرى، على نمط التحولات التي تعرفها الخريطة الجيولوجية من تقارب القارات وابتعادها وولادة الهزات والزلازل والانهدامات وتلاشيها. وهي الظروف التي تسمح للفاعلين الواعين، أي للنخب، التي تنجح في استغلال فرص ااختلال التوازن الظرفي أو البعيد المدى، لتغيير مصير بلدانها أو تحسين مواقعها على خريطة التحولات الدولية وطبيعة اندراجها في البنية العالمية.
والمقصود أن الدولة، ليست كيانا قائما بذاته، ولا يمكن أن يفهم تحولها وتطورها بمعزل عن علاقاتها مع الدول الأخرى في إطار النظام الدولي الذي يحكم مسار الدول جميعا، بما في ذلك الدول الكبرى التي تستمد كبرها والدرجة العالية من تمركزها واندماجها الداخلي وسيادتها العالمية، من علاقتها مع من هو تحتها، أي من قدرتها على تحويل غيرها إلى أضعف منها، والحفاظ على علاقات التفوق والسيطرة بوسائل مادية ومعنوية معا. فقوة البعض هي ثمرة ضعف البعض الآخر. والصراع على الاحتفاظ بالسيطرة أو على مواقع السيطرة هو الدافع للاستثمار في التفوق المادي والتقني والعلمي معا بين الدول.وتترتب على هذه الفرضية التي ترى في الدولة جزءا من بنية دولية بالأساس حتى في ما يتعلق بوجودها، لا تجسيدا مباشرا لإرادة شعبية ، ولا تعبيرا عن خصائص أو إمكانيات المجتمعات المدنية أو الثقافات المحلية، نتائج عديدة. أولها وأهمها أن الدول، بعكس ما تشيعه النظرية السياسية السائدة، لا يمكن أن تتطور بطريقة واحدة، ولا تنطوي بنياتها أو أنماط بنياتها الخاصة جميعا على بذور التطور ذاته وفي مقدمه فرص تكوين أمة. وثانيها أن الدول ليست إلا جزئيا، وفي البلاد الكبرى ذات الاستقلالية الواسعة، تعبير عن إرادة سكانها وتحقيقا لتوازنات داخلية، أما في معظم أصقاع الأرض فهي تابعة في تطورها وفرص نضجها وتحقق مفهومها لإرادة الدول الكبرى ، وهي أحيانا ليست إلا أداة خارجية، تستخدمها هذه الدول ، بصورة غير مباشرة، من خلال التفاهم مع النخب المحلية، لكن أحيانا بصورة مباشرة، من دون تفاهم لتحقيق أغراضها. بينما لا تملك القدرة على التحول إلى ديمقراطية حقيقية إلا تلك الدول التي تتمتع بقسط كبير من السيادة يعطي لإرادة شعبها المشتركة الأثر الأكبر في تحديد سياساتها الداخلية.
وثالثها وجود تناقض بنيوي بين منطق اشتغال الدولة ومنطق اشتغال المجتمع، وهو ما تعبر عنه النظرية السياسية بالتمييز بين "ريزون ديتا" (منطق الدولة)، الذي تضعه دائما في موقع الأسبقية لكونه مرتبط بمتطلبات الحفاظ على وجود الدولة ذاته، وإرادة الأمة وحرياتها التي هي مصدر شرعية الدولة. وهذا التناقض، الذي يزداد أو ينقص حسب الطبقة التي تنتمي لها الدولة، إلى أن يبلغ أقصاه في البلدان الضعيفة التابعة ويحرم الدولة نفسها من الوجود كدولة أمة ويحولها إلى وكالة خصوصية للنظام العالمي، أو يقضي عليها تماما بسبب الفوضى والنزاعات الدائمة وعدم الاستقرار، هو الذي يفسر ما نعرفه من علاقات عداء وتناقض صارخ أحيانا، في بعض الدول التابعة الصغيرة، بين الحكومات والنخب السائدة التي تعرف أنها لا تضمن مصالحها إلا بالتفاهم مع الدول الكبرى المسيطرة من جهة، والشعوب التي تنزع، من منطق الحرية والاستقلال والسيادة الذي يقوم عليه رسميا النظام العالمي للدولة، إلى تعريف مصالحها الوطنية، بصرف النظر عن ضغط العلاقات الدولية ومحتواها. حتى لتبدو أغلب حكومات البلدان الصغيرة في نظر شعوبها حكومات أجنبية أو "خائنة"، وهي تتردد بالفعل بين موقف التبعية والالتحاق، أو كما نقول اليوم الاعتدال، لتضمن دعم الدول الكبرى، وموقف التمرد ورد الفعل الذي ينطوي عليه النزوع المبالغ فيه للاستقلال وتأكيد السيادة المستحيلة. ويسرى هذا الوضع اليوم جزئيا على بعض الحكومات الاوروبية الوطنية التي تحتاج كي يستقيم أمرها أن توفق بين الإرادة الشعبية الداخلية وحاجات الاندماج أو الاتساق الأوروبي على مستوى سلطة القرار الاتحادية التي يحركها منطق مستقل عن منطق المصالح الوطنية الخاصة بالاعضاء المكونة لها.قد تنجح بعض الدول في انتزاع قسط كبير من السيادة والاستقلال في حقبة ما نتيجة اضطراب يحصل في علاقات القوة داخل النظام العالمي للدول، كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب النكسة التي شهدتها السيطرة الغربية، والأوروبية خصوصا، بعد الدمار الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية، ومن قبلها الحرب العالمية الأولى، والنزاعات العنيفة التي احتلت النصف الأول من القرن العشرين بين الدول الكبرى. لكن سرعان ما نجحت الدول المسيطرة بنيويا، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في امتصاص هامش المبادرة الذي منحته الثورات الوطنية وحركات التحرر من الاستعمار للشعوب والدول الجديدة. وما لبثت بعد زوال الحرب الباردة، وانهيار القوة المناوئة للنظام، حتى أعادت سيطرتها الكاملة، الاقتصادية والسياسية والثقافية على هذه الشعوب، لدرجة زالت فيها من الوجود أو تكاد حركة عدم الانحياز التي كانت تجمع بينها خلال حقبة الاستقلالات القصيرة التي ستبدو في ما بعد وكانها بالفعل حقبة استثنائية مسروقة من التاريخ لا جزءا لا يتجزأ منه.
وفي منطقتنا بدأت الدولة، بوصفها عنصرا في منظومة دولية، تنمي هذا التعارض بين منطق السيادة الشعبية والسيادة الدولية منذ الاستقلال، بل حتى في عصر الوصاية الأجنبية، بالرغم من خضوعها في تلك الحقبة لنظم تعددية ودستورية انتخابية. وهذا هو الذي يفسر الانقلابات الداخلية التي عرفتها هذه الدول والنزاع الذي ميز علاقات النخب المحلية في ما بينها. وكان له دور كبير في إضعاف شرعية النظم الليبرالية نفسها.
بيد أن مقدرة الدولة على مقاومة الإرادة الشعبية وتجاوز النزاعات الداخلية بين النخب السائدة سوف تتضاعف مرات عندما ستتخلص هذه الدولة من النظم والتقاليد التعددية الدستورية، وتفرض نظام الحزب الواحد. ففي مثل هذه الحالة سوف تتحول الدولة إلى لاعب مستقل تماما عن المجتمع، وتدخل مباشرة في لعبة النظام العالمي للدول. وستصبح وظيفتها الرئيسية إخضاع شعوبها بالقوة والعنف لصالح أجندة عالمية، وبالتالي السعي إلى التفاهم مع الدول الكبرى بدل العمل على اكتساب الشعبية من أجل الحفاظ على الوضع القائم وضمان استقرار النظام واستمرار النخب الحاكمة في السلطة والحكم. وسيتسع هامش مبادرة النخب الحاكمة في مواجهة شعوبها بمقدار كسبها التأييد من الخارج وتحسين علاقاتها به وتقاسم المنافع معه. ولن يخفف من ذلك تبني النخب عقائديات اشتراكية أو قومية، بل سوف يعززه بقدر ما يموه منطق العلاقة الجديدة ويبرر الانفراد بالسلطة والقرار.
تشكل الدولة إذن جزءا من بنية سياسية عالمية واحدة، هي التي تحدد طبقتها بين الدول، وتخضعها، بوصفها عضوا في منظومة دولية متفاعلة ومتضامنة، لقواعد عمل لا تستطيع أن تتجاوزها، وإذا تجاوزتها دخلت في منطق العصيان، وألبت ضدها النظام الدولي بأكمله، وعلى رأسه الدول الكبرى المسيطرة لتي تسهر عليه، وتدافع عنه دفاعا عن مكانتها وموقعها وامتيازاتها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire