http://sdsc.org/wp-content/pdf%20files/third-stratigy-report.pdf
المركز السوري لدعم القرار
حل
تفاوضي أم حرب استنزاف طويلة
إعداد مجموعة من الباحثين تحت إشراف د برهان
غليون
أولاً:
المشهد
السياسي:
انتخابات
رئاسية خارج سياق الحل
شهدت القضية
السورية في الشهر الماضي تسارعا ملفتا
للأحداث على المستويين السياسي والعسكري
شاركت فيه كل الأطراف المنخرطة في الصراع.
وبرز دور
ايران الرئيسي فيه كما لم يظهر من قبل.
فبموازاة
مضاعفتها دعمها العسكري للنظام، لم تكف
ايران، على لسان مسؤوليها العسكريين
والسياسيين، عن تأكيد دورها الحاسم في
الحرب، ومسؤوليتها عن صمود النظام
وبقائه، لدرجة أثارت فيها ردود فعل
داخل دائرة قرار النظام الضيقة .
وبالمقابل
شهد الموقف الأمريكي والعربي تطورا ملفتا
على مستويين، مستوى تجاوز الخلافات
والتوافق على التنسيق والعمل الجماعي
بين جميع الأطراف المساهمة في دعم النشاط
العسكري لقوى الثورة، ومستوى الخطط
السياسية والعسكرية التي تهدف إلى مواجهة
نتائج إجهاض النظام مشروع المفاوضات
التي لم يتسن لها التقدم في جنيف، وتصميمه
على الحسم العسكري وتحدي قرارات الأمم
المتحدة، وبشكل خاص القرار ٢١٣٩ المتعلق
بمواجهة الكارثة الانسانية وتقديم الدعم
للمعوزين ووقف حملة البراميل المتفجرة
ضد المدنيين.
ولعل أهم ما
جسد هذا التطور تجديد الاعتراف بالائتلاف
الوطني كممثل شرعي للشعب السوري، والسماح
له بفتح سفارات وممثليات في عاصمة الولايات
المتحدة وغيرها من عواصم «تجمع
دول أصدقاء الشعب السوري»،
وتأكيد واشنطن وبلدان أخرى عديدة زيادة
مساعداتها العسكرية للثوار، وأخيرا
تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن لدفع الملف
السوري لانتهاكات حقوق الانسان إلى
محكمة الجنايات الدولية.
ولا ينفي وضع
موسكو والصين الفيتو على هذا القرار هذا
التطور الايجابي لصالح قضية الشعب السوري.
أمام هذه
التحولات زاد النظام السوري والميليشيات
التابعة لايران، وعلى رأسها ميليشيات
حزب الله الذين يشعرون الآن جميعا أنهم
في سباق مع الزمن، من ضغطهم العسكري على
مواقع الثوار، ومن استخدام الهجمات الجوية
وتدمير الأحياء والقرى بالبراميل المتفجرة،
أملا باستعادة السيطرة على المنطقة
الحيوية أو المركزية من البلاد، ووضع
الأطراف الدولية والسورية الأخرى أمام
الأمر الواقع.
كما كثفت هذه
القوى من جهودها الرامية إلى استعادة
المبادرة السياسية أو التظاهر باستعادتها،
مثل السعي لتوسيع دائرة توقيع الهدن
والتسويات المحلية مع مقاتلين تم حصارهم
وعزلهم خلال السنتين الماضييتين وحرمانهم
من كل وسائل الحياة.
ويدخل في
دائرة تكثيف الضغوط على المقاتلين
والمدنيين السوريين توسيع دائرة تدمير
المدن والاستخدام المتجدد للاسلحة
الكيماوية كالكلور وغيره من الغازات
السامة التي اضطرت بعثة تدمير الأسلحة
الكيماوية السورية إلى إرسال بعثة خاصة
لتقصي الحقائق عنها.
• الانتخابات
الرئاسية ورقة في المفاوضات
لكن أبرز
ما قام به النظام خلال هذه الفترة في هذا
السياق تنظيم الانتخابات الرئاسية في
موعدها في ٣ حزيران/
يونيو، من
أجل إعادة انتخاب بشار الأسد لولاية
ثالثة، على أمل إعادة تأهيله سياسيا
كزعيم منتصر، بالرغم من كل ما شهدته
البلاد، خلال ولايته الثانية، من دمار
وخراب، ومن الكارثة الانسانية التي لا
يمكن فصلها عن إصرار رجال النظام على
البقاء في السلطة وتهربهم من أي مفاوضات
جدية مع المعارضة للتوصل إلى تسوية من
أجل مرحلة انتقالية تلبي مطالب حركة
الاحتجاج الشعبية.
أه
فري من الباحثين السوريين تحت إشراف
الدكتور برهان غليون
وبالرغم من
الانتقادات الشديدة التي وجهتها الأمم
المتحدة والعديد من الدول لانتخابات
أجريت في ظروف استثنائية وقصف بالبراميل
المتفجرة وجبهات مفتوحة في معظم مناطق
سورية، يعتقد النظام أنه قد كسب بتنظيمها
مواقع سياسية تمكنه من فرض الحل الذي
يريده، ومعه حليفته الرئيسية ايران،
ولم يبق للمعارضة خيارا آخر سوى الانضواء
تحت راية النظام من جديد والمشاركة
في حكومة إئتلافية تسيطر عليها النخبة
العسكرية والأمنية التابعة سيطرة شبه كاملة. كما
أشارت التصريحات الكثيرة التي أعقبت
تنظيم هذه الانتخابات وفي مقدمها تصريحات
الامين العام للامم المتحدة والمبعوث
السابق الدولي العربية الاخضر الابراهيمي
قضت هذه الانتخابات على اي أمل لإعادة
فتح المفاوضات على الحل السياسي.
وهذا كان
هدفها ايضا كما يشير إلى ذلك تصريح الأسد
نفسه وحليفه زعيم حزب الله الذين قالا
أن جنيف ١وجنيف٢ لم
يعد لهما وجود، وصارا من الماضي.
لكن من غير
المحتمل أن يتحقق نتيجة هذه الانتخابات
ما يطمح إليه النظام السوري، طالما أن
المعارضة ترفض التفاوض خارج إطار اتفاق
مباديء جنيف، وأنها لا تزال تحظى، وربما
أكثر من أي وقت آخر، بالدعم العسكري
والسياسي اللازمين لتغيير حسابات النظام
وإجباره على العودة عن سياسة فرض الأمر
الواقع بقوة السلاح.
مما يعني أن
الانتخابات الوحيدة الجانب بدل أن تساعد
النظام على فرض أجندته للحل السياسي
وضعته في طريق مسدود وأثارت ضده الدول
العديدة التي كانت تراهن على حل تفاوضي
يجنب سورية والمنطقة المزيد من التدهور
الأمني والسياسي.
ولن تفيده في
تجنب ذلك نداءات طهران وموسكو ودعواتهما
المعارضة والدول الصديقة إلى العودة
السريعة إلى طاولة المفاوضات على شروطهما
الخاصة ولتثبت مكاسب النظام العسكرية
والسياسية.
ربما يكون
المستفيد الوحيد من هذا التصعيد السياسي
الذي قام به نظام الاسد هو طهران التي
تعتقد أن نجاحها في فرض بشار الأسد من
خلال انتخابات رئاسية، مهما كانت صفتها،
لسنوات سبع قادمة، أكد أنها قادرة على
فرض إرادتها وتوجيه الأحداث في الاتجاه
الذي يخدم رؤيتها ومصالحها.
وهذه بداية
قوية للتقدم إلى الصفوف الامامية والتخلي
عن مظاهر الدولة الداعمة للنظام السوري
للعمل على مسرح الاحداث السياسية وربما
العسكرية، من منطلق الشراكة الكاملة في
النزاع، على قدم المساواة مع الاطراف
الإقليمية والدولية الأخرى، مما يؤهلها
لأن تكون طرفا رئيسيا في أي مفاوضات
قادمة حول مصير الدولة السورية.
فبموازاة
التقدم على مفاوضات الملف النووي مع الدول
الغربية، تشعر ايران أن مفاوضات التسوية
السورية قادمة، وأن من مصلحتها أن تتخلى
عن موقف المكوث في الظل، وأن تؤكد قدرتها
على لعب دور حاسم فيها، وربما تطمح بأن
تكون هي الماسكة لزمام التفاوض على مستقبل
سورية ومستقبل النظام معا، بدل أن تترك
النظام يستخدم دعمها كورقة في مفاوضات
تتعلق بمصير نظامها ومستقبله بالدرجة
الأولى.
ولا
يخفي السياسيون والعسكريون الايرانيون
اليوم، ومنذ أشهر، دورهم الأساسي في
الحرب، وتهديدات مسؤوليهم بتدريب وارسال
المزيد من الميليشيات التابعة لهم.
لكنهم يسعون
اليوم بشكل أكبر إلى تأكيد حضورهم
السياسي أيضا سواء في عقد الهدن المحلية
بين المقاتلين والنظام أو في المفاوضات
الاقليمية المرتقبة التي يدعون إليها.
في هذا الإطار
من الملفت أن توقيع الهدنة التي أدت
إلى خروج المقاتلين من حمص القديمة
المحاصرة بأسلحتهم نحو الريف الشمالي
للمدينة، كان تحت إشراف مبعوث ايراني
هو الذي حسم النقاش بعد أن كانت الخلافات
بين اجنحة النظام العسكرية وميليشياتها
قد عطلت عقدها لأشهر عديدة.
ويسعى
الايرانيون إلى تكرار الأمر نفسه في
الهدنة المنتظرة في حمص الجديدة المسماة
الوعر، حيث يحاول المبعوث الايراني أن
يفرض نفسه وسيطا بين النظام والمقاتلين
ويمهد لفتح مكتب خاص به في المدينة لمتابعة
تطور الوضع.
أما على
المستوى الاقليمي فقد ظهر تطلع ايران
لتأكيد حضورها بصورة أوضح بعد إطلاق
سلسلة المفاوضات مع الدول الخليجية،
وبشكل خاص المفاوضات التي تزمع إجراءها
مع المملكة العربية السعودية في القريب.
• التصعيد
العسكري بانتظار المفاوضات :
لا يعبر
تقدم ايران إلى الواجهة في الصراع السوري،
وسعيها إلى انتزاع المبادرة في المفاوضات
الاقليمية حول سورية، عن واقع توزع القوى
الفعلي على الأرض، والذي تشارك ايران فيه
بشكل أكبر من كل القوى الأخرى فحسب،
وإنما هو يستجيب أكثر لمصالح ايران
نفسها التي تشكل سيطرتها على سورية ورقة
تحاول الاستفادة منها إلى أقصى حد في
مفاوضاتها المصيرية مع الغرب.
وهي تدرك، مع
تدهور الوضع العسكري والامني في العراق
بعد سورية
وفي عموم المنطقة، أن بإمكانها الانتقال
من مفاوضات جزئية على الملف النووي نحو
مفاوضات شاملة تضم سورية وغيرها من الملفات
المفتوحة في المنطقة بهدف الخروج بصفقة
شاملة يعترف الغرب بموجبها لطهران بدورها
المتقدم والأول في إدارة
المنطقة والهيمنة عليها.
وهو ما لا
يخفيه الساسة الايرانيون في أحاديثهم
مع الأطراف الأخرى.
وفي ما يتعلق
بسورية، تشعر القيادة الايرانية بأنها
حققت أقصى ما يمكن تحقيقه في الميدان
العسكري والسياسي، وأن من مصلحتها فتح
المفاوضات الآن حول سورية لتكريس انتصارها
واستباق الهجوم المعاكس التي تعد له قوى
المقاومة والمعارضة بعد أن تلقت وعودا
قوية بتغيير ميزان القوى على الأرض.
ويامل نظام
الخامنئي أيضا أن يتم التوصل إلى
اتفاق مع الغرب يضمن الاعتراف له بأسبقية
دوره في سورية ما بعد الأسد، وقطع الطريق
على مخاطر تحول الحرب في سورية إلى حرب
استنزاف طويلة، هو ما يخبؤه الغرب لطهران
في سورية لتقويض قدراتها وإضعاف دورها
في المنطقة.
هذا ينذر بأن
نشهد مرحلة يتنافس فيها التصعيد الخطير
في العنف بهدف تغيير ميزان القوى أو
تكريس المكاسب لهذا الطرف أو ذاك من جهة،
والتسابق على إطلاق مبادرات التفاوض
حول التوصل
إلى حل سياسي، وبالتالي تفاقم مأساة
المدنيين الذين كانوا وسيبقون الضحية
الرئيسية للتصعيد السياسي والعسكري
معا. ومنذ
الآن تتداول الأوساط الدبلوماسية مقترحات
لايران تقبل فيها التضحية بالأسد مقابل
الحفاظ على بنية الجيش وأجهزة الأمن
وسيطرة أنصارها عليها.
لكن هذه
المقترحات لا تزال بعيدة جدا عن أن تشكل
أرضية لمفاوضات جدية.
ومن المستبعد
أن يقبل، حتى السوريون الذين يوصفون
بالاعتدال من بين اطراف المعارضة السياسية،
بمثل هذه المبادرات التي يرى فيها الكثيرون
إرادة طهران في تكريس نوع من الوصاية
الايرانية على مستقبل ومصير البلاد.
ومن الصعب
كذلك أن تقبل الدول العربية مثل هذه
النتيجة للحرب السورية، وأن تشرعن
الهيمنة الاقليمية الايرانية، وتنهي
عقودا طويلة من مساعيها لتعزيز أمنها
القومي ضد ما تعتبره السياسة التوسعية
الايرانية في الخليج والمشرق العربي
عموما .
إذا
فشلت المساعي الكثيرة الراهنة في جر ايران
إلى مفاوضات جدية حول سورية، واصرت طهران
على عروضها المذلة للعرب والسوريين،
ستتجه الأمور على الأغلب نحو حرب استنزاف
طويلة يراهن فيها الغربيون على الوقت
لتقويض أسس الجمهورية الخمينية وزعزعة
أركانها.
ولا تحتاج من
أجل ذلك سوى إلى تقديم الدعم العسكري
للمعارضة للحفاظ على توازن للقوى يمنع
أيا من الطرفين من تحقيق نصر حاسم على
الطرف الآخر، وتلقي على عاتق السوريين
والميليشيات التابعة
لايران حمل العبء الأكبر من الحرب.
لا يخفي
الايرانيون خوفهم من التورط في ما يمكن
أن نسميه فيتنام ايرانية مهلكة في سورية،
لكنهم، بعد كل ما استثمروه في الحرب
السورية، يبدون واثقين من حقهم في تكريس
مكتسباتهم العسكرية وشرعنتها.
وهم يراهنون
في تحقيق ذلك على قوى الحرس الثوري الايراني
التي تمرست في الصراع وخوض الحروب بالوكالة،
وقدرتهم المالية المرتبطة بتصدير النفط،
ودعم روسية والصين، ونفوذهم الواسع في
الاوساط الدينية الشيعية، وانصياع الشعب
الايراني بعد أن انعدمت خياراته السياسية
على إثر إخماد الثورة الخضراء عام ٢٠٠٩.
ولعلهم
يراهنون، بشكل خاص، لصرف النظر عن التكاليف
الانسانية والمادية والسياسية التي تصبح
أقل فأقل احتمالا على ايران والشعب
الايراني وشعوب المنطقة بأكملها، وفي
مقدمها الطوائف التي تدعي طهران حمايتها،
على التعبئة الايديولوجية لميليشياتهم
المتعددة الجنسيات، وإحياء ذاكرة التجارب
السلبية الماضية وعلاقات ايران المعقدة
والمتوترة مع الغرب منذ السنوات الأولى
للثورة الخمينية.
وهم يعتقدون
أن بإمكانهم، من خلال الشحذ المزدوج
للوعي القومي والديني المكلوم، أن
يتغلبوا على نقص الموارد المتفاقم في
جميع الميادين الأخرى، إذا اضطروا إلى
الاستمرار في الحرب.
ولعل ما يشجعهم
على ذلك شعورهم بالموقف المتردد للغرب
والولايات المتحدة بشكل خاص.
الخوف من
حرب استنزاف طويلة :
لكن لن يكون
لدى ايران القدرة على تموين حرب استنزاف
طويلة المدى لا تكاد تكلف الغرب شيئا
سوى تسليح المعارضة وتدريبها.
ولن يقود طريق
المراهنة على القوة لتركيع الغرب إلى
أي مكان، سوى إلى المزيد من الضحايا
السوريين والعراقيين
واللبنانيين والايرانيين.
ويكفي أن
نشير إلى التكاليف العالية لسياسة ايران
الخارجية.
فقد انفقت
ايران منذ بداية حكمها الجمهوري على
امتلاك القنبلة النووية أكثر من مئة
مليار دولار.
وإذا أضفنا
ما أنفقته ايران على الحرب العراقية،
والحروب العديدة التي خاضتها في لبنان
وعلى حدود اسرائيل، إلى ما تنفقه للحفاظ
على نظام الاسد التابع لها في سورية، ثم
إلى مصاريف الحرب الدائرة ضد ثورة
السوريين منذ ثلاث سنوات، والتي تتجاوز
عشرات المليارات من الدولارات بالتأكيد،
بالاضافة إلى تكلفة تشكيل الميليشيات
اللبنانية والعراقية وتسليحها، وشراء
السلاح للنظام وتمويل الاقتصاد السوري
المتهاوي بسبب ظروف الحرب، ودفع مرتبات
موظفي حكومة الأسد خلال أكثر من سنتين،
أدركنا حجم الخسائر التي تتكبدها ايران
لتاكيد هيمنتها الإقليمية، وما يمكن أن
يكون لسياسة حرب الاستنزاف من عواقب وخيمة
على الأوضاع الاجتماعية للشعب الايراني
الذي شهد تراجعا مضطردا في مستوى معيشة
الأغلبية الساحقة منه خلال العقود الماضية.
لهذه الاسباب
ستتردد طهران كثيرا على الأغلب قبل أن
ترمي بنفسها في فخ حرب استنزاف غير مضمونة
النتائج، لا تستطيع الانسحاب منها من
دون خسائر معنوية كبيرة، ولا تستطيع
الاستمرار فيها من دون تضحيات ستصبح أكثر
فأكثر صعبة الاحتمال، خاصة وأن ربح
الحرب سيكون مستحيلا ولن يكون له معنى
عندما تتحول البلاد برمتها إلى خرائب
محزنة ويتهجر أغلب شعبها ويقضي في القتال
خيرة أبنائها وشبابها.
ولن تستطيع
طهران مهما فعلت، أن تتجاهل ما يمكن أن
يقود إليه إصرارها على كسر إرادة
السوريين لفرض اختيارها عليهم، من أزمة
خطيرة في العلاقات بين الطوائف الاسلامية
وعلى صورة الاسلام نفسه على مستوى الشرق
الأوسط والعالم.
ايران بلد
قوي ومهم في منطقة الشرق الأوسط أظهرت
نخبته الدينية الحاكمة قدرة لا يستهان
بها على المناورة الإقليمة والدولية،
وبرهن شعبها على قدرة على الصبر لا تجارى.
لكن هذا لا
يكفي لتغيير مجرى التاريخ وقهر إرادة
شعب قرر التحرر والانعتاق.
يكفي أن نذكر
القادة الايرانيين في هذا المجال بمثال
الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة
الأعظم عسكريا واقتصاديا ونفوذا سياسيا،
وما تعرضت له من كوارث في فيتنام، بصرف
النظر عن قدراتها العسكرية والتقنية،
واستخدامها أكثر الاسلحة تطورا في مواجهة
شعب لا يملك إلا قدميه ويديه وبعض الاسلحة
الخفيفة.
وهناك أيضا
مثال روسية التي فقدت في حرب الأفغانستان
امبرطوريتها مجسدة بانهيار الاتحاد
السوفييتي، واضطرارها، وهي ثاني أكبر
قوة عسكرية في العالم، إلى الانسحاب
المذل لصالح جماعات المجاهدين وميليشيات
محدودة التدريب والتسليح من طلبة العلوم
الدينية. لكن
مثال أفريقيا الجنوبية التي شهدت انهيار
اعتى نظام تمييز عنصري بعد خمسة قرون من
السلطة البيضاء الصافية هو من دون شك
الأكثر سطوعا على هذه الحقيقية الأبدية
وهي أنه لا يمكن لأي دولة أن تفرض
إرادتها على شعب قرر التحرر والاستقلال.
ثانيا:
المشهد
الاقليمي و الدولي عشية «مسرحية»
الانتخابات
حدثت
«الانتخابات»
الرئاسية
السورية دون تبعات إضافية على الصعيد
الخارجي، إذ ظلت القوى الدولية على
اختلافها تتحدث عن استحالة الحسم و ضرورة
الحل السياسي دون أن تحدد كيف و متى و
بأي آليات يمكن التوصل اليه.
و على العموم
فقد جاءت ردود الفعل الدولية على اجراء
الانتخابات الرئاسية متطابقة مع الانقسام
الحاصل حول الازمة منذ بدايتها، ففي حين
أعلن حلفاء النظام -
ايران روسيا
التي ساءت علاقاتها مع الغرب على خلفية
الازمة الاوكرانية – عن دعمهم اجراء
الانتخابات الرئاسية، ندد خصوم النظام
الاقليميين و الدوليين بالخطوة و اعتبروها
مهزلة في ظل استمرار اعمال العنف في مختلف
انحاء اليلاد.
مع ذلك فقد
جاءت ردود الفعل المعارضة لاجراء الانتخابات
ضعيفة أول الامر، الا ان الاصرار على
المضي فيها جعل هذه الردود تكبر مثل كرة
الثلج. فتقدم
المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي
باستقالنه الى الامين العام للأمم المتحدة،
بعد ان اعتبر ان إجراء انتخابات رئاسية
في سورية ينسف جهود التسوية الرامية لوضع
حد لثلاث سنوات
من النزاع.
كما اتهم دمشق
باللجوء إلى «مناورات
تسويفية»
لتعطيل الحل.
الدول الاوربية
من جهتها اختارت الرد على قرار دمشق اجراء
انتخابات رئاسية بمنع اجراء تصويت
للسوريين المقيمين على اراضيها، وقد حذت
بعض الدول العربية حذوها في منع اجراء
الانتخابات الرئاسية على اراضيها وقد
استهلت المنع دولة الامارات العربية
المتحدة، في حين ذهب الأردن الى حد طرد
السفير السوري لديه مع التوجه الى فتح
ممثلية للائتلاف المعارض على اراضيه.
كما قامت
فرنسا مدعومة اوربياً بالتقدم بقرار الى
مجلس الامن لاحالة ملف سورية ًالى المحكمة
الجنائية الدولية، ردت عليه روسيا بمشروع
قرار لدعم المصالحات و التسوية السياسية
في سورية اعتمادا على ما اعتبرته «الخبرة
الايجابية للمصالحة في حمص»،
و ذلك قبل ان تعود بالتنسيق مع الصين
وتستخدم حق النقض «الفيتو»
للمرة الرابعة
في مجلس الأمن لحماية النظام السوري من
أي اجراءات عقابية سياسية او قانونية
تترتب على مشروع القرار الفرنسي، هذا في
حين اعتبر سفير موسكو في الامم المتحدة
فيتالي تشوركين أن «بيان
جنيف لا يحظر إجراء الانتخابات الرئاسية
في سورية».
اما ايران
التي بدأت تقدم نفسها راعيا ً لمصالحة
سورية داخلية، تجري بمساعدة دولية، فقد
قامت بتسهيل اتفاق خروج مقاتلي المعارضة من
حمص وطرحت خطة لحل الأزمة بعد الانتخابات
الرئاسية التي اعربت عن دعمها الكامل
لها. كما
ارسلت مندوبين للاشراف عليها.
لكن رد الفعل
الابرز جاء من واشنطن التي اعتبرت
الانتخابات «مهزلة».
و جاء ردها
على مستويين الاول دبلوماسي حيث قامت
بطرد البعثة الدبلوماسية السورية، ورفعت
مستوى تمثيل الائتلاف الى بعثة خارجية،
كما جرى تنظيم زيارة لقيادة الائتلاف
كانت الاولى الى واشنطن و ترتيب لقاء مع
الرئيس اوباما في البيت الابيض.
من جهة ثانية،
زادت واشنطن من مساعدتها للمعارضة بما
فيها تقديم مساعدات عسكرية مثل صواريخ
تاو التي جرى استخدامها بفعالية في شمال
سورية ضد دبابات النظام و مدرعاته.
كما أقر
الرئيس الأميركي باراك أوباما «برنامج
لتدريب وتجهيز»
مقاتلي
المعارضة المعتدلين ضد نظام الرئيس بشار
الاسد، في الوقت الذي كانت تجري فيه
مناورات «الأسد
المتأهب»
المتعددة
الجنسية في الاردن، بمشاركة ما يزيد على
١٢ الف عسكري يمثلون ٢٢ دولة.
مع ذلك لا بد
من الاشارة الى أن هذه الاجراءات الاميركية
جاءت في سياق التعبير عن امتعاض واشنطن
من تجاهل النظام و حلفاءه لكل مواقفها
فيما يخص الحل السياسي، واصرارهم على
اجراء الانتخابات، أكثر منها تعبيراً
عن استراتجية او مقاربة فعالة لحسم الصراع.
لا شك أن
زيارة وفد الائتلاف الى واشنطن برفقة
قيادات من هيئة الاركان، والتي تطرقنا
إليها سابقا ولقاءه بالرئيس الأميركي
باراك أوباما عبرت عن احتضان أميركي
سياسي لما يمثله الائتلاف، ودعم معنوي
ورمزي لأركانه في هذا المنعطف من النزاع
في سورية. غير
أن هذا الدعم ما زال يصطدم بسقف عسكري
وديبلوماسي يمنعه من تخطي اطار التصعيد
البطيء والتدريجي، مثل ترقية مكاتب
الائتلاف الى بعثات أجنبية، أو تقديم
معونات انسانية أو أسلحة غير نوعية
سرا. فواقع
الأمور على الأرض وحال الفوضى التي ساهم
أوباما بشكل غير مباشر في الوصول اليها،
تمنع الادارة اليوم من ارسال صواريخ مضادة
الطائرات أو ايصال سلاح بكميات كبيرة،
كما أن التطورات الأخيرة في العراق،
وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق
والشام على كثير من الاسلحة الأميركية (
عربات، مدرعات،
ذخيرة ) سوف
يزيد من مخاوف الأميركيين وترددهم في
تسليح المعارضة، إذ ستقدم الإدارة
الأميركية الساحة العراقية «حجة»
للانتقادات
الداخلية والخارجية المتكررة لاستراتيجيتها
في سورية. ومن
جهة أخرى، يفرض اتفاق السلاح الكيماوي
واخراج الترسانة الكيماوية بالكامل من
سورية نمطا بطيئا في أي تصعيد تراه
واشنطن ضروريا لتقوية المعارضة وتفادي
تراجعها امام نظام الأسد و حلفاءه.
فتنفيذ
الاتفاقية يحتاج الى تعاون من النظام
وتسهيل وصول المفتشين والمراقبين من
منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الى المواقع،
وتسهيل نقلها وتدميرها.
وهذا ميدانيا
يتضارب مع أي تصعيد عسكري جدي قد يعرقل
ممرات اخراج السلاح الكيماوي، أو يدفع
النظام لاستخدامه بشكل عشوائي في الداخل
أو ضد دول اقليمية.
كما ان معادلة
تغيير التوازن على الأرض للوصول الى حل
سياسي والتي يلتقي حولها الائتلاف
والادارة الأميركية بعد فشل «جنيف
٢»،
لن تتم بين ليلة وضحاها.
فحجم العوائق
على الأرض والحاجة الى عمل تنظيمي لترتيب
وضع المعارضة المسلحة قبل المضي في أي
عمل عسكري جدي، ما زالت تحول دون اندفاع
اميركي و اقليمي بهذا الاتجاه.
من هنا يجب
أن تشهد مرحلة ما بعد زيارة واشنطن،
جهودا مكثفة لدعم وتعزيز الهيكلية المركزية
للقيادة السياسية والعسكرية للائتلاف،
والمحاربة على جبهتين ضد النظام وضد تنظيم
«الدولة
الاسلامية في العراق والشام»
(داعش)
. فالمخاوف
من وصول الصواريخ والأسلحة النوعية الى
هذه المجموعات حاضر في ذهن الدوائر
الغربية، كما أن هناك رغبة في دعم القدرات
التنظيمية للجناحين السياسي والعسكري
للائتلاف.
مع ذلك، وبحسب
المراجعة الأخيرة التي أعدها مستشارو
أوباما حول سورية، فان واشنطن ذاهبة على
الارجح باتجاه قلب المعادلة ضد النظام
السوري، من دون المجازفة بتدخل أميركي
أو تكرار تجربة أفغانستان، و ان كان
الامر سيتم بصورة تدريجية و بطيئة.
و لان النظام
يدرك ذلك ويدرك وجود مقاربة اميركية جديدة
قد تضطره الى القبول بحل سياسي و تنازلات
لا يرتضيها فقد سارع في اجراء الانتخابات
الرئاسية.
فبالرغم من
كل الاعتراضات الاقليمية و الدولية وعدم
امكانية مشاركة نصف السوريين بسبب ظروف
اللجوء والتهجير، ورغم تعذر اجراء الاقتراع
الا على مساحة تبلغ نحو 4٠
في المئة من الأراضي السورية، فإن
النظام ظل مع ذلك مصمماً على اجراء
الانتخابات الرئاسية لفرض واقع سياسي
جديد، يلغي كل فكرة الحل القائم على
انشاء هيئة انتقالية تستبعد الاسد.
و في سعيه
للحصول على ما يستطيع أن يزعم أنه تفويض
شعبي للاستمرار في سياساته و حفظ بقاءه
يتجاهل النظام حقيقة تحول السوريون الى
أكبر تجمع لاجئين في العالم، في الوقت
الذي تعرض
فيه نحو ٣
بالمائة منهم الى القتل او التشوه او
الاصابة. امام
هذا الواقع، فإن فرص الحل السياسي سوف
تتراجع على الأرجح خلال الفترة التي تعقب
الانتخابات مباشرة، قبل ان تعود لتصبح
محل اهتمام أكبر مع ارتباطها بنتائج
المفاوضات حول الملف النووي الايراني،
و التصعيد التدريجي الاميركي في دعم
المعارضة عسكرياً.
و عليه يرجح
أن يستمر النظام وحلفائه والمعارضة
والدول الداعمة لها بالعمل على تعزيز
الموقع العسكري والتفاوضي قبل انطلاق اي
عملية سياسية محتملة مع استمرار حصول
اتصالات «المسار
الثاني» في
شكل غير معلن بين ايران ودول غربية حول
الازمة السورية.
وحتى يتم
التوصل الى تفاهم اقليمي ودولي، سيحاول
النظام وحلفاءه استثمار «
الانتخابات»
الرئاسية
للقيام بمجموعة من الخطوات للإيحاء بأنه
انتصر داخليا وخارجية، وبأنه وحده من
يحق له فرض الحل السياسي والقائم وفق
التالي؛ الاستمرار بعقد المصالحات في
مناطق مختلفة وتقليص مساحات الصراع
المسلح، الإفراج عن بعض المعتقلين
والاشتغال على هذه المسألة دعائيا في
الخارج، تاليف حكومة جديدة قد تضم مجموعة
من « معارضي»
الداخل وبعض
الشخصيات في الخارج في مسعى منه لشق صفوف
المعارضة وتكفييها، أما ميدانيا فسوف
يعتبر النظام مسرحية الانتخابات، والموقف
الدولي المتراخي ضده بمنزلة «التفويض»
لاستكمال
معركته ضد الثورة مستندا إلى الدعم
المادي والبشري الذي يوفره له حلفاءه.
والجدير
بالذكر أن المعارضة السورية، وفي مقدمتها
الائتلاف الوطني، ما تزال تخوض معركتها
ضد النظام السوري وحلفاءه دون استراتيجية
واضحة المعالم ، إذ على الرغم من معرفتها
قبل فترة كافية بنية النظام في إجراء
الانتخابات إلا أنها لم تجهز الوسائل
والآليات والخطط والمبادرات اللازمة
للرد عليها، وإعادة تأكيد قيم الثورة
السورية في الحرية والكرامة وبناء الدولة
الوطنية الديمقراطية الحديثة.
واليوم بعد
الانتخابات فإن المعارضة ستكون في وضع
حرج إن لم تسع نحو تنظيم صفوفها سياسياً
وعسكرياً، وتحصين نفسها من انشقاقات
متوقعة بفعل تواصل النظام مع بعض أجزائها
أو ضغط عدد من الدول أو بحكم حالة الإحباط
التي يمكن أن تصيب بعض أطرافها، وإلى
جانب ذلك هناك ضرورة للقيام بدور سياسي
إعلامي مختلف وتقديم خطاب وطني جامع
والسعي لإعادة توكيد القضية السورية في
المجتمع الدولي بوصفها قضية سياسية وطنية
وليست مجرد عمليات إغاثة إنسانية.
ثالثا:
انتكاسات
عسكرية خطيرة وفرص قائمة
شهدت الساحة
السورية خلال شهر أيار/
مايو ومنتصف
حزيران/ يونيو
٢٠١4 تطورات
عسكرية هامة في أكثر من ساحة وجبهة، ولعل
أبرزها ما جرى في حلب ودير الزور من تقدم
لقوات النظام في حلب ومحاولته فرض حصار
عليها، وتقدم لتنظيم الدولة الإسلامية
في دير الزور مدينة وريفا واطباقه الحصار
على الأحياء الخاضغة لسيطرة المعارضة.
وبموازة
الانتكاسات السابقة شهدت مناطق عدة من
سورية انتصارات نوعية للمعارضة السورية
من أبرزها السيطرة على مدينة خان شيخون
الاستراتيجية في ريف ادلب الجنوبي،
والتقدم في ريف حمص الشمالي بالسيطرة على
قرية ام شرشوح، واعادة فتح المعركة من
جديد في القلمون واستهداف ميليشيات حزب
الله في جبهات عدة كقرية رنكوس وعسال
الورد .. الخ.
واخيرا التقدم
النوعي الذي حققه الثوار في المنطقة
الجنوبية بالسيطرة على تل الجموع
الاستراتيجي والذي يعتبر امتدادًا
للانجازات العسكرية السابقة التي خصصنا
لها مساحة واسعة في التقرير السابق.
ولسوف نتوقف
في هذا
التقرير على
عدد من الجبهات وفق الأتي:
6
حلب مهددة
بالحصار :
بعد سلسلة
من الانجازات العسكرية الهامة في مدينة
حلب والتي حققتها فصائل المعارضة المسلحة
خلال شهري أذار/
مارس و نيسان/
أبريل ٢٠١4
بشكل اتاح
لها وللمرة الأولى فرصة فرض حصار خانق
على قوات النظام ومواقعه الرئيسية
والأحياء التي يسيطر عليها، حصلت مجموعة
من التطورات العسكريّة أعادت خلط
الحسابات، وأطاحت مرحليا بمسعى المعارضة
لانتزاع حلب من سيطرة النظام أو على
الإقل إخراجها عن تحكمه.
فقد تمكنت
قوات الجيش النظامي مدعومة بميليشيات
عراقية من تحقيق اختراق نوعي في جبهة
الشيخ نجار والمدينة الصناعية من المدينة،
ولم تسطع «
الغرفة
المشتركة لأهل الشام»
حتى الآن من
استعادة المواقع التي خسرتها، او على
الأقل وقف تقدم النظام البطيء فيها.
لقد اثبتت
الوقائع العسكريّة خلال العامين الماضيين
ومنذ اقتحام قوات المعارضة لمدينة حلب
٢١ تموز/ يوليو
٢٠١٢، أن استراتيجية «
تحرير»
مراكز المدن
غير مجدية عسكريّة، فبالإضافة إلى
تكلفتها واعبائها العسكرية الباهظة على
الطرف المهاجم، خلفت هذه الاستراتيجية
غير المدروسة تداعيات إنسانية مؤلمة
لجهة اللجوء والنزوح، ومادية لجهة الدمار
والتدمير الذي ألحقه قصف النظام للأحياء
التي تحتضن قوات المعارضة وتدميرها، كما
ألقت على قوات المعارضة أعباء إضافية
تتعلق بمسألة إدارة المناطق المحررة
وتوفير الاحتياجات الأساسية وصرف الرواتب،
وتفريغ عدد كبير من المقاتلين وتحويلهم
إلى رجال شرطة لمواجهة انتشار مظاهر
العنف الاجتماعي والسرقة والخطف التي
ظهرت بعد غياب السلطة القائمة.
لا يأتي
الكلام السابق في إطار تبريري لما حصل
في حلب من تراجع فالمعركة في حلب أضحت
رمزية ومعنوية وتفوق في أهميتها الحسابات
العسكرية والتأثيرات الممكنة على مسار
الصراع المسلحة، لكن استحضار هذا الكلام
ضروري لتجنب تكرارها مستقبلا ولللإضاءة
على نماذج عسكريّة حاضرة سنعرضها لاحقا،
اثبتت نجاعتها وجدواها على كافة الأصعدة.
بالعودة إلى
التطورات العسكريّة في مدينة حلب، يمكن
القول إن الاختراق الذي حققه الجيش
النظامي والميليشيات الطائفية التي
تقاتل إلى جانب له تداعيات خطيرة على
مسار العمل الثوري والمسلح في المدينة
وفق الأتي (
انظر الخريطة
١ ) :
• فرض حصار
خانق على الأحياء الشرقية ولاسيما مدينة
هنانو والشيخ مقصود، وجبل بدرو الخاضعة
لسيطرة ا لمعارضة.
• قطع طرق
الإمدادات الفرعية القريبة من المنطقة
الصناعية والشيخ نجار، واضطرار المعارضة
للاعتماد على الطرق الرئيسية المكشوفة
بالنسبة لطيران النظام.
• في حال
أتم السيطرة عليهما بشكل كامل، ستصبح
المنطقة الصناعية والشيخ نجار قواعد
عسكرية ونقطة انطلاق لقوات النظام لشن
حملات عسكرية على بعض قرى الريف الشمالي
والشرقي أو القريبة منها.
• إعادة
خلط الحسابات وتغيير الاستراتيجية، اذ
ستضطر قوات المعارضة إلى الدفاع عن مناطق
تمركزها، وهو ما سيخفف الضغط عن مواقع
وأحياء أخرى لاسيما في الجزء الجنوبي
والغربي من المدينة.
وبالنظر إلى
أسباب التراجع في الجبهات المذكورة،
فنجد أن غالبيتها تنظيمية، فقد شهد الشهر
الماضي تباينات بين القوى المشكلة للغرفة
المشتركة لأهل الشام حول قضايا الدعم
والإمدادات والأولويات العسكرية، وهو
ما القى بتداعياته على انخفاض مستوى
التنسيق بينها، وتفعيل العمل العسكري
كما كان في الأشهر الماضية.
وبناء عليه،
فإن توفير الدعم، والتنسيق بين الفصائل
المشاركة في الغرفة والفصائل الثورية
الأخرى هو السبيل لمواجهة الخطر المحدق
بمدينة حلب، لسد الثغرات والضغط على
النظام في مناطق سيطرته.
ولتحقيق ذلك،
لابد من توسيع وتعميق النظرة العسكرية
والبدء بوضع استراتيجية عسكرية تهدف قبل
أي شيء أخر إلى افقاد النظام مرتكزات
قوته في الريف وقطع طرق إمداده، وحصار
المواقع الهامة داخل المدينة، وذلك قبل
التفكير في اقتحام هذا الحي أو ذاك.
وقد تنبهت
الفصائل المسلحة إلى خطر استراتيجية
النظام والقائمة بمحاولة تكرار نموذج
حمص في حلب، لذلك تحركت في مناطق مختلفة
في محاولة لمنع حصوله، كما جرى في قرية
عزيزة في الجهة الجنوبية من حلب، واستعادة
خان طومان، والهجوم على جبل عزان.
إن كسب
معركة حلب لصالح المعارضة، ليست بالأمر
الصعب، كما أنها ضرورية للتفرع إلى
جبهات مستعجلة واخطار محدقة كجبهة ريف
حلب الشرقي، حيث يتمركز تنظيم الدولة
الإسلامية في ثلاث مدن رئيسية هي الباب،
ومنبج، وجرابلس وهو ما يجعل مدينة حلب
مهددة في أي لحظة ولاسيما بعد التطورات
الأخيرة في دير الزور والعراقة والانتعاشة
العسكرية لتنظيم الدولة وحصوله على غنائم
عسكرية قد ييستخدمها لإعادة التقدم في
مدينة حلب وريفها.
تنظيم
الدولة يطبق الحصار على دير الزور :
بموازة
الانتكاسات في حلب، شهدت محافظة دير الزور
تطورات عسكرية قد تلقي بتداعياتها السلبية
على الحراك الثوري والعسكري في المدينة
وفي عموم سورية، إذ نجح تنظيم الدولة
الإسلامية في العراق والشام، وبعد أن
تمكن من تجميع قواه الذاتية والاستقرار
في حيز جغرافي آمن هو مدينة الرقة وريف
حلب الشرقي في شن هجوم عسكري واسع في عموم
ريف دير الزور، وتمكن من السيطرة على
مساحات واسعة، ووصل إلى مداخل المدينة
وفرض حصار عليها في محاولة لاجبار الفصائل
العاملة هناك على تسليمها والخروج منها.
ثمة عوامل
عديدة ساهمت في هذه الانتكاسة الكبيرة
من ضمنها، انشغال مقاتلوا المدينة
وفصائلها بقضايا نفعية كاستثمار النفط
والسيطرة على الابار والمنشأت، بدل من
خوض المواجهة والتي حصلت قبل شهرين مع
تنظيم الدولة إلى نهايتها وازالة خطره
نهائيا من محافظة دير الزور.
وعلى الرغم
من المقاومة الشرسة التي تبديها الفصائل
العاملة في مدينة دير الزور على اختلافاتها
( مجلش
شورى المجاهدين، جيش العشائر، الجيش
الحر )،
إلا التطورات الأخيرة في العراق وما نتج
عنها من سيطرة لتنظيم الدولة على الموصول
ومعبر اليعربية الحدودي، قد تنعكس بتداعيات
سلبية، وقد تسقط المدينة أو جزء منها في
يد التنظيم.
وفي حال حصل
ذلك، فإن تنظيم الدولة سوف يسيطر على
مناطق شاسعة تمتد من أسوار بغداد إلى
تخوم حلب، وسوف يشكل ذلك تهديدا كبيرا
للثورة وللفصائل المسلحة التي تعاني
بالاصل من صعوبات جمة تجعلها غير قادرة
على مواجهة النظام المدعوم بميليشيات
طائفية وتنظيم الدولة المدعوم بانتصارات
ميدانية في آن واحد.
انطلاقا
من ذلك، فإن
التوصيات السريعة هي كالأتي
توفير مقومات
الصمود لكتائب مدينة دير الزور وبشكل
عاجل بما يمكنها من اكمال المواجهة
والحؤول دون حصار المدينة بشكل كاما.
• التخطيط
المحكم لإشعال معارك ومواجهات في ريف
الزور تستهدف وبشكل كبير اشغال مقاتلي
التنظيم في جبهات عدة لمنع تركيزهم على
جبهة واحدة ألا وهي المدينة.
• دعم الخاصرة
الرخوة في ريف حلب الشمالي والشرقي، من
خلال توفير دعم عاجل للكتائب التي تقاتل
التنظيم في تلك المنطقة، والتي استطاعت
في الأسابيع الأخيرة تحقيق اختراقات
وانتصارات جيدة كالسيطرة على بلدة الراعي
الحدودية، وقرى اخرى محاذية لمدينة الباب
في ريف الشمالي، وفي ريف الرقة.
في هذه الأثناء،
وفي ظل ما يحيط بالثورة في تلك حلب ودير
الزور من مخاطر يغيب دور مؤسسات المعارضة
وتدخلها لانقاذ الوضع في مختلف الميادين،
وهو ما يفرض تساؤلات جدية عن مؤسسات
المعارضة المدنية والعسكرية لاسيما
وأنها تتجاهل باستمرار النداءات
والتحذيرات المتكررة لانقاذ ما يمكن
انقاذه متذرعة بنقص التمويل والامداد
الخارجي او الانشغال بقضايا تتعلق
بخلافاتها وتبايناتها الداخلية.
خان
شيخون نموذج يحتذى :
احكمت فصائل
المعارضة أواخر شهر أيار/
مايو ٢٠١4
سيطرتها على
مدينة خان شيخون الواقعة على الطريق
الدولي بين حماة وادلب، وقد جاء هذا
الانجاز النوعي لكتائب المعارضة ثمرة
لتخطيط واستراتيجية متقنة ركزت على صد
المحاولات المتكررة لجيش النظام لاقتحام
بلدة مورك في ريف حماه الشمالي والواقعة
ايضا على الطريق الدولي، وهو ما أدى إلى
قطع إمدادات النظام والمتجهة من حماة
إلى مدينة خان شيخون واطباق الحصار على
الحواجز والمواقع العسكرية الموجودة
فيها وصولا إلى تحرير المدينة اوتوماتيكيا
بعد اقتحام جاحز الخزانات.
يمكن القول
إن « تحرير»
مدينة خان
شيخون يعد بمنزلة «
النموذج
الأمثل»
للتكتيكات
والاستراتيجية العسكرية لقوات المعارضة،
فبخلاف المرات السابقة تجنبت فصائل
المعارضة دخول واقتحام المدينة والتمركز
في أحياءها بل ركزت على ضرب الحواجز
خارجها ( انظر
الشكل ٢)،
الأمر الذي جنب المدينة ويلات الدمار
والمواجهة وحقق النتيجة المرجوة بإخراج
قوات النظام منها.
تعد السيطرة
على خان شيخون تطور عسكري هام بالنسبة
للفصائل المعارضة في تلك المنطقة، فعدا
عن كونها تقطع الطريق نهائيا أمام
النظام لإمداد قواته في ريف ادلب الجنوبي
الامر الذي يمنح المعارضة فرصة لاطباق
الحصار على معسكر وادي الضيف والمعسكرات
الأخرى، يفيد تحرير خان شيخون في تقوية
جبهة ريف حماه الشمالي ولاسيما في مورك
الصامدة حتى الآن على الرغم من المحاولات
الحثيثة واليومية لقوات النظام لاقتحامها،
وهو ما سيعيد خلط حسابات النظام العسكرية
في حماه وريفها.
استفاقة
متاخرة لكتائب ريف حمص الشمالي :
بعد انفاذ
اتفاق حمص والذي نص على خروج المقاتلين
المحاصرين وانتقالهم إلى الريف الشمالي،
وتضييق النظام على حي الوعر لاجبار
المقاتلين هناك على تكرار التفاوض للخروج
منه، تحسست كتائب الريف الشمالي الخطر
المحدق بها في حال تهدئة الأوضاع العسكرية
بشكل كامل في مدينة حمص.
وفي محاولة
لاستباق هجوم محتمل ومتوقع لقوات النظام
خلال الأشهر القادمة بدأت الكتائب
العاملة في ريف حمص الشمالي العمل على
تعزيز مواقعها وتأمين تواصل جغرافي بين
القرى الخاضعة لسيطرة المعارضة لمنع
عزلها وحصارها مستقبلا من قبل قوات النظام.
في هذا السياق
أعلن عن معركة «
الآن نغزوهم»
للسيطرة على
قرية أم شرشوح الواقعة بين مدينة الرستن
وقرية تلبيسة، ونجحت الكتائب في السيطرة عليها وعلى
حواجز وقرى تحاذيها جغرافيا.
من شأن هذه
المعركة، واذا توافرات الإرادة الجدية
للكتائب أن تساهم في تقوية الجبهة
الأخيرة والمتبقية في محافظة حمص، ويمكن
إذا ما احسنت ادراة المعركة الضغط على
النظام داخل مدينة حمص، وبالطبع فإن هذا
الأمر يتطلب ابتعاد الكتائب عن المناطقية
والنزعة الذاتية والتي تميز كثير من
كتائب حمص.
كما أن تحسين
مواقع الثوار في هذه الجبهة الممتدة من
بوابة حمص إلى بوابة حماه سوف يساهم في
الضغط على قوات النظام وفتح جبهات اخرى
تشغله في ريف حماه الجنوبي.
رابعاً:
الجانب
الحقوقي والإنساني :
فيتو
رابع ضد إحالة ملف سورية للمحكمة الجنائية
الدولية :
استمرت قوات
النظام السوري في استهدافها المتعمد
والمنهجي اليومي للأحياء السكنية عبر
عمليات القصف بالقنابل البرميلية والصواريخ
منتهكة بذلك قرار مجلس الأمن ٢١٣٩ الصادر
بتاريخ ٢٢ شباط/فبراير
٢٠١4 والذي
توعد باتخاذ إجراءات إضافية في حال عدم
الالتزام ببنوده، وعبر القصف بالغازات
السامة منتهكة بذلك القرار ٢١١8
الصادر بتاريخ
٢7أ
يلول/ سبتمبر
٢٠١٣ والذي يحظر على النظام السوري استخدام
الغازات السامة وتدمير تراسنته الكيميائية.
إذ تنص الفقرة
٢١ من القرار بشكل صريح :
«في حالة عدم
الامتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل
الأسلحة الكيميائية دون إذن، أو
استخدام أ ي أحد للأسلحة الكيميائية
في الجمهورية العربية السورية، أن يفرض
تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم
المتحدة» على
الرغم من ذلك، فقد بلغ عدد الهجمات التي
استخدمت فيها قوات النظام السوري غازات
الكلور السامة (
من بعد توقيع
الحكومة السورية اتفاقيه نزع الأسلحة
الكيميائية بتاريخ ١4
أيلول/
سبتمبر ٢٠١٣
) نحو
٢6 هجوم
بحسب ماوثقته الشبكة السورية لحقوق
الإنسان. كما
أن التقرير الصادر عن هيومان رايتس ووتش
أثبت استخدام قوات النظام السوري للغازات
السامة في عدة مناطق في ريف حماة.
وبناء عليه،
فإن النظام السوري حافظ على وتيرة القتل
اليومي المستمر منذ ثلاث سنوات بمعدل 8٠
مواطنا مدنيا، إضافة إلى عشرات المقاتلين.
وقد دفعت
الانتهاكات السابقة لقرارات مجلس الأمن،
فرنسا وبالتنسيق مع بعثة لوكسمبورغ إلى
تقديم مشروع قرار ينص على إحالة الملف
السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية
رحبت به 6١
دولة من بينها 5
دول عربية هي
: تونس
وليبيا و السعودية والإمارات وقطر، على
أن يصدر القرار تحت الفصل السابع من
ميثاق الأمم المتحدة.
وعلى الرغم
من إشارة القرار إلى وجوب النظر في
الانتهاكات واسعة النطاق من قبل السلطات
السورية والميليشيات الموالية للحكومة،
والمجموعات المسلحة والمعارضة المسلحة
أيضا، فقد قوبل المشروع بفيتو روسي_صيني
مقابل موافقة ١٣ عضو من أعضاء مجلس الأمن.
وهذه هي المرة
الرابعة على التوالي التي تسخدم فيها كل
من روسيا والصين حق النقض في مجلس الأمن
فيما يتعلق بالمسألة السورية وهي سابقة
على مستوى الأمم المتحدة وكانت أكثر من
١٢٠ منظمة حقوقية حول العالم قد أصدرت
بيانا بتاريخ ١5أيار/
مايو ٢٠١4
تحث فيه مجلس
الأمن على قبول إحالة الملف في سورية
إلى المحكمة الجنائية الدولية على غرار
ما فعله مجلس الأمن في دارفور عام ٢٠٠5
و ليبيا عام
٢٠١١. وانطلق
البيان من أن سورية ليست طرفاً في نظام
روما الأساسي وهو المعاهدة المنشئة
للمحكمة الجنائية الدولية، لذلك لا يمكن
للمحكمة الجنائية الدولية الحصول على
ولاية قضائية على الجرائم الرتكبة هناك
إلا إذا أحال مجلس الأمن الوضع
في سورية إلى المحكمة، أو بقبول سورية
طوعاً لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية
.
لم
تقم الحكومة السورية منذ عام ٢٠١١ وحتى
الآن بمحاسبة أي مسؤول على الرغم من
التقاير العديدة التي أصدرتها جهات
مختلفة ابرزها لجنة التحقيق المستقلة
بشأن سورية.
في ظل هذه
الظروف، ومع إعادة التجديد للأسد لولاية
ثالثة، فإن العمل
العاجل يجب أن يركز على الكشف الفوري
لأسماء المجرمين المدرجين ضمن تقارير
الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الاخرى
لملاحقتهم أمام المحاكم الدولة والعادية
المختلفة، وحشد التاييد الدولي والشعبي
للضغط على الدول الحليفة للنظام باعتبارها
توفر الغطاء لمجرمي الحرب.
أما على
الصعيد الإغاثي، وفي ظل الجرائم المرتكبة
وساسية الحصار، فإن على مؤسسات المعارضة
حشد جهودها داخل الامم المتحدة وفي
المنظمات الدولية، والطلب منها التوقف
على اعتبار النظام طرفا رئيسيا في توصيل
المساعدات، والضغط من أجل ايجاد بدائل
لألية توزيع المساعدات خارج الأطر
التقليدية، والتي جعلت
انصار النظام هو المستفيدين من المساعدات
الدولية المقدمة للاجئين والنازحين
والمحتاجين في سورية.
خاتمة
وتوصيات :
مع التصعيد
المتواصل للحرب ورفض مخرج الحسم العسكري
للأزمة، يصل النزاع في سورية إلى منعطف
حاسم، إما تسوية مرضية للجميع يحقق فيها
كل طرف بعضا من رهاناته الرئيسية أو
حرب استنزاف طويلة لن يستفيد منها أحد
سوى بعض القوى الدولية الراغبة في تقويض
القدرات العسكرية والاقتصادية لدول الشرق
الأوسط ومن بينها ايران والخليج وتركيا.
ولن تكون
التسوية مرضية وقابلة للتحقيق إذا سعت
ايران إلى فرض رؤيتها الخاصة التي تنبع
من الدفاع عن مصالحها القومية ومصالح
حليفها الوحيد في الساحة السورية.
ولن يقبل أي
طرف آخر، لا الأغلبية الساحقة من الشعب
السوري ولا الأطراف العربية التي وضعت
أيضا مصيرها في الرهان، بتسوية جوهرها
التفاوض على توسيع دائرة مشاركة المعارضة
في النظام مع الحفاظ عليه كما تقترح طهران.
مثل هذا التصور
يعني تكريس انتصار نظام هو سبب اندفاع
الشعب إلى الثورة وتكريس انتصار الجمهورية
الاسلامية الايرانية على القوى الإقليمية
العربية والتركية والكردية.
ولن تكون مثل
هذه النتيجة مقبولة من قبل أحد، ولن
تساهم في وقف الحرب وفتح آفاق السلام لا
في سورية ولا في المنطقة.
كي تكون هناك
امكانية لفتح مفاوضات جدية والتوصل إلى
حل مقبول من الجميع، المطلوب
أولاً من
جميع الاطراف الاعتراف بحق السوريين في
نظام يعكس إرادتهم، ويمثل تطلعاتهم التي
ضحوا من أجلها، ويلبي مطالبهم في الانتقال
السياسي نحو نظام جديد، قائم على مباديء
الحرية والعدالة والمساواة.
وهو النظام
الديمقراطي الذي ثاروا من أجله.
وثانيا
الاعتراف بأن نظام الأسد قد انتهى وفقد
شرعيته في الحرب الدموية التي تسبب في في
تفجيرها، أو التي لم ينجح في تجنبها أو
تجنيب البلاد والشعب ويلاتها.
ومن أجل دفع
الأسد إلى تغيير حساباته بعد الانتخابات
التي نظمها بصورة أحادية الجانب في ٣
حزيران، على الدول التي تسمي نفسها صديقة
للشعب السوري :أن
تزيد بشكل ملموس من الدعم العسكري واللوجستي
للمعارضة، وأن تبذل جهودا أكبر لتطبيق
قرارات مجلس الامن الخاصة بالمرحلة
الانتقالية، واتخاذ الاجراءات الضرورية
لضمان تطبيق قرار مجلس الأمن رقم ٢١٣٩
(٢٢
شباط ٢٠١4)
القاضي بوقف
القصف العشوائي وفتح ممرات آمنة لايصال
الدعم الانساني والإغاثة لكل المحتاجين.
وأخيرا، عدم
التلكؤ في تقديم ملف جرائم الابادة
الجماعية والجرائم ضد الانسانية التي
قام بها النظام بأسرع وقت إلى محكمة
الجنايات الدولية أو إلى محكمة مختلطة
دولية سورية لمحاكمة مجرمي الحرب.
وثالثا،
التفاوض الوحيد الذي يفتح أفق الحل هو
الذي يمكن الأطراف من الاتفاق على مرحلة
انتقالية، والخروج برؤية مشتركة ومقبولة
لنظام جديد لا يعكس التوازنات العسكرية
الراهنة بمقدار ما يخلق الأمل عند شعب
كاد يفقد الأمل بالمجتمع الدولي وبصدقية
الالتزامات السياسية والقانونية و
الأخلاقيه، نظام قائم على قواعد ومباديء
حكم القانون والممارسة الديمقراطية، ولا
يتعارض هذا مع اتخاذ الاجراءات التي تراعي
المخاوف الأمنية الخاصة ببعض الأطراف
التي يهدد التغير المفاجيء جزءا من مصالحها
التقليدية .
هذا هو الإطار
الذي ينبغي أن يحكم أيضا حدود التسويات
التي تنهي النزاعات الإقليمية والدولية
التي ثارت من حول النزاع السوري الداخلي
وعلى هامشه.
مما يعني أن
تحقيق مصالح أي طرف إقليمي أو دولي في
مثل هذه التسويات لا ينبغي أن يكون على
حساب المصالح الأساسية للسوريين، في
الانتقال إلى نظام جديد يحترم حقوقهم
ويضمن أمن أبنائهم وتفاهمهم.
وعلى الصعيد
الإقليمي والدولي لا يمكن التوصل إلى
تسوية ما لم نضمن أن لا يعني الانتقال
السياسي المحتم داخل سورية بالضرورة
تبديلا جذريا في ميزان القوى الإقليمية
لصالح فريق ضد آخر، أو للتشجيع على
تشكيل تكتل ضد آخر.
وأفضل طريقة
لتجنب ذلك هو أن تحترم سيادة سورية ويعترف
بحق شعبها في تقرير مصيره، وأن يكون الحل
السياسي في سورية منطلقا لتفكير أعمق
في تجاوز النزاعات الإقليمية نفسها في
اتجاه العمل على بناء نظام إقليمي جديد
قائم على التعاون والتفاهم والعمل
المشترك لضمان الامن والتقدم لجميع شعوب
المنطقة ودولها، وليكن على شكل منظمة
إقليمية للأمن والتعاون
والتنمية المشتركة.
هكذا تصبح
سورية همزة وصل وأرضية للتعاون بدل أن
تكون غطاءا لصدع سياسي وجيوسياسي وديني
يفصل بين أطراف متنازعة أو فاقدة الثقة
بعضها بالبعض الآخر، أو منبعا للتوتر
يغذي هذا النزاع ويضاعف من فقدان الثقة
المتبادل بين جميع الأطراف.
وعلى ايران
وتركيا ومجلس التعاون الخليجي والعراق
ولبنان والاردن ومصر وكل الدول الإقليمية
أن تعترف بأن سورية هي سورية، وهي ملك
السوريين، وهم وحدهم الذين يملكون الحق
باختيار قادتهم وتقرير مصير حكوماتهم.
وأن سورية
لن تكون ولا ينبغي أن تكون مسرحا لحرب
تصفية الحسابات الايرانية الغربية ولا
ورقة للمساومة مع الخصوم الدوليين مهما
كان الحال.
بالمقابل
على السوريين أن يستعدوا لتسويات داخلية
قد تبدو أليمة من الوهلة الأولى لكن
آلامها ستكون أكثر احتمالا بكثير من
آلام حرب استنزاف طويلة المدى ستقود لا
محالة إلى انهيار المحور الايراني لكن
مقابل فقدان سورية أيضا هويتها وربما
وحدتها ومستقبلها.
ولعل أهم
التنازلات المطلوبة هي القبول بمرحلة
انتقالية، قائمة على أسس واضحة وأكيدة،
تضمن التحول التدريجي من منطق حرب الوجود
التي فرضها خيار الحفاظ بأي ثمن على
النظام إلى منطق استعادة الوحدة الوطنية
وتحقيق مباديء العدالة والحرية والمساواة
الكاملة في المواطنية.
هذا هو المضمون
الحقيقي للديمقراطية وليس تنظيم مسرحية
الانتخابات الهزلية.
ومنها أيضا
القبول بدرجة من الإشراف الدولي على
انتقال يستدعي الحفاظ على علاقات ايجابية
بناءة ومتوازنة لسورية مع جميع الأطراف
الإقليمية والدولية وتطمينها على مصالحها
الأساسية، مما يمكن أن يعني ضرورة أن
يتماشى مسار استعادة السيادة الكاملة
للشعب في الدولة السورية، المجسدة
بالمساواة الكاملة بين المواطنين الأفراد،
بصرف النظر عن أصلهم او جنسهم أو دينهم
أو مذهبهم السياسي، بخطوات موازية
لاستعادة وحدة الشعب وتجاوز الانقسامات
العمودية التي أضافتها أو عمقتها الحرب.
ومع ذلك تبقى
الكلمة الأولى في تقرير الاختيار بين
التفاوض على تسوية مقبولة من الجميع أو
الانخراط في حرب الاستنزاف الطويلة
للحكومة الايرانية التي تمسك من خلال
ميليشياتها، والميليشيات التابعة لها
على الأرض السورية، بمصير النظام، وبالتالي
بقرار السلام والحرب في سورية والمشرق
معا.
هوامش:
حتى
اضطرت مستشارة الأسد بثينة شعبان إلى
إطلاق تصريحات مضادة (الصحافة،
منتصف١-
نيسان ١٤)
تؤكد فيها
«هذا
الأمر مرفوض، فسوريا صمدت بشعبها الذي
قدم إلى الآن أكثر من ربع مليون شهيد»!!،
قبل أن تعود وتنفيه، قائلة، إن «حزب
الله ولبنان في جبهة المقاومة وما نسب
إلي على فيسبوك لا يمكن أن يصدر عن أي
مواطن سوري، نحن نواجه أعداء سوريا الذين
يخدمون الصهيونية»
-٢ وكان
أكثر التصريحات الايرانية تقويضا لسمعة
النظام السوري ما جاء على لسان العميد
حسين حمداني نائب قائد الحرس الثوري
اللواء قاسم سليماني، الذي قال من دون
مواربة، أن حدود دفاع ايران اصبحت في
جنوب لبنان، وأن بشار الأسد يخوض الحرب
بالنيابة عنا، أو هو نائبنا في سورية،
بعد أن أكد كثير من المسؤولين قبله
أنه لا تفاوض على بقائه في السلطة.
--------------------------------------------
12
التقرير
الاستراتيجي السوري تقرير شهري يعنى
بمتابعة تطورات الثورة السورية على
المستويات المختلفة، ويحرص على تقديم
تحليل موضوعي لمجريات الأحداث