mercredi, février 24, 2010

محنة العراق بين الطائفية والضحالة السياسية

وغالبا ما تكون الضحية الرئيسية لتقليص الإنفاق الحكومي في الميادين الأخرى لصالح تنمية وسائل الأمن هي ميادين النشاطات التي لا تعطي فائدة ومردودا مباشرين وسريعين. فلا شك أن رشوة الزبائن والمقربين تبدو ذات نجاعة أكبر في منظور هذا الوضع السياسي القائم على مبدأ التنازع على البقاء لا على مبدأ تنمية المنافع المتبادلة لجميع السكان، من أي استثمارات علمية أو ثقافية.

ومن الطبيعي أن تكون قطاعات الثقافة والمعرفة والبحث العلمي هي القطاعات التي تتعرض قبل غيرها إلى الإهمال سواء من حيث الاهتمام السياسي أو من حيث تخصيص الاستثمارات المادية. وهذا ما يفسر، أكثر من العوامل الاقتصادية نفسها، ضعف الاستثمار في البحث وتخبط السياسات التعليمية وضآلة الاستثمارات الثقافية وأحيانا انعدامها. ويكفي لإدراك نتائج هذا الوضع مقارنة حصة المخصصات للبحث العلمي في البلاد العربية مع مثيلاتها في العالم الصناعي - بل حتى في البلدان النامية نفسها من الناتج المحلي. إذ لا يتجاوز نصيب البحث العلمي والتقني في البلاد العربية سوى 2 بالألف من الناتج المحلي مقابل ما يزيد عن 2 بالمئة بالنسبة لمعظم الدول الصناعية ( تتراوح النسبة بين 2.5%- 5.00%). وبالإضافة إلى ذلك، يأتي 89% من الإنفاق على البحث والتطوير في البلدان العربية من مصادر حكومية، ولا تخصص القطاعات الإنتاجية والخدمية سوى 3% فقط من هذه المصادر، بينما تزيد هذه النسبة في الدول المتقدمة عن 50%. التقرير الثاني للأمم المتحدة عن التنمية الانسانية في المنطقة العربية 2002

فلا يحرم الفقر الغالبية العظمى من الجمهور من القدرة على النفاذ إلى المعرفة والثقافة فحسب ولكن التدهور المستمر في قيمة مرتبات وأجور العاملين في حقول المعرفة من تعليم وعلم وبحث وتجديد يدفع قسما كبيرا من المعلمين والأساتذة إلى التخلي عن مسؤولياتهم وعدم الوفاء بالتزاماتهم مفضلين استخدام المؤسسات العلمية والتعليمية في سبيل تكوين زبائن لهم وإجبار طلبة العلم على دفع دروس خصوصية كشرط لنجاحهم في الامتحان. مما يشكل بداية فوضوية لعملية تخصيص التعليم والدراسة. بل إن ضعف المرتبات قد جعل بعض المدرسين في بعض الجامعات العربية يقايضون نجاح الطلبة في مادتهم الخاصة بمبالغ معلومة من المال. كما أدى ضعف المرتبات التي يتقاضاها رجال العلم والتعليم إلى تنمية استعدادات عميقة لدى الأطر المكونة العلمية والتقنية إلى الهجرة والبحث في بلاد أخرى عن وسيلة للعيش الكريم. ويكاد العالم العربي يشكل اليوم الخزان الأكبر لأصحاب الكفاءات والمهارات المرشحين للهجرة الدولية بالمقارنة مع جميع المجتمعات الاخرى الكبيرة.

ولا ينجم عن ذلك فقر في الأطر العلمية والتقنية مستمر بالرغم من النفقات المتزايدة في التعليم فحسب، ولا قصور في إنتاج المعارف الضرورية للتسيير الاقتصادي والإداري ولكن، أكثر من ذلك، تراجع إن لم نقل انعدام الطلب الاجتماعي نفسه على المعرفة. فالمعلمون والأساتذة والمدرسون والباحثون والمبدعون على اختلاف أنواعهم لا يملكون بمرتباتهم الضئيلة القدرة على اقتناء منتجات المعرفة ووسائل اكتسابها أو الاستقاء منها، سواء أكان ذلك على شكل شراء السلع المعرفية كالكتب والموسوعات والمؤلفات العلمية، أو على شكل مشاركة في الندوات والمؤتمرات العلمية، أو على شكل اشتراكات في دوريات علمية ومعرفية مختلفة. بل إن معظم العاملين في الحقول المعرفية يضطرون في البلاد العربية إلى القيام بأعمال لا تتعلق باختصاصاتهم الأصلية في سبيل تأمين الحد الأدنى من متطلبات حياتهم اليومية.

وتعمل الإدارة البيرقراطية المرتبطة بالحكم المطلق وانعدام المساءلة والمحاسبة السياسيين والتي سيطرت على الإدارة الاقتصادية العربية لعقود طويلة ولا تزال، في البلدان التي كانت تتبع اقتصاد التخطيط وتلك التي كانت تنتمي للاقتصاد الحر، على إضعاف الطلب الاقتصادي على المعرفة والتجديد العلمي والتقني بقدر ما تدعم اقتصاد المضاربة الذي يستفيد من الصلات الخاصة التي تقوم بين الإدارة ورجال الأعمال لفرض منطق الاحتكار. وحتى عندما توجد قوانين تسمح ببعض المنافسة، كما هو الحال اليوم بعد تطبيق مشاريع التعديل الهيكلي والاصلاح الاقتصادي والانفتاح، فإن فساد النظم المجتمعية والسياسية الذي يتجلى في التفاهم العميق بين النخب السياسية ونخب رجال المال والأعمال يقود إلى تكوين شبكات مصالح قوية تتقاسم المنافع والمصالح في ما بينها على الطريقة المافيوزية. وفي غياب المنافسة النزيهة بين الشركات المنتجة لا يبقى هناك سبب لتنمية الطلب على الخبرة والتقانة، إذ تبقى العلاقات العامة والزبائنية بين رجال الأعمال ورجال السلطة أكثر فائدة من تحقيق أي تقدم في الانتاجية أو في الإدارة الاقتصادية.

ومما يضاعف من أثر هذه الإدارة البيرقراطية على التنمية المعرفية وفرة الموارد الريعية وارتفاع نصيبها في الناتج القومي وفي تغذية ميزانيات الدول معا نتيجة الاعتماد المتزايد على تصدير المواد الأولية واستغلال الثروات الطبيعية. فهي تشجع على استسهال استيراد الخبرة والتقنيات الجاهزة بدل العمل على إنتاجها. كما تشجع على تفضيل الخبرة والتقنيات الأجنبية الجاهزة على التقنيات المحلية التي تحتاج إلى الرعاية والاستثمار الأولى.
هذا هو الثمن الكبير الذي تدفعه المجتمعات العربية نتيجة التمسك بنظم إكراهية وبيرقراطية معا. وإلى هذه النظم يرجع نشوء ما يسميه التقرير بالفجوة المعرفية المتوسعة التي يعرفها العالم العربي بالمقارنة مع التقدم العلمي والتقني في العالم أجمع. وهي فجوة تتجلى في نقص الانتاج العلمي والتقني وتخلف بنيات الانتاج الصناعي والاقتصادي عموما وتدهور إنتاجية العمل وتراجع العائد العام من الاستثمارات. وإليها يرجع أيضا غياب البحث العلمي الناجع وفساد نظم التكوين والتأهيل العلمي والتقني، وفي موازاة ذلك ضياع مفهوم الاتقان نفسه والعمل حسب أصول واضحة أو تغييبه داخل المؤسسات والدوائر الاقتصادية والإدارية، والقبول بمفهوم غير مهني وغير احترافي قائم على مبدأ: مشيها اليوم وغدا نرى، في تسيير الأمور والحفاظ على الأوضاع القائمة. ولا يعني ذلك كله في الواقع سوى قتل روح المبادرة والتجديد والإبداع والتحسيين عند جميع العاملين وداخل المجتمع بأسره.

ويبين نصيب الصادرات عالية التقنية من مجمل الصادرات العربية الموقع الأدنى الذي تحتله منطقة " الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، بين مناطق العالم، بما في ذلك مجمل البلدان منخفضة الدخل، في كلا نسبة الصادرات المصنعة (مؤشر على مدى غلبة المواد الأولية في الناتج الاقتصادي) ونسبة صادرات التقانة العالية (مؤشر على مدى كثافة المعرفة في الناتج الاقتصادي).

كما تؤكد المؤشرات الخاصة بعدد براءات الاختراع المسجلة من قبل البلدان العربية ونسبة إنتاج الكتب في العالم العربي درجة التخلف العلمي والتقني للعالم العربي بالمقارنة مع بقية بلاد العالم وموقعه الهامشي في الثورة العلمية والتقنية الراهنة سواء من حيث الانتاج والمشاركة في السوق الواسعة التي تخلقها والتي تشكل أهم سوق متطورة ونشيطة اليوم في الاقتصاد العالمي أو من حيث المشاركة العلمية والفكرية والابداعية. فلا تزيد البراءات المسجلة في أهم وأكبر دولة عربية، مصر، عن 77 براءة خلال الفترة 1980 – 2000 في حين تبلغ في كورية 16328للفترة ذاتها. ولا يتجاوز إنتاج الكتب في البلاد العربية 1,1 من الانتاج العالمي في حين يعد العالم العربي 5 بالمئة من سكان العالم. مع العلم أن نسبة كبيرة من هذا الانتاج مكرسة للكتب الدينية والتراثية.

بيد أن الأثر السلبي الأكبر لفجوة المعرفة لا يظهر للأسف في ضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فحسب وإنما يظهر بشكل أكبر وأخطر في عحز البلاد العربية عن إنتاج وسائل دفاعاتها وحمايتها في وجه الاعتداءات والضغوط الخارجية ويحول دون إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة في أخطر مواجهة يتقرر فيها مصير المنطقة، أعني المواجهة العربية الاسرائيلية

1 commentaire:

Anonyme a dit…

Exceptional web site!

Most everyone wants to acquire insurance at one time or another, whether it is
auto insurance, life insurance, health insurance, or homeowners insurance.
These days it is easier than ever to get free insurance quotes from several
companies in order to find the optimal deal. You can also learn how to save
oodles of money in free gasoline when you obtain your insurance cost quotes.

[url=http://freeinsurancequoteshq.com]Free insurance quotes[/url]
http://freeinsurancequoteshq.com

[url=http://familytreesoftware.org/family-history-software/]Family history software[/url]

http://familytreesoftware.org/