vendredi, juillet 06, 2007

حوار حول حماس والازمة الفلسطينية

اسلام اون لاين نات
نشر في 27 يونيو 07

برهان غليون: الصف الثاني الأنسب لحماس *
حوار - هادي يحمد

المفكر العربي برهان غليوناعتبر "برهان غليون" المفكر العربي البارز ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر والأستاذ في جامعة باريس الثالثة، أن حركة حماس استدرجت إلى "الفخ الأمريكي"، والذي يرمي إلى حصارها والقضاء عليها. ورأى غليون أن هذه إشكالية العمل السياسي الكبرى التي تواجه الحركات الإسلامية بوجه عام، أي خطأها في تقدير واقع البيئة الدولية والإقليمية، وأنها لا تأخذ بالقدر الكافي مسألة أنه لم يعد هناك سياسة اليوم مستقلة كليا عن محيطها.
وفي حوار خاص مع شبكة إسلام أون لاين.نت، رأى غليون أن الأنسب لحركة حماس أن تبقى في الصف الثاني أو تبقي على نفسها في دائرة المعارضة فقط؛ وذلك لأن طبيعة البيئة الجيوسياسية الدولية تدين مسبقا أي عمل سياسي "إسلامي".
وإضافة إلى ذلك فإن حركات المقاومة الإسلامية الوطنية، ومنها حماس وحزب الله، لم تستوعب معادلة "مقلوبة" تقول إنه كلما تعاظمت تضحيات الحركات الإسلامية قلت قدرتها على إنجاز مكاسب سياسية، أي تضحيات أكثر تساوي مكاسب سياسية أقل.
ولفت غليون النظر إلى أن الانقسام الذي حدث داخل صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية إنما يعبر في جانب منه عن المأزق الذي يعيشه مشروع التحرر الوطني الفلسطيني والعربي منذ عقود طويلة، حتى أننا في فلسطين وغيرها من البلاد العربية تجاوزنا نقطة الانقسام ووصلنا إلى القطيعة ثم إلى المواجهات الداخلية.
وفيما يلي نص الحوار:
* ما هو تحليلكم للواقع الفلسطيني اليوم في ضوء سيطرة حماس على قطاع غزة، وسيطرة فتح بقيادة محمود عباس على الضفة الغربية؟ وهل نحن بصدد منعرج سيغير أولويات النضال الوطني الفلسطيني؟
- نعم، نحن بصدد منعرج خطير، لكنه ليس في الاتجاه الذي كنا نتمناه بل في الاتجاه المعاكس، فمن الواضح أن تناقضًا عميقًا قد نشأ داخل الحركة الوطنية الفلسطينية منذ التسعينيات، ودفع إلى نشوء حركتين من توجهات وحساسيات ومناهج ورؤية مختلفة تمامًا؛ فتح المرتبطة بأيديولوجية الحركات الوطنية الحديثة من جهة، وحماس ذات التوجه الإسلامي الواضح من الجهة الثانية.
وبالرغم من الخلاف الشديد في أسلوب التفكير والإستراتيجية والهدف، أمكن حتى وقت قريب الحفاظ على حد أدنى من التعايش، إن لم نقل التواصل، بين ما أصبح يشكل جناحي الحركة الفلسطينية. وقد بدأ هذا التناقض يتفاقم شيئًا فشيئًا مع تنامي فتح التي سيطرت على مقاليد الأمور في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية، وصار للفئة القائدة فيها مصالح في الدفاع عن الوضع القائم، فمالت إلى الاعتدال، ثم المساومة في علاقتها مع إسرائيل، وبشكل خاص مع البلدان الغربية التي تمول السلطة الوطنية.
ومن جهة أخرى تفاقم إحباط الشعب الفلسطيني الذي أخذت حماس في التعبير عنه، بسبب تراجع الوضع الفلسطيني وغياب الإنجازات وانتشار الفساد في أوساط الإدارة الفلسطينية.
وقد دفع هذا التناقض المتنامي إلى المواجهة السياسية بين حماس وفتح، وفي سياق هذه المواجهة تخلت حماس عن موقفها التقليدي بالبقاء في موقع المعارضة ودخلت الانتخابات التشريعية لتظهر قوتها وتؤكد مواقفها. ومنذ ذلك الوقت أخذ النزاع بين الطرفين وتيرة متصاعدة باضطراد، حتى وصلنا إلى قطيعة كاملة بينهما، قبل أن تتحول هذه القطيعة السياسية إلى قطيعة على الأرض، تتجسد في تكوين سلطتين مستقلتين بعضهما عن بعض، وقائمتين في قطعتين من الأرض الفلسطينية.
وينطوي هذا الوضع على انهيار خطير في مشروع السلطة الوطنية أو ما أطلقنا عليه سلطة وطنية فلسطينية، كما ينطوي على مشروع حرب أهلية مدمرة. ومنذ الآن يقوم كل فريق في منطقته باحتكار السلطة والقضاء على الفريق الآخر.
وما كان من الممكن لإسرائيل أن تحلم بوضع أفضل، فانفصال حماس عن السلطة الوطنية يمهد لفرض الحصار عليها في غزة، ويجعل منها هدفًا سهلا من الناحية السياسية لآلة الحرب الإسرائيلية التي تستطيع منذ الآن، بذريعة القضاء على الإرهاب، توجيه ضربات مستمرة واغتيال قيادات سياسية، وبمأمن من أي نقد، وبإغماض عيون الحكومات العربية والسلطة الفلسطينية نفسها في الضفة الغربية.
وسيدفع وضع حماس أمام خيار الحصار والموت بشبابها حتما إلى المزيد من التطرف والمغالاة. وفي المقابل ستدفع الدول المانحة وإسرائيل إلى احتواء فتح وسلطتها الوطنية في الضفة من أجل دفعها إلى الوقوف في وجه حماس وتأكيد تبعيتها المتزايدة للسياسة الأمريكية/الإسرائيلية. وهذا ما سوف يؤجل إلى أجل غير منظور مسألة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ويمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها الاستيطانية والتهرب من التزاماتها الدولية، إذا لم تنجح دول الجامعة العربية في احتواء الموقف بسرعة.
* بعد استيلاء حركة حماس بالقوة المسلحة على قطاع غزة.. هل نحن بصدد تأكيد الصورة التي رسمت على كون الحركات الإسلامية بشكل عام همها الأول الاستيلاء على السلطة مهما كانت خصوصياتها؟
- لا أعتقد أن الاستيلاء على السلطة كان هو الدافع الرئيسي لدخول حماس الانتخابات التشريعية، ولا لاستخدامها السلاح في قطاع غزة كان لتأكيد سيطرتها على القطاع. ليس هناك في نظري أي شك في أن حماس تضع القضية الوطنية الفلسطينية في بؤرة اهتمامها، وتتعامل مع قضية السلطة من هذا المنظور.
وفي اعتقادي أن حماس وقعت في فخ نصبته لها الإدارة الأمريكية في إطار الحرب ضد ما تعتقد هذه الإدارة أنه امتدادات للقوة الإيرانية والسورية الإقليمية، بهدف قطعها عن العالم ومحاصرتها وتشديد الخناق عليها.
* بخصوص الحركات الإسلامية.. هل نستطيع القول إن حماس وضعتها مجددا في مأزق جديد خاصة أمام المجتمع الغربي وهو ما يزيد من التخوفات منها مهما كان اعتدالها؟
- نعم، سوف يستخدم مثال حماس في الدعاية العالمية وحتى العربية للتدليل على أن الحركات الإسلامية لا تفكر إلا في السلطة، حتى لو كان ذلك على حساب القضايا الوطنية الكبرى، وأنها حركات متطرفة وعنيفة، لا يؤمن جانبها، وليس هناك خيار آخر للتعامل معها سوى محاربتها. وهو ما يقود إلى تأكيد منطق الحرب ضد الإرهاب الدولي الذي تعتمده الإدارة الأمريكية في سياساتها الدولية، وتجعل منه محور إستراتيجيتها في الشرق الأوسط والعالم. لكن لم تكن هذه الإدارة بحاجة إلى ما حدث في غزة حتى تبرر مذهبها الإستراتيجي، فلديها أمثلة كثيرة أخرى تستطيع أن تستعين بها، في العراق وغيره، لتضفي الشرعية على سياستها الاستعمارية الجديدة.
بيد أن ذلك لا يعفينا نحن من مراجعة التجربة وأخذ العبر منها. وفي اعتقادي أن مشكلة الحركات الإسلامية الوطنية المماثلة لحماس وحزب الله، وهي حركات مقاومة شعبية، تختلف كثيرا في بنيتها وأساليب عملها وأهدافها عن منظمات مثل القاعدة وفتح الإسلام وغيرها من الفرق ذات الطابع الإرهابي. ولا تنبع المشكلة من استخدام هذه الحركات الوطنية السلاح ولا مشاركتها في السلطة أو سعيها إليها، فهذا ليس ممنوعا ولا محرما على الحركات الشعبية التي تواجه الاحتلال، مهما كانت العقيدة السياسية التي تحملها.
لكن مشكلتها تكمن في أنها لا تأخذ ـ بما فيه الكفاية ـ في الاعتبار أنه لم يعد هناك سياسة اليوم مستقلة كليا عن محيطها، وأن السياسة ذاتها أصبحت مسألة إقليمية ودولية. فالسلطة الفلسطينية التي قامت بعد اتفاقات أوسلو ليست ثمرة قوة فلسطينية مستقلة، وإنما نتيجة تسوية متعددة الأطراف، دولية وعربية وفلسطينية، حصلت كحل وسط بين الحل النهائي للقضية الفلسطينية والاستمرار في الحرب الوطنية المفتوحة. وإذا أراد طرف، حتى لو كان ذا قاعدة شعبية عريضة، حرف هذه السلطة "الوطنية" عن مسارها أو استخدامها لغير الأغراض التي رسمت لها، فلن يتردد القائمون عليها من القضاء عليه أو القضاء على من يريد حرفها عن أهدافها.
وينطبق هذا المبدأ المتعلق بطبيعة العملية السياسة التي أصبحت عابرة أكثر فأكثر للحدود، على ما يتجاوز ذلك بكثير، أي على أي عمل سياسي. وهنا تكمن أزمة العمل الإسلامي في السياسة العربية والدولية. فبسبب إدانته المسبقة من قبل البيئة الدولية، حتى لو كانت هذه الإدانة على باطل، لا يستطيع هذا العمل أن يثمر مكاسب سياسية، بل إن نتائجه تزداد سلبية بقدر رفض القوى الدولية التعامل معه.
وهكذا كلما تعاظمت تضحيات الحركات الإسلامية كلما قلت قدرتها على إنجاز مكاسب سياسية. وهنا تكمن المفارقة: تضحيات أكثر تساوي مكاسب أقل، وهو ما يعني أنه كلما زادت الحركات الإسلامية قوة كلما قل مردودها السياسي.
باختصار لا تسمح شروط البيئة السياسية والجيوسياسية الدولية اليوم بتنفيذ أي أجندة إسلامية سياسية كأجندة وطنية. وخطأ حماس أنها أرادت، بالإضافة إلى ذلك أن تعطي لنفسها أبعادا دولية فاتصلت بإيران بعد أن كانت على علاقة قوية بسوريا، فأثارت حفيظة جميع القوى التي تقف في الصف المقابل، بما فيها قوى أغلبية الدول العربية. وكان الأفضل لحماس أن تبقى في الموقع الثاني، وألا تتصدر الحركة الوطنية، حتى تحمي نفسها، وتمكن قوى أخرى من قطف ثمار تضحيات الشعب الذي يعمل تحت رايتها، لكن هذا يتطلب حسا بالتفاني لا حدود له، وتجاوزا للإساءة والاستفزاز اليومي الموجه بالضرورة لها من قبل خصومها ومنافسيها معا.
* برأيكم ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة هل هو مواصلة للمواجهة بين المحور الإيراني السوري الذي له أنصار في الأراضي المحتلة أمام ما يطلق عليه البعض المحور المعتدل، والذي يتشكل من بعض الأنظمة العربية المساندة للإدارة الأمريكية؟
- كما ذكرت سابقا، جانب من ذلك موجود بالطبع، لكن ذلك ليس الأمر في مجمله. فالاستقطاب الإقليمي والدولي الذي حصل، ودفع حركة حماس إلى التقرب من إيران وسوريا، كما دفع حركة فتح إلى التماهي مع ما يسمى بحكومات الاعتدال العربية، واكب التباعد المضطرد بين مواقف وتوجهات وأسلوب عمل قطبي الحركة الوطنية الفلسطينية.
وكان الاستقطاب بهذا المعنى تتويجا للانقسام الوطني نفسه، وتبني إستراتيجيتين متباينتين ومتعارضتين: الأولى تراهن على الضغوط العربية والدولية، وتتبنى تكتيكات سياسية لفتح أفق التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، والثانية تصر على متابعة الكفاح المسلح وتكثيف الضغوط العسكرية وتعميم ثقافة المقاومة والشهادة كوسيلة لتحرير جميع الأرض الفلسطينية وطرد المستعمرين اليهود منها.
السؤال: هل كان الطلاق بين الفريقين والإستراتيجيتين حتميًّا أم أنه كان من الممكن حصول تسويات مؤقتة أو مستمرة بينهما؟ في اعتقادي أن مثل هذه التسويات كانت ممكنة، وهو ما دل عليه تطور التصريحات المؤكدة على استعداد حماس للقبول بدولة فلسطينية في الضفة وغزة، وتجميدها للعمليات العسكرية واقتراحها مبدأ هدنة طويلة، إذا التزمت إسرائيل بذلك. وهو ما يبرهن عليه أيضا تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
ونحن نعرف أن هذه التسويات لم تحظ بموافقة واشنطن ولا تل أبيب، وتمت إدانتها من قبلهما، فهي تجنب حماس العزلة والحصار والحرب التي تريد العاصمتان فرضها عليها. وهو ما سعت إليه وعملت على تحقيقه في النهاية من خلال استفزاز حركة حماس، وإدخالها في حرب داخلية، والضغط على الدول العربية التي رعت إنشاء حكومة الوحدة الوطنية للتخلي عن مساعيها، واتخاذ موقف إدانة رسمية وصريحة لحماس، وتأييد حكومة محمود عباس وحدها... لذلك نتمنى أن تكون هناك تفهمات عربية جديدة تعمل على رأب الصدع بين الحركتين، ولا تستجيب كلية للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية، وهذا غير مستحيل عمليا، حتى في ظل الحديث عن المحاور الإقليمية.
* إلى أين نسير في الأراضي المحتلة؟ هل يمكن أن نتحدث عن نهاية مشروع التحرر الوطني الفلسطيني أو أنه بحاجة لوقت طويل حتى يستيقظ ثانية؟
- يعيش مشروع التحرر الوطني الفلسطيني والعربي معه في مأزق منذ عقود طويلة، بل إن وصوله إلى طريق مسدودة هو الذي يفسر الانقسام الذي حصل داخل صفوف الحركة الوطنية، والاستقطاب المتزايد فيه بين قوى تريد التعامل مع الواقع، بل الاستسلام له، من جهة، وقوى أخرى تريد الذهاب أبعد في التحدي والمواجهة وتلقين دروس في التضحية وقبول المخاطر، وهو ما أصبح مصدر مزايدة البعض في البرهان على الاستعداد للشهادة واستخدام العنف، والبعض الآخر في الذهاب حتى التفاهم والتعاون مع الأجنبي للحفاظ على المصالح البسيطة المجسدة في الاستقرار الأدنى وتأمين شروط الحياة اليومية.
وقد تجاوزنا اليوم في فلسطين وغيرها من البلاد العربية نقطة الانقسام ووصلنا إلى القطيعة الناجزة، بل إلى المواجهة الداخلية التي تعبر عن نفسها أكثر فأكثر من خلال المواجهة الإقليمية بين دول الاعتدال المرتبطة بالكتلة الغربية ودول الممانعة والمقاومة والصمود الممثلة بإيران وسوريا والمنظمات المتحلقة حولهما. وإذا استمر هذا الاتجاه فسوف تذوب المشاريع والصراعات الوطنية ومشاريع التحرير وتنحل في المواجهة الإقليمية وتنتهي معها.
لذلك لست متأكدا من أنه ما يزال من الممكن أن نستخدم مفاهيم عادية أو قياسية مثل مشاريع التحرر الوطني؛ لوصف ما يجري في منطقة خرجت فيها إستراتيجيات الدول والمنظمات عن أي قواعد مرعية، وأصبحت اللغة الوحيدة السائدة فيها هي لغة الهمجية والقتل والخراب أو التهديد بالخراب الشامل، وذلك بقدر ما تنزع القوى المتضاربة، الدولية والإقليمية التي تعيش مأزق مشاريعها السلطوية، إلى استخدام جميع الوسائل، مهما كانت لا أخلاقية ولا إنسانية، لتحرير نفسها من القيد، أو للخروج من المطبات التي وقعت فيها، والحفاظ على رهاناتها ومصالحها، وهذا ما يعني أن المواجهة مستمرة، وأن شيئا لم يحسم ولن يحسم في المدى المنظور، طالما لم تدرك القوى الكبرى أنها لن تستطيع الحفاظ على مصالحها من دون اعتبار مصالح الأطراف الأضعف والتعاون معها على صيانتها وتعظيمها.
*حوار أجراه مراسل شبكة إسلام أونلاين. نت في باريس مع المفكر العربي البارز "برهان غليون" مدير مركز دراسات الشرق المعاصر، والأستاذ في جامعة باريس الثالثة.

Aucun commentaire: