samedi, juillet 23, 2005

مقابلة القنطرة الألمانية : الاصلاحات السياسية

الاصلاحات السياسية، والتطورات الديمقراطية في العالم العربي،ومستقبل الاصلاحات والديمقراطية في سوريا.
اجرى الحوار صالح دياب
موقع القنطرة الألمانية 23 يوليو 05
باكرا كتبت عن الديمقراطية وبشرت بها. بعد كل هذه السنوات من كتابك "بيان من اجل الديمقراطية". هل ترى ان شيئا ما قد تغير وتحقق ناحية السير نحو الديمقراطية في العالم العربي؟
برهان غليون: بالتاكيد لا يستطيع احد ان ينكر اليوم ان ثغرة ان لم نقل ثغرات عديدة قد فتحت في نظام السيطرة الاحادية والحكم الاستبدادي في العالم العربي، بالرغم من ان نمط هذا الحكم لايزال سائدا في كل مكان هنا. بل يمكن القول ان الاسس الايديولوجية لهذا الحكم قد تحطمت تماما بما في ذلك عند قسم كبير من التيار الاسلامي، باستثناء التيارات الجهادية التي تقتصر بطبيعة نشاطها على اقلية منظمة وسرية. فالتحول نحو انظمة ديمقراطية هو اليوم شعار مشترك بين جميع التنظيمات السياسية العلنية وهيئات المجتمع المدني والمثقفين على اتساع الارض العربية. لكن حتى على المستوى السياسي فقد نظام الحكم الاستبدادي مرتكزاته الرئيسية فلم يعد يتمتع باي صدقية بعد ان ابرزت المعارضة الديمقراطية ضالة النتائج التي تحققت على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستفحال الفوضى والفساد وانعدام المسؤولية لدى النخب الحاكمة. وبالرغم من ان هذه النظم لا تزال قادرة على المقاومة بسبب قوة الاجهزة الامنية وعطالة المجتمعات الا انها فقدت تماما الشرعية وانتهى زمنها. الكل يفكر بالتغيير وينتظره بما في ذلك النخب الحاكمة نفسها. والحديث لا يدور في الداخل والخارج الا عن طبيعة القوى التي ستقوم بانجاز مهام التغيير وبلورة صيغة النظام القادم. لذلك اعتقد ان مسالة التغيير الديمقراطي قد تقدمت كثيرا حتى لو ان الديمقراطية العربية المنتظرة لم تلد بعد. وهذا التقدم قائم بالضبط في تحقيق ما اطلقت عليه انا مرحلة تفكيك نظام الاستبداد القائم الذي يشكل خطوة سابقة على بناء الديمقراطية وشرط له
.
-الاسلاميون لا يتقبلون الديمقراطية بنموذجها الغربي والاحزاب الحاكمة تدعى ان هناك خصوصيات
للمجتمعات العربية والاسلامية يجب الاخذ بها. كيف يمكن ان تتقدم الدول العربية نحو الديمقراطية امام هذه العوائق المجتمعية والسياسية؟
غليون: كل هذا كلام سطحي نابع اما عن ضعف المعرفة بمنظومة الديمقراطية الفكرية والسياسية او عن البحث عن ذرائع سهلة لتاجيل الاستحقاقات التاريخية. وكما بينت الاستقصاءات السياسية، نسبة المؤدين للديمقراطية والمؤمنين بنظامها هي الاعلى اليوم في العالم العربي من كل بقاع العالم الاخرى. والسبب في ذلك ان شعوبه لا تزال محرومة منها منذ عقود طويلة. ونحن نشهد اليوم بالعكس ان قسما كبيرا من الاسلاميين يسعى الى تكييف اطروحاته مع الفكرة الديمقراطية كما ان النخب الحاكمة تجنح بشكل اقل اليوم تحت تاثير الضغوط الداخلية والخارجية الى الحديث عن الخصوصية. انها تميل الى الحديث عن التدرج في الوصول الى نموذج الديمقراطية. ليس هناك في رايي رفض ولا عائق ايديولوجي امام الديمقراطية. المشكلة هي في بناء قوى التغيير الديمقراطي بعد ما يقارب النصف قرن من الاجتياح الاستبدادي للمجتمعات وتكسير بناها الفكرية والسياسية والمدنية معا. هذا هو التحدي الحقيقي لحركة التغيير الديمقراطي الناضج من الناحية الايديولوجية.
تبدو الطائفية احد الركائز الاساسية التي تنبني عليها كثير من الانظمة الاستبدادية والدكتاتورية في العالم العربي. مع ذلك لا نجد احدا من دعاة الاصلاح والديمقراطية يتحدث عن ذلك. باستثناء العراق. ما هو السبب برايك ؟
غليون: الطائفية كانت دائما موجودة في المجتمعات العربية وستظل موجودة في المستقبل وهي موجودة ايضا في بلدان عديدة تعيش في ظل نظم ديمقراطية. وليست هي التي تشكل العقبة امام تقدم قضية التحويل الديمقراطي. انها تتحول الى مشكلة عندما تصبح الاطار الوحيد للتضامن بين الافراد ويتغلب الانتماء للطائفة او العشيرة على الانتماء للجماعة الوطنية. ولا يحصل ذلك الا عندما ينهار اطار التضامن الوطني الذي يجمع الافراد على صعيد اعلى واشمل وتزول فعالية الرابطة الوطنية وهو نتيجة مصادرة فريق واحد للدولة وللسلطة الوطنية ووضعهما في خدمة مصالحه الخاصة. وهكذا تكف الدولة عن ان تلعب دور الحاضنة العامة لجميع الافراد بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية او الطائفية. ولذلك يكفي ان نعيد الى الدولة طابعها الوطني اي العمومي حتى يتراجع الانتماء الطائفي الى الدرجة الثانية ولا يصبح هناك تناقض عدائي بين الرابطة الوطنية والرابطة الطائفية او الاثنية. وانا اعتقد ايضا ان التركيز على المسالة الطائفية لا يفيد كثيرا في فهم تراجع الحقيقة الوطنية ولكنه يزيد من تازم الاوضاع. ان التركيز ينبغي ان يكون على عملية تدمير الدولة وتحويلها الى اداة لخدمة المصالح الخصوصية لان استرجاع فكرة الدولة وموقعها في الحياة الوطنية هو المهم للخروج من الاستبداد والطائفية المرتبطة به في الوقت نفسه.
الدعوات الى الديمقراطية تترافق مع الدعوات الى الليبرالية .هل ترى ان هذا التداخل يساعد ام يعرقل هذه الدعوات في العالم العربي؟
غليون: كما ذكرت في مقال حديث لي، من الطبيعي ان تترافق الدعوة الى الديمقراطية بعودة الفكرة الليبرالية التي تبدو فكرة نقيض وبديل في الوقت نفسه عن العقائديات الشمولية التي سيطرت في الحقبة السابقة باسم القومية او الاشتراكية او الدولة الاسلامية. ولذلك هناك نزعة قوية لدى المثقفين الى التماهي مع الليبرالية بالمعنى التحرري الانساني. فهي ليست مستخدمة هنا بما يدل على الاخذ ببرنامج الليبرالية الجديدة الاقتصادي والاجتماعي. ولذلك ارى من الضروري هنا حتى لا تبقى الديمقراطية محصورة بالسياسات الليبرالية ورهينة لها وكذلك حتى لا يستحوذ عليها فريق واحد ويحرم الاخرين من حقهم في الانتماء المتساوي لها، اقول ارى من الضروري ان يتم التفريق بين الديمقراطية والليبرالية، اي بين الديمقراطية كنظام سياسي وبين البرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمكن لكل تيار فكري واجتماعي ان يصوغها للتعبير عن مصالحه ومواقفه. فلا استبعد ان يكون هناك ديمقراطية اجتماعية يركز برنامج القائلين بها بشكل اكبر على قضايا العدالة الاجتماعية ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة وديمقراطية ليبرالية يتطابق برنامجها مع برنامج النيوليبرالية العالمية التي تعطي الاولوية لمنطق الاقتصاد والتنمية ودفع الاستثمار على اساس اقتصاد السوق وتوسيع دائرة التبادل في اطار السوق العالمية ولماذا لا، ديمقراطية اسلامية، قريبة في مفهومها من الديمقراطية المسيحية التي عرفتها اوروبة بعد الحرب الثانية والتي تتميز بحساسية خاصة تجاه القيم والمعايير الاخلاقية والدينية لكن في اطار احترام قواعد السياسة والعمل الديمقراطيين. بهذا المعنى عدم مطابقة الديمقراطية مع الليبرالية هو ضمانة لتحويلها الى فكرة جامعة لا تقتصر على تيار ايديولوجي واحد وانما تنفتح على جميع اولئك الذين يرفضون الشمولية ويقبلون بالتعددية والاحتكام الى الراي العام عبر انتخابات دورية.
الاحزاب العربية الحاكمة شكلية وواجهة لحكم البوليس والامن. في هذا الوضع كيف للديمقراطية ان تشق طريقها مقابل عنف الدولة في العالم العربي؟
غليون: عندما يتبلور الراي العام فعلا وينتظم وراء فكرة جامعة، وهي هنا فكرة العودة للنظام الديمقراطي والخروج من الديكتاتورية، لن تستطيع اجهزة الامن ان تفعل شيئا. هذا ما حصل في العقود الماضية في كل دول اوربة الشرقية وما حصل منذ قليل في لبنان عندما نزل الشعب الى ساحة الشهداء في 14 اذار 2005 بالملايين قبل ان تنتزع الزعامات الطائفية المبادرة من جديد. لكن حركة المجتمع هي التي تسببت في انهيار النظام الامني القائم.
الاصلاح ومحاربة الفساد شعارات ترفعها الاحزاب الحاكمة كما ترفعها المعارضة ايضا.هل توضح لنا عن هذا الامر؟ ولماذا هذا الالتحاق من قبل السلطة بشعارات المعارضة في البلدان العربية؟
غليون: لان السلطة لم تعد قادرة على انكار الحصيلة السلبية واحيانا الكارثية لادارتها وحكمها غير الصالح في العقود الماضية. فهي بتبنيها شعار الاصلاح تريد ان تظهر انها اخذت علما بالامر وسوف تسعى الى تجاوز اخطاء الماضي، وهو ما يبرر لها، في نظر اصحابها طبعا، المطالبة بتمديد فترة حكمها وعدم طرح مسالة التغيير كتغيير للحكم والنظام وانما فقط كتغيير للسياسة القائمة وفي مقدمها تبني اقتصاد السوق. بذلك تحاول النظم القائمة ان تحافظ على نفسها وتخدع الراي العام.
بعد سنوات من دعوات الاصلاح من قبل المثقفين السوريين ومنظمات حقوق الانسان, بعد تولي بشار الاسد السلطة في سوريا، ودعواته هو ايضا من اجل التغيير.الا ان ما تحقق على الارض يكاد لا يرى .هل ما زال بالامكان استمرار التعويل على السلطة بعد كل ردود فعلها؟
غليون: بالفعل اخفق المثقفون في اقناع السلطة السورية بضرورة الاصلاح الحقيقي. وهو ما يشكل اليوم تحديا كبيرا للمعارضة بجميع اجنحتها من مثقفين وهيئات مدنية واحزاب سياسية. فعندما ترفض السلطة استراتيجة الحوار من اجل تفكيك التوترات الاجتماعية والرد على المطالب المتصاعدة، يخشى ان يقود ذلك الى تبني تيارات عديدة، بسبب فراغ الصبر او عدم احتمال الاوضاع، الى العودة الى استراتيجيات العنف او حتى اللقاء مع الاجنبي. وهذا ما لا يبدو ان السلطة في سورية وعته او اخذته بالاعتبار مستندة على ان المعارضة السورية في غالبيتها وطنية وشريفة. وهو ما يعني انها تكافؤها على وطنيتها وشرفها بسحب البساط من تحت اقدامها واظهارها امام الراي العام بانها عاجزة لصالح القوى المتطرفة المنادية بوقف الحوار والتعاون مع الاجنبي. ولعلها تريد من ذلك ان تدفع قصدا نحو التطرف حتى تحتفظ لنفسها وحدها بصفة الوطنية والعقلانية امام القوى الاجنبية التي تطلب منها استمرار اعتمادها. ولله في خلقه شؤون.
تسعى بعض الاحزاب الشمولية الى ان تتحول الى احزاب تعددية ديمقراطية. هل الامر يتجاوز الحدود الشكلية ؟
غليون: نعم اعتقد ان احزابا قومية ويسارية واسلامية عديدة ادركت اليوم في ضوء التجربة التاريخية العامة وامام الفشل المتكرر الذي واجهته هي نفسها ان الديمقراطية يمكن ان تكون المخرج الوحيد لها من العزلة والمازق العميق الذي تعيش فيه ومن الاحباط الذي يعاني منه اعضاؤها انفسهم. ولذلك فهي تميل الى تبني الصيغة الديمقراطية. انها تحاول بالتاكيد المساومة على بعض قيمها التي تجد صعوبة في التكيف معها، لكنها تقبل في الدخول عموما في منطق التعددية والقبول بقواعدها. وهذا تقدم مهم لمسالة الديمقراطية العربية. ولا ينبغي ان نحلم ان المجتمعات تدخل الديمقراطية من باب الايمان الكامل والمطلق لجميع الاطراف وبكامل القيم والقواعد الديمقراطية. على الديمقراطيين الحقيقيين ان يستفيدوا من هذا الميل الذي يعكس انهيار الفكرة الديكتاتورية او على الاقل زوال جاذبيتها ليرسخوا اسس الديمقراطية وليدفعوا الاطراف الداخلة فيها خجلا او هربا من ازمتها الخاصة الى الانخراط الجدي والنهائي فيها. وليس هناك ما يمنع ذلك ابدا لا فكريا ولا دينيا ولا سياسيا ولا اجتماعيا.
انتهاج طريق الاصلاح الاقتصادي بمعزل عن الاصلاح السياسي دعوة يطلقها النظام الحاكم في سوريا. هل يمكن لهذا الامر، يحصل برايك ؟ام انه نوع من محاولة للالتفاف على الاصلاح الحقيقي؟
غليون: لو كانت المشكلة نابعة من سوء الادارة او السياسة الاقتصادية في حين ان النظام الاجتماعي السياسي لا يزال صالحا وفعالا على المستويات الاخرى لكان هناك معنى للحديث عن اصلاح اقتصادي مستقل عن الاصلاح السياسي. لكن في سورية كما هو الحال في معظم البلاد العربية ينبع سوء السياسات الاقتصادية وضعف الاداء من طبيعة النظام السياسي نفسه، اي من وجود سلطات تمدد لنفسها تلقائيا ولا تقبل بالمحاسبة ولا المساءلة وترفض مبدأ الاستشارة الشعبية والانتخابات وتخضع جميع السلطات لحزب واحد او لشخص واحد مطلق الصلاحية كما يتم فيها احتلال مناصب المسؤولية على جميع المستويات حسب الولاءات السياسية او العائلية بدل الكفاءة المهنية والاهلية الاخلاقية. لذلك لا يمكن اصلاح الاداء الاقتصادي من دون تغيير قواعد العمل السياسي واسلوب ممارسة السلطة وتوزيع المسؤوليات العمومية وتعيين القائمين عليها. وهذا هو جوهر النظام السياسي. هنا تكمن المشكلة الحقيقية.
المفكر برهان غليون : مدير مركز دراسات الشرق المعاصر واستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون في باريس، احد الذين كتبوا ودعوا باكرا الى خيار النظام الديمقراطي كمخرج وحيد للاوضاع السياسية والاقتصادية التي يعيشها البلدان العربي

Aucun commentaire: