رسالة النقد الاجتماعي
تحليلات ودراسات في المجتمع والسياسة
في العالم العربي والشرق الأوسط
Burhan Ghalioun is presently a Professor of Political Sociology at the Universite La Sorbonne Nouvelle. He is the author of several authoritative books as well as over a hundred academic articles in various journals on political Islam, Arab political culture and state and society relations in the Arab World.
https://www.facebook.com/BurhanGhalion
dimanche, août 30, 2015
اليوم العالمي للاختفاء القسري هو يوم حداد، وتأمل وتفكير في مصير ملايين البشر، مثلنا، الذين اختطفوا من بيوتهم أو أماكن عملهم، وسيقوا إلى مراكز الاعتقال والتعذيب وربما الموت، بسبب أفكارهم ومواقفهم والمباديء التي آمنوا بها، في ظل نظم سياسية لا تعرف معنى الحرية والقانون ولا اي مفهوم للعدالة واحترام الانسان. نتذكر أخوتنا الذين تجاوز عددهم حسب منظمات إنسانية ٨٠ ألف مختطف ومختف في سجون ومعتقلات وأقبية الأسد وتحت سلطة الاحتلال المشترك مع طهران. نفكر في مصيرهم، نثمن تضحاتهم، نتعلم منهم الشجاعة والتفاني والمحبة والصبر. في اليوم العالمي للاختفاء القسري نفكر في واجباتنا تجاه أبناء شعبنا الصابر وتجاه المخطوفين والمعتقلين، ومسؤوليتنا في العمل على انقاذ أرواحهم والدفاع عن حقوقهم، وحقوق ذويهم. يوم الاختفاء القسري هو يوم التضامن العالمي مع كل المختطفين والمعتقلين والمسلوبي الحقوق والحريات. وهو يوم للحرية، التي من أجلها ضحى الكثيرون بأرواحهم وفنوا أعمارهم في سجون أعداء الحرية والانسان.
تمحور الصراع على دور بشار الأسد في الحل السياسي في سورية، وموقعه في المرحلة الانتقالية، منذ الأشهر الأولى للثورة في العام 2011، حين صعّد المتظاهرون، في مواجهة الحملة الدموية التي تعرضوا لها من قوى الأمن والجيش والشبيحة، من مطالبهم، وتبنوا إسقاط الأسد، بينما جعل الموالون له من شعار "الأسد أو نحرق البلد" ديناً جامعاً، وتأكيداً لرفضهم، أي تعديل في قواعد الحكم والسيطرة والنظام.
وحصل ما يشبه ذلك أيضاً على صعيد السياسة الدولية، فتبنى من سموا أنفسهم أصدقاء الشعب السوري فكرة تنحي الأسد، رداً على سياسة إفراط النظام في العنف. وبرز تشبث حلفاء النظام الإقليميين والدوليين، في طهران وموسكو، بشعار الدفاع عن وجود الأسد في أي صيغة تسوية سياسية، ورفض أي نقاش عنه. وكانت عقدة الأسد قد برزت بشكل قوي، أيضاً، منذ بدء المداولات الدولية لإصدار قرار مجلس الأمن الذي سمي، لاحقاً، بيان جنيف1، والذي أقرت فيه تسوية تقوم على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، من دون أي إشارة إلى دور الأسد، سلباً أو إيجاباً. والواقع أن مسودة مشروع القرار كانت تتضمن جملة تنحي الأسد، وهذا ينسجم مع فكرة هيئة الحكم التنفيذية كاملة الصلاحيات. ولكن، تم التوافق على حذفها، والإبقاء على الغموض في موضوع دور الأسد، لضمان تصويت موسكو على القرار الأممي. وإذا كان هناك من يتحدث، اليوم، عن بارقة أمل في الحل السياسي، بعد خمس سنوات من الأزمة، كما عبر عن ذلك الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في آخر خطبه، فذلك لأن الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها، في الأشهر الأخيرة، قوى ودول معنية عديدة، خصوصاً المملكة العربية السعودية، توحي بأن موسكو أصبحت تبدي مرونة أكثر في هذه المسألة، ولا ترد على من يطرحها من الأطراف الأخرى بالأسلوب نفسه من النزق والغضب الذي كانت ترد به على محدّثيها من قبل. يبدو مستقبل الحل السياسي، إذن، مرتبطاً في سورية، بعد خمس سنوات من أزمة كارثية، بتقرير مصير شخص، هو بالأساس إشكالي، حتى داخل أسرته ونظامه، لم يحظ، يوماً، باحترام أقرانه، واتهمه رؤساء دول عديدون بالكذب والمراوغة، ولم يبد، خلال خمسة عشر عاماً من حكمه، أي نضج أو حنكة سياسية، ولا تميّز بأي شعور بالمسؤولية، ولم يكفّ عن محاولة إصلاح الخطأ بخطأ أعظم منه، حتى وصلت سورية إلى الحالة المأساوية التي تعيشها اليوم، والتي لم يسبق لها مثيل في الصراعات السياسية في العصر الحديث.
كيف حدث هذا؟ وكيف قبل العالم أن يعلق مصير شعب من 23 مليون نسمة بمصير شخص يعترف الجميع، بما فيه أنصاره، أنه ارتكب من الأخطاء القاتلة والانتهاكات الخطيرة والجرائم اللاإنسانية ما لا يمكن إحصاؤها، بحق طائفته وشعبه والشعوب العربية المجاورة، وكيف ترك هذا العالم طاغيةً دموياً مغرقاً في النرجسية والانفصال عن الواقع، يستمر في تدمير بلد كبير ونشر الموت والخراب في مجتمع آمن، وخلق أكبر كارثة إنسانية في القرن، وتهديد الأمن والسلام العالميين، من دون أن يحرك ساكناً، أو يقوم بأي رد فعل جدي؟ وكيف استسلم العالم أمام مثل هذه المعادلة التي تركت نظاماً موغلاً في الاستبداد والعنف، يستمر في تدمير بلد عريق في الحضارة والمدنية، وفي نشر الموت والخراب في مجتمع آمن، ودفع ملايين السوريين إلى مخيمات اللجوء، لإحداث أكبر كارثة إنسانية في القرن، وتهديد الأمن والسلام العالميين، من دون أن يحرك ساكناً؟
مصير شخص ومصير شعب من الصعب تفسير الحرص الذي أظهرته أطراف دولية، ولا تزال، على التمسك بشخص على قمة نظام ارتكب من الانتهاكات ما ملأ آلاف الصفحات في تقارير المنظمات الإنسانية والحقوقية، حوّل سورية إلى معتقل كبير، وجرد أبناءها من حقوقهم المدنية والسياسية، وجعلهم فريسة أجهزته الأمنية خارج أي حماية قانونية أو سياسية، وهو لا يزال يقتل، يومياً، مئات من السوريين منذ أربع سنوات من دون انقطاع، ويقصف، عشوائياً، المدن والقرى السورية بالبراميل المتفجرة والصواريخ والمدفعية، ويدفع إلى طرق الهجرة والتشرد بملايين الأفراد الأبرياء من أجل القضاء على حاضنة الثورة الاجتماعية. ومن المستغرب أن يحظى مثل هذا الشخص بالتعاطف والمداراة التي سمحت له بالاستمرار في أعماله المخالفة أي عرف أو قانون، والتهرب من أي محاسبة أو عقاب. هذا الشخص هو أول من استخدم سلاح الإرهاب وسيلة لترويع الخصوم والمختلفين معه وفرض سيطرته في الداخل والخارج، ودفع واشنطن إلى تسجيل سورية على قائمة الدول المدعمة للإرهاب حتى وقت قريب. وهو الذي صنع منظمات إرهاب عديدة، واستخدمها ضد دول الجوار، وكان أبرزها إرسال المقاتلين الجهاديين إلى العراق، لزعزعة استقرار السلطة الجديدة في العقد الماضي، وخطط مع حزب الله لعملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، وشخصيات سياسية وإعلامية وفكرية لبنانية عديدة، وصنع السلاح الكيمياوي خارقاً المعاهدات الدولية لحظر الأسلحة الكيمياوية، واستخدم هذا السلاح ضد المحتجين المدنيين من شعبه. وكانت هذه أول مرة يستخدم فيها سلاح كيمياوي على نطاق واسع في صراعات سياسية، ومارس القتل الجماعي، كما في معسكرات الاعتقال النازية، ما أثبته بالدليل القاطع مصور الجيش المنشق المعروف باسم القيصر، والذي عرض صور آلاف المعتقلين الأبرياء الذين قضوا تحت التعذيب والتجويع والتمثيل بجثامينهم، ويحتفظ، حتى الآن، بمئات الألوف منهم تحت التعذيب في أقبية سجونه؟
ذرائع واهية وأوهام يعزو الموالون للأسد تمسكهم به رئيساً أبدياً إلى خوفهم من الأعمال الانتقامية والمجازر التي يمكن أن يتعرض لها العلويون والأقليات عموماً، كما سوقت ذلك أجهزة الأسد وطهران السياسية والإعلامية والمخابراتية، وضرورة الوقوف صفاً واحداً وراء "الرئيس" وسلطته الشرعية، في مواجهة التنظيمات الإسلامية التكفيرية. وهذا ما يشرحه بالتفصيل علي عباس، في مقالة طويلة، عنوانها معبر "لماذا نحن (العلويون) مع بشار الأسد"؟ كتبها في نوفمبر/ تشرين أول 2011. أما طهران فتبرر تمسكها بالأسد بذريعة الدفاع عن حليف رئيسي في محور الممانعة ضد إسرائيل، وتعتبر خروجه من الحكم تهديداً لهذا المحور، وبالتالي، لقضية العرب والمسلمين الأولى في مواجهة الصهيونية والإمبريالية. بينما تعتقد موسكو أن بقاء الرئيس "الشرعي" واستمراره في لعب دور رئيسي، في أي مرحلة انتقالية، يشكل ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة وتجنيبها الانهيار. وقد بدأت هذه الفكرة تجذب عواصم أخرى، أخيراً، لاعتقادها أن البديل المنظور للنظام القائم الذي تراجعت قوته كثيراً، يمكن أن يكون، على الأغلب، سيطرة التنظيمات الجهادية أو المتشددة، مثل القاعدة وتنظيم الدولة. وهي ترى أن وجود الأسد يمكن أن يشكل حاجزاً أمام الانهيار المفاجئ للجيش والدولة والنظام. وأكثر فأكثر، تنزع الدبلوماسية الدولية إلى النظر إلى وجود الأسد ضامناً ما تبقى من مؤسسات الدولة، وإلى دعم هذه المؤسسات وعدم التفريط فيها، في انتظار التسوية السياسية خياراً وحيداً مقبولاً في مواجهة مخاطر تمدد تنظيم الدولة والقاعدة والحركات الجهادية، وتفاقم خطر انتشار الفوضى وعدم الاستقرار. والواقع ليس للدور الذي لعبه الأسد، في السنوات الخمس الماضية، والذي يريده بعضهم أن يستمر في لعبه في المرحلة الانتقالية، أي علاقة بقوة الأسد ولا بحماية الأقليات أو منع تفكك الدولة والمؤسسات، ولا من باب أولى بالحفاظ على سياسة الممانعة ومحورها. بالعكس، كانت أساليبه الإجرامية في التعامل مع السوريين السبب الأكبر في انقلاب الأوضاع وانفلاتها، وتفكك أجهزة الدولة، وتعرية البلاد أمام أعدائها وخصومها، وفي انتشار الفوضى والحرب الأهلية والإرهاب. بالعكس، استمراره في الحكم وفي خطبه الاستفزازية التي قرر فيها، أن من يدافع عن سورية من المليشيات الطائفية هو صاحب الحق فيها، لا سكانها ومواطنوها، هو أكبر محرّض على استمرار العنف وتعميق مشاعر الكراهية والانتقام، والدفع نحو مذابح طائفية محتملة، وهو، بالقدر نفسه، أقوى دافع لإفراغ فكرة الدولة من مضمونها، وتعزيز نشوء الإمارات الموازية وتفكيك مؤسسات الدولة وتدميرها. ويشكل وجوده في السلطة، كما ذكر سياسيون دوليون كثيرون، يجعل منه قطباً مغناطيسياً جاذباً للتطرف والإرهاب من كل مكان.
تقاطع المصالح الدولية لا يرتبط التمسك بالأسد ودوره في أي تسوية قادمة، لا بالحيلولة دون حصول المذابح الجماعية التي أصبحت برنامجه اليومي، في المدن والقرى المعرضة للقصف الدائم بالصواريخ الفراغية والبراميل، ولا بالخوف من انهيار النظام وانتشار الفوضى وسيطرة التنظيمات المتطرفة، أو بضرورة احترام الشرعية والقانون الدولي، ولا بالحفاظ على مؤسسات الدولة والحاجة إليه، وإلى قواته، لمواجهة التنظيمات الإرهابية، كما يشير بعضهم. ما يفسر بقاء الأسد، حتى الآن، تقاطع مصالح متعددة، أو بالأحرى غياب مصالح مشتركة لدى الأطراف الدولية، للانخراط جدياً في العمل على وقف الحرب، ووضع حد لتطبيق برنامج القتل اليومي والتطهير العرقي، ومواجهة الأطراف التي تجد، في الحفاظ على نظام الإقصاء واحتكار السلطة والانفراد بالقرار، مصلحة استراتيجية ترفض النقاش فيها. ومن هذه الأطراف، العائلة الحاكمة وطبقة المحاسيب الملتفة حولها، وبعض الدول التي جعلت من سورية ورقة ضغط في حساباتها الاستراتيجية، أو جزءاً من مشروع هيمنتها الإقليمية، وفي مقدمتها طهران الخامنئية التي أعلن مسؤولوها، مرات، أن سورية أهم بالنسبة لهم من أي محافظة إيرانية أخرى، وأن طهران ليست متمسكة بنظام الأسد فحسب، وإنما هي مستعدة للقتال عنه. ما تهدف إليه طهران من التشبث بالأسد ليس الحفاظ على محور الممانعة، كما تدعي، والسوريون هم أولى به، وإنما الحفاظ على بنية النظام القائم على احتكار السلطة والاستفراد بالقرار والإقصاء الدائم لأغلبية الشعب، للاحتفاظ بهامش مناورة كامل في ما يتعلق بتقرير مصير البلاد والتصرف بأرضها ومواردها وحقوق شعبها ومصالحه. فبوجود مثل هذا النظام وحده تستطيع طهران أن تؤمّن لنفسها الغطاء الشرعي والقانوني، لتمرير مشروعها الطائفي الاستراتيجي، القائم على العمل على تغيير البنية السكانية والمذهبية لبعض المناطق السورية في إطار تغيير التوازنات السياسية الداخلية، والجيوسياسية الإقليمية، وتشكيل الهلال الشيعي، الممتد من قم إلى بيروت، وتعزيز وضع حزب الله، الذي يمثل القاعدة العسكرية والسياسية والأيديولوجية الرئيسية لطهران في المشرق، بأحزاب "إلهية" جديدة. وقد استغلت طهران مناسبة الأزمة التي أعقبت ثورة آذار (مارس)، 2011، إن لم تختلقها، من أجل التخلص من الدولة الوطنية لصالح دولة المحاصصة بين أمراء المليشيات، وتسهيل اختراق المجتمعات والسيطرة المديدة عليها. ومن دون الإبقاء على نظام احتكار السلطة الذي يمثله الأسد، ولم يعد من الممكن استمراره من دونه، لن يكون في وسع طهران أن تستمر في خطتها هذه، وأن تمرّر قراراتها وتستكمل مشروعها المذهبي والجيوسياسي الإقليمي. وهذا هو نموذج السيطرة الذي طبقته من قبل في عراق ما بعد صدام، حيث حالت دون إعادة بناء الدولة الوطنية، واستبدلتها بحكم ائتلاف المليشيات الطائفية والمذهبية التابعة لها، وشجعت النخبة السياسية الجديدة على الاستئثار بالحكم على أساس طائفي، وعارضت بقوة، ولا تزال، مشاركة السنة في القرار السياسي، ولا تزال تراهن على تعبئة الصراعات المذهبية وتأجيجها، لتبقي على سيطرتها في العراق، وللتمدد نحو بلدان المنطقة الأخرى. باختصار، بمقدار ما يشكل ترحيل الأسد بالنسبة للمعارضة الإشارة لانطلاق قطار الإصلاح والدخول في المرحلة الانتقالية التي تأمل أن تقود إلى دولة العدالة والحق والحرية والقانون، يشكل بقاؤه صمام الأمان بالنسبة لمصالح إيران في إطار استراتيجية التوسع والهيمنة الإقليمية. في هذه الحالة، كيف يمكن التوصل إلى حل سياسي؟ وما هي الطريقة لإيجاد مصالح مشتركة لدى الأطراف غير المعنية ببقاء الأسد، تدفعها إلى الضغط على طهران والدول الحليفة لها، لوضع حد لنزيف الدم والحرب المدمرة؟ كان من الممكن للحرب ضد الإرهاب أن تكون محور هذه المصالح المشتركة بالفعل، لتشكيل فريق من الدول يضغط على طهران، ويجبرها على الحد من أطماعها، والتراجع عن سياسات التأجيج الطائفي، وزعزعة الاستقرار الإقليمي. لكن، ما حصل عكس ذلك تماماً، فقد طرحت واشنطن طهران على أنها الشريك الرئيسي الإقليمي في الحرب ضد الإرهاب، ليس في العراق فحسب، وإنما في سورية أيضاً، عن طريق دعم حلفائها. وها هي، الآن، تعزز من ضغوطها في سورية، لتأكيد دورها، وما تعتبر أنه مصالحها الاستراتيجية المستقبلية، من دون أن يطالبها أحد من الدول الكبرى، أو الصديقة، بسحب مليشياتها، أو وضع حد لهجومها المستمر على مواقع المعارضة، بالتعاون مع براميل الأسد التفجيرية. حتى نتقدم نحو الحل السياسي، ينبغي على أحد الأطراف أن يتراجع، المجتمع الدولي الباحث عن تسوية، أو طهران المتشبثة بابتلاع سورية. وفي نظري، لن تتراجع طهران عن حلمها بالإبقاء على الأسد، وتأكيد استتباعه ونظامه، لا بوساطة روسية، ولا بضغوط دولية عادية، خبرتها واعتادت عليها. لن يجبر طهران على العودة إلى ميزان العقل في سورية سوى هزيمة مليشياتها العاملة، وفي مقدمتها مليشيا حزب الله، أو موقف حاسم وجدّي من الأمم المتحدة والدول الرئيسية، وقرار ملزم من مجلس الأمن يجبرها على احترام سيادة السوريين، وإخراج مليشياتها من سورية. وهذا يستدعي، منذ الآن، التعاون بين المعارضة السورية والدول الكبرى والأمم المتحدة على تشكيل البديل المقنع والمقبول، ليس لنظام الأسد الديكتاتوري والطائفي فحسب، وإنما لمنظومة العلاقات الإقليمية التي أصبحت سورية أحد أركانها الرئيسية. ليست عقدة الأسد، في النهاية، إلا تغول طهران وتمردها على الشرعية الدولية، من دون أن تجد رادعاً لها. هذه هي المشكلة، وهي العقدة الحقيقية.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/8/19/%D8%B9%D9%82%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9#sthash.BegQiaSe.dpuf
المجتمع الدولي ومنظماته ورقة صفراء من أوراق الخريفهناك مسؤولية كبيرة تقع على المجتمع الدولي الممثل بالأمم المتحدة في ترك الامور تصل إلى الكارثة في سورية لأنه رفض تطبيق ميثاق الامم المتحدة بحماية المدنيين وتخلى عن واجبه في التدخل الانسانيلكن مسؤولية كبيرة تقع أيضا على أصدقاء سورية أو من سموا أنفسهم كذلك بسبب أخطائهم الاستراتيجية والتكتيكية الكثيرة، أولها الاعتقاد بصدق نوايا الأمريكيين والغربيين عموما وقدرتهم على ردع الهمجية الأسدية والايرانيةوآخرها الرهان على الروس وصرف المال والجهد والوقت على تغيير موقف روسيا من دون طائل الروس لن يساعدو على تغيير النظامهم يدعمونهولن يخونوا حلفاءهم الإيرانيينمن يمكن ان يقنع الإيرانيين بالرحيل هو سحق ميليشياتهم الطائفية كما يحصل في اليمنوهذا ليس بالمستحيل. شرطه التحرر من وهم الرهان على نجاعة تدخل الآخرين أو دورهم وضغطهم الموهوماما المسؤولية الأكبر فتقع علينا نحن أنفسنا الذين تخلينا عن ثقتنا بنفسنا وأهدرنا طاقاتنا واستسلمنا لوعود الآخرينأضعنا هويتنا وضعنا وأصبحنا أدوات في يد المتنازعين على اقتسام جثتنا وأشلائنا
بعد تقديم كوفي عنان، المبعوث الأول للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، استقالته منذ حوالي ثلاث سنوات، استقر الرأي على أن السبب الرئيسي في فشل مهمته افتقار بيان جنيف الذي نال موافقة روسيا والولايات المتحدة إلى آلية للتطبيق، فاستصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 262/67، بتاريخ 15 مايو/أيار عام 2013، ينص، في الفقرة 28، على تشكيل هيئة حكم تنفيذية كاملة الصلاحيات، تشارك فيها جميع الأطراف، وتتعاون في إطارها لإنجاز ما عجزت مفاوضات كوفي عنان عن إنجازه بسبب انعدام الثقة أو الإرادة. وفي الوقت نفسه، ضمان الانتقال السياسي الآمن مع الاحتفاظ بمؤسسات الدولة، وتعزيز دورها في سورية الجديدة. وقد رحبت المعارضة بالقرار، أولاً، لإدراكها استحالة الحسم العسكري مع تنامي الدعم الدولي لحكومة الأسد. وثانياً، لفداحة الخسائر السورية وحتمية التعاون بين جميع السوريين، من أجل مواجهة المشكلات والتحديات الناجمة عن طول أمد الحرب، والطابع التدميري والانتقامي الذي اتخذته، وما نجم عن ذلك من تدهور هائل وسريع في شروط حياة السوريين وانهيار الاقتصاد، وزيادة عدد اليتامى والمعتقلين والمعوقين والمشردين والجائعين، وانقسام الشعب وتنامي الأحقاد والمآسي الإنسانية. وأخيراً، لمواجهة تطور الإرهاب الداعشي الذي أصبح يسيطر على نصف مساحة البلاد، من دون الحديث عن مسألة إعادة الإعمار وتطبيق العدالة الانتقالية لقطع الطريق على سياسات الانتقام الفردي والشخصي، وترسيخ روح القانون. وبدت فكرة هذه الهيئة، في وقتها، إبداعية، لأنها تربط الانتقال نحو النظام الديمقراطي بتشكيل ما يشبه حكومة وحدة وطنية، تجمع بين طرفي النزاع، وتضمن الخروج بحل متوازن يحفظ المصالح الحيوية لجميع الأطراف، ويطمئنها، ويحظى بتأييدها.
وعلى هذا الأساس، عيّن الأخضر الإبراهمي مبعوثاً جديداً بمهمة أساسية، هي تشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي ترتكز عليها العملية السياسية برمتها، بيد أن السبب الذي أفشل محادثات جنيف1، واضطر كوفي عنان لتقديم استقالته، هو نفسه الذي أفشل محادثات جنيف2، ودفع الأخضر الإبراهيمي إلى تقديم استقالة مماثلة، محملاً حكومة الأسد المسؤولية الرئيسية. وكانت الجولات الثلاث لمفاوضات جنيف2 قد أظهرت بالفعل رفض وفد النظام القاطع للانخراط في أي عملية مفاوضات، حتى بعد أن تفاهم المبعوث الدولي مع المعارضة على تعديل جدول الأعمال، وأقر البدء بنقاش مسألة الإرهاب، قبل الانتقال، في اليوم التالي، إلى نقاش تشكيل الهيئة الانتقالية.
كان من المنتظر من المبعوث الجديد، ستيفان دي ميستورا، الذي جاء بعد فشل مبعوثين سابقين، وكلاهما دبلوماسيان من الطراز الرفيع، أن يستفيد من الدرس، ويبدأ من حيث انتهيا، أي بتذليل العقبة الرئيسية التي عطلت مفاوضات الحل السياسي السوري، وهي، من دون أي تردد، رفض نظام الأسد الحديث في أي تغيير، وإصراره على كسب الوقت، مدعوماً بحلفائه الإقليميين والدوليين، للوصول إلى الحسم العسكري، وسحق الثورة والمعارضة. ولم يكن أمام دي ميستورا إلا طريقين لتجنب مصير سابقيه: إقناع طهران أو موسكو الكافلتين لحرب الأسد، بالتعاون الجدي لإكراه الأسد على التفاوض، وهو ما لم يحصل، أو تكريس الوقت والاستفادة من المشاورات الموسعة مع الأطراف السورية وغير السورية، لبناء تصور أفضل عن طبيعة هذه الهيئة ومهامها، وتقديم اقتراح للأمين العام بآلية تشكيلها، قبل عرضه على مجلس الأمن ووضع جميع الدول أمام مسؤولياتها في مواجهة تفاقم الأزمة الإنسانية، واتخاذ الحرب شكل التدمير المنهجي، والطرد المنظم للسكان، وأشكالاً مختلفة من التطهير الديني والعرقي والمذهبي. لكن دي ميستورا، على الرغم مما أبداه من نيات حسنة، في القسم الأخير من مشاوراته وبعثته، لم يختر أياً من هذين الطريقين، وقرر أن يعيد الكرة إلى ملعب السوريين أنفسهم، ويطلب منهم التفاهم على تفسير بيان جنيف، قبل البدء في أي مفاوضات رسمية، وبدا وكأنه يعتقد، بالفعل، أن جرّ حسن عبد العظيم وخالد خوجة ولؤي حسين، وغيرهم من شخصيات مدنية، إلى جانب بعض عناصر المخابرات وشبيحة نظام الأسد، على طاولة واحدة، كاف لفتح ثغرة في الاستعصاء القائم، وتعبيد الطريق نحو مفاوضات جدية، تنهي حرب الأعوام الخمسة. هذا في الوقت الذي لم يعد يخفى فيه على أحد أن السوريين فقدوا السيطرة على قرارهم والتحكم بمصيرهم، وأصبحوا، في أفضل التقديرات، شركاء في حروب بالوكالة، تتبارى فيها القوى الإقليمية والدولية في استخدام العنف والشناعة والتدمير. وأصبح من الواضح لكل متابع أن من يطلب من السوريين أن يتوصلوا إلى تفاهم واتفاق في ظروف تجاذبات القوى الإقليمية واستثماراتها الهائلة في الحرب السورية كمن يطلب من غرقى في بحر متلاطم الأمواج أن يتقاربوا ويتعانقوا. ولو أيد مجلس الأمن هذه الخطة الجديدة وتبناها، لما كان لذلك سوى معنى واحد، هو تأكيد إصرار المجتمع الدولي على التهرب من مسؤولياته، وترك السوريين ينشوون بنار حقد الآخرين وحروبهم، بعد أن دمر بلادهم حقد حكامهم. لا يعني ذلك أنه لا فائدة، أو ليس هناك ضرورة، لحوار السوريين حول جميع الموضوعات المطروحة، وإنما يعني أن مثل هذا الحوار لن يكون ممكناً، ولن ينتج أي حل، وستبقى سورية تتخبط في دمائها أكثر، فريسة سائغة للحروب الإقليمية التي تجري على أرضها، وبمباركة الأمم المتحدة وتأييدها، ما لم يقم المجتمع الدولي بواجباته، ويضع حدّاً لحروب الوكالة، أو يتدخل لتحرير السوريين منها. لا يكفي أن تواسي الأمم المتحدة السوريين بإرسال مبعوث خاص، يشهد على انقسامهم، ويحذرهم من غرقهم. المطلوب من الأمم المتحدة أن تدفع للسوريين الغرقى، أو الذين هم على وشك الغرق، قاربَ نجاة قادر على إنقاذهم، ومسؤولية المبعوث الدولي تقديم تصور لصناعة هذا القارب القادر على التقاطهم وجمعهم بالذات. تحتاج سورية وشعبها، اليوم، إلى مبادرة سريعة وقوية لوقف القتل والتشريد والدمار، وإلى تدخل إسعافي دولي ومستعجل، قبل أن يفوت الأوان ونخسر كل شيء، وتخسر المنطقة والعالم الأمل في أي سلام أو استقرار. وإلا لن يكون نصيب السوريين من مقترحات دي ميستورا لإخراجهم من المحنة أفضل من نصيب ضيف جحا الذي جلس، ليلة كاملة، ينتظر طهو طعام وضعه مضيفه في قدر علق في السقف، وتحته على الأرض شمعة تكاد تلفظ أنفاسها. ليس المبعوث الدولي وحده المسؤول عن غياب روح المبادرة والعمل الجدي في موضوع الحرب السورية، فهناك قوى إقليمية وداخلية عديدة تريد ذلك، لأنها تعتقد أن من مصلحتها ترك الأمور لمزيد من الاقتتال والفوضى. كما أن المبعوث الدولي يقع، مثل أوساط دبلوماسية دولية كثيرة، بما فيهم من يدّعي الصداقة للشعب السوري، ضحية ميل جارف لجعل الحرب ضد الإرهاب المحور الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، للسياسة الإقليمية، والسعي إلى دفع جميع القوى المتنازعة للاتحاد من حولها، وفرض هذا الاتحاد ضد الإرهاب أجندة وحيدة للسياسة الدولية والإقليمية والوطنية، بديلاً لجميع الأجندات الأخرى، وفي مقدمها الأجندة الديمقراطية التي كانت المحرك العميق لثورات الربيع العربي، وما تعنيه من إرادة الخلاص من النظم الاستبدادية، وكل ما ارتبط بها من ظلم واضطهاد واغتيال لحريات الأفراد وكرامتهم وسيادة الشعوب، والانتقال نحو نظم تعددية ومدنية تخضع لإرادة الأفراد، وترد على حاجاتهم وتطلعاتهم. وهذا هو موطن التوافق والإجماع بين السياستين، الأميركية والروسية، في الشرق الأوسط، وفي سورية خصوصاً، والكثير من حلفائهما أيضاً. وربما لا تبتعد رؤية نظم عربية عديدة عن هذه الرؤية، ورغبتهم في الانسياق وراءها، خصوصاً وأن لمعظمها مصلحة في أن تتجنب الحديث عن انتقال سياسي، أو إصلاح. ولا يخرج تقرير دي ميستورا عن ذلك.
لكن، مهما كان الحال، إن رمي الكرة في ملعب السوريين من جديد، بعد تهميشهم، وإبعادهم عن أي مركز قرار يتعلق بمصيرهم، والتذرع بالحرب على الإرهاب الداعشي، لصرف النظر عن إرهاب الدولة الأسدي، والتستر عليه، بدل التصدي للعقدة الحقيقية التي تحول دون التقدم في طريق الحل، هو برهان إضافي على تخلي المجتمع الدولي، وفي مقدمه الأمم المتحدة، عن مسؤولياته، وتركه الشعب السوري ضحية أطماع الدول وصراعاتها التي دمرت أسس وجوده ووحدته. لا ينبغي، ولم يعد من المسموح للأمم المتحدة وللدول الكبرى أن تغطي الشمس بغربال. من يقف في وجه الحل السياسي للخروج من الحرب الدموية، الدائرة منذ سنوات، هو، بالدرجة الأولى، النظام الذي يرفض التخلي عن الحكم، ومناقشة صيغة متفاوض عليها، كما نصت قرارات الأمم المتحدة، وقبلت المعارضة برمتها، لوضع أسس الحكم الديمقراطي والتعددي الجديد، الذي لن تقوم لسورية قائمة، بعد الآن، من دونه. وهو، بالدرجة الثانية، طهران التي تريد فرض وصايتها على دمشق، وتحلم بتحويل سورية إلى درة العقد في إمبرطورية تحلم بإنشائها في الشرق الأوسط منذ عقود، كي ما تتحول إلى قوة دولية، تنافس القوى الكبرى في الولايات المتحدة وروسيا والصين وغيرها، وتطمح إلى أن تضع نفسها بين كبار الكبار. وهو، بالدرجة الثالثة، تل أبيب التي طالما حلمت بمحو سورية من الخريطة الشرق أوسطية، حتى تضمن دفن ملف القضية الفلسطينية نهائياً، وضم ما تستطيع من أراض عربية وإلحاقها بها. وما لم تجمع الأمم المتحدة وأصدقاء الشعب السوري المفترضون شجاعتهم، أو ما تبقى لديهم منها، ويعلنوا موقفاً واضحاً مما يجري، ويعملوا على إعادة فرض احترام سيادة الدول، وإرادة الشعوب، فسنخسر سورية والحرب ضد الإرهاب معاً، ولن يبقى لوجود الأمم المتحدة أي صدقية، أو مشروعية.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/8/5/%D8%AD%D8%A7%D8%AC%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9#sthash.djIAGLS4.dpuf