رسالة النقد الاجتماعي تحليلات ودراسات في المجتمع والسياسة في العالم العربي والشرق الأوسط Burhan Ghalioun is presently a Professor of Political Sociology at the Universite La Sorbonne Nouvelle. He is the author of several authoritative books as well as over a hundred academic articles in various journals on political Islam, Arab political culture and state and society relations in the Arab World. https://www.facebook.com/BurhanGhalion
lundi, juin 22, 2015
النخبة المستنيرة والشعب المتوحش
لعنة الطائفية؟ العربي الجديد
يخلق الخوف
المتزايد من الطائفية وعيا شقيا لدى
المجتمعات العربية التي تشعر بأنها ضحية
آلية عمياء جبارة تفرض عليها الانقسام
بين عصبيات متنافرة وتغلق أمامها أبواب
التحولات السياسية الديمقراطية والوطنية
من دون ان تسطيع فعل اي شيء.
وبقدر ما يفقد هذا
الشعور الثقة المتبادلة بين أبناء الطوائف
المختلفة التي تتبارى في اتهام بعضها
البعض بإخفاء النوايا والرهانات الطائفية
يزرع الشك واليأس عند المجتمع بأكمله في
إمكانية التعايش داخل الوطن الواحد، بل
بناء مثل هذا الوطن الذي يفترض التضامن
والتكافل والتعاون بين جميع أفراده بقدر
ما يجمعهم تحت سقف واحد ويفرض عليهم مصيرا
مشتركا.
التعددية
في المجتمعات
والواقع
أن التركيز على الطائفية والبنيات
العشائرية في البلدان العربية لا يعكس
إدراكا لمخاطر حقيقية وحتمية بقدر ما
يعبر عن الكسل والبؤس الذين اتسم بهما
الفكر القومي والوطني المحلي الذي اتجه
في سعيه لإقامة دولة وطنية حديثة وإضفاء
المشروعية السياسية عليها إلى التركيز
على مسألة الهوية والتجانس والاندماج
بدل بناء مفهوم المواطنة والتأكيد على
واجب الدولة الحديثة في تأمين شروط تحقيقها
وهي الحرية والمساواة القانونية وحكم
القانون الذي لا تقوم من دونه أي مواطنة
ولا رابطة سياسة، أي وطنية.
وقد سعت الدولة المحلية
إلى التعويض عن غياب برنامج بناء المواطنية
بالرغم من حديثها المكرور عن الدولة
الوطنية الحديثة، بتضخيم الحديث عن الهوية
والانتماءات الثقافية الواحدة والأصول
التاريخية المشتركة.
وهكذا حولت الوطنية
من حقوق وواجبات وممارسات ملموسة تخص كل
شخص وتقرر مصيره، إلى ايمان بعقيدة سياسية
قومية جديدة.
وكانت النتيجة مضاعفة
في السوء :
تحويل الوطنية إلى
مسألة هوية وتوليد نزعة وطنية انصهارية
صماء تتطابق مع مفهوم العصبية الطبيعية
أكثر مما تعبر عن نشوء فكرة وطنية سياسية،
ووضع القومية كهوية جديدة في تنافس مع
الهويات الأهلية الطائفية أو القبلية
وبموازاتها.
وهكذا أصبح التعدد
الطائفي الذي ينبغي أن ينظر إليه على أنه
ثروة وطنية بدل أن يعاش كعاهة مجتمعية
يبدو وكأنه نقمة إلهية أو طبيعية.
وأصبح الوضع الاعتيادي
الذي عرفته المجتمعات منذ قرون وبنت من
حوله نظمها الأخلاقية الرئيسية بما تعبر
عنه من قيم التعايش والتسامح التاريخية
التي ميزت المجتمعات العربية والاسلامية،
وضعا نشازا أو تعبيرا عما ينبغي تسميته
الخطيئة الأصلية، يميز المجتمعات العربية
ويفصلها عن المجتمعات الأخرى الطبيعية
ويحط من قدرها وقيمتها الجوهرية.
والحال
ليس تعدد الطوائف ولا استمرار البنيات
العشائرية هو السبب في تخلف بنية الدولة
الوطنية العربية، ولا هو المسؤول عن تعثر
مشاريع الاندماج الوطني وتقدم مسارات
التحويل الديمقراطي.
ولا يشكل كلاهما أي
لعنة أبدية أو تاريخية.
فجميع المجتمعات مكونة
من جماعات متعددة، ويمكن تخفيضها جميعا
إلى مجموعة لا نهائية من الأقليات الثقافية
والدينية والعرقية والمهنية والجنسانية
والحضرية والريفية وغيرها.
وما لم تتعرض الهويات
الأهلية لتحديات كبيرة، ومحاولات عدائية،
تبقى التناقضات الاجتماعية أو الاقتصادية
أكثر حدة من الخلافات الدينية والقومية
في كل البلدان والأحيان.
كما أن المجتمعات
الصناعية المتقدمة أكثر تعددية اليوم
طائفيا وعرقيا من المجتمعات العربية.
وما تتميز به مجتمعات
الصين والهند وغيرها من المجتمعات الآسيوية
عموما يفوق بما لا يقاس ما تعرفه المجتمعات
العربية التي تبدو في هذا المنظور مجتمعات
شديدة التجانس والأحادية الثقافية.
وهذا التعدد الواسع
في المجتمعات الأسيوية يعكس تراكما
تاريخيا طويلا للثقافات والقوميات،
ويعبر، بعكس ما هو شائع، عن درجة الازدهار
الحضاري الذي عرفته هذه المجتمعات في
الماضي.
فهذا الازدهار وما
يرتبط به من نمو قيم التسامح والتعايش،
وما يتيحه من إمكانيات التفاعل والتبادل
والتواصل بين الثقافات، وما يفرزه من
هامش تسامح فردي وجمعي، هو الذي يدفع إلى
نشوء التعددية بقدر ما يسمح بنشوء الهويات
المتمايزة أي بالتغاير داخل المجتمع
الواحد بين مجموعات الرأي والثقافة،
وكذلك بقدر ما يؤلف قوة جذب كبيرة للجماعات
البعيدة، وبشكل خاص للجماعات المضطهدة
والمقهورة في المناطق الأخرى "المتأزمة".
ولا حاجة
للذهاب بعيدا لمعاينة هذه الديناميكية
التاريخية الحضارية.
فالعالم العربي هو
اليوم أكبر منطقة طاردة للجماعات الأقلية
المتميزة أو المغايرة سواء أكانت جماعات
دينية أم جماعات عرقية أم جماعات رأي
وثقافة سياسية ومعارضة.
وجميع هؤلاء يقصدون
الدول الصناعية الكبرى المتقدمة، وفي
مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية التي
تستقطب القسم الأكبر من مهاجري جميع
الجنسيات، بسبب ما يسود في هذه الدول من
ازدهار اقتصادي وتسامح فكري وتنوع عقائدي،
أي من تقدم المدنية.
وهم يعززون من طابع
هذه المجتمعات التعددي، في الوقت الذي
تنحو فيه المجتمعات العربية مثلها مثل
المجتمعات المتأخرة الأخرى إلى تعزيز
الطلب على التجانس وكبت التنوع والخوف
من التمايز حتى داخل الطائفة أو الجماعة
العرقية أو الدينية الواحدة.
وليس هذا من علامات
التقدم في المدنية ولا التشكل الوطني ولا
التسامي الديني بأي حال.
إن استقبال
المهاجرين والجماعات المغايرة يعكس ثقة
المجتمعات بنفسها، أي بثقافتها ومستقبلها
وقدراتها على الدمج، ومتانة مؤسساتها
السياسية والاجتماعية، بينما يعبر طرد
الأقليات بصورة مقصودة أو غير مقصودة عن
استبداد القلق والشك وغياب الثقة بالنفس
عند المجتمعات الطاردة وتهافت مؤسساتها
الدستورية والاقتصادية والاجتماعية.
فكما أن لوجود أغلبية
ثقافية أو دينية متجانسة دور كبير في خلق
شعور بالاستقرار والاستمرارية والثبات
عبر التاريخ، وبالتالي لنشوء الدول ورسوخ
الحضارة في منطقة من المناطق، تشكل
الأقليات المنفتحة باستمرار وبشكل أكبر
على الخارج، بسبب اختلافها ووجودها العابر
غالبا لحدود البلدان، ناقلا استثنائيا
للمكتسبات التقنية والعلمية والفكرية،
وبالتالي حاملا رئيسيا لديناميكية التفاعل
والتواصل بين الثقافات والحضارات.
والقصد،
إن التعددية بكل وجوهها وأشكالها ليست
خطأ تاريخيا ولا بنية نشازا ولكنها الأمر
الطبيعي والشائع أيضا في أي مجتمع متمدن
لا يمكن أن ينحدر في منطق انتظامه إلى
مستوى منطق الأسرة أو العشيرة أو الطائفة
الواحدة.
وقد كانت الطوائف
موجودة دائما في المجتمعات العربية،
وستظل موجودة في المستقبل.
وهي موجودة ايضا في
بلدان عديدة تعيش في ظل نظم ديمقراطية.
وهي لا تشكل، كما تبين
ذلك تجربة الهند التي تعج باللغات والأقليات
الدينية والعرقية على حد سواء، عائقا
امام قيام نظام ديمقراطي.
فهي تستطيع أن تتأقلم
بسرعة بالغة معه، بل هي لا تستطيع أن تستمر
إلا في إطاره ، لما يوفره من أطر ثقافية
وقانونية وسياسية تضمن وحدة الجماعة
الوطنية على قاعدة الحرية والمساواة في
الحقوق والواجبات وفي الوقت نفسه هامش
الحرية والخصوصية التي تحتاج إليه الجماعات
الأهلية الدينية أو القومية للحفاظ على
البقاء.
الوطنية
بين الدولة والهوية
لا تتحول
التعددية الطائفية الى مشكلة تهدد الدولة
الوطنية إلا عندما تفتقر هذه الدولة لشروط
بناء المواطنة كإطار أعلى وأشمل لتفاعل
الأفراد، أو تفشل في تأمينها وبالتالي
في توليد الروح الوطنية المستمدة من
المشاركة في دولة الحرية والحياة القانونية،
وهذا هو وضع الدولة الاستبدادية
والديكتاتورية.
وغالبا ما تحاول هذه
الدولة نفسها أن تغذي العصبيات الأهلية
أو تعبأها في سبيل تأمين قاعدة اجتماعية
مضمونة لها عندما تفتقر إلى برنامج
وطني/مواطني
حقيقي أو تعجز عن تحقيقه.
وتسعى إلى تعبئة بعض
العصبيات الأهلية لتخفي فشلها وتؤمن
لنفسها العصبية الداعمة كبديل عن الشرعية
الديمقراطية والدستورية.
ولذلك أكثر ما تترسخ
العصبيات الطائفية والعشائرية وتتحول
إلى بديل للانتماء الوطني في ظل النظم
الاستبدادية التي تلغي الحريات وتنزع
فيها النخبة الحاكمة إلى كبت الاختلافات
والتمايزات بالقوة والقهر لتخفي الطبيعة
الاهلية والطائفية لخطة سيطرتها الأحادية.
في هذه الحالة لا يبقى
من الوطنية سوى التأكيد الخارجي على
الانتماء لثقافة أو هوية مشتركة أو تاريخ
واحد، وتتطابق فكرتها مع العصبية الأهلية
الدينية والطائفية، وتتنازع معها على
ولاء الأفراد وانتماءاتهم، وتطلب منهم
أن يؤمنوا بها، فتتحول الوطنية إلى هوية
شبه إلزامية تتنازع مع الهويات الأهلية
بدل أن تكون علاقة جديدة مؤسسة لحرياتهم
وضامنة لممارستهم حقوقهم وكافلة لالتزاماتهم
بواجباتهم تجاه الجماعة والدولة.
والواقع
من الصعب للتمايز المذهبي أو الإتني أن
يتحول إلى عصبية مناقضة أو معادية للوطنية
الجامعة، وبالتالي أن يحظى بقيمة تبادلية
سياسية، إلى جانب قيمته الاصلية كمكون
لهويات خصوصية، ما لم يحظ باهتمام النخب
السياسية والثقافية وتوظيفها له في الصراع
على السلطة.
وهذا ما يميز نظام
الملل الذي طبع بنية المجتمعات الوسيطة
بما يمثله، بصرف النظر عن المراتبية، من
اعتراف رسمي بالتنوع الديني والمذهبي،
وحرية ممارسة شعائرية منفصلة عن السياسة
إلى حد كبير، عن نظام الطائفية الذي ولد
مع نشوء السياسة الحديثة وعلى النقيض من
مفهوم السياسة الوطنية المتعاملة مع
أفراد الشعب بصرف النظر عن انتماءاتهم
الأهلية.
فالعصبية الطائفية
تتميز عن الشعور بالهوية المذهبية في
أنها عصبية موجهة نحو هدف سياسي واضح،
وهو تأمين رصيد إضافي لجزء من النخب
الوطنية يعزز حظوظها في المعركة السياسية
المفتوحة من حول الدولة والموارد العامة.
فهذه المعركة هي التي
تدفع إلى شحن التمايز المذهبي والقبلي
بقيم جديدة وتبدل في هويته ومضمونه.
ومن دون ذلك لا تنتج
التمايزات الثقافية والأقوامية من تلقاء
نفسها مكافئات سياسية ومواقف جماعية
متماثلة.
فلا يتقدم الولاء
المذهبي بشكل عفوي على الولاء للدولةـ
لا في الدولة الملية الماضية ولا في الدولة
الوطنية الحديثة.
كي يحصل ذلك لا بد من
تسييسه وأدلجته وربطه بأهداف تختلف كليا
عن أهداف العبادة والايمان.
وهذا من عمل النخب
السياسية والاجتماعية وفي سياق صراعها
للسيطرة ولا يتحول إلى أزمة تهدد الهوية
الوطنية نفسها إلا عندما تقود أزمة السلطة
إلى تفكك هذه النخب وانهيار العهد الوطني
الذي كان يوحد أطرافها.
والسؤال
الذي يطرح عندئذ هو ما الذي يفسر تفكك
النخبة الوطنية في ظرف ما وانقسامها على
أسس طائفية، بدل سعيها إلى تكوين نخبة
وطنية واحدة، تعكس في وحدتها نفسها مشروع
توحيد المجتمعات المتعددة الطوائف على
أسس سياسية، أي تكوين رابطة وطنية؟ الجواب
هو أنه لا توجد أسباب واحدة لتفكيك النخب
الوطنية.
قد يحصل هذا التفكيك
نتيجة انهيار الدولة وسقوطها كما كان
عليه الحال في أوروبة الشرقية بعد انهيار
الشيوعية ونهاية عهد الوصاية السوفياتية.
وقد يحصل بسبب ضعف
الدولة واختراقها من قبل القوى الخارجية
المحيطة، دولا او جماعات دينية أو إتنية،
كما هو الحال في لبنان، وقد يكون نتيجة
احتكار نخبة من أصول مذهبية أو إتنية
واحدة او شبه واحدة للسلطة والقرار
وحرمانها النخب الأخرى من حقها في المشاركة
أو الانتقاص الواضح من ممارسة هذا الحق،
كما هو الحال في معظم الدول العربية التي
تسيطر فيها نخبة قبلية أو عائلية أو مذهبية
على القرار، بواجهة وطنية واحيانا من دون
واجهة وطنية شكلية على الإطلاق.
أساس
الحرب الطائفية فساد السياسة الوطنية
هذا يعني
أن آليات توحيد النخب الوطنية ودمجها في
إطار واحد مرتبطة هي ذاتها بوجود مشروع
بناء أمة وجماعة وطنية >سياسية<.
وهذا المشروع لا يوجد
من تلقاء نفسه ولا نعثر عليه في الطبيعة
كما هو وإنما هو ثمرة جهد فكري وسياسي
منظم لبناء علاقات الوحدة من قبل النخب
أو اجزاء منها ومن قبل القادة الوطنيين
الكبار.
ولا يمكن ان يتقدم إلا
بمقدار ما ينجح هؤلاء في تأسيس قواعد هذه
الوحدة الوطنية، من أسس دستورية ومساواة
قانوية ومشاركة فعلية لجميع أبناء الطوائف
والقبائل والعشائر والقوميات على قدم
المساواة،.
فالوطنية كرابطة فوق
قومية وفوق طائفية هي الثمرة المباشرة
لتوسيع دائرة المواطنة وتطبيقها بوصفها
مشاركة في بناء الدولة الحرة لأفراد أحرار
ومتساوين، وبالتالي كمشروع مشترك وجامع
وصاهر أيضا لكل النخب ومن جميع الطوائف
والمذاهب.
وأصل توحيدها هو
الاشتراك في هذا المشروع نفسه، فهي موحدة
عليه ومن اجله وفيه.
والحال
أن مثل هذه المشروع اصطدم في معظم الأقطار
العربية ولا يزال بإرادة السيطرة التي
تتجلى عند بعض الفئات الاجتماعية، عسكرية
أو أمنية أو بيرقراطية، وتدفعها، حتى
عندما لا تكون ذات نزعة طائفية، إلى اللجوء
إلى التعبئة الطائفية او تقسيم الرأي
العام إلى طوائف متناحرة على مبدأ فرق
تسد، من أجل الاحتفاظ بالسلطة واحتكار
القرار السياسي، وتجيير الدولة لخدمة
مصالحها الخاصة.
وإن دلت عملية تقويض
الدولة من الداخل على شيء، وهذا هو مضمون
ما حصل لدولة ما بعد الاستقلال الوطنية،
فإنه يدل على هشاشة ركائز هذه الدولة
الدستورية واهتزاز قاعدتها المؤسسية من
جهة، وعدم وضحالة تكوين النخب السياسية
أو عدم نضجها الكبير وسوء تأهيلها من جهة
ثانية.
من دون أن يعني ذلك
نفي عوامل الاختراق الداخلية والخارجية.
فمشروع بناء الدولة
الوطنية بمعنى دولة المواطنة المتساوية
والمشاركة السياسية العامة، لا يقوم
ويتقدم ويتعمق بمعزل عما يجرى حوله وخارج
السياق التاريخي الاقليمي والعالمي الحي.
إنه تكوينه هو جزء من
الصيرورة الجيوسياسية العالمية، وهو
يخضع أيضا لصراعات وتوازنات القوة داخل
الدول وفي محيطها القريب والبعيد.
الأزمة
الطائفية التي تعيشها مجتمعاتنا منذ عقود
والحرب المشتعلة اليوم نتيجة انفجارها
ليست دينية، ولا يفسرها التنوع الطائفي
ولا جهل العامة ولا تخلف رجال الدين.
بالعكس تماما إنها
النتيجة الطبيعية لبؤس السياسة المستحدثة
التي طبقتها منذ نشوء الدولة الوطنية نخب
اجتماعية تفتقر إلى ثقافة الدولة ولا ترى
في الوطنية إلا عصبية إضافية تضاف إلى
العصبيات الأخرى، وتتناقض سيطرتها مع
اي التزام بمبدأ الحرية وحكم القانون،
سياسة صاغها وخطط لها وطبقها رجال محدودوا
الأفق وغالبا جاهلين بحاجات الدول والشعوب،
بصرف النظر عن منشئهم، مدنيا كان أم دينيا.
وليس لهذه الحرب أي
فرصة في أن تستمر من دون إرادة السياسيين.
jeudi, juin 11, 2015
احباط الفتنة الطائفية في حوران
احباط الفتنة الطائفية في حوران يشكل هزيمة للأسد لا تقل عن هزائمه العسكرية على طريق إعادة بناء سورية الحرة وكسر الاحتلال.
حاول نظام الأسد، وهو يفقد السيطرة ويراقب عاجزا انهيار حصونه في سورية كلها وأخيرا في اللواء ٥٢ وامس في مطار الثعلة أن يهرب من مصيره باستكمال إشعال الفتنة الطائفية في كل مكان وفتح طريق تقدم داعش في جميع الجبهات وإثارة الفوضى الشاملة التي وعد بها العالم في حال طرده من سورية وبلاد الشام.
وهكذا حاول أن يفعل بقصفه للسويداء ومحاولته استغلال جريمة قرية قلب لوزة الدنيئة التي ذهب ضحيتها عشرين سوريا برئيا بدوافع طائفية محضة.
لكن يقظة الجميع، شيوخ الكرامة وقادة الدروز السياسيين وعلى رأسهم وليد جنبلاط وقادة الجيش الحر وجميع السوريين الوطنيين، أحبطت خططهم وسوف تقود لامحالة إلى طردهم من السويداء نفسها في أسرع مما يعتقدون.
بيان الكرامة وتصريحات قادة الثورة والمعارضة هو خطوة كبيرة على طريق إعادة بناء الإجماع الوطني الذي حاول الأسد تدميره، واستعادة التواصل والتفاهم والثقة بين السوريين، في ما وراء انتماءاتهم الاهلية، الدينية والمذهبية والقومية.
وهذه هي اللبنة الأولى في مشروع إعادة بناء سورية الجديدة نفسها، سورية الحرة، لشعب حر، ومواطنين متساوين. وهذه هي اللحظة كي يعلن جميع السوريين ولاءهم لسورية المستقبل هذه وتخليهم عن سورية الوحشية التي بناها الأسد وأعوانه على دماء السوريين وفي سبيل استعبادهم.
سورية الحرة ستنتصر
وهكذا حاول أن يفعل بقصفه للسويداء ومحاولته استغلال جريمة قرية قلب لوزة الدنيئة التي ذهب ضحيتها عشرين سوريا برئيا بدوافع طائفية محضة.
لكن يقظة الجميع، شيوخ الكرامة وقادة الدروز السياسيين وعلى رأسهم وليد جنبلاط وقادة الجيش الحر وجميع السوريين الوطنيين، أحبطت خططهم وسوف تقود لامحالة إلى طردهم من السويداء نفسها في أسرع مما يعتقدون.
بيان الكرامة وتصريحات قادة الثورة والمعارضة هو خطوة كبيرة على طريق إعادة بناء الإجماع الوطني الذي حاول الأسد تدميره، واستعادة التواصل والتفاهم والثقة بين السوريين، في ما وراء انتماءاتهم الاهلية، الدينية والمذهبية والقومية.
وهذه هي اللبنة الأولى في مشروع إعادة بناء سورية الجديدة نفسها، سورية الحرة، لشعب حر، ومواطنين متساوين. وهذه هي اللحظة كي يعلن جميع السوريين ولاءهم لسورية المستقبل هذه وتخليهم عن سورية الوحشية التي بناها الأسد وأعوانه على دماء السوريين وفي سبيل استعبادهم.
سورية الحرة ستنتصر
مؤتمر وحيد تحتاج إليه المعارضة السورية اليوم
مؤتمر وحيد تحتاج إليه المعارضة السورية اليوم
11 يونيو 2015
مؤتمرات للتغطية على عجز دائم
المبررات الرئيسية التي تنعقد بحجتها المؤتمرات التي تحولت، في السنة الماضية، إلى رياضة سياسية، وصارت الإنتاج الوحيد للمعارضة السورية، تتركز على أن الاعتراض على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، إما لأنه لا يمثل جميع أطياف المعارضة، أو لا يعبر عن كل فئات الشعب السوري، أو أنه لا يقوم بالمهام الملقاة على عاتقه، أو أنه مرتبط بتيارات وعواصم معينة، من دون أن يراعي مصالح عواصم أخرى وأدوارها. وفي جميع هذه المبررات والذرائع وجهات نظر ليست خاطئة تماما، لكن الوقوف عندها، وترجمتها باستبدال الائتلاف، تقود إلى إعادة إنتاج تشكيلاتٍ، تنطبق عليها المآخذ نفسها بصورة أكبر وأشد.
والحقيقة أن معظم ما يحصل من مؤتمرات باسم المعارضة السورية ينبع من طموح بعض الشخصيات، المشروع أحياناً، للعب دور وتبوّء مركز لم يسمح لها به الائتلاف، أو لا تريد أن تلعبه من داخله، وتجد لدى بعض العواصم الطامعة، أيضاً، في تأكيد حضورها في المناورة الإقليمية والدولية التي تدور على ساحة المشرق، تجاوباً يعكس الاختلاف الكبير في المصالح والتوجهات والمقاربات لدول المشرق ومحيطه. لكن الخاسر الأول من ذلك كله هو القضية السورية والمعارضة التي تفقد صدقيتها، بمقدار ما تتحول إلى معارضاتٍ، تدّعي كل منها شرعية تمثيل السوريين، وتتنافس في ما بينها على كسب ود الدول، وتأمل أن تحظى بدعمها ومساعدتها.
مع ذلك، إذا كانت الدوافع لعقد هذه المؤتمرات، التي تكاد تشمل جميع العواصم الدولية التي أظهرت اهتماما بالوضع المشرقي في السنوات الماضية، هي الطموحات الشخصية، واستغلال بعض الدول هذه الطموحات، فإن استمرارها يعكس أيضا حاجة موضوعية نابعة من تكلس التشكيلات الائتلافية القائمة، وعجزها عن التطور، بموازاة ما يحصل من تغيرات عميقة، في ظروف الصراع على الأرض من جهة، وعلى الفاعلين الرئيسيين، أيضاً. وبالتالي، عن تجديد أشخاصها وأفكارها وأساليب عملها للقيام بالحد الأدنى من المهام التي يفرضها عليها التطور الكارثي للأوضاع السورية والإقليمية. وتشكل المؤتمرات المتجددة فرصة مناسبة للتغطية على العجز، وإظهار تفوق الإرادة، حيث تنعدم القدرة على الإنجاز.
كما كان الحال في الفترة التي سبقت ولادة المجلس الوطني، تحتاج المعارضة السورية، بالفعل، إلى إعادة تشكيل، وإلى انتفاضة داخلية، تخرجها من تكلسها وتكيسها، وتُجدد دماءها، وتطلق قواها وقدراتها، وتحولها إلى أداة فعالة في مواجهة التحديات المتنامية التي يواجهها السوريون، وهم يتعرضون لحرب إبادة حقيقية، أمام صمت العالم، وفي غياب أي إطار تمثيلي معارض، قادر على إبراز معاناة الشعب السوري، وحمل راية كفاحه البطولي المرير، ومواكبة محنته التاريخية غير المسبوقة.
لكن، ما تحتاج إليه المعارضة السورية لتخرج بنفسها من الموت السريري، وتتحول إلى فاعل في الساحة السورية هو تماما عكس ما تقوم به شخصياتها وتجمعاتها اليوم، والتي تكاد كل طائفة منها تكرر ما تقوم به الطائفة الأخرى، في الفكر والعمل والطريقة والأداء، وفي الوثائق والبيانات التي تصدرها، والتي تكاد لا تتميز بعضها من البعض الآخر، إلا بركاكة متساوية في اللغة والأسلوب، وخصوصاً في الأهداف التي تتركز جميعا في طموح كل واحد منها إلى أن يكون حصان السباق في يد هذه العاصمة، أو تلك، لنيل الشرعية والدعم الدولي، واستقطاب المعونات والمساعدات.
بالعكس، ما ينقص المعارضة السورية هو مؤتمر تركيبي، وليس مؤتمرات تجزيئية أو تقسيمية، تزيد من عدد التجمعات المتنافسة والمتسابقة إلى تحقيق مهماتٍ، يفترض إنجازها قبل أي شيء آخر وحدة موقف المعارضة وتفاهمها وتعاونها وائتلافها ويمتنع بانقسامها. فأكبر ما تواجهه المعارضة من تحديات هو التحدث مع السوريين، وباسمهم، بخطاب واحد ولغة واحدة، والتعبير عن مطالبهم في التحكم بمصيرهم ومستقبلهم، ووقف التلاعب الدول والعواصم المتنازعة بمصيرهم، وتمثيل إرادتهم الموحدة في وضع حد للحرب وللنظام المتهالك وتجسيد إرادة العيش المشترك والتفاهم الوطني، والعمل لإعادة بناء سورية الحرة المستقلة الديمقراطية السيدة. ويتطلب هذا كله وجود قيادة سياسية، أي تعاوناً واتفاقاً في الرؤية والمنهج، ويتنافى مع التنافس على اقتسام تمثيلها أو التنازع على شرعية هذا التمثيل، والتسابق إلى تقديم الخدمات للدول والأطراف الدولية بين الأشخاص والقوى والفصائل والتكتلات والمؤتمرات التي تكاد لا تنتهي في عاصمة، حتى تبدأ في أخرى.
فلم يعد يخفى على أحد أن سورية، بعد أن تم حسم موضوع بقاء الأسد ونظامه، وخسرت طهران وحلفاؤها الحرب، مقبلة على حقبة جديدة. وأن معظم الجهود الدولية والإقليمية أصبحت متركزة بصراحة، اليوم، على التفكير في مرحلة ما بعد الأسد، ومتمحورة حول وسائل مقاربتها وتقاسم الأدوار فيها، وأنه لم يعد لدى الأطراف شاغل سوى ترتيب أوراقها، وبلورة تفاهماتها، وحجز مواقعها في سورية الآتية، وأن الأعمال الحربية الجديدة نفسها التي تهدد طهران بتطويرها لصالح حماية الأسد من السقوط قد تحولت إلى وسيلة ابتزاز، للضغط على مفاوضات الحل، أو وسيلة للتموضع استباقا لها. وهذا هو أصلا أحد الدوافع الرئيسية لتنظيم المؤتمرات والاجتماعات التشاورية التي تحاول، من خلالها، بعض الأطراف، الدولية والإقليمية، أن تنتزع لنفسها موقعا في المعارضة، أو أجزاء منها، تعزيزا لدورها، وتوسيع هامش مناورتها الدبلوماسية، قبل بدء المفاوضات السياسية الرسمية المنتظرة.
بين صراعات الزعامة والإعداد للانتقال السياسي
في المقابل، لايزال التفكير في طبيعة هذه المرحلة الجديدة والإعداد لها بالكاد يبدأ في صفوف قوى المعارضة المسلحة والسياسية. ومن المحتمل، إذا لم ننجح في إدراك شروط الصراع فيها، والمهام التي يتوجب علينا القيام بها لمواجهة تحدياتها، أن يكون الشعب السوري، على الرغم من التضحيات غير المسبوقة التي قدمها، الخاسر الرئيسي فيها، وأن يحل تقسيم مناطق النفوذ بين الأطراف الإقليمية والدولية محل مشروع إعادة بناء الدولة السورية الجديدة، على قاعدة المبادئ والتطلعات التي ألهمت الشعب السوري ثورته وتضحياته غير المسبوقة، في الحرية والكرامة والسيادة، وأن يكرس التفاهم الدولي والإقليمي مبدأ تقاسم المصالح بين القوى الخارجية على حساب مصالح السوريين، ووحدة إرادتهم وأرضهم وإعادة بناء وطنهم المدمر، واستعادة سيطرتهم على مصيرهم ومستقبلهم.
إعداد المعارضة المسلحة والسياسية لمواجهة هذه الحقبة التي سوف يتوازى فيها التصعيد العسكري غير المسبوق والقتل الهمجي، كما تشير إليه مجازر النظام في الأيام الماضية، من دون أي رد فعل دولي، حتى ببيانات الإدانة، مع أوسع المناورات السياسية والدبلوماسية، لاستباق اختفاء الأسد من الساحة، والتي سوف يتقرر فيها مصير سورية وشعبها، وبالتالي، المشاركة في وضع أسس المرحلة الانتقالية ومؤسساتها، هو ما ينبغي أن يحدد طبيعة المؤتمر الجديد للمعارضة، والذي يشبه في بعض ملامحه مؤتمرها الجامع الأول الذي عقد في القاهرة في 4 يوليو/تموز 2012، والذي أجهضته تلك الأطراف التي رفضت أن تخرج منه أي لجنة تواصل أو متابعة.
لكن، بخلاف المؤتمرات التي دعت إليها، أو رعتها، أطراف دولية، لا ينبغي أن تقتصر أهداف هذا المؤتمر التركيبي، أو التجميعي، على تجديد وثائق المعارضة وتحديثها، ولا على إنشاء بدائل تحل محل التشكيلات القائمة، أو تتقاسم معها النفوذ داخل سورية وخارجها، ولا على إنشاء كيان أكثر تمثيلا أو فاعلية، ولا ترويج مبادرة سياسية أو رؤية خاصة، وإنما ينبغي أن تتركز على تطوير الرؤية، ووضع الخطط العملية، وتوزيع المهام على الأطراف المشاركة، وتنظيم صفوفها ومساعدتها على العمل تحت قيادة واحدة، أي إعدادها لمواجهة احتمالات تجدد الحرب مع مزيد من التورط الإيراني، أو انهيار النظام المفاجئ، أو تقدم داعش في مناطق المعارضة لحساب النظام، وإعداد الخطط للحيلولة دونها وبناء السلطة البديلة، لبنة لبنة، في إطار الحفاظ على وحدة الدولة وفاعلية المؤسسات والأمن والسلام الأهليين.
باختصار، المطلوب مؤتمر تستعيد فيه المعارضة السورية صدقيتها وفاعليتها وتمثيليتها في الوقت نفسه، إذ تكاد تفقدها جميعا، وهي تفقدها أكثر بمقدار تشتتها وتكرار مؤتمراتها وتشكيلاتها المتنافسة والمتنابذة والمتنازعة. ولن يعيدها الجمع الحسابي للقوى، ولا عدد المجتمعين، ولا البحث عن هويات واهية، يسعى، من خلالها، كل فريق إلى التركيز على أي نقطة اختلاف، حتى يبرر استقلاله بنفسه، وتشكيله قطبا إضافيا قائما بنفسه، ولا تشويه صورة الهويات أو التشكيلات المنافسة، ولا التسابق على كسب تأييد واعتراف الدول الصديقة أو الشقيقة، وإنما، بالعكس، تنمية روح الاتحاد والتفاهم، وتطوير آليات التشاور والتنسيق والتعاون والتكامل، ووضع قواعد ثابتة ومقبولة للتعامل بين الأطراف تساعدها على حل التناقضات وتجنب الانقسامات والمنازعات والعمل كقوة وطنية واحدة. ولتحقيق ذلك لا بد للمؤتمر المنشود من:
- أن يجمع الفاعلين، من عسكريين وسياسيين وناشطين مدنيين، أثبتوا في السنوات الماضية وجودهم بعملهم على الأرض، وفي كل الميادين، لا أن يكون تجميعا للموالين، كائناً من كان من يوالونه، شخصاً أم دولة أم حزبا.
أن يكون هدفه الأول وضع أسس التعاون والتنسيق والعمل المشترك بين الفصائل، وتحديد مرجعيات هذا العمل ومعاييره، وبالتالي، أن يكون هدفه توحيد القيادة، لا أن يكون هدفه تبرير إقصاء الآخرين، أو تحويل فرض قيادة مؤتمر أو شخص أو فصيل على الجميع ودمجهم، بالقوة أو بالوهم، في بوتقته الواحدة.
أن يعنى بالإعداد للمؤتمر، من الأول إلى الآخر، بما في ذلك تنظيمه وتحرير وثائقه وتحديد قوائم المدعوين إليه وتعيين أهدافه، لجنة تحضيرية من السوريين المخلصين والنائين بأنفسهم عن المناصب والنزاعات، من دون أن يستبعد ذلك التشاور والتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة المنخرطة في الصراع، إلى جانب المعارضة، بل بالتأكيد على ضرورتهما.
أن يتم التحضير له عبر نقاشات موسعة مسبقة، تجمع بين الفاعلين السياسيين والعسكريين والناشطين المدنيين، بحيث يأتي تتويجا لتفاهم تم الاشتغال عليه، ويصبح جوهر نشاطه المصادقة، ربما مع تعديلات بسيطة، على الوثائق، وتثبيت الالتزامات المتبادلة، وتوزيع المهام المطلوب إنجازها، لتنفيذ خطة حسم الحرب وترحيل النظام القائم، أو ما تبقى من أنقاضه، ووضع النظام البديل.
أن يزود بوثائق دقيقة ومفصلة ومرتبطة بالواقع، تعد بمشاركة خبراء في كل الميادين، تشمل الرؤية الوطنية لسورية المقبلة، وخطة العمل، والخطوات التنفيذية للانتقال من سورية التوحش إلى سورية المدنية والحضارة، دولة العدالة والكرامة والحرية والقانون.
لا ينبغي للمعارضة السورية أن تضيّع مزيدا من الوقت. فعلى الرغم من التصريحات الانتصارية الاستعراضية لطهران وحزب الله، لم يعد ممكناً لأي طرف، مهما فعل، أن يعيد إحياء نظام الأسد، أو المحافظة على بقائه. فقد تفككت دولته، وانهارت قواته العسكرية، ودب الخلاف داخل قياداته، وفقد جميع مقومات وجوده الأخلاقية والسياسية. ولن تغير القوات الجديدة التي أرسلتها طهران لتعزيز قوات النظام المنهارة في دمشق وحلب، وغيرها من المناطق، ولا الإعلان عن تقلد قاسم سليماني قيادة العمليات على كامل الأراضي السورية، من مصير الحرب، وإن مدّدت في أجلها أشهرا، أو ربما سنوات جديدة، وفاقمت من عمليات القتل والتدمير العشوائية للبلاد. فمصير كل أجهزة السيطرة الاستعمارية التهشيم والدمار. ولن يكون ذلك مستحيلاً على السوريين الذين واجهوا طهران في السنوات الأربع الماضية وحلفائها وهزموهم جميعا.
مطلوب من المعارضة السورية أن تبدأ، منذ الآن، التفكير ببناء نظام سورية البديل، والعمل عليه في كل خطوة وكل وثيقة وكل تحرك تقوم به. وهذه هي أوراق اعتمادها الوحيدة لدى السوريين، أعني تشكلها قوة منظمة قادرة على العمل المتسق والطويل المدى والهادف، بصرف النظر عن الأشخاص وألاعيب السياسة. آن الأوان للمعارضة السورية أن تنضج وتتحرر من هيجانات المراهقة السياسية وارتكاساتها.- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/6/10/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D9%88%D8%AD%D9%8A%D8%AF-%D8%AA%D8%AD%D8%AA%D8%A7%D8%AC-%D8%A5%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85#sthash.1pzqPqsq.dpuf
11 يونيو 2015
يذكّرني تكاثر مؤتمرات المعارضة السورية، وتراجع تأثيرها ودورها معا، بالمؤتمرات التي كانت تعقدها المعارضة نفسها خلال الأشهر الستة التي سبقت تشكيل المجلس الوطني، وكانت تعكس تسابق المجموعات المختلفة على إعلان أبوتها لأي تشكيل جامع جديد، وقطع الطريق على المجموعات الأخرى. ولم ينجح المجلس الوطني في وقف هذه الديناميكية التسابقية، إلا عندما رفضنا الإقصاء، وفرضنا مبدأ التوافق، والتوجه إلى جميع الاتجاهات والتيارات والكتل، لتشكيل جسم تمثيلي واحد. ولم يضعف دور المجلس الوطني ويدخل في موته السريري إلا عندما عادت الأطراف التي شكلته إلى رياضتها التقليدية في التنازع والتسابق على أبوة المجلس، ووضع اليد عليه، أو إقصاء أطراف أخرى، بهدف التسلط عليه، وفي النهاية قتله.
مؤتمرات للتغطية على عجز دائم
المبررات الرئيسية التي تنعقد بحجتها المؤتمرات التي تحولت، في السنة الماضية، إلى رياضة سياسية، وصارت الإنتاج الوحيد للمعارضة السورية، تتركز على أن الاعتراض على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، إما لأنه لا يمثل جميع أطياف المعارضة، أو لا يعبر عن كل فئات الشعب السوري، أو أنه لا يقوم بالمهام الملقاة على عاتقه، أو أنه مرتبط بتيارات وعواصم معينة، من دون أن يراعي مصالح عواصم أخرى وأدوارها. وفي جميع هذه المبررات والذرائع وجهات نظر ليست خاطئة تماما، لكن الوقوف عندها، وترجمتها باستبدال الائتلاف، تقود إلى إعادة إنتاج تشكيلاتٍ، تنطبق عليها المآخذ نفسها بصورة أكبر وأشد.
والحقيقة أن معظم ما يحصل من مؤتمرات باسم المعارضة السورية ينبع من طموح بعض الشخصيات، المشروع أحياناً، للعب دور وتبوّء مركز لم يسمح لها به الائتلاف، أو لا تريد أن تلعبه من داخله، وتجد لدى بعض العواصم الطامعة، أيضاً، في تأكيد حضورها في المناورة الإقليمية والدولية التي تدور على ساحة المشرق، تجاوباً يعكس الاختلاف الكبير في المصالح والتوجهات والمقاربات لدول المشرق ومحيطه. لكن الخاسر الأول من ذلك كله هو القضية السورية والمعارضة التي تفقد صدقيتها، بمقدار ما تتحول إلى معارضاتٍ، تدّعي كل منها شرعية تمثيل السوريين، وتتنافس في ما بينها على كسب ود الدول، وتأمل أن تحظى بدعمها ومساعدتها.
مع ذلك، إذا كانت الدوافع لعقد هذه المؤتمرات، التي تكاد تشمل جميع العواصم الدولية التي أظهرت اهتماما بالوضع المشرقي في السنوات الماضية، هي الطموحات الشخصية، واستغلال بعض الدول هذه الطموحات، فإن استمرارها يعكس أيضا حاجة موضوعية نابعة من تكلس التشكيلات الائتلافية القائمة، وعجزها عن التطور، بموازاة ما يحصل من تغيرات عميقة، في ظروف الصراع على الأرض من جهة، وعلى الفاعلين الرئيسيين، أيضاً. وبالتالي، عن تجديد أشخاصها وأفكارها وأساليب عملها للقيام بالحد الأدنى من المهام التي يفرضها عليها التطور الكارثي للأوضاع السورية والإقليمية. وتشكل المؤتمرات المتجددة فرصة مناسبة للتغطية على العجز، وإظهار تفوق الإرادة، حيث تنعدم القدرة على الإنجاز.
كما كان الحال في الفترة التي سبقت ولادة المجلس الوطني، تحتاج المعارضة السورية، بالفعل، إلى إعادة تشكيل، وإلى انتفاضة داخلية، تخرجها من تكلسها وتكيسها، وتُجدد دماءها، وتطلق قواها وقدراتها، وتحولها إلى أداة فعالة في مواجهة التحديات المتنامية التي يواجهها السوريون، وهم يتعرضون لحرب إبادة حقيقية، أمام صمت العالم، وفي غياب أي إطار تمثيلي معارض، قادر على إبراز معاناة الشعب السوري، وحمل راية كفاحه البطولي المرير، ومواكبة محنته التاريخية غير المسبوقة.
لكن، ما تحتاج إليه المعارضة السورية لتخرج بنفسها من الموت السريري، وتتحول إلى فاعل في الساحة السورية هو تماما عكس ما تقوم به شخصياتها وتجمعاتها اليوم، والتي تكاد كل طائفة منها تكرر ما تقوم به الطائفة الأخرى، في الفكر والعمل والطريقة والأداء، وفي الوثائق والبيانات التي تصدرها، والتي تكاد لا تتميز بعضها من البعض الآخر، إلا بركاكة متساوية في اللغة والأسلوب، وخصوصاً في الأهداف التي تتركز جميعا في طموح كل واحد منها إلى أن يكون حصان السباق في يد هذه العاصمة، أو تلك، لنيل الشرعية والدعم الدولي، واستقطاب المعونات والمساعدات.
بالعكس، ما ينقص المعارضة السورية هو مؤتمر تركيبي، وليس مؤتمرات تجزيئية أو تقسيمية، تزيد من عدد التجمعات المتنافسة والمتسابقة إلى تحقيق مهماتٍ، يفترض إنجازها قبل أي شيء آخر وحدة موقف المعارضة وتفاهمها وتعاونها وائتلافها ويمتنع بانقسامها. فأكبر ما تواجهه المعارضة من تحديات هو التحدث مع السوريين، وباسمهم، بخطاب واحد ولغة واحدة، والتعبير عن مطالبهم في التحكم بمصيرهم ومستقبلهم، ووقف التلاعب الدول والعواصم المتنازعة بمصيرهم، وتمثيل إرادتهم الموحدة في وضع حد للحرب وللنظام المتهالك وتجسيد إرادة العيش المشترك والتفاهم الوطني، والعمل لإعادة بناء سورية الحرة المستقلة الديمقراطية السيدة. ويتطلب هذا كله وجود قيادة سياسية، أي تعاوناً واتفاقاً في الرؤية والمنهج، ويتنافى مع التنافس على اقتسام تمثيلها أو التنازع على شرعية هذا التمثيل، والتسابق إلى تقديم الخدمات للدول والأطراف الدولية بين الأشخاص والقوى والفصائل والتكتلات والمؤتمرات التي تكاد لا تنتهي في عاصمة، حتى تبدأ في أخرى.
فلم يعد يخفى على أحد أن سورية، بعد أن تم حسم موضوع بقاء الأسد ونظامه، وخسرت طهران وحلفاؤها الحرب، مقبلة على حقبة جديدة. وأن معظم الجهود الدولية والإقليمية أصبحت متركزة بصراحة، اليوم، على التفكير في مرحلة ما بعد الأسد، ومتمحورة حول وسائل مقاربتها وتقاسم الأدوار فيها، وأنه لم يعد لدى الأطراف شاغل سوى ترتيب أوراقها، وبلورة تفاهماتها، وحجز مواقعها في سورية الآتية، وأن الأعمال الحربية الجديدة نفسها التي تهدد طهران بتطويرها لصالح حماية الأسد من السقوط قد تحولت إلى وسيلة ابتزاز، للضغط على مفاوضات الحل، أو وسيلة للتموضع استباقا لها. وهذا هو أصلا أحد الدوافع الرئيسية لتنظيم المؤتمرات والاجتماعات التشاورية التي تحاول، من خلالها، بعض الأطراف، الدولية والإقليمية، أن تنتزع لنفسها موقعا في المعارضة، أو أجزاء منها، تعزيزا لدورها، وتوسيع هامش مناورتها الدبلوماسية، قبل بدء المفاوضات السياسية الرسمية المنتظرة.
بين صراعات الزعامة والإعداد للانتقال السياسي
في المقابل، لايزال التفكير في طبيعة هذه المرحلة الجديدة والإعداد لها بالكاد يبدأ في صفوف قوى المعارضة المسلحة والسياسية. ومن المحتمل، إذا لم ننجح في إدراك شروط الصراع فيها، والمهام التي يتوجب علينا القيام بها لمواجهة تحدياتها، أن يكون الشعب السوري، على الرغم من التضحيات غير المسبوقة التي قدمها، الخاسر الرئيسي فيها، وأن يحل تقسيم مناطق النفوذ بين الأطراف الإقليمية والدولية محل مشروع إعادة بناء الدولة السورية الجديدة، على قاعدة المبادئ والتطلعات التي ألهمت الشعب السوري ثورته وتضحياته غير المسبوقة، في الحرية والكرامة والسيادة، وأن يكرس التفاهم الدولي والإقليمي مبدأ تقاسم المصالح بين القوى الخارجية على حساب مصالح السوريين، ووحدة إرادتهم وأرضهم وإعادة بناء وطنهم المدمر، واستعادة سيطرتهم على مصيرهم ومستقبلهم.
إعداد المعارضة المسلحة والسياسية لمواجهة هذه الحقبة التي سوف يتوازى فيها التصعيد العسكري غير المسبوق والقتل الهمجي، كما تشير إليه مجازر النظام في الأيام الماضية، من دون أي رد فعل دولي، حتى ببيانات الإدانة، مع أوسع المناورات السياسية والدبلوماسية، لاستباق اختفاء الأسد من الساحة، والتي سوف يتقرر فيها مصير سورية وشعبها، وبالتالي، المشاركة في وضع أسس المرحلة الانتقالية ومؤسساتها، هو ما ينبغي أن يحدد طبيعة المؤتمر الجديد للمعارضة، والذي يشبه في بعض ملامحه مؤتمرها الجامع الأول الذي عقد في القاهرة في 4 يوليو/تموز 2012، والذي أجهضته تلك الأطراف التي رفضت أن تخرج منه أي لجنة تواصل أو متابعة.
لكن، بخلاف المؤتمرات التي دعت إليها، أو رعتها، أطراف دولية، لا ينبغي أن تقتصر أهداف هذا المؤتمر التركيبي، أو التجميعي، على تجديد وثائق المعارضة وتحديثها، ولا على إنشاء بدائل تحل محل التشكيلات القائمة، أو تتقاسم معها النفوذ داخل سورية وخارجها، ولا على إنشاء كيان أكثر تمثيلا أو فاعلية، ولا ترويج مبادرة سياسية أو رؤية خاصة، وإنما ينبغي أن تتركز على تطوير الرؤية، ووضع الخطط العملية، وتوزيع المهام على الأطراف المشاركة، وتنظيم صفوفها ومساعدتها على العمل تحت قيادة واحدة، أي إعدادها لمواجهة احتمالات تجدد الحرب مع مزيد من التورط الإيراني، أو انهيار النظام المفاجئ، أو تقدم داعش في مناطق المعارضة لحساب النظام، وإعداد الخطط للحيلولة دونها وبناء السلطة البديلة، لبنة لبنة، في إطار الحفاظ على وحدة الدولة وفاعلية المؤسسات والأمن والسلام الأهليين.
باختصار، المطلوب مؤتمر تستعيد فيه المعارضة السورية صدقيتها وفاعليتها وتمثيليتها في الوقت نفسه، إذ تكاد تفقدها جميعا، وهي تفقدها أكثر بمقدار تشتتها وتكرار مؤتمراتها وتشكيلاتها المتنافسة والمتنابذة والمتنازعة. ولن يعيدها الجمع الحسابي للقوى، ولا عدد المجتمعين، ولا البحث عن هويات واهية، يسعى، من خلالها، كل فريق إلى التركيز على أي نقطة اختلاف، حتى يبرر استقلاله بنفسه، وتشكيله قطبا إضافيا قائما بنفسه، ولا تشويه صورة الهويات أو التشكيلات المنافسة، ولا التسابق على كسب تأييد واعتراف الدول الصديقة أو الشقيقة، وإنما، بالعكس، تنمية روح الاتحاد والتفاهم، وتطوير آليات التشاور والتنسيق والتعاون والتكامل، ووضع قواعد ثابتة ومقبولة للتعامل بين الأطراف تساعدها على حل التناقضات وتجنب الانقسامات والمنازعات والعمل كقوة وطنية واحدة. ولتحقيق ذلك لا بد للمؤتمر المنشود من:
- أن يجمع الفاعلين، من عسكريين وسياسيين وناشطين مدنيين، أثبتوا في السنوات الماضية وجودهم بعملهم على الأرض، وفي كل الميادين، لا أن يكون تجميعا للموالين، كائناً من كان من يوالونه، شخصاً أم دولة أم حزبا.
أن يكون هدفه الأول وضع أسس التعاون والتنسيق والعمل المشترك بين الفصائل، وتحديد مرجعيات هذا العمل ومعاييره، وبالتالي، أن يكون هدفه توحيد القيادة، لا أن يكون هدفه تبرير إقصاء الآخرين، أو تحويل فرض قيادة مؤتمر أو شخص أو فصيل على الجميع ودمجهم، بالقوة أو بالوهم، في بوتقته الواحدة.
أن يعنى بالإعداد للمؤتمر، من الأول إلى الآخر، بما في ذلك تنظيمه وتحرير وثائقه وتحديد قوائم المدعوين إليه وتعيين أهدافه، لجنة تحضيرية من السوريين المخلصين والنائين بأنفسهم عن المناصب والنزاعات، من دون أن يستبعد ذلك التشاور والتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة المنخرطة في الصراع، إلى جانب المعارضة، بل بالتأكيد على ضرورتهما.
أن يتم التحضير له عبر نقاشات موسعة مسبقة، تجمع بين الفاعلين السياسيين والعسكريين والناشطين المدنيين، بحيث يأتي تتويجا لتفاهم تم الاشتغال عليه، ويصبح جوهر نشاطه المصادقة، ربما مع تعديلات بسيطة، على الوثائق، وتثبيت الالتزامات المتبادلة، وتوزيع المهام المطلوب إنجازها، لتنفيذ خطة حسم الحرب وترحيل النظام القائم، أو ما تبقى من أنقاضه، ووضع النظام البديل.
أن يزود بوثائق دقيقة ومفصلة ومرتبطة بالواقع، تعد بمشاركة خبراء في كل الميادين، تشمل الرؤية الوطنية لسورية المقبلة، وخطة العمل، والخطوات التنفيذية للانتقال من سورية التوحش إلى سورية المدنية والحضارة، دولة العدالة والكرامة والحرية والقانون.
لا ينبغي للمعارضة السورية أن تضيّع مزيدا من الوقت. فعلى الرغم من التصريحات الانتصارية الاستعراضية لطهران وحزب الله، لم يعد ممكناً لأي طرف، مهما فعل، أن يعيد إحياء نظام الأسد، أو المحافظة على بقائه. فقد تفككت دولته، وانهارت قواته العسكرية، ودب الخلاف داخل قياداته، وفقد جميع مقومات وجوده الأخلاقية والسياسية. ولن تغير القوات الجديدة التي أرسلتها طهران لتعزيز قوات النظام المنهارة في دمشق وحلب، وغيرها من المناطق، ولا الإعلان عن تقلد قاسم سليماني قيادة العمليات على كامل الأراضي السورية، من مصير الحرب، وإن مدّدت في أجلها أشهرا، أو ربما سنوات جديدة، وفاقمت من عمليات القتل والتدمير العشوائية للبلاد. فمصير كل أجهزة السيطرة الاستعمارية التهشيم والدمار. ولن يكون ذلك مستحيلاً على السوريين الذين واجهوا طهران في السنوات الأربع الماضية وحلفائها وهزموهم جميعا.
مطلوب من المعارضة السورية أن تبدأ، منذ الآن، التفكير ببناء نظام سورية البديل، والعمل عليه في كل خطوة وكل وثيقة وكل تحرك تقوم به. وهذه هي أوراق اعتمادها الوحيدة لدى السوريين، أعني تشكلها قوة منظمة قادرة على العمل المتسق والطويل المدى والهادف، بصرف النظر عن الأشخاص وألاعيب السياسة. آن الأوان للمعارضة السورية أن تنضج وتتحرر من هيجانات المراهقة السياسية وارتكاساتها.
mercredi, juin 10, 2015
مؤتمر القاهرة٢: يطعمك الحج والناس راجعة
لا يشك أحد في أن مؤتمر القاهرة٢ للمعارضة السورية قد حقق نتائج أفضل بكثير مما فعل مؤتمر القاهرة١، ومما كان متوقعا منه. فقد أقر أخيرا ولو بصعوبة بالغة بأنه لا مكان للأسد في أي حل قادم للحرب السورية.
صحيح أنه تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا، إنما أن تأتي بعد أن غادر القطار كأنك لم تأت. فلم يعد أحد اليوم لا في سورية ولا في العالم ولا داخل صف النظام نفسه وحماته يعتقد أن النقاش لا يزال حول هذه النقطة، وأن المشكلة تتجسد في دور الأسد. هذه معركة فتحت وانتهت مع إعلان الايرانيين استعدادهم للدفاع عن نظام الأسد حتى النهاية وإرسالهم آلاف المقاتلين المرتزقة الجدد. وانتهت أيضا مع التصعيد المستمر في القتل الهمجي والعشوائي للمدنيين بالبراميل المتفجرة والغازات. والدول الكبرى نفسها التي كانت تسعى إلى تأهيل الأسد لمواجهة داعش لا تتداول اليوم إلا في سبل مواجهة احتمال انهياره المفاجيء. وحتى دي ميستورا صرح أخيرا بأن الأسد لا دور ولا مكان له في أي حل سياسي. موقف مؤتمر القاهرة٢ الجديد خطوة ايجابية كبيرة نحو الأمام لكن لأنها جاءت متأخرة كثيرا عن الواقع أصبحت جهدا ضائعا كمن يجمع كل قوته لخلع باب مفتوح على مصراعيه.
المشكلة لم تعد اليوم: حل سياسي مع الأسد أم بدونه، من يطرح المسألة السورية بهذه الطريقة كأنه يخوض حرب القرن الماضي، المشكلة هي ما الحل بعد أن فشلنا في دفع الأسد إلى القبول بالحل السياسي وتخفيف الخسائر والدمار في البلاد؟
يطعمك الحج والناس راجعة.: هذا هو التعليق الوحيد الذي يستحقه مؤتمر القاهرة٢ في نظر السوريين ضحايا حرب البراميل والغازات السامة والتهجير القسري والتطهير الطائفي.
صحيح أنه تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا، إنما أن تأتي بعد أن غادر القطار كأنك لم تأت. فلم يعد أحد اليوم لا في سورية ولا في العالم ولا داخل صف النظام نفسه وحماته يعتقد أن النقاش لا يزال حول هذه النقطة، وأن المشكلة تتجسد في دور الأسد. هذه معركة فتحت وانتهت مع إعلان الايرانيين استعدادهم للدفاع عن نظام الأسد حتى النهاية وإرسالهم آلاف المقاتلين المرتزقة الجدد. وانتهت أيضا مع التصعيد المستمر في القتل الهمجي والعشوائي للمدنيين بالبراميل المتفجرة والغازات. والدول الكبرى نفسها التي كانت تسعى إلى تأهيل الأسد لمواجهة داعش لا تتداول اليوم إلا في سبل مواجهة احتمال انهياره المفاجيء. وحتى دي ميستورا صرح أخيرا بأن الأسد لا دور ولا مكان له في أي حل سياسي. موقف مؤتمر القاهرة٢ الجديد خطوة ايجابية كبيرة نحو الأمام لكن لأنها جاءت متأخرة كثيرا عن الواقع أصبحت جهدا ضائعا كمن يجمع كل قوته لخلع باب مفتوح على مصراعيه.
المشكلة لم تعد اليوم: حل سياسي مع الأسد أم بدونه، من يطرح المسألة السورية بهذه الطريقة كأنه يخوض حرب القرن الماضي، المشكلة هي ما الحل بعد أن فشلنا في دفع الأسد إلى القبول بالحل السياسي وتخفيف الخسائر والدمار في البلاد؟
يطعمك الحج والناس راجعة.: هذا هو التعليق الوحيد الذي يستحقه مؤتمر القاهرة٢ في نظر السوريين ضحايا حرب البراميل والغازات السامة والتهجير القسري والتطهير الطائفي.
samedi, juin 06, 2015
تأكيد مجلس الامن قلقه مجددا لن يوقف براميل الموت
عبر مجلس الامن من جديد ببيان صدر امس الجمعة عن قلقه من استمرار الاسد في القاء البراميل المتفجرة على المدنيين وأدانه، وكان قد أصدر في شباط/فبراير ٢٠١٤ القرار ٢١٣٩ الذي طالب فيه القاتل نفسه بوقف القصف بالبراميل وحصار التجويع والسماح بدخول قوافل الإغاثة من دون نتيجة، بالرغم من تهديد المجلس باتخاذ اجراءات إضافية لم تر النور.
ولا أدري أمام هذه الادانة والتعبير عن القلق ماذا نقول: هل نشكر مجلس الامن على تذكره لمحنتنا أم نرثى له أم نترحم عليه أم ندين أعضائه بالتواطؤ مع جرائم الإبادة الجماعية المستمرة في سورية منذ ٤ سنوات باعتراف التقارير الانسانية الدولية.
الأمر الأكيد هو أن مجلس الامن أصبح يفقد من هيبته وصدقيته أكثر بعد نشر أي بيان يتعلق بسورية، من دون أن يستطيع اتباع الأقوال بالأفعال. وعندما يفقد مجلس الأمن من صدقيته يقوض أسس ما كان يسمى في اللغة الدبلوماسية الشرعية الدولية والأمن والسلام الدوليين.
إذا كان الأسد قد دمر بلده شعبا ووطنا وحضارة فإن تواطؤ مجلس الأمن أو تساهل أعضائه مع التزاماتهم واستهتارهم ب "قانونهم" يدمر أسس الحياة الدولية ويفرغ العلاقات بين الدول من أي مضمون أخلاقي، أي إنساني، ليتركها حبيسة المصالح الرخيصة وفي مهب القوة والعنف
lundi, juin 01, 2015
المعارضة السورية أمام تحدي انتزاع السلطة
1 يونيو 2015
لا يستمر نظام الأسد، لأنه لا يزال قادراً على الصمود، أو لما تبقى له من رصيد عسكري
لا يستمر نظام الأسد، لأنه لا يزال قادراً على الصمود، أو لما تبقى له من رصيد عسكري
ومعنوي، وإنما لعدم جاهزية منظومة المعارضة، في نظر الرأي العام السوري والدولي أيضاً، لاستلام السلطة والحفاظ على وحدة الدولة واستمرارها. ولذلك، لم يعد التحدي الذي يواجهه السوريون، اليوم، إسقاط الأسد وتفكيك نظامه، لكن بناء نواة النظام البديل الذي يعيد توحيد الشعب الذي قسمته الحرب، طائفياً وسياسياً وأيديولوجياً، ويضمن بسط الأمن والسيطرة على المليشيات والقوى المسلحة الصديقة والعدوة، وتنظيم شؤون الدولة والإدارة وتوفير الخدمات الضرورية، أو على الأقل الذي يقدم من الدلائل ما يظهر قدرته على ذلك.
وتجد المعارضة اليوم نفسها أمام فرصة نادرة لاستثمار الانهيار المعنوي والسياسي للنظام، حتى في نظر أصدقائه وحاضنته الاجتماعية، من أجل توجيه الضربة القاضية له، وهي بالتأكيد ضربة سياسية، قبل أن تكون عسكرية. وجوهر ما هو مطلوب منها لتحقيق ذلك، وانتزاع السلطة التي تنتظر من يلمها ويلتقطها، الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية، وتجاوز حالة التنافس والانقسام التي سادت في الفترة الماضية، ووضع قاعدة التعاون والتنسيق والتفاهم والدعم المتبادل محل قاعدة التنافس والتنازع على النفوذ. ليست اللحظة لحظة الانتقادات وسوق الاتهامات والتذكير بالمآخذ المتبادلة، وإنما لحظة التضامن والتعاون والتكتل من أجل سورية الواحدة، وإيجاد الحل المناسب للمعضلات الكبرى التي حالت، حتى الآن، دون انتصار السوريين، وأدت إلى خروج مقاليد الأمور من بين أيديهم، وإلى إضعاف العمل الوطني وإفشال مؤسسات المعارضة الثلاث، الائتلاف والمجلس العسكري الأعلى والحكومة المؤقتة، وسيطرة الدول على مصيرها.
أربع معضلات
المعضلة الأولى هي غياب الإجماع والتوافق السياسي، وهذا ما حال دون توحيد قوى الثورة، ووضعها في خدمة مشروع واحد، يشجع الشعب على الالتفاف من حوله. وللأسف، لم تساهم تجمعات المعارضة الكبرى، في المجلس الوطني ثم في الائتلاف الوطني السوري، كثيرا في مساعدة السوريين على تجاوز انقساماتهم، فبدل أن تعمل إطاراً لتجميع القوى وتوحيد الرؤية وتوليد إجماع سياسي، تحولت إلى منتديات مغلقة على أعضائها، وتجاهلت تساؤلات ومخاوف قطاعات الرأي العام السوري بأكملها، كما تجاهلت حاجات الفصائل العسكرية ومشكلاتها. وعندما حاولت الانفتاح، توجهت إلى قوى معارضة ثانوية أكثر هامشية منها، وأكثر بعداً عن مشكلات الشعب وعن الفصائل المسلحة معا، كهيئة التنسيق وتيار بناء الدولة، وأمثالهما. وبقيت تعتمد، في نفوذها ورصيدها، على دعم القوى العربية والدولية، ولم تبذل أي جهد لبناء قوة دعم داخلية، شعبية أو عسكرية، فعلية. ولا يختلف عن ذلك وضع تنظيمات المعارضة السياسية الأخرى التي بقيت تعيش على معارضة الائتلاف أو مناكفته، وتعاني من انفصال أكبر عن حركة الأحداث، وعن التفاعل مع حاجات ومطالب الجمهور والشعب. ولم تنجح المعارضة، بكل تنظيماتها، في تحقيق أي إنجاز سياسي، بعد مؤتمر توحيد مواقفها الذي عقد في القاهرة عام 2012.
والنتيجة أنها بقيت بعيدة عن التحولات العميقة التي غيرت وجه الثورة ورهاناتها، وعجزت عن مواجهة أكبر شرخ حصل في صفوف الثورة، مع تبلور مشروعين متصادمين ومتنافسين، الجهادي والوطني. وقد غلب على قيادات المعارضة السياسية موقف تجاهل الأمر والتغطية عليه، مع تغذية الأمل بأن يتغلب الشعور الوطني عند الجهاديين على أي مشاعر أخرى. وراهنت على نفوذ بعض رجال الدين المعتدلين للتأثير على بعض القوى الجهادية، أو التخفيف من غلوائها. ومن الواضح، الآن، للجميع أن ما يجمع قوات المعارضة السياسية والعسكرية اليوم هو عداؤها المشترك للأسد، وما يقسمها هو اختلافها على طبيعة النظام البديل. ويوفر هذا النزاع بين المشروعين المتنافيين داخل صفوف الثورة واختياراتها ورؤيتها ذريعة للقوى الداعمة للأسد، والخائفة من التغيير، بمقدار ما يهدد بفتح حقبة حرب جديدة، ربما لن تقل ضراوة عن سابقتها، كما يشكل العقبة الرئيسية أمام بناء تحالف وطني واسع في مواجهة تحديات الانتقال.
والآن، وصلنا إلى اللحظة التي ندرك فيها أننا لن نستطيع إقناع السوريين، ولا المجتمع الدولي، بقدرتنا على إدارة الدولة، وحقنا في استعادتها من خاطفيها، من دون أن نقرر في اختياراتنا النهائية: دولة وطنية لشعبها من السوريين الذين عانوا أقسى المعاناة دفاعاً عنها، أو مسرحاً لحرب جهادية يشكل الشعب السوري وقودها، وسورية وحضارتها ومدنها ضحيتها الرئيسية.
والمعضلة الثانية هي التشتت الواسع للفصائل والقوى العسكرية، وامتناعها عن العمل تحت راية واحدة وقيادة مشتركة، تزيد من فاعليتها، وتحد من مخاطر واحتمالات تفجر النزاعات في ما بينها، وتعمل على توحيد جهودها وتنسيقها، للارتقاء بأدائها وتمكين قياداتها من العمل ضمن استراتيجية وخطة سياسية عسكرية شاملة، وتشكيل النواة التنظيمية للجيش الحر التي تسمح بدمج ما يتبقى من الجيش النظامي داخلها، بعد زوال النظام القائم. ويشكل هذا التشتت والتعدد في مراكز القوى والقرار العسكري مصدر خوف وقلق عميقين لقطاعات واسعة من الشعب السوري وللدول الداعمة، أو الرافضة بقاء الأسد، وتعطل إمكانية التوصل إلى تفاهم دولي، لوضع حد للمحنة السورية. وليس من المبالغة القول إن الدول الكبرى تخشى اليوم، بسبب تعدد الفصائل وتباين توجهاتها واحتمالات توسع دائرة نزاعاتها، من الانهيار المفاجئ لنظام الأسد أكثر مما تخشى من استمرار المأساة، خوفا من الانتقال إلى مزيد من الفوضى والحرب الشاملة.
والمعضلة الثالثة هي الفشل في تشكيل إدارة تتمتع بالحد الأدنى من الفاعلية، وتستجيب لحاجات السكان في المناطق المحررة، سواء ما يتعلق منها بتسيير مرافق الدولة والمؤسسات العامة والمجالس المحلية، أو بتقديم الخدمات والاستفادة من الكوادر والخبرات السورية، فقد كانت مساهمة الحكومة المؤقتة في إنجاز هذه المهام الرئيسية، مثل العدالة والقضاء والصحة والتعليم واستثمار الموارد ورعاية الشرائح المتضررة من اللاجئين والمهجرين والفقراء والمشردين، ضعيفة إلى درجة مؤسية. وقد أضعف هذا الفشل كثيراً من صدقية المعارضة، وشكك في مقدرتها على قيادة الانتقال إلى نظام ما بعد الأسد. وترجع أسباب هذا الفشل إلى تخبط المعارضة السياسية، الممثلة بالائتلاف الوطني، والتنازع المستمر الذي ميز أسلوب قيادته وتعامله مع الحكومة، كما ترجع إلى ضعف الدعم الخارجي المنتظر. لكن، قبل ذلك إلى عجز الحكومة نفسها عن تكوين هامش مبادرة لها، مهما كان محدوداً، تجاه الائتلاف والقوى الداعمة معا، ووجود خطة عمل للاستفادة من الموارد المحلية، وتشغيل الطاقات الموجودة من الكوادر والمبادرات داخل سورية وعند السوريين في كل مكان.
أما المعضلة الرابعة فتتعلق بالرد على تحدي داعش، وما تمثله من تهديد لمكاسب الثورة برمتها، ومن مخاطر على وجود الدولة السورية نفسها. وفي هذا المجال، لم تبد المعارضة السياسية أي اهتمام يذكر ببلورة موقف موحد من هذا التنظيم الذي عمل بالتنسيق الموضوعي أو المدرك مع نظام الأسد، ولا في صوغ رؤية واضحة للطريقة التي ينبغي أن تواجه بها تقدم هذا التنظيم في مناطق المعارضة المحررة نفسها، واكتفت الفصائل المقاتلة بتبني موقف الدفاع عن النفس في المواقع التي تعرضت للهجوم فيها. وبالإجمال، لا تزال المعارضة مترددة في تقدير إمكانات تطور القوة الداعشية، ومخاطرها على الثورة والدولة السورية نفسها.
الحوار بين الفصائل مفتاح الحل
لا توجد حلول أخرى لحل المعضلة السياسية، وتجاوز الشرخ القائم في صفوف القوى السورية المناهضة للأسد ونظامه بين مشروعين، جهادي ووطني، سوى التفاهم، من خلال حوار منظم وطويل بين قادة الفصائل العسكرية المختلفة، والقادة السياسيين، على قاعدة إدارة هذا الخلاف واحتواء نتائجه ومخاطره، على أمل أن يعيد هذا الحوار بناء الثقة بين الأطراف، ويساعدها على تفهم مخاوف وقلق بعضها، والعمل، المضني ربما، لتشكيل حد أدنى من التوافق الوطني. من دون ذلك، سوف تخسر الثورة تضحياتها، ولن يكون من الممكن تحقيق أي انتقال سياسي ذي معنى. ولا ينبغي أن نتوهم، كما نفعل حتى الآن، أن هناك حلا في التصفيات المتبادلة، أو أن هناك في هذا المجال مكانا لتسويات عقائدية، يمكن انتزاعها بالوعظ والإقناع الديني أو الفكري، فالتصفيات، باسم التطرف وغيره، لن تقود إلا إلى تمديد أجل الحرب والنزاع، في وقت يعرف فيه الجميع أن المسائل العقائدية لا تقبل التسويات.
ما ينبغي تحقيقه، في المرحلة الأولى من الحوار، هو اتفاق على إدارة الخلافات، وتحييد بعض مجالات النشاط السياسي والعسكري والاجتماعي عنها. وهذا يعني أمرين: الأول، الاعتراف المتبادل بشرعية الخلاف العقائدي وحق الجميع في حرية الرأي والاعتقاد، والثاني، الاتفاق على القاعدة التي ينبغي أن تحكم الخلافات وتديرها بشكلٍ يضمن للجميع الاحترام والمشاركة، وفي الوقت نفسه الحد الأدنى من التفاهم والتعاون والتنسيق. وهناك، في نظري، قاعدة واحدة ممكنة لتحقيق هذا الهدف، هي رفض أن يقرر فريق وحده مصائر المجتمع والسياسة والدولة والدين، وجميعها موضوعات يثير الاستئثار بقرارها أو فرض كل فريق موقفه فيها على الآخرين ثوراتٍ لا تخمد، وخير مثال عليها ثورة آذار العظيمة نفسها التي قامت ضد الاستئثار بالقرار، وإقصاء المجتمع والشعب والاستفراد بالسلطة والرأي. وهذا يعني، أيضاً، أنه لا مخرج من الصراع ومخاطر اندلاع حروب جديدة، إلا بالتسليم من كل الأطراف بحق الشعب كمجموع، لا أي طرف بمفرده فيه، في تقرير الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية الكبرى، وهذا ما نسميه السياسة أو السياسات، وتحديد الأسوب الذي يريد أن يسود في حكم نفسه وإدارة شؤونه في كل الميادين. وهذه هي الوسيلة الوحيدة لضمان ممارسة الاختلاف في الرأي مع حفظ وحدة الشعب والبلد وضمان استقرار الدولة وفاعليتها وازدهار العمران.
بالنسبة لتعدد الفصائل والقيادات ومراكز القرار العسكري، حصل تقدم كبير في الأشهر القليلة الماضية، نتيجة تقارب الفصائل المقاتلة على مختلف الجبهات، وكان له نتائج بارزة على مكاسبها في الميدان. وهناك دول عديدة تسعى، أيضاً، إلى الضغط على بعض هذه الفصائل، لحثها على الالتزام بخطة عمل واحدة، لكن حركة التقارب والتنظيم الموحد لم تتعد المشاركة في غرف عمليات موحدة. ومن الصعب لهذه العملية أن تتقدم أكثر، ما لم تحل المعضلة السياسية التي تقسم المعارضة المسلحة أكثر من المعارضة السياسية، وهي، كما ذكرت، وجود مشروعين معلنين ومتناقضين للثورة على النظام: الأول مشروع الثورة المدنية الذي سعى النظام، بكل قوته، إلى تدمير أسسه، وتشريد حاضنته الشعبية وحوامله من النخب المدينية ونخب الطبقة الوسطى، تنفيذاً لخطته في تصوير الثورة على أنها حركة تمرد طائفية، لعزلها ونزع الشرعية عنها. ومشروع الحركة الجهادية الذي تعزز، مع مرور الوقت، وتوافد المجاهدين الأجانب وتوسع انتشار الثورة داخل الأرياف والمدن الصغيرة، وتلقيها المزيد من المعونات والدعم من المحيط العربي والإسلامي. ويعتقد أصحابه أن قتالهم لم يكن في سبيل تحرير الشعب وتسليمه مقاليد الأمور، وتمكينه من حقه في تقرير مصيره، وإنما في سبيل الله،
وبالتالي، تطبيق شرعه وشريعته، كما يفسرها رجال الدين المعترف بهم منهم.
ولن يمكن النجاح في تجاوز هذا الانقسام أو الشرخ من دون حسم المواقف السياسية، وإعادة العلاقة بين الفصائل والمؤسسات العسكرية القائمة، من غرف عمليات ومجالس قيادة في الجبهات، ومراكز إعلام مرتبطة بها، والتنظيمات السياسية أو الهيئات المختلفة العاملة على الصعيد السياسي، وتجاوز القطيعة القائمة بين القيادات العسكرية والقيادات السياسية والتفاهم على خطة المرحلة الانتقالية، التي ينبغي أن يكون محورها إنقاذ سورية، شعباً ووطناً ودولة، بصرف النظر عن أي طموحات أو تطلعات أو غايات أخرى.
وغياب هذا التفاهم هو الذي يفسر فشل تجارب تجميع الفصائل المقاتلة في السنوات الماضية، من تجربة المجلس العسكري الأعلى إلى تجربة هيئة الأركان، ثم في ما بعد، وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة.
وفي ما يتعلق بالحكومة المؤقتة والإدارة، فليس هناك أمل في توفير الحد الأدنى من الإدارة الفعالة، إن لم تقرر الفصائل والتنظيمات السياسية، التعاون معها، ودعمها وتجاوز الخلافات العقائدية والسياسية في التعامل معها، وما لم تقرر الحكومة المؤقتة نفسها أن تلتزم بصلاحياتها التنفيذية، وتكف عن تشتيت جهودها في أي أمور أخرى، كما فعلت حتى الآن.
وفي موضوع مواجهة تنظيم الدولة، فلا بد من خطة مواجهة دفاعية، في انتظار إنهاء الحرب الأسدية وإعادة تأهيل وهيكلة الجيش والدولة، والاستعانة بعد ذلك بقوى التحالف العربية والدولية.
والنتيجة سوف تستمر فصائل المعارضة المسلحة في تحقيق الانتصارات على الأرض، لأن قوى النظام قد تهالكت، ومن المحتمل أن تدفع مكاسبها إلى تقويض استقرار النظام أو انحسار نفوذه إلى منطقة ضيقة، وربما انهياره، قبل أن يستطيع حلفاؤه تقديم الدعم الكافي لمساعدته على الوقوف، لكنها لن تستطيع أن تضمن ولاء الشعب وانحيازه لها، ولا تحقيق التطلعات العميقة التي كانت وراء تضحيات السوريين الهائلة، ما لم تجد الحل لهذه المعضلات، وهو الحل الوحيد الذي يفتح طريق إعادة بناء الدولة، وتوحيد قوى الشعب، ويحيي الأمل في عودة الأمن والاستقرار، ويجنب البلاد حقبة ثانية من الحرب الأهلية بالمعنى الصحيح للكلمة.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/5/31/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9#sthash.u8MefdZ1.yspmumM8.dpuf
Inscription à :
Articles (Atom)