mercredi, janvier 31, 2007

المجتمعات العربية بين طغيانين

الاتحاد 1 فيفرييه 07

تعيش المجتمعات العربية رهينة طغيانين: الطغيان السياسي الذي يتحكم بسلطة الدولة ليهمش المجتمع ويستبعده من أي قرار، والطغيان الفكري الذي يتحكم بالرأي العام ويحوله إلى كتلة واحدة صماء وتابعة معا. وكلاهما يقومان على نفي الفرد وتجريده من استقلاله وحرية تفكيره ووعيه النقدي في سبيل إلحاقه بهما واستتباعه. فالطاغية لا يقبل بأقل من الاستسلام والإذعان وصاحب الوصاية الدينية لا يقبل بأقل من التسليم والانصياع لما يعتبره الرأي الصحيح والتفسير الحق. من هنا ليس من المبالغة القول إن هناك تحالفا موضوعيا بين احتكار السلطة واحتكار الحقيقية. فهما يكملان بعضهما البعض. وكما يدل على ذلك واقع الحال لا يعيشان إلا معا ولا يتواجدان إلا متجاورين ومتضامنين. فهما يتغذيان من نتائج عملهما المتبادل. فبقدر ما يجرد الطغيان السياسي الفرد من وعيه وضميره وحسه النقدي، أي من إرادته واستقلاله، يحوله إلى لقمة سائغة لأصحاب المشاريع الدينية أو شبه الدينية التي تقدم له فرصة التعويض عن انعدام الهوية الشخصية في الانحلال في شخصية جماعية واحدة، هي التجسيد المطلق للوعي والضمير والإرادة والاستقلال.
هذا ما يفسر ما تعيشه مجتمعاتنا من حالة مواجهة دائمة واقتتال، وعدم التردد في تفجير السيارات المفخخة في الشوارع والأسواق وقتل العشرات بل المئات يوميا من دون أي شعور بالمسؤولية أو بتأنيب ضمير. وإذا كان العراق هو اليوم البؤرة الأكثر تجسيدا لعواقب نظام الطغيان المزدوج هذا، فهو ليس الوحيد ولا الأخير. فكما أن المدنية تقوم على الاستثمار في الفرد وتنمية استقلاله الروحي والفكري، تتغذى البربرية من قتل الفرد وتفريغه من الوعي والإرادة والضمير والحس النقدي والاستقلال، كي ما تحوله إلى أداة تنفيذ فحسب، يتلاعب بها عقل واحد مفكر ومدبر، سواء أكان طاغية أو اميرا للجماعة. وبقدر ما يستدعي الابداع أناسا على درجة من الاستقلال الفكري والروحي والوعي والإرادة والمسؤولية الشخصية، يقوم الانحطاط على تعميم الإمعية والتبعية الشخصية والالتحاق. كلا السلطتين تمثلان نمطا واحد من السلطة المطلقة التي تستتبع الآخرين ولا تطلب منهم سوى الطاعة والانقياد. وهما على نقيض تنمية ملكة النقد والتفكير الشخصي الحر. فالطغيان الأول يقوم على احتكار السلطة السياسية والدولة، بينما يقوم الطغيان الثاني على احتكار الرأي والفكر، بل الحقيقة. كلاهما ينزع إلى النظر إلى المجتمعات ككتل تابعة، ولا يهتم أي اهتمام باستقلال الفرد الفكري والسياسي وتحرره.
بسحق الفرد وقتل وعيه النقدي والتمييزي حكمنا على أنفسنا بالوصول إلى طريق مسدودة والسقوط إلى هاوية القتل على الهوية وتحليل المجازر الأكثر وحشية. وصرنا على شفا حرب أهلية علنية أو كامنة، في أكثر من قطر وأكثر من ميدان، نفتقر فيها إلى فرص الحسم كما نفتقر إلى فرص التسوية، بل إلى احتمال ايجاد الوساطة الناجعة لوقف التدهور المستمر. وهو ما يحتاج في نظري إلى وقفة تأمل ومحاسبة للنفس من قبل قادة الرأي، من صحفيين ومفكرين وسياسيين وفنانين وأدباء وغيرهم من الذين ينصت لهم الجمهور ويتمثل بأفكارهم وآرائهم. فعلى هؤلاء تقع مسؤولية استعادة المبادرة لتحرير الفرد وانتزاعه من الولاءات العصبية والالتزامات اللامسؤولية، اللاأخلاقية واللاإنسانية، التي دفعته إليها الديكتاتورية السياسية والديكتاتورية الفكرية معا، ولا يزال يقود إليها احتكار السلطة من جهة والتماهي مع الحقيقة من جهة أخرى، من تدمير لكل أسس التفكير الشخصي والمسؤول. ويستدعي هذا مسبقا تحرر قادة الرأي أنفسهم من الولاءات الجماعية العمياء وتحليهم بالشجاعة الكافية للتعبير عن الرأي المستقل والحر، والوقوف ضد أعمال العنف والاغتيال والتصفيات الدموية، التي أصبحت الخبز اليومي للمجتمعات المشرقية اليوم. وليس هناك بديل عن ذلك. فالتسليم بالقيادة للنخب الاستبدادية الفاسدة على مستوى الدولة، ولأصحاب الولايات الدينية المتعددة الأشكال والأنواع على مستوى الرأي العام، لن يعني سوى الانغماس بشكل اكبر في الحروب الدموية والاقتتال.
تتطلب إعادة بناء الفرد الحر المستقل القادر على التمييز بين الصح والخطأ والخير والشر والعمل الإنساني والعمل الوحشي، أي الفرد الذي يتمتع بشخصية وذاتية حقيقية ولا يتصرف بدافع الغريزة والدفاع عن المصالح الخاصة أو برغبة الثأر والانتقام والاستئثار، الخروج من منطق الأحادية السياسية والفكرية وإعمال منطق التعددية القائم على تأكيد مشروعية الاختلاف والتباين في الموقف ونسبية المعرقة والحقيقة. فهذا هو شرط تكوين وعي نقدي يحمي الفرد من التورط في عمليات القتل الهمجية بدافع الولاء أو الانتماء أو الخوف من الآخر أو الشك فيه أو نتيجة تكفير الرأي الآخر وتخوين الموقف المختلف. وهو الشرط ذاته الذي نحتاج إليه لجمع شتات النخبة الممزقة والمتوزعة بين ولاءات وانتماءات واستعداءات وثارات وغرائز متضاربة ومتحاربة، وإعادة بنائها على أسس تضمن حدا ضروريا من الاجماع، مع القبول في الوقت نفسه التعامل مع تباين المصالح والمواقف والآراء الذي هو واقع المجتمعات. إن إحياء مبدأ التعددية وتشغيله ليس الطريق الوحيد للقضاء على الفرد الإمعة وتكوين الوعي الحر فحسب وإنما لتكوين النخب الاجتماعية المتسقة المسؤولة، القادرة على تطبيق مبدا المحاسبة والمساءلة. فهو المبدأ المؤسس للحرية الفكرية والسياسية بقدر ما يشكل شرط الوحدة الحية التي تحتمل في الوقت نفسه عنصري التنوع والاتساق معا.
لم يعد الاحتكار المديد للسلطة السياسية واستخدام الدولة أداة للقهر والاستعباد من قبل النخب الحاكمة هو السبب الوحيد لانعدام التعددية. لقد نشأت في العقود الاخيرة، وفي موازاة هذا الاحتكار، أسباب إضافية لاغتيال التعددية ومحو فكرتها تماما من الوجود، تقف في مقدمها السيطرة المتزايدة للفكر الواحد على ساحة الرأي العام وتصفية الآراء المغايرة بصورة مقصودة او غير واعية. وهذا ما يعبر عنه نجاح تيارات الفكر الاسلامي، على اختلافها، في احتلال ميادين السلطة الاجتماعية: الثقافية والسياسية والدينية والاقتصادية والفنية، وحرمان الأطراف الأخرى من أصحاب الاختصاص من مشاركتها في تكوين الرأي العام حتى في ميدان اختصاصها نفسه. ولا يدفع هذا إلى ضرب ثقة هذه الأطراف الاجتماعية بنفسها وزيادة يأسها، ولكنه يقود أكثر من ذلك إلى إفقار شديد للفكر وللثقافة العربيتين، بقدر ما يجعل من أصحاب الرأي الديني المخاطب الأول، إن لم يكن الوحيد، للرأي العام في كل القضايا والموضوعات، بما فيها الطبية والعلمية. فهو يخفض الخطاب في المجتع والمعرفة الاجتماعية، المتعددة والمتنوعة والمركبة بالضرورة، بكاملها إلى معرفة لا هوتية أو فقهية، ويقزم النخبة الاجتماعية إلى مكون واحد وحيد من مكوناتها، فيطغى على الحياة الاجتماعية بكاملها، خطاب واحد ولون واحد وسلوك واحد، وتغييب معالم وحيوات وانماط كثيرة أخرى.
أول ما ينبغي الالتفات له في هذا المسار هو وسائل إعلامنا التي تكاد تستسلم لهذا الواقع، وتفتتن بعرض هذه المواجهة الكارثية بين نخبتين متنابذتين ومتكاملتين معا، من دون ان تدرك انها تسد بذلك الطريق على جماعات الرأي والاختصاص الأخرى، وتحرمها من التعبير عن رأيها وتاكيد حضورها، عبر المشاركة في النقاشات العامة، والمساهمة في بلورة الحلول المطلوبة. فمن حق الصناعيين والنقابيين والعلماء والفنانين والإداريين والمبدعين في جميع الميادين أن يكون لهم مكانهم في وسائل الإعلام، وأن يتمكنوا هم أيضا من التواصل عبرها مع الرأي العام. كما أن من حقهم أن تكون لهم الكلمة الأخيرة في ميادين عملهم واختصاصهم، وأن لا يكون عليهم وصاية سياسية او دينية في التعبير عن أرائهم ومواقفهم وتحليلاتهم هذه. لا يتفق هذا مع مصلحة المجتمع فحسب، ولكن مع مصلحة جميع الاطراف أيضا، بما فيها تلك التي تسيطر على الرأي العام اليوم. فهو وحده الكفيل بوقف السقوط نحو هاوية الاقتتال والحروب الاهلية، والعودة إلى الوضع السليم، أي التعددية الطبيعية التي تشكل سمة دائمة للمجتمعات وللرأي العام في كل مكان وزمان، والثقة المتبادلة بين أطراف النخبة الاجتماعية.

mercredi, janvier 24, 2007

سجال بين غليون «العلماني» والنفيسي «الإسلامي» حول جدلية الثقافة والقيم

الوطن القطرية 24 جانفييه 07
سجال بين غليون «العلماني» والنفيسي «الإسلامي» حول جدلية الثقافة والقيم
كتب - محمد الربيع
شهدت الجلسة الأولى من ندوة «التحولات المجتمعية وجدلية الثقافة والقيم» التي يقيمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث تحت رعاية سمو الشيخ عبد الله بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء بالشيراتون، سجالاً بين الدكتور برهان غليون والدكتور عبد الله النفيسي حول وصف وتحليل الاختلالات التي حدثت في الثقافة والقيم، وحول الموقف من الغرب والدين، إذ رأى الدكتور برهان غليون في بحثه بعنوان «العولمة وفوضى القيم» أن الخراب الذي ضرب المنظومة القيمية العربية هو نتيجة لتحالف النظم الديكتاتورية التي قامت بسحق نظم القيم أكثر من العولمة التي فجرت التناقضات وأبرزت الانفراط في القيم.وأشار غليون إلى أن النظام القيمي في الوطن العربي عاد إلى العهد العثماني وإلى نظم الملوك والطوائف وأن ثمة تحالفا جديدا بين النظم السياسية الدكتاتورية وسلطة رجال الدين. وقال إن قناة الجزيرة تمثل نموذجا لهذا التحالف الذي أدى إلى تصحير قيمي.
مؤكدا أن العولمة، في ظروف التهميش الطويل للعالم العربي لم تحوله إلى مسرح للنزاعات متعددة الأطراف، الدولية والإقليمية والمحلية، مشروع تدمير جسور التواصل بين الثقافة المحلية والعالمية إلى حد كبير فحسب. ولكنها حملت معها أكثر من ذلك آليات قطيعة أكبر بين الثقافة الاستهلاكية العربية السائدة، بما فيها الثقافة الدينية الاستهلاكية، والثقافة العربية والاسلامية الكلاسيكية الأصيلة التي بقيت تغذي لقرون طويلة النزعة الانسانية في الحياة العربية. لقد عملت على التجريد الجماعي من الثقافة، الحديثة والتقليدية، لتحل محلها طبعة استهلاكية رخيصة غير قادرة على بناء مثال أخلاقي، أي على تأسيس جماعة، أو بناء هوية، أو تحقيق التفاعل والتواصل بين الأفراد والمجتمعات البشرية. ولا يمكن لأزمة الهوية العميقة التي أدت إليها هذه التحولات الانتقالية أن تجد نهايتها من دون النجاح في الربط، من جديد، مع الثقافة الحقيقية، أي المبدعة والمنتجة، الاسلامية والحديثة معا. وهو ما يستدعي حتما إعادة بناء الثقافة العربية نفسها، أي مراجعة السياسات الثقافية الرسمية، المحلية والعالمية، وتطوير استراتيجيات جديدة لبناء الوعي والضمير الانساني من قبل المثقفين وصانعي الثقافة أيضا.
ثقافة المركز وثقافة الأطراف
استهل د. عبدالله النفيسى بحثه ثقافة المركز وثقافة الأطراف بالتساؤل: هل تنتهي مشكلتنا مع الغرب بتأمين مصالحة في منطقتنا؟ واجاب: أدعي في هذه الورقة أن عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية عبر القرون لم يكن منطلقها يتوقف عند حدود السيطرة على المواد الخام التي تزخر بها جغرافية العالم الإسلامي ولا السيطرة على الممرات والمضائق المائية ،وأزعم بأن عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية سبق التكالب على النفط وسبق ظهور النفط وسبق انتعاش التجارة الدولية عاملان يساعدان على تفسير الظاهرة العدوانية التاريخية ضد أمتنا الإسلامية التي طبعت سلوك الغرب الأميركي والأوروبي في تعاطيه للعلاقات مع العالم الإسلامي .
لكن الأمر - في رأينا - ليس كذلك، بل نزيد فنقول إنه حتى لو ضمن الغرب مصالحه المادية في العالم الإسلامي فمشواره معنا لا يتوقف عند هذا الحد.
واستطرد د. النفيسي قائلا: إذ نرى - من خلال قراءة سريعة لملف العلاقات بيننا والغرب أن الأخير يروم الهيمنة الكاملة والشاملة علينا بما فيها الهيمنة الروحية والدينية مما يتطلب - من جانبه - التوغل في إعادة صياغتها التاريخية وإلغاء نظام «القيم» لدينا ونسخ نظام «المفاهيم» وهذا يستدعي من جانبنا التمعن في هذا الأمر وابتكار قراءات جديدة للوضع الإقليمي والدولي والتوصل إلى إستراتيجيات مضادة تكون مهمتها ضد الهيمنة ومقاومتها والمحافظة على المبادرة الإسلامية في الفعل الدولي. إن المستهدف هو الإسلام: كتابه ورسوله وشريعته ولغته وحركته وتجمعه البشري ومقدراته المادية والأدبية . ولابد أن نلاحظ أن الغرب ذو وجهين: وجه سياسي وهو مظاهر للحضارة الغربية، والوجه الآخر فكري يمثل القاعدة العلمية للحضارة الغربية وموقفها الفعلي من الإسلام والمسلمين . والغرب السياسي كان عبر التاريخ ولا يزال في تعامله مع العالم الإسلامي يروم الهيمنة والسيطرة على المقدرات المادية للمسلمين.
أما الغرب الفكري والذي يتمثل في منهج الخطاب المعرفي الغربي في رؤيته وفهمه للإسلام، فقد أنكر الوحي والنبوة وتطاول على النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر دور المسلمين في الإنجازات الحضارية وأكد أن سبب تخلف المسلمين هو الإسلام ذاته واتجهت كتاباتهم في حقيقتها نحو محاولة تقويض أساس العقيدة الإسلامية المتمثل بالكتاب والسنة الشريفة . و غمز د. النفيسي قناة الدكتور برهان غليون مشيراً إلى أن حديثه يمثل نموذجاً لتسويق هذا التشويه. كما تحدث د.فريد هاليداي تحت عنوان «هويات متعددة أم هوية قومية واحدة» عن ضلال الأفكار التي تتردد عن جمود الواقع العربي والإسلامي مشيراً إلى الحراك الاجتماعي والثقافي الذي انتظم حركة الحياة في هذا الواقع منذ مطلع القرن وحتى ستينياته حيث التجارب التحررية في مصر واليمن والجزائر ولبنان وسوريا وأقطار أخرى. واتفق د.هاليداي مع د. غليون حول تحالف الديكتاتوريات ورجال الدين في الوطن العربي مما أثار جدلاً وردوداً غاضبة من بعض الحضور الذين تراوحت اتهاماتهم له بين تبنيه لرؤية الغرب للواقع الإسلامي ومضيه في تشويه الحركات الإسلامية .وأشار بعض الحاضرين إلى أن التحالف المشار إليه يعبر عن عدم رغبة الأنظمة في الاعتراف بإسلام آخر حقيقي ومقاوم. أدار الجلسة الدكتور درويش العمادي من جامعة قطر.

jeudi, janvier 18, 2007

حروب الشرق الأوسط اليائسة

الوطن 18 جنفييه 07

ليس هناك شك في أن انحياز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في السنوات القليلة الماضية، أو ما بدا انحيازا لفكرة الاصلاح والديمقراطية، بعد عقود طويلة من الرهان على التعاون مع النظم الاستبدادية لنشر الأمن والاستقرار، قد أطلق آمالا كبيرة لدى الرأي العام العربي. ولا شك أيضا أن هناك من اعتقد بالغعل في الدول الصناعية الغربية أن دعم جهود الاصلاح والتغيير في الشرق الاوسط يصب في صالح الدول الصناعية ، بقدر ما يساعد على تحسين شروط حياة الناس ومشاركتهم السياسية ويقضي بالتالي على منابع السخط والتمرد والعدمية التي تدفع إلى انتشار الحركات الإرهابية وتوسع دائرة عملياتها ضد الدول الغربية، في أكثر مناطق العالم حساسية من الناحية الاستراتيجية.
بيد أن الوضع قد اختلف كثيرا اليوم. بعد أن تبين للرأي العام العربي أن الانحياز الغربي لمشروع التغيير والديمقراطية كان جزءا من استراتيجية أعم تهدف إلى الحفاظ على السيطرة الغربية في المنطقة، بل ربما إلى توسيع دائرتها وتعزيز قبضتها، وأن الإخفاق الذي منيت به المخططات الغربية في السنتين الماضيتين، في العراق وغيره من المناطق، قد دفعها ولا يزال إلى التخلي عن هذا الجزء التعويضي والدعائي معا، لصالح تعزيز القبضة الحديدية، وربما العودة إلى سياسة المراهنة على النظم الاستبدادية من جديد لمنع المنطقة من السقوط في دائرة العنف والفوضى المعممة نتيجة الفشل الذريع الذي منيت به سياستها الشرق أوسطية، بعد أن دمرت أسس التوازن الإقليمية. وهو ما تحاول أن تستدركه الدعوات الدولية المتزايدة إلى التفاهم مع النظم "المارقة" والحوار معها للوصول إلى اتفاقات تضمن مصالح "الجميع".
وهكذا بدأ شعور قوي بالاحباط وانسداد الآفاق يحتل مكان انتعاش الآمال عند الرأي العام العربي، يزيده انقلاب موازين القوى الظاهر، وعودة العديد من النظم إلى ما يشبه الهجوم المعاكس على قوى الاصلاح والتغيير من أجل اجتثاثها من الجذور، بعد أن كانت تظهر بعض التساهل معها لكسب الرأي العام الغربي.
وكما تسيء بعض النظم العربية تحليل الوضع الراهن عندما تعتقد أنها ربحت المعركة، وتحررت من ضغوط النظام الغربي، وأصبحت طليقة اليد في كل ما يتعلق باحترام القانون والواجهة التعددية وحقوق الانسان، تسيء المعارضات العربية أيضا وقوى التغيير المختلفة تقدير الموقف عندما تستسلم لمشاعر الاحباط واليأس وتتخلى عن روحها الكفاحية القوية التي عرفت بها في السنوات الماضية. فالواقع أن شيئا لم يحسم بعد في المواجهة المتعددة الأوجه التي بدأت في الشرق الأوسط منذ عقدين ولم تكن حرب العراق إلا فصلا من فصولها المتعددة والمتداخلة. ومحور هذه المواجهة كان ولا يزال تغيير الأوضاع القائمة وغير المحتملة، سواء ما تعلق منها بواقع الاحتلال والاستعمار والسيطرة الخارجية التي جردت الشعوب من سيادتها، أو ما ارتبط بذلك من تكريس أنماط من الحكم المطلق التي عممت الفساد والعسف والخراب. ولم يكن للنزاع الذي نشب بين حلفاء الأمس من النخب المحلية والحكومات الغربية مصدر آخر سوى الخلاف على طريقة إنقاذ الوضع القائم، والطرف الذي سيدفع الثمن الأعلى في هذا الإنقاذ. وقد خسرت الولايات المتحدة الجولة الاولى من هذه المواجهة لأنها استخفت بحلفائها السابقين التي كانت تعاملهم دائما كأتباع صغار، واعتقدت أن بإمكانها أن تجعل من رأسهم ثمنا رخيصا لمشروع استعادة نفوذها وهيبتها وأسبقية مصالحها في المنطقة. لكن الأطراف الأخرى، حتى لو أنها نجحت في حماية رأسها حتى الآن، لم تحقق أي تقدم بالمقارنة مع مواقعها السابقة. والنتيجة الوحيدة الواضحة اليوم، هي تساوي جميع الأطراف في الخسارة، بالرغم من المظاهر الخادعة. فكلها تعيش، من دون استثناء، بما فيها تلك التي تظهر وكانها تقف في موقف الهجوم، في مأزق عميق، وتدرك أن حسم الوضع يحتاج إلى قبول المزيد من المخاطر والقيام بالمزيد من التضحيات، من دون وجود أي ضمانة في تحقيق أي هدف من الأهداف التي تسعى إليها. ينطبق هذا على الولايات المتحدة وحلفائها كما ينطبق على طهران ودمشق وحزب الله.
يرد هذا التحليل على فرضيتين. تلك التي تعتقد أن التفاهم بين النظم الاستبدادية والدول الاستعمارية، أي ما تعبر عنه صحافتنا بمفهوم الصفقة، قد حصل أو في طريقه للحصول، وليس هناك شك في حصوله في المستقبل القريب. والفرضية الثانية التي تعتقد أن تحقيق مثل هذا التفاهم سوف يمد في عمر الأنظمة أو يعيد الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، قبل انفجار أزمة الشرق الأوسط الكبير بسبب إخفاق الولايات المتحدة في العراق. والحال، لم يغير هذا الإخفاق في حقيقة المواقف العميقة للطرف الامريكي، وهو ما عبر عنه قرار الرئيس بوش بإرسال المزيد من القوات للعراق، كما لم تدفع التهديدات الأمريكية القوية النظم الممانعة إلى أي إصلاح داخلي، أو تعديل في سياساتها الوطنية، يحد من نمو عوامل التفسخ فيها، ويحول دون تنامي مشاعر النقمة والمعارضة والاحتجاج. وكان ردها الوحيد على الضغوط الخارجية تشددا أكثر في سياسات الحجر والقمع والانغلاق.
ومن الواضح الآن أن المطالبين بفتح الحوار مع طهران ودمشق لا يفعلون ذلك اقتناعا بصلاح سياستهما ولا ايمانا بعدم مشروعية الأهداف التي كانت وراء إرسال القوات الامريكية، ومن قبل قوات التآلف الدولي للعراق، وإنما بالعكس، من الاعتقاد بأن مقاربة هذه الأهداف بالوسائل العسكرية وحدها لم تكن ناجعة، وأن الدبلوماسية قد تعطي نتائج أفضل مع النظامين "الشريرين" من المواجهة المباشرة، عسكرية كانت أم سياسية. فهم يبحثون بوسائل الحوار عن تحقيق الأهداف نفسها التي أخفقوا في تحقيقها عن طريق الحرب. ومن هذه الأهداف كما هو معلوم وقف المشروع النووي الايراني وفك التحالف بين طهران ودمشق وإقناع دمشق وطهران باحترام استقلال العراق ولبنان والكف عن التدخل فيهما. وهم يفترضون أن من الممكن تحقيق هذه الاهداف من خلال تقديم حوافز معينة للأطراف الأخرى، تتركز أساسا على ميزات تجارية ومالية وسياسية (وقف الضغوط)، وتعاون في ميدان التخصيب النووي ضمن حدود الحد من انتشار التقنية النووية العسكرية، ومن الممكن أن يكون ضمن هذه الصفقة أيضا فتح مفاوضات حول الجولان السوري المحتل من دون أي ضمانة في عدم انهيار هذه المفاوضات في مرحلة تالية لسبب أو آخر. والواقع أن ما يطلبه الأمريكيون والأوروبيون المعتدلون هو تنازلات وجودية في مقابل محفزات تبدو في نظر الحكومات السورية والايرانية "كمالية". فتخلي طهران عن مشروعها يعني، تماما مثل تخلي دمشق عن تحالفها مع طهران، وهنا جوهر الخلاف، تعرية النظامين السياسيين معا، وتعريضهما لتهديدات داخلية قاتلة، أي مؤكدة وحتمية. وليس لأي منهما مصلحة في صفقة تكلفهم تنازلات جوهرية تتعلق بأمنهم ووجودهم مقابل محفزات لا تستفيد منها سوى بعض الفئات الاقتصادية.
لكن حتى لو أمكن التوصل إلى ما يشبه الصفقة، بسبب احتمال انهيار مواقع أحد الأطراف في المواجهة، فلن يكون لها في نظري اليوم أي أثر يذكر على المصير المحتوم لأنظمة القمع االعربية. فلن يساعد تخفيف الضغوط على دمشق مثلا، والاعتراف لها ببعض الحقوق في لبنان والعراق، من حالة الانحلال التي يعيشها النظام، بسبب افتقاره لأي نوع من آليات الإصلاح الذاتي، ومبالغته في حرمان نفسه من أي منها بعد استئصاله كل أشكال التفكير والنقد والمعارضة والاحتجاج الداخلية، واستسهاله الحكم عن طريق البطش وشراء الضمائر والرشوة والفساد. بل إن وقف الضغوط الخارجية سوف يزيد من ترهله، ويسرع عملية التحلل والتفسخ التي يتعرض لها، بقدر ما سيعزز تمحوره على ذاته واعتتاده بنفسه وتطرفه في فرض سيطرته الأحادية والشاملة.
باختصار، لن تنجح الولايات المتحدة في وقف نزيف الدم الذي يتعرض له الوجود الأمريكي الشرق أوسطي برمته وليس فقط في العراق. لكن النظم التي واجهت الولايات المتحدة لن تستفيد من الإخفاق الأمريكي، لأنها وقد دخلت المواجهة لقطع الطريق على أي إصلاح، ستجد نفسها مباشرة في مواجهة المأزق الحقيقي والصعب الذي سعت إلى الهرب منه عن طريق المناورات الخارجية، أعني مأزق الفساد الداخلي وتحدي الاصلاح والتغيير، وهي في حالة يرثى لها من الترهل والتفكك والفساد. ومن هنا لن يخرج من المواجهة الراهنة أي رابح فعلي، فالولايات المتحدة مثلها مثل النظم التي تواجهها، كلاهما يحاربان من أجل الحفاظ على نظم رجعية ومنحطة تجاوزها الزمن، نظم السيطرة الاستعمارية بالنسبة للبعض ونظم السيطرة الاستبدادية الفاسدة بالنسبة للبعض الآخر، ويسعيان، كل حسب مصالحه، إلى قطع الطريق على التغيير، إقليميا كان أم داخليا. لكن هذا لا يعني أن الشعوب لا تدفع الثمن. وأنها ستظل تدفعه ما لم تنجح في أخذ زمام أمورها بيدها لشق طريق التغيير الذي يتنازع في منعه أمراء الحرب الخارجيين والداخليين، وكذلك لنقل المعركة والجهد إلى ساحتهما الرئيسية: ساحة البناء الوطني، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني والإنساني معا، ساحة السيادة والحرية والعدالة والمساواة والاستقلال.

mercredi, janvier 17, 2007

نريد حلولا، لا ضغوطا

الاتحاد 17 جنفييه 2007

ليس سرا أن المعارضة السورية، مثلها مثل الرأي العام السوري نفسه، وجميع الأطراف العربية والدولية التي لديها حسابات قديمة وحديثة مع النظام القائم في دمشق، راهنت رهانا كبيرا على الضغوط الغربية الأمريكية الاوروبية، كما راهنت على العزل العربي، في سبيل دفع النظام إلى تغيير سلوكه، كما يقول الأمريكيون، والانفتاح بشكل أو آخر على مصالح الاطراف الاخرى، وأخذها بالاعتبار. لا بل إن بعضها قد تجاوز في توقعاته الحلم بتغيير سلوك النظام نحو التفاؤل بسقوطه الوشيك.
والمفارقة أن تعليق الآمال في التغيير الداخلي على الضغوط الخارجية والعزلة الدولية والعربية التي يعيشها النظام لم يقتصر على بعض التيارات الليبرالية المتهمة بالتقرب من الغرب والارتباط به فحسب، وإنما طال قطاعات واسعة من الرأي العام الوطني والديمقراطي المعادي للولايات المتحدة، والرافض لأي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية، والمتضامن بشكل كامل مع المقاومتين الفلسطينية والعراقية. أي عند القطاعات التي تبرر مشروعها السياسي، وفي مقدمه نشر الديمقراطية والاصلاح، بمواجهة المشروع الاستعماري وتوحيد الشعب وتأهيله سياسيا لمواجهة السياسات العدوانية الغربية والتصدي للسيطرة الأجنبية. هكذا لم يمنع التمسك بمبدأ بالسيادة الوطنية والاستقلال ورفض التدخل الأجنبي والامتناع عن مد يد العون له من الاعتقاد بأن الضغوط الخارجية قد تحسم أمر النظام، وأن من الضروري الاستعداد السياسي لاحتمال سقوطه وتجنيب البلاد مخاطر الدخول في مرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار.
وليس هناك شك في أن تصاعد الامل في أن تفضي الضغوط الخارجية إلى التغيير قد ارتبط بظروف استثنائية هي تلك التي أعقبت اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري، وإطلاق آلية التحقيق الدولي الذي وجه أصابع الاتهام منذ البداية للمسؤولين السوريين واللبنانيين، وكاد يفقد فيها النظام توازنه. لكن تعثر المشروع الأمريكي في العراق منذ السنة الأولى للاحتلال، وانقسام الرأي العام الغربي حول الطريقة الأنجع لمواجهة صلف النظام السوري، وخوف إسرائيل من فقدان الاستقرار والسلام على الجبهة الشمالية، كل ذلك قدم للنظام فرصة كبيرة لالتقاط أنفاسه، قبل أن تستدرك طهران الموقف وتهرع، بعد وصول أحمدي نجاد إلى السلطة، إلى تعويم النظام ووضعه على رجليه من جديد.
وتأتي سياسة الحوار الجديدة التي تسعى بعض الأوساط الديمقراطية داخل الإدارة الأمريكية والدبلوماسية الاوروبية، لبلورتها في التعامل مع دمشق وطهران، في إطار البحث عن وسيلة لتعزيز الاستقرار المزعزع في منطقة المشرق العربي، وفي العراق بشكل خاص، لتمد في فترة التقاط الأنفاس هذه وتعززها. وهي تثير في المقابل مخاوف عميقة لدى المعارضة والرأي العام السوريين، من أن تؤدي إلى إعادة التفاهم بين النظام القائم والقوى الغربية على حساب آمال التغيير والاصلاح والتحول الديمقراطي المنشود.
في نظري يمكن إرجاع هذا السلوك المفارق، القائم على الرفض الشامل للتدخلات الأجنبية والمراهنة في الوقت نفسه على آثارها في سبيل إحداث التغييرات الداخلية، إلى عاملين رئيسيين متباينين ومتكاملين معا. الأول فقدان الرأي العام تماما الأمل بقدرة النظام على الاصلاح أو برغبته فيه. وهو الاستنتاج الذي تقود إليه ببساطة عطالة النظام في مكافحة الفساد والفوضى المستشريين، ومواصلة سياسات التسيب وما تؤدي إليه من تدهور متواصل في شروط الحياة المادية والمعنوية، وسيطرة ممارسات القمع والعسف واالمحسوبية، والزواج المتزايد بين السلطة والمال، وتفاقم التمييز بين الأفراد والفئات الاجتماعية، ومن وراء ذلك، تنامي الاعتقاد باستحالة حصول أي تغيير مهما كان محدودا من دون ضغوط خارجية. والعامل الثاني هو انعدام الثقة الطبيعي والمشروع بالنوايا الأمريكية، أي بالدولة التي تقوم بهذه الضغوط، ورفض القبول بربط برنامج الديمقراطية والاصلاح، النابع من مطالب وطنية عميقة، بأجندة السيطرة الخارجية.
ليس هناك أي سبب كي تخاف المعارضة الديمقراطية من التحولات الجديدة. فمن جهة أولى، لم تكن الوعود الأمريكية بالتغيير خططا حقيقية تنتظر التنفيذ بقدر ما كانت شعارات جوفاء هدفها الضغط على النظام لدفعه إلى تغيير سلوكه بما يجعله أكثر توافقا مع أجندة السيطرة الأمريكية على الشرق الأوسط، أي تحويله إلى مجرد أداة في يد الاستراتيجية الغربية. وتقرير بيكر هاملتون الذي رحب به النظام السوري، بالرغم من اتجاهه الايجابي العام، قائم بالأصل على تحليل خاطيء عندما يقول بأن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن أجندة الديمقراطية التي لم تتوفر شروط تحقيقها بعد وتركز على الاستقرار. كما لو أن واشنطن ذهبت إلى العراق بالفعل لنشر الديمقراطية لا للسيطرة على العراق وضرب قوته العسكرية والاستراتيجية في إطار السيطرة على الخليج، والاستفراد بموارده النفطية، وتعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية، وتأمينها على وجودها لعقود طويلة قادمة.
ومن جهة ثانية لم تخدم هذه الضغوط التي مارستها واشنطن على دمشق لدفعها إلى تعاون أكبر معها، ومن دون ثمن، وهو مكمن خطأها الحقيقي، مراهنة على الابتزاز بالقوة، التحولات الديمقراطية في سورية، لا على مستوى دفع النظام إلى الانفتاح على المجتمع، أو على الطبقة الوسطى، كما كانت تشير بعض التصريحات والتحليلات الأمريكية، ولا على مستوى تعزيز موقف القوى الديمقراطية السورية نفسها. إن ما حصل كان عكس ذلك تماما، أعني انغلاق النظام بشكل أكبر، ورجوعه عن فكرة الإصلاحات المحدودة التي أطلقها في البداية، وارتداده ضد القوى الديمقراطية التي تعرضت لأقسى عملية قهر وقمع وإقصاء وتشهير عرفتها في تاريخها منذ قيام النظام البعثي في 8 إذار 1963.
ولا تختلف المغريات التي تقدمها اليوم الدول الغربية، عبر فتح الحوار أو الوعد بمساعدات اقتصادية واستثمارات، في غايتها عما كانت تهدف إليه الضغوط الكبيرة التي استخدمتها في السنوات الماضية. فكلاهما يسعيان إلى ضمان تعاون هذه الانظمة معها على حساب مصالح الشعوب وفي سبيل تحييدها. وكما أخفقت الضغوط الخارجية في إسقاط النظام، سوف تعجز المحفزات المعروضة اليوم عن إنقاذه، بل عن وقف تفسخه وفساده. ذلك أن المشكلة لا تكمن في مواقف الدول الكبرى وإنما في طبيعة النظام نفسه الذي يرفض الاصلاح ولا يستطيع أن يستمر من دون تعميم الفساد والخراب. والمهم الاستمرار في بناء قوى التغيير الداخلية، التي لا بد منها لمواجهة كل الاحتمالات وتحقيق مشروع الاصلاح وحمل مسؤولية بناء المؤسسات الديمقراطية المرتبطة به. وهو ما يستدعي المراهنة على نجاعة العمل السياسي المنظم والطويل المدى على حساب التعلق بأوهام التدخلات الخارجية التي قدم عراق ما بعد صدام أفضل دليل على بطلان مزاعمها وأخطارها.
وكما كان من الصحيح سياسيا في الأمس عدم مراهنة المعارضة على سياسات التدخل الأجنبية لتحقيق أحد أعظم الأهداف الوطنية، أي الديمقراطية، فليس هناك ما يستدعي اليوم الخوف من سعي القوى الدولية إلى إعادة فتح الحوار، حتى لو جاء ذلك على حساب العودة عن شعارات تأييد التحولات الديمقراطية والتركيز بالمقابل على مسائل الأمن والاستقرار في المنطقة.
موقف المعارضة الديمقراطية العربية من الضغوط والتفاهمات واضح وينبغي أن يظل كذلك. فنحن لا نريد من الدول الكبرى ضغوطا ولا تفاهمات. نريد منها حلولا للقضايا الرئيسية الكبرى التي تكبلنا وتمكن حكامنا من الاستفراد بنا واستعبادنا، وفي مقدمها قضية الاحتلالات والهيمنة الاسرائيلية، وقضية السلام والامن الاقليمي في المنطقة، الذي يدخل مرحلة معقدة جديدة مع التسابق على امتلاك الاسلحة النووية، وقضية التنمية والتقدم العلمي والتقني. ومفاتيح هذه القضايا جميعا في يدها هي، وليس في يد أي من نظمنا. وقد احتفظت بها في يدها عندما نجحت في تفريغ هذه النظم من سيادتها، وأغلقت طريق التعاون الفعال والعمل المشترك بين البلدان العربية، وحرمتها من التطور العلمي والتقني، وعقمتها بنار التفوق العسكري الاسرائيلي الكاوية، لتبقيها أسيرة سياساتها، وتحولها إلى أدوات في خدمة استراتيجياتها. إن الشروع في حل هذه القضايا الكبرى، التي قامت استراتيجية الضغوط للهرب منها، سوف يكون أكبر مساهمة تقدمها لنا الدول الغربية الصناعية لتحقيق الديمقراطية. ولو سارت الأمور في هذا الاتجاه ستكون الشعوب العربية قادرة لوحدها على مواجهة تحديات انتقالها السلمي نحو الديمقراطية. وبدل الضغوط والتهديدات سيكون التعاون الدولي هو الوسيلة الأقوى للدفع في اتجاه التحولات السياسية الايجابية في دول العالم أجمع.

mardi, janvier 16, 2007

الديمقراطية والليبرالية والعولمة

كردستان الجديدة 16جنفييه 07

درجت الفلسفة الليبرالية على المطابقة البسيطة بين نظام السوق، وبالتالي نظام الرأسمالية، ونظام السلطة المستمد من المشاركة الشعبية والتعددية السياسية الذي تجسده الديمقراطية، ونظام القيم الذي يركز على احترام الفرد وحرياته واختياراته في مواجهة نظام الوصاية الجماعية الأبوية أو القومية أو السياسية. وكانت هذه المطابقة مقبولة عقليا عند الرأي العام بقدر ما كانت الليبرالية تتطابق هي نفسها مع الحداثة، أي تشكل أيضا ايديولوجيتها العميقة. ولم يكن هذا التطابق نفسه سوى التعبير عن الطبيعة البدئية أو الأولى لهذه الحداثة التي لم تنضج بعد، ولم تتعرض لعمليات تمايز عميقة داخلها، كما سيحصل في المراحل التالية. كانت الحداثة فكرة بسيطة واحدة، ونظاما جديدا، منسجما كليا، يقف في مواجهة النظام القديم القرسطوي، بقيمه وأساليب حكمه وأنماط إنتاجه معا.
لكن الحداثة ظاهرة اجتماعية حية، وككل ظاهرة اجتماعية، هي ظاهرة تاريخية تنمو وتتكامل وتتحول. وفي نموها وتكاملها وتحولها، أو بالأحرى في جوهر هذا النمو والتكامل والتحول، إذا كان من الممكن الحديث هنا عن جوهر، تكمن عملية حصول التمايز والتعدد والانفصال والتناقض داخل الظاهرة نفسها. وهكذا من داخل هذه الحداثة الواحدة والمتسقة والعميقة الانسجام سوف تبرز أنماط إنتاج وأساليب حكم ومنظومات قيم متباينة ومتعددة. وربما كان الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية، اللتين تتخذان من قيم الحداثة المنادية بالتحرر الانساني والفردي مرجعا لهما، هو أبرز أشكال هذا التمايز داخل الحداثة. لكن في ما بعد سوف تبرز أيضا مفاهيم الديمقراطية الاجتماعية الشعبية، والديمقراطية الشكلية، كما ستتميز منظومة القيم الإنسانية التي تركز على العدالة والمساواة، وهي من قيم الليبرالية الأولى في مواجهة التراتبية القرسطوية، عن منظومة القيم الانسانية التي ستركز بشكل أكبر على الحرية الفردية. وكل ذلك داخل دائرة الحداثة ورؤيتها العامة.
على المستوى النظري هناك إذن من دون شك ترابط بين المستويات الثلاث الاقتصادية والسياسية والأخلاقية لليبرالية بوصفها ايديولوجية الحداثة البدائية. لكن ما كان بذرة فحسب، في بداية المسار، سوف ينتج نباتات مختلفة تماما بقوة التحول التاريخي، وفي التجربة العملية. فالرأسمالية التي كانت تنافسية بسيطة سوف تتحول هي نفسها إلى رأسمالية احتكارية، وسوف تفرز في مواجهتها حركة مجتمعية مناوئة تطالب بإخضاع الاحتكارات لقوانين تأخذ بالاعتبار مصالح الأغلبية الاجتماعية ثم، أكثر من ذلك، بتطبيق قوانين تضمن الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية. وهكذا لم يعد التطابق بين اقتصاد السوق ونظم العدالة والمساواة والحرية الفردية، يبدو بديهيا كما كان في السابق، وأصبح هناك حاجة لتطوير أساليب الحكم السياسية نفسها، وفي سياق ذلك، فصلها بشكل أكبر عن النظام الاقتصادي الرأسمالي، حتى يمكن ضمان القيم الإنسانية الأساسية أو المؤسسة التي قامت عليها الحداثة، والمتمثلة في القيم الليبرالية. وبقدر ما فقد الرأي العام الاعتقاد بالانسجام الطبيعي والتلقائي بين حرية السوق وحرية الفرد، تطورت التجربة السياسية واستقلت بنفسها عن الممارسة الاقتصادية الليبرالية، ونشأت الديمقراطية كممارسة مستقلة نسبيا، تخضع في تطورها ونموها إلى آلية مستقلة عن آلية السوق، مرتبطة بنمو الوعي الديمقراطي والتوازن بين المصالح والطبقات ومشاركة القوى الاجتماعية المختلفة فيها، وفي مقدمها القوى غير الرأسمالية. بمعنى آخر، أصبح للديمقراطية تاريخ خاص بها، يفسر نموها، وهو مستقل عن تاريخ السوق الاقتصادية. ولذلك أصبحنا نميز بين ليبرالية اقتصادية، أو بالمعنى الاقتصادي، وليبرالية سياسية، هي ما نسميه اليوم بشكل مختصر الديمقراطية.
وما حصل لليبرالية البدائية سوف يحصل للديمقراطية نفسها. ففي البداية لم يكن الرأي العام يميز بين الديمقراطية من حيث هي آليات لبناء سلطة مؤسسية تقوم على التمييز بين المستويات الاقتصادية والسياسية أولا، ثم على التمييز داخل السلطة السياسية بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتضمن حريات التعبير والتنظيم والتعددية الحزبية والانتخابات الدورية، وبين الديمقراطية من حيث هي تعبير فعلي عن سيادة الشعب، وبالتالي تكريس لممارسة السلطة فعليا من قبل الشعب بمجموعه، وتوفير وسائل هذه المشاركة لكل فرد، ما يعني ضمان حد أدنى من المساواة الفعلية بين الأفراد، وضمان نفوذهم العملي إلى السلطة السياسية والقرار المتعلق بالشؤون العمومية. وهكذا أصبح من الضروري التمييز، كما نفعل اليوم، بين الديمقراطية الشكلية التي يعبر عنها وجود المؤسسات والممارسات الديمقراطية الشكلية، والديمقراطية الفعلية التي تعني قيام مؤسسات الديمقراطية الشكلية بوظائفها الحقيقية وتمكين الجمهور من المشاركة والتأثير في القرار العام. هذا يعني أننا نكتشف مع نمو التجربة الديمقراطية نفسها أن الاعتراف بالسيادة الشعبية وتوفير وسائل الاقتراع العام والحريات السياسية والمدنية، هو شرط أساسي لقيام سلطة ديمقراطية، لكنه ليس شرطا كافيا. وأنه من دون نمو منظومة قيم يستطبن من خلالها كل فرد في المجتمع روح الاحترام والمساواة والعدالة وتطبيق القانون بالتساوي بين الجميع، أي روح المواطنية المشتركة، فلن يكون من الصعب التلاعب بالمؤسسات الديمقراطية الشكلية وتجييرها، بالمال أو الفساد أو استعمار المؤسسات الداخلي والخارجي، لصالح سلطة احتكارية، تحرم الشعب من المشاركة، وتقضي على روح السيادة الشعبية التي هي الأصل العميق لقكرة الديمقراطية ذاتها.
وينجم عن هذا التمييز بين نوعين من الديمقراطية أن الديمقراطية الحقة لا يمكن أن تستقيم مع وجود التفاوت الصارخ في شروط المعيشة بين الأفراد والطبقات، أو في شروط النفوذ إلى المعلومات، أو في مستوى التأهيل العلمي والمعرفي. فهي تستدعي بمعناها الجديد الراهن توفير حد أدنى من المساواة بين الأفراد في شروط الحياة المادية والمعنوية، ومكافحة عوامل الإقصاء والتهميش والاستبعاد والحرمان، في أي شكل ظهرت، والتشجيع على الحوار والتفاهم والتواصل بين الأفراد. وهو ما يدفع إلى تطوير مفاهيم المجتمع المدني الذي يشير إلى تشجيع الناس على التدخل في دائرة تنظيم شؤون حياتهم العامة، على مستوى البلديات والأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة.

ما هو تأثير العولمة على هذه العملية التحولية الديمقراطية؟
تعمل العولمة في اتجاهين متناقضين. الاول هو تعميم نماذج الديمقراطية الشكلية في جميع أنحاء العالم. لا يمكن تطور العولمة من دون فتح الأسواق والنظم السياسية معا. أما الاتجاه الثاني فهو يشير إلى تفاقم التفاوت في شروط المعيشة المادية والمعرفية بين الأفراد والجماعات معا، وبالتالي تراجع شروط تحول الديمقراطية الشكلية إلى ديمقراطية حقيقية، وتهديد الديمقراطيات النشيطة نفسها بالتدهور نحو ديمقراطيات شكلية. وهو ما نشاهده في الدول الصناعية اليوم سواء تحت الضغوط الأمنية الحقيقية أو المصطنعة التي تتذرع بمحاربة الإرهاب الدولي، أو بسبب السعي إلى الحد من الهجرة العشوائية لسكان البلدان الفقيرة نحو البلدان الصناعية، أو بسبب الخوف من الاضطرابات الشعبية الناجمة عن تدهور شروط معيشة بعض الجماعات الفقيرة الهامشية. العولمة تشكل عاملا قويا في إجهاض الديمقراطية الحقيقية لصالح الديمقراطية الشكلية وفي تحويل هذه الديمقراطية الشكلية إلى نموذج عالمي شرعي ومشروع باسم الليبرالية، ومن خلال العودة إلى التسليم بالانسجام التلقائي والتطابق الطبيعي بين حريات السوق أو اقتصاد السوق وحريات الأفراد والجماعات.
ما هو الحل؟
لا يمكن لمثل هذا الحل أن يكون نظريا فحسب، حتى لو كان التحليل النظري شرط لايجاد الحل العملي. فلا وجود لحل نظري لظاهرة هي أساسا عملية. والحل العملي هو هنا، كما في كل ميادين النشاط الاجتماعي، لا يكون إلا في الكفاح العملي، السياسي والفكري معا، ضد التفاوتات التي تقود إليها العولمة في شروط حياة الأفراد والمجتمعات، والعمل، داخل كل بلد وعلى مستوى المجتمع الدولي، على فضح هذه التفاوتات المتزايدة وإبراز الطبيعة الشكلة للديمقراطية الليبرالية التي تسعى إلى إخفائها أو التعويض عنها. باختصار إن الليبرالية الراهنة أو بالأحرى النيوليبرالية التي تسعى إلى إلحاق السياسة بالاقتصاد، وإخضاع نظام السلطة لمنقط السوق والاستثمار الرأسماليين، تقود لا محالة إلى إجهاض عمليات التحول الديمقراطي الناجز والعميق، وتستبدله بمظاهر تعددية تخضع لأصحاب المال والنفوذ ولا تسمح بأي مشاركة شعبية حقيقية. وليس هناك حلولا جاهزة لهذه المخاطر سوى مقاومة هذه النزعة الايديولوجية والسياسة المستمدة منها، والعمل في سبيل انتصار سياسة اجتماعية وثقافة تمكن الجمهور من المشاركة الفعلية في الحياة العامة، وتشجعه على الانخراط فيها، كما تعزز قيم العدالة والمساواة وطاعة القانون ومكافحة التمييز والاحتكار والإقصاء والتهميش في جميع أشكاله، على صعيد كل مجتمع والصعيد العالمي معا.
فالتحولات الاجتماعية والسياسية في كل زمان ومكان هي ثمرة عمل وجهد وكفاح قوى منظمة وواعية وليست نتائج تلقائية لظروف تاريخية. وبقدر ما ننجح في بناء هذه القوى وبقدر ما تكون فكرتها عن مشروعها واضحة وصحيحة، يمكن الانتصار في معركة التحويل والتغيير الاجتماعي. ولا تمنع العولمة من بناء ديمقراطية فعلية لا شكلية، سواء داخل المجتمعات والنظم الديمقراطية الشكلية أو في مواجهة النظم غير الديمقراطية، إذا نجحت القوى السياسية، والمثقفون الديمقراطيون أيضا، في تعميم قيم الانسانية الجديدة وحافظت على التفوق الأخلاقي والسياسي أيضا في مواجهة قوى السوق الاقتصادية المحلية والدولية، التي تنزع اليوم إلى التساهل مع هذه القيم، وإلى التضحية بها في سبيل ضمان شروط أفضل للمنافسة فيما بينها، وهو ما يشكل في الواقع السبب الرئيسي في تحويل قوى الرأسمالية، أو حاملي رأس المال اليوم، إلى قوى شبهية تماما بالقوى المافيوية، في أساليب عملها التلاعبية، وفي استخدامها للعنف واستعدادها لتجاوز القانون وللتزوير والاستغلال الرخيص والغش والفساد.
من هنا لم تكن قيم القانون والعدالة والمساواة والنزاهة والتضامن والتكافل، بين أفراد المجتمع وبين المجتمعات الانسانية، التي شكلت جوهر الأفكار الاشتراكية في الماضي، أكثر راهنية في أي فترة سابقة كما هي عليه اليوم. وليس من قبيل الصدفة أن يكتشف مفكر ليبرالي بارز منل جون راويلز صاحب نظرية العدالة أن نظريته تنسجم تماما مع "نظام اشتراكي ليبرالي"، تكون وسائل الانتاج فيه خاضعة للملكية العامة بينما تدار الشركات من قبل مجالس عمالية، وحيث لا يمكن للقرارات العامة أن تؤخذ من دون مشاروات ديمقراطية حية.

mercredi, janvier 03, 2007

خسارة العراق من المحاكمات الصورية

الاتحاد 3 جنفييه 07
تعكس الطريقة التي أعدم فيها الرئيس العراقي صدام حسين، الحليف السابق للدول الغربية في مواجهة مخاطر تمدد الثورة الاسلامية، والصديق الشخصي للعديد من الرؤساء العرب والأجانب، في المحاكمة الصورية التي سبقتها، والأسلوب المهين الذي اتخذته، واختيار يوم الإعدام، "الأخطاء" المأساوية نفسها التي حكمت على مشروع الولايات المتحدة في بناء عراق جديد، يكون نموذجا للدول العربية، ويضمن في الوقت نفسه تجديد أسس سيطرة الولايات المتحدة، السياسية والاستراتيجية على المنطقة، بالإخفاق الذريع. فلهذا الإخفاق في الحالتين أسباب واحدة: الاستهتار بمبدأ الحق، وتحكيم غريزة الانتقام محل تأكيد العدالة، واحتقار مشاعر الشعوب وعدم الخوف من إهانتها. وهذه هي للأسف المباديء نفسها التي يقوم عليها الحكم في معظم البلاد العربية، والتي قوضت مجتمعاتها، وفتحت فيها الثغرات العميقة التي جلبت التدخلات الأجنبية، والتي تهدد كل يوم بانفجار حروب أهلية جديدة.لم يكن المهم في محاكمة صدام حسين إدانة شخص بالجريمة ولا إرضاء عطش أولئك الذين نكل بهم عن غير حق إلى الانتقام، ولا تقديم انتصار بخس لرئيس فاشل في مواجهة معارضته الديمقراطية. فليس هناك من لا يعرف، في العراق وخارجه، ما قام به صدام حسين من عمليات بطش واغتيال وقهر لخصومه وشعبه بأكمله. وليس هناك من ينكر على ضحايا صدام حسين حقهم في الاقتصاص ممن أصبح رمزا للعسف والتجبر والطغيان. ولن يعيد إعدام صدام المبادرة إلى الرئيس الأمريكي في الكونغرس، مهما عملت على تضخيم الحدث ردود أفعال الرأي العام الاسلامي الغاضب من انتهاك مشاعره الدينية. كما لا يمكن أن يشكل هذا الإعدام بديلا عن مراجعة حتمية لسياسة الإدارة الجمهورية. كان المهم من محاكمة صدام وإنزال القصاص به هدفين يشكل تحقيقهما قاعدة لإعادة بناء عراق جديد بالفعل. الهدف الأول هو الكشف عن طريقة بناء – وعمل - هذه الآلة الجهنمية التي طوعت شعبا كاملا خلال عقود، وانتزعت منه إرادته، وانتهكت حقوقه، وروعته، من دون أن تبقي له أي أمل أو خيار، لا من داخل المؤسسات ولا من خارجها، في الرد عليه ووضع حد له، أعني آلة الطغيان والاستبداد. وكان تفكيك هذه الآلة، أي معرفة حقيقة الأسس التي قامت عليها، والكشف عن آلياتها، ومن وراء ذلك تطوير الفكر السياسي والتنظيم المؤسسي الذي يساعد على منع تركيبها ثانية في المستقبل، من أي طرف كان، هو الذي يحتاجه شعب العراق والشعوب العربية الأخرى. كان المهم من وراء محاكمة صدام، محاكمة الديكتاتورية العربية نفسها، أي معرفة كيف بنيت، بأية طرق وأية وسائل، وكيف أمكن استمرارها وإعادة إنتاجها، في فكر الرئيس السابق، وفي تحالفاته الاستراتيجية، وتكتيكاته السياسية، وحروبه الداخلية والخارجية، وفي المؤسسات التي بناها أو ابتدعها والقوانين التي سنها. وكان الهدف الثاني لهذه المحاكمة هو التأسيس لمبدأ الحق، بمعنى الحق القانوني، الذي فقدت نظمنا وشعوبنا تماما معناه ومحتواه، والذي لا يمكن لنظام مدني أن يقوم من دونه. وهو ما يستدعي احترام القواعد الإجرائية والاحتياطات القانونية الضرورية لإظهار الحقيقة كما هي، وتبيان جميع المسؤوليات والحيثيات المرتبطة بالجريمة والدافعة لها. ومثل هذه المحاكمة القانونية العادلة التي تحترم جميع الحقوق، حقوق المتهم وحقوق الضحايا معا، وتبحث فيها بموضوعية، كانت ستشكل نموذجا لبناء دولة الحق والقانون التي قام نظام الاستبداد على أنقاضها، ومدخلا لتأسيس فكرة الحق القانوني في مجتمع دحرته الديكتاتورية ورده الطغيان إلى خنادق العصبية الطائفية والعشائرية والعائلية، بعيدا عن أي مباديء أخلاقية وإنسانية عمومية. ما حصل كان عكس ذلك تماما. محاكمة صورية أعدت للقيام باغتيال سياسي سريع، يكون عبرة للشعوب العربية. وأقول لاغتيال لا لتنفيذ حكم العدالة، لأن الاغتيال كل إعدام لا يستند إلى محاكمة قانونية محققة لشروطها الفعلية والنزيهة. فقد نجحت المحكمة في لفلفة قضية الديكتاتورية الدموية برمتها من خلال قصر الاتهامات على جريمتين، تم اختيارهما على حساب الجريمة الأساسية، وهي بناء نظام القهر والقتل والاغتيال نفسه، أي خرق الدستور وإقامة سلطة فردية استبدادية، هي أم الجرائم كلها. وكل ذلك في سبيل شخصنة القضية، وتركيز الاهتمام على التفكير الاجرامي لشخص أو لمجموعة محدودة من أصحاب القرار. وأخيرا جاء تنفيذ حكم الإعدام بسرعة مذهلة لم تترك للرأي العام فرصة الاطلاع على الحقيقة وجميع حيثيات القضية والاحتجاج او الاعتراض على أسلوب المحاكمة غير العادلة وغير القانونية. ولا أقصد هنا غير العادلة وغير القانونية بالنسبة للمتهم. فليس هناك أي أخلاق تدفع إلى التسامح مع المتهم هنا أو بتخفيف الحكم عليه. إنها محاكمة غير عادلة وغير منصفة بحق الشعب العراقي الذي خطفت منه فرصة استثنائية لاستعادة ذاكرته وإعادة بناء هويته الممزقة، أي فرصة الكشف عن حقيقة ما جرى، وتبين المسؤوليات المختلفة، بما فيها مسؤولياته هو أيضا. باختصار، بدل أن تساعد المحاكمة على إبراز حقيقة الاستبداد والطغيان، وتحرر العراقيين من شياطينهم، وتسمح لهم بالارتفاع على انقساماتهم الطائفية التي عملت الديكتاتورية على ترسيخها لتأمين بقاءها، عمقت الشروخ التي أنجبها الاستبداد واعتمد عليها لضمان بقائه، وصبت بالأسلوب الذي تم فيه تنفيذ الحكم بالاعدام الزيت على نار الصراع الأهلي المتقد. ولعل السبب الرئيسي الذي دعا إلى استبدال محاكمة الشخص بمحاكمة النظام، هو أن محاكمة النظام الاستبدادي والعدواني كانت ستظهر حجم المسؤولية التي تقع على سياسات العواصم الغربية، والولايات المتحدة في مقدمها، في بناء نظام القهر والطغيان وتسليحه وترسيخ قواعده وتحريره من أي ضغوط داخلية. وفي المناسبة ذاتها إبراز المسؤوليات المتعددة، التي لا تقتصر على شخص الرئيس العراقي، في بناء سلطة الطغيان في عموم المنطقة العربية. وهو ما يفسر أيضا الشروط اللاقانونية التي تمت فيها المحاكمة، أي الطابع التعسفي والكاريكاتوري الذي وسمها. فما كان من الممكن التغطية على هذه المسؤوليات وطمسها من خلال محاكمة تحترم الأصول المرعية، وتتقيد بالشروط القانونية. لقد أظهر الإعدام السريع أن هدف المحاكمة كان إخفاء الحقيقة التي قام عليها النظام القهري وجرائمه لا إظهارها. وطمس المسؤوليات لا إبرازها. وبهذا المعنى كان إعدام صدام أشبه بعملية تخلص بأسرع ما يمكن من شاهد أكثر مما كان تنفيذ حكم العدالة، لصالح المجتمع، بمن أساء إليه. وكان دافعه الانتقام من شريك "مارق" لا إنصاف ضحاياه. من هنا كان إعدام صدام حسين كبش فداء قدمته الدول الكبرى المسؤولة بشكل رئيسي عن بناء نظام صدام حسين واستخدامه لأهدافها الخاصة، في أول أيام عيد الأضحى، للقوى العراقية المتضررة، طمعا في الاحتفاظ بولائها وترسيخ أسس التحالف الذي يقوم عليه النظام الحالي، والذي يجمع بين قوى الاحتلال والميليشيات الأهلية والطائفية. من الصعب أن يخرج من هذه السياسة عراق جديد قائم على أسس الحق والقانون التي تستطيع وحدها لم الشتات العراقي وإعادة توحيده في وطنية جامعة فعلية. إن كل ما يمكن أن تعمل عليه هو تجديد مشاعر الحقد والانتقام والعصبية الطائفية والعشائرية، وبالتالي إعادة إنتاج نظام الطغيان الذي يشكل التعسف، والتمييز شبه العنصري، وغياب الشعور بالمسؤولية والمصلحة العمومية، والتفاهم مع القوى الخارجية، قيمه الرئيسية.

lundi, janvier 01, 2007

الاستنجاد بالعنصرية لإخفاء الإخفاقات السياسية

الوطن 1 جنفييه 07

بعد حمى الديمقراطية المعممة على الشرق الاوسط التي أصابت قادة الإدارة الامريكية الفكريين، يأتي دور العنصرية كوسيلة وحيدة لتبرير فشل السياسات الامريكية. وحسب النظرية الجديدة التي يدافع عنها الكثير من قادة الدول العربية ومفكريها الوصوليين أيضا، ليس هناك أفضل مما يحصل في العراق برهانا على أن المجتمعات العربية ليست جاهزة للتحول الديمقراطي، بل على أنها لا تملك ثقافة الدولة وحقوق الانسان التي تتيح لها الدخول في أفق مثل هذا التحول، الذي يفترض ولاءا واحدا ووحيدا، هو الولاء للدولة وما تمثله من منطق الخضوع للقانون الواحد، على حساب الولاءات المتعددة الطائفية والمذهبية والعشائرية، التي تقوم على منطق العصبية والتضامن الآلي بين أبناء الجماعة الطائفية وزعاماتها الدينية او القبلية الثابتة والجامدة المرتبط بها. وهذا هو في الواقع جوهر تفكير أصحاب تقرير بيكر هاملتون الذي يدعو الإدارة الأمريكية إلى تأجيل تحقيق الديمقراطية الآن لحساب التركيز على الاستقرار بأي ثمن، على أمل وقف الحرب الأهلية والسماح للولايات المتحدة بالانسحاب بأقل خسائر ممكنة من الورطة التي وضعت نفسها فيها.
يخفي هذا المنطق ثلاث مقولات خاطئة وغير مقبولة. الأولى أن الاحتلال الأمريكي للعراق كان بالفعل لدوافع أخلاقية هي تحقيق الديمقراطية، لا القضاء على الإرهاب وحماية الأمن القومي الأمريكي، كما ادعت الإدارة الأمريكية نفسها لتبرير الحرب. والمقولة الثانية أن عدم نجاح الأمريكيين في العراق لا يرجع إلى الأهداف الفعلية التي رسموها لانفسهم، وهي القضاء بالفعل على العراق كقوة استراتيجية وتحويله إلى أداة للتمكين للسيطرة الأمريكية على المنطقة وتأمين إسرائيل ومشروعها الاستيطاني، وإنما يرجع إلى العداء العميق الذي يكنه العراقيون، مثلهم مثل جميع المسلمين، للديمقراطية وقيم الحداثة والمدنية. والمقولة الثالثة أن النزاعات العراقية الداخلية المتفجرة في العراق لا تعكس في نظر هذه الإدارة الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها، من حل الجيش الوطني وقوات الأمن والإدارة المدنية نفسها، وإعادة بناء مؤسسات الدولية على قاعدة التكتلات الطائفية، وتنصيب زعماء ميليشيات الطوائف طبقة سياسية معتمدة وحيدة،أي الاستهتار بمعايير الحكمة والسياسة والحرب والقانون والحس السليم معا، وإنما تخلف المجتمع العراقي نفسه وانحطاط ثقافته الدينية والأخلاقية. وهذا يعني أن اندلاع الحرب الأهلية وعمليات القتل الجماعي هي الرد الطبيعي للمجتمع العراقي المسلم، الذي لا يعرف معنى القانون والوطنية، بل حتى قيمة الحياة البشرية، ولا شيء يردعه عن القتل على الهوية، على خطر تحقيق الديمقراطية أو على التدخل الأجنبي حتى لو جاء لصالح تأكيد حقوق العراقيين السياسية.
وكل هذا يخفي نزعة جديدة تسعى إلى التغطية بالانتقاص من إنسانية الشعب المحتل وتضخيم عيوب ثقافته السياسية والأخلاقية، أي بالعنصرية، على إخفاقات الإدارة الأمريكية. وهم يبررون ذلك بما يسود اليوم من فوضى وعمليات قتل جماعي لا يمكن أن يقبل بها أي إنسان حر، مهما كان أصله ومذهبه الديني أو السياسي. لكن إدانة مثل هذه الأعمال والثورة عليها لا ينبغي أن تقود إلى أبلسة المجتمع الذي يمارسها وتحويله بالتالي مرة ثانية إلى ضحية للعنصرية بعد أن كان ضحية للاحتلال. فالتعصب الطائفي أو المذهبي الأعمى، وما ينجم عنه من قتل على الهوية، ليس حزءا من هوية أي شعب، ولا سمة لأي ثقافة، تقليدية كانت ام حديثة، ولكنه ثمرة غياب منظومة سياسية قانونية تضمن الحد الأدنى من الحقوق والمصالح العامة، ولا تكون هي نفسها أداة في يد سلطة طائفية او قناعا شكليا لها. فمثل هذه المنظومة وحدها تستطيع أن تضمن الاستقرار والسلام الأهلي بين الجماعات المتعددة والمتميزة الهوية، بقدر ما تقدم وسائل سياسية، قانونية، طبيعية وسهلة، لا مذهبية ولا طائفية، للتفاوض على المصالح الاجتماعية، ولإعادة بناء التوازنات في الإطار الاجتماعي أيضا إذا أصابها الاختلال. ومن الطبيعي أن ينزع الناس، أو أصحاب المصالح، مهما كانت طبيعتها، اجتماعية أو اقتصادية أو حتى مذهبية، إلى سلوك طريق الحلول السياسية القانونية، أي السلمية، إذا كانت ممكنة، ويتجنبوا الحلول العنيفة التي تحتاج إلى الإعداد للحروب والتضحية بالأنفس والأموال التي يحتاجون إليها للدفاع عن مصالحهم، عندما لا يجدون طريقا آخر غيرها. ينطبق هذا على مجتمع التعددية الطائفية والعشائرية كما ينطبق على أي مجتمع آخر حديث تحللت فيه العصائب التقليدية، وأعيد بناء هياكله المدنية على أسس حزبية أو نقابية.
والقصد من ذلك القول إن اللجوء إلى العنف والاحتكام إلى السلاح ليس عملا طبيعيا ولا عاديا، كما يريد أن يصوروه أولئك الذين يدفعون المجتمعات دفعا إليه، بتدمير مؤسساتها ومنظوماتها القانونية والثقافية، لتبرير ما يفرضونه من منظومات لا قانونية ومجحفة بحقها، أو للتغطية على أخطائهم، لا في المجتمعات العربية ولا غير العربية. فهو الاستثناء لا القاعدة. ذلك أن المجتمعات تنزع في الأحوال الطبيعية إلى الحلول السلمية والأهلية بشكل عادي وطبيعي، لأن هذا هو الموقف الوحيد الصالح لخلق ظروف الاستقرار التي تضمن العمل والانتاج والاستهلاك وتأمين حاجات الناس وشروط معيشتهم اليومية. ولا يغامر أي طرف وازن، من أي طينة كان، مذهبية أو اجتماعية أو اقتصادية، بتهديد هذا الاستقرار، شرط استمرار الحياة الفردية وتأمين شروط بقاء الجماعة وازدهارها، ما لم تتكون لديه قناعات عميقة بأن وضعا جديدا قد نشأ يمكن أن يهدد هذه الحياة ويغير من الشروط التي تسمح لها بالاستمرار والبقاء حسب القيم والمعايير المتعارف عليها.
ليس العراق هو الشعب المريض بانعدام الانسانية والقيم الأخلاقية وإنما سياسات صدام البربرية التي دمرت أسس التفاهم الوطني الدنيا داخل العراق، ثم خطط بريمر الإجرامية التي استهدفت تصفية الدولة المركزية العراقية بوصفها تنطوي على احتمال عودة العراق ثانية إلى مغامرة القوة، وما يمثله ذلك من مخاطر محتملة في المستقبل على إسرائيل، واخيرا تغلب إرادة الثأر والانتقام على قوى التحالف العراقي الداخلي المنتصر، ونزعتها إلى الاستئثار بالسلطة وتقاسم العراق كما لو كان غنيمة حرب، بدل إعادة بنائه على أسس الوطنية القانونية التي تعزز ولاء الجميع للدولة وللقانون، بدل رفع الولاءات المذهبية والعشائرية فوق الدولة وتحويلها إلى قانون. كل ذلك هو المسؤول عن انحلال الوطنية العراقية ولا يزال هو المسؤول أيضا عن غياب شروط إعادة بنائها وتأهيلها السياسي والقانوني.

ولا يمكن للعراق ولا لغيره الخروج من الحرب الأهلية المعلنة والمحتملة من دون إعادة النظر بالعوامل الثلاثة التي دمرت أسس التفاهم والتوازن داخل المجتمع العراقي نفسه. وليس اختلال التوازن الطائفي مسألة منفصلة عن اختلال توازن المصالح الاجتماعية. فالطائفة ليست ايمانا وعقائد وتقاليد مجردة، ولكنها مكونة من بشر لهم تمايزاتهم الاجتماعية الداخلية ولهم أيضا مصالح مدنية ومادية. وعزل الطائفة لا يعني تهديدا فكريا أو مذهبيا لها ولكن قبل ذلك المساس بمصالح القوى والفئات الاجتماعية التي تنتمي إليها. وتنامي المعارضة المسلحة في المناطق السنية ليس ثمرة الخوف على المذهب السني، ولا تأييدا لصدام حسين كما يراد للرأي العام أن يعتقد، ولكن لاستبعاد المنطقة بأكملها من القرار السياسي للعراق الراهن، وما يعنيه ذلك من تهديد لمصالح سكانها، سواء ما تعلق منها بمصالح قانونية، مثل المساواة وتطبيق القانون واحترام الهوية الخاصة، أو بتقاسم المنافع المادية والموارد الاقتصادية. ومثل هذ النظام لا يمكن تعديله وإصلاح الخلل الذي يعبر عنه هذا التوزيع إلا بالحرب، كما يدل على ذلك المثال اللبناني.
يذكرنا عصام الخفاجي (الحياة 4 نوفمبر 06) عن حق بالتظاهرات التي خرجت في بلدة الفلوجة، في أواخر عام 2003، تندد بتجاوزات القوات الأمريكية، وبهدوء محافظة الأنبار، التي ينظر لها اليوم كحاضن "طبيعي" للمعارضة المسلحة، طوال فترة الحرب ومابعدها، وبنينوى التي ثارت ضد الطائفية منذ الشهر الأول لما بعد سقوط صدام، حين نصّب سني موصلي نفسه محافظا لها، فخرج السكان محتجين على ارتباطاته السابقة بمخابرات النظام البعثي. كما يذكرنا بقصف صدام حسين للرمادي، عاصمة الأنبار، عام 1995 حين انتفض سكانها ضد نظامه، والمجزرة التي ارتكبها بحق بعض أبرز أبناء تكريت عام 1996، بتهمة التآمر ضد نظامه.
من هنا، بعكس ما يقوله الامريكيون وأزلامهم الطائفيين، ليس لاندلاع الحرب الأهلية العراقية علاقة بانهيار نظام صدام، ولا حتى بالقومية العربية المعادية للسيطرة الأجنبية، كما يعتقد بعض المناصرين للمعارضة العراقية المسلحة، ولا بتفجر العنف الاسلامي ورعايته من قبل الدول المجاورة، ولكن ببناء النظام الطائفي التمييزي الذي خلفه، تحت إشراف هذه السيطرة الأمريكية، أو على الأقل بصلوعها العلني أو الخفي. وهذا يعني أن الحرب الأهلية لم تكن حتمية على الإطلاق. وكان من الممكن للعراق أن يحتفظ بالاستقرار والسلام، حتى مع وجود سيطرة أجنبية مؤقتة، لو لم يتصرف المنتصرون كعصائب خاصة او كوطنيات مستقلة، ويعطون لأنفسهم الحق في تقاسم العراق، أي تقاسم المناصب والإشراف على الموارد من قبل زعماء الطوائف والإتنيات، على حساب العراقيين جميعا وفي مقدمهم القاطنين في المناطق السنية الفقيرة بالموارد، التي عوملت وكأنها الخاسر الرئيسي الذي ينبغي أن يدفع ثمن انهيار صدام.

لا يهدف التذكير بهذه الاحداث إلى التقليل من حجم التضحيات التي قدمتها جميع فئات العراق وطوائفه في مقاومة الطغيان والديكتاتورية الدموية، وإنما التأكيد على أن أصل الخطأ يكمن في سعي الاطراف المختلفة، الخارجية والداخلية معا، إلى استخدام الحرب على نظام صدام من اجل الاستفراد بالسيطرة الدولية وبالسلطة والموارد الرئيسية في العراق على حساب أطراف أخرى لم تكن أقل منها تضررا من سياسات هذا النظام. إنه غياب الحكمة وحس العدالة والتبصر بالمستقبل وضبط النفس والتعلم من دروس الآخرين.