mercredi, juin 15, 2005

صراع الليبرالية والديمقراطية في المنطقة العربية

مجلة بدائل يونيو 2005
الاتحاد الإماراتيى 8 و22 يونيو2005

على هامش نمو الفكرة الديمقراطية في العالم العربي وبموازاتها يتزايد الحديث لدى أوساط المثقفين عن الليبرالية كما لو كان المصطلحان متطابقان أو يشيران إلى مضمون واحد. وبقدر ما يعكس الخلط بين المفهومين رغبة بعض قطاعات المثقفين العرب في تفسير الديمقراطية بما يساعد على مواجهة القيود والضغوطات التي تمارسها المجتمعات التقليدية على الفرد في ما يتجاوز مسألة الرد على تحديات السلطة الاستبدادية، يثير بالمقابل مخاوف كبيرة لدى قطاعات الرأي العام الواسعة التي تخشى أن يكون مضمون الديمقراطية الإباحة الكاملة لكل ما يمكن أن يشكل خرقا للقيم والتقاليد والعقائد الدينية. فكما تبدو الديمقراطية لدى الفريق الليبرالي المتنامي وسيلة لتأكيد سيادة الفرد المطلقة تجاه المجتمع تظهر عند الفريق المحافظ والاسلامي منه بشكل خاص كتحرر من كل قيد بل من كل التزامات تجاه هذا المجتمع نفسه واستباحة جميع المحرمات. وربما شكل هذا التناقض المتنامي في حجر الفكر السياسي العربي الناشيء وهو التناقض المسكوت عنه اليوم بسبب الالتقاء الظرفي السياسي بين جميع تيارات الاحتجاج على النظام التسلطي العربي، مصدر القلق والتردد والتشكيك وبالتالي الانقسام على النفس الذي لا يزال يطبع موقف الرأي العام العربي من مسألة الاختيار الديمقراطي ويؤخر الحسم فيه بالرغم من تنافس الجميع في تقديم الولاء الظاهري للفكرة الديمقراطية.
1- في ضرورة التمييز بين الليبرالية والديمقراطية

ليس هذا التناقض حكرا على الثقافة العربية الديمقراطية الناشئة ولكنه موجود في صلب الفكرة بالفعل. وبالرغم من أن الديمقراطية لا تتناقض بالأساس مع الليبرالية التي شكلت حاضنتها الفلسفية والسياسية الرئيسية إلا أنها لا تتطابق معها بل هي تنزع إلى الاستقلال أكثر فأكثر في مفهومها ومنظومة ممارستها عنها. وفي هذه الحقبة التي تشهد عودة قوية للفلسفة الليبرالية عموما، وفي عالم الجنوب والشرق بشكل خاص، كما عكس ذلك الصدى الذي كان لأفكار فوكوياما منذ سنوات على أثر الانحسار إن لم نقل التلاشي الذي شهدته الفلسفات المناوئة وفي سياق انهيار الفكرة الشيوعية وتراجع الايديولوجيات القومية وانبعاث أفكار وحركات المجتمع المدني وحقوق الانسان يصبح من المفيد إعادة فحص هذين المفهومين المترادفين، الديمقراطية والليبرالية، والسعي إلى إبراز المستويات المختلفة لتطابقهما وانفصالهما.
بالتأكيد ينبغي الحذر من معاملة المفاهيم الفكرية كما لو كانت مفاهيم جامدة وجاهزة. فهي تتطور وتتبدل مضامينها باستمرار. لكن بالرغم من أن المفاهيم لا تحتفظ بدلالاتها من دون تغيير لفترات طويلة وأن مضمونها التاريخي يرتبط في النهاية بالسياق الاجتماعي الذي تعاود الظهور فيه إلا أن استخدامها في فترات متباعدة وفي سياقات مجتمعية متعددة يؤكد أن للمفاهيم الاجتماعية بعض الدلالات الثابتة التي من دونها لا يستقيم معناها ولا استخدامها.
ومن هنا يحتاج التأمل في محتوى التيارات الليبرالية والديمقراطية المتنامية في عالم الجنوب الذي خضع لحقبة طويلة لسيطرة الفلسفات القومية والاشتراكية المناوئة لها إلى التمييز بين ثلاث مسائل رئيسية. المسألة الأولى تتعلق بالفرق بين مفهوم الليبرالية ومفهوم الديمقراطية في الوقت الذي يزداد فيه الميل في البلاد العربية للخلط بينهما واستخدام واحدهما مقابل الآخر أو بديلا عنه. والمسألة الثانية تحديد الدلالات الأساسية التي لا تزال مرتبطة بالمفردتين والتي تعطيهما معناهما اليوم عند العرب كما هو الحال عند بقية المجتمعات. والمسألة الثالثة فهم المضمون التاريخي لكليهما من خلال السعي إلى معرفة المهام التي يتوجب عليهما أو على أي منهما تحقيقها والتحديات التي ينبغي عليهما الرد عليها في نظر الداعين لهما.
في ما يتعلق بالمسألة الأولى نقول إن الليبرالية تغطي فلسفة اجتماعية كاملة وتشكل ايديولوجية من بين الايديولوجيات الاجتماعية والسياسية العديدة كالقومية والشيوعية والاسلامية الحديثة وغيرها من العقائديات الجمعية بينما تشير الديمقراطية إلى نمط من أنماط الحكم السياسية المبنية على قيم مستمدة من الليبرالية لكن ليس منها فقط. وهي من دون شك، في مقدماتها النظرية واختياراتها القيمية، امتداد للفلسفة الإنسانوية وربما تجذيرا لها على بعض الأصعدة ومن حيث هي تأكيد ليس على الحرية أو الحريات فحسب وإنما على الحرية الفردية خصوصا بوصفها الغاية الرئيسية من أي هيئة إجتماعية. فأول تجليات الحرية الفردية أخلاقية تجعل من تكوين الفردانية الحرة واستقلال الفرد واحترام مجال حياته الخاصة بل تحريمها على الآخرين بما في ذلك سلطة الدين والدولة والعشيرة والعائلة، مقياسا لتقدم المجتمعات وتحضرها. وثاني تجلياتها سياسية يقوم على اجتماع الأفراد الأحرار الذين كونتهم الثقافة والأخلاق كأفراد مستقلين وأسياد متنافسين ومتماثلين معا وتفاهمهم على عقد اجتماعي يكون الحفاظ على الحرية الفردية وتوسيع نطاقها فيه هو الغاية لأي حياة جمعية سليمة. وهو ما يؤدي إلى تبني مفهوم متميز عن دور الدولة ووظيفتها ينزع إلى أن يجعل منها حارسا ليليا فحسب، أي يحولها إلى وسيلة لحفظ الأمن في مجتمع تصوغ سياساته وتتخذ القرارات فيه مؤسسات تمثيلية تعبر عن إرادة الأفراد المتعاقدين. فليس للدولة هنا من حيث هي أجهزة تقنوقراطية وبيرقراطية أي استقلالية أو مبادرة مستقلة غير مشرف عليها مباشرة من قبل السياسيين المرتبطين مباشرة بمن يمثلونهم من الأفراد المتعاقدين. وثالث تجلياتها هو الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق الذي يخضع لقوانين العرض والطلب على مستوى التداول البضاعي أو تداول قوة العمل معا والذي لا يحق لأي سلطة أخرى من خارج حقل السوق أن تخضعه لها أو أن تفرض عليه قوانين غير مستمدة من حاجات السوق أو تستهدف شيئا آخر غير تنظيم المنافسة وضمانها داخل هذه السوق. فالسوق يعني قبل أي شيء آخر المنافسة الحرة بين الأفراد والطبقات في جميع مستويات العمل والانتاج والتداول والاستثمار. وكان آدم سميث يعتقد أن قوانين السوق إذا ما سمح لها بأن تأخذ مجراها دون تدخل من الدولة، فستقوم بمهمتها وتحقق الاتساق بين الأفراد وداخل المجتمع كما لو كانت تشكل نظاما غائيا متعمدا. فلم يكن لديه شك في أن لعبة المصالح الخاصة ، إن لم يعقها تدخل خارجي مفتعل، تؤمن حاجات الجميع، وتخدم المصلحة العامة، وكأن هناك يدا خفية غير مرئية، تحدد الأدوات، وتنسق الحركات كي يسير على ما يرام. ومن هنا يؤمن الليبراليون بأن أفضل خدمة نقدمها إلى المجتمع هي: تسهيلنا للأفراد سعيهم إلى خدمة مصالحهم الخاصة.
وتنطوي الليبرالية على اعتقادات ثابتة أساسية لا تستقيم من دونها. أولها مبدأ الانسجام الطبيعي الذي يقضي بأن بحث كل فرد حر عن مصالحه الخاصة لا يتناقض مع تحقيق المصلحة العامة للجميع ولكنه يشكل بالعكس ضمانته الحقيقية. ويعني هذا أنه إذا تركنا كل فرد يبحث بحرية عن مصلحته الخاصة فسنصل إلى انسجام حقيقي في المصالح أكثر بكثير مما لو سمحنا للدولة بأن تتدخل لضمان مثل هذا الانسجام أو لاختراعه. وثانيها أن حقل الحرية السياسية يتطابق مع حقل الحرية الاقتصادية. ولا يعني هذا مجرد الافتراض بأن الاقتصاد الحر هو شرط للحرية السياسية أو الديمقرطية فحسب ولكن أكثر من ذلك أن الحريات الاقتصادية المجسدة في اقتصاد السوق الحر تقود مباشرة وتلقائيا إلى نشوء الحريات السياسية وتأكيدها. وثالثها أن الديمقراطية والليبرالية متطابقتان تماما فلا ديمقراطية من دون ليبرالية ولا ليبرالية من دون ديمقراطية وبالتالي فالليبرالية تضمن بشكل تلقائي تكافؤ الفرص وآفاق الارتقاء الاجتماعي والمشاركة السياسية لجميع الأفراد بقدر ما تضمن النمو والتقدم الاقتصادي.
والنيوليبرالية التي تشكل الايديولوجية الجديدة لحقبة ما بعد الحرب الباردة في مركز العالم الصناعي والتي تنتشر بسرعة في بقية بقاع العالم هي مذهب العودة إلى أصول الليبرالية أو إلى الليبرالية الأصلية، وتعني إذن تحريرها من القيود التي أدخلت عليها منذ العقود الأولى من القرن العشرين كرد على الأزمات الكبرى التي واجهتها ومنها أزمة الكساد الكبرى في نهاية الثلاثينات. وفي كل عودة للأصول مبالغة أيضا في التركيز على المباديء والقيم الأساسية التي يتضمنها المذهب أو النظام المستعاد. ومن هنا لا تكتفي النيوليبرالية بالتأكيد على ضرورة التراجع عن تدخل الدولة المباشر والواسع في النشاطات الاقتصادية والانتاجية بما في ذلك قطاع الخدمات العامة وإخضاعها جميعا لقاعدة المنافسة وقانون العرض والطلب الذي يعتبر القانون الأساسي للسوق. إنها تسعى أكثر من ذلك إلى تجاوز نظام السوق الرأسمالية القومية أو الوطنية الذي ساد في المراحل السابقة وما يعنيه من ممارسة الدولة لحقها في السيادة الاقتصادية ووضع التعرفات الجمركية الحمائية وتنشد بناء سوق رأسمالية على امتداد الكرة الأرضية، وهو ما يندرج اليوم تحت إسم العولمة. وفي السياسة تعني النيوليبرالية التخلص من دولة الرعاية والدعم التي نشأت في الحقبة الماضية. فهي تنظر إلى الخدمات التعليمية والصحية والضمانات الاجتماعية المختلفة التي وفرتها هذه الدولة في السابق على أنها معيقة لتقدم المجتمع الحر في أخلاقياته وفي حريات إفراده السياسية وسيادتهم واستقلالهم لأنها تقيد اختياراتهم مثلما هي معيقة للتقدم الاقتصادي بقدر ما تفرض إكراهات وكوابح على سوق التداول الحر للسلع والخدمات والمهارات.

-2 تناقضات الليبرالية

بالرغم من أن الديمقراطية لا تتناقض بالأساس مع الليبرالية التي شكلت حاضنتها الفلسفية والسياسية الرئيسية إلا أنها لا تتطابق معها بل هي تنزع إلى الاستقلال أكثر فأكثر في مفهومها ومنظومة ممارستها عنها. فقد واجهت الليبرالية كما يعرضها أنصارها وكما عادت إلى التجلي عبر ما يسمى اليوم بالليبرالية الجديدة التي تحولت إلى مذهب سياسي للقوى الكبرى، ولا تزال تواجه انتقادات كثيرة. فقبل أن تظهر التجربة التاريخية أن الحرية بالمعنى الذي تدعو إليها الليبرالية لا تقود بالضرورة إلى الانسجام الطبيعي بين جميع المصالح الاجتماعية كما أنها يمكن أن تعمل على ايجاد أوضاع إجتماعية تخل بشروط ممارسة الحرية عند القسم الاكبر من الرأي العام لصالح فئات قليلة هي تلك المسيطرة على موارد الثروة والسلطة والمعرفة. وهي بدل أن تقود إلى تعميم قيم الحرية تمنع من تحقيق ما تطمح إليه المجتمعات من عدالة ومساواة حقيقيتين. وكان جون ستيوارت ميل قد لا حظ مثل هذه التناقضات داخل الليبرالية وسعى عبر فلسفته الخاصة إلى التوفيق بين مباديء الحرية ومباديء العدالة والمساواة. وهكذا قام بالتمييز منذ القرن التاسع عشر بين مجال الخاص أو مجال الحرمة الشخصية الذي يكون فيه الفرد حرا تماما ولا حق للدولة أو السلطة العمومية في تقييد حريته ومجال العام الذي يكون فيه للدولة الحق في أن تتدخل بما يضمن مصالح الكل الاجتماعي واتساق حريات الأفراد وقيم المجتمع. وكان هذا التمييز تأكيد على أن الكل الاجتماعي ليس حصيلة حسابية للفرديات الحرة وإنما كيانا مختلفا عن الفرديات جميعا له منطق اتساقه الخاص الذي لا يتطابق مع منطق الفرد الحر ميكانيكا. وهوما يعني أن ما نسميه المصلحة العامة لا يمكن أن ينجم تلقائيا من تنافس المصالح الخاصة.
لا يقبل الفكر الديمقراطي المعاصر بالمسلمة القائلة بأن احترام الحريات الفردية يقود حتما إلى تحقيق القيم الإنسانية المطلوبة وينتج تلقائيا العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص لأبناء المجتمع الواحد ولا يؤمن بالتالي بالانسجام الطبيعي بين حقلي الحرية الاقتصادية والسياسية. إن الحرية لا بد أن تترافق مع سياسات اجتماعية واقتصادية تضمن حدا أدنى من استقلال الأفراد الذي يمكنهم من ممارسة حرياتهم والتعبير الصحيح عنها. فالحرية لوحدها ليست مبدأ كافيا لقيام نظام ديمقراطي وإجتماعي صالح وناجع بالرغم من أنها تبقى قيمة أساسية فيها. فإذا لم تكن هناك ديمقراطية من دون حرية فلا حرية أيضا من دون عدالة ومساواة قانونية فعلية. ومن هنا لا يعتبر الفكر الديمقراطي المعاصر عدم تدخل الدولة في العملية الاقتصادية مذهبا مقدسا وشرطا لقيام اقتصاد سوق ناجح ومنتج.
ومن هنا سوف يتبلور عبر التجربة التاريخية الطويلة مفهوم للديمقراطية يقطع مع الليبرالية في مناح عديدة. المنحى الأول هو التمييز بين المظاهر السطحية والشكلية للمارسة الديمقراطية وبين تحقيق القيم العميقة للفلسفة الليبرالية. وكان ماركس أول من كشف عن هذا التناقض العميق بين الحريات الشكلية التي وعدت بها الليبرالية وبين العبودية التي ينتجها ويفرضها تحكم رأس المال حتما على الطبقات الشعبية. وبالرغم من الانحراف الذي قادت إليه هذه النظرية الصحيحة والذي اتخذ شكل معارضة نظام الحرية السياسية أي الديمقراطية "الشكلية" كما كان يقول الماركسيون بنظام المساواة الاجتماعية أو الديمقراطية "الشعبية" التي تقوم على عدالة توزيع الثروة، إلا أن تطور التجربة الليبرالية نفسها قد أسفر عن رؤية تكاد تكون موضع إجماع على أمرين: الأول أن الديمقراطية بما تعنيه من ضمان حرية الأفراد ومشاركتهم السياسية واستقلالهم لا يمكن أن تتحقق من دون حد أدنى من العدالة والانصاف في توزيع الثروة. والثاني أن نظام السوق، بالرغم من قانون المنافسة الذي يضبطه، يقود حتما وبصورة تلقائية إلى تركيز الثروة وبالتالي أيضا السلطة والمعرفة بيد فئات قليلة. ومن هنا طورت جميع البلدان الليبرالية الأوروبية التقليدية مع الزمن سياسات إجتماعية أساسية لتجاوز هذا التناقض وإخضاع المباديء الليبرالية التقليدية إلى ضوابط سياسية واقتصادية واجتماعية تمنع أصحاب الرساميل من السيطرة المتزايدة على مصادر الثروة والسلطة في المجتمع وتقضي بالتالي على الديمقراطية باسم الحرية أو الحفاظ على أوسع قدر من الحريات الفردية الذي تسعى إليه الليبرالية.

وهذا يعني أن الديمقراطية لا تتعلق فقط بالمظاهر والمؤسسات الشكلية ولكنها تهتم بشكل أكبر بالقيم الاجتماعية والسياسية الفعلية. وهو ما يساعدنا على التمييز بين نظام التعددية السياسية بما يشير إليه من اعتراف بالحريات والحقوق الأساسية للأفراد وبين نظام الديمقراطية بما يتضمنه من تأكيد لقيم الحرية والعدالة والمساواة. فمن الممكن أن يكون هناك نظام يحترم بدقة التعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير والتنظيم والمشاركة للجميع لكنه لا يحقق مع ذلك القيم الديمقراطية من تكافؤ الفرص والمشاركة العملية وحرية الرأي وغيرها ذلك أن فئة قليلة من أصحاب الرساميل تسيطر على النظام التعددي وتسيره حسب مصالحها وتتلاعب بالإرادة الشعبية. وهذه أكبر المخاطر التي تواجهها الليبرالية في الواقع. ومن هنا لم يعد مقياس ديمقراطية المجتمع هو دقة احترام الدساتير للمباديء الليبرالية وإنما حقيقة مطابقة هذه المباديء مع الوقائع الاجتماعية. إن الديمقراطية تقاس إذن بمدى تحقق قيم الحرية والمساواة والعدالة. فلا حرية مع الفقر أو التفاوت الفاحش في مستويات المعيشة. ومن هنا يعتبر ما قمت به بعض الحكومات في العقود الماضية من تقليص سلطة الملاك شبه الإقطاعيين وإعادة توزيع الأرض على الفلاحين باسم الاصلاح الزراعي إجراءا ديمقراطيا بالرغم من أنه حصل في سياق وبأسلوب غير ديمقراطي. وبالمثل إن دمج الفلاحين في الحياة الوطنية الحديثة عن طريق نخبهم أو مباشرة بتحسين شروط الحياة في الأرياف وربط هذه الأخيرة بشبكات النشاط الاقتصادي والسياسي والفكري المدينية هو جزء من عمليات التحويل الديمقراطي مهما كانت الشروط التي تم فيها.
لم تعد الديمقراطية في هذا المنظور تطبيقا مباشرا وتلقائيا لفلسفة الحرية الفردية وأصبحت هي نفسها مثالا أو نموذجا للانسجام داخل النظام الاجتماعي تقاس به درجة تحقق الحرية الفردية الفعلية أو حقيقة الحرية المدعاة في النظم السياسية. وهذا الفصل بين الديمقراطية كنظام اجتماعي يدمج بين دولة القانون التي يتساوى فيها الأفراد ودولة العدالة الاجتماعية ورفض التهميش والإقصاء والتفاوت الصارخ في المداخيل مهما كان مصدره وكذلك دولة الحريات الفردية واحترام الأشخاص والجماعات، قد فصل الديمقراطية عن الايديولوجية الليبرالية التي شكلت التربة الفلسفية التي ولدت فيها وسمح بالتالي بنشوء نماذج متعددة محتملة لها. فلم يعد هناك ما يمنع الديمقراطية، من حيث هي نظام للحكم وتنظيم علاقات السلطة بين الأفراد داخل المجتمع الواحد بما يساعد على تحقيق قيم الحرية والمساواة والعدالة، أن تستقل بنفسها عن الفلسفة الليبرالية لتأخذ بفلسفات روحية واجتماعية مختلفة عنها لا تجعل من حرية الفرد المقياس الوحيد لتقدم الحياة الجمعية من دون أن تلغيها أو تتعارض معها. وهكذا صار من الممكن الحديث من دون فقدان الاتساق المنطقي عن ديمقراطية مسيحية أو إشتراكية تستمد شرعية القيم الانسانية التي تعمل من أجلها من عقائد أو فلسفات أخرى. وفي تركيا الراهنة يمكن الحديث عن ديمقراطية إسلامية تؤكد على الالتزام بقواعد الديمقراطية وقيم العدالة والمساواة والحرية انطلاقا من ومع التمسك ببعض القيم الروحية والاجتماعية والثقافية الخاصة، بما في ذلك ربما التأكيد على أهمية التضامن داخل الأسرة أو تشجيع المؤسسات الأهلية والخيرية إلخ. وبالمثل ليس هناك ما يمنع سلطة ديمقراطية منتخبة وتمثيلية من أن تضع بعض القيود على قانون المنافسة الاقتصادية إذا وجدت في ذلك ضرورة للحد من الهدر أو من احتمالات تدمير الموارد أو إرهاق طبقة العمال أو البيئة العامة. ولن يكون هناك مانع أيضا من وضع قيود على حرية التجارة والتبادل أو رفع التعرفات الجمركية في العديد من الميادين أو تجاه العديد من المنتجات. باختصار، من الممكن تماما أن تكون هناك ديمقراطية لا تقاس سعادة المجتمع ورفاهه فيها بحجم أو بعدد الحريات الفردية الممارسة وأن تكون فيها الأسبقية لقيم العدالة أو المساواة بين المواطنين أو بين الجنسين أو بين الطبقات أو الأقاليم والجماعات المختلفة، خاصة عندما تكون الفوارق بينها ذات طبيعة خطيرة واستثنائية . مما يعني القبول بما يتطلبه تحقيق ذلك أحيانا من تدخل مباشر لفرض بعض القيود على حريات بعض الفئات التي يعيق نمط انتاجها أو ممارسة حرياتها تحرر الأغلبية من الأفراد وتفتحهم. كما يعني القبول بما نسميه اليوم مبدأ ممارسة التمييز الايجابي لصالح الطبقات الشعبية أو الفئات المجتمعية الضعيفة لرفع درجة مشاركتها أو اندماجها أو مستوى معيشة أبنائها. وفي هذه الحالة يمكن الحديث عن ديمقراطية اجتماعية هدفها تحقيق أكثر ما يمكن من التضامن بين الأفراد ومن المساواة الفعلية بين الجماعات المنتمين إلى الدولة الواحدة بل اليوم إلى العالم الواحد مع الحفاظ على حرية الفرد كجوهر ثابت لأي ممارسة ديمقراطية.

3- تحرير الفكرة الديمقراطية من الفلسفة الليبرالية شرط تعميمها

وفي العالم العربي المعاصر لا تبرز فلسفة الليبرالية كتعبيرعن ولادة روح فردية قوية ومستقلة ومبادرة بالفعل بقدر ما تعبر عن خيبة أمل قسم من الرأي العام بأنظمة حكم انبثقت خلال نصف القرن الماضي وفرضت نفسها باسم الدين أو القومية أو الاشتراكية واتسمت بما يشبه عبادة الدولة وتقديس دورها الاجتماعي على حساب الفرد وحريته واستقلاله وكرامته. ولذلك فهي لا تبدو كفلسفة أوسع من الديمقراطية ولكن كتيار فكري مكمل لها أو كالجناح المغالي في الحركة الديمقراطية.
ومن يقرأ الأدبيات السياسية العربية الأحدث يدرك بسهولة الاختلاط العميق الذي يسيطر على الثقافة السياسية العربية في ما يتعلق بمفهومي الديمقراطية والليبرالية وأحيانا عن استخدامهما بمعنى واحد. بيد أن الأمر لا يتوقف على مجرد الخلط بين المفهومين وعدم إدراك الفرق بينهما وإنما يذهب أبعد من ذلك فيطابق بين الديمقراطية والليبرالية أو ينزع إلى تفسير الديمقراطية تفسيرا ليبراليا. ولا يحصل ذلك بسبب معرفة قيم الليبرالية نفسها وإنما نتيجة الاعتقاد بأن هذه القيم هي جزء لا يتجزأ من الديمقراطية أي من تأكيد قيم الحرية والعدالة والمساواة بين جميع الأفراد بوصفهم أفرادا أحرارا وأسياد أنفسهم خارج أي إكراهات مجتمعية أو حكومية. ومن نتائج هذه المطابقة السلبية والمضرة بالديمقراطية نزوع من يطلقون على أنفسهم اسم الليبراليين العرب، وانطلاقا من جعل الحرية الفردية قيمة مقدسة والقيمة الأولى بل أحيانا الوحيدة للنظام الاجتماعي ككل وليس في الممارسة السياسية فحسب، إلى التضحية بقيم أساسية لا تستقيم الديمقراطية العربية من دون احترامها ولن يكون لها أي أمل في الوجود مع الاستهتار بها. ومن هذه القيم ما هو نتاج الخبرة الانسانية جميعا مثل قيم العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية وتكافؤ الفرص الفعلي والتضامن الاجتماعي. ومنها، بالنسبة للمجتمعات العربية التي لم تنجح بعد في الخروج من سياق الهيمنة الاستعمارية، القيم الوطنية المرتبطة بمهام تحقيق أو حماية الاستقلال والسيادة الوطنية التي ركزت عليها النظم السابقة وبشكل خاص تجاه الدول الكبرى وفي طليعتها الولايات المتحدة وأوروبة. ومنها ما يتعلق بمسائل التأكيد على الهوية العربية وما ارتبط ويرتبط بها من نزوعات إلى بناء مشاريع الوحدة أو الاتحاد أو التعاون الإقليمي الخاص بين البلدان العربية. ومنها أيضا وأحيانا التضامن مع قضايا الأمة العربية وفي مقدمها القضية الفلسطينية. ويرتبط هذا النزوع عند الليبراليين العرب الجدد إلى التخلي عن هذه القيم الإنسانية العميقة وفي مقدمها التطلعات الإقليمية والوطنية بتأكيد قيم احترام التنوع العرقي والديني والتركيز على قضايا المعيشة وتحسين مستويات الدخل والتنمية والتعاون مع الدول الأجنبية من دون ايلاء اهتمام كبير لمسائل السيادة والحساسيات الشعبية التاريخية. ويخشى أن تتماهى الليبرالية أكثر فأكثر في البلاد العربية مع التأمرك أو حب التماثل مع أمريكا والاقتداء بنموذجها الاجتماعي والسياسي بل في بعض الأحيان مع التقليل من مخاطر التهاون مع إسرائيل أو التحالف معها معا كما حصل مع بعض تيارات الليبرالية المصرية بعد التوقيع على اتفاقات كمب ديفيد.
ولا شك في أن قيم الليبرالية الجديدة، كما يعيد اكتشافها فريق من المثقفين العرب في سياق صراعهم المشروع ضد النظم الاستبدادية القاسية من جهة وفي مواجهة القيود التي تفرضها التقاليد الاجتماعية والدينية المحافظة والمتفاقمة، تميل إلى وضع نفسها في مواجهة مباشرة مع القيم السائدة. ويخشى أن يكون مصير التيار الليبرالي العربي الجديد ومن ورائه مصير النخب المثقفة العربية قريبا في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين من مصير التيار الماركسي الذي نشأ وتصاعد نفوذه في أوساط المثقفين في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. فكلا التيارين ينزع إلى أن يعكس تمرد فئات من المثقفين على القيود القاسية والمتعددة التي يضعها المجتمع والدولة على حرية الفكر والاعتقاد والمشاركة السياسية ويهدد لهذا السبب نفسه بدفع المثقفين أو جزء منهم إلى تبني موقف يشبه موقف المنشقين على الدولة والمجتمع. وكما يقود هذا الموقف إلى تفاقم شعور المثقفين بالعزلة والتهميش والانفصال يشجع لدى بعضهم المراهنة بشكل متزايد على التعاون مع القوى الخارجية بل على التدخلات الأجنبية في سبيل تحقيق تحولات ديمقراطية فعلية داخل مجتمعات تبدو غير قادرة في نظرهم على تحقيقها بعناصرها الذاتية.
إن التطلع الايجابي إلى بناء الذاتية الفردية الحرة والمتحررة من القيود، ومواجهة الأطراف الاجتماعية المختلفة التي تشكل مصدر سلطة أو صلاحية خاصة، سواء أكانت مجتمعا شاملا أم طبقة أم قبيلة أو طائفة أم عشيرة أم عائلة، في سبيل تأكيد موقف الفرد الحر ومسؤوليته وحقيقته، قد يفتح الباب أمام التقليل من قيمة الذاتية الجمعية ومن مسؤولية الدولة والمجتمع معا تجاه الفرد إذا لم يخضع لمعايير أخلاقية أخرى. وقد يقود التطرف الليبرالي في موضوع الحرية الفردية وميله إلى جعلها معيار الحياة المجتمعية كافة إلى عكس ما يهدف إليه، أي إلى تهديد الذاتية الفردية، وفرض الوصاية وخلق الظروف التي تحول دون تعميم الحريات ودون تنظيم الحياة الاجتماعية على أسس من العدالة والمساواة والاعتراف بمركزية الانسان وقيمة وجوده الأصيلة.
باختصار لم تعد الديمقراطية رديفا لليبرالية التي تتماهى مع نظريات التكيف مع السوق العالمية ونظريات العولمة الجديدة الخاضعة لهذه السوق ومنطقها كما تتماهى مع التخلي عن الانتماءات والالتزامات الجمعية الوطنية أو الحضارية لحساب الاندماج والتفاعل الفردي الحر مع هذه السوق، أي في الواقع مع تحويل الجميع إلى مستهلكين أو إلى تحريرهم من جميع القيود الفكرية والسياسية والمجتمعية التي تمنعهم من هذا التفاعل المباشر والحر. إنها تتحول أكثر فأكثر إلى نموذج مناقض تماما لليبرالية وتؤسس لرؤية جديدة تجعل من التحكم بمنطق السوق ورفض الخضوع لمعاييره وحدها وللالتزام الأخلاقي والسياسي قاعدة لبناء حكم صالح معياره الرئيسي الاتساق الاجتماعي والتضامن الإنساني في ماوراء حدود الدول. وهذا يعني أن الحريات الفردية والجماعية صلب الديمقراطية وغايتها لكنها لا تتحقق من دون تأمين شروط أخرى. كما أن هذه الحريات التي تشكل جوهر الديمقراطية لا تنفصل عن القيم الإنسانية ولا يمكن النظر إليها بشكل تجريدي يفصلها عن الإرث الثقافي العالمي ولا عن القيم الخصوصية التي تعكس المسارات الخاصة بالمجتمعات المختلفة وظروف تطورها. وهذا ما يبرر الحديث بالفعل عن نماذج مختلفة لتطبيق الديمقراطية منها نموذج الديمقراطية الاجتماعية ومنها نموذج الديمقراطية الإسلامية التي نتوقع أن تزدهر في العالم العربي كما حصل مع الديمقراطية المسيحية وعلى شاكلتها في أوروبة الغربية ومنها أيضا نموذج الديمقراطية الليبرالية التي تقدم أفضل مثال عليها الحالة الأمريكية. وهذا يعني أن هناك، في ما وراء الهياكل الإجرائية وآليات ممارسة السلطة التي تجسد الديمقراطية ولا تقوم هذه إلا بها رؤى مختلفة ومتباينة لطبيعة الأهداف والمهام التي يتعين على الديمقراطية القادمة أن تعمل عليها وتقوم بتنفيذها. فالديمقراطية الاجتماعية تعتبر التحويل الديمقراطي وإعادة إدخال الشعب في السياسة وإقامة سلطة تعددية على أسس الشرعية الانتخابية هو وسيلة من أجل تحقيق مساواة أكبر بين الأفراد أمام القانون وفي مجالات الحياة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وشروط المعيشة، أي من أجل عدالة أكثر أيضا. فنظام التسلط والديكتاتورية لا يعمل اليوم بشكل واضح لصالح تركيز الثروة المتزايد فحسب ولكن أيضا لصالح تهميش الشعب وإخراجه من دائرة القرار كما يعمل لصالح تعميق الإفقار الثقافي والفكري وجعل المعرفة والعلم والتربية والتعليم حكرا على الخاصة من المجتمع. فالخيار الديمقراطي الاجتماعي يجعل من التنمية الاقتصادية والاجتماعية الغاية الأولى للسلطة السياسية وبالتالي ينظر بعين أكثر استعجالا لتحقيق الوحدة والتعاون الإقليمي والدفاع عن القيم الوطنية.
وهناك ديمقراطية اسلامية تنظر إلى التعددية وما تتضمنه من اعتراف بالحريات والحقوق الأساسية للفرد المواطن على أنها وسيلة لإضفاء طابع القيم الاسلامية واحترام الطقوس والتقاليد الشعبية على الحياة العمومية وبث درجة أكبر من الأخلاق في حياة الأفراد والجماعات، في الدولة والحياة الخاصة معا، أي بناء العلاقات والحياة العمومية على أسس أخلاقية. وهناك مشروع الديمقراطية الليبرالية الذي يرى في التعددية إطارا لتنمية الحريات الفردية التي يعتبرها قيمة أساسية وذات أسبقية في الثقافة الوطنية تنطلق من تقديس الفرد وضمان استقلاله أمام مختلف السلطات التابعة للدولة أو للمجتمع أو للأجهزة البيرقراطية.
لكن بينت التجربة التاريخية أن فصل مسألة الحرية، التي هي مسألة جوهرية في الديمقراطية بمعنى أن الأخيرة لا تقوم من دونها، عن القيم الإنسانية الأخرى النابعة من التضامن الاجتماعي يمكن أن يقود إلى تفريغ الفلسفة الليبرالية نفسها من روحها الإنسانوية التي كانت هي الأصل في نشوئها. وفي هذه الحالة يمكن لليبرالية أن تتحول وهي تتحول بالفعل إلى عائق أمام الديمقراطية ليس بسبب ما تفترضه من تطابق تلقائي بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية فحسب وإنما أكثر من ذلك لأنها تعمل، بقدر ما تنزع إلى تجاهل قيم العدالة والمساواة التي لا يمكن أن تستقيم من دون تدخل السلطة أو الدولة الممثلة لها ولعموم الشعب وإرادته العامة، على تشجيع سيطرة أصحاب النفوذ من رجال المال والأعمال والمصالح على الحياة العمومية وتدفع إلى تهميش القسم الأكبر من المجتمع وحرمانه من وسائل التعبير والمشاركة السياسيين معا. وفي هذه الحالة يمكن لليبرالية التي تقوم باسم السعي إلى أقصى درجة من الحرية الفردية أن تؤثر سلبا على شروط انبثاق الحرية الحقيقية وتعميمها وتهدد بأن تغطي على فلسفة نخبوية لا إنسانية ولا أخلاقية .

samedi, juin 11, 2005

سورية من دولة البعث إلى وطن جميع السوريين


الجزيرة نت 24 يونيو 05
بالرغم من أن توصيات المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الحاكم في سورية تشكل خطوة مهمة على طربق الاعتراف بالمصاعب الاستثنائية التي يواجهها احتكار الحزب الواحد للسلطة والسياسة في سورية وضرورة العمل على الخروج منها، فقد أنتجت إحباطا عميقا عند المثقفين والناشطين السياسيين ودفعت كما تدل على ذلك ردود إفعالهم إلى تفاقم التوتر في البلاد بدل أن تخلق الانفراج المنشود. وأقول خطوة هامة لأنه بصرف النظر عن طابعها الجزئي وعما يمكن أن يعترضها من عقبات عند التطبيق، تقترح توصيات الحزب الحاكم للمرة الأولى إصلاحات في الاتجاهات الصحيحة التي بقيت لعقود طويلة ترفض الحديث فيها أو تسعى إلى الهرب منها، وذلك سواء عندما تتحدث عن تضييق نطاق تطبيق قانون الطواريء أو توسيع دائرة المشاركة السياسية عن طريق التصويت على قانون التعددية السياسية المشروطة أو من خلال الحديث عن الحد من تغول الأجهزة الأمنية على الحياة اليومية للمواطنين. لكن الطابع الجزئي وغير المحدد لهذه التوصيات يصطدم يحجم التوقعات الهائلة التي تفجرت في السنوات الخمس الماضية وألصقت بعهد الرئيس بشار الأسد مهمة الاصلاح مهما كانت نوايا قادته وإمكاناتهم الفعلية. كما أن حجم التحديات الداخلية منها والخارجية التي تتعرض لها البلاد تدفع إلى الاعتقاد بأن الأوضاع لم تعد تحتمل الحلول الجزئية. هكذا يعتقد القسم الأكبر من الناشطين السوريين أن الشعب الذي عانى خلال أربعين عاما من القسوة والعنف من أجل تحويل سورية من وطن لجميع أبنائها إلى دولة البعث، أي دولة المصالح الخاصة الملتحفة بالبعث والبعثيين، لم يعد قادرا على الانتظار أربعين عاما أخرى ولا ينبغي أن ينتظر مثلها حتى يستعيد حقوقه الطبيعية ويتمكن من تحويل سورية البعث من جديد إلى وطن لجميع السوريين.
هذا يعني أن ما تعاني منه سورية وشعبها أكبر بكثير من مشاكل التنمية والموارد والكفاءات والتقنيات وتطوير الأداء وتحسين الشروط المعيشية أو حتى معالجة مسألة البطالة بل أكبر من مسألة الديمقراطية التي تتقدم مطالب النخبة الاجتماعية اليوم وبالأحرى من مواجهة الضغوط الخارجية. إنه أزمة الوطنية السورية نفسها، بما نعنيه بالوطنية من الولاء العميق للدولة الناجم عن الثقة بدورها في تلبية تطلعات الأفراد ومساعدتهم على الارتقاء بعلاقاتهم ، والانتقال بهم من مستوى الفرديات المتنازعة إلى مستوى الجماعة الوطنية، أي الجماعة الحية المتواصلة والمتضامنة التي تعيد تأسيس حياتهم الجمعية على أسس أخلاقية يقع التكافل والتعاون على تحقيق الأهداف النبيلة والايجابية الجامعة في مقدمتها. وليس لأزمة الوطنية في أي مكان وما تعنيه من ضياع الرابطة الجمعية و تحلل الأسس التي يقوم عليها الاجتماع البشري كاجتماع مدني، أي أيضا أخلاقي، سوى سبب رئيسي واحد هو زوال الرابط الحقيقي بين الدولة من حيث هي مؤسسة عمومية تعنى بمصالح الأفراد المنتمين إليها جميعا وبين المجتمع بوصفه مجموع المصالح المتباينة والمتناقضة التي تسعى الدولة إلى تحويلها بالسياسة إلى مصالح متسقة، متشابكة ومتضامنة معا في نسق واحد. وفي سورية جاءت الأزمة الوطنية من حيث العمق والشدة على قدر نجاح الطبقة الحاكمة في فك الرابطة بين الدولة والمجتمع وتحويل الأولى إلى أداة لقهر الثاني وإخضاعه لإرادة طبقة خاصة ومصالحها من دون أي توسط عقيدي أو سياسي يخفي أو يساعد على إخفاء علاقة السيادة والاستتباع الجديدة.

والرد على هذه الأزمة وايجاد المخرج السلمي والايجابي لها هو التحدي الحقيقي المطروح على البعثيين الإصلاحيين أو الذين يحلمون بأن يكونوا إصلاحيين لكن، قبل ذلك، على جميع السوريين أيضا ومن بينهم جماعات المعارضة. وأعني بالمخرج السلمي تحويل الدولة المزرعة إلى دولة السوريين جميعا، أي دولة المساواة بين السوريين. ولا أستخدم كلمة مزرعة هنا من قبيل التشهير على الإطلاق وإنما بالمعنى العلمي للكلمة. فهي تعبر بالفعل عما تمارسه الفئة المالكة انطلاقا من الحق الطبيعي الذي تخوله الملكية من التصرف الحر بموارد الأرض وسكانها من دون أن تسألهم عن رأيهم أو تستشيرهم في ما تقرره عنهم أو أن تقدم لهم حسابا عن الطريقة التي تتصرف فيها بالموارد والبشر ولا أن تشعر بأن لهم أي حق في أن يعرفوا ماذا تفعل بهم وإلى أين تذهب بموارد الأرض التي يعملون فيها. فلصاحب المزرعة سلطة مطلقة على ملكه يخوله أن يستفيد منه كما يشاء ويوزعه على من يشاء ويمنعه عمن يشاء ويقدمه لمن يشاء من دون أن يكون لأحد الحق في توجيه سؤال له عن أسباب ما يفعله بملكه، وبشكل خاص الأجراء الملتحقين أو الملحقين بمزرعته.
فلا يستطيع أحد أن ينكر أن البعثيين لم يتصرفوا خلال العقود الأربعة الماضية على أنهم أصحاب ولاية سياسية تنتهي ولايتهم بانتهاء المهام التي أوكلها الشعب لهم، سواء أكانت الوكالة شرعية أو غير شرعية، وإنما كملاك حقيقيين كما نظروا إلى بقية أبناء الشعب كأجراء ملحقين. فقد كان لهم وحدهم الحق في احتلال مناصب المسؤولية ووضع اليد على كل منصب يرتبط به أو ينبع منه قرار حتى لو كان قرارا علميا أو إداريا أو اقتصاديا أو فنيا أو أدبيا أو ثقافيا. فهم المقدمون من دون تبرير ولا منافسة لشغل مناصب الإدارة من مدير المدرسة الابتدائية حتى رئاسة الوزارة مرورا بجميع مناصب الخدمة المدنية والخدمة العسكرية. ولهم جميع مراكز السلطة السياسية من الرئاسة إلى أصغر دائرة رسمية. وهم الذين يسيطرون على جميع مواقع السلطة في جميع النقابات والهيئات المدنية العامة. لا ينافسهم في ذلك حزب ولا جماعة ولا قوة ولا يخضعون في سلوكهم لمحاسبة أو مساءلة قضائية أو اجتماعية أو سياسية. وبسبب هذه العلاقة الخاصة نجح البعثيون في تحويل سورية بالفعل، تماما كما كان يقضي شعار "سورية البعث" الذي رفعوه، إلى وطن خاص بالبعثيين من دون سواهم وحولوا جميع من ليسوا من فريقهم إلى أجراء مستضعفين لا حول لهم ولاقوة ولا موقع ولا دور في بلدهم. وما عليهم إلا الطاعة والاذعان.
أما الأساس القانوني الذي أقاموا عليه ملكيتهم هذه والذي ضمن ولا يزال يضمن لهم من دون منازع وضع اليد على جميع مراكز السلطة والمسؤولية فهو ببساطة المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع. ولذلك تبدو هذه المادة وكأنها صك تمليك حقيقي للدولة السورية ومن عليها لحزب البعث بقدر ما امتنعت عن تحديد فترة زمنية للولاية أو وضع شروط لممارستها أو مراجعتها، جاعلة من إرادة المالك المطلقة المرجع الوحيد لها، فحولت بذلك الولاية السياسية إلى ملكية عقارية تبيح لأصحاب السلطة القائمة التصرف بحرية كاملة بموارد البلاد وسكانها من دون الحاجة إلى تقديم حساب عن عملهم أو التماس أي ذريعة أو سند من الشرعية للبقاء في الموقع الذي أعطوه لأنفسهم أو تبرير استمرارهم فيه. إنها ولاية ثابتة وأبدية مكرسة بالدستور أي قائمة في جوهر العقد (هذا هو معنى الدستور) الذي يجمع بين السوريين وحكامهم أو قادتهم. فالبعثيون هم القادة ومن سواهم هم المنقادون.
أما الاستراتيجية التي ساعدت البعثيين على تحقيق هذا الهدف وحولتهم إلى سادة متميزين كما جعلت من بقية السوريين بمثابة أجراء منقادين ليس لديهم الحق لا في التعبير ولا في التنظيم ولا في التساؤل ولا من باب أولى في الاعتراض أو الاحتجاج أو المطالبة بالتغيير أو بتعديل الوضع القانوني الذي سقطوا فيه وكرسه الدستور فهي تكمن في تعميم الحالة الاستثنائية وتخليدها. فعقيدة الانقلاب على الأوضاع الطبيعية والعادية باسم الثورة ودحر الطبقات البرجوازية والإقطاعية هي المبدأ المؤسس والأم الحقيقية للحالة الاستثنائية الأعم والأشمل التي تضع الدولة والمجتمع معا تحت الوصاية الكلية وتلغي قوانين السياسة ونصابها. وفرض قوانين الطواريء والأحكام العرفية هو الأساس لبناء الحالة الاستثنائية في مجال القانون وتعليقه كليا لصالح القوانين الاستثنائية المعمول بها منذ اثنين وأربعين عاما. وإخضاع المحاكم العادية إلى سلطة المحاكم الاستثنائية كما تجسد ذلك محكمة أمن الدولة و المحاكم العسكرية والمحاكم الاقتصادية هو أساس فرض الاستثنائية على صعيد السلطة القضائية. وتقديم الولاء الحزبي على الكفاءة والأهلية في التعيين في مناصب الإدارة والمسؤولية هو تجسيد مبدأ الاستثناء في المجال الإداري أيضا حيث تحتل اللجنة الحزبية موقع السلطة الفعلية وتقصي من السلطة حتى النخبة التكنوقراطية أو الخبيرة إن لم تقض عليها انتقاما وإمعانا في تأمين الحماية المستقبلية. والسيطرة الآلية على الموارد الاقتصادية لمراكمة الريوع هو أساس بناء قاعدة الاستثنائية في الاقتصاد بما تعنيه من تكوين اقتصاد توزيع المغانم والامتيازات والمكرمات ومن ثم القضاء على القوانين الاقتصادية سواء ما تعلق منها بقوانين المنافسة الطبيعية أو بمعايير الكفاءة والعقلانية الاقتصادية. والمراهنة على الطبقة الزبائنية وتأمين وسائل إعادة إنتاجها عبر آليات الفساد هذه كبديل للمجتمع وفرضها على أي طبقة أخرى إنتاجية هو أصل الاسثتثنائية الاجتماعية. وتكليف المخابرات بالاشراف على ضبط العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الأفراد بدل القانون أو ضد القانون هو أكبر تجسيد لهذه الاستثنائية في مجال السياسة وما تعنيه من إخضاع سلوك الأفراد جميعا وتصرفاتهم في حياتهم العامة والشخصية لتقديرات أجهزة الأمن اليومية كما كشفت عن ذلك الدوائر الحكومية نفسها عندما نشرت قرار القيادة القطرية بإعفاء 67 حالة من الترخيص المسبق لأجهزة المخابرات بهدف إراحة "المواطن" وتخفيف وطأة أجهزة الأمن عليه. فلا يعني هذا الإشراف المباشر من قبل أجهزة الأمن على ممارسات يومية للأفراد من زواج وطلاق وافتتاح مكاتب عمل أو مطاعم أو مشاغل بل تعليم أطفال شيئا آخر سوى أن الحياة العمومية لا تخضع لقانون وإنما هي رهينة إرادة رجل المخابرات الذي لا يحكم موقفه من معاملات الناس ومصالحهم أي قانون موضوعي أو مكتوب أو منقول ولا يتحكم به سوى هواه الشخصي ومصالحه الخاصة. وإخضاع جميع النشاطات الفكرية والابداعية من عروض ومنشورات واتصالات ومحادثات، حتى اليومية منها، وكل أشكال التعبير والتصوير والتمثيل الأخرى، للرقابة الأمنية والسياسية والايديولوجية هي التجسيد لهذا الوضع الاستثنائي في مجال الثقافة أيضا حيث يحل القمع والزجر محل المناقشة العقلية والحوار والجدال وتحكيم الضمير الأخلاقي، أي محل التربية الانسانية، في تنظيم حياة الناس والأفراد الاجتماعية.
ليس هدف الاستثناء سوى إلغاء القانون، لا بمعنى النص الرسمي ولكن بالمعنى الأعمق الذي يحيل إلى قاعدة أو منوال عام وثابت ومعلن يسترشد به جميع الأفراد في سلوكهم مهما كانوا وأينما كانوا ويصاغ عليه الحكم القضائي ويبعده عن أن يكون محض هوى ذاتي ونزوة نفسية. وإلغاء القانون يعني بالضرورة استبداله بالإرادة التعسفية والاعتباطية للأشخاص الحاكمين وأصحاب المسؤولية. وبتعميم حالة التعسف والاعتباطية، وهذا هو بالمناسبة معنى "الفوضى البناءة"، على جميع مرافق الحياة العامة والخاصة معا نجح تحالف المصالح الفئوية مع الأجهزة العسكرية والأمنية في تحويل سورية من دولة مواطنيها إلى مزرعة تحكمها وتتحكم بها، باسم البعثيين ومن وراء حجاب البعث بما يرمز إليه من انتماء لعقيدة مثالية قومية وما يشير إليه من مباديء ايجابية، أرستقراطية جديدة هي أيضا استثنائية في رثاثة المصالح التي تمثلها وفي افتقارها لأي منظومة قيم اجتماعية أو إنسانية.
من هنا تشكل العودة إلى الحالة الطبيعية والإعلان عن نهاية الحقبة الاستثنائية في نظري جوهر العملية الاصلاحية المطلوبة في سورية تماما كما تشكل العودة إلى حكم القانون جوهر الخروج من الأوضاع الاستثنائية. فحكم القانون هو الشرط الأول لبدء مسيرة استعادة الدولة وضعها السياسي والمدني الطبيعي وتحولها من أداة خدمة المصالح الخاصة إلى دولة الخدمة العامة أي إلى أداة لخدمة المصالح الجماعية والعليا لجميع مواطنيها والعمل على محاربة التمييز في ما بينهم بدل تكريسه الراهن. ويبدو لي أن تأميم الدولة أي تحويلها إلى دولة الأمة هو شرط تخصيص المجتمع أو تأكيد خصوصيته وخصوصياته معا والاعتراف بحقوق أفراده وجماعاته، تماما كما أن تطبيع الحياة الوطنية بالعودة إلى دولة القانون هو أساس رد الاعتبار للسياسة بوصفها مشاركة المواطنين جميعا في تحمل المسؤولية في ما يجري في بلدهم سواء بمعنى القيام بالواجب والالتزام بالمهام الملقاة عليهم أو بمعنى الاعتراف بحق الفرد في أن يشارك في تقرير المصير الجماعي المشترك وعدم التنازل عن هذا الحق لغيره أو التخلي عنه. هذا هو ثمن إحياء الوطنية السورية والوقوف الفعال ضد إرادة الهيمنة الأجنبية وإطلاق حركة الإصلاح والتجديد الحقيقية.

vendredi, juin 10, 2005

المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث السوري

برنامج أكثر من رأي على الجزيرة الفضائية

/2005/6/10/

مقدم الحلقة: مالك التريكي
ضيوف الحلقة: - سامي الخيمي/ سفير سوريا لدى بريطانيا- برهان غليون/ مركز الدراسات الشرقية بجامعة السوربون- أيمن عبد النور/ رئيس تحرير نشرة كلنا شركاء
تاريخ الحلقة: 10/6/2005
- بروز قيادة جديدة وإصلاح أوضاع البعث- عوائق مكافحة الفساد في سوريا- اقتصاد السوق الاجتماعي واحتمالات الإصلاح- طبيعة الإصلاح السياسي السوري
مالك التريكي: السلام عليكم، لا يمكن لصيف دمشق عام 2005 أن يُوزَن سياسياً إلا بميزان ربيع دمشق عام 2000، أي أنه إذا صح أن التحرك نحو الإصلاح أو التطوير والتحديث هو تحرك داخلي نابع من حاجة أصيلة في الذات ولا علاقة له بالتطورات الإقليمية والضغوط الدولية إذا صح ذلك فإن نتائج مؤتمر حزب البعث الحاكم الذي أُختتم أمس الخميس لا يصح أن تُقيَّم إلا بمعيار المطالب التي أعلنها المجتمع المدني منذ خمسة أعوام>
لاسيما في بيان المثقفين التسعة والتسعين وتشمل هذه المطالب إلغاء العمل بقانون الطوارئ الساري المفعول منذ أكثر من أربعين سنة والإفراج عن جميع سجناء الرأي وجميع السجناء السياسيين ووضع حد لاحتكار حزب البعث للحياة العامة ولدواليب الدولة والسماح بالتعددية السياسية دون إقصاء لأي تيار أو أي حزب والسماح بحرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام وضمان استقلال القضاء استقلالا فعليا وكف أيدي المتنفذين الذين أثقلوا البلاد بالفساد والإفساد.
فما هو إذاً حُكم ربيع دمشق على صيفها؟ وهل من معنى فعلي على مستوى الممارسة السياسية لما يُسمى بتقاعد بعض رموز الحرس القديم وبروز وجوه جديدة تُحسب على تيار التجديد والإصلاح؟ وهل يمكن لسوريا أن تُعزز قدرتها على مجابهة النوايا الأميركية دون تحصين الجبهة الداخلية؟ وما هو السبيل لتحصين الجبهة الداخلية إن لم يكن بإطلاق جميع الحريات والانعتاق من منطق الدولة الحزبية التي يسد عليها الهوس الأمني كل الآفاق؟
هذه بعض من المسائل التي سيُعقد حولها الحوار مع ضيوفنا الكرام، من دمشق رئيس تحرير نشرة كلنا شركاء الإلكترونية السيد أيمن عبد النور وهنا في الأستوديو سعادة السفير السوري لدى المملكة المتحدة السيد سامي الخيمي، إضافة إلى الأستاذ في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة السوربون بباريس الدكتور برهان غليون، نستهل الحوار بعد الفاصل.
[فاصل إعلاني]
بروز قيادة جديدة وإصلاح أوضاع البعث
مالك التريكي: أهلا بكم من جديد أنتم تشاهدون برنامج أكثر من رأي وحلقة اليوم مخصصة لنتائج مؤتمر حزب البعث الحاكم في سوريا ونتوجه بالسؤال إلى السيد سفير سوريا لدى المملكة المتحدة السيد سامي الخيمي، البارز في نتائج المؤتمر هو بروز قيادة جديدة لا يقل عن تسعة أعضاء من القيادة الجديدة وجوه جديدة، السؤال المنطقي هل الوجوه الجديدة تعني الدخول في سياسات جديدة فعليا أم هي مجرد وجوه جديدة فقط؟
"خرج المؤتمر القطري بتوصيات جديدة لم يسبق له إقرارها، ومن المفيد بروز قيادة جديدة تحمل برنامجا جديدا"سامي الخيميسامي الخيمي - السفير السوري لدى بريطانيا: يعني لا أحد يأتي بوجوه جديدة من حيث المبدأ إذا لم يكن المؤتمر ينوي تطبيق سياسة جديدة وأنا متفائل الحقيقة في أن القيادة الجديدة سوف تعمل على الأقل على تنفيذ توصيات المؤتمر وهي توصيات جديدة إذ لم يسبق لنا أن خرجت توصيات بهذا الشكل من مؤتمرات حزب البعث في الماضي، ففي رأيي أن يعني من المفيد النظر إلى القيادة الجديدة على أنها تحمل برنامجا جديداً.
مالك التريكي: الدكتور برهان غليون.
برهان غليون - مركز الدراسات الشرقية بجامعة السوربون: ربما من المفيد مثل ما عم بيقول سعادة السفير، بس أنا بدي أقول إنه بالحقيقة ما فيه شيء جديد كثير بالشيء اللي طلع أولا، بمعنى كل ما اقترحه المؤتمر كان مكتوب ومعروف وأُشيع قبل انعقاد المؤتمر فيما يتعلق بتقييد أو بتحديد عمل نطاق استخدام مادة قانون الطوارئ، فيما يتعلق بتعدد للأحزاب أو بصيغة ما لخلق تعددية حزبية وفيما يتعلق بمحاربة الفساد وهو برنامج قديم، كان البعثيون يقولون كان النظام يقول نحن عندنا تعددية عندما كانت المعارضة تطالب بالتعددية يقول انظروا نحن لسنا حزب واحد نحن لدينا جبهة أيضا وكانوا يقولون أيضا منذ خمس سنوات..
مالك التريكي [مقاطعاً]: تقصد الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم تسعة أحزاب.
برهان غليون [متابعاً]: التقدمية الحاكمة، التآلف الحاكم وكانوا يقولون أيضا أن قوانين الطوارئ لن يُطبق سنتركه ولكن لن نطبقه والحال إنه في الخمس سنوات الماضية طُبق قانون الطوارئ كما لم يُطبق في أي فترة سابقة في تاريخ سوريا على كل حال وفي تاريخ البعث نفسه، الاعتقالات لا يقرأ الإنسان عن سوريا إلا أخبار الاعتقالات والإفراجات والاعتقالات والإفراجات.
ومن الاعتقالات الأخيرة الحقيقة هذا مشان الناس يعرفوا شو معنى قوانين الطوارئ قُتل أحد رجال الأمن في مسجد من المساجد في مدينة حِمص مسجد أبو زر وهو كان مشرف على أمن أو على الإشراف.. مراقبة المساجد واعتُقل.. واكتُشف من هو سلّم البوليس الأردني هرب الأردني القاتل وسلموه، لا يزال 16 طفل ومراهق معتقلين من أكثر من عدة أشهر ستة أو سبعة أشهر بدون ما يعرفوا أهلهن أي خبر عنهن على الإطلاق ولا شافوا المحامي ولا شافوا أهلهن ولا شافوا حدا هذا هو قانون الطوارئ، قانون الطوارئ يعني العسف المطلق، الشغلة الثالثة إنه الفساد، الفساد بدأ النظام السوري يتحدث بالفساد نظام البعث من 1976 من 1973 من حكومة الخلفاوي التي كان هدفها وبرنامجها الرئيسي هو بالضبط الفساد، عندما جاء الرئيس الجديد قبل أن يأتي برنامجه الرئيسي كان هو محاربة الفساد وبعد أن أتى برنامجه الرئيسي محاربة الفساد، طيب إذا أردنا فعلا أن نحارب الفساد لازم نطرح على أنفسنا ليه هالفساد ما حسينا نحاربه حتى الآن؟ شو هي العوائق اللي خليتنا ما نحسن ننجح في محاربته؟ أنا بأقول إذاً ما فيه شيء جديد لكن حتى بالشيء اللي خرج اللي ممكن يكون يُعبر عن رغبة حقيقية في إرضاء تيار إصلاحي داخل حزب البعث، أنا برأيي في محاولة لإرضاء التيار الإصلاحي داخل حزب البعث، لكن ليس لهذا علاقة إطلاقا بإصلاح الأوضاع السورية، هي نوع من إصلاح الأوضاع داخل حزب البعث، لكن حتى في هذا النطاق لازم نعرف الشيء التالي أولا حزب البعث العربي الاشتراكي ما هو اللي بيقرر سياسة سوريا بالرغم من إنه عنده المؤتمر القُطري حسب الدستور وهو حاكم..
مالك التريكي: مَن الذي يُقرر؟
برهان غليون: اللي بيقرر سياسة سوريا هي مجموعة المصالح الرئيسية التي.. سواء المصالح الاقتصادية أو أجهزة الأمن اللي والقوى العسكرية التي تمسك النظام وتسيطر على النظام، هي تستخدم الحزب كإطار لإضفاء المشروعية على قرارات تُتخذ سلفا وقرارات الحزب اقتراحات الحزب اتُّخذت سلفا وأُضفي عليها المشروعيات في إطار الحزب، إذاً عندما أقول ذلك أريد أن أقول إنه حتى هذه الاقتراحات لن تُطبق بالشكل التي اقتُرحت فيه، سوف يتم المساومة عليها من قِبل شبكات المصالح المتعددة، في شبكات أيضا داخل النظام متعددة ومتضاربة واللي الفاسد بده يدافع عن فساده والمستقل بده يدافع عن استقلاله فهيوصلوا حتى بهالأمور لحل وسط، يعني بمعنى هينزلوا السقف تماما.
مالك التريكي: في هذا الإطار بالضبط دكتور، في هذا الإطار بالضبط وأنا أتوجه بالسؤال لسعادة السفير في هذا الإطار سبقت انعقاد المؤتمر التوقعات وآمال كبيرة بدأت منذ خطاب الرئيس السوري يوم خمسة مارس أمام البرلمان بأن هذا المؤتمر سيكون نوعا من قفزة نوعية أو نقلة نوعية في الحياة العامة في سوريا، ثم هنالك نوعا من الجدل في الإعلام وانفتح الإعلام السوري على كثير من الأصوات وصارت حتى في التليفزيون نقاشات بين معارضين وممثلين للحكومة وأصوات مثقفين مستقين، كان هنالك نوع من الحركية التي رفعت سقف التوقعات، لكن بعد ذلك بقليل انخفض سقف التوقعات وظهرت ما يُسمى بالأصوات العقلانية التي تقول يجب ألا نبالغ في المطالب لأن ذلك سيصيب الشعب بخيبة أمل، هذا يندرج في صلب المنطق الذي ذكرت الذي هو منطق المساومة، الآن مسألة التوصيات عادة وهذا سؤال تقني ربما، عادة كيف المؤتمر ينتهي كل خمس سنوات ينتهي بإصدار توصيات ثم يُصار إلى تحويلها إلى مشاريع قوانين في البرلمان أم كيف يتم التنفيذ؟ ما هي الآليات؟
سامي الخيمي: يعني أنا أظن أريد فقط أن أُنبه إلى نقطة أساسية قبل أن أجيب على سؤالك وهي لو أن سوريا تُديرها المصالح لما كان عليها أي من أنواع الضغط اليوم لأن المصالح بطبيعة الحال لا تعرف مواقف سياسية وبالتالي ليس همها في خلق مواقف وطنية يمكن أن تسبب ضغوطا على بلد ما، فهذا يمكن أن يكون إثبات لجميع من يريد أن يعلم أن سوريا هي دولة عاقلة لديها قيادة سياسية وأن هذه الدولة شعبها عنده عدد من المتطلبات التي تنفذها الدولة والتي تنفذها القيادة وهذه المطالب هي مطالب وطنية وهذه المطالب تُسبب لسوريا كثيرا من الضغوط، لو أن المسألة فقط مسألة مصالح لما كان الأمر بهذا الشكل. بالنسبة لقضية التوقعات وسقف التوقعات أنت في الحقيقة على حق جزيء، فعدم رفع سقف التوقعات ليس سببه أننا لا نريد أن يصاب الشعب بإحباط وإلى آخره وإنما سببه أن طبيعة حزب البعث هو أنه حزب يُعطي توصيات، يعني هو ليس مسؤولا مباشرا عن التنفيذ بمعني أنه يقوم بطرح مجموعة من التوصيات، أي أنه يقول للجهاز التنفيذي إنني أنصحك بأن تأخذ هذه التوجهات وعليك أنت أن تقوم بالإجراءات تبعا لذلك، من هنا أنا أعود بالكلام حول ما قيل وأقول في..
مالك التريكي [مقاطعاً]: لكن المفروض.. أستسمحك سعادة السفير المفروض الآن أن هذا الأمر..
سامي الخيمي [متابعاً]: أصبح في يد الحكومة.
مالك التريكي: نعم حسب قول السيدة بثينة شعبان الناطقة باسم المؤتمر.
سامي الخيمي: تماما أصبح بيد الحكومة وبيد مجلس الشعب أو المجلس النيابي وعليهم في الحقيقة أن يسيروا في هذه الأمور جزئيا أو كليا، إذا ساروا جزئيا فهم لا يكونوا يُنفذون التوصيات وإذا ساروا بشكل كامل وإذا ساروا كليا فهم يكونوا قد نفذوا التوصيات.
مالك التريكي: لكن وأستسمحك مرة أخرى، لكن هنالك تداخل إلى حد الآن بين القيادة الحزبية وبين الحكومة، الأمر لم يتم الفصل فصلا تاما، لأن هنالك وزراء في وزارات السيادة لا تزال ممثلة في..
سامي الخيمي: لا شك في ذلك لكن عندما تأخذ الحكومة السورية قرارا معينا لا تقول إنني أُنفذ ما تقوله لي، يعني الحكومة حكومة مستقلة تأخذ قراراتها وذلك انسجاما عمليا مع ما يقرره الحزب حتى الآن. الآن نقول هل فعلا هبطت التوقعات؟ أنا لا أظن يعني إذا راعيتم وقرأتم بشكل عقلاني توصيات المؤتمر وإذا اعتبرناها فعلا أنها توصيات وليست أوامر تنفيذية فنرى في توصيات المؤتمر إبراز لدور الدولة الوطنية في فكر حزب البعث، يعني أنا لست بعثيا ولكنني أستطيع أن أتبين بأن..
مالك التريكي: ما الجديد في ذلك ما هو الجديد في ذلك؟
سامي الخيمي: الجديد في ذلك أنني أنا ما فهمته من ذلك أن التعامل بين الحكومة السورية وأي حكومة عربية لا يتم أو بلد عربي لا يتم إلا من خلال الحكومات ولا يتم التعامل مثلا بين حزب البعث وحزب البعث في بلد عربي آخر من خلال التنظيمات الحزبية يعني..
مالك التريكي: حزب البعث موجود في أي بلد عربي آخر باستثناء لبنان.
سامي الخيمي: كما وهو مستقل، افترض أن هناك حزب بعث في أي بلد عربي هو حزب بعث مستقل له سياسته الذاتية وعندما ينجح في الانتخابات أو ضمن النظام السياسي الذي يعيش فيه يستطيع أن يتعاون من الناحية السياسية مع حزب البعث في سوريا ولكن ليس هناك توجيها لحزب البعث في قطر عربي آخر أو في بلد عربي آخر، فهذا في الحقيقة فيه نقلة نوعية في طريقة عمل الحزب. هذا لا يعني على الإطلاق تخلي لا عن القومية العربية ولا تخلي عن الدور العربي للحزب، هذا يعني فقط أننا نحترم الدولة الوطنية، هناك أيضا..
مالك التريكي [مقاطعاً]: شكرا سعادة السفير، أسمع رأي السيد أيمن عبد النور وأعود إليك، أسمع رأي السيد أيمن عبد النور في دمشق رئيس تحرير مجلة كلنا شركاء الإلكترونية، سيد أيمن عبد النور هل تعتقد أن المؤتمر في توصياته قد وفى بالتوقعات الإصلاحية؟
أيمن عبد النور - رئيس تحرير نشرة كلنا شركاء: مساء للخير للصديقين في الأستوديو أولا، الحقيقة دائما خليني أنطلق من الكلمة التي قالها ذكرها السيد الرئيس عندما ذكر أمام مجلس الشعب القفزة الكبيرة، القفزة طبعا يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أنها تشمل جسم يضم اثنين مليون عضو وبالتالي اثنين مليون منتسب في حزب البعث عندما تطلب أن يُحققوا قفزة كبيرة بجسم يبقى مستمر وينتقل مع بعض ويحافظ على تماسكه من الطبيعي أن ما حصل ضمن هذا المعيار هو خطوة كبيرة حصلت القفزة الكبيرة، ليس كما ذكر الدكتور برهان غليون قبل قليل بأن ليس هناك أي شيء جديد وأن موضوع القضاء على الفساد ومحاربة الهدر وأن فصل الحزب عن السلطة جميعها وقد وردت في المؤتمرات السابقة، لكن أستطيع أن أُعدِّد عشرة قرارات جديدة تُطرح لأول مرة وتُتخذ في قرارات صادرة عن المؤتمر القُطري أولا إفساح المجال أمام قيادات شابة للتدرج وخلال.. لاحظنا لأول مرة أن من دخل القيادة القُطرية وبقي فقط دورة واحدة وهو ما يبث الأمل بروح الشباب الذين هم يُشكلون حوالي مليون عضو أقل من أربعين سنة عمرهم وهذه كافية لوحدها أن تُشكل طاقة كبيرة أيضا قانون توصية لإحداث قانون للأحزاب وهو أيضا جديد، أيضا لدراسة قانون انتخابات بدون لوائح سواء لمجلس الشعب أو لانتخابات الإدارة المحلية التي ستجري عام 2007، أيضا لأول مرة طرح إنهاء موضوع الأكراد وتطبيق قرارات التي ترتبت على إحصاء عام 1962، أيضا لأول مرة موضوع الاقتصاد وإنهاء موضوع الوارد في الدستور والطلب بتغير المادة 13 التي تنص أن اقتصاد السوق.. الاقتصاد في سوريا هو اقتصاد اشتراكي مخطط واستبدالها باقتصاد السوق مع المحافظة على الرعاية والدور الاجتماعي للدولة، أيضا بالدور التنظيمي لأول مرة تفعيل دور اللجنة المركزية التي كانت لا تجتمع نهائيا البارحة ركز السيد الرئيس في كلمته التي استمرت ثلاثة ساعات على أن تجتمع اللجنة المركزية وأن تتلقى جميع الطلبات من جميع قواعد الحزب التي تتناقش معها ومن ثم صياغة اقتراحات بشكل كل ستة أشهر والوصول إلى تفاعل كامل مع الجماهير وإرسال تلك التوجهات وهي توصيات ملزمة للحكومة وليست نصيحة للجهاز التنفيذي، هي توجهات وفقا للدستور أعلى السلطة سياسية، الحكومة هي الجهاز التنفيذي الذي يخضع لتوجيهات أعلى سلطة سياسية وبالتالي يمكن أن أعدد العشرات أيضا من الأمور الجديدة التي حصلت، يمكن خلال الحلقة أن نتحدث بالتفصيل عنها أكثر إذا رغبتم.
مالك التريكي: طبعا نحن سوف نتعرض للمحاور محاور الإصلاح الاقتصادي وفصل الحزب عن الدولة ومسألة السياسة الخارجية والتعامل مع الأحزاب التي تُعتبر خطوط حمراء بعد موجز الأنباء، بالنسبة للجناح هل تمثل أنت.. هل معلوماتي صحيحة هل تمثل ما يسمى بالجناح الإصلاحي في الحزب؟
أيمن عبد النور: الحقيقة الجميع هناك إجماع في أن يكون هناك إصلاح وهذا نتيجة رغبة وأيضا نتيجة حاجة ذاتية ضمن الحزب ذاته، بمعنى أنها ليست مفروضة من الخارج هناك حاجة ضمن الظروف الجديدة الإقليمية، لدينا أوروبا على حدودنا إذا تركيا بدأت مفاوضات الشراكة، لدينا أميركا على حدودنا أيضا، لدينا إسرائيل على حدودنا وبالتالي الظروف الدولية والعلاقات، توازن القوى الدولي والإقليمي اختلف، هناك واقع جديد من الطبيعي أن يلجأ الجميع إلى قراءة جديدة لأيدلوجيا الحزب لتطور أسلوب ممارسته، لفهم جديد لإمكانية عديد من الشعارات التي كان يرفعها الحزب أو التي الآن بعض منها ما زال صالح ويحتاج إلى تطوير وبعضها لم يعد صالح ولم يعد له وجود أصلا غير قابل للتنفيذ، لذلك هناك إجماع، المشكلة هي مستوى النضج يختلف بين الأفراد وفقا لاختلاف المستوى..
مالك التريكي [مقاطعاً]: إجماع وإصلاح داخل الحزب؟
أيمن عبد النور [متابعاً]: نعم طبعا هناك رغبة في الإصلاح داخل الحزب بحيث يكون هو النواة عندما يتماسك الحزب ويشكل جسم متماسك بنيوي كتلة واحدة يتخلص من هذا الترهل الكبير، من هذا الإحباط الذي ساد في عدد كبير من القواعد نتيجة بقاء عدد كبير من القيادات لفترات زمنية وبالتالي عدم التدرج وضخ أفكار ومبادرات جديدة في الحزب، الآن هذا كله يُفترض أن يكون قد انتهى من حيث بث دماء جديدة وإعطاء الأمل أن مبادرتك، عملك، نشاطك، نجاحك في ضمن الحزب وفي عملك الرسمي في ضمن جهاز الدولة هذا الذي يؤهلك أن ترتقي وهناك فرصة لأنه كل خمسة سنوات أو بشكل دائم ومستمر هناك انتخابات.
مالك التريكي: شكرا أستاذ أيمن عبد النور، سيداتي سادتي أنتم تشاهدون برنامج أكثر من رأي والحلقة مخصصة لنتائج مؤتمر حزب البعث السوري الحاكم، سوف نعود بعد موجز الأنباء.

[موجز الأنباء]
عوائق مكافحة الفساد في سوريا
مالك التريكي: أهلا بكم من جديد إلى برنامج أكثر من رأي وأنتم.. وحلقة اليوم مخصصة لنتائج مؤتمر حزب البعث الحاكم في سوريا. وأتوجه بالسؤال إلى السيد الدكتور برهان غليون، أتينا إلى مسألة الفساد ولكن بطريقة غير مباشرة، هي مكافحة الفساد ثابتة من ثوابت الخطاب الرسمي للنظام السوري وأصبحت مرتبطة شخصيا بالرئيس السوري الجديد حتى من قَبل أن يتسلم القيادة، حسب رأيك العوائق ضد تنفيذ هذه السياسة هي عوائق هيكلية في صلب النظام السوري؟
"الفساد في السلطة قائم بسبب سيطرة الحزب الواحد على مفاصل الدولة حتى صارت مؤسساتها أداة في يد الحزب يحقق من خلالها مصالحه وبالتالي أداة في يد المجموعة الصغيرة التي تُحرك الحزب"برهان غليونبرهان غليون: هو يعني أنا ما بأتساءل بأقول بأُنبه إنه لم تُناقَش إطلاقا داخل هذا المؤتمر المفروض هي وظيفته أسباب تطور الفساد واستمراره وعناده بالرغم من كل الإجراءات اللي الحكومي أو السلطات حاولت تقاومه فيها، ليش ما في تساؤل؟ لأنه تساؤل حول أسباب الفساد وصلنا للموضوع الأساسي اللي السوريين عم يعانوا منه بدون يحكوا فيه هذا هو المخبأ بكل المؤتمر، اللي هو طبيعة تنظيم السلطة داخل البلد يعني النظام القائم على ماذا قائم؟ قائم على الخلط مباشرة والتوحيد بين حزب واحد ولو كان له شوية حلفاء لكن حزب واحد وبين الدولة.
وبالعكس أكثر من ذلك استبدال الدولة بالحزب الدولة كمؤسسات هي صارت أداة في يد الحزب وبالتالي أداة في يد مجموعة المصالح التي تُحرك الحزب، الحزب أيضا تحركه مصالح. الآن عندما أنا أقوم بنظام أخلق فيه إطار القيادة القُطرية، مسؤولية قيادة الحزب، تتحكم بالسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، تُعيِّن القضاة كما تشاء وتُعيِّن.. وتحدد بالقوانين كما تشاء كما تفعل بالمؤتمر تقترح نُغير هذا القانون ولا نغير هذا القانون على أي أساس تقترح؟ هي القيادة تعطي لنفسها الحق كوصية على الشعب السوري ومع استبعاد الشعب السوري كله إنه نحن هيك بنشوف مليح الشعب السوري أما الشعب السوري ما له حق يحكي، فبده يقول نظام قائم على الاستبعاد المطلق لأي مشاورات شعبية، يعني لأي انتخابات جدية بيقول الشعب فيها رأيه، الاستبعاد النهائي لأية تعددية ولأي مراقبة تعددية فكرية وسياسية الناس تقول شو عم يجرى، الربط المطلق بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية بشكل إنه صاحب المصلحة اللي هو بالحُكم يستطيع أن يقرر ما يشاء وهو حقيقة ما يحصل، زائد السلطة البعثية خلينا نقول القيادة القُطرية بيدها أداة الدولة وبيدها المؤسسات التي أغرقتها بالبعثيين، مؤسسات الدولة مستعمرة للبعثية، إضافة لهالشيء بيدها أجهزة الأمن، أجهزة الأمن تُعيِّن ما تشاء وتُسيطر على ما تشاء بكل أنحاء سوريا ما في أي هامش حرية صغيرة للشعب السوري بالنقابات، بالمدارس الابتدائية، بالمدارس الثانوية كل القيادات حسب القانون اللي لم يُناقَش ولم يُغيَّر، حزب البعث قائد للدولة والمجتمع حسب هذا القانون جميع دوائر الدولة وجميع مناصب المسؤولية في أي ميدان كان من التعليم إلى الاقتصاد، إلى السياسة، إلى الدبلوماسية إلى.. إلى.. كله بيد البعثيين باستثناء طبعا أحيانا الاستفادة من بعض الخبرات عندما تكون الحاجة ضرورية أيضا لإعطاء وجه ثاني. إذاً كيف تريد لهذه الطبقة التي تملك كل السلطة وتدمجها ببعض وليس لديها رقيب ولا حسيب وتستطيع أن تُلغي القاضي اللي بيحكم ضدها وتغير القانون إذا ما مشي معها وتخلق القانون اللي بيتماشى مع مصالحها، كيف تريد لهؤلاء عندما يقضوا في الحكم أربعين سنة ولا ثلاثة وأربعين سنة أن لا يَفسدوا؟ قل لي حتى لو كانوا آلهة سيفسدوا لأنه متأكدين إنه ما حدا بيلاحقهم ومتأكدين إنه بيدهم السلطة ومتأكدين إنه في أي لحظة بيرفع واحد بينتقدهن واحد بيحطوه بالسجن وفي أي لحظة بينقدهن واحد بيحطوه بالسجن فهذا في قوة..
مالك التريكي [مقاطعاً]: طبيعة النظام يعني هي لا تُنتج إلا ممارسات؟
برهان غليون [متابعاً]: نظام الحزب الواحد والخلط بين الدولة والحزب والخلط بين جميع السلطات دمج جميع السلطات وإفلات.. إطلاق يد الأجهزة الأمنية من أجل ضبط المجتمع وتخفيض سقف الأمن إلى درجة ما عاد له معنى، يعني آخر قرار طلعته القيادة القُطرية فضيحة اللي بتقول فيه..
مالك التريكي: 67 حالة.
برهان غليون: إنه 67 حالة الذي..
مالك التريكي: لابد من تفسيرها لأنه هذه مفاجأة لكثير من الناس.
برهان غليون: شو معنى 67؟ إنه اللي بده يعمل حلاق لازم يأخذ موافقة الأمن، طبعا هذا معناتها إنه ما في قانون لأنه عادةً القانون هدفه إنه ينظم حياة ونشاطات السكان اللي بده يعمل تجارة بيروح حسب القانون إذا أخطأ القانون بيحاكموه، إذا أنا بأقول إنه المخابرات هي بتقرر معناتها ما في قانون، القانون ما بيقرر شيء معناتها الناس مش عايشين تحت سلطة قانون وإنما عايشين تحت سلطة مخابرات تحكم بدون قانون، يعني سلطة العسف والاعتباط المطلق، بقرار يعطوا لهذا رخصة ولهذا ما بيقرروا يعطوا رخصة، هذا هو جوهر الفساد مش فساد فقط بالسرقة، فساد.. المؤسسات نفسها ما عاد لها عمل، مؤسسات الدولة لا تعمل ما الذي حل محل مؤسسات الدولة؟
مالك التريكي: الأجهزة الأمنية.
برهان غليون: الأجهزة الأمنية من جهة وشبكات المصالح الولاءات، شبكات من الولاء، الولاء القبلي، العائلي المناطقي، الإقليمي إلى آخره.
مالك التريكي: ما قبل الدولة.
برهان غليون: ما قبل الدولة، حُيِّدت الدولة تماما وحُيِّد القانون وحُيِّد المجتمع وحُيِّد القضاء والناس عم يتصرفوا في بلد أنا بأقول بلد مزرعة بعثية بأي معنى مزرعة؟ مش للتشهير المزرعة بمعنى إنه أنا مالك هالأرض وأنا بأقرر شو لازم أعمل فيها، أنا البعثي ما أنت العامل عندي، أنت عامل عندي بأعطيك أجرتك وبيحصل أحصل لك شو.. إذا عملت مشكلة بأحسن لك شروط وجودك.
مالك التريكي: هو..
برهان غليون: لكن أنا صاحب المملكة أنا صاحب أنا ملكيتي المزرعة وأنا بأقرر شو فيها وما بأسأل عنك أنت شو رأيك لأنه أنت ما إنك صاحب.
مالك التريكي: هنا لمست عبارة ذكرها السيد الرئيس بشار الأسد في الخطاب الختامي الذي استغرق ثلاثة ساعات للمؤتمر قال إن طبعا ما زالت مبدأ أنه أن حزب البعث هو الحزب القيادي في الدولة والمجتمع ولكن الدولة ليست ملكا لحزب البعث وكأن..
برهان غليون: لأنه هو أدرك إنه الدولة حقيقة مثل حزب البعث وأنا بأقول للقانون هذا ثمانية رقم ثمانية اللي هو حزب البعث قائد للدولة والمجتمع هو بأقولها بسوريا (Taboo) هو قانون تمليك هو صك تمليك لسوريا كما هي وهاي هي المزرعة، صك تمليك لسوريا بمواردها وبشعبها لحزب البعث وللمتنفذين بحزب البعث.
مالك التريكي: سوف نأتي..
برهان غليون: هذا.. هاي القضية الرئيسية.
مالك التريكي: نعم.
برهان غليون: اللي نطوا عليها بالمؤتمر وقفزوا عليها وما حدا بيناقشها والباقي كله سامع..
مالك التريكي: سوف نأتي في محور فصل الحزب عن الدولة وأتوجه بالسؤال لسعادة السفير، مسألة الأجهزة الأمنية طبعا موجودة في أكثر الأنظمة العربية حتى أصبحت تُسمى الدولة العربية بالدولة الأمنية وهنالك كلام في الأدبيات السياسية عن الأمنوقراطية، سلطة الأمن وبصفة عامة صار الأمن موجود بشكل أمني (Present) في كل مكان، لكن الأمان بالنسبة للمواطن الموجود وهنا أُوَصِّف حالة عربية وليس الحالة سورية، لكن ما يُستغرَب أن المواطن البسيط عندما يريد أن يفتح فرن لبيع خبز، عندما يريد أن يقيم حفل زفاف، عندما يريد أن ينتسب لجامعة كان لابد أن يحصل على ترخيص من الأجهزة الأمنية، هنالك 67 حالة وحتى الصحفي الذي اللبناني الذي اغتيل أخيرا في لبنان..
برهان التريكي: سمير قصير.
مالك التريكي: سمير قصير كان آخر مقال له عن هذه الحالات الـ67 التي هي غريبة حتى بالمقاييس العربية، هل من تفسير؟
برهان غليون: حتى بالمقاييس السوفيتية.
مالك التريكي: السوفيتية نعم، هل من تفسير لذلك؟
سامي الخيمي: يعني أنا الحقيقة أجد أن هناك كثير من المبالغة في كل ما قيل.
برهان غليون: مبالغة؟
سامي الخيمي: الواقع أننا يجب ألا ننظر للخلف يجب أن ننظر للأمام، نحن هنا لنتحدث عن نتائج مؤتمر وَجّه بالإصلاح من جهة، فعلينا أن ننظر إلى التوصيات الإيجابية التي صدرت عن هذا المؤتمر وأن نُقيمها سواء أن كانت جيدة أو أقل من جيدة أو أفضل من جيدة، إذا كنا نريد باستمرار أن نعود إلى الماضي فهذا يعني من الصعب الجدال حوله، المسألة الواضحة في ذهني أن أولا مسألة الفساد، الفساد موجود في جميع أنحاء العالم، في الدول المتقدمة هو فساد محصور بالخاصة، في الدول المتخلفة هو فساد موزَّع بشكل أكبر وكلما ازدادت الدولة، دولة العالم الثالث، غِنى كلما زاد الفساد فيها وكلما ازدادت فقرا كلما انحصر الفساد فيها، عملية الفساد..
مالك التريكي [مقاطعاً]: أين توجد سوريا في هذا؟
سامي الخيمي [متابعاً]: يعني سوريا توجد على الغالب في موقع متوسط في مسألة الفساد وهذا الفساد الحقيقة يجب أن يُكافَح ولكن مكافحة الفساد ليست مسألة سهلة لأنه متغلغل في جميع المجتمعات وفي مجتمعنا أيضا هو متغلغل وأنت تجده تحت أشكال وأشكال..
مالك التريكي: هل توافق الدكتور برهان غليون أنه لم ما كان ليتغلغل لولا هذا التمازج والتماهي بين الحزب وبين الدولة وبين الأجهزة الأمنية، ليس هنالك فرق بين هذه الأطراف الثلاثة.
سامي الخيمي: طيب يا سيدي هناك دولة وهناك حزب وهناك أجهزة أمنية ليس هناك نفس الدولة ولا نفس الحزب ولا نفس الأجهزة الأمنية في جميع الدول العربية، هل تعرف دولة عربية لا يوجد فيها فساد أكثر من سوريا أو يساوي سوريا؟ يعني هل هناك دولة عربية استطاعت أن تضع حدا للفساد؟
مالك التريكي: لكن سوريا تتميز سعادة السفير بأن رئيسها هو الرئيس الوحيد الذي جعل من مكافحة الفساد ربما رمزا لعهده السياسي منذ البداية.
سامي الخيمي: لا ليس فقط ذلك في الحقيقة هو الرئيس ربما الوحيد الذي يملك نظرة حقيقية باتجاه الإصلاح والتقدم ويجب أن نعترف بذلك والشعب السوري هو أحد الشعوب المتقدمة في نظرته الاجتماعية والمتقدمة في نظرته إلى المنطقة وحقوق المنطقة ولذلك يُطالَب بواجبات أكثر ولذلك نحن نأمل أن تكون مكافحة الفساد مسألة متقدمة في سوريا ليس لأن الآخرين أفضل منا في هذا الموضوع ولكن لأننا نستحق وضعا أفضل من هذه الناحية يجب أن ننظر إلى الأمام، المؤتمر قال بتشديد قضية مكافحة الفساد وكلف القيادة الجديدة التي انتخبها بأن ترعى هذا الأمر وعليها أن تتابع هذا الموضوع، المؤتمر طالب بمراجعة قانون الطوارئ عندما نقول مراجعة فهذا يشمل كثير من الأشياء يمكن أن يُلغى قانون أنا لا أعرف يعني إنه من المبكر جدا أن نتصور ما سيجري، يمكن أن يُلغى أو يُعدل أو يُستبدل بقوانين أخرى أو يُحصر في ميدان معين، فمسألة المراجعة مسألة هامة جدا وطالب بها المؤتمر، المؤتمر طالب باقتصاد السوق هذا ليس.. خليني أكمل..
مالك التريكي: اقتصاد السوق..
سامي الخيمي: المسألة ليست مسألة بسيطة لأن الصناعيين السوريين لأن قضية الإصلاح الاقتصادي مسألة هامة جدا يعني نستطيع أن نصرخ صباح مساء بحرية الرأي ولكن عندما لا تكون الثروة موزعة بشكل جيد في المجتمع لا يعرف المجتمع كيف يمارس حرية الرأي، يصطدم ببعضه البعض، الإصلاح يتم على جميع المستويات في آن واحد، فالحكومة مثلا قبل المؤتمر وأثناء المؤتمر قامت بتمرير عديد من الإصلاحات كل المقترحات، كل المقترحات الصناعية التي قُدمت للحكومة في الشهرين الماضيين وُوفِق عليها مباشرة ومنها تشجيع الإنتاج وتخفيض الضرائب وتخفيض الجمارك وتحويل الأموال وتحويل الأرباح وإلى آخره، فهناك الحقيقة..
مالك التريكي [مقاطعاً]: هذه منتظرة من زمان تخفيف الضرائب منتظر منذ زمان، مثلا تخفيف الضرائب على توريد السيارات من 250% إلى 100% ليس شكل..
سامي الخيمي [متابعاً]: منتظر أو غير منتظر؟ هل هذا شيء إيجابي أو شيء غير إيجابي؟
مالك التريكي: أه طبعا.. طبعا.
سامي الخيمي: يعني هل كلما قامت هذه الدولة يعني هل سنصبح مثل الإدارة الأميركية، مهما فعلت سوريا.. مهما فعلت فهي متهمة بأنها لم تفعل يعني هذا غير معقول.
برهان غليون: يعني أنا بأتأمل..
سامي الخيمي: يعني على الأقل نحن كسوريين يجب أن ننظر إلى المسألة الإيجابية في توصيات المؤتمر بشكل إيجابي لأن على المجتمع أن يتعاون مع بعضه البعض من أجل الوصول إلى مجتمع متطور، يعني نحن نؤمن أن عملية الإصلاح والتطوير في سوريا يجب أن تجري بشكل هادئ وليس بشكل عراكي في كل الوقت.
مالك التريكي: طيب هذه المسألة سعادة السفير..
سامي الخيمي: أُذكرك أيضا أن المعارضة في سوريا مثلا حتى الآن حتى الآن وقلت ذلك للأستاذ برهان قبل أن نبدأ الحديث المعارضة حتى الآن في سوريا لا تملك برامج لأنها تشعر بأنها بعيدة عن الحكم ولذلك اكتفت حتى الآن بتوجيه النقد، يعني كلما أخطأت الحكومة في شيء أو لم تخطئ أو خلفناها في شيء فنحن ننتقد هذا الأمر، لكن إذا سألت أي معارض سوري ماذا تريد يقول لك أريد حرية الرأي، أريد حرية تشكيل الأحزاب، المؤتمر قرر حرية تشكيل الأحزاب لكن إذا سألت..
مالك التريكي: طبعا سوف نأتي لكن بشروط كثيرة على النموذج العربي أريد أن أسمع رأي..
سامي الخيمي: طيب يا سيدي إذا سألته أيضا ماذا تريد غير ذلك قبل أيمن.. معلش ماذا تريد غير ذلك ماذا تريد غير ذلك؟ هل لديك برنامج اقتصادي يقول لك لم أدرس ذلك بعد هذا..
برهان غليون [مقاطعاً]: هذا غير صحيح.. هذا غير صحيح كل الأحزاب عندها برامج سياسية سعادة السفير تستطيع أن تقول ما تشاء لأنك حر على التليفزيون لكن هذا غير صحيح كل أحزاب المعارضة عندها برامج؟ مش صحيح.
سامي الخيمي [متابعاً]: وين البرامج؟
برهان غليون: كلها أنت ما بتقرأ.
سامي الخيمي: قرأت برنامج واحد فقط هل قرأت غيره.
برهان غليون: هلا أقول لك..

اقتصاد السوق الاجتماعي واحتمالات الإصلاح
مالك التريكي: سيد أيمن عبد النور في دمشق انتقلنا من مسألة مكافحة الفساد إلى الإصلاح الاقتصادي والأمران مرتبطان، طبعا ما أقره المؤتمر التوصية هو انتهاج اقتصاد السوق الاجتماعي هذه لابد لها من تفسير خاصة أن ما يُعرف باقتصاد السوق الاجتماعي هو ما كانت تنتهجه ألمانيا الفدرالية قبل التوحيد فلابد من التفسير، ما هو بالضبط اقتصاد السوق الاجتماعي؟
أيمن عبد النور: لو سمحت لي بس أحب في قبل هذا الموضوع لأن هناك موضوع أهم أن أُعقب على ما ذكره الدكتور برهان غليون الذي يتميز مع جميع المثقفين المقيمين خارج سوريا بهذا الخطاب الحقيقة العاطفي المتماسك الذي يُدغدغ شعور المتلقي على جهاز التليفزيون، لكنه وجزء كبير منه صحيح لكن قبل عَقد من الزمن، اليوم أستطيع أن أرد على جميع تلك النقاط فعن موضوع نقطة الفساد أحد أهم التوصيات إحداث هيئة مستقلة لدراسة أسباب الفساد ومكافحته ومراقبة عدم انتشاره وتفعيل دور المراقبة الحزبية والحكومية على جميع أشكال وبؤر الفساد لأنه الفساد لا يُقضى عليه بمرسوم صغير يوقع طرح أيضا موضوع أن هناك حزب واحد..
مالك التريكي [مقاطعاً]: هل يتضمن ذلك المساءلة والمحاسبة والعقاب أستاذ أيمن؟
برهان غليون: لا وممن تتكون اللجنة من البعثيين وغيرهم وأصدقائهم..
"اقتصاد السوق الاجتماعي في سوريا يعني استخدام آليات اقتصاد السوق من أجل دمج الاقتصاد السوري في الاقتصاد العالمي مع المحافظة على الدور الاجتماعي للدولة "أيمن عبد النورأيمن عبد النور [متابعاً]: صحيح طبعا هذا تم التأكيد عليه في جميع اللجان الثلاث السياسة والاقتصادية والتنظيمية، أما بالنسبة إلى موضوع المراقبة الفكرية الذي طرحه الدكتور برهان تم طرح توصية لإحداث مجلس أعلى للإعلام يتبع السلطة التشريعية مستقل عن السلطة التنفيذية يضم كافة رؤساء تحرير الصحف من الرسمية والقطاع الخاص وبالتالي يكون مستقل ويراقب بشكل جدا ممتاز، طرح أيضا موضوع أن القُطرية أصبحت مستعمرة بعثية جميع مؤسسات الدولة لها، أؤكد أن سعادة السفير الذي بجانبه السفير السوري في لندن والسفير السوري في الولايات المتحدة أهم عاصمتين هما مستقلين ليسا أعضاء في حزب البعث وهناك كثير من أهم المناصب الآن في سوريا جميعها ليسوا أعضاء في حزب البعث والحكومة المقبلة التي ستُشكل خلال شهر في سوريا عدد الوزراء المستقلين الآن سبعة هناك ما يُشاع الآن سوف يتم مضاعفتهم بحدود بين 12 إلى 14 وزير من خارج حزب البعث.
أيضا طرح موضوع أجهزة الأمن أنها تُسيطر على ما تشاء حقيقة هناك دراسة جدا مهمة خلال أيام سوف يتم إعادة توزيع مكاتب في القيادة القُطرية وسوف يكون هناك قفزة في موضوع ضبط جميع أجهزة الأمن في سوريا تحت جهاز أو تحت إدارة موحدة للتعامل مع المواطن بشكل مباشر وخلال أيام يُفترض أن يتم الإعلان عنها. أيضا طرح موضوع شبكات الولاء، شبكات الولاء صحيح تُبنى بالتقادم الزمني من خلال بقاء أشخاص في مناصبهم لفترات طويلة وبالتالي مما يتيح لهم زرع أشخاص محسوبين أو أزلام لهم ليكون لهم الولاء فقط لهؤلاء الأشخاص ويبنون شبكات الولاء والفساد، الآن في ظل تغيير معظم أعضاء القيادة القطرية وتغييرات كبيرة في كافة الأجهزة الأمنية العام الماضي تغيرت جميع الأجهزة الأمنية وبالتالي تغيرت جميع الأشخاص الذين لهم شبكات الولاء التغيير المستمر أيضا في الحكومة يعني أنه لم يعد هناك من قد بقي في موقعه لفترات طويلة تسمح بتراكم شبكات الولاء كما ذكر. أما بخصوص موضوع اقتصاد السوق الاجتماعي كنت في ألمانيا بدعوى من وزارة الاقتصاد والعمل..
مالك التريكي [مقاطعاً]: من فضلك أستاذ أيمن لو نمر إلى مسألة الإصلاح الاقتصادي الآن.
أيمن عبد النور: أمضيت 15 يوم بشهر نيسان حقيقة اقتصاد السوق يعني اقتصاد السوق الاجتماعي وفقا لما ورد في التقرير الاقتصادي في سوريا يعني أن استخدام آليات اقتصاد السوق من أجل دمج الاقتصاد السوري في الاقتصاد العالمي مع المحافظة على الدور الاجتماعي للدولة من خلال رعايتها للثقافة، للصحة، للتربية، للتعليم العالي، لتخفيض رسوم القضاء وبالتالي المحافظة أيضا على ملكية القطاع العام الناجح أما القطاع العام الذي بعد أن يثبت فشله من خلال تغيير إداراته..
مالك التريكي: يعني لن تتم خصخصة أهم المؤسسات؟
أيمن عبد النور: ويثبت أن السبب الأساسي فيها هي الإدارات يمكن إيجاد أشكال مختلفة له للمحافظة على العمال وبالتالي سوف تبقى الدولة ترعى الجانب الفقير لأنه اقتصاد السوق دائما منحاز للأغنياء والجانب الأكبر من الأغنياء وهو نظام غير عادل، المطلوب إذاً وفقا للتوصيات الصادرة..
مالك التريكي: يعني يستقيم انتهاج السوق الاجتماعي مع المحافظة على شعار الاشتراكية الذي هو أحد الشعارات الثلاثة لحزب البعث.
أيمن عبد النور: الاشتراكية كلمة هي وعاء كبير لا تعني طبعا الشكل الماركسي أو اللينيني تعني العدالة الاجتماعية، تعني تكافؤ الفرص، تعني المساواة أمام القانون، تعنى تأمين الدولة فرص عمل بشكل أو خلق الآليات لدعم القطاع الخاص والقطاع العام لتأمين خلق زيادة في فرص العمل أمام المواطنين لأجل تخفيض معدلات البطالة، إذاً هذه كلها أيضا العمل على تغيير حتى ما يتعارض مع اقتصاد السوق الاجتماعي المادة 13 في الدستور، أيضا تغيير المواد في دستور حزب البعث العربي الاشتراكي التي تتعارض مع هذا التوجه، أيضا تم إلغاء مرسومين صادرين بالستينات يقضيان بمحاكمة مَن يقاوم مناهضة الأهداف الاشتراكية وإحالته إلى محكمة أمن الدولة أو مناهضة الثورة وأبعاد الاقتصاد الاشتراكي هذه تم إلغائها، بمعنى أن الفهم جديد لموضوع الاشتراكية حتى مفهوم صراع الطبقات تم استبداله بمفهوم تنافس الطبقات.
مالك التريكي: شكرا أستاذ أيمن عبد النور في دمشق، أتوجه بالسؤال للدكتور برهان غليون الوضع الاقتصادي في سوريا وضع صعب دخل الفرد السنوي لا يتجاوز ألف دولار، هنالك بين مائتين وخمسين ألف وثلاثمائة ألف شاب يفدون إلى سوق العمل كل عام الموارد، موارد الدولة أكثرها من النفط والنفط آيل إلى النضوب في حدود 12 سنة، صندوق النقد الدولي موقفه.. والبنك الدولي موقفهما من سوريا ليس جيدا بحكم موقف واشنطن، هل في وسع النظام أن يُركز على الإصلاح الاقتصادي فقط على ما يُسمى بانتهاج ما يسمى بالنموذج الصيني يعني الانغلاق السياسي مع الانفتاح الاقتصادي في مثل هذه الظروف؟
برهان غليون: لا هو هنا أيضا المسألة الجوهرية النظام بدأ بمفهوم الإصلاح الاقتصادي على الطريقة الصينية من خمسة سنوات على الأقل بمؤتمر قُطري ما عم بنقول بمؤتمر الحكم بمؤتمر قُطري يناقش ما هي العقبات التي وقفت أمام تطبيق النموذج ولماذا لم ينجح؟ لماذا لم تأتِ الاستثمارات؟ لماذا لم يتطور سوق العمل؟ لماذا إذا.. إلى آخره. السبب الحقيقي هو بنرجع كمان للنظام وبنرجع لطبيعة النظام كيف تريد للمستثمرين سواء كانوا السوريين أو الأجانب أن يأتوا ويستثمروا ببلد ما فيه أي ضمانات دستورية، في بلد ما فيه أي أفق ومستقبل حتى معروف كيف تتداول السلطة في مستقبل في بلد وصل إلى طريق مسدود مع الدول الكبرى ومقاطعة تقريبا من قِبل المجموعة العربية والمجموعة الدولية؟ ما فيش اقتصاد بدون سياسة، هلا بدي أرجع لبعض النقط لأنه الاقتصاد اسمه بالعصر الحديث هو الاقتصاد السياسي، ليه سموه اقتصاد سياسي؟ لأنه ميزوه عن الاقتصاد المنزلي، الاقتصاد التافه اللي كان القديم قبل ما يصير العالم رأسمالي وقالوا سياسي جوهره سياسي والمستثمرين ما لهم هن رؤوس أموال مجرد أموال المستثمرين هم بشر، لهم مصلحة ولهم أفق وبيفكروا سياسي وبدهن يشاركوا بالسلطة عشان يستثمروا، بدهن يعرفوا إنه هذا البلد شو بده يصير وبده يكون، ما بيصير إنه أنت تفكر تضحك على العالم يعني إنه أنا هنا مالك كل شيء أنا مالك المزرعة وأنتم بتيجوا تشتغلوا عندي وأنا بأستفيد منكن، ما حدا بيعمل.. هذا مو شغل طبقة رأسمالية هذا شغل الناس اللي فعلا عم يستفيدوا بالبلد واللي عم يستثمروا اللي هن اضرب واهرب، بمعنى إنه بيخدوا مصالح بسرعة مشان يُسرعوا الدولة، هلا بدي أرجع لبعض النقاط أنا ما قلت إنه المؤتمر باقتراحاته وتوصياته ما عمل شيء، أكيد عمل أكيد يعني أفضل من قبل، لكن أنا بأقول إنه اللي عملوا كإصلاح هو نوع من سقط العتب بيقولوا عندنا سقط عتب، يعني باللغة العربية سقط عتب، يعني عملنا من قريبه الأول الشيء اللي ممكن ما حدا يتهمنا إنه ما عملنا شيء لأنه إذا ما عملنا شيء كارثة تحت الضغوط الأجنبية والداخلية وإلى آخره، فعملنا شيء بنفس الوقت غامض بنحسن نلعب فيه بس تغيرت الأحوال بالطريقة اللي بتناسبنا، أنا هذا اللي خيفان منه لسببين، السبب الأول إنه لو كان هالشيء حصل من خمسة سنين أو من ست سنين بنقول لسه عندنا فضاء اليوم ما عندنا فضاء، سوريا ما بتحسن تضيع وقت كمان خمسة سنين، ضيعنا خمسة سنين اليوم نحن حساباتنا سريعة كثير، ما كافي لأنه في قنابل موقوتة اليوم على طريق سوريا، يعني بوجه الشعب السوري ثلاثة، القنبلة الأولى هي قنبلة اجتماعية حضرتك تحدثت عن حق وعكس ما قالوه الإخوان عن مسألة العدالة الاجتماعية ومسألة الفقر والبطالة اليوم الإحصاءات الاقتصادية المسؤولين بيقولوا في 20% من قوة العمل بالبطالة، منظمة العمل العربي بتقول في 30% باطلين عن العمل، البنك الدولي بيعطي رقم 37% كل واحد حسب المعايير اللي بيحطها 37% باطلين عن العمل، 5% من السكان بيستفيدوا من 50% من الدخل القومي، هذا ما حصل في إطار برجوازي ورأسمالي ونظام رأسمالي حصل في نظام اشتراكي ولذلك اللي بيحكي عن الاشتراكية عشان يدافع عن الفقراء والفلاحين بيشوف إنه عم يكذب على الشعب يعني لساته عم بيكذب. وأنا برأيي مشكلتنا مع الإخوان هي إنهن بدهم يظلوا يبيعوا أوهام للناس يعني بدون أي أفق نقدي يشوفوا مستقبل البلد، ما بيهمهم مستقبل البلد بيهمهم مستقبل الحزب، بيهمهم مستقبل النظام، نحن ما بيهمنا مستقبل النظام بيهمنا مستقبل البلد، فبدي أكمل إذا سمحت لأنه حكوا كثير بالموضوع، على المستوى الاجتماعي قلت في قنبلة اجتماعية، البطالة اليوم التقديرات المحلية بتقول مليون وكل سنة بينضاف لهم أكثر من مائتان ألف، مستوى الدخل مع الركود الاقتصادي مع انخفاض ريع النفطي اللي هو صار معروف، مع خروج العمال من لبنان، مع ذهاب سوق العراق إلى آخره، مع الحصار الاقتصادي اللي هيزيد لأنه الأميركان عم يقولوا بدهم يزيدوا الحصار معناتها فيه قنبلة اجتماعية موقوتة إذا ما أحسنا نقوم بعمل جبار عشان نطلق ديناميكية الاستثمار وخلق فرص العمل ما بتكفي الإصلاحات الجزئية، ما حد يجر حدا وإذا ما جريت حدا من هون لسنتين بنكون خسرنا خسارة كبيرة هاي على المستوى الاقتصادي، في قنبلة خطيرة جدا على المستوى الدولي اليوم سوريا وصلت بسبب دبلوماسية..
مالك التريكي [مقاطعاً]: أستأذنك دكتور برهان غليون لأن لنا فاصل، نأخذ الفاصل ونعود إلى المستوى.. النقطة هي هنالك قنبلة موقوتة على المستوى الدولي يعني حتى لا ننسى، سنكمل بعد فاصل سيداتي سادتي أنتم تشاهدون برنامج أكثر من رأي وحلقة اليوم مخصصة لنتائج مؤتمر حزب البعث الحاكم في سوريا سوف نعود بعد الفاصل.
[فاصل إعلاني]
مالك التريكي: أهلا بكم من جديد سيداتي سادتي أنتم تشاهدون برنامج أكثر من رأي وحلقة اليوم مخصصة لنتائج مؤتمر حزب البعث الحاكم في سوريا، دكتور برهان غليون ذكرت ثلاثة مخاطر تواجه سوريا أتيت على تفسير القنبلة..
برهان غليون: سوريا القنبلة الثانية قنبلة وطنية خلينا نقول وطنية بمعنى تمس المصالح الوطنية العليا، سوريا مهددة رسميا وعلنا وبشكل يومي من قبل دولة عظمى هي الولايات المتحدة، أكبر أعظم دولة، بالمحاصرة وبالعقوبة ومتهمة بسياستها وكل يوم في تصريح أميركي لتهديد سوريا أوروبا..
مالك التريكي: آخرها قبل حوالي ساعة كان من الرئيس بوش.
برهان غليون: يوميا ضغوط مستمرة يوميا وناجحة إلى حد ما، بمعنى إنه الأوروبيين ماشيين مع الأميركان، العرب ماشيين مع الأميركان بعكس ما بيقول أي إنسان ثاني ساكتين وعم ينتظروا شو بيقولوا لهم للأميركان ثلاثة أرباعهم، إذاً في خطر حقيقي خارجي لأنه الأميركان قادرين إنه يضغطوا وقادرين يزيدوا العقوبات الاقتصادية مشان كمان يفجروا القنبلة الثانية وقادرين أيضا يتدخلوا تدخلات لزعزعة الاستقرار بمائة طريقة، فهذا بيخلق جو من التوتر العميق عند الناس، الشعب السوري وعند جميع طبقاته وعند المستثمرين، بمعنى أنه أنا ماني عرفان شو مستقبل هالبلد ما حدا بيستثمر بإطار بلد محاصَر وماشي ما حدا عرفان شو مستقبله هاي اثنين، القنبلة الثالثة هي بالحقيقة قنبلة انعدام ثقة الناس اليوم بالأمن، في تدهور حقيقي لمسألة الأمن من جهة الناس ما عاد شاعرين إنه الأوضاع مستقرة وإنه في خطر بالمستقبل ومن جهة ثانية بدل ما نخفف السلطة عنهن أجهزة القمع زادت من.. أجهزة المخابرات زادت من تدخلاتها، ففي خوف قلق زائد على المستقبل عند الشعب السوري يقابله ضغط أكثر وقمع أكثر من قبل المخابرات هذا هو المزيج الانفجاري، هذا اسمه مزيج انفجاري، أنا حاسس إنه أنت ما أعطتني شيء وأنا عم أختنق وبدل ما تسعدني إنه أتنفس بتضغط علي وبتضربني وبتحبسني وإلى آخره، فعم في ثلاثة قنابل المؤتمر القُطري كان لازم يجاوب عليها هذا اللي أنا عم بأقوله، اللي عم أقوله شو يعني بمعني كان لازم في إشارات قوية جدا لحتى تحسن تخرج من الوضع وتواجه التحديات اللي مش إنه بأقول أنا إنه عندكم وبنعمل لجنة مين حيشكل اللجنة حيشكلوا اللجنة البعثيين وحيشكلوها أنصارهم والناس التابعين والناس اللي بدهم يلاقي النظام إلى آخره شو هيستفيد من الكل إذا بدك تخرب شغلة شكل لها لجنة، بس بدي أقول اليوم ما عندها وقت سوريا تضيعه كمان عشرين سنة وتكتشف إنه خمسة سنين وإنه ما صار شيء، كان لازم رئيس الدولة بوصفه السلطة العليا للبلاد يعمل إعلان رسمي صريح أولا بإلغاء الحالة الاستثنائية اللي موجودة فيها سوريا من عام 1980 على الأقل، حالة منطق صراع بين النظام وبين المجتمع وتقييد مطلق للمجتمع، تقييده في جميع.. ما بتعمل شيء السلطة إلا عشان تقيد المجتمع فكريا وسياسيا ونقابيا، المجتمع مشلول شل النظام المجتمع للحفاظ على نفسه هذا كان له مسببات في الماضي اليوم إذا ظل المجتمع مشلول ما بيصير شيء، لازم يعمل إذا كان إشارة قوية باتجاه إسقاط نظام الوصايا البعثية هذا كان إلغاء القانون رقم ثمانية وإعلان الحريات العامة مثل إعلان عهد الأمان اللي حصل في الدولة العثمانية، كل المواطنين متساويين والبعثيين ليسوا أفضل من غير البعثيين وليس لهم امتيازات، عندما تُكرس الامتيازات بالدستور ليش المواطنين التانيين غير البعثيين أنصاف المواطنين أرباع مواطنين، ليش البعثيين بيحل لهم يعملوا مؤتمر يطنطن فيه العالم كله كل وسائل الإعلام والآخرين مضطرين إنه يروحوا يعملوا لقاءات بصالونات فردية ويضغط عليهم المخابرات وكل يوم تهددهم ويُمنعوا من حرياتهم، هاي.. لازم كان يعمل إشارة قوية للدول الكبرى وللدول العربية إنه سوريا مستعدة بطريقة ثانية لأنه تفتح مفاوضات حول كل المسائل إلى آخره، كان لازم يعمل إشارة قوية فيما يتعلق بمحاربة الفساد يقول تشكيل مجلس وطني مكون من جميع عناصر المعارضة والحكم لمراقبة الصفقات الدولية لمين عم تنعطى لمراقبة القوانين الاقتصادية وتطبيق القوانين إلى آخره، كان لازم يعمل إشارة قوية للمعارضة السورية يُبين إنه يحترم أطراف الشعب الأخرى ولو أقلية، لأنهن أقلية لأنهن مش أقوياء كان لازم يعطيهن إشارة قوية جدا وخاصة بيقول إنه بيقولوا إنه البعثيين عندهن مليونين إذا عندكن مليونين عاملوا المعارضة كأهل الذمة على الأقل مثل أهل الذمة، اعترفوا فيهن قولوا في معارضة ولا إشارة لمعارضة ولا إشارة لحوار ولا مد يد نحن حاكمون وسنبقى حاكمين وسنقضي عليكم.
مالك التريكي: دكتور تم حوار في هذه النقطة دكتور برهان لكن تم تصنيف المعارضة إلى معارضة وطنية ومعارضة غير وطنية وذكر..
برهان غليون: لكن بدون اعتراف.
مالك التريكي: وذُكر ولو أنه لم يذكر بالاسم وهنا سأسمع رأي الدكتور أيمن ذُكر أن المعارضة التي تستقوي بالخارج وذُكرت أسماء غير.. لا تُعتبر في.. ليست طرف في الإجماع الوطني لكن المقصود أظن زيادة على الأحزاب الكردية غير المعترف بها.
برهان غليون: إذا سمحت..
مالك التريكي: المقصود هو الإخوان المسلمون يعني هذا هو المخاطَب السياسي.
برهان غليون: طيب بس أكمل بهاي النقطة.
مالك التريكي: نعم.
برهان غليون: ليقل كان البيان يقول نمد أيدينا إلى المعارضة الوطنية وأننا مستعدين لفتح حوار مع الوطنية حد عم ينادي.. في حدا في سوريا بيؤمن بالمعارضة غير الوطنية، ثانيا هذا كمان شغلة.. الإخوان المسلمين القانون 49 اللي بيحكم بالإعدام هذا قانون بربري ما ممكن دولة ذات قانون وذات دستور وحديثة تقبل فيه، كل واحد بسبب انتمائه إلى حزب يعني بسبب أفكاره يحكم بالإعدام هذا هما نفسهم اللي البعثيين كانوا عم بيقولوا قبل المؤتمر إنه هيزيلوه لأنه شيء يعني فضيحة فلم يُزل هذا أيضا القانون.

طبيعة الإصلاح السياسي السوري
مالك التريكي: هنا أسأل السيد أيمن عبد النور في هذا الإطار مسألة التعامل مع الإخوان المسلمين وهذا طبعا مشكلة مطروحة في كثير من البلدان العربية مثلا سُمِح الآن توصيات المؤتمر السماح بالتعددية الحزبية لكن على شرط عدم السماح بإنشاء أحزاب على أساس ديني أو عرقي أو طائفي وهي وصفة طبعا لإعادة إنتاج النموذج العربي الذي يستبعد كثير من أطرافه الفاعلة وأغلبها الآن هي أطراف إسلامية، تم مثلا اعتقال قبل مدة اعتقال أعضاء في مجلس إدارة منتدى الأتاسي بسبب أن ضيف أحد ضيوفها السيد علي العبد الله أظن قرأ مجرد قرأ رسالة وجهها السيد صدر الدين البيانوني مراقب جماعة الإخوان المسلمين في سوريا إلى هذا المنتدى، مجرد قراءة هذه الرسالة أودت به إلى السجن مع أعضاء آخرين، هل ترى أن الإصلاح السياسي في سوريا وصل إلى حد شجاعة الاعتراف بأن هنالك أطراف أخرى لابد من التعامل معها لأنها تشكل جزءاً من المجتمع السياسي السوري وأهمها جماعة الإخوان المسلمون؟
أيمن عبد النور: الحقيقة وردت جملة ترد على ما ذكره الدكتور برهان وردت في كلمة الرئيس الافتتاحية للمؤتمر الانفتاح على القوى الوطنية وهو ما يعني جميع القوى الموجودة سواء في سوريا أو خارجها من المعارضة الوطنية التي لا تستقوي بالخارج وتم تمييزها ضمن النقاشات التي جرت في المؤتمر مع مجموعتين، المجموعة الأولى وهي الأحزاب التي موجودة على الأرض وتعمل انطلاقا من أرض الولايات المتحدة إضافة لجماعة الإخوان المسلمون، الحقيقة هناك قانون مدني سُن في مجلس الشعب السوري عام 1980 قانون رقم 49 يَحظر الانتماء ويحكم بالإعدام على المنتسبين أو المتعاملين أو مُروِّجي نشاطات أو الذين ينشرون أفكار وبرامج ومنشورات الإخوان المسلمين وهذه هي المواد التي تم الاستناد عليها في اعتقال الكاتب علي العبد لله في منتدى الأتاسي، الآن يجب أن يُدرس كل قانون الأحزاب وبناء على خصوصية الشعب تلك الدولة التي تسُن ذلك القانون.
الحقيقة سوريا تضم مجموعة كبيرة جدا من الإثنيات ومن الطوائف ومن تحت الطوائف والأديان وبالتالي من الطبيعي أن يكون الأحزاب ذات هموم وطنية تَهُم الجميع أولا لا دينا غير إثنية، لا تكون عبارة عن تنقل هموم مثلا محافظة واحدة يجب أن تكون لها فروع منتشرة في جميع محافظات القطر الأربعة عشر، أيضا حتى يوجب أن تضم نساء أيضا لا يكون حزب رجالي كامل أو حزب نسائي وحتى يمكن أن يكون هناك حد أدنى من التواقيع مثلا عشرة آلاف أو خمسة عشر ألف عضو للتأسيس من أجل إعطاء جدية أن هؤلاء جميعا المنتشرون..
مالك التريكي: أستاذ أيمن عبد النور أظنك لم تفهم سؤالي، سؤالي هو أن هنالك في كثير من الدول العربية وحلقة اليوم عن سوريا هنالك محاولة للقفز على الواقع والسياسة هي التعامل مع الواقع في أبسط تعريفاتها، الواقع السياسي العربي الآن يُفرز حركات إسلامية، الواقعية السياسية تفرض التعامل معها وإدخالها في النظام بحيث أن تكون الأجنحة التي تقبل التعامل مع النظام السياسي بطريقة سلمية تُدخل داخل النظام مما يسمح بصد الأجنحة العنيفة التي لا تؤمن بالحوار السلمي وبالعمل السياسي، جماعة الإخوان المسلمين تطورت خلال السنوات العشرين الماضية تنبذ العنف في مواقفها العالمية وحتى هنالك الآن حوار بينها وبين الحزب الشيوعي، يعني أن السيد صدر الدين البيانوني والسيد رياض الترك، الذي يوصف بأنه مانديلا سوريا، بينهما حوار إذا كان هنالك إمكان لحوار بين حزب شيوعي وبين حزب إسلامي لماذا لا تعترف القيادة السورية أو حزب البعث بهذا الواقع؟ حتى أوروبا الآن الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية تقبل التعامل مع الحركات الإسلامية.
أيمن عبد النور: نعم حضرتك ذكرت الجواب بسؤالك عندما قلت أن كيف يمكن أن يجتمع حزب شيوعي مع حزب إسلامي بهذه العقلية وبالتالي يعني هناك عقلية جمعت هذين العقلين وظروف ضغطت لهذا الاجتماع، الإخوان المسلمون في سوريا ليسوا من زمن طويل منذ الثمانينات وهناك حتى الآن مازال كثير من السوريون يذكرون ضحايا آبائهم وأخوتهم وأبنائهم وبالتالي هذا الموضوع ذو شجون في سوريا ووفقا لقرارات المؤتمر التي صدرت أن جماعة الإخوان هي خط أحمر لكن هذا لا يعني أن العمل السياسي مغلق أو مُسكَّر على أي تيار ديني منفتح يستوعب آخرين من أديان أخرى يكون لديه القدرة على نقل هموم وطنية وليست فقط هموم أو قضايا دينية، نقلها إلى الحكومة في نقاشاته أو من خلال تمثيله في مجلس الشعب. وبتصوري أن هناك الآن قوتين تعملان على الأرض في سوريا من أجل تأسيس أحزاب معتدلة ذات طابع ديني إسلامي معتدل لكنها ليست مقتصرة فقط على أعضائها من الإسلاميون لأن هذا أيضا يستجلب بالضرورة أن يكون الطوائف الأخرى أيضا أن تُشكل أحزابها المستقلة وبذلك يمكن القول يمكن أن يكون هناك..
مالك التريكي: شكرا أستاذ أيمن عبد النور في دمشق شكرا الآن أتينا إلى محور السياسة الخارجية، لأن هنالك نقاش حامي تم بين السيد عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري وبين وزير الخارجية فاروق الشرع حول السياسة الخارجية وقيل أن السيد عبد الحليم خدام حكم على أداء الحكومة السورية في مجال السياسة الخارجية بأنه كان فاشلا، طبعا معروف أن السيد عبد الحليم خدام كان وزير للخارجية من عام 1972 حتى عام 1984 وكانت نقطة الارتكاز هي الأداء في لبنان، الملف اللبناني، قيادة حزب البعث والحكومة السورية يبدو أنها طوت الملف اللبناني منذ يوم خمسة مارس منذ خطاب الرئيس، لكن واشنطن لم تطوِ الملف والأمم المتحدة لم تطوِ الملف أمس كان كوفي عنان قال أن هنالك عناصر استخبارية سورية لا تزال موجودة في لبنان والبيت الأبيض اليوم قال نفس الشيء وحذّر سوريا من استمرار التدخل في لبنان، هل كانت السياسة الخارجية السورية فاشلة حقا بصفة عامة وفي لبنان بصفة خاصة؟
"يعود فقدان الدبلوماسية السورية لجل أوراقها في وقت سريع إلى غياب منطق الحوار السياسي واعتماد النظام على مبدأ القوة في التعامل مع الآخرين "برهان غليونبرهان غليون: يعني يكاد يعجب الإنسان بالحقيقة إنه كيف نجحت الدبلوماسية السورية في أن تفقد أوراقها ورصيدها خلال.. بالسرعة اللي فقدتها فيها وتفقد كل تحالفاتها كل حلفائها، حلفاؤها في لبنان فقدتهم وحلفاؤها في الغرب فقدتهم اللي يعني.. وأتحدث عن فرنسا وأوروبا اليوم أوروبا ضدها لم تُبقِ.. وحلفائها في الداخل فقدتهم المعارضة الوطنية حليفة للنظام بالمقارنة مع كل القوى الثانية اللي هن خايفين منها، أيضا فقدتهن لأنه ما عم بتعطي لحدا شيء السبب شو؟ السبب غياب منطق الحوار السياسة لأنه النظام ما قام على أساس مبادئ سياسية قام على أساس نحن هنا بالقوة والقوة أكدت إنه قادرين على أنه نبقى بالقوة وطبق هذا على المستوى الدولي، السياسة وقت اللي بده يدخل الواحد منطق السياسة والتعاون مع الآخرين والحلفاء بيدخل بمفاوضات، بمفاوضات يعني بيلاقي مصالح مشتركة بيبني المصالح المشتركة، تُبني المصالح المشتركة. الدبلوماسية السورية واللي ما بأعرف إذا كان المسؤول عنها هو من الشباب اللي لساتهن شباب هلا ولا من الحرس القديم ولا الحرس الجديد قامت على الاستفزاز، على الغطرسة لدولة صغيرة فقيرة ضعيفة ورّطوا شعب بمأزق اليوم كارثة، المأزق اللي وصّلوا فيه البلاد بالعزلة اللي وصلت إليها سوريا كارثة بالنسبة لأي مجتمع بأي شعب حطت على ظهرها، سوريا غير قادرة تحمل على ظهرها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ومجلس الأمن والأمم المتحدة والدول العربية اللي عم تشتغل من تحتها أيضا مشان ترضي الأميركان ضد سوريا، كيف ما هو هذا العقل الجبار اللي نجح إنه يُبذر ويهدر أوراقه بها السرعة؟ أنا برأيي غياب أي قراءة موضوعية للأحداث وأنا بس بدي أذكر بالمستشارين بعض المستشارين وبعض الصحفيين أو الأساتذة اللي كانوا يتحدثوا باسم الحزب والنظام على التليفزيون دائما كانوا يتحدثوا كما لو كانت سوريا دولة عظمى ووزير الإعلام السابق مهدى دخل الله قال نحن الناس معجبين فينا كيف سوريا الصغيرة تقود سياسة دولة عظمى، هذا هو مصدر الخطأ أصل الخطأ والكارثة يعني كنا نتصرف كدولة عظمى لازم نتصرف كسوريا مش كدولة عظمى نحن لسنا دولة عظمى.
مالك التريكي: وبالضبط الآن واشنطن تريد أن تُحجم من دور سوريا والموقف الآن سعادة السفير الموقف الآن في أميركا أصبح لا يتحدث هذا باعتراف السيد فلنت ليفريت الذي يحضر الآن الذي كان عضوا في مجلس الأمن القومي الأميركي وحضر وقائع مؤتمر البعث أن التوجه الجديد الآن في الإدارة الأميركية لم يعد يتحدث عن تغير مسلك النظام السوري وإنما يتحدث عن (Regime Change) عن تغيير النظام السوري، طبعا النظام السوري ينادي منذ سنين الآن بأنه مستعد لحوار مع واشنطن على كل قضايا الخلاف، لكن أميركا تقول إنها غير معنية بالحوار مع سوريا وتقول للاتحاد للأوروبي لا تدخلوا حتى في مفاوضات شراكة مع سوريا، ما هو السبب ما هو سبب العزلة السورية الآن؟
سامي الخيمي: الدبلوماسية السورية تطالبك بأن تتركني أتكلم بشكل كاف.
مالك التريكي: تفضل.
سامي الخيمي: الحقيقة مسألة إنه دولة إنه سوريا دولة كبرى ودولة عظمى هذا الأمر قد يكون راود بعض الناس أيام كانت سوريا تستطيع أن تُقيم لنفسها دور إقليمي مهم وشعر السوريون بكثير من الفقر بأنهم يحاولون تنفيذ سياسة عربية ذات بُعد إقليمي، هذا الأمر انحصر تدريجيا لأن سوريا أدركت أن العالم قد تغير وأن ميزان القوى في العالم تغير وأن حائط برلين انهار وأن سوريا عادت دولة صغيرة ونحن نقول نحن دولة صغيرة وليست لدينا مطامح لدى أحد وليست لدينا مطامع لدى أحد، لكن لدينا حقوق وهذه الحقوق لا نستطيع أن نستغني عنها، لدينا أراضي محتلة اسمها الجولان قد يكون بعض العرب قد استعادوا أراضيهم، قد يكون بعض العرب لم يصلوا إلى حقوقهم بعد، الفلسطينيون لم يصلوا إلى حقوقهم بعد ولا إلى أدني حد من حقوقهم، السوريون لم يصلوا إلى حقوقهم بعد، يعني نحن لا يجب أن نتصور أن السوري يستطيع بهذه السهولة أن يستغني عن الفلسطيني، يعني هذا مفهوم قطري ضيق جدا عندما نقول أن السوري لا ينبغي أن يساعد الفلسطيني أو أن لا يساعد اللبناني على استعادة أراضيه طبعا ليس بالقوة المسلحة لكن على الأقل بالدعم السياسي، إذاً الدبلوماسية السورية إلى حد كبير مضطرة إلى اتخاذ عدد من المواقف الوطنية التي تحمي حقوق سوريا الآن حدث (Nine eleventh) حدث العمل الإرهابي في نيويورك.
مالك التريكي: التفجير.
سامي الخيمي: بعد هذا الحادث تغيرت السياسة الأميركية بشكل فادح في الحقيقة.
مالك التريكي: رغم أنكم تعاونتم والنظام السوري تعاون جدا في الجانب الأمني مع أميركا.
سامي الخيمي: بس خليك معي سيدي، الإدارة الأميركية لا تُحدد مطالب محددة من سوريا وواضحة السبب في الحقيقة ليس فقط قضية أن سوريا لم تحدد مدى الاستجابة إلى مطالبها ولكن الإدارة الأميركية نفسها هي مجموعة من المكونات وأنت تعلم ذلك يعني سوف أعد لك ويجب أن تتحمل..
مالك التريكي [مقاطعاً]: قبل أن تعد لي هنالك أربعة مطالب أميركية معروفة من سوريا الآن.
سامي الخيمي [متابعاً]: خليك معي بنرجع للمطالب هناك المحافظين وكارتيل للنفط، هناك الإدارة نفسها الرئيس ووزير الخارجية ونائب الرئيس ووزير الدفاع إلى آخره، هناك اللوبي الإنجيلي الصهيوني، هناك المحافظون الجدد وهناك اللوبي الإسرائيلي كل هذه المكونات لديها مطالب من سوريا ولكن كلا يُغني على ليلاه ولكل أولوياتهم عندما يأتي الأمر إلى سوريا تتجمع مطالب الجميع في مسألة جمع حسابي مباشر، يعني يطالبون بكل شيء مرة واحد، أحيانا وهذا مضحك الحقيقة في المطالبات أحيانا تُطالَب سوريا بأشياء مثلا ما يطلبه اللوبي الإسرائيلي هو نزع سلاح حزب الله، نزع سلاح المنظمات، استمرار الفتنة في العراق، شوف خليك معي بينما ما تطالب به الإدارة هو الهدوء في العراق يعني الرئيس بوش يريد الهدوء في العراق ويريد منع أي تسلل وإلى آخره، إذاً أتينا..
مالك التريكي [مقاطعاً]: هذا مفهوم..
برهان غليون [متابعاً]: السبب هو الأميركان.
مالك التريكي: المسألة هي أن السياسة الخارجية الدبلوماسية السورية متهمة بأنها أساءت قراءة التطورات الإقليمية هذا مفهوم طبعا.
سامي الخيمي: لا بالعكس.
مالك التريكي: مفهوم أميركا تستهدف سوريا ومفهوم أن الأهداف الأميركية تتقاطع مع الأهداف الإسرائيلية، هذا معروف لكن المسلك السوري في السياسة الخارجية لم يكن ذكيا؟
سامي الخيمي: يا سيدي المشكلة هذا.. يعني أنا أعتذر منك لكن بعض الإعلاميين وبعض المثقفين من واشنطن يطلون علينا دائما بهذه النظرية أن الدبلوماسية السورية لا تقرأ الوضع العالمي هذا خطأ، بالعكس الدبلوماسية السورية ترى جميع المكونات يعني مثلا المحافظين..
مالك التريكي: أدركنا الوقت يا سيدي.
سامي الخيمي: المحافظين الجدد الآن لن تدعني أتكلم بشيء كاف.
مالك التريكي: للأسف أدركنا وقت البرنامج كنت أتمنى لو كان أكثر من ذلك.
سامي الخيمي: المحافظون الجدد يريدون إعادة رسم الشرق الأوسط مهما فعلت لهم هم لن يُغيروا نظريتهم.
مالك التريكي: متفقون، آخر كلمة للدكتور برهان غليون.
برهان غليون: آخر كلمة وقت اللي بيكون..
مالك التريكي: انتهى وقت البرنامج دكتور آسف أعتذر، انتهى وقت البرنامج.
برهان غليون: بس ما معقول نختم الإصلاح بكلام غريب عن حق الأميركان.
مالك التريكي: سيداتي سادتي بهذا ينتهي برنامج أكثر من رأي لم يبقَ لي إلا أن أشكر سعادة السفير السوري لدى المملكة المتحدة السيد سامي الخيمي، إضافة إلى الأستاذ في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة السوربون الدكتور برهان غليون ومن دمشق كان معنا رئيس تحرير نشرة كلنا شركاء الإلكترونية السيد أيمن عبد النور وهذا مالك التريكي يحييكم من لندن دمتم في أمان الله.

mercredi, juin 08, 2005

المثقف كفاعل اجتماعي


مساهمة في ندوة المثقف والسياسة والاسلام
المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، دمشق 8-9 يونيو05

1- مثقف الحداثة

خلال أكثر من قرن ونصف، لم يكف المثقفون العرب، الاصلاحيون الاسلاميون منهم والعلمانيون القوميون أو الماركسيون عن التفكير في الهوة التي تفصل المجتمعات العربية عن المجتمعات الأوروبية الصناعية سواء على صعيد أوضاعها العامة والفردية أو على مستوى مسلكها في التنظيم السياسي والاجتماعي أو اختلافها في درجات التقدم المادي والعلمي والتقني والأخلاقي. وقد وجدت الانتلجنسيا العربية في إشكالية التقدم والتأخر التاريخية شبكة من المفاهيم الأساسية التي ستعتمدها عموما بصرف النظر عن تنوعاتها الايديولوجية لفهم الواقع والتأثير فيه. وقد ساعدت هذه المقاربة التاريخية على حل مسألتين أساسيتين. المسألة الأولى تقديم تفسير عقلاني لهذه الهوة مستمد من رؤية تطورية كونية تدرج المجتمع العربي في سياق التاريخ العالمي وتشرح في الوقت نفسه أسباب اختلافه عن المجتمعات المتقدمة والأمراض التي يعاني منها، فتظهر أن المسألة مسألة تأخر وجمود وفتور وانحطاط أي مسألة تأخر زمني فحسب لا علاقة لها بالثقافة أو بالدين أو بالماهية. والمسألة الثانية بلورة سريعة وسهلة لحلول واستجابات قابلة للتحقيق مستمدة من نماذج المجتمعات المتقدمة التي "سبقت" المجتمعات العربية في مسيرة التقدم التاريخية للخروج من هذا التخلف أو للقضاء عليه.
وبحسب الزاوية التي نظر إليها المثقفون لموضوع التقدم التاريخي أو التي ركزوا عليها ستولد مذاهب متعددة في فلسفة التغيير والتحويل التاريخي للمجتمع العربي ينبع التباين في ما بينها من الاختلاف على تحليل الأسباب الرئيسية للتأخر وبالتالي من تحديد طبيعة المهام المحورية التي ينبغي التركيز عليها للوصول إلى الهدف المنشود: تحرير الديناميكية التاريخية داخل المجتمعات العربية وفتح الطريق أمام حركة التاريخ وتسريع هذه الحركة إذا أمكن.
فالذين ركزوا في تحليلهم لأسباب التأخر على منظومة القيم العقلية، الفكرية والأخلاقية ووجدوا في العلم القائم على التجربة ومفهوم السببية العامل الأول للتقدم التاريخي شددوا على مظاهر الجمود الفكري وما تبعها من تجميد الاجتهاد الديني وسيطرة المنطق الخرافي فكونوا تيار السلفية الجديدة أو الاصلاحية الاسلامية العقلانية التي وجدت في إطلاق حركة الاجتهاد والتقريب بين منظومة القيم الفكرية والأخلاقية الحديثة والتقليدية الطريق الرئيسي لتجاوز الفوات الحضاري والعودة إلى الاندراج في الصيرورة التاريخية العامة للمعرفة العلمية. وقدمت هذه المقاربة للمجتمعات العربية، على مفترق القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فرصة كبيرة لإعادة اكتشاف التراث العربي والاسلامي ونفض الغبار عنه بالمعنين، بمعنى إخراجه من النسيان ومعنى تجديد معانيه ووظائفه معا لتثميره في معركة التقدم والالتحاق بركب الحضارة الانسانية العام.
والذين ركزوا في تحليلهم لأسباب الجمود والتأخر على مثالب السلطة الشخصية الاستبدادية التي ميزت الدولة أو السلطنة العثمانية لقرون طويلة وجدوا في بناء الأمة بمعانيها الحديثة المختلفة، من حيث هي أخلاقيات جديدة تحكم تكوين الاجتماع السياسي وتجعل منه ثمرة لتعاقد بين أفراد أحرار ومتساوين، ومن حيث هي بناء لدولة المؤسسات الحديثة التي تجسد السيادة القومية تجاه مختلف عوامل سلب الإرادة الخارجية والداخلية، المحور الرئيس للعمل في سبيل الخروج من التأخر وتحقيق أهداف التقدم التاريخية. وكان لهذه المدرسة الفضل الأكبر في توجيه الوعي العربي نحو معالجة مسائل الحياة السياسية الحديثة واستيعاب معانيها بما تتضمنه من رؤى دستورية وتجديد في معنى ومضمون الحرية الشخصية المدنية والسياسية وتطوير مفهوم الدولة وعلاقتها بالجماعة الوطنية وفي نشر مفهوم للسلطة القانونية التي تعتمد في وجودها على وجود العلاقات المؤسسية وما تعنيه من تحديد دقيق للصلاحيات والمسؤوليات في مقابل السلطة القائمة على شبكة علاقات التبعية الشخصية والولاءات العائلية أو الطائفية أو العشائرية. وفي هذه المقاربة السياسية للتأخر تم تجديد المفاهيم الأساسية للسياسة وتوليد أو توالد النماذج المتعددة للفكرة والحركة القومية والوطنية التي جعلت من بناء الدولة القومية أو إعادة بنائها محور جهد المثقفين والسياسيين العرب لعقود طويلة تبدأ من عشرينات القرن التاسع عشر حتى سبعينياته أي ما يعادل نصف قرن. وجميع المناقشات التي ستشهدها هذه الحقبة سوف تدور حول تحرير الجماعة الوطنية من الهيمنة الأجنبية والفئات والطبقات الاجتماعية من قيود القرون الوسطى وملكوت الضرورة وتحرير الأفراد من عصبيات الماضي وتقاليده.
أما الذين نظروا لأوضاع العالم العربي والهوة التي تفصله عن المجتمعات الحديثة من زاوية الفعالية والانتاج ومراكمة القدرة والقوة فقد مالوا بفكرهم نحو تأكيد أسبقية العوامل العلمية والتقنية وجعلوا من الثورة الصناعية والتنمية الاقتصادية وبناء القاعدة التقنية المهمة الرئيسية للخلاص من الحقبة التقليدية. وهذا ما سوف تقدمه بشكل أساسي الترجمة العربية للماركسية التي زودتهم بالأدوات النظرية والرؤى العملية للتحويل الاقتصادي والاجتماعي وتبديل الشروط المادية لمعيشة المجتمعات العربية. وقد ألهمت هذه الفلسفة، بصرف النظر عن الأشكال التي أثرت بها في وعي الفاعلين الاجتماعيين العرب، الجزء الأكبر من السياسات والخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي طبقت في العالم العربي منذ الستينات والتي نقلت هذا العالم من نموذج المجتمعات الزراعية إلى نموذج المجتمعات الصناعية بالرغم من كل ما تميز به هذا النموذج ولا يزال يتميز به من رثاثة وضعف وعدم اتساق وتفاوت أيضا.

عبرت مجموعة هذه اللحظات المتعاقبة عن الرؤى المختلفة والمتضافرة وأحيانا المتداخلة التي طورتها المجتمعات العربية لمقاربة مسألة الحداثة والاندراج فيها. كما عبرت عن الدور الحاسم الذي لعبه المثقفون العرب أيضا في بناء البيئة الفكرية أو الحاضنة النظرية لتمثل هذه الحداثة واستيعاب معانيها وطبيعة المهام التاريخية التي يتوجب تحقيقها على طريق الاندراج فيها في الوقت نفسه. وقد ارتبط دور المثقف العربي الجمعي ومكانته، أي دوره لا من حيث هو منشيء للمعاني ولكن من حيث هو فاعل اجتماعي أو نخبة متميزة أو انتليجنسيا تساهم في بناء المصائر العمومية، بتكوين هذه الحاضنة الفكرية التي يشكل وجودها شرطا ضروريا لخلق الأمل وفتح الآفاق وتحديد الوجهة وتوفير الحوافز النفسية التي تدفع إلى العمل وبذل الجهد وتساعد على بلورة الاجماع والتعاون بين الأفراد، أي بناء ما نسميه بالايديولوجية الاجتماعية. فبعث الثقة بامتلاك وعي حقيقي أو ناجع بالواقع وترسيخ الأمل بالقدرة على تغييره هما شرطان ضروريان لشحذ الإرادة وإطلاق الممارسة الجمعية ورفع قيمة الاستثمار ومردوده معا في المشاريع التاريخية.
وقد تعزز موقع المثقفين العرب كفريق اجتماعي في المجتمع ومكانته في السياسة والسلطة معا في موازاة نجاحهم في بلورة هذه الحاضنة الفكرية التي قدمت من خلال هذه اللحظات الثلاث التأسيسية رؤية ايجابية للعالم والتاريخ معا وأرست لدى الرأي العام وعيا قويا بأن التخلف أمر عرضي وأن التقدم ممكن ومن وراء ذلك أن التقدم تاريخي وحتمي. فنظر إلى المثقف كما لو كان نبي المجتمع الجديد وحامل أسراره ومفتق معانيه. وزاد الطلب عليه للمشاركة في بناء الأحزاب السياسية وتكوينها وقيادتها وفي تحمل المسؤوليات العمومية. ولا تزال آثار هذه المعاملة التفضيلية قائمة إلى اليوم عبر مراهنة الجمهور العام المستمرة على الثقافة وحامليها لإخراج الأمة العربية من الهوة التي وضعتها فيها القيادات البيرقراطية والتقنوقراطية ورجال المال والأعمال.

2- من مثقف الحداثة إلى مثقف الهوية

قلت إن مثقف الحداثة قد سيطر على حقبة كاملة من حياة العرب الفكرية والسياسية منذ عصر اليقظة إلى منتصف القرن الماضي. لكن الأمر قد اختلف كثيرا منذ وصول مسيرة الحداثة العربية إلى الطريق المسدود الذي نعرفه والذي يؤكده انحسار الجهد التحديثي على جميع محاوره لصالح نقيضه. وهذا ما يشير إليه انتصار السلفية التقليدية والمفرطة في النزعة المحافظة على الإصلاحية الاسلامية العقلانية التي تبلورت في بداية القرن الماضي ونجاح نظام الطغيان في حل عرى الجماعات الوطنية التي نشأت في مرحلة الصراع ضد الاستبداد ونجاح العصبيات القبلية والاتنية والطائفية العائدة في ركابه في اغتيال روح الوطنية والقومية التي غذتها مرحلة طويلة من الكفاح من أجل الاستقلال والسيادة وكانت تنتظر تكريس نفسها في دولة العدالة والحرية والمساواة. وهو ما يشير إليه أيضا انهيار القاعدة الاقتصادية والاجتماعية والتقنية للاندراج في الحركة الكونية للحداثة وتكوين رأس المال المادي والمعرفي اللازم لتثبيت أسس العقلانية والوطنية وترسيخها في أرض الواقع. وهو ما يكرسه الانتصار الكاسح في جميع البلاد العربية لرأسمالية المضاربة والتوزيع على رأسمالية الإنتاج والتجديد والابداع.
فبقدر ما ارتبط دور المثقف الحديث بالحداثة وكان ثمرة لديناميكتها أيضا سيقود وصول مشروع الحداثة العربية إلى طريق مسدود إلى تحلل المثقفين وانهيارهم كقوة اجتماعية ونخبة متميزة وإلى خروجهم بالتالي من لعبة السياسة لا بمعنى الصراع على السلطة ولكن بمعنى المشاركة الفعالة، اعتمادا على رأسمالهم الخصوصي، في بناء السلطة العامة والاشراف على بلورة توجهاتها الايديولوجية عبر الممارسة التاريخية. بل إن التشكيك في أهلية المثقفين وأهلية الثقافة نفسها في رفد حركة التغيير التاريخية بأي قيمة ايجابية قد فاض عن حدوده بعد الثمانينات ليضع مسألة الحداثة العربية أو إمكانية تحديث العالم العربي وإدراجه في المنظومة العالمية للحداثة موضع الشك والسؤال، بما في ذلك لدى قطاعات واسعة ومتزايدة من الجمهور العربي نفسه. وبينما ركز المراقبون الأجانب على عدم قابلية الاسلام - الذي نظروا إليه كروح ثابتة متلبسة بالمجتمعات - للتأقلم مع الحداثة وقيمها، تشبثت النخب العربية الحاكمة ولا تزال، منسجمة في ذلك مع مناخ الانكفاء على النفس المتزايد، بفكرة الخصوصية الماهوية التي لا ترى مجالا لأي مقاربة تاريخية إنسانية مشتركة. بل إن الأمر قد تجاوز ذلك كله نحو وضع فكرة الحداثة نفسها، في الشرق وفي الغرب، موضع السؤال ومعها جميع الطروحات والرؤى الفكرية التي غذتها وعملت على بنائها وفي مقدمها إشكالية التقدم والتأخر التاريخية التي نسجت عليها.
هكذا بدأت مرحلة تشتت المثقفين المحدثين وضياعهم وانفراط عقدهم والتحاق القسم الأكبر منهم كأفراد خاصين بأصحاب السلطة السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية بهدف زيادة المنافع والرزق. وانسحاب البعض الآخر بعيدا عن العمل والتفكير العام نحو الانجاز المهني وأخيرا انخراط القسم الاكثر شقاءا في الوعي وتعذيبا للضمير وانشغالا بالمصير الجمعي في حركات الاحتجاج السياسي العنيفة التي نشأت وتطورت في العقود الثلاث الماضية، بل واختيار قطاعات واسعة منها، بالخصوص أجيالها الجديدة والشابة، طريق الانتحار التاريخي عبر الالتحاق بما نسميه اليوم بالاسلاموية الجهادية أو المغالية. لقد كان هذا الاختيار ولا يزال تعبيرا صريحا عن خيبة الأمل بمشاريع الاصلاح الحديثة التي أخفقت أو لم تر النور والتخلي في سياق ذلك عن كل الطروحات التي انبنت عليها الحداثة العربية، بما فيها السلفية الإصلاحية والوطنية القومية والتقانوية الرديكالية التي طورها المثقفون في القرن الماضي واتخذوا منها منارة لإضفاء المشروعية على التغيير وتأكيد حتميته وقابليته التاريخية معا.
ويرتبط هذا التحلل والانهيار للانتليجنسيا العربية بمفارقتين كبيرتين. الأولى أن تراجع دور المثقفين قد حدث بعد انتصار الأحزاب التي كانت بالدرجة الأولى أحزاب المثقفين وصنيعتهم، أعني الأحزاب القومية والاشتراكية. فقد انتزعت المبادرة منهم قوى جديدة سوف تنشأ في إطار الثوروية التقنية المرتبطة ببناء ما سمي بالقاعدة الاقتصادية والصناعية نفسها. والمفارقة الثانية أن تغييب المثقفين واستبعادهم واضطهادهم معا لمنعهم من القيام بأي دور في الحياة العامة قد جاء على يد تلك السلطات والنظم نفسها التي ما كانت لتقوم من دون مساهمة المثقفين وكفاحهم، أي على يد مثقفين غيروا من رسالتهم وأصبحوا، من بيرقراطيين إلى عسكريين إلى قادة أجهزة الأمن،الحماة الرئيسيين للسلطة والنظام ودولة العسف وغياب القانون.
بانهيار مشروع الحداثة العربية وتراجع فرص إنقاذه سوف تبدأ حقبة الانقلاب السياسي والفكري الذي سيقود المجتمعات العربية، تحت تأثير ما سمي بالصحوة الاسلامية، وما رافقها من انتشار الحماسة الدينية الموضوعة في مواجهة العقلانية واستفحال السلطة الاستبدادية وسيطرة العصبيات الجمعية البدائية، إلى الأزمة التاريخية الطاحنة التي تتخبط فيها منذ ربع قرن البلاد العربية. وستشهد المجتمعات العربية في سياق هذا الانقلاب على مشروع الحداثة موجة من الشك العميق في مشروعية سؤال التقدم نفسه وإمكانية التغيير. وسيترك السؤال التاريخي الذي كان في جوهر تكون المثقفين العرب كفاعل تاريخي، كوعي وكممارسة جمعية معا، أعني سؤال التأخر والتقدم، مكانه لسؤال الهوية الذي سيحتل ساحة الوعي العام منتزعا الرؤية العربية من إطار النزعة الإنسانية والكونية ليزرعها في تربة الخصوصية. وسيغير هذا السؤال الجديد طبيعة المقاربة النظرية كما سيؤثر على تعيين المهام التاريخية المرتبطة بالمبادرة الجمعية وتحديدها، وسبدفع بالتالي إلى إعادة صياغة مجموع المواقف النظرية والايديولوجية العربية في إطار الإشكالية الجديدة، إشكالية الهوية والآخرية.
الاسلاموية الجديدة الخارجة من أنقاض الحداثة العربية والمرتدة عليها هي التي ستأخذ على عاتقها مسؤولية التعبير عن هذه الإشكالية وصياغة المهام التاريخية المرتبطة بتحقيقها. وفي موازاة تعاظم نفوذها في المجتمعات العربية سيتبلور المثقف الاسلامي الجديد بمعنى الانتلجنسيا الاسلامية وستظهر معه وبفضله الحركات والأحزاب الاسلامية التي ستجعل من تأكيد الخصوصية ومكافحة "التلوث" بالأفكار والقيم الغربية والعودة إلى قانون الشريعة الدينية برنامجا كاملا للحياة الوطنية وتكنس على طريقها كل ما كانت قد أنجزته الاصلاحية الاسلامية من تقارب بين قيم العصر وقيم الدين. كما ستتراجع في السياق نفسه الأفكار الليبرالية التي استلهمتها النخبة المثقفة الحديثة سابقا في سعيها لبناء المواطنة والدولة الدستورية والأمة الحديثة قبل أن تغيب نهائيا لصالح التأكيد على المركزية القومية المستندة إلى تأكيد الخصائص الإتنية وعلى محورية السلطة والدولة التسلطية. وستفقد المقاربة التقنية والعلمية التي ألهمت الثورة الصناعية والاجتماعية مكانها أيضا لصالح سياسات التكيف مع السوق العالمية كما ستفقد الطبقات البيرقراطية الرسمية التي ربطت مصيرها بتسريع وتائر التنمية موقعها لصالح صعود شبكات المصالح الخصوصية وسيطرة فئات الأعمال الطفيلية والريعية التي لا تملك مشروعا اقتصاديا ولا سياسيا لا طبقيا ولا من باب أولى وطنيا.
لم يعد الهم الأول والشاغل الرئيسي للفكر والممارسة العربيين في هذه الحقبة استدراك ما أضاعه العرب من التقدم العلمي والتقني خلال قرون الانحطاط وإنما تأكيد مبدأ نحن نحن وهم هم، أي مبدأ التمايز والخصوصية والاستقلال الحضاري. ولذلك سيكون هم الاسلاموية الدائم إثبات حضارتنا في وجه حضارتهم وتاريخنا في وجه تاريخهم وثقافتنا في وجه ثقافتهم. إي إلغاء الكونية أو النزعة الإنسانية التي كانت في أصول نشوء المثقف الحديث كحامل لوعي تاريخي مفارق ولمشروع تحويل اجتماعي إنساني مشارك في عملية التحول الحضاري العامة. إن جوهر منطق وممارسة الاسلاموية الجديدة هو : لا تقدم ممكن ولا أمل في تعاون إنساني من أجل التقدم أو الخروج من مأزق التقدم ولا تاريخ مشترك إنساني يفتح الواحد على الآخر ولكن هناك فقط حتمية الاختيار بين استمرار في الوجود يفترض ويستدعي تأكيد الخصوصية بكل تفاصيلها وعلى جميع المستويات، بما فيها العلمية، أو القبول بالموت والذوبان في الآخر أو التسليم له. وفي هذه الحالة لن يبقى هناك مطلب يفوق مطلب المقاومة والدفاع عن النفس من خلال التمسك بالهوية والذود عن الذاتية.
في هذا السياق الجديد سوف تبدو الدعوة إلى الاستمرار في استيعاب الحداثة أو منجزاتها أكثر فأكثر كدعوة للتخلي عن الهوية العربية والقبول بالاستلاب. إن تحرير الثقافة العربية من الروافد الأجنبية والمغالاة في رفع جدران الحماية الذاتية ستصبح من المهام التاريخية الأساسية للمثقف الاسلاموي الجديد في سعيه إلى تحصين الذات والداخل وضمان نقاء الحضارة والثقافة العربيتين. ومن هنا سيأخذ الاسلام موقعه الجديد كمحور لإعادة بناء الهوية ومورد للمعاني والمفاهيم الضرورية لصيانة الذات الحضارية وضمان سماتها الأصيلة والأصلية وتأكيد استقلالها وتاريخيتها الخاصة معا.
في إطار هذه الإشكالية الجديدة التي ستتخذ شكل المفاضلة بين الحضارات كأنماط متميزة ومتباينة بل متعارضة أحيانا للتفكير وللحياة، ستفقد المفاهيم التاريخانية مركزيتها في تفسير الاختلاف القائم والملاحظ بين أنماط حياة العرب والغربيين لتحل محلها المفاهيم المستقاة من الانتربولوجية الثقافية وصراع الحضارات والنزعات الجيوسياسية. كما ستفقد الايديولوجية العربية والثقافة التي تتغذى منها ملامحها الكونية التي كانت تعزز فكرة حتمية اندراج العرب، وإن بشكل متأخر زمنيا، في التاريخ الكوني للإنسانية، سواء ما تعلق منها بنظريات وحدة العقلانية أو التكوين القومي الحديث أو تعميم نماذج الانتاج والتقنية الصناعية، لتحل محلها مفاهيم إسلامية المعرفة والأمة الاسلامية والاقتصاد الاسلامي وكل ما يساهم في إظهار الفروق العميقة بل والقطيعة بين الذوات الحضارية.


3- مثقف الديمقراطية:

تندرج أزمة المثقفين العرب، بجناحهم العلماني وجناحهم الاسلاموي معا في إطار الأزمة التاريخية الشاملة التي تضرب الاجتماع العربي بأكمله. وهي الأزمة التي يعبر عنها الإخفاق المزدوج لمشروع الحداثة والبناء الوطني الذي كان موضوع استثمار تاريخي طويل عند المثقفين المحدثين ولمشروع إعادة تأسيس الهوية وتثبيتها على أسس إسلامية في مواجهة الهيمنة الغربية الذي انشغل به المثقفون الاسلامويون. وليس لهذه الأزمة علاقة ضرورية بالقيم التي يدافع عنها هذان الفريقان ولا بطبيعة المهام التي نذرا أنفسهما لها. إن جذورها تضرب عميقا في البنى والعلاقات الجوسياسية والجيواستراتيجية التي حكمت ولا تزال تحكم مشروع الحداثة العربية وتحدد آفاق تطوره المعنوية والمادية معا. بل ليست القطيعة التي تؤسس للفكر العربي الراهن وتفصل بين ضفتيه ومحوريه سوى الصدى المباشر لغياب آفاق التحول التاريخي الفعلية في المنطقة العربية. ولن تكون هناك إمكانية للخروج من الأزمة الفكرية التي تكرس انقسام النخبة المثقفة وتهميشها وانعدام فعاليتها المجتمعية من دون أن تتحقق تغييرات أساسية في الظروف العامة تخلق فرصا جديدة للتقدم وتسمح بإعادة إطلاق المبادرة التاريخية في المجتمعات العربية وتوفر الأدوات والعناصر المادية والمعنوية اللازمة لتسريع وتيرة التنمية الحضارية. ولا يبشر الهجوم العالمي الكاسح على المنطقة الشرق أوسطية اليوم في نظري بمثل هذا الانفتاح القريب كما لا يبشر به أيضا تدهور الأوضاع الإقليمية والوطنية التي تشير إلى استمرار النزاعات الداخلية وتجددها وتفكك النظم الحاكمة وفسادها وتهافتها معا. وهو ما يعزز احتمال سيادة طروحات الانكفاء على الذات والتمسك بالثوابت وتعميق النزعة الإجماعية والتوافقية في كل بلد ضد ما يبدو كتهديدات جدية للهوية والاستقلال الجماعي. ولا يزال من غير الممكن حصول طفرة تزيد من احتمال تحول الاسلاموية العربية وتطورها على منوال التطور الذي سمح لحزب العدالة التركي بتجاوز الحواجز العقلية والدينية التقليدية والقبول بالسلطة كوسيلة لإدارة الشؤون العامة في شروط الاكراهات التاريخية وبالتعامل مع الواقع والتكيف معه، مع التخلي عن أي رؤية تاريخية مسيانية أو خلاصية.
وبالرغم من العودة الرائعة للفكر النقدي في عموم البلاد العربية لا يزال من المبكر الحديث عن طفرة في الوعي العربي العام تقوده إلى استعادة زمام المبادرة العقلية والحضارية من جديد قبل أن ينجح المثقفون في هضم صدمة الإخفاق التاريخي الذي ساهموا فيه ومن دون نقد التجربة الماضية والخروج منها بدروس ومعرفة بطبيعة الاختيارات الأساسية التي تحتاج إليها إعادة بناء الرؤية التاريخية وإنارة مسار النشاط الجمعي القادم. وهو ما يعني النجاح في بلورة مشروع تاريخي للتقدم العربي المنشود، إذا كان التقدم لا يزال هدفا ممكنا وقائما.
وسيتحتم في هذه الحالة العمل على إعادة تعريف معنى التقدم: هل هو تجاوز للتأخر بالمقارنة مع البلدان الصناعية أو التكنوعلمية وبالتالي استدراك ما لم يتم إنجازه من مهام بوسائل مختلفة ليبرالية أو دولوية أم هو اندراج في الدورة الأخلاقية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للحضارة الانسانية الراهنة.
وفي هذه الحالة كيف يكون الاندراج وما مضمونه وما هي استراتيجياته ووسائله. أليس من الممكن الافتراض بأن سبب فشل التجربة الماضية للقرنين السابقين، أي التقدم عن طريق إصلاح الدين أو إصلاح الدولة (الملكية الدستورية) أو إصلاح العلاقات الجيوسياسية (الوحدة العربية)أو إصلاح المجتمع (الاشتراكية والمجتمع المدني) كامن بالضبط في تصور التقدم استدراكا للتأخر وتجاوزا له لا شقا لطريق جديدة تسمح، انطلاقا من المعطيات المحلية لكن حسب مباديء كونية وعامة، بإعادة البناء المجتمعي الشامل في مستوياته المختلفة الاخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ هل يمكن تجاوز "التخلف" من دون إعادة تأسيس فلسفة "التقدم"؟ وهل لا يزال هذا الزوج من المفاهيم مناسبا لطرح موضوع التحول المجتمعي في العالم العربي وفي غيره من البلاد؟ باختصار، هل المسألة مسألة تجاوز واستدراك أم هي مسألة إعادة بناء مجتمع كامل خرب ومتآكل، بصرف النظر عن أي مقارنة مع أي جماعة أخرى. وفي هذه الحالة سنجد أنفسنا أمام أسئلة جديدة سمحت لنا إشكالية استدراك التأخر، بالمنطور الاصلاحي الديني أو الليبرالي وبالمنظور الرديكالي الثوري الماركسي أو القومي، بالتهرب منها وتأجيلها وهاهي تعيد طرح نفسها علينا أكثر قوة من قبل: أي ثقافة وأي أخلاقية وأي دين وأي دولة وأي سياسة وأي قومية وأي علاقة بالمجموعة الانسانية، أي حضارة وأي طريق ومنهج لاستيعابها؟ باختصار، أي حداثة للعالم العربي أو أي حداثة عربية؟

هذه هي الأسئلة كما هي التحديات المطروحة على المجتمعات العربية والتي يتوقف على المثقفين في العقود القادمة توفير الاجابات المتسقة والعقلانية عنها للحصول على موقع في خريطة السلطة الاجتماعية واستعادة دور الريادة والمبادرة التي كانت للمثقف منذ بداية النهضة العربية.
لكن نستطيع منذ الآن أن نقول لتأكيد تفاؤل فعلي لا مصطنع إن انخراط المثقفين الراهن أو بعضهم في السنوات الماضية وبشكل أكبر فأكبر اليوم، إلى جانب الشعوب في معركة انتزاع الحقوق المدنية والسياسية، أي في مسيرة التحولات الديمقراطية العميقة، في إطار الهيئات المدنية والسياسية معا، وإن كان لا يقدم مثل هذه الإجابات المنتظرة بعد، إلا أنه يشكل المدخل الضروري الذي يعيد المثقف إلى مجتمعه ويمكنه من استعادة دوره في توجيه المسيرة العامة بقدر ما يسمح للمثقفين بالانخراط في الممارسة العملية ويقدم لهم فرصة الالتقاء في المعركة الواحدة من أجل الحرية والاستقلال عن الوصاية السياسية والأبوية معا. ومن هنا تمثل المشاركة في معركة الديمقراطية المفتوحة في البلاد العربية خشبة الخلاص الرئيسية اليوم إن لم نقل الوحيدة لخروج المثقفين كفاعل اجتماعي من نفق الهزيمة والاحتقار والهامشية للالتحاق بقاطرة التحول التاريخية العتيدة. وبقدر ما تساهم هذه المعركة في تحقيق التغيير واستعادة المبادرة في استيعاب الحداثة وتوطينها تمهد الأرض لتجاوز القطيعة بين الاسلاموية والعلمانوية وتهيؤ للخروج معا من فقر المقاربة التاريخانية وسحرية المقاربة الثقافوية ورؤيتها الحضاروية الرخيصة معا.