الجزيرة نت الأحد 18/5/1423هـ الموافق 28/2/2002م،
ما كادت حرب أفغانستان تنتهي، وهي لم تنته بالفعل بعد، حتى طرحت على بساط البحث مسألة حرب العراق الرامية إلى الإطاحة بحكم صدام حسين. ولدرجة ما صدر من تصريحات من قبل المسؤولين الأميركيين ورجال الصحافة والإعلام عامة حول هذا الموضوع اقتنع الرأي العام الدولي بأكمله بأن حربا جديدة على العراق لتغيير الحكم لامحالة حاصلة وأنها لا بد أن تكون على رأس جدول الأعمال الأميركية وبالتالي الدولية للشهور القليلة القادمة.
وكما يقول المحلل السياسي الأميركي غراهام فولر في مقالاته التي نشرت في الجزيرة نت، فإن جميع المسؤولين الأميركيين متفقون على ضرورة الحرب ضد صدام حسين، لكن الفرق الوحيد بين الصقور والحمائم في واشنطن هو أن الصقور يريدون عملا فوريا الآن بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى في الشرق الأوسط، أما الحمائم الذين ينتمي إليهم فإنهم يريدون التريث إلى حين التوصل إلى إجماع سياسي ودبلوماسي متين في المنطقة ضد صدام.
وهذا يعني في الواقع أن موضوع الخلاف بين أطراف الإدارة الأميركية بشأن بدء الحرب في العراق هو التوقيت لا غير. وأن الفريق الحمائمي لا يتميز عن فريق الصقور في نوعية الأهداف التي يطرحها في سياسة الولايات المتحدة الخارجية ولا في أسلوب العمل لتحقيق هذه الأهداف الواحدة المجمع عليها، ولكن في تأمين الشروط الأمثل لخوض الحرب.
فالحمائم الذين يركزون على التخطيط العقلاني والعمل البارد في مقابل الغبار الذي تثيره الرؤوس الحامية يعتقدون أن خوض حرب ناجحة ضد العراق لا تترك آثارا ونتائج جانبية سلبية تضعف مكاسب الولايات المتحدة فيها أو تهدد الغاية المرسومة لها، حربا ناجحة من وجهة النظر السياسية والعسكرية معا، يستدعي إعدادا سياسيا وفكريا ونفسيا حقيقيا للحكومات وللرأي العام لجميع الأطراف المعنية، على مستوى العراق ذاته، وعلى مستوى العالم العربي والشرق الأوسط بأكمله. وفي إطار إعداد الرأي العام العربي لتقبل هذه الحرب التي يبدو أن توقيتها سيكون أقرب إلى التوقيت المقترح من قبل الحمائم، أي من دون عجلة، امتشق العديد من المحللين السياسيين الأميركيين أقلامهم، ومن بينهم ما كتبه غراهام فولر في الجزيرة نت، لإقناع العرب بالفوائد العديدة التي يمكن أن يجنوها منها.
ويترافق هذا العمل المتواصل للمحللين السياسيين لإعداد الرأي العام العربي لقبول فكرة نقل الحرب ضد الإرهاب نحو العراق أو إدخال حرب الإطاحة بالنظام العراقي في جدول أعمال الحرب الدولية ضد الإرهاب مع العمل الدبلوماسي الناشط لواشنطن في الشرق الأوسط.
فكما يشير إلى ذلك جدول زيارات المسؤولين الأميركيين للعواصم العربية المعنية، سواء أكانوا تابعين لوزارة الخارجية أو للكونغرس أو لمؤسسات سياسية أخرى, تقود الحكومة الأميركية حملة منهجية ومنظمة لإقناع الرأي العام العربي الرسمي بضرورة التعاون الإيجابي مع واشنطن لتحقيق أهداف تعتبرها أساسية لقطف ثمار الحرب ضد الإرهاب. ومن المؤكد أن الحجج ذاتها التي يقدمها المحللون السياسيون الأميركيون لإقناع الرأي العام الشعبي هي ذاتها التي ستستخدمها دبلوماسية البيت الأبيض لكسب تأييد الحكومات العربية، مع إضافة طريقة أخرى للإقناع ربما كانت التلويح بملفات الإرهاب والعنف وانعدام الديمقراطية أيضا.
ومن الواضح أن القيادة الأميركية، بمفكريها وبمسؤوليها السياسيين ودبلوماسييها معا تواجه مشكلة كبيرة في إعداد الرأي العام العربي والدولي، الرسمي والشعبي لحرب جديدة على العراق. فهي تفتقر للحجج التي يمكن أن تبرر لها تعبئة التحالف الدولي ضد الإرهاب لتغيير الحكم في العراق.
فباعتراف المسؤولين والمعلقين الأميركيين أو أغلبهم على الأقل، لم يثبت أي تورط لبغداد في عمليات الإرهاب الدولي التي رافقت الإعداد لهجوم الحادي عشر من سبتمبر أو تنفيذه مما يعني أن واشنطن لاتزال تجد صعوبة في وضع عملية تغيير النظام العراقي على قائمة جدول أعمال الحرب ضد الإرهاب. ومن هنا فهي تحتاج إلى مبررات أخرى تكون مقبولة من الدول العربية ومن أطراف التحالف الأخرى، بما في ذلك الأطراف الأوربية الحليفة.
ومن خلال المقالات والتحليلات والتصريحات الأميركية العديدة التي تكتب أو تصدر من فترة لأخرى، يمكن جمع هذه المبررات التي تهدف إلى إضفاء الشرعية على الحرب المزمع خوضها على الأرض العراقية بأربع عناصر رئيسية ليس الإرهاب من بينها.
مبررات الأميركان للحرب ضد العراق
تطوير أسلحة الدمار الشاملالعنصر الأول أن صدام حسين لايزال يعمل على تطوير أسلحة الدمار الشامل وهو يهدد من هذه الناحية الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة وأنه خاض حربين كبيرتين مع جيرانه المسلمين وقصف مواطنيه الأكراد بالقنابل الكيمياوية.
قمعية النظاموالعنصر الثاني هو أن نظام صدام حسين هو أكثر الأنظمة في العالم الإسلامي قمعا لشعبه.
وحشية صداموالعنصر الثالث هو أن صدام حسين أيضا رجل وحشي يكرهه شعبه والعرب جميعا من حوله.
اعتماد صدام على الأقاربوالعنصر الرابع أن صدام حسين لا يستند في حكمه إلا على حفنة من الأقارب والأنصار، ولا يمثل حكمه سوى حكم أقلية اجتماعية أو إثنية ضئيلة.
مخاوف الأنظمة العربية من التغيير
لماذا تتمسك الحكومات والشعوب العربية إذن بصدام حسين؟ أو لماذا تعارض في أغلبيتها على الأقل، كما يعتقد ذلك المسؤولون الأميركيون، الحرب ضد نظام صدام؟، وكيف يمكن تفسير هذه المعارضة؟ إن السبب الرئيس لوقوف الحكومات والشعوب العربية موقفا سلبيا من تغيير النظام العراقي يكمن في نظرهم في وجود مخاوف ليس لها أساس كبير من الصحة ولا تقوم على محاكمة عقلانية ومنطقية. فهي تنبع من ثلاث محاكمات خاطئة أو غير صحيحة..المحاكمة الأولى: هي أن ضرب صدام حسين سوف يحرم العرب من وزن العراق العسكري وأسلحته المتطورة ذات التدمير الشامل في مواجهة إسرائيل.المحاكمة الثانية: هي أن الأنظمة تعتقد أن ضرب العراق يمكن أن يكون مقدمة لضرب بلدان أخرى ولذلك فهي تريد أن تقطع الطريق عليها.المحاكمة الثالثة: هي أن حربا جديدة على العراق سوف تتسبب بمعاناة جديدة للشعب العراقي الذي يعيش منذ أمد بعيد في حالة مأساوية.
والحال، كما يقول الأميركيون، إن أسلحة صدام حسين لم تستخدم ضد إسرائيل وما استخدم منها في حرب العراق الكويت لم تحدث أثرا كبيرا ولا كان ذا فاعلية استثنائية، كما أن وجود هذه الأسلحة ليس مرتبطا بوجود صدام حسين، بل العكس هو الصحيح، إن خوف الولايات المتحدة من وقوعها في يد الإرهابيين هو الذي يدفعها إلى السعي إلى تدميرها وربما يختلف الموقف إذا كانت في العراق حكومة ديمقراطية مسالمة، كما أن ضرب صدام ربما يدفع المنطقة نحو الانفتاح والاعتدال والاستقرار وتقليص نفوذ الإرهاب، وبالتالي قد يقطع الطريق على احتمال ضرب بلدان أخرى، ومن جهة ثالثة فإن إقامة نظام ديمقراطي في العراق لا بد أن يساهم في تحسين شروط حياة الشعب العراقي وينقذه من طغيان حكم البعث وقهره.
ويقول بعض الأميركيين: وعلى افتراض أن ضرب العراق يحرم العرب من قدرات عسكرية قائمة أو محتملة كبيرة ويصب في مصلحة إسرائيل، لكن أليس من الممكن أن يستفيد العرب أيضا من إزالة صدام حسين ونظامه العنيف والمخيف؟، وفي هذه الحالة فإن من الممكن القول إن لإسرائيل وللعرب، بما فيهم شعب العراق، مصلحة مشتركة في تصفية هذا النظام الاستبدادي؟.
إن جوهر ما تسعى الدعاية الحربية الأميركية إلى إدخاله في الذهن العربي المتشوق للخروج من حالة الركود والاستنقاع هو أن تغيير النظام العراقي مصلحة عراقية عربية بالدرجة الأولى وإن كانت في الوقت نفسه أو يمكن أن تكون مصلحة إسرائيلية.
من هنا يعتقد الأميركيون أن كسب الأطراف العربية لفكرة الحرب القريبة على النظام في العراق ليست صعبة ولا غير ممكنة فللعرب كما يظهر من التحليل مصلحة كبيرة فيها، وكل ما يحتاجه الأمر هو إعداد سياسي سليم تقوم به الدبلوماسية ويقوم به الإعلام. وهذا هو جوهر المهمة المطلوب تحقيقها في المرحلة الراهنة في الشرق الأوسط في إطار إدارة الحرب الدولية ضد الإرهاب.
والسؤال الرئيس الذي يطرحه التدخل الأميركي المبرمج في العراق علينا هو التالي: هل إسقاط النظام العراقي اليوم مصلحة عراقية وعربية فعلا؟ وهل قيام الولايات المتحدة بهذا العمل يؤثر على نتائجه ويلغي هذه المصلحة أو يجهضها؟.
فرضيات أميركية لحسم موضوع العراقإن الجواب يكمن في الرد على ثلاثة افتراضات رئيسية للدعوة الأميركية بضرورة الحسم في العراق.
الافتراض الأول: هو أن الحرب ليست ضد العراق ولكن ضد نظام صدام حسين الذي هو نظام أقلوي قمعي معزول في الداخل ويشكل إضافة إلى ذلك مصدر تهديد للمنطقة بأكلمها ولجيرانه العرب بشكل خاص. وفي هذه الحالة فإن الحرب المزمع شنها لن تكون إلا في صالح الشعب العراقي والشعوب العربية التي تستطيع أن تعتمد عليها لتتخلص من طاغية يهدد أمن شعبه وأمن المنطقة التي تفتقر بسببه للاستقرار.
الافتراض الثاني: هو أن الولايات المتحدة سوف تضع في مكان نظام صدام حسين نظاما ديمقراطيا يحترم حقوق الجميع وبشكل خاص حقوق الأقليات التي تعاني الكثير بسبب النظام القومي البعثي، وأن الإطاحة بهذا النظام سوف تساعد على تطوير الديمقراطية والانفتاح في البلاد العربية.
الافتراض الثالث: أن هدف الولايات المتحدة من ضرب النظام في العراق تحقيق الأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة وشعوبها والسعي إلى إقامة نظام للأمن الإقليمي يمكنها من سحب قواتها من الخليج لما يسببه وجودها فيه من عدم استقرار يشجع على ظهور شخصيات من نوع بن لادن. بل ربما أتاح ذلك فرصة لإقامة ناتو خليجي. وهذا ما يستدعي الإثبات. وهو موضوع مقال قادم.