ما يحصل في العراق من أحداث خطيرة يثبت :
١. أن الأمر لا يتعلق بهجومات منفردة ومحلية لمنظمة متطرفة مثل داعش وإنما يتخذ معالم ثورة واسعة في مناطق كبيرة من العراق، تشارك فيها تيارات وقوى سياسية متعددة، نجحت داعش في التواصل معها والعمل بموازاتها وربما في بعض المواقع قيادتها.
٢. فشل سياسة رئيس الوزراء العراقي القائمة على رفض الحوار الوطني، وفرض الأمر الواقع بالقوة، بعد تقسيم العراق بين مذاهب واتنيات، والتعامل مع بعضها على أنها منتصرة ومع بعضها الآخر على أنها مهزومة، ووضع الخاسرين أمام خيار واحد: الإذعان أو التمرد.
٣. والسبب هو فشل النخبة التي قادت حقبة ما بعد صدام، وعلى رأسها قادة الميليشيات الطائفية، ورمزها رئيس الوزراء الدائم نوري المالكي نفسه، في بناء نظام للمواطنة المتساوية يحرر السياسات والحكومات ورجالات الدولة من الارتهان لأي اجندة مذهبية، ويدفعهم إلى التفكير والعمل كممثلين لمصالح اجتماعية، ويمكنهم من تطوير أجندة وطنية تعنى بشؤون المجتمع والناس بصرف النظر عن أصلهم ودينهم،
٤. لعبت ايران دورا حاسما في هذا التوجه وتعميق الطابع القهري للنظم العربية، وفي قطع الطريق على التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، ليس بسبب ما قدمته من دعم لأنظمة فئوية غير قادرة على البقاء من دونها فحسب، وإنما أكثر من ذلك بسبب سعيها الدائم إلى إلحاق هذه البلدان بها وبسياساتها، وحرفها عن قاعدتها الوطنية، بهدف اوراقا للمساومة في مواجهتها مع الغرب ومفاوضاتها المعقدة معه. فايران ليست الداعم الاول للنظم المتهاوية والمتحولة نحو العنف المطلق، بموازاة فقدانها لأي شرعية، إلا لأنها هي الرابح الأول من انهيار الدول العربية وتفكك قواعدها الوطنية.
٥. لا يوجد حل عسكري لمحنة العراق تماما كما لا يوجد حل عسكري لمحنة سورية. والاستمرار في السياسات ذاتها سيولد ردود الأفعال والثورات ذاتها، ويخلق المناخ والتربة المواتية لظهور داعش وامثالها وتطورها.
المطلوب العودة إلى سياسة وطنية حقيقية تساوي بين الجميع، وتفتح صفحة جديدة في تاريخ المجتمع العراقي والسوري، وتلغي كل أسس القهر والاضطهاد والتمييز الطائفي والمذهبي والاتني، وتؤسس لديمقراطية حقيقية من دون غش ولا تزوير ولا كذب ولا خداع، وتمنع رجال الدين، من أي مذهب كانوا من التلاعب بالعصبيات الدينية، والتدخل في شؤون الدولة والسياسة، أي رهن الأجندة الوطنية لأجندة النزاعات والمنافسات المذهبية والطائفية. لا يمكن لأي نظام دولة حديثة أن ينشأ ويستمر مع الارتهان لحسابات القوى وتوازن العصبيات الطائفية والاتنية، أو من أجل تأكيد تفوق جماعة دينية على أخرى أو مذهب على آخر، بصرف النظر عن النسبة العددية لهؤلاء وأؤلئك.
لذلك لا يكفي الحديث عن قتال داعش ومحاصرتها. في ماوراء داعش، المسؤولية الاولى تقع على نظام المالكي نفسه الذي لم يختلف في منطقه، ولو بوسائل أخرى، عن منطق داعش الاقصائي والتمييزي. ولن نستطيع محاصرة داعش وتجفيف ينابيع الفكر العدمي الذي يحرك اعضاءها، إلا بإصلاح النظام السياسي الذي ولدها ويهدد، إذا استمر، بتوليد ما هو أكثر عنفا وهمجية منها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire