samedi, janvier 24, 2015

مقابلة مع قناة الآن كانون٢ ٢٠١٥


عن الارهاب والسياسة والاسلام/العربي الجديد

لا تزال تفاعلات عملية "شارلي إيبدو" (7 يناير/كانون الثاني 2015)، والتي راح ضحيتها سبعة عشر شخصاً مستمرة، وسوف تستمر على الأغلب إلى فترة طويلة. وتنكبّ حكومات عربية في أوروبا والعالم العربي على التعديلات القانونية والإجراءات الأمنية الجديدة التي تعتقد أنها ستكون مفيدة لتعزيز دفاعات هذه البلدان ضد الإرهاب والعناصر الإرهابية. ولأنها تتمحور، في الدرجة الأولى، حول تشديد الرقابة ونظم الاستعلامات والردع، فلا بد من أن تقود إلى مزيد من تقييد الحريات، كما حصل بعد كل اعتداء إرهابي، ومن تعزيز الشكوك بالإسلام والمسلمين، خصوصاً في أوساط التجمعات السكانية التي يزيد فيها عدد المسلمين والعرب في الغرب، أو التي تعيش أوضاعاً اجتماعية صعبة. وعلى الرغم من الأصوات الشجاعة التي دانت الخلط بين الإسلام والإرهاب، وحاولت تجنيب المسلمين كجماعة دينية، أو المغتربين منهم، الشكوك والاتهامات السريعة، إلا أن هذا لم يغيّر في طبيعة ردود الأفعال السلبية لدى الرأي العام والجمهور الواسع في الغرب، بل حتى في بعض البلاد العربية. والمقاربة التي تتبناها الأجهزة المسؤولة عن محاربة الإرهاب لا تشجع على حماية المسلمين من مثل هذه الاتهامات التلقائية. فلا تزال الفرضية التي تسير عليها هذه الإجراءات هي ذاتها، منذ عقود، وهي ارتباط الإرهاب بنوع من الفكر الإسلامي المتطرف، وتسليط الأضواء على الجماعات الإسلامية المشكوك بأمرها، وتشديد المراقبة على الشبكات التي تصدر عنها مثل هذه الأعمال.


بين الإرهاب والتطرف
مشكلة هذه الفرضيات أنها لا ترى إلا الثمرة من هذه الظاهرة المعقدة المتعددة الأبعاد، ولا تنظر إلى الجذور العميقة التي تغذّي شجرة التطرف، وتشجع على ارتكاب أعمال العنف والاعتداء. فالتطرف لا يقود، حتماً، إلى الإرهاب، أي أن الكلام والتفكير غير الفعل، وجميع من يحملون اعتقادات متطرفة، في الدين أو السياسة أو المجتمع، مسلمين أو غير مسلمين أو ملحدين، لا ينتقلون من القول إلى الفعل بالضرورة، ولا بالسهولة التي قد تخطر على أذهان العاملين في الأجهزة الأمنية. ثم إن الإرهاب ليس مذهبا ولا قضية، لكنه وسيلة توضع في خدمة قضية قد تكون مشروعة أو لا مشروعة. وأنه، لذلك، ليس واحداً، ولا توجد نظرية جامعة للعنف والإرهاب، تبين أن هذه الجماعة الدينية، أو تلك، هي الأكثر استعدادا للتلوث به، أو الانخراط فيه. فللبيئة الاجتماعية والسياسية التي تعيش فيها الجماعات، وللسياق الذي تحصل فيه الاعتداءات، أهمية أكبر بكثير من الأفكار، مهما كانت درجة راديكاليتها، في تحويل سلوك الأفراد أو دفع بعضهم إلى الخروج على القانون، واللجوء إلى العنف الإرهابي، أو غير الإرهابي، كالثورة والتمرد المسلح وغيرهما. وكما أن كل متطرف ليس قابلاً للتحول 
بالضرورة إلى إرهابي فاعل، ذلك أن التجرؤ على العنف والإرهاب يفترض استعدادات نفسية، وتجارب شخصية خاصة، لا يتمتع بها كل فرد، كذلك لا يقود التعصب والتطرف الجماعات، في كل وقت وأية ظروف، إلى الدخول في دورة العنف التي لا تعني تكبيد الخسارة للطرف الآخر فحسب، وإنما أيضاً، القبول بمخاطر كبيرة تجاه الذات، وأحياناً، كما هو الحال في العمليات الإرهابية الفردية، الاستعداد للموت والتضحية بكل شيء. 
المقصود من هذا هو القول إن الإرهاب، بعكس الجريمة الجنائية، لا ينفصل عن السياسة، وإن معالجته بعيداً عن سياقه السياسي لا يمكن أن يقود إلى نتيجة نهائية، حتى لو أنه يستطيع، في مقابل ثمن سياسي مرتفع، أن يحد من انتشاره وتمدد شبكاته. وهذا، مع ذلك، أمر مطلوب، لكنه ليس كافياً. فلا ينبغي أن تختلط مواجهة الإرهاب، أي العنف الخارج عن القانون والمرتبط بمواقف نابعة من العقيدة، دينية كانت أم سياسية، مع مواجهة العنف الجنائي العادي، ولا تنفع فيه الإجراءات الأمنية ذاتها. فبينما يصدر العنف الإجرامي عن رغبة أنانية في جلب منافع، أو مصالح، أو متع غير مشروعة، بكل الوسائل، عادة ما يصدر العنف الإرهابي عن غيرية مفرطة، وأحيانا مرضية، يرى فيها الفرد نفسه ممثلاً للجماعة وفادياً لها، ويتوقع أن تنظر إليها الجماعة المرجعية التي يتطلع إلى اعترافها، كعمل بطولة، يرفع من قيمته، ويبرر تضحيته بنفسه، ولا تستقيم إرادة الفعل العنيف وتستبد بالفرد إلا من خلال استبطانه مبادئ وقيماً وأفكاراً، وتماهيه مع حقيقةٍ يعتبرها فوق كل اعتبار، قانوني أو سياسي أو اجتماعي، وتجعل الفاعل على استعداد للقيام بأي شيء لتحقيقها. فالمجرم الجنائي يرتدع عن الفعل، عندما يدرك أن ثمن خرق القانون الذي يقدم عليه أغلى بكثير من الفائدة التي يتوخاها منه، وأن المخاطر أكبر من احتمالات النجاح. 

ولهذا، تشكل الإجراءات الأمنية القائمة على تشديد الرقابة والعقوبة رادعاً عن الدخول في الفعل، في حين لا يوجد ردع ممكن أمام شخصٍ نذر حياته لقضية يعتبرها عادلة، واستعد للموت في سبيلها، حتى لو كانت في حقيقتها، وبالنسبة للآخرين، واهية أو خاطئة ومنحرفة. 
الفرق بين العنف الجنائي والإرهابي لا يتعلق بالشكل. فهما يستخدمان الأساليب والوسائل ذاتها، وإنما بالمضمون. ومضمون الإجرام والإرهاب على طرفي نقيض. فالأول يتحرك بدافع الأنانية المحض، والثاني بدافع إنكار الذات، أي بدافع مبدئي، ديني أو أخلاقي أو سياسي. وإذا كان من الممكن ردع المجرم عن فعلته، بتعظيم ثمن الانحراف الأناني، لا يمكن ردع الإرهابي عن عمله من دون التأثير على اعتقاداته نفسها، وهذه الاعتقادات ليست مفصولة أبداً عن الجماعة التي ينتمي إليها، وما يعتقد أنها تتوقع منه، والتي لا يقبل المقامرة بروحه في عمل يعتقد أنه يخدمها، إلا من أجل نيل اعترافها وتقديرها. من دون ذلك لا يبقى معنى لعمله، كما أن اندفاعه لصالح الجماعة لا ينفصل عن إدراكه وأعضاء الجماعة للظلم الذي تعاني منه، سواء أكان ظلما متخيلا أم حقيقياً. الإرهاب السياسي فعل يقوم به أفراد خاصون، أو ذوو استعدادات نفسية ووجدانية خاصة، يعتقدون أنهم يفدون بعملهم جماعتهم، ويدافعون عنها في وجه مظالم غير قادرة على ردّها، ولا تملك وسائل مواجهتها بالطرق الطبيعية، النظامية أو القانونية، ويقومون به ضد أعداء يعتقدون أنهم مسؤولون عن الحالة المأساوية التي تعيشها.

سياسة الإرهاب 
ليس للإرهاب موطن محدد، ولا يرتبط بأي عقيدة دينية أو دنيوية. إنه شكل من أشكال الحرب غير النظامية التي مارسها فاعلون من كل الأديان، وفي كل الأماكن والأزمان. وقد ارتبط، منذ القرن التاسع عشر، بالحركات الثورية التي نمت على هامش الثورة الاجتماعية، والآمال التي أطلقتها فكرة الحرية والجمهورية، وما صادفته من قمع وقهر على يد النظم المستبدة، خصوصاً في روسيا القيصرية، وكانت أهم تقنياته اغتيال الملوك أو الوزراء المتهمين بالمسؤولية عن معاناة الشعوب أو التنظيمات السياسية. واستخدمته حركات تحرير شعبية عديدة في البلاد النامية التي لم تكن تملك وسائل المواجهة الحربية النظامية مع خصومها من الدول الاستعمارية. وقد تستخدمه الحكومات في مواجهة التنظيمات السرية للمعارضة، أو حركات الاحتجاج التي تهدد استقرارها، كما تستخدمه النظم السياسية، واحدتها ضد الأخرى. 
وفي الشرق الأوسط، استخدم الإرهاب سياسة رسمية لردع الشعوب، وإخضاعها وإجبارها على التسليم بحقوقها، وأنشئت من أجل ذلك، تحت اسم المخابرات أو الحرس الوطني أو الحرس الثوري، منظمات إرهابية بالمعنى الحقيقي للكلمة، مهمتها الرئيسية التنكيل بالأفراد، وتلقينهم درس السيادة والعبودية، وسجنهم ومعاقبتهم والانتقام منهم وتشريدهم لمنعهم من المطالبة بحقوقهم، أو تحويلهم إلى رعايا في دول تحولت هي نفسها إلى إمارات قروسطية، وتحول فيها الحاكم إلى أمير حرب، يحكم بقوة السلاح، وعدد الميليشيات التي يستطيع تمويلها وقيادتها. واستخدم إرهاب الدولة على نطاق واسع، مع وسائل الحرب النظامية وأدواتها من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، بل والأسلحة الكيماوية، لإخماد الثورات الاجتماعية، وقتل حركات الاحتجاج أو الثورة، في المهد. كما استخدمته دول ضد دول أخرى بديلاً عن الحرب النظامية. 
ونشأ على هامش إرهاب الدولة والإرهاب الرسمي إرهاب مقابل، اندفعت إليه بعض الحركات السياسية. وبمقدار ما تحول الإرهاب إلى وسيلة للحكم، والاستمرار فيه أصبح أيضاً وسيلة للاعتراض، ورفض الاستسلام عند بعض الحركات التي وجدت الطريق مقفلاً أمام التغييرات السياسية. والواقع أن الإرهاب في الشرق الأوسط لم يعد ظاهرة ثانوية، أو فردية، تعبر عن التعصب الأعمى لبعض الأفراد، أو نزقهم، أو كفرهم بالمجتمع والدولة، أو ضيق حيلتهم وأفقهم وضعف تفكيرهم، وإنما سياسة قائمة بذاتها، وكما ذكرت في مقال قديم، صار الإرهاب مختصر الحياة السياسية في هذه المناطق وروحها. 
من دون فهم الدوافع السياسية والبيئة التي تنمو فيها الأفكار المتطرفة والمشاريع الإرهابية، والتعمق في تحليل الأزمات التي تدفع إليها، والانسدادات التي تعيشها المجتمعات، وتجعل التفكير في العنف الوسيلة الوحيدة لكسرها في أذهان أفراد كثيرين، وليس فقط في أذهان الفاعلين الإرهابيين، لا يمكن بناء أي استراتيجية فاعلة ومجدية لمقاومة الإرهاب والحد من انتشاره. 
وسوف تبقى الأجهزة الأمنية في سباق مع الزمن، تلهث وراء عمليات الإرهاب، بدل أن تستبق أعماله. ولن تتمكن من القضاء عليه، وتجفيف موارده الفكرية والسياسية، طالما بقيت تنظر إليه من منظار الجريمة الجنائية، المرتبطة بانحراف الفرد وأفكاره وعقيدته، لا بمأزق الحياة الاجتماعية والسياسية للجماعة التي يتطلع إلى خدمتها، أو الدفاع عنها. وبالنسبة للمجتمعات العربية الراهنة التي كان الرحالة يصفونها في القرن التاسع عشر بالجبرية والتسليم للقدر والجمود، لم يتحول الإرهاب إلى سياسة، ويتعمم العنف الخارج على القانون، إلا بمقدار ما تحولت السياسة في نظم القهر الداخلية والخارجية إلى جريمة، وصار موت الإنسان أكثر إنتاجاً للمعنى من حفاظه على بقائه. 
في هذا السياق، نشأ الإرهاب المنتمي إلى الحركات التكفيرية، وتحول إلى حرب غير نظامية، بل طمح، لأول مرة في التاريخ، إلى أن ينتقل بنفسه من رد فعل على العنف الرسمي أو النظامي، الذي تقوم به دول وحكومات وتكتلات ضد أفراد ومجموعات هامشية أو أقلوية، إلى قوام دولة ومضمونها. وهذه الطفرة في سياسة الإرهاب وفكرته عن نفسه وتنظيمه، هي التي تستحق أن نعمق التفكير فيها، ونصل إلى جذورها الممتدة في السياق الاجتماعي والسياسي والعالمي أيضا. وهذا موضوع مقال آخر.

عن الإرهاب والسياسة والإسلام

24 يناير 2015

 لا تزال تفاعلات عملية "شارلي إيبدو" (7 يناير/كانون الثاني 2015)، والتي راح ضحيتها سبعة عشر شخصاً مستمرة، وسوف تستمر على الأغلب إلى فترة طويلة. وتنكبّ حكومات عربية في أوروبا والعالم العربي على التعديلات القانونية والإجراءات الأمنية الجديدة التي تعتقد أنها ستكون مفيدة لتعزيز دفاعات هذه البلدان ضد الإرهاب والعناصر الإرهابية. ولأنها تتمحور، في الدرجة الأولى، حول تشديد الرقابة ونظم الاستعلامات والردع، فلا بد من أن تقود إلى مزيد من تقييد الحريات، كما حصل بعد كل اعتداء إرهابي، ومن تعزيز الشكوك بالإسلام والمسلمين، خصوصاً في أوساط التجمعات السكانية التي يزيد فيها عدد المسلمين والعرب في الغرب، أو التي تعيش أوضاعاً اجتماعية صعبة. وعلى الرغم من الأصوات الشجاعة التي دانت الخلط بين الإسلام والإرهاب، وحاولت تجنيب المسلمين كجماعة دينية، أو المغتربين منهم، الشكوك والاتهامات السريعة، إلا أن هذا لم يغيّر في طبيعة ردود الأفعال السلبية لدى الرأي العام والجمهور الواسع في الغرب، بل حتى في بعض البلاد العربية. والمقاربة التي تتبناها الأجهزة المسؤولة عن محاربة الإرهاب لا تشجع على حماية المسلمين من مثل هذه الاتهامات التلقائية. فلا تزال الفرضية التي تسير عليها هذه الإجراءات هي ذاتها، منذ عقود، وهي ارتباط الإرهاب بنوع من الفكر الإسلامي المتطرف، وتسليط الأضواء على الجماعات الإسلامية المشكوك بأمرها، وتشديد المراقبة على الشبكات التي تصدر عنها مثل هذه الأعمال.


بين الإرهاب والتطرف
مشكلة هذه الفرضيات أنها لا ترى إلا الثمرة من هذه الظاهرة المعقدة المتعددة الأبعاد، ولا تنظر إلى الجذور العميقة التي تغذّي شجرة التطرف، وتشجع على ارتكاب أعمال العنف والاعتداء. فالتطرف لا يقود، حتماً، إلى الإرهاب، أي أن الكلام والتفكير غير الفعل، وجميع من يحملون اعتقادات متطرفة، في الدين أو السياسة أو المجتمع، مسلمين أو غير مسلمين أو ملحدين، لا ينتقلون من القول إلى الفعل بالضرورة، ولا بالسهولة التي قد تخطر على أذهان العاملين في الأجهزة الأمنية. ثم إن الإرهاب ليس مذهبا ولا قضية، لكنه وسيلة توضع في خدمة قضية قد تكون مشروعة أو لا مشروعة. وأنه، لذلك، ليس واحداً، ولا توجد نظرية جامعة للعنف والإرهاب، تبين أن هذه الجماعة الدينية، أو تلك، هي الأكثر استعدادا للتلوث به، أو الانخراط فيه. فللبيئة الاجتماعية والسياسية التي تعيش فيها الجماعات، وللسياق الذي تحصل فيه الاعتداءات، أهمية أكبر بكثير من الأفكار، مهما كانت درجة راديكاليتها، في تحويل سلوك الأفراد أو دفع بعضهم إلى الخروج على القانون، واللجوء إلى العنف الإرهابي، أو غير الإرهابي، كالثورة والتمرد المسلح وغيرهما. وكما أن كل متطرف ليس قابلاً للتحول
بالضرورة إلى إرهابي فاعل، ذلك أن التجرؤ على العنف والإرهاب يفترض استعدادات نفسية، وتجارب شخصية خاصة، لا يتمتع بها كل فرد، كذلك لا يقود التعصب والتطرف الجماعات، في كل وقت وأية ظروف، إلى الدخول في دورة العنف التي لا تعني تكبيد الخسارة للطرف الآخر فحسب، وإنما أيضاً، القبول بمخاطر كبيرة تجاه الذات، وأحياناً، كما هو الحال في العمليات الإرهابية الفردية، الاستعداد للموت والتضحية بكل شيء.
المقصود من هذا هو القول إن الإرهاب، بعكس الجريمة الجنائية، لا ينفصل عن السياسة، وإن معالجته بعيداً عن سياقه السياسي لا يمكن أن يقود إلى نتيجة نهائية، حتى لو أنه يستطيع، في مقابل ثمن سياسي مرتفع، أن يحد من انتشاره وتمدد شبكاته. وهذا، مع ذلك، أمر مطلوب، لكنه ليس كافياً. فلا ينبغي أن تختلط مواجهة الإرهاب، أي العنف الخارج عن القانون والمرتبط بمواقف نابعة من العقيدة، دينية كانت أم سياسية، مع مواجهة العنف الجنائي العادي، ولا تنفع فيه الإجراءات الأمنية ذاتها. فبينما يصدر العنف الإجرامي عن رغبة أنانية في جلب منافع، أو مصالح، أو متع غير مشروعة، بكل الوسائل، عادة ما يصدر العنف الإرهابي عن غيرية مفرطة، وأحيانا مرضية، يرى فيها الفرد نفسه ممثلاً للجماعة وفادياً لها، ويتوقع أن تنظر إليها الجماعة المرجعية التي يتطلع إلى اعترافها، كعمل بطولة، يرفع من قيمته، ويبرر تضحيته بنفسه، ولا تستقيم إرادة الفعل العنيف وتستبد بالفرد إلا من خلال استبطانه مبادئ وقيماً وأفكاراً، وتماهيه مع حقيقةٍ يعتبرها فوق كل اعتبار، قانوني أو سياسي أو اجتماعي، وتجعل الفاعل على استعداد للقيام بأي شيء لتحقيقها. فالمجرم الجنائي يرتدع عن الفعل، عندما يدرك أن ثمن خرق القانون الذي يقدم عليه أغلى بكثير من الفائدة التي يتوخاها منه، وأن المخاطر أكبر من احتمالات النجاح.

ولهذا، تشكل الإجراءات الأمنية القائمة على تشديد الرقابة والعقوبة رادعاً عن الدخول في الفعل، في حين لا يوجد ردع ممكن أمام شخصٍ نذر حياته لقضية يعتبرها عادلة، واستعد للموت في سبيلها، حتى لو كانت في حقيقتها، وبالنسبة للآخرين، واهية أو خاطئة ومنحرفة.
الفرق بين العنف الجنائي والإرهابي لا يتعلق بالشكل. فهما يستخدمان الأساليب والوسائل ذاتها، وإنما بالمضمون. ومضمون الإجرام والإرهاب على طرفي نقيض. فالأول يتحرك بدافع الأنانية المحض، والثاني بدافع إنكار الذات، أي بدافع مبدئي، ديني أو أخلاقي أو سياسي. وإذا كان من الممكن ردع المجرم عن فعلته، بتعظيم ثمن الانحراف الأناني، لا يمكن ردع الإرهابي عن عمله من دون التأثير على اعتقاداته نفسها، وهذه الاعتقادات ليست مفصولة أبداً عن الجماعة التي ينتمي إليها، وما يعتقد أنها تتوقع منه، والتي لا يقبل المقامرة بروحه في عمل يعتقد أنه يخدمها، إلا من أجل نيل اعترافها وتقديرها. من دون ذلك لا يبقى معنى لعمله، كما أن اندفاعه لصالح الجماعة لا ينفصل عن إدراكه وأعضاء الجماعة للظلم الذي تعاني منه، سواء أكان ظلما متخيلا أم حقيقياً. الإرهاب السياسي فعل يقوم به أفراد خاصون، أو ذوو استعدادات نفسية ووجدانية خاصة، يعتقدون أنهم يفدون بعملهم جماعتهم، ويدافعون عنها في وجه مظالم غير قادرة على ردّها، ولا تملك وسائل مواجهتها بالطرق الطبيعية، النظامية أو القانونية، ويقومون به ضد أعداء يعتقدون أنهم مسؤولون عن الحالة المأساوية التي تعيشها.

سياسة الإرهاب 
ليس للإرهاب موطن محدد، ولا يرتبط بأي عقيدة دينية أو دنيوية. إنه شكل من أشكال الحرب غير النظامية التي مارسها فاعلون من كل الأديان، وفي كل الأماكن والأزمان. وقد ارتبط، منذ القرن التاسع عشر، بالحركات الثورية التي نمت على هامش الثورة الاجتماعية، والآمال التي أطلقتها فكرة الحرية والجمهورية، وما صادفته من قمع وقهر على يد النظم المستبدة، خصوصاً في روسيا القيصرية، وكانت أهم تقنياته اغتيال الملوك أو الوزراء المتهمين بالمسؤولية عن معاناة الشعوب أو التنظيمات السياسية. واستخدمته حركات تحرير شعبية عديدة في البلاد النامية التي لم تكن تملك وسائل المواجهة الحربية النظامية مع خصومها من الدول الاستعمارية. وقد تستخدمه الحكومات في مواجهة التنظيمات السرية للمعارضة، أو حركات الاحتجاج التي تهدد استقرارها، كما تستخدمه النظم السياسية، واحدتها ضد الأخرى.
وفي الشرق الأوسط، استخدم الإرهاب سياسة رسمية لردع الشعوب، وإخضاعها وإجبارها على التسليم بحقوقها، وأنشئت من أجل ذلك، تحت اسم المخابرات أو الحرس الوطني أو الحرس الثوري، منظمات إرهابية بالمعنى الحقيقي للكلمة، مهمتها الرئيسية التنكيل بالأفراد، وتلقينهم درس السيادة والعبودية، وسجنهم ومعاقبتهم والانتقام منهم وتشريدهم لمنعهم من المطالبة بحقوقهم، أو تحويلهم إلى رعايا في دول تحولت هي نفسها إلى إمارات قروسطية، وتحول فيها الحاكم إلى أمير حرب، يحكم بقوة السلاح، وعدد الميليشيات التي يستطيع تمويلها وقيادتها. واستخدم إرهاب الدولة على نطاق واسع، مع وسائل الحرب النظامية وأدواتها من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، بل والأسلحة الكيماوية، لإخماد الثورات الاجتماعية، وقتل حركات الاحتجاج أو الثورة، في المهد. كما استخدمته دول ضد دول أخرى بديلاً عن الحرب النظامية.
ونشأ على هامش إرهاب الدولة والإرهاب الرسمي إرهاب مقابل، اندفعت إليه بعض الحركات السياسية. وبمقدار ما تحول الإرهاب إلى وسيلة للحكم، والاستمرار فيه أصبح أيضاً وسيلة للاعتراض، ورفض الاستسلام عند بعض الحركات التي وجدت الطريق مقفلاً أمام التغييرات السياسية. والواقع أن الإرهاب في الشرق الأوسط لم يعد ظاهرة ثانوية، أو فردية، تعبر عن التعصب الأعمى لبعض الأفراد، أو نزقهم، أو كفرهم بالمجتمع والدولة، أو ضيق حيلتهم وأفقهم وضعف تفكيرهم، وإنما سياسة قائمة بذاتها، وكما ذكرت في مقال قديم، صار الإرهاب مختصر الحياة السياسية في هذه المناطق وروحها.
من دون فهم الدوافع السياسية والبيئة التي تنمو فيها الأفكار المتطرفة والمشاريع الإرهابية، والتعمق في تحليل الأزمات التي تدفع إليها، والانسدادات التي تعيشها المجتمعات، وتجعل التفكير في العنف الوسيلة الوحيدة لكسرها في أذهان أفراد كثيرين، وليس فقط في أذهان الفاعلين الإرهابيين، لا يمكن بناء أي استراتيجية فاعلة ومجدية لمقاومة الإرهاب والحد من انتشاره.
وسوف تبقى الأجهزة الأمنية في سباق مع الزمن، تلهث وراء عمليات الإرهاب، بدل أن تستبق أعماله. ولن تتمكن من القضاء عليه، وتجفيف موارده الفكرية والسياسية، طالما بقيت تنظر إليه من منظار الجريمة الجنائية، المرتبطة بانحراف الفرد وأفكاره وعقيدته، لا بمأزق الحياة الاجتماعية والسياسية للجماعة التي يتطلع إلى خدمتها، أو الدفاع عنها. وبالنسبة للمجتمعات العربية الراهنة التي كان الرحالة يصفونها في القرن التاسع عشر بالجبرية والتسليم للقدر والجمود، لم يتحول الإرهاب إلى سياسة، ويتعمم العنف الخارج على القانون، إلا بمقدار ما تحولت السياسة في نظم القهر الداخلية والخارجية إلى جريمة، وصار موت الإنسان أكثر إنتاجاً للمعنى من حفاظه على بقائه.
في هذا السياق، نشأ الإرهاب المنتمي إلى الحركات التكفيرية، وتحول إلى حرب غير نظامية، بل طمح، لأول مرة في التاريخ، إلى أن ينتقل بنفسه من رد فعل على العنف الرسمي أو النظامي، الذي تقوم به دول وحكومات وتكتلات ضد أفراد ومجموعات هامشية أو أقلوية، إلى قوام دولة ومضمونها. وهذه الطفرة في سياسة الإرهاب وفكرته عن نفسه وتنظيمه، هي التي تستحق أن نعمق التفكير فيها، ونصل إلى جذورها الممتدة في السياق الاجتماعي والسياسي والعالمي أيضا. وهذا موضوع مقال آخر. 
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/1/24/%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85#sthash.gsBt8h39.dpuf

عن الإرهاب والسياسة والإسلام



برهان غليون

برهان غليون

أكاديمي سوري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في باريس، أول رئيس للمجلس الوطني السوري المعارض.


  •  
لا تزال تفاعلات عملية "شارلي إيبدو" (7 يناير/كانون الثاني 2015)، والتي راح ضحيتها سبعة عشر شخصاً مستمرة، وسوف تستمر على الأغلب إلى فترة طويلة. وتنكبّ حكومات عربية في أوروبا والعالم العربي على التعديلات القانونية والإجراءات الأمنية الجديدة التي تعتقد أنها ستكون مفيدة لتعزيز دفاعات هذه البلدان ضد الإرهاب والعناصر الإرهابية. ولأنها تتمحور، في الدرجة الأولى، حول تشديد الرقابة ونظم الاستعلامات والردع، فلا بد من أن تقود إلى مزيد من تقييد الحريات، كما حصل بعد كل اعتداء إرهابي، ومن تعزيز الشكوك بالإسلام والمسلمين، خصوصاً في أوساط التجمعات السكانية التي يزيد فيها عدد المسلمين والعرب في الغرب، أو التي تعيش أوضاعاً اجتماعية صعبة. وعلى الرغم من الأصوات الشجاعة التي دانت الخلط بين الإسلام والإرهاب، وحاولت تجنيب المسلمين كجماعة دينية، أو المغتربين منهم، الشكوك والاتهامات السريعة، إلا أن هذا لم يغيّر في طبيعة ردود الأفعال السلبية لدى الرأي العام والجمهور الواسع في الغرب، بل حتى في بعض البلاد العربية. والمقاربة التي تتبناها الأجهزة المسؤولة عن محاربة الإرهاب لا تشجع على حماية المسلمين من مثل هذه الاتهامات التلقائية. فلا تزال الفرضية التي تسير عليها هذه الإجراءات هي ذاتها، منذ عقود، وهي ارتباط الإرهاب بنوع من الفكر الإسلامي المتطرف، وتسليط الأضواء على الجماعات الإسلامية المشكوك بأمرها، وتشديد المراقبة على الشبكات التي تصدر عنها مثل هذه الأعمال.
 

بين الإرهاب والتطرف

مشكلة هذه الفرضيات أنها لا ترى إلا الثمرة من هذه الظاهرة المعقدة المتعددة الأبعاد، ولا تنظر إلى الجذور العميقة التي تغذّي شجرة التطرف، وتشجع على ارتكاب أعمال العنف والاعتداء. فالتطرف لا يقود، حتماً، إلى الإرهاب، أي أن الكلام والتفكير غير الفعل، وجميع من يحملون اعتقادات متطرفة، في الدين أو السياسة أو المجتمع، مسلمين أو غير مسلمين أو ملحدين، لا ينتقلون من القول إلى الفعل بالضرورة، ولا بالسهولة التي قد تخطر على أذهان العاملين في الأجهزة الأمنية. ثم إن الإرهاب ليس مذهبا ولا قضية، لكنه وسيلة توضع في خدمة قضية قد تكون مشروعة أو لا مشروعة. وأنه، لذلك، ليس واحداً، ولا توجد نظرية جامعة للعنف والإرهاب، تبين أن هذه الجماعة الدينية، أو تلك، هي الأكثر استعدادا للتلوث به، أو الانخراط فيه. فللبيئة الاجتماعية والسياسية التي تعيش فيها الجماعات، وللسياق الذي تحصل فيه الاعتداءات، أهمية أكبر بكثير من الأفكار، مهما كانت درجة راديكاليتها، في تحويل سلوك الأفراد أو دفع بعضهم إلى الخروج على القانون، واللجوء إلى العنف الإرهابي، أو غير الإرهابي، كالثورة والتمرد المسلح وغيرهما. وكما أن كل متطرف ليس قابلاً للتحول 
بالضرورة إلى إرهابي فاعل، ذلك أن التجرؤ على العنف والإرهاب يفترض استعدادات نفسية، وتجارب شخصية خاصة، لا يتمتع بها كل فرد، كذلك لا يقود التعصب والتطرف الجماعات، في كل وقت وأية ظروف، إلى الدخول في دورة العنف التي لا تعني تكبيد الخسارة للطرف الآخر فحسب، وإنما أيضاً، القبول بمخاطر كبيرة تجاه الذات، وأحياناً، كما هو الحال في العمليات الإرهابية الفردية، الاستعداد للموت والتضحية بكل شيء.
المقصود من هذا هو القول إن الإرهاب، بعكس الجريمة الجنائية، لا ينفصل عن السياسة، وإن معالجته بعيداً عن سياقه السياسي لا يمكن أن يقود إلى نتيجة نهائية، حتى لو أنه يستطيع، في مقابل ثمن سياسي مرتفع، أن يحد من انتشاره وتمدد شبكاته. وهذا، مع ذلك، أمر مطلوب، لكنه ليس كافياً. فلا ينبغي أن تختلط مواجهة الإرهاب، أي العنف الخارج عن القانون والمرتبط بمواقف نابعة من العقيدة، دينية كانت أم سياسية، مع مواجهة العنف الجنائي العادي، ولا تنفع فيه الإجراءات الأمنية ذاتها. فبينما يصدر العنف الإجرامي عن رغبة أنانية في جلب منافع، أو مصالح، أو متع غير مشروعة، بكل الوسائل، عادة ما يصدر العنف الإرهابي عن غيرية مفرطة، وأحيانا مرضية، يرى فيها الفرد نفسه ممثلاً للجماعة وفادياً لها، ويتوقع أن تنظر إليها الجماعة المرجعية التي يتطلع إلى اعترافها، كعمل بطولة، يرفع من قيمته، ويبرر تضحيته بنفسه، ولا تستقيم إرادة الفعل العنيف وتستبد بالفرد إلا من خلال استبطانه مبادئ وقيماً وأفكاراً، وتماهيه مع حقيقةٍ يعتبرها فوق كل اعتبار، قانوني أو سياسي أو اجتماعي، وتجعل الفاعل على استعداد للقيام بأي شيء لتحقيقها. فالمجرم الجنائي يرتدع عن الفعل، عندما يدرك أن ثمن خرق القانون الذي يقدم عليه أغلى بكثير من الفائدة التي يتوخاها منه، وأن المخاطر أكبر من احتمالات النجاح.

ولهذا، تشكل الإجراءات الأمنية القائمة على تشديد الرقابة والعقوبة رادعاً عن الدخول في الفعل، في حين لا يوجد ردع ممكن أمام شخصٍ نذر حياته لقضية يعتبرها عادلة، واستعد للموت في سبيلها، حتى لو كانت في حقيقتها، وبالنسبة للآخرين، واهية أو خاطئة ومنحرفة.
الفرق بين العنف الجنائي والإرهابي لا يتعلق بالشكل. فهما يستخدمان الأساليب والوسائل ذاتها، وإنما بالمضمون. ومضمون الإجرام والإرهاب على طرفي نقيض. فالأول يتحرك بدافع الأنانية المحض، والثاني بدافع إنكار الذات، أي بدافع مبدئي، ديني أو أخلاقي أو سياسي. وإذا كان من الممكن ردع المجرم عن فعلته، بتعظيم ثمن الانحراف الأناني، لا يمكن ردع الإرهابي عن عمله من دون التأثير على اعتقاداته نفسها، وهذه الاعتقادات ليست مفصولة أبداً عن الجماعة التي ينتمي إليها، وما يعتقد أنها تتوقع منه، والتي لا يقبل المقامرة بروحه في عمل يعتقد أنه يخدمها، إلا من أجل نيل اعترافها وتقديرها. من دون ذلك لا يبقى معنى لعمله، كما أن اندفاعه لصالح الجماعة لا ينفصل عن إدراكه وأعضاء الجماعة للظلم الذي تعاني منه، سواء أكان ظلما متخيلا أم حقيقياً. الإرهاب السياسي فعل يقوم به أفراد خاصون، أو ذوو استعدادات نفسية ووجدانية خاصة، يعتقدون أنهم يفدون بعملهم جماعتهم، ويدافعون عنها في وجه مظالم غير قادرة على ردّها، ولا تملك وسائل مواجهتها بالطرق الطبيعية، النظامية أو القانونية، ويقومون به ضد أعداء يعتقدون أنهم مسؤولون عن الحالة المأساوية التي تعيشها.

سياسة الإرهاب 
ليس للإرهاب موطن محدد، ولا يرتبط بأي عقيدة دينية أو دنيوية. إنه شكل من أشكال الحرب غير النظامية التي مارسها فاعلون من كل الأديان، وفي كل الأماكن والأزمان. وقد ارتبط، منذ القرن التاسع عشر، بالحركات الثورية التي نمت على هامش الثورة الاجتماعية، والآمال التي أطلقتها فكرة الحرية والجمهورية، وما صادفته من قمع وقهر على يد النظم المستبدة، خصوصاً في روسيا القيصرية، وكانت أهم تقنياته اغتيال الملوك أو الوزراء المتهمين بالمسؤولية عن معاناة الشعوب أو التنظيمات السياسية. واستخدمته حركات تحرير شعبية عديدة في البلاد النامية التي لم تكن تملك وسائل المواجهة الحربية النظامية مع خصومها من الدول الاستعمارية. وقد تستخدمه الحكومات في مواجهة التنظيمات السرية للمعارضة، أو حركات الاحتجاج التي تهدد استقرارها، كما تستخدمه النظم السياسية، واحدتها ضد الأخرى.
وفي الشرق الأوسط، استخدم الإرهاب سياسة رسمية لردع الشعوب، وإخضاعها وإجبارها على التسليم بحقوقها، وأنشئت من أجل ذلك، تحت اسم المخابرات أو الحرس الوطني أو الحرس الثوري، منظمات إرهابية بالمعنى الحقيقي للكلمة، مهمتها الرئيسية التنكيل بالأفراد، وتلقينهم درس السيادة والعبودية، وسجنهم ومعاقبتهم والانتقام منهم وتشريدهم لمنعهم من المطالبة بحقوقهم، أو تحويلهم إلى رعايا في دول تحولت هي نفسها إلى إمارات قروسطية، وتحول فيها الحاكم إلى أمير حرب، يحكم بقوة السلاح، وعدد الميليشيات التي يستطيع تمويلها وقيادتها. واستخدم إرهاب الدولة على نطاق واسع، مع وسائل الحرب النظامية وأدواتها من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، بل والأسلحة الكيماوية، لإخماد الثورات الاجتماعية، وقتل حركات الاحتجاج أو الثورة، في المهد. كما استخدمته دول ضد دول أخرى بديلاً عن الحرب النظامية.
ونشأ على هامش إرهاب الدولة والإرهاب الرسمي إرهاب مقابل، اندفعت إليه بعض الحركات السياسية. وبمقدار ما تحول الإرهاب إلى وسيلة للحكم، والاستمرار فيه أصبح أيضاً وسيلة للاعتراض، ورفض الاستسلام عند بعض الحركات التي وجدت الطريق مقفلاً أمام التغييرات السياسية. والواقع أن الإرهاب في الشرق الأوسط لم يعد ظاهرة ثانوية، أو فردية، تعبر عن التعصب الأعمى لبعض الأفراد، أو نزقهم، أو كفرهم بالمجتمع والدولة، أو ضيق حيلتهم وأفقهم وضعف تفكيرهم، وإنما سياسة قائمة بذاتها، وكما ذكرت في مقال قديم، صار الإرهاب مختصر الحياة السياسية في هذه المناطق وروحها.
من دون فهم الدوافع السياسية والبيئة التي تنمو فيها الأفكار المتطرفة والمشاريع الإرهابية، والتعمق في تحليل الأزمات التي تدفع إليها، والانسدادات التي تعيشها المجتمعات، وتجعل التفكير في العنف الوسيلة الوحيدة لكسرها في أذهان أفراد كثيرين، وليس فقط في أذهان الفاعلين الإرهابيين، لا يمكن بناء أي استراتيجية فاعلة ومجدية لمقاومة الإرهاب والحد من انتشاره.
وسوف تبقى الأجهزة الأمنية في سباق مع الزمن، تلهث وراء عمليات الإرهاب، بدل أن تستبق أعماله. ولن تتمكن من القضاء عليه، وتجفيف موارده الفكرية والسياسية، طالما بقيت تنظر إليه من منظار الجريمة الجنائية، المرتبطة بانحراف الفرد وأفكاره وعقيدته، لا بمأزق الحياة الاجتماعية والسياسية للجماعة التي يتطلع إلى خدمتها، أو الدفاع عنها. وبالنسبة للمجتمعات العربية الراهنة التي كان الرحالة يصفونها في القرن التاسع عشر بالجبرية والتسليم للقدر والجمود، لم يتحول الإرهاب إلى سياسة، ويتعمم العنف الخارج على القانون، إلا بمقدار ما تحولت السياسة في نظم القهر الداخلية والخارجية إلى جريمة، وصار موت الإنسان أكثر إنتاجاً للمعنى من حفاظه على بقائه.
في هذا السياق، نشأ الإرهاب المنتمي إلى الحركات التكفيرية، وتحول إلى حرب غير نظامية، بل طمح، لأول مرة في التاريخ، إلى أن ينتقل بنفسه من رد فعل على العنف الرسمي أو النظامي، الذي تقوم به دول وحكومات وتكتلات ضد أفراد ومجموعات هامشية أو أقلوية، إلى قوام دولة ومضمونها. وهذه الطفرة في سياسة الإرهاب وفكرته عن نفسه وتنظيمه، هي التي تستحق أن نعمق التفكير فيها، ونصل إلى جذورها الممتدة في السياق الاجتماعي والسياسي والعالمي أيضا. وهذا موضوع مقال آخر.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/19ebfbda-0400-4411-add3-115b73e01940#sthash.SWIOCpgo.dpuf

jeudi, janvier 22, 2015

حتى يكون لقاء المعارضة منتجا

 22 janvier · 
ويكون للحوار في ما بين أعضائها وتياراتها معنى وقيمة، ينبغي
١. أن تقوم المعارضة نفسها بالدعوة للقاء والحوار، ولا تترك لأي دولة أو قوة خارجية أن تقوم بما هو من صلب عملها وواجبها كمعارضة.
٢. أن لا تسمح لفريق واحد، مهما كان، أن يحدد أسماء المدعوين للحوار، وإنما أن تتم الدعوة من قبل لجنة تنسيق مؤلفة من ممثلي الكتل والتشكيلات والأحزاب والشخصيات العامة، 
٣. أن لا ينعقد المؤتمر من دون وثائق تقوم بإعدادها لجنة الدعوة للمؤتمر ويكون قد اتفق عليها مسبقا.
٤. أن لا تتخلى المعارضة عن وثائق المؤتمر الأول للمعارضة الذي عقد تحت إشراف الجامعة العربية في أواخر ٢٠١٢ وهي الوثائق التي شكلت المرجعية الرئيسية للمعارضة منذ ذلك الوقت، وأساس وحدة موقفها وعملها. وبدل النقاش في إنتاج وثائق جديدة كان من المطلوب استعادتها ومناقشتها لتعديل ما يحتاج إلى تعديل من دون التخلي عنها واستبدالها بوثائق جديدة مما يضعف من صدقية المعارضة نفسها والثقة بالوثائق الجديدة.
٥. ينبغي أن يكون من الواضح أن الهدف ليس توحيد المعارضة فهذا مستحيل اليوم كما كان في السابق لأسباب عديدة. المطلوب توحيد مواقفها وبلورة خريطة طريق وآليات عمل وتنسيق وتعاون.
٦. ومن أجل هذا كان من الأنجع والأكثر انتاجا قصر الدعوة والاجتماع على مجموعة صغيرة بين ٢٥ و٣٠ شخصا يمثلون التيارات والكتل والتجمعات المختلفة للمعارضة لإجراء تقاش معمق حول الوثائق المعتمدة وتعديلها إذا احتاج الامر والخروج ببرنامج سياسي مشترك ومتفق عليه. فليس هناك أي نتيجة محتملة من اجتماع ٧٥ شخصا، خاصة مع انعدام العمل المسبق على وثائق واحدة.

حول مؤتمر القاهرة لتقسيم المعارضة السورية


بالتنسيق مع موسكو، ومن اجل الاعداد لما أطلق عليه الروس اسم الحوار السوري السوري بين المعارضة ونظ الأسد، تناقليت الصحافة والمعارضة نبأ انعقاد مؤتمر حوار المعارضة السورية في القاهرة في ٢٥-٢٢ من هذا الشهر، من أجل التوصل إلى رؤية واحدة ومشتركة من المفترض أن تساهم في تعزيز دور المعارضة وتمكينها من الدخول قوية ومن دون انقسامات إلى المفاوضات المزمع إجراؤها مع النظام للتوصل إلى حل سياسي يضمن وقف الحرب وعودة سورية إلى السلام والاستقرار.
ما حصل حتى الآن أظهر العكس. فكل المعلومات تشير الى أن مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة ليس مؤتمرا لتوحيد المعارضة وإنما لتقسيمها وزرع الشقاق بين عناصرها وضرب مؤسساتها. فكما عمل الروس في مؤتمرهم الذي أعلن عنه في ٢٦ من هذا الشهر، لم ترسل الدعوة إلى مؤسسات المعارضة وباسمها، وإنما اختير من بين أعضائها الأشخاص المطلوبين، من دون أية معايير منطقية وواضحة، بل حسب وجهات نظر ومواقف معينة، كما لوكأن الهدف تشكيل معارضة بديلة قابلة للسير في الاتجاه الدولي السائد اليوم، وهو التهادن مع الأسد، والقبول بالعمل تحت قيادة التحالف الدولي لمحاربة الارهاب وداعش. وهذا ما يفسر أيضا افتقار المؤتمر لأي إعداد أو جدول أعمال متفق عليه. وبينما كان الاتفاق قائما بين الإئتلاف وهيئة التنسيق على توحيد الوثائق قبل الذهاب إلى المؤتمر، فوجيء الجميع بإرسال الدعوات، في الوقت الذي لم يتمكن فيه رئيس وفد الائتلاف هشام مروة من الحصول على تأشيرة دخول إلى الأراضي المصرية.
يحصد الإئتلاف الثمار المرة لإضاعة سنتين من عمر الائتلاف في المنازعات والمهاترات والانقسامات. ويجد نفسه الآن أمام تحدي إثبات جدارته في تأكيد موقعه الأول كطرف أساسي لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات سياسية قادمة. ويزيد من هذا التحدي تفاهم الروس والمصريين والعراقيين وربما الايرانيين على دفن مؤتمر جنيف والقرارات الأممية التي استند إليها، واستعداد الكثير من أعضاء المعارضة الذين غيبهم الائتلاف في الحقبة السابقة نظرا لما كان يحظى به من اعتراف دولي لتجاوز الائتلاف والعمل لعزله، بما في ذلك أعضاء في الإئتلاف لم يعد لهم النفوذ الذي كانوا يأملونه ويطمحون إليه. يشجعهم على ذلك تراخي التجمع الدولي الذي كان يقف وراء الإئتلاف، باسم اصدقاء الشعب السوري، وميله المتزايد، أمام الإهمال الأمريكي للملف السوري، إلى تخفيض سقف التوقعات، وتقليص الاستثمارات المادية والسياسية في القضية السورية كلها.
ينبغي على المشاركين في هذا المؤتمر أن يدركوا أن ضرب الائتلاف في هذه الفترة لن يحقق أي مطلب سياسي لأحد وإنما ستكون نتيجته الوحيدة إضعاف المعارضة كلها وقطع الطريق على أي حل سياسي عادل يضمن وقف القتال ويقنع القوى الفاعلة على الأرض بالتعاون من أجله. ومن دون تضامن جميع أطرافها لن تستطيع المعارضة أن تقنع الدول الراغبة في التحلل من التزاماتها تجاه الشعب السوري بالاستمرار في دعم المعارضة وتمكينها من لعب دورها المنتظر في التغيير والانتقال بالبلاد من حكم الديكتاتورية الدموية المقيت إلى نظام جديد، يضمن الحد الادنى من التفاهم بين السوريي،ن وإعادة توحيد البلاد، وانتزاع استقلالها وسيادتها في وجه الميليشيات الأجنبية القوية المتنازعة على احتلالها واقتسام مناطق النفوذ فيها.
حتى يكون لقاء المعارضة منتجا ويكون للحوار في ما بين أعضائها وتياراتها معنى وقيمة، ينبغي
١. أن تقوم المعارضة نفسها بالدعوة للقاء والحوار، ولا تترك لأي دولة أو قوة خارجية أن تقوم بما هو من صلب عملها وواجبها كمعارضة.
٢. أن لا تسمح لفريق واحد، مهما كان، أن يحدد أسماء المدعوين للحوار، وإنما أن تتم الدعوة من قبل لجنة تنسيق مؤلفة من ممثلي الكتل والتشكيلات والأحزاب والشخصيات العامة،
٣. أن لا ينعقد المؤتمر من دون وثائق تقوم بإعدادها لجنة الدعوة للمؤتمر ويكون قد اتفق عليها مسبقا.
٤. أن لا تتخلى المعارضة عن وثائق المؤتمر الأول للمعارضة الذي عقد تحت إشراف الجامعة العربية في أواخر ٢٠١٢ وهي الوثائق التي شكلت المرجعية الرئيسية للمعارضة منذ ذلك الوقت، وأساس وحدة موقفها وعملها. وبدل النقاش في إنتاج وثائق جديدة كان من المطلوب استعادتها ومناقشتها لتعديل ما يحتاج إلى تعديل من دون التخلي عنها واستبدالها بوثائق جديدة مما يضعف من صدقية المعارضة نفسها والثقة بالوثائق الجديدة.
٥. ينبغي أن يكون من الواضح أن الهدف ليس توحيد المعارضة فهذا مستحيل اليوم كما كان في السابق لأسباب عديدة. المطلوب توحيد مواقفها وبلورة خريطة طريق وآليات عمل وتنسيق وتعاون.
٦. ومن أجل هذا كان من الأنجع والأكثر انتاجا قصر الدعوة والاجتماع على مجموعة صغيرة بين ٢٥ و٣٠ شخصا يمثلون التيارات والكتل والتجمعات المختلفة للمعارضة لإجراء تقاش معمق حول الوثائق المعتمدة وتعديلها إذا احتاج الامر والخروج ببرنامج سياسي مشترك ومتفق عليه. فليس هناك أي نتيجة محتملة من اجتماع ٧٥ شخصا، خاصة مع انعدام العمل المسبق على وثائق واحدة.
من هنا، يخشى أن لا تكون لمثل هذا الاجتماع نتيجة سوى خروج المعارضة أكثر انقساما وأشد ضعفا، وربما كان هذا هو الهدف المنشود لتسهيل تمرير مخطاطات دفن بيان جنيف والقرارات الدولية الداعمة للانتقال السياسي، في سبيل التمهيد لتسوية تعيد تأهيل النظام في إطار استراتيجية حشد جميع القوى ضد الارهاب. ولا أعتقد أن أحدا من المعارضة الجادة سوف يربح من المشاركة بمثل هذه المؤتمرات والمخططات.

mercredi, janvier 21, 2015

حول مؤتمر القاهرة لتقسيم المعارضة السورية

بالتنسيق مع موسكو، ومن اجل الاعداد لما أطلق عليه الروس اسم الحوار السوري السوري بين المعارضة ونظام الأسد، تناقليت الصحافة والمعارضة نبأ انعقاد مؤتمر حوار المعارضة السورية في القاهرة في ٢٥-٢٢ من هذا الشهر، من أجل التوصل إلى رؤية واحدة ومشتركة من المفترض أن تساهم في تعزيز دور المعارضة وتمكينها من الدخول قوية ومن دون انقسامات إلى المفاوضات المزمع إجراؤها مع النظام للتوصل إلى حل سياسي يضمن وقف الحرب وعودة سورية إلى السلام والاستقرار.
ما حصل حتى الآن أظهر العكس. فكل المعلومات تشير الى أن مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة ليس مؤتمرا لتوحيد المعارضة وإنما لتقسيمها وزرع الشقاق بين عناصرها وضرب مؤسساتها. فكما عمل الروس في مؤتمرهم الذي أعلن عنه في ٢٦ من هذا الشهر، لم ترسل الدعوة إلى مؤسسات المعارضة وباسمها، وإنما اختير من بين أعضائها الأشخاص المطلوبين، من دون أية معايير منطقية وواضحة، بل حسب وجهات نظر ومواقف معينة، كما لوكأن الهدف تشكيل معارضة بديلة قابلة للسير في الاتجاه الدولي السائد اليوم، وهو التهادن مع الأسد، والقبول بالعمل تحت قيادة التحالف الدولي لمحاربة الارهاب وداعش. وهذا ما يفسر أيضا افتقار المؤتمر لأي إعداد أو جدول أعمال متفق عليه. وبينما كان الاتفاق قائما بين الإئتلاف وهيئة التنسيق على توحيد الوثائق قبل الذهاب إلى المؤتمر، فوجيء الجميع بإرسال الدعوات، في الوقت الذي لم يتمكن فيه رئيس وفد الائتلاف هشام مروة من الحصول على تأشيرة دخول إلى الأراضي المصرية.
يحصد الإئتلاف الثمار المرة لإضاعة سنتين من عمر الائتلاف في المنازعات والمهاترات والانقسامات. ويجد نفسه الآن أمام تحدي إثبات جدارته في تأكيد موقعه الأول كطرف أساسي لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات سياسية قادمة. ويزيد من هذا التحدي تفاهم الروس والمصريين والعراقيين وربما الايرانيين على دفن مؤتمر جنيف والقرارات الأممية التي استند إليها، واستعداد الكثير من أعضاء المعارضة الذين غيبهم الائتلاف في الحقبة السابقة نظرا لما كان يحظى به من اعتراف دولي لتجاوز الائتلاف والعمل لعزله، بما في ذلك أعضاء في الإئتلاف لم يعد لهم النفوذ الذي كانوا يأملونه ويطمحون إليه. يشجعهم على ذلك تراخي التجمع الدولي الذي كان يقف وراء الإئتلاف، باسم اصدقاء الشعب السوري، وميله المتزايد، أمام الإهمال الأمريكي للملف السوري، إلى تخفيض سقف التوقعات، وتقليص الاستثمارات المادية والسياسية في القضية السورية كلها.
ينبغي على المشاركين في هذا المؤتمر أن يدركوا أن ضرب الائتلاف في هذه الفترة لن يحقق أي مطلب سياسي لأحد وإنما ستكون نتيجته الوحيدة إضعاف المعارضة كلها وقطع الطريق على أي حل سياسي عادل يضمن وقف القتال ويقنع القوى الفاعلة على الأرض بالتعاون من أجله. ومن دون تضامن جميع أطرافها لن تستطيع المعارضة أن تقنع الدول الراغبة في التحلل من التزاماتها تجاه الشعب السوري بالاستمرار في دعم المعارضة وتمكينها من لعب دورها المنتظر في التغيير والانتقال بالبلاد من حكم الديكتاتورية الدموية المقيت إلى نظام جديد، يضمن الحد الادنى من التفاهم بين السوريي،ن وإعادة توحيد البلاد، وانتزاع استقلالها وسيادتها في وجه الميليشيات الأجنبية القوية المتنازعة على احتلالها واقتسام مناطق النفوذ فيها.
حتى يكون لقاء المعارضة منتجا ويكون للحوار في ما بين أعضائها وتياراتها معنى وقيمة، ينبغي
١. أن تقوم المعارضة نفسها بالدعوة للقاء والحوار، ولا تترك لأي دولة أو قوة خارجية أن تقوم بما هو من صلب عملها وواجبها كمعارضة.
٢. أن لا تسمح لفريق واحد، مهما كان، أن يحدد أسماء المدعوين للحوار، وإنما أن تتم الدعوة من قبل لجنة تنسيق مؤلفة من ممثلي الكتل والتشكيلات والأحزاب والشخصيات العامة،
٣. أن لا ينعقد المؤتمر من دون وثائق تقوم بإعدادها لجنة الدعوة للمؤتمر ويكون قد اتفق عليها مسبقا.
٤. أن لا تتخلى المعارضة عن وثائق المؤتمر الأول للمعارضة الذي عقد تحت إشراف الجامعة العربية في أواخر ٢٠١٢ وهي الوثائق التي شكلت المرجعية الرئيسية للمعارضة منذ ذلك الوقت، وأساس وحدة موقفها وعملها. وبدل النقاش في إنتاج وثائق جديدة كان من المطلوب استعادتها ومناقشتها لتعديل ما يحتاج إلى تعديل من دون التخلي عنها واستبدالها بوثائق جديدة مما يضعف من صدقية المعارضة نفسها والثقة بالوثائق الجديدة.
٥. ينبغي أن يكون من الواضح أن الهدف ليس توحيد المعارضة فهذا مستحيل اليوم كما كان في السابق لأسباب عديدة. المطلوب توحيد مواقفها وبلورة خريطة طريق وآليات عمل وتنسيق وتعاون.
٦. ومن أجل هذا كان من الأنجع والأكثر انتاجا قصر الدعوة والاجتماع على مجموعة صغيرة بين ٢٥ و٣٠ شخصا يمثلون التيارات والكتل والتجمعات المختلفة للمعارضة لإجراء تقاش معمق حول الوثائق المعتمدة وتعديلها إذا احتاج الامر والخروج ببرنامج سياسي مشترك ومتفق عليه. فليس هناك أي نتيجة محتملة من اجتماع ٧٥ شخصا، خاصة مع انعدام العمل المسبق على وثائق واحدة.
من هنا، يخشى أن لا تكون لمثل هذا الاجتماع نتيجة سوى خروج المعارضة أكثر انقساما وأشد ضعفا، وربما كان هذا هو الهدف المنشود لتسهيل تمرير مخطاطات دفن بيان جنيف والقرارات الدولية الداعمة للانتقال السياسي، في سبيل التمهيد لتسوية تعيد تأهيل النظام في إطار استراتيجية حشد جميع القوى ضد الارهاب. ولا أعتقد أن أحدا من المعارضة الجادة سوف يربح من المشاركة بمثل هذه المؤتمرات والمخططات.

jeudi, janvier 15, 2015

مؤتمر موسكو ١ بين تهديد لافروف وترغيب كيري

بعد نهديد وزير الخارجية الروسي المعارضة غير الراغبة في المشاركة بحوارات موسكو المبهمة، اضطر وزير الخارجية الأمريكي كيري للتدخل علنا وإعلان تأييده ودعمه لمحادثات موسكو أملا في إنقاذ محادثات أصبحت من دون قيمة أو هدف. وهذا ليس مصدر رضى لأي طرف، خاصة للمعارضة التي لم تكف عن المطالبة بمفاوضات جدية لوقف القتل وبدء مرحلة الانتقال إلى السلم والأمن وإعادة الاعمار.
اليس موقف المعارضة هو لمسؤول عن فشل محادثات موسكو وإنما الاصرار على الاعداد السيء لها، وأهم عنصر فيه روح الوصاية التي رافقت هذا الاعداد والتي تبرز في كل شيء: تحديد قائمة الاسماء وتغييب أي أجندة وجدول أعمال، والتشكيك بأطراف من المعارضة لصالح أطراف أخرى، والتخلي عن مرجعية جنيف الدولية.
لا ينبغي أن يؤخذ على المعارضة أنها رفضت السقوط في الفخ المنصوب لها واعتذرت عن المشاركة في مؤامرة تهدف إلى ضرب صدقيتها وإعادة الشرعية للنظام من دون أي أمل بالتقدم على طريق الانتقال السياسي.
على الأقل وفرت في عملها هذا مئات القتلى الإضافيين نتيجة التصعيد في القتل والدمار الذي اعتاد النظام أن يمهد به لأي حوار أو فكرة تفاوض من أجل تأكيد قدرته على الحسم العسكري وفرض إرادته على المتحاورين قبل البدء بأي مفاوضات أو حوار.

mercredi, janvier 14, 2015

لمبادرات سلام في سورية لا لاستمرار الحرب

أصبح من الواضح، اليوم، بعد إعلان أكثر من طرف من أطراف المعارضة السورية، رفضه تلبية دعوة القيادة الروسية في بدء مفاوضات مع نظام الأسد من دون شروط، ولا أجندة محددة، ولا اعتراف مسبق بالمعارضة طرفاً، ولا بشرعية المطالب التي تبنتها، بالوكالة، عن ملايين السوريين الذين قاموا ضد حكم الديكتاتورية، وضحوا بأبنائهم، واضطروا إلى النزوح عن أحيائهم ومدنهم وبلادهم، أقول أصبح من الواضح أن موسكو خسرت المبادرة التي كانت قد أطلقتها، وتفاءل سوريون كثيرون بإمكانية أن تكون بداية الخروج من المحرقة التي وضعهم فيها النظام. وسبب هذه الخسارة، أو بالأحرى الفشل الذي لم يكن أحد يتمناه أو يسعى إليه، هو تجاهل الروس هذه المطالب الشرعية والمشروعة بالذات، واستهتارهم بالمعارضة السورية إلى درجةٍ اعتقدوا فيها أن من حقهم، وفي وسعهم أن يعينوا هم أنفسهم بالاسم من ينبغي أن يكون في وفدها المفاوض، ومن لا ينبغي أن يكون، واحتقارهم عقلها بتخيلهم إمكانية دفعها إلى التضحية بإطار مؤتمر جنيف، والذي يستند إلى قرارات دولية واضحة، تترتب عليها التزامات أممية، لمجرد التلويح لهم بزيارة موسكو، ونيل حظوة تسجيل اسمهم في قائمة معارضتها. 
وربما شجعهم على هذا الموقف المستهتر بالمعارضة ووعيها اعتقادهم أن الرياح تجري في غير اتجاهها، وأن تبني المجتمع الدولي أجندة الحرب ضد الإرهاب يهدد بتغييبها نهائياً من الصورة، كما يهدد بتغييب القضية السورية بأكملها. كما شجعهم عليها موقف دول عديدة، بما فيها مجموعة أصدقاء الشعب السوري الداعمة للمعارضة، والولايات المتحدة على رأسها، التي لم تعد تخفي أن الصراع على سورية لم يعد يشكل بالنسبة لها الرهان الرئيس، أو أولوية في هذه المرحلة، وأن المطلوب، اليوم، أن يتفرغ الجميع للحرب المشتركة ضد التطرف والإرهاب، الذي سيبقى محور الصراع في المنطقة سنوات، وربما عقوداً طويلة. ويرتبط بهذا التفكير الاعتقاد، أيضاً، أن الخوف من التنظيم الإرهابي سيكون كافياً لتشجيع المعارضة والنظام على التقارب والتفاهم وتقاسم الكعكة والسلطة والنفوذ، بانتظار ظروف أفضل.
والحال أن هذا التصور يعاني من أعطاب عديدة، أولها أن السوريين، على الرغم من مقاومتهم المستمرة للسرطان الداعشي حيثما بسط سيطرته واستقر، لا يزالون يعتبرون أن الخطر الأول على وجودهم هو النظام القائم نفسه، وأن الإرهاب ليس نقيضا له، وإنما هو ربيبه ومكمل 
 خططه وابنه الشرعي، وأن مواجهته لا يمكن أن تستقيم، ما لم يستعد الشعب السوري وحدته من جديد.  ولن يستعيدها في ظل القيادة الفاشلة التي أوصلته إلى ما هو عليه من دمار وخراب وقتل واقتتال، وإنما بإقامة نظام جديد يضمن الأمن والسلام للسوريين، ويحقق مطامحهم المحقة، وينهي إلى الأبد حكم الديكتاتورية والتمييز الطائفي والعنصرية الاجتماعية اللذيْن قادا إلى اندلاع النزاع والحرب. 
وثانيها، أن الشعب السوري الذي فقد خيرة أبنائه، في جزئيه الثائر والموالي، سوف يلفظ أي معارض يشارك في إعادة تثبيت حكم الأسد، والتعاون معه، مهما كان الخصم المقابل وفي أية شروط. ذلك أن مثل هذه المشاركة سوف تعني إدانة مطلقة للمعارضة ولشرعية الثورة، وخيانة لأرواح مئات آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم، من أجل وضع حد لنظامٍ، كان ولا يزال آلة للقهر والإهانة والإذلال والتنكيل، وهو ما يعيشه السوريون حتى الآن، ولم يثوروا من أجل انتزاع مواقع أو مناصب في حكوماته. فلم يكن السوريون بحاجة إلى حرب إبادة جماعية وقتل بالجملة، ودمار ونزوح وتهجير، ليحظى المعارضون، مهما كانوا، بمناصب وزارية. كانت الانتهازية البدائية كافية لإدخالهم جميعا في حكوماته الكركوزية قبل الثورة ومن دونها. ولكن أكثرهم رفضوا هذه المشاركة منذ عقود، وعانوا في سبيل ذلك من كل أنواع التنكيل. قام السوريون بثورة دامية، ولا يزالون مستمرين في تقديم القرابين والضحايا، من أجل الخلاص من الديكتاتورية البغيضة، وليس من أجل المشاركة في حكمها، أو إعادة تأهيل نظامها.
وثالثها، أن مبالغة النظام في تصعيد وتيرة العنف والدمار، بموازاة الإعلان عن مبادرة موسكو والحل السياسي، ليس حجة للتشجيع على التعاون معه، أو لتبرير التنازل عن الهدف الأساسي الذي قدم من أجله السوريون. بالعكس، هو حجة إضافية لرفض الجلوس معه، وعدم مكافأته على جرائمه. القبول بمثل هذا الموقف يعني تبرئة القاتل والتواطؤ معه. وهذا لا يستقيم، لا في منطق العدالة ولا في منطق السياسة ولا في منطق الثقافة ولا في منطق الأخلاق والضمير. 
بالتأكيد، ينص اتفاق جنيف، الذي لا يزال يشكل، بالنسبة للمعارضة، الإطار القانوني والسياسي الوحيد المجمع عليه، على أن هيئة الحكم الانتقالية ينبغي أن تتشكل من أطراف من النظام والمعارضة. وهذا صحيح وضروري، لكن بشرط أن لا يكون هؤلاء وأولئك من الذين تلطخت أياديهم بالدم، ومن باب أولى أن لا يكون بينهم من لا يزالون، إلى هذه الساعة، يخططون وينظمون وينفذون جرائم الإبادة الجماعية والقتل الأعمى بالبراميل المتفجرة، ثم إن هذا لا يعني أن هدف الهيئة الانتقالية هو تحسين صيغة المشاركة في السلطة مع النظام. الهدف من المشاركة في حكومة انتقالية هو، وينبغي أن يكون واضحاً لدى جميع الأطراف، الموالين والمعارضين، نقل البلاد إلى نظام ديمقراطي، وإدارة المرحلة الانتقالية، والإعداد لانتخابات نزيهة وشرعية، تترك للشعب أن يقرر مصيره في ما بعد بحرية. وقف القتال أو تخفيف وتيرة العنف مدخل للحل، لكنه لا يشكل حلاً بذاته، وإلا لأصبح مساعدة للنظام على تأهيل نفسه وترميم شرعيته. لتشكيل هذه الهيئة غرض واحد، هو تطمين السوريين الموالين للنظام، وتجنيبهم الانتقام، في مقابل قبولهم بالهدف الأسمى والجامع، وهو التفكيك الطوعي لآلة القهر والقتل والعسف التي يمثلها النظام القائم، والانتقال نحو نظام جديد. إذا لم يكن هذا هو هدف الفريق الموالي من مشاركته في حكومة الانتقال، فلن يكون هناك حل سياسي، ولكن خدعة غليظة سيدفع السوريون ثمنها غالياً في العودة مجدداً إلى ساحات القتال، بل في التصعيد المستمر فيه.
ليس هناك نظام وسط بين الديكتاتورية والحكم بـ"البسطار" أو البوط العسكري والامني، الذي خلده قادة النظام بتماثيل حلت محل تماثيل الأسد في أكثر من مكان، وهو يرمز إلى الاحتقار البدائي للبشر، وإرادة سحقهم بالقوة ودفن القانون، من جهة، والديمقراطية التي تعني أولوية حكم القانون والشرعية الديمقراطية والعدالة والحرية، أي الاحتكام للوسائل السلمية في حل النزاعات الداخلية، من جهة ثانية. ولا يمكن اختراع نظام يجمع، في الوقت نفسه، بين حكم البسطار العسكري الذي يمثله النظام القائم وتاريخه المؤلم لكل السوريين، ونظام الحرية والكرامة واحترام الانسان الذي يتطلع إليه الشعب. لذلك، ينبغي أن يعترف كل من سيشارك في الحكومة الانتقالية من الموالاة بحتمية الخروج من حكم الاستبداد، والدخول في حقبة جديدة من الحكم الوطني الديمقراطي. من دون ذلك، لن يكون هناك حل سياسي، ولن تستعيد البلاد 
 والشعب وحدتهما. أعرف أن هذا الحلم يبدو في الظروف الراهنة صعب المنال. لكن، لا نستطيع ان نتقدم من دون الاحتفاظ به في مخيلتنا، ومن الأفضل أن لا ندخل في مفاوضات على أن نقبل المشاركة في مفاوضات، تهدف إلى تكريس سلطة القهر والقتل وحكم الميليشيات وأمراء الحرب وتقاسم النفوذ في نظام جديد جوهره سحق الشعب وتركيعه واستعباده.
لم تكن مبادرة روسيا سلبية، ولا يمكن الخروج من الحرب الدائرة اليوم في سورية من دون مساهمتها، بل إن تدخلها السياسي مطلوب وواجب، أيضاً، تجاه الشعب السوري الذي جمعته معها صداقة أكثر من نصف قرن. لكنها لا تستطيع أن تلعب الدور المنتظر منها، إذا كان هدفها إنقاذ النظام القائم، مهما قدمت لذلك من مبررات، مثل الحفاظ على الدولة والمؤسسات، أو الدفاع عن الشرعية، أو الوقوف في وجه التدخلات الأجنبية. حتى تتمكن من لعب هذا الدور، عليها أن تحترم تضحيات السوريين الجسام، ولا تستهزئ بالمعارضة التي تمثل، على الرغم من ضعفها وتخبطها وقلة سيطرتها على الأرض، أمل السوريين في التغيير والخروج من نظام المهانة والذل. وليس من مصلحة أحد، روسيا وبقية دول العالم، ترك المعارضة الوطنية تغرق أو تفقد قوتها وصدقيتها، لأن ذلك يعني خياراً مستحيلاً بين إعادة تأهيل من استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وقتل عشرات ألوف المعتقلين تحت التعذيب، وداعش وأخواتها من التنظيمات المتطرفة التي لن يزيدها تأهيل النظام إلا قوة وتمدداً، والنتيجة استمرار الحرب وانعكاساتها المتزايدة على بقية دول المنطقة والعالم. ولا ينبغي استخدام ضعف المعارضة وانقسامها ذريعة لاستبعادها من الاختيار، بل يشكل ذلك سبباً إضافياً كي تعمل الدول الراغبة في مساعدة سورية على الخروج من المحرقة، على تقويتها وتعزيز صدقيتها، وتقديم المعونة التي تمكنها من أن تلعب الدور المطلوب منها، شريكاً رئيسياً في عملية الانتقال الديمقراطي التي هي وحدها القادرة على وضع حد للقتال، وإطلاق عملية سلام حقيقية ومستمرة في البلاد. 
لا يمكن لأي مفاوضات أن تكون إيجابية ومنتجة، تنهي النزاع وتحقق السلام، ما لم تقم:
1- على أسس سليمة وواضحة، تضمن حداً أدنى من العدالة، وهو ما تمثله قرارات الأمم المتحدة وبيان جنيف.
2- ولا يمكن نجاحها من دون أن تجمع الطرفين على هدف مشترك، مهما كان محدوداً، وهنا رؤية سورية المستقبل: مزرعة للأقوى أم وطنا لسوريين مواطنين متساوين وأحرار 
3- أن تنطلق من اعتراف الأطراف بشرعية مطالبهم المتبادلة.
4- أن تتماشى هذه المطالب مع القيم والمبادئ الإنسانية المتعارف عليها في عصرنا، طالما لم نسمع من الطرف الآخر، وهو لم يعد طرفاً سورياً فحسب، قبولاً واضحاً ورسمياً، بهدف العملية التفاوضية، وهو الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي، يحترم حياة الإنسان، ويرفض التمييز والابتزاز بالقوة، تظل جميع المساعي الدبلوماسية التي تقوم بها الدول والمنظمات، والمساعي الروسية الراهنة جزء منها، مجرد مناورات هدفها الاستمرار في تشتيت الشعب والرأي العام السوريين، وتعزيز قدرة نظام القتل والدمار على تحقيق الهدف الذي لم يكف قادته عن الجري وراءه، خلال السنين الماضية، في جميع أعمالهم وخطبهم وأحاديثهم، وعلى الرغم من كل جهود الدبلوماسيين ووعودهم، وهو القضاء على الثورة التي يطابقون بينها والإرهاب، والرهان على المصالحات والهدن المحلية لتحييد المقاتلين، من دون أي تغيير للنظام. وهم لا يعبرون في ذلك عن حلمهم في المحافظة على طبيعة حكمهم العبودي بأي ثمن فحسب، وإنما عن إرادتهم في خنق فكرة الثورة نفسها، بما تضمره من إرادة التحرر والانعتاق، وما تنطوي عليه من نزوع الإنسان العميق إلى حياة أخلاقية حقيقية، تغتني بقيم الحرية والكرامة والعدالة والقانون التي تجعل من كل فرد، مهما كان شرطه الاجتماعي، أو دينه ومذهبه وقوميته، إنسانا، أي موطناً للوعي والإرادة والضمير.

mercredi, janvier 07, 2015

حول الهجوم الارهابي الذي استهدف مجلة شارلي ابدو الفرنسية في باريس

7 janvier · Modifié · 
ليس الهجوم الارهابي الذي استهدف مجلة شارلي ابدو عملا من أعمال التعصب الديني حتى لو كان من المحتمل أن يكون منفذونه من المتعصبين. إنه عملية إرهابية سياسية من صنع أجهزة تابعة لدول استخدمت بعض المتعصبين، وربما مأجورين مباشرين، من أجل الضغط على فرنسا وتهديدها ودفعها إلى تغيير اختياراتها الخارجية. وهو عمل يأتي بعد أيام من الهجوم الاحرامي الذي تعرضت له استنبول.
وليس هناك شك في أن لهذه الاعمال الحربية ارتباط مباشر بالحرب الجارية منذ سنوات أربع للسيطرة على المشرق العربي. إنه النوع من الارهاب الذي تستخدمه بعض النظم لفرض أجندة محاربة الارهاب كأجندة وحيدة للسياسة الدولية وتجنيب نفسها أي مساءلة أو نقد أو ضغوط باي ظرف كان، سواء باسم انتهاك حقوق الانسان أو احترام حقوق الشعوب وحرياتها.
لا تكفي الإدانة لوقف هذه الجرائم الارهابية. المطلوب هو قطع دابر الارهاب بقتل الأم المرضعة والراعية له، وهي النظم الفاشية الجديدة التي نجحت في تشكيل محور للشر يستخدم التهديد بالارهاب والارهاب معا للحفاظ على مواقعه والتوسع على حساب الدول والشعوب الضعيفة.
هذا يعني ليس للجاليات الاسلامية والعربية أي علاقة بهذه الأعمال. ولا يفيد توجيه التهمة لها إلا في دفعها بشكل اكبر للانطواء والخوف، ولن يساعد في الوصول إلى الجناة. ينبغي البحث عن المصممين والمنفذين لهذه الأعمال لدى الدول والاجهزة التي جعلت من الارهاب للشعوب وللدول والأفراد، منذ عقود طويلة، وسيلتها لفرض نفسها والحفاظ على وجودها.
وهو عمل احترافي قامت به عناصر متدربة لا هواة متعصبون. وليس الهدف منه الدفاع عن الاسلام ولا الانتقام من حرية التعبير وإنما الانتقام من فرنسا، وتهديد حكم القانون وبث الذعر والرعب في العالم أجمع من اجل التغطية على ما يجري من حروب الابادة في الشرق الأوسط.

ترجمة مقابلة للدكتور برهان غليون في مجلة "أناليست" معهد دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا التركية


ترجمة للمقابلة التي أجرتها مجلة أناليست لمعهد دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا التركية مع الدكتور برهان غليون ك١، ٢٠١٥
أجرت المقابلة بشرى نور اوزغولير

سؤال:
لم يأت عام ٢٠١٤ بأي تقدم ايجابي أو ذي معنى في التوصل إلى حل للأزمة. وقد وضعت تعقيدات الأوضاع السورية البلاد في حالة مختلفة عن جميع تلك التي شهدتها بلدان الربيع العربي. ما هو الخطأ في سورية؟ هل سبب ماحصل يرجع إلى عوامل تاريخية أو سياسية أو اجتماعية؟
غليون:
ليس هناك في سورية أي خطأ. بالعكس سورية من حيث الثقافة والتكوين السكاني المتنوع أكثر البلدان تاهيلا لشعبها على استخدام لغة الحوار والبحث عن الحلول السلمية والتشجيع على الانسجام وتدوير الزوايا وتجنب النزاعات الداخلية. وتاريخها يكاد يكون خال من مثل هذه النزاعات..
الخطأ موجود في طبيعة النظام السوري القائم أولا، وفي طبيعة تحالفاته ثانيا، وفي ما نسميه بالمجتمع الدولي، أي الأمم المتحدة ومجلس الامن الذين أطهرا فشلا ذريعا في تحمل مسؤولياتهما تجاه الشعب السوري، ثالثا..
فالنظام السياسي السوري الذي ولد من انقلاب عسكري فئوي فقد فيه الشعب السيطرة على مصيره، واحتكرت الحكم طغمة عسكرية مقطوعة عن المجتمع، ما كان يستطيع أن يستمر ويضمن استقراره من دون تأمين قاعدة اجتماعية تابعة له ومفصولة عن الشعب، والعمل على نسج تحالفات أجنبية تمكنه من مقاومة الضغوط الدولية والإقليميه . وهذا ما فعله بالضبط. حيث نجح في أن يتجاوز عزلته الاجتماعية والسياسية بتشكيل قاعدة اجتماعية زبائنية، أي مكونة من جميع أؤلئك الباحثين عن المنفعة الشخصية والذين لا يحركهم أي هم وطني أو أخلاقي، ومعتمدة في تماسكها على نخبة عشائرية مؤلفة من أبناء الجماعات الأهلية التي ينتمي إليها أهل الحكم، من الذين فقدوا ارتباطاتهم الأصلية وأصبحوا في حكم المرتزقة المستعدين لبيع خدماتهم وولائهم لمن يدفع لهم. وكانت النتيجة تشكيل قاعدة اجتماعية من أصحاب المصالح الخاصة والوصوليين الذين يفتقرون للحد الأدنى من الشعور الاجتماعي أو الالتزام السياسي، ولا يهمهم مصير بلدهم أو مستقبله في شيء، كل ما يبحثون عنه هو تعظيم مكاسبهم وتخليد النظام الذي مكنهم من موارد الدولة والبلاد. فلم يعد هناك فرق كبير بين الحكم والغزو، حتى لو كان هذا الغزو هذه المرة داخليا وليس اجنبيا. وهذا ما يفسر تماسك القاعدة الاجتماعية الرئيسية للنظام الحاكم بالرغم من كل الهمجية التي أظهرها قادتها في التعامل مع المجتمع والشعب، والحرب التدميرية التي شنتها قوات الجيش المحلية بالمشاركة مع ميليشيات أجنبية، ولا تزال مستمرة فيها منذ ما يقارب السنوات الأربع..
وإلى جانب الطبيعة الوصولية لهذه القاعدة الاجتماعية، عزز النظام السوري استقلاله عن المجتمع بتحالفات استراتيجية مع طهران التي تطمح إلى لعب دور قيادي في مصير منطقة المشرق التي تعتبرها جزءا من مجالها الحيوي. وأصبح من المعروف اليوم أنه من دون تدخل الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية والايرانية المدربة والممولة والمسلحة من قبل الحرس الثوري الايراني والمعبأة بعقيدة مذهبية وطائفية، كان نظام الاسد قد سقط في منتصف عام ٢٠١٢، عندما وصل الثوار السوريون إلى كفر سوسة، أو إلى أقل من ثلاث كيلو ميترات من القصر الرئاسي في دمشق. ولا يخفي حزب الله ولا المسؤولون الايرانيون أنهم هم الذين انقذوا النظام من السقوط، وأن ميليشياتهم هي التي تخوض الحرب اليوم بدل جيش النظام المتهالك، وأن لهم مطامع شرعية في السيطرة على سورية بوصفها حلقة الوصل بين لبنان حزب الله والعراق والحلقة الضرورية لتكوين ما يسمونه هم أنفسهم في طهران: الهلال الشيعي. ولهم في ذلك أهداف استراتيجية متعددة. أولها فك الحصار الذي ضربه الغرب والولايات المتحدة خاصة عليهم بسبب برنامجهم النووي، وثانيا تهديد بلدان الخليج كجزء من الضغط على الغرب للتنازل في مفاوضات الملف النووي الايراني، وثالثا الاحتفاظ بقوة ردع في جنوب لبنان لمنع الغرب من التعرض للمنشآت النووية الايرانية، ورابعا قطع تركيا عن المشرق العربي من أجل التحكم الاحادي باسواقه وموقعه الاستراتيجي وفرض طهران نفسها فاعلا رئيسيا إن لم تكن الفاعل الوحيد في مصير الشرق الأوسط كله.
لكن العامل الأكبر الذي مكن النظام السوري وايران من تحقيق خططهما والاستمرار في الحرب على الشعب السوري واستخدام أبشع الوسائل والاسلحة المحرمة، بما فيها الكيماوية، من دون عقاب، هو شلل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ونجاح روسية، حليفة النظام وايران، في تحييد القرارات الصادرة عنه بخصوص الأزمة السورية، ودعمها المستمر لحلفائها في دمشق وطهران. فمن دون هذا الشلل الذي فرض على مجلس الأمن ما كان من الممكن للنظام أن يصمد أمام المقاومة البطولية للشعب السوري وما قدمه من تضحيات في سبيل نيل حريته واستقلاله وحقوقه الاساسية.
والكل يعرف اليوم أن هذا التدخل الايراني الواسع والشامل، السياسي والايديولوجي والعسكري والمالي والاعلامي، والدعم الروسي المستمر بالسلاح، هو أصل المشكل وسبب استمرار المأساة السورية
سؤال: في مصر كانت للمعارضة تجربة كبيرة في مواجهة النظام في ا لسنوات العشرة السابقة للثورة. أما في سورية فلم تشهد البلاد سوى ربيعا قصيرا وبعض الجهود المتعلقة بإعلان دمشق، وقد حطمهما النظام بقوة مستخدما استراتيجيات مختلفة. وقد كنتم منخرطين بعمق في كلاهما. لو أردنا الحديث عن تماسك المعارضة السورية، هل تعتقدون أن هذه المعارضة تمتلك رؤية واستراتيجية واضحتين لمواجهة النظام أو هل تعتقدون أن رد فعل المعارضة على النظام كانت مرتجلة خلال موجات الاحتجاج التي أطلق عليها في المنطقة اسم الربيع العربي؟
غليون:
أثير الكثير من النقاش حول ضعف المعارضة السورية وانقساماتها. وهذا صحيح. لكنه السمة المشتركة بين جميع المعارضات الناشئة عن انهيار النظم الشمولية. من طبيعة هذه النظم أن تحرم المجتمعات من التواصل والحوار والنشاط الفكري والسياسي الحر، وبالتالي من تكوين منظمات معارضة متماسكة فكريا وسياسيا وذات قاعدة اجتماعية قوية وثابتة. وفي جميع الحالات تبقى هذه المعارضات معزولة ومحصورة في أقبية تحت الأرض لا يعرفها الناس ولا تعرفهم. وهذا ينطبق على المعارضة السورية.
ومع ذلك، نجحت المعارضة السورية في المرحلة الأولى من تشكيل المجلس الوطني السوري، الذي تشرفت برئاسته في مرحلة انشائه، في ايجاد واجهة وعنوان مرضيين وشعبيين في سورية والعالم للثورة، وبلورت رؤية واضحة وشفافة لسورية المستقبل، كدولة ديمقراطية مدنية تعددية تساوي بين جميع مواطنيها، بصرف النظر عن أصلهم وجنسهم وانتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية. وقد أصدر المجلس الوطني السوري هذه الوثيقة ونشرها تحت اسم العهد الوطني لسورية المستقبل. كما تمكنت المعارضة من عقد مؤتمر موحد في القاهرة تحت رعاية جامعة الدول العربية بتاريخ 3/7/2012، تبنى الوثيقة ذاتها وأصدرها مع بعض التعديلات باسم وثيقة العهد الوطني.
لكن المعارضة السورية لم تتلق الدعم الكافي الذي كان ضروريا لها كي تكون مواكبة في برامجها وخطابها للتحولات الجارية على الارض، ولتطور ديناميات الصراع العسكري والسياسي والاجتماعي ، بعد أن تحولت ثورة السوريين من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة. فقد بقيت المعارضة بعيدة أو مبعدة عن أهم ركيزتين لهذه التطورات على الأرض وهما تسليح وتمويل الكتائب المقاتلة الذي استفردت به دول أجنبية صديقة، وأعمال الإغاثة الانسانية التي ازدادت أهميتها مع استشراس النظام وايغاله في القتل والدمار، والتي تولت شأنها منظمات الإغاثة الدولية. وكان من الطبيعي أن يضعف ذلك موقع المعارضة القيادي، ويثير الخلافات في ما بين أطرافها، ويزيد من تدخل القوى الصديقة في شؤونها، وكذلك من اختراقات القوى العدوة لصفوفها. وفي النهاية، وهذا هو الأهم، أن يباعد بينها كمعارضة سياسية وبين قوى الثورة المقاتلة على الأرض والناشطين المواكبين لها، وأن يقلل، في النهاية، من صدقيتها وتمثيليتها. ومع تراجع الأمل بحسم سريع للصراع، وتردد السياسة الأمريكية، وتخبط تجمع أصدقاء الشعب السوري، بدأت المعارضة أيضا تفقد التفاعل مع الأرض، وظهر التناقض عميقا بين أداء المعارضة الهزيل وكفاح الثوار البطولي على الارض.
:سؤال
لا يزال للنظام حتى الآن قاعدة دعم اجتماعية وسياسية. ما السبب في بقاء تحالف النخب في سورية قويا؟ ولماذا لم تنجح الاحتجاجات في إحداث صدى داخلي وإقليمي ودولي أكبر ؟
غليون:
في ردي على السؤال الأول جزء من الإجابة، عندما تحدثت عن الطبيعة الزبائنية والارتزاقية للقاعدة الاجتماعية للنظام، وعلى رأسها جماعات المصالح العسكرية والأمنية التي أصبحت شريكا رسميا لرجال الأعمال المرتطبين هم أنفسهم بالجماعات الاهلية ذاتها التي ينتمي إليها رجال السلطة. مما شكل طبقة حاكمة ومسيطرة متكاملة، تملك مواردها المستقلة من السلاح والمال والسلطة والنفوذ، التي تمكنها من إخضاع الشعب وحكمه من دون أي حاجة إلى القانون أو التشاور مع ممثليه أو الاستشارة. وهذا ما وحد الدولة ومؤسساتها مع الفئات المالكة والمسيطرة، وحولها إلى إطار لإدارة شؤون الطبقة الحاكمة ودفع بهذه الاخيرة إلى أن تتصرف أكثر فأكثر كمافيا لها ارتباطات قوية إقليمية ودولية. وسأضيف عليها أن الانتهازية والوصولية المشجعة على البحث عن المصالح الخاصة وانعدام التفكير بالمصالح العمومية تحولت خلال أكثر من نصف قرن من الحكم العرفي وقانون الطواريء والقوانين الاستثنائية، إلى ما يشبه الثقافة العامة، وكادت تزول نهائيا عند الناس أي رؤية لمعنى ومفهوم المصالح الوطنية، باستثناء العداء للأجنبي الذي لعب عليه نظام البعث كثيرا ليخفي رهانه على إحياء المصالح الفردية والفئوية والجهوية عامة على حساب الرؤية والمصلحة الوطنية.

وقد أثارت الثورة السورية في بداياتها حماسا كبيرا في الداخل وفي العالم العربي والعالم أجمع. وتشكلت مجموعة أصدقاء الشعب السوري من أكثر من مئة دولة، وساهمت في اصدار قرار من الجمعية العامة يدعم مطالب الثورة ويطالب الاسد بالرحيل )شباط١٦ / فبراير ٢٠١٢ (. لكن مع تردد المجتمع الدولي في اتخاذ اجراءات فعالة ضد نظامي الاسد وطهران التي تورطت منذ الايام الاولى للثورة معه، والتصعيد في الاعمال الوحشية لميليشيات النظام، وما نجم عنها من ظواهر القتل بالجملة والمذابح اليومية وتشريد ملايين السوريين وتفاقم قضية اللاجئين، ثم في ما بعد تطور الأبعاد الطائفية للحرب، وتنامي اعداد التنظيمات المتطرفة مثل القاعدة، وظهور تنظيم الدولة الاسلامية )داعش( التي لعبت دورا مهما في ضرب قوى الثورة المدنية ومساعدة النظام، بدأ الرأي العام العربي والدولي يتغير، ودخل الشك حول اهداف الثورة ومآلها إلى نفوس الكثيرين، بما في ذلك داخل سورية نفسها. وهذا ما كانت تراهن عليه طهران ودمشق لعزل الثورة وتشويه صورتها وإظهارها على انها من صنع منظمات إرهابية وليست ثورة شعبية. ولا شك أنه كان لضعف المعارضة وبشكل خاص لسوء إعلامها دور أيضا في تراجع صورة الثورة وتشوشها عند الرأي العام.
سؤال:
منذ البداية ادعى النظام أن المحتجين كانوا مجموعة من المجرمين بل الارهابيين. وحاول أن يبني واقعا افتراضيا بهذا الخصوص. والآن، بعد أربع سنوات نحن نواجه ظاهر تنظيم الدولة الاسلامية المطابقة للصورة السابقة. ومن الممكن القول إن ادعاءات النظام قد تحولت إلى واقع. هل توافق على هذا القول؟
غليون:
بالفعل عمل النظام السوري كل ما يستطيع من أجل أن يغير صورة الثورة السياسية الديمقراية السلمية التي تحظى بتعاطف العالم، ويشوه سمعتها حتى يسهل عزلها وتبرير الوحشية التي يواجه بها مقاومة الشعب السوري البطولية وصموده. وكانت الاستراتيجية بسيطة وواضحة وهي إتاحة الفرصة بكل الوسائل لنشوء داعش والقوى المتطرفة التي كان على علاقة وثيقة مع الكثير من قادتها منذ أعوام طويلة، وكان قد استخدمها في لبنان وغيره، لكن بشكل خاص، منذ حرب الصحوات عام ٢٠٠٧ ضد القوات الأمريكية في العراق. وكان يكفي من أجل ذلك إطلاق سراح المتطرفين القابعين منذ سنوات في سجن صيدنايا، ثم أؤلئك الذين كانوا يقبعون في سجن ابو غريب قرب بغداد، حتى يبدأ السباق. وخلال أقل من سنتين نجح داعش بإعادة تنظيم نفسه واستقطاب عناصر من خارج المنطقة. وتحول إلى طرف رئيسي في الصراع على الارض السورية بفضل تحالفه الضمني مع جيش النظام أو تجنبه الصدام معه، ومحاولته السيطرة على المناطق المحررة من قبل الجيش الحر .
وكما ذكرت، منذ البداية كانت خطة النظام ان يحرف الثورة عن أهدافها ويشجع على ظهور الارهاب حتى يضع العالم الذي وقف ضده أمام خيار مستحيل: نظام الأسد أو داعش. على أمل أن يختار المجتمع الدولي النظام كأهون الشرين.
وفي الواقع نجح إلى حد كبير في رهانه، ليس لأنه أقنع العالم بأنه أفضل خيار، وإنما لأنه استطاع أن يشوش على الثورة القائمة ضده، وأن يخلط الأوراق، ويدفع الرأي العام الدولي، الرسمي والشعبي، إلى التشكيك في حقيقة الثورة السورية ومآلاتها.
لكنه وإن استطاع أن يغش بعض الاوساط الدولية، ويدفع بعضها إلى التردد، كما هو الحال في بعض أوساط الإدارة الأمريكية والاوروبية، إلا أنه لم ينجح في أن يعيد تاهيل نفسه كخيار محتمل. ولا يزال الجميع ينظر إليه بوصفه السبب الأول في نشوء الارهاب وتطوره، وأن القضاء على نظام الارهاب الذي يمثله الأسد هو شرط لا غنى عنه للنجاح في محاربة ارهاب داعش.
كما أنه لم ينجح في التغطية على وجود الجيش الحر والمعارضة الوطنية الديمقراطية التي لاتزال تحقق انتصارات حقيقية في العديد من جبهات القتال، كما هو الحال في ريف دمشق والقلمون والقنيطرة وحوران وحماة وحلب وادلب وغيرها. ولا يزال المجتمع الدولي يراهن على تعزيز دور المعارضة الوطنية في مواجهة داعش ونظام الأسد في الوقت نفسه.
سؤال:
ما هي توقعاتكم حول تنظيم الدولة؟ كيف تتصورون أن يكون القتال ضده؟ وكيف ينبغي على السلطات الاقليمية والدولية أن تتعامل معه؟ وما هي مقاربة مجموعات المعارضة السورية لهذا الموضوع؟
غليون:
أنا اعتقد أن قوة داعش ليست ذاتية وإنما هي ناجمة عن استفادته من الثغرات التي نجمت عن غياب التفاهمات الوطنية والاقليمية والدولية، وسعي العديد من الاطراف الداخلة في الصراع إلى استغلال التطرف وتجيير قوته لتغيير التوازنات العسكرية أو لتحقيق أهداف متباينة. وأعتقد كذلك أنه لو أصبح القضاء على تنظيم داعش هدفا مشتركا في الداخل السوري والخارج الاقليمي والدولي لما استمر حتى الآن . وهذا هو أصلا سبب تطور قوته وانتشاره أيضا. على سبيل المثال ليس من مصلحة الأسد القضاء عليه، ولا من مصلحة المعارضة الوطنية ترك جبهات الصراع العديدة ضد الأسد والتوجه لجبهة داعش، وبالتالي إراحة الاسد، ولا تريد الولايات المتحدة والغرب الاستثمار الكبير في قتال داعش في الوقت الذي لا تزل طهران تدعم سياسة طائفية إقليمية وتعزز من قوة ميليشياتها ونفوذها في سورية والدول العربية. وبالمثل ليس من مصلحة طهران الاستثمار في القضاء على داعش من أجل تعزيز استقلال وتحرر شعبي العراق وسورية وتخفيف الضغط عن بلدان الجزيرة العربية. باختصار لا أحد يريد القضاء على داعش لحساب نظام الأسد الذي فقد الشرعية وأظهر وحشية لا تقل عن وحشية داعش، أو لحساب مشاريع طهران التوسعية وانتصار ميليشياتها التي لاتقل وحشية عنه..
وعلى أغلب الظن، إذا لم يتم التوصل إلى تفاهم دولي وإقليمي لوضع حد لتغول طهران على القوى الديمقراطية في سورية والعراق ولبنان واليمن وبقية البلاد العربية، أو التوصل إلى تفاهم دولي معها يفرض على جميع دول المنقطة احترام سيادة بعضها البعض واستقلالها وحق شعوبها في تقرير مصيرها من دون تدخلات وضغوط خارجية، سوف نسير نحو حرب استنزاف إقليمية طويلة، تشكل داعش طرفا فيها، من دون أن يعني ذلك وقف الهجمات الأمريكية التي تهدف إلى تحديد نفوذ داعش وتوجيهه، كما حصل في عين العرب في الشهرين الماضيين، بعيدا عن المواقع الاستراتيجية الحساسة مثل اربيل وبغداد.
وتحجيم داعش والقضاء عليه يمر بطريق إنهاء الأزمة السياسية والوطنية والطائفية التي فجرتها سياسات طهران الاقليمية وضغوطها المتواصلة على الدول العربية - التي تعاني هي نفسها من أزمة سياسية داخلية- لتحرير نفسها من الضغوط الغربية ومن الحصار، واستخدامها هي ذاتها حصار الدولة العربية وشلها، كما في لبنان والعراق واليمن وسورية، وسيلة للضغط على الغرب وابتزاز التنازلات. هذا يعني أن الطريق إلى وضع حد لتطور داعش ولاستقطابه المزيد من المقاتلين في سورية والعراق والعالم، يستدعي الانكباب على الأزمة السورية وعلى الفراغ الذي احدثه الصراع الطويل والمرير بين النظام الاسدي وقوى الثورة، وغياب آفاق الحسم، وايجاد مخرج منها، كما يستدعي إنهاء السياسات الطائفية والانتقامية للسلطة التي نشات بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق. وفي السياق ذاته، يستدعي إعادة بناء الجيش والأمن العراقي على قاعدة وطنية لا طائفية، ووضع حد لاختطاف الدولة والرهان على دعم الميليشيات المحلية التي تتحكم بها سلطة مذهبية مقرها الرئيسي في طهران. وبالمقدار نفسه، تمكين الجيش الحر والسوريين عموما من حسم معركة الصراع لتغيير السلطة وتحرير البلاد من الميليشيات الاجنبية، العراقية والايرانية والافغانية واللبنانية والسورية التابعة لايران مثل ما يسمى جيش الدفاع الوطني، بموازاة العمل على حصار تنظيم داعش ودفع العناصر السورية المغرر بها فيه إلى مراجعة نفسه والانشقاق عنها.
، وبالنسبة لموقف المعارضة السورية، فهي تدرك أن الحرب ضد الارهاب لن تكون مجدية، وسوف تخدم الأسد وحده وتخفف عنه العبء مالم تكن جزءا من مشروع للحل السياسي ليس للازمة السورية فحسب ولكن للأزمة الاقليمية التي تسببها سياسات ايران الهيمنية في المنطقة. وهي ترفض أي خطة دولية لا يكون تغيير النظام القائم وسقوط حكم الأسد، هدفها المركزي، بموازاة العمل لإخراج جميع الميليشيات الأجنبية من سورية، سواء أكانت ضد الأسد أو معه، حتى لو اضطر الأمر إلى اتخاذ قرار في مجلس الأمن بذلك. .
سؤال:
هل بإمكانكم أن تشرحوا لنا مباديء المواطنة في سورية؟ )على سبيل المثال، الهوية، الحقوق، السياسة الخارجية، إلخ(؟
غليون:
لن تخرج سورية من الفوضى والصراع والانقسام ما لم يجمع السوريون وفي مقدمهم النخبة السياسية والمعارضة منها بشكل خاص، على مباديء أساسية للحكم، وعلى القيم التي تحكم العلاقات بين الأفراد في ما بينهم وبينهم وبين الدولة والسلطة العمومية. وهذه المباديء تلخصها فكرة الجمهورية الديمقراطية التي هي اليوم الشكل الوحيد للسياسة الشرعية التي تستمد سلطتها وقتها واتساقها من الشعب. فالجمهورية تعني صدور السلطة من الشعب، والمساواة التامة بين جميع أبنائه بوصفهم مواطنين أحرارا لكل واحد منهم الحقوق والواجبات ذاتها. والديمقراطية تعني التعبير عن هذه السلطة الشعبية من خلال آليات ضمان شرعية العمل والتنظيم السياسي والمدني الحر، والاقتراع العام النزيه، والتداول على السلطة، والإشراف على ممارستها ومراقبتها من قبل برلمان يمثل الشعب ويعبر عن خياراته. دولة حرة لأفراد أحرار. وهذا هو أيضا مصدر الشعور بالسيادة والكرامة عند أي فرد وأساس تحوله من رعية تابع للملك أو الأمير إلى مواطن سيد امره، يقرر مصيره ومصير الجماعة السياسية مع شركائه الآخرين.
هذا هو المضمون الطبيعي والمعروف للمواطنة في كل الجمهوريات الديمقراطية. لكن تجسيده في الواقع السوري يحتاج ، بالاضافة إلى ذلك، وبشكل خاص في سياق الخروج من الحرب التي اتخذت بعدا طائفيا وأهليا، إلى بلورة أمرين. الاول يتعلق بضمان الحقوق الخاصة الجماعية للأقليات الدينية والمذهبية والقومية، وهي حقوق ثقافية واجتماعية وسياسية، تتعلق باللغة والهوية والممارسة الدينية، والتفاعل مع المحيط الإقليمي، كما تتعلق بالإدارة اللامركزية، وبالحقوق السياسية النوعية المرتبطة بالحكم الذاتي، الذي يفتح البلاد نحو شراكات إقليمية مثرية، ما لم تمس بوحدة القرار الوطني السوري واستقلاله. ونجاح مثل هذا النظام يتوقف على الاعتراف بالمواطنة كأساس للعلاقة بين الدولة والفرد، ورفض نظام المحاصصة الطائفية والقومية في مؤسسات الدولة، والتي لا يمكن إلا أن تهدد وحدة السلطة وسلامة آليات اتخاذ القرار.
ويحتاج تحقيق هذا النظام الديمقراطية إلى حوارات وطنية ومفاوضات تؤسس لعهد وطني جديد يخلف العقد الوطني المنهار الذي قام على التسليم الساذج بوحدة المصالح والمطالب والتطلعات.
وبالنسبة للسياسة الخارجية، لم يكن من اهداف ثورة الشعب السوري تغيير موقع سورية في الاصطفافات الدولية ونقلها من محور إلى محور. بالعكس كان الهدف تحرير سورية من الارتهان للأحلاف والمحاور الخارجية وتحويلها إلى حلقة وصل بين جميع الدول والقوى والتكتلات الاقليمية والدولية، وهذه هي رسالتها التاريخية، وهذا هو أيضا جوهر ثقافة شعبها التي هي محصلة تمازج ثقافات مجموع الشعوب والأمم الكبرى التي كانت ولا تزال تحيط بها منذ أقدم العصور، والتي كانت مصهرا لتنوعها وابداعاتها. سورية هي واحة الشرق الاوسط، كانت ولا تزال، ومركز للسلام والتعايش والتفاهم والاندماج والتفاعل والشراكات التاريخية الكبرى. لن تكون سورية ما بعد الاسد مزرعة لأحد، ولا دولتها اداة في يد فئة مهما كانت، اكثرية او أقلية. ستكون سورية المستقبل ستكون دولة مستقلة حرة، خاضعة في اختياراتها الاقليمية والدولية لقرار ممثليها المنتخبين وبرلمانها، وستلعب دورا كبيرا في إعادة بناء التفاهم بين دول الإقليم والسباقة للعمل على مشروع تشكيل منظمة إقليمية شرق أوسطية للامن والتعاون والتنمية، وبالتالي تعزيز استقرار الاقليم الشرق أوسطي ودوره ومشاركته في الحياة الدولية الثقافية و السياسية والاقتصادية. هذه ينبغي أن تكون رسالتها الخارجية.
سؤال :
كيف يمكنكم أن تصفوا التحول في المواطنة السورية، كوضعية قانونية وممارسة، منذ بداية عهد البعث في سورية؟ وما الفرق الأبرز بين فترة حافظ الأسد وفترد بشار الأسد؟ وهل حصل هناك أي تغيير في قاعدة النظام الاجتماعية؟ وهل بمكنكم أن تبينوا لنا إلى أي حد، وبأي طريقة، ترتبط أحداث عام ٢٠١١ بالتغيرات التي طرأت على ممارسة المواطنة في سورية؟
غليون:
أهم ما ميز نظام الأسد هو تقويض حكم القانون، مثله في ذلك مثل جميع النظم الشمولية والاستبدادية الفردية. ولذلك ليس هناك في سورية علاقة بين الواجهة القانونية التي هي جزء من الديكور الخارجي والدعائي للنظام وبين الممارسة الفعلية. فالدستور الذي طبقه الأسد حتى ثورة آذار المدنية كان يعترف بالمواطنة المتساوية عموما وبالحريات والحقوق العادية التي يعترف بها أي دستور حديث للأفراد. لكن تكفي مادة واحدة كي تصادر هذه الحقوق وهي المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث، ومن ورائه ميليشياته وأجهزة أمنه، هو القائد للدولة والمجتمع . وهو الأمر الذي فسر على أساس ان جميع مراكز الإدارة والسلطة في كل الميادين ينبغي أن تكون بيد أعضاء الحزب، وفي الحقيقة أجهزة الامن. لكن أكثر من ذلك اتخذ النظام احتياطا أكبر لتعليق الدستور هو الحكم تحت ظل قانون الطواريء الذي تم العمل فيه بشكل مستمر منذ عام ١٩٦٣ حتى ٢٠٠١١ حيث حل محله قانون الحرب على الارهاب، أي على الثورة السلمية المطالبة بالحقوق والحريات.
أما الفرق بين مكانة المواطن في ظل حكم الأب والابن، فهو يكمن في أن الأب كان يتحكم بالأجهزة الأمنية التي كونها بنفسه، وكان بالتالي قادرا على ضمان حد أدنى من وحدة السلطة، والحد من تغول شبكات المصالح، المتباينة والمتضاربة في ما بينها، على الدولة والمجتمع..
مع بشار الأسد انتقلت السلطة من هيمنة بيرقراطية الحزب والدولة التي تميز النظم الشمولية والعقائدية عموما إلى هيمنة رجال المافيا العائلية أنفسهم، وأصبحت العلاقة بين أصحاب السلطة والمال والقوة العسكرية والأمنية علاقة انصهار كامل. وحصل ذلك بموازاة سياسات التخصيص وتصفية القطاع العام الذي أعطى مافيا الاقتصاد والمال العائلية والزبونية دفعة لم تعرفها من قبل، ومكنها من إخضاع الدولة وبيرقراطيتها لمنطقها وحساباتها. وهذا الانصهار لشبكات المصالح المافيوية بالسلطة العمومية وما قاد إليه من تغول على موارد الدولة والمجتمع، خارج أي ضابط قانوني أو سياسي أو أخلاقي، بالاضافة إلى انحسار دور بيرقراطية الدولة وتهميشها، هو ما يفسر ما حصل من استهتار بكيان الدولة وبالملكية العامة، ومن ورائها الافتقار إلى أي مفهوم للوطنية والمسؤولية العمومية، كما يفسر عدم تردد السلطة القائمة في الذهاب بعيدا في تدمير الدولة وحرق البلاد، حسب الشعار الذي رفعه ممثلوها: الأسد أو نحرق البلد. وهذا ما حصل بالفعل