أصبح من الواضح، اليوم، بعد إعلان أكثر من طرف من أطراف المعارضة السورية، رفضه تلبية دعوة القيادة الروسية في بدء مفاوضات مع نظام الأسد من دون شروط، ولا أجندة محددة، ولا اعتراف مسبق بالمعارضة طرفاً، ولا بشرعية المطالب التي تبنتها، بالوكالة، عن ملايين السوريين الذين قاموا ضد حكم الديكتاتورية، وضحوا بأبنائهم، واضطروا إلى النزوح عن أحيائهم ومدنهم وبلادهم، أقول أصبح من الواضح أن موسكو خسرت المبادرة التي كانت قد أطلقتها، وتفاءل سوريون كثيرون بإمكانية أن تكون بداية الخروج من المحرقة التي وضعهم فيها النظام. وسبب هذه الخسارة، أو بالأحرى الفشل الذي لم يكن أحد يتمناه أو يسعى إليه، هو تجاهل الروس هذه المطالب الشرعية والمشروعة بالذات، واستهتارهم بالمعارضة السورية إلى درجةٍ اعتقدوا فيها أن من حقهم، وفي وسعهم أن يعينوا هم أنفسهم بالاسم من ينبغي أن يكون في وفدها المفاوض، ومن لا ينبغي أن يكون، واحتقارهم عقلها بتخيلهم إمكانية دفعها إلى التضحية بإطار مؤتمر جنيف، والذي يستند إلى قرارات دولية واضحة، تترتب عليها التزامات أممية، لمجرد التلويح لهم بزيارة موسكو، ونيل حظوة تسجيل اسمهم في قائمة معارضتها.
وربما شجعهم على هذا الموقف المستهتر بالمعارضة ووعيها اعتقادهم أن الرياح تجري في غير اتجاهها، وأن تبني المجتمع الدولي أجندة الحرب ضد الإرهاب يهدد بتغييبها نهائياً من الصورة، كما يهدد بتغييب القضية السورية بأكملها. كما شجعهم عليها موقف دول عديدة، بما فيها مجموعة أصدقاء الشعب السوري الداعمة للمعارضة، والولايات المتحدة على رأسها، التي لم تعد تخفي أن الصراع على سورية لم يعد يشكل بالنسبة لها الرهان الرئيس، أو أولوية في هذه المرحلة، وأن المطلوب، اليوم، أن يتفرغ الجميع للحرب المشتركة ضد التطرف والإرهاب، الذي سيبقى محور الصراع في المنطقة سنوات، وربما عقوداً طويلة. ويرتبط بهذا التفكير الاعتقاد، أيضاً، أن الخوف من التنظيم الإرهابي سيكون كافياً لتشجيع المعارضة والنظام على التقارب والتفاهم وتقاسم الكعكة والسلطة والنفوذ، بانتظار ظروف أفضل.
والحال أن هذا التصور يعاني من أعطاب عديدة، أولها أن السوريين، على الرغم من مقاومتهم المستمرة للسرطان الداعشي حيثما بسط سيطرته واستقر، لا يزالون يعتبرون أن الخطر الأول على وجودهم هو النظام القائم نفسه، وأن الإرهاب ليس نقيضا له، وإنما هو ربيبه ومكمل
وربما شجعهم على هذا الموقف المستهتر بالمعارضة ووعيها اعتقادهم أن الرياح تجري في غير اتجاهها، وأن تبني المجتمع الدولي أجندة الحرب ضد الإرهاب يهدد بتغييبها نهائياً من الصورة، كما يهدد بتغييب القضية السورية بأكملها. كما شجعهم عليها موقف دول عديدة، بما فيها مجموعة أصدقاء الشعب السوري الداعمة للمعارضة، والولايات المتحدة على رأسها، التي لم تعد تخفي أن الصراع على سورية لم يعد يشكل بالنسبة لها الرهان الرئيس، أو أولوية في هذه المرحلة، وأن المطلوب، اليوم، أن يتفرغ الجميع للحرب المشتركة ضد التطرف والإرهاب، الذي سيبقى محور الصراع في المنطقة سنوات، وربما عقوداً طويلة. ويرتبط بهذا التفكير الاعتقاد، أيضاً، أن الخوف من التنظيم الإرهابي سيكون كافياً لتشجيع المعارضة والنظام على التقارب والتفاهم وتقاسم الكعكة والسلطة والنفوذ، بانتظار ظروف أفضل.
والحال أن هذا التصور يعاني من أعطاب عديدة، أولها أن السوريين، على الرغم من مقاومتهم المستمرة للسرطان الداعشي حيثما بسط سيطرته واستقر، لا يزالون يعتبرون أن الخطر الأول على وجودهم هو النظام القائم نفسه، وأن الإرهاب ليس نقيضا له، وإنما هو ربيبه ومكمل
خططه وابنه الشرعي، وأن مواجهته لا يمكن أن تستقيم، ما لم يستعد الشعب السوري وحدته من جديد. ولن يستعيدها في ظل القيادة الفاشلة التي أوصلته إلى ما هو عليه من دمار وخراب وقتل واقتتال، وإنما بإقامة نظام جديد يضمن الأمن والسلام للسوريين، ويحقق مطامحهم المحقة، وينهي إلى الأبد حكم الديكتاتورية والتمييز الطائفي والعنصرية الاجتماعية اللذيْن قادا إلى اندلاع النزاع والحرب.
وثانيها، أن الشعب السوري الذي فقد خيرة أبنائه، في جزئيه الثائر والموالي، سوف يلفظ أي معارض يشارك في إعادة تثبيت حكم الأسد، والتعاون معه، مهما كان الخصم المقابل وفي أية شروط. ذلك أن مثل هذه المشاركة سوف تعني إدانة مطلقة للمعارضة ولشرعية الثورة، وخيانة لأرواح مئات آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم، من أجل وضع حد لنظامٍ، كان ولا يزال آلة للقهر والإهانة والإذلال والتنكيل، وهو ما يعيشه السوريون حتى الآن، ولم يثوروا من أجل انتزاع مواقع أو مناصب في حكوماته. فلم يكن السوريون بحاجة إلى حرب إبادة جماعية وقتل بالجملة، ودمار ونزوح وتهجير، ليحظى المعارضون، مهما كانوا، بمناصب وزارية. كانت الانتهازية البدائية كافية لإدخالهم جميعا في حكوماته الكركوزية قبل الثورة ومن دونها. ولكن أكثرهم رفضوا هذه المشاركة منذ عقود، وعانوا في سبيل ذلك من كل أنواع التنكيل. قام السوريون بثورة دامية، ولا يزالون مستمرين في تقديم القرابين والضحايا، من أجل الخلاص من الديكتاتورية البغيضة، وليس من أجل المشاركة في حكمها، أو إعادة تأهيل نظامها.
وثالثها، أن مبالغة النظام في تصعيد وتيرة العنف والدمار، بموازاة الإعلان عن مبادرة موسكو والحل السياسي، ليس حجة للتشجيع على التعاون معه، أو لتبرير التنازل عن الهدف الأساسي الذي قدم من أجله السوريون. بالعكس، هو حجة إضافية لرفض الجلوس معه، وعدم مكافأته على جرائمه. القبول بمثل هذا الموقف يعني تبرئة القاتل والتواطؤ معه. وهذا لا يستقيم، لا في منطق العدالة ولا في منطق السياسة ولا في منطق الثقافة ولا في منطق الأخلاق والضمير.
بالتأكيد، ينص اتفاق جنيف، الذي لا يزال يشكل، بالنسبة للمعارضة، الإطار القانوني والسياسي الوحيد المجمع عليه، على أن هيئة الحكم الانتقالية ينبغي أن تتشكل من أطراف من النظام والمعارضة. وهذا صحيح وضروري، لكن بشرط أن لا يكون هؤلاء وأولئك من الذين تلطخت أياديهم بالدم، ومن باب أولى أن لا يكون بينهم من لا يزالون، إلى هذه الساعة، يخططون وينظمون وينفذون جرائم الإبادة الجماعية والقتل الأعمى بالبراميل المتفجرة، ثم إن هذا لا يعني أن هدف الهيئة الانتقالية هو تحسين صيغة المشاركة في السلطة مع النظام. الهدف من المشاركة في حكومة انتقالية هو، وينبغي أن يكون واضحاً لدى جميع الأطراف، الموالين والمعارضين، نقل البلاد إلى نظام ديمقراطي، وإدارة المرحلة الانتقالية، والإعداد لانتخابات نزيهة وشرعية، تترك للشعب أن يقرر مصيره في ما بعد بحرية. وقف القتال أو تخفيف وتيرة العنف مدخل للحل، لكنه لا يشكل حلاً بذاته، وإلا لأصبح مساعدة للنظام على تأهيل نفسه وترميم شرعيته. لتشكيل هذه الهيئة غرض واحد، هو تطمين السوريين الموالين للنظام، وتجنيبهم الانتقام، في مقابل قبولهم بالهدف الأسمى والجامع، وهو التفكيك الطوعي لآلة القهر والقتل والعسف التي يمثلها النظام القائم، والانتقال نحو نظام جديد. إذا لم يكن هذا هو هدف الفريق الموالي من مشاركته في حكومة الانتقال، فلن يكون هناك حل سياسي، ولكن خدعة غليظة سيدفع السوريون ثمنها غالياً في العودة مجدداً إلى ساحات القتال، بل في التصعيد المستمر فيه.
ليس هناك نظام وسط بين الديكتاتورية والحكم بـ"البسطار" أو البوط العسكري والامني، الذي خلده قادة النظام بتماثيل حلت محل تماثيل الأسد في أكثر من مكان، وهو يرمز إلى الاحتقار البدائي للبشر، وإرادة سحقهم بالقوة ودفن القانون، من جهة، والديمقراطية التي تعني أولوية حكم القانون والشرعية الديمقراطية والعدالة والحرية، أي الاحتكام للوسائل السلمية في حل النزاعات الداخلية، من جهة ثانية. ولا يمكن اختراع نظام يجمع، في الوقت نفسه، بين حكم البسطار العسكري الذي يمثله النظام القائم وتاريخه المؤلم لكل السوريين، ونظام الحرية والكرامة واحترام الانسان الذي يتطلع إليه الشعب. لذلك، ينبغي أن يعترف كل من سيشارك في الحكومة الانتقالية من الموالاة بحتمية الخروج من حكم الاستبداد، والدخول في حقبة جديدة من الحكم الوطني الديمقراطي. من دون ذلك، لن يكون هناك حل سياسي، ولن تستعيد البلاد
وثانيها، أن الشعب السوري الذي فقد خيرة أبنائه، في جزئيه الثائر والموالي، سوف يلفظ أي معارض يشارك في إعادة تثبيت حكم الأسد، والتعاون معه، مهما كان الخصم المقابل وفي أية شروط. ذلك أن مثل هذه المشاركة سوف تعني إدانة مطلقة للمعارضة ولشرعية الثورة، وخيانة لأرواح مئات آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم، من أجل وضع حد لنظامٍ، كان ولا يزال آلة للقهر والإهانة والإذلال والتنكيل، وهو ما يعيشه السوريون حتى الآن، ولم يثوروا من أجل انتزاع مواقع أو مناصب في حكوماته. فلم يكن السوريون بحاجة إلى حرب إبادة جماعية وقتل بالجملة، ودمار ونزوح وتهجير، ليحظى المعارضون، مهما كانوا، بمناصب وزارية. كانت الانتهازية البدائية كافية لإدخالهم جميعا في حكوماته الكركوزية قبل الثورة ومن دونها. ولكن أكثرهم رفضوا هذه المشاركة منذ عقود، وعانوا في سبيل ذلك من كل أنواع التنكيل. قام السوريون بثورة دامية، ولا يزالون مستمرين في تقديم القرابين والضحايا، من أجل الخلاص من الديكتاتورية البغيضة، وليس من أجل المشاركة في حكمها، أو إعادة تأهيل نظامها.
وثالثها، أن مبالغة النظام في تصعيد وتيرة العنف والدمار، بموازاة الإعلان عن مبادرة موسكو والحل السياسي، ليس حجة للتشجيع على التعاون معه، أو لتبرير التنازل عن الهدف الأساسي الذي قدم من أجله السوريون. بالعكس، هو حجة إضافية لرفض الجلوس معه، وعدم مكافأته على جرائمه. القبول بمثل هذا الموقف يعني تبرئة القاتل والتواطؤ معه. وهذا لا يستقيم، لا في منطق العدالة ولا في منطق السياسة ولا في منطق الثقافة ولا في منطق الأخلاق والضمير.
بالتأكيد، ينص اتفاق جنيف، الذي لا يزال يشكل، بالنسبة للمعارضة، الإطار القانوني والسياسي الوحيد المجمع عليه، على أن هيئة الحكم الانتقالية ينبغي أن تتشكل من أطراف من النظام والمعارضة. وهذا صحيح وضروري، لكن بشرط أن لا يكون هؤلاء وأولئك من الذين تلطخت أياديهم بالدم، ومن باب أولى أن لا يكون بينهم من لا يزالون، إلى هذه الساعة، يخططون وينظمون وينفذون جرائم الإبادة الجماعية والقتل الأعمى بالبراميل المتفجرة، ثم إن هذا لا يعني أن هدف الهيئة الانتقالية هو تحسين صيغة المشاركة في السلطة مع النظام. الهدف من المشاركة في حكومة انتقالية هو، وينبغي أن يكون واضحاً لدى جميع الأطراف، الموالين والمعارضين، نقل البلاد إلى نظام ديمقراطي، وإدارة المرحلة الانتقالية، والإعداد لانتخابات نزيهة وشرعية، تترك للشعب أن يقرر مصيره في ما بعد بحرية. وقف القتال أو تخفيف وتيرة العنف مدخل للحل، لكنه لا يشكل حلاً بذاته، وإلا لأصبح مساعدة للنظام على تأهيل نفسه وترميم شرعيته. لتشكيل هذه الهيئة غرض واحد، هو تطمين السوريين الموالين للنظام، وتجنيبهم الانتقام، في مقابل قبولهم بالهدف الأسمى والجامع، وهو التفكيك الطوعي لآلة القهر والقتل والعسف التي يمثلها النظام القائم، والانتقال نحو نظام جديد. إذا لم يكن هذا هو هدف الفريق الموالي من مشاركته في حكومة الانتقال، فلن يكون هناك حل سياسي، ولكن خدعة غليظة سيدفع السوريون ثمنها غالياً في العودة مجدداً إلى ساحات القتال، بل في التصعيد المستمر فيه.
ليس هناك نظام وسط بين الديكتاتورية والحكم بـ"البسطار" أو البوط العسكري والامني، الذي خلده قادة النظام بتماثيل حلت محل تماثيل الأسد في أكثر من مكان، وهو يرمز إلى الاحتقار البدائي للبشر، وإرادة سحقهم بالقوة ودفن القانون، من جهة، والديمقراطية التي تعني أولوية حكم القانون والشرعية الديمقراطية والعدالة والحرية، أي الاحتكام للوسائل السلمية في حل النزاعات الداخلية، من جهة ثانية. ولا يمكن اختراع نظام يجمع، في الوقت نفسه، بين حكم البسطار العسكري الذي يمثله النظام القائم وتاريخه المؤلم لكل السوريين، ونظام الحرية والكرامة واحترام الانسان الذي يتطلع إليه الشعب. لذلك، ينبغي أن يعترف كل من سيشارك في الحكومة الانتقالية من الموالاة بحتمية الخروج من حكم الاستبداد، والدخول في حقبة جديدة من الحكم الوطني الديمقراطي. من دون ذلك، لن يكون هناك حل سياسي، ولن تستعيد البلاد
والشعب وحدتهما. أعرف أن هذا الحلم يبدو في الظروف الراهنة صعب المنال. لكن، لا نستطيع ان نتقدم من دون الاحتفاظ به في مخيلتنا، ومن الأفضل أن لا ندخل في مفاوضات على أن نقبل المشاركة في مفاوضات، تهدف إلى تكريس سلطة القهر والقتل وحكم الميليشيات وأمراء الحرب وتقاسم النفوذ في نظام جديد جوهره سحق الشعب وتركيعه واستعباده.
لم تكن مبادرة روسيا سلبية، ولا يمكن الخروج من الحرب الدائرة اليوم في سورية من دون مساهمتها، بل إن تدخلها السياسي مطلوب وواجب، أيضاً، تجاه الشعب السوري الذي جمعته معها صداقة أكثر من نصف قرن. لكنها لا تستطيع أن تلعب الدور المنتظر منها، إذا كان هدفها إنقاذ النظام القائم، مهما قدمت لذلك من مبررات، مثل الحفاظ على الدولة والمؤسسات، أو الدفاع عن الشرعية، أو الوقوف في وجه التدخلات الأجنبية. حتى تتمكن من لعب هذا الدور، عليها أن تحترم تضحيات السوريين الجسام، ولا تستهزئ بالمعارضة التي تمثل، على الرغم من ضعفها وتخبطها وقلة سيطرتها على الأرض، أمل السوريين في التغيير والخروج من نظام المهانة والذل. وليس من مصلحة أحد، روسيا وبقية دول العالم، ترك المعارضة الوطنية تغرق أو تفقد قوتها وصدقيتها، لأن ذلك يعني خياراً مستحيلاً بين إعادة تأهيل من استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وقتل عشرات ألوف المعتقلين تحت التعذيب، وداعش وأخواتها من التنظيمات المتطرفة التي لن يزيدها تأهيل النظام إلا قوة وتمدداً، والنتيجة استمرار الحرب وانعكاساتها المتزايدة على بقية دول المنطقة والعالم. ولا ينبغي استخدام ضعف المعارضة وانقسامها ذريعة لاستبعادها من الاختيار، بل يشكل ذلك سبباً إضافياً كي تعمل الدول الراغبة في مساعدة سورية على الخروج من المحرقة، على تقويتها وتعزيز صدقيتها، وتقديم المعونة التي تمكنها من أن تلعب الدور المطلوب منها، شريكاً رئيسياً في عملية الانتقال الديمقراطي التي هي وحدها القادرة على وضع حد للقتال، وإطلاق عملية سلام حقيقية ومستمرة في البلاد.
لا يمكن لأي مفاوضات أن تكون إيجابية ومنتجة، تنهي النزاع وتحقق السلام، ما لم تقم:
1- على أسس سليمة وواضحة، تضمن حداً أدنى من العدالة، وهو ما تمثله قرارات الأمم المتحدة وبيان جنيف.
2- ولا يمكن نجاحها من دون أن تجمع الطرفين على هدف مشترك، مهما كان محدوداً، وهنا رؤية سورية المستقبل: مزرعة للأقوى أم وطنا لسوريين مواطنين متساوين وأحرار
3- أن تنطلق من اعتراف الأطراف بشرعية مطالبهم المتبادلة.
4- أن تتماشى هذه المطالب مع القيم والمبادئ الإنسانية المتعارف عليها في عصرنا، طالما لم نسمع من الطرف الآخر، وهو لم يعد طرفاً سورياً فحسب، قبولاً واضحاً ورسمياً، بهدف العملية التفاوضية، وهو الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي، يحترم حياة الإنسان، ويرفض التمييز والابتزاز بالقوة، تظل جميع المساعي الدبلوماسية التي تقوم بها الدول والمنظمات، والمساعي الروسية الراهنة جزء منها، مجرد مناورات هدفها الاستمرار في تشتيت الشعب والرأي العام السوريين، وتعزيز قدرة نظام القتل والدمار على تحقيق الهدف الذي لم يكف قادته عن الجري وراءه، خلال السنين الماضية، في جميع أعمالهم وخطبهم وأحاديثهم، وعلى الرغم من كل جهود الدبلوماسيين ووعودهم، وهو القضاء على الثورة التي يطابقون بينها والإرهاب، والرهان على المصالحات والهدن المحلية لتحييد المقاتلين، من دون أي تغيير للنظام. وهم لا يعبرون في ذلك عن حلمهم في المحافظة على طبيعة حكمهم العبودي بأي ثمن فحسب، وإنما عن إرادتهم في خنق فكرة الثورة نفسها، بما تضمره من إرادة التحرر والانعتاق، وما تنطوي عليه من نزوع الإنسان العميق إلى حياة أخلاقية حقيقية، تغتني بقيم الحرية والكرامة والعدالة والقانون التي تجعل من كل فرد، مهما كان شرطه الاجتماعي، أو دينه ومذهبه وقوميته، إنسانا، أي موطناً للوعي والإرادة والضمير.
لم تكن مبادرة روسيا سلبية، ولا يمكن الخروج من الحرب الدائرة اليوم في سورية من دون مساهمتها، بل إن تدخلها السياسي مطلوب وواجب، أيضاً، تجاه الشعب السوري الذي جمعته معها صداقة أكثر من نصف قرن. لكنها لا تستطيع أن تلعب الدور المنتظر منها، إذا كان هدفها إنقاذ النظام القائم، مهما قدمت لذلك من مبررات، مثل الحفاظ على الدولة والمؤسسات، أو الدفاع عن الشرعية، أو الوقوف في وجه التدخلات الأجنبية. حتى تتمكن من لعب هذا الدور، عليها أن تحترم تضحيات السوريين الجسام، ولا تستهزئ بالمعارضة التي تمثل، على الرغم من ضعفها وتخبطها وقلة سيطرتها على الأرض، أمل السوريين في التغيير والخروج من نظام المهانة والذل. وليس من مصلحة أحد، روسيا وبقية دول العالم، ترك المعارضة الوطنية تغرق أو تفقد قوتها وصدقيتها، لأن ذلك يعني خياراً مستحيلاً بين إعادة تأهيل من استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وقتل عشرات ألوف المعتقلين تحت التعذيب، وداعش وأخواتها من التنظيمات المتطرفة التي لن يزيدها تأهيل النظام إلا قوة وتمدداً، والنتيجة استمرار الحرب وانعكاساتها المتزايدة على بقية دول المنطقة والعالم. ولا ينبغي استخدام ضعف المعارضة وانقسامها ذريعة لاستبعادها من الاختيار، بل يشكل ذلك سبباً إضافياً كي تعمل الدول الراغبة في مساعدة سورية على الخروج من المحرقة، على تقويتها وتعزيز صدقيتها، وتقديم المعونة التي تمكنها من أن تلعب الدور المطلوب منها، شريكاً رئيسياً في عملية الانتقال الديمقراطي التي هي وحدها القادرة على وضع حد للقتال، وإطلاق عملية سلام حقيقية ومستمرة في البلاد.
لا يمكن لأي مفاوضات أن تكون إيجابية ومنتجة، تنهي النزاع وتحقق السلام، ما لم تقم:
1- على أسس سليمة وواضحة، تضمن حداً أدنى من العدالة، وهو ما تمثله قرارات الأمم المتحدة وبيان جنيف.
2- ولا يمكن نجاحها من دون أن تجمع الطرفين على هدف مشترك، مهما كان محدوداً، وهنا رؤية سورية المستقبل: مزرعة للأقوى أم وطنا لسوريين مواطنين متساوين وأحرار
3- أن تنطلق من اعتراف الأطراف بشرعية مطالبهم المتبادلة.
4- أن تتماشى هذه المطالب مع القيم والمبادئ الإنسانية المتعارف عليها في عصرنا، طالما لم نسمع من الطرف الآخر، وهو لم يعد طرفاً سورياً فحسب، قبولاً واضحاً ورسمياً، بهدف العملية التفاوضية، وهو الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي، يحترم حياة الإنسان، ويرفض التمييز والابتزاز بالقوة، تظل جميع المساعي الدبلوماسية التي تقوم بها الدول والمنظمات، والمساعي الروسية الراهنة جزء منها، مجرد مناورات هدفها الاستمرار في تشتيت الشعب والرأي العام السوريين، وتعزيز قدرة نظام القتل والدمار على تحقيق الهدف الذي لم يكف قادته عن الجري وراءه، خلال السنين الماضية، في جميع أعمالهم وخطبهم وأحاديثهم، وعلى الرغم من كل جهود الدبلوماسيين ووعودهم، وهو القضاء على الثورة التي يطابقون بينها والإرهاب، والرهان على المصالحات والهدن المحلية لتحييد المقاتلين، من دون أي تغيير للنظام. وهم لا يعبرون في ذلك عن حلمهم في المحافظة على طبيعة حكمهم العبودي بأي ثمن فحسب، وإنما عن إرادتهم في خنق فكرة الثورة نفسها، بما تضمره من إرادة التحرر والانعتاق، وما تنطوي عليه من نزوع الإنسان العميق إلى حياة أخلاقية حقيقية، تغتني بقيم الحرية والكرامة والعدالة والقانون التي تجعل من كل فرد، مهما كان شرطه الاجتماعي، أو دينه ومذهبه وقوميته، إنسانا، أي موطناً للوعي والإرادة والضمير.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire