lundi, octobre 31, 2005

تعليق عمر كوش على كتاب العرب وعالم ما بعد 11 ايلول

البيان مراجعة:عمر كوش31/10/2005
الكتاب: العرب وعالم مابعد 11 أيلول
المؤلف: د. برهان غليون
الناشر: دار الفكر ـ دمشق ـ 2005.
هذا الكتاب للمفكر السوري الدكتور برهان غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في باريس،

ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في الجامعة نفسها. صدر له العديد من المؤلفات بالعربية والفرنسية، وتُرجم بعضها إلى اللغات الإسبانية والإيطالية والإنجليزية.
منها: «بيان من أجل الديمقراطية»، و«المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات»، و«مجتمع النخبة»، و«اغتيال العقل»، و«نظام الطائفية، من الدولة إلى القبيلة»، و«الوعي الذاتي»، و«ما بعد الخليج، أو عصر المواجهات الكبرى»، و«نقد السياسة: الدولة والدين»، و«المحنة العربية: الدولة ضد الأمة»، و«حوارات من عصر الحرب الأهلية»، و«العرب ومعركة السلام»، و«ثقافة العولمة وعولمة الثقافة»، و«النظام السياسي في الإسلام»، «العالم العربي أمام تحديات القرن 21».
وفي كتابه «العرب والعالم بعد 11 سبتمبر»، يحاول برهان غليون استقراء وتحليل طبيعة التحولات التي حدثت في العالم بعد مرور أربع سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، طارحاً أسئلة مهمة حول أثر هجوم سبتمبر عليها، وحول تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على تطور الوضع السياسي في أميركا نفسها، وبالتالي فيما وراء الوضع الجيوسياسي العالمي، وتحديد نوعية الاستجابات الدولية لها، وفي مقدمتها استجابة العالم العربي، والبحث في شروط وإمكانية الردّ الفعال عليها.
ويمكن القول أن الحادي عشر من سبتمبر، بوصفها حدثاً، يشكل نقطة تحول في تاريخ العلاقات الدولية، وربما في تاريخ النظم السياسية ذاتها، إذ يرى غليون أن هذا الحدث قطع الطريق على نشوء عالم متعدد الأقطاب، وفتح طريقاً آخر لطفرة حقيقية في حقل العلاقات الدولية، جعلت من كلمة إمبراطورية الاسم الجديد للولايات المتحدة الأميركية.
كما تجدد الرهان التقليدي على الدولة ودورها المركزي في حياة المجتمعات واستقرارها بعد أن قفزت الترتيبات الأمنية إلى مقدمة الأولويات السياسية الوطنية والعالمية. وأسوأ ما نجم عن هذا التحول، وارتبط به، هو تراجع معايير الديمقراطية، وتدهور ممارستها في العديد من البلدان المركزية.
يضاف إلى هذا النكسة الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي، وبشكل خاص قطاع التقنية الذي اعتمد على النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة بشكل رئيسي. وكذلك التوتر والتصدع والانقسام في مجال العلاقات الدولية بين الدوائر الثقافية والحضارية.
إن ما حدث في أميركا، في الحادي عشر من سبتمبر 2001، كان تعبيراً عن عالم واقعي ومشهدي مغّيب، بكل خيوطه وآلياته، من التخطيط إلى التنفيّذ مروراً بالأهداف والغايات وصولاً إلى النتائج والعواقب، فالحدث عالمي بكل ما يحمل من معان وتجليات، إذ طال البلد المهيمن الأول على سياسة ومقدرات العالم، طاله من الداخل، المركزي منه والحساس، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.
ولقد أنتجت سياسات أميركا، منذ الربع الأخير للقرن العشرين وحتى أيامنا هذه، أحداثا معولمة، لم يتوقع راسموها انقلاب أي منها عليهم، إذ كان ذلك خارج إطار التغطية الأمنية والتكنولوجية والعسكرية، انطلاقاً من فهم يقوم على اعتبار أن العدو "المتخيل" يأتي على الدوام من «الخارج» الأميركي، هناك حيث يعيش الآخر ملعوناً بلوثته الدينية والاثنية والقومية.
وقد كان اللاعبون الأساسيون في البنتاغون والبيت الأبيض ومن في حكمهم، يتزودون بالكثير من الحقائق المفصلية حول أعداء العالم الحر «الحقيقي». هذا العدو المتخيل كان دوماً يُخلق حين تلحّ الحاجة إليه، وهو اليوم إرهابي مطلق بعد أن كان شريراً ومارقاً وخارجاً عن القانون الدولي وفق المعيارية الأميركية.
غير أن حدثاً بحجم ما جرى في نيويورك وواشنطن يفترض مراجعة الخطط والسياسات الاقتصادية والعسكرية، ومعرفة الأسباب الكامنة وراء ما حدث، ويفترض عدم الوقوع ثانية في التضليل المحترف الذي مارسته مراكز القرار في أميركا، والتضليل الذي روجته وسائل الإعلام الأميركية المهيمنة مرات عديدة في أحداث عالمية جسام، وفي حروب جلبت الويلات لكثير من شعوب العالم.
وما حدث في أميركا، بوجه ما، سوى معادل واقعي لسياساتها الخارجية في العالم، ولن تستطيع المبادئ البراغماتية الجديدة، ولا نصيّتها المزعومة، أن تأتي بالحقيقة من «اللا واقع»، كون هذا «اللا واقع» هو في أميركا، أي في أذهان معظم الأميركيين، بمثابة مكان «تخيلي»، جرت عمليات خلقه حتى غدا أي مكان يقع خارج حدود أميركا، وربما خارج إسرائيل وبعض الدول الأوروبية.
مع العلم أن هنالك شعوباً وبلداناً لا يمكن بالنسبة إلى الأميركيين تخيلها على أنها "حقيقية"، ومع ذلك فإن أممها تملك أحاسيس ومشاعر وطنية، وفيها أطفال ورجال ونساء يموتون كل يوم بسبب سياسات أميركا ضد قضايا بلدانها وشعوبها.
ويرى برهان غليون أن الإدارة الأميركية لم تكن بحاجة لهجوم سبتمبر حتى يتبلور لديها شعور عميق بشرعية فرض إرادتها على العالم، لكن من المحزن أن يجري تحليل هذا الحدث بأفكار قديمة، فالملاحظ أن أفكار الصراع والفصل الميتافيزيقي سيطرت على أغلب مناهج التحليل، بل وصادرت نزاهة التحليل وأفقدته علميته، حيث تحدث البعض.
خصوصاً من تأثروا بالأفكار القديمة ـ الجديدة للصراع بين الغرب والشرق ــ عن صراع حضاري بين الإسلام والغرب، بين حضارة الغرب المتقدم وحضارة الشرق المسلم أو الشرق المتخلف، أو كما بسّط الرئيس بوش حملته ضد الإرهاب حين اعتبرها معركة بين الخير والشر، فيما اعتبر البعض أحداث سبتمبر هجوماً على العالم المتحضر من طرف البرابرة.
وذهب آخرون إلى اعتبار ما جرى في أميركا مرده العداء لأميركا، لكن لماذا؟ فيما صوره بعضهم بمثابة إخفاق لتقبل الحداثة في العالم الإسلامي.
ويعتبر غليون أن هجوم سبتمبر قدم للإدارة الأميركية فرصة لا تعوّض، كي تفرض نفسها على العالم، لذلك أرادت لحربها على العراق عام 2003 أن تكون مناسبة لوضع أسس النظام الدولي الجديد، أي لفرض قاعدة الخضوع لإرادة الولايات المتحدة الأميركية القوية، والقبول بما تقرره من أهداف وترتيبات.
لذلك فالتاريخ لم يعرف صراعاً بين الحضارات حول القيم والأخلاق، ولا أحد يمكنه أن ينكر أن الحروب والصدمات بين الشعوب والأمم لم تكن في يوم من الأيام حول الحضارات ومبادئها، بل كانت صراعات مصالح من أجل السيطرة والنفوذ والهيمنة، وما صورة العالم اليوم سوى تعبير عن الاختلالات الاقتصادية والسياسية التي تراكمت ومست حياة الملايين من البشر في العالم، وعن مسعى أصحاب السطو والنفوذ في تضييق الفضاء المشترك الكون الذي يتسع للجميع.
أما الخطابات التي تصدر اليوم عن النظرة الصراعية القديمة فإنها تستند إلى خطاب أحادي شمولي حول التاريخ، يؤسس لتاريخانية أخروية جديدة، ولقيامة أخروية.
ويلتقي خطاب الصراع، بوصفه خطاباً بلاغياً للحدود، مع أصوليتين: إنجيلية جديدة ترفع راية النموذج الأميركي وإسلامية طالبانية ترفع راية الجهاد، حيث تنزع كل منهما نحو انغلاق كليّ، ينتفي فيه التنوع والاختلاف، أي كل ما يخالف النموذج الأخروي الخالد والمؤسس لما بعد القيامة.
وقد دشنت الولايات المتحدة الأميركية استراتيجية جديدة، تنهض على الحرب الكونية ضد الإرهاب، وقُدر للعالم العربي أن يحتل المسرح الرئيسي للعمليات، وأن يكون احتلال العراق المدخل إلى إعادة ترتيب الشرق الأوسط، لذلك يعتبر برهان غليون أن ضرب العراق لم يكن سوى مقدمة لمحاصرة العالم العربي، وفرض الطاعة العمياء على جميع الدول العربية، بما يعنيه من إلغاء أي هامش مبادرة لدى حكوماتها تجاه واشنطن.
وقد أخطأ القادة العرب حين اعتقدوا أن الولايات المتحدة ستحقق لهم ما يطلبون لمجرد أنهم أعطوها الغطاء السياسي للحرب على العراق. وأخطأوا كذلك حين اعتقدوا أنها قد تابت، وأصبحت أكثر ميلاً لتطبيق قاعدة الحق والقانون في الشرق الأوسط، ويخطئون أكثر إذا اعتقدوا أن الولايات المتحدة ستساعدهم على تصفية حركات الإرهاب.
ذلك ان قانون الإمبراطورية يرتكز إلى أنه إن كان من غير الممكن ضمان الاستقرار الذي يضمن المصالح الإمبراطورية، فإنه ليس هنالك وسيلة أفضل لتأكيد القوة وتحقيق السيطرة من نشر الفوضى وتعميمها.
إذن، فالواقع مختلف عما تتمناه القيادات العربية، فالتصريحات المطمئنة للمسؤوليين الأميركيين تهدف إلى تنويم الرأي العام عن النتائج الحتمية والمتطلبات المنطقية لحملة ما يسمى الحرب على الإرهاب إذ يعتقد المسؤولون في الولايات المتحدة الأميركية وقسم كبير من المسؤولين الغربيين أن العلاقة وثيقة، بل أكثر من وثيقة بين الإرهاب والإسلام.
وأن العرب يتحملون قسطاً رئيسياً من المسؤولية عن الإرهاب المتفجر في العالم المعاصر، حيث أن أنظمتهم ترعى الإرهاب، وتستخدمه في سياساتها الداخلية والخارجية. وهم مسؤولون كذلك، شعوباً وأفراداً، لأنهم يؤمنون بالعنف ويشجعونه ويؤيدون من يقوم به.
ويعتبر برهان غليون أن من الخطأ أن تتوقع الدول العربية موقفاً أميركياً إيجابياً منها، قائماً على الحوار والتعاون، وهذا يدل على هشاشة الرؤية والممارسة الاستراتيجية العربية، بل وغيابها، نظراً لأنها حلمت بان تقوم الولايات المتحدة بإيجاد حلول لمشاكلها المختلفة، بما في ذلك قضية فلسطين.
وبالتالي لم ترَ النخب العربية الحاكمة الطوفان الأميركي قادماً، ولم تحضر لمواجهته شيئاً. وعليه يطالب برهان غليون باسترجاع الصدقية الداخلية والخارجية، من خلال تغيير السياسات القائمة، وتحقيق التفاهم الوطني والتعاون الإقليمي، والتحسس بمشاكل الآخرين في العالم، وتفهم مصالحهم وهومهم، والإصغاء إلى صوت الضمير، وعدم الرد على الخطأ بالخطأ، ولا على تحدي القانون الدولي بتحدي القانون.
إن هذه الخيارات تشكل اليوم الإطار الوحيد لتحرير الروح وبناء المواقف الإيجابية من العالم ومن الذات أيضاً، وهي كفيلة بإطلاق حركة التغيير، فكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وإعادة تفعيل ديناميات الحداثة ودفع عجلة التطور العلمي والتقني والأخلاقي، ومن ثمّ اكتساب الوسائل التي تمكننا من إقامة نظم ديمقراطية مستقرة قابلة للحياة وللتحول إلى قطب مستقل للتنمية الإنسانية والمشاركة في عالم اليوم.

jeudi, octobre 27, 2005

interview dans l'Orient le jour: le chaos n’est pas une fatalité

interview publiée edans L'Orient le jour 27 octobre 05

Pour l’universitaire syrien, sociologue politique à la Sorbonne, le pouvoir baassiste vivrait ses derniers moments

En cas d’effondrement du régime de Damas, le chaos n’est pas une fatalité, estime Burhan Ghalioun

L’interview de Burhan Ghalioun, recueillie par Émilie SUEUR

Directement mis en accusation par le rapport d’enquête de l’ONU sur l’assassinat de Rafic Hariri, le régime syrien vit des heures difficiles. Pour Burhan Ghalioun, professeur de sociologie politique à la Sorbonne, le diagnostic est plus sévère encore, puisque ce Syrien estime que le pouvoir baassiste vit ses derniers moments. Rejetant les prédictions alarmistes, il affirme en outre que l’effondrement du régime n’implique pas nécessairement que la Syrie plonge dans le chaos.
Coopérer pleinement ou résister. Telles sont les deux options qui s’offrent aujourd’hui au régime de Bachar el-Assad. « Il n’y a pas de troisième option, souligne Burhan Ghalioun, spécialiste du dossier syrien. Soit Damas coopère réellement, comme va certainement l’exiger une prochaine résolution de l’ONU, soit elle opte pour la confrontation avec la communauté internationale, avec les conséquences qui en découlent. » À savoir, l’adoption de toute une gamme de mesures de rétorsion, économiques, politiques, financières, voire militaires. Une option que M. Ghalioun n’exclut pas. « Aujourd’hui, le régime n’a pas encore pris de décision. Il tergiverse, essaie d’afficher une volonté de coopération, tout en rassemblant ses armes politiques pour aller à la confrontation. » La mobilisation populaire et les déclarations de rejet du rapport du juge allemand Detlev Mehlis vont dans ce sens.
Étant donné la teneur du rapport Mehlis, dont une version non expurgée laissait apparaître le nom de Maher Assad, chef de la garde présidentielle et frère de Bachar, ainsi que celui de Assef Chawkat, beau-frère du président syrien et chef des services de renseignements de l’armée, une coopération de Damas avec les enquêteurs impliquerait pour le raïs de sacrifier sa propre famille. « Si l’implication syrienne est prouvée, il va falloir faire des sacrifices, effectivement. La Syrie doit garder en tête l’exemple irakien. Bagdad a refusé de coopérer avant l’offensive de mars 2003. Résultat, le régime de Saddam Hussein a été balayé, l’Irak a plongé dans le chaos et l’ancien dictateur se retrouve devant des juges », rappelle M. Ghalioun. Sacrifier des ténors du régime revient néanmoins à s’autosaborder. « Certes, mais il n’y a pas d’autres solutions aujourd’hui. Si l’implication est prouvée, le régime vit ses derniers moments. »
D’aucuns estiment toutefois qu’avec la fin du régime baassiste, la Syrie, à l’instar de l’Irak, pourrait sombrer dans le chaos. « Je n’adhère pas à cette vision. Même en Irak, le chaos n’était pas inéluctable. Il a plutôt été la conséquence des décisions prises par l’Administration Bush et Paul Bremer de dissoudre les structures de l’État irakien, ainsi que les forces de sécurité et l’armée. Le cas syrien peut être différent », estime le spécialiste.
Quels scénarios pourraient donc être envisagés en matière de transition ? « En cas d’effondrement du régime, des centaines d’hommes proches de l’actuel pouvoir pourraient être limogés ou arrêtés, tout en maintenant le bon fonctionnement des structures étatiques. Les membres de l’Assemblée nationale pourront alors, comme au Liban, convoquer des élections générales sous contrôle des Nations unies et former un nouveau gouvernement. Contrairement à ce que le régime actuel tente de faire croire afin de se maintenir, le chaos n’est pas une fatalité. » Et M. Ghalioun de rappeler que l’opposition syrienne semble s’être déjà préparée à cette éventualité en publiant, le 14 octobre, sa « Déclaration de Damas » qui dénonce le régime baassiste et appelle à des réformes démocratiques.
L’opposition syrienne a-t-elle toutefois les moyens de ses ambitions, et ce notamment en matière de soutien populaire ? « Qui pensait que l’élite antisyrienne au Liban allait bénéficier d’une telle mobilisation populaire ? En Syrie aussi le ressentiment populaire envers le régime est profond. Une fois que les conditions d’un régime démocratique seront établies, je suis certain que tout le monde marchera ensemble », estime le sociologue.
D’aucuns brandissent également la peur d’une montée en puissance des Frères musulmans en cas de vacance du pouvoir. « Je ne m’attends pas à un tel scénario. Durant les cinq dernières années, nous avons assisté à un regain de l’activité politique en Syrie. Or, nous n’avons pas vu les Frères musulmans s’inscrire dans cet élan, ils n’ont pas participé aux manifestations du printemps de Damas par exemple. Et puis, les Frères musulmans ne sont pas fous, ils savent bien qu’ils ne pourraient pas gouverner seuls. Aujourd’hui, aucune force nationaliste, islamiste ou de gauche n’en est capable. La seule option viable, en cas d’effondrement du régime, est celle d’une coalition nationale. Coalition qui impliquerait également des concessions en direction des forces du pouvoir sortant. »

Propos recueillis par Émilie SUEUR

interview octobre 05 : le chaos n’est pas une fatalité

27 octobre 2005
interview dans L'Orient le jour

Pour l’universitaire syrien, sociologue politique à la Sorbonne, le pouvoir baassiste vivrait ses derniers moments

En cas d’effondrement du régime de Damas, le chaos n’est pas une fatalité, estime Burhan Ghalioun

L’interview de Burhan Ghalioun, recueillie par Émilie SUEUR

Directement mis en accusation par le rapport d’enquête de l’ONU sur l’assassinat de Rafic Hariri, le régime syrien vit des heures difficiles. Pour Burhan Ghalioun, professeur de sociologie politique à la Sorbonne, le diagnostic est plus sévère encore, puisque ce Syrien estime que le pouvoir baassiste vit ses derniers moments. Rejetant les prédictions alarmistes, il affirme en outre que l’effondrement du régime n’implique pas nécessairement que la Syrie plonge dans le chaos.
Coopérer pleinement ou résister. Telles sont les deux options qui s’offrent aujourd’hui au régime de Bachar el-Assad. « Il n’y a pas de troisième option, souligne Burhan Ghalioun, spécialiste du dossier syrien. Soit Damas coopère réellement, comme va certainement l’exiger une prochaine résolution de l’ONU, soit elle opte pour la confrontation avec la communauté internationale, avec les conséquences qui en découlent. » À savoir, l’adoption de toute une gamme de mesures de rétorsion, économiques, politiques, financières, voire militaires. Une option que M. Ghalioun n’exclut pas. « Aujourd’hui, le régime n’a pas encore pris de décision. Il tergiverse, essaie d’afficher une volonté de coopération, tout en rassemblant ses armes politiques pour aller à la confrontation. » La mobilisation populaire et les déclarations de rejet du rapport du juge allemand Detlev Mehlis vont dans ce sens.
Étant donné la teneur du rapport Mehlis, dont une version non expurgée laissait apparaître le nom de Maher Assad, chef de la garde présidentielle et frère de Bachar, ainsi que celui de Assef Chawkat, beau-frère du président syrien et chef des services de renseignements de l’armée, une coopération de Damas avec les enquêteurs impliquerait pour le raïs de sacrifier sa propre famille. « Si l’implication syrienne est prouvée, il va falloir faire des sacrifices, effectivement. La Syrie doit garder en tête l’exemple irakien. Bagdad a refusé de coopérer avant l’offensive de mars 2003. Résultat, le régime de Saddam Hussein a été balayé, l’Irak a plongé dans le chaos et l’ancien dictateur se retrouve devant des juges », rappelle M. Ghalioun. Sacrifier des ténors du régime revient néanmoins à s’autosaborder. « Certes, mais il n’y a pas d’autres solutions aujourd’hui. Si l’implication est prouvée, le régime vit ses derniers moments. »
D’aucuns estiment toutefois qu’avec la fin du régime baassiste, la Syrie, à l’instar de l’Irak, pourrait sombrer dans le chaos. « Je n’adhère pas à cette vision. Même en Irak, le chaos n’était pas inéluctable. Il a plutôt été la conséquence des décisions prises par l’Administration Bush et Paul Bremer de dissoudre les structures de l’État irakien, ainsi que les forces de sécurité et l’armée. Le cas syrien peut être différent », estime le spécialiste.
Quels scénarios pourraient donc être envisagés en matière de transition ? « En cas d’effondrement du régime, des centaines d’hommes proches de l’actuel pouvoir pourraient être limogés ou arrêtés, tout en maintenant le bon fonctionnement des structures étatiques. Les membres de l’Assemblée nationale pourront alors, comme au Liban, convoquer des élections générales sous contrôle des Nations unies et former un nouveau gouvernement. Contrairement à ce que le régime actuel tente de faire croire afin de se maintenir, le chaos n’est pas une fatalité. » Et M. Ghalioun de rappeler que l’opposition syrienne semble s’être déjà préparée à cette éventualité en publiant, le 14 octobre, sa « Déclaration de Damas » qui dénonce le régime baassiste et appelle à des réformes démocratiques.
L’opposition syrienne a-t-elle toutefois les moyens de ses ambitions, et ce notamment en matière de soutien populaire ? « Qui pensait que l’élite antisyrienne au Liban allait bénéficier d’une telle mobilisation populaire ? En Syrie aussi le ressentiment populaire envers le régime est profond. Une fois que les conditions d’un régime démocratique seront établies, je suis certain que tout le monde marchera ensemble », estime le sociologue.
D’aucuns brandissent également la peur d’une montée en puissance des Frères musulmans en cas de vacance du pouvoir. « Je ne m’attends pas à un tel scénario. Durant les cinq dernières années, nous avons assisté à un regain de l’activité politique en Syrie. Or, nous n’avons pas vu les Frères musulmans s’inscrire dans cet élan, ils n’ont pas participé aux manifestations du printemps de Damas par exemple. Et puis, les Frères musulmans ne sont pas fous, ils savent bien qu’ils ne pourraient pas gouverner seuls. Aujourd’hui, aucune force nationaliste, islamiste ou de gauche n’en est capable. La seule option viable, en cas d’effondrement du régime, est celle d’une coalition nationale. Coalition qui impliquerait également des concessions en direction des forces du pouvoir sortant. »

Propos recueillis par Émilie SUEUR

mercredi, octobre 26, 2005

انقاذ المصالح السورية أولا

الاتحاد 26 اكتوبر 26

من المؤكد أن نشر تقرير القاضي ميليس الذي يوجه شبهة تورط بعض المسؤولين السوريين الكبار في عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري قد شكل ضربة معنوية كبيرة للسلطات السورية. فقد جاء بعد ثلاثة أيام من إعلان دمشق ليكرس عزلة النظام الخارجية، بعد أن عمق تحالف المعارضة على مختلف أطيافها عزلة النظام الداخلية. بيد أن ذلك ليس سببا كافيا ليدفع دمشق إلى تبني موقف سلبي من التقرير يزيد من مخاطر هذه العزلة بدل أن يساعد على تجنب المواجهة مع المجموعة الدولية. فهو استمرار للموقف الذي قاد إلى ما نحن فيه إعني موقف التبرؤ من التهمة على سبيل التهرب من المسؤولية الذي اتبعته السلطات السورية منذ بداية الأزمة حين أصرت على أنها ومسؤوليها ليس لهم علم بالعملية ولم يشاركوا فيها وبالتالي فليس لهم أن يساهموا في الكشف عن الضالعين فيها. ولا يدفع التهمة عنا اتخاذ موقف الضحية، ولا رمي المسؤولية على الولايات المتحدة وإسرائيل والمعارضة اللبنانية بسبب عدائهم لسورية أو خصومتهم معها، ولا التذكير بأن المتضرر الرئيسي من اغتيال الحريري هي المصالح السورية نفسها.
ربما ليس لسورية دور في العملية كما يقول مسؤولوها، لكن هذا لا يعفي دمشق من مسؤوليتها ولا يبرر لها أن تتصرف أمام عملية اغتيال رفيق الحريري في شباط الماضي وكأن الأمر لا يعنيها. وكان عليها كسلطة مسؤولة، تجاه لبنان التي تمارس فيه دور الوصي على الأقل في الشؤون الأمنية وتجاه سورية نفسها، أن تبادر إلى تشكيل لجنة تحقيق سورية لمعرفة الحقيقة وقطع الطريق على أي طرف يمكن أن يستغل العملية للإضرار بالمصالح السورية العليا. ولكنها عوضا عن ذلك فضلت الوقوف موقف المتفرج وتوجيه التهم الجزاف لخصومها. وعندما بدأ الحديث عن تشكيل لجنة تحقيق دولية حاولت ثني الحكومة اللبنانية عن الموافقة عليها. وعندما أقر مجلس الأمن تشكيل اللجنة ترددت في التعاون معها إلى أن أعلن القاضي ميليس بأن سورية لا تتعاون مع لجنة التحقيق. وعندما ردت السلطات السورية بأنها أرسلت موافقتها على التعاون، لكن لأسباب تقنية تأخر الرد وأعلنت استعدادها للتعاون من جديد، أحاطت هذا التعاون بجملة من الشروط والتحفظات المتعلقة بقضايا السيادة الوطنية والقوانين السورية الخاصة بالتعامل مع الموظفين السوريين لدرجة جعلت هذا التعاون يبدو، في نظر اللجنة والرأي العام الدولي معا، وكأنه مفروض عليها بالرغم منها وأنها، كما ذكر التقرير، قبلت بالتعاون شكليا لكنها قررت أن لا تقدم أي معلومة تفيد اللجنة أو تساعدها على التقدم في تحقيق هدفها. وقد وصل ذلك إلى دفع القاضي ميليس إلى حد اتهام وزير الخارجية السورية ونائبه معا بإعطاء معلومات كاذبة بهدف تضليل اللجنة. ويأتي اليوم رفض محتوى التقرير واتهامه بالافتقار إلى النزاهة والحرفية ليعزز الاعتقاد بأن سورية لا تريد أن يصل التحقيق إلى غايته أو أنها تخشى من استمراره ومن النتائج التي يمكن أن يصل إليها.
لا يساعد هذا السلوك ولم يساعد السلطات السورية على إثبات براءتها ولكنه ساهم بالعكس في تعزيز الشكوك بتورطها. وكان أولى بالمسؤولين السوريين كما ذكرت أن يبادروا هم أنفسهم، قبل أن تذهب المسألة إلى مجلس الأمن بفتح تحقيق جدي حول عملية الاغتيال بمشاركة دولية فعلية وأن يظهروا، بعد أن تكونت لجنة التحقيق الدولية بتكليف من مجلس الأمن، أقصى درجات التعاون معها وتقديم جميع المعلومات التي بحوزة الأجهزة الأمنية السورية لمساعدة التحقيق على الوصول لغايته. وكان ذلك سيساعد على فتح الباب أمام فرضيات أخرى لعمل التحقيق غير الفرضية التي يبدو أن لجنة التحقيق الدولية قد عملت على أساسها منذ البداية وهي احتمال تورط الأجهزة الأمنية اللبنانية ومن ورائها، وبسبب العلاقات الوثيقة التي تربط في ما بينها، الأجهزة الأمنية السورية. وكانت هذه المشاركة وحدها كفيلة بإزالة الشكوك والشبهات وتبيض صفحة السلطات السورية تماما أمام لجنة التحقيق والرأي العام اللبناني والسوري والعالمي معا.
تستطيع دمشق أن تبريء نفسها من المشاركة في الجريمة إذا كان ذلك صحيحا لكنها لا تستطيع أن تعفي نفسها من مسؤولية المساهمة في الكشف عن مرتكبيها. فهناك جريمة كبرى ارتكبت في بلد تحتل فيه موقعا أمنيا وسياسيا متميزا باعترافها هي نفسها وبما بنته خلال العقود الماضية من علاقات استثنائية مع الأجهزة اللبنانية والسياسية ومختلف الفعاليات والمنظمات الأهلية اللبنانية نفسها. وكان من أبسط واجباتها كدولة مسؤولة أن تبادر إلى البحث عن الجناة أو على الأقل إظهار اهتمامها بالبحث عنهم، سواء أكان أحد من مسؤوليها مشارك فيها أم لا، في الوقت الذي بدت فيه ميالة أكثر إلى لفلفة القضية والإسراع في إغلاق ملف التحقيق وترك الأمور تجري كما لو أن ما حصل كان أمرا عاديا لا يستحق البحث ولا التقصي ولا التعب. وقد عزز هذا الانطباع احتجاج أنصارها على اهتمام المجموعة الدولية بمقتل الحريري بينما تركت حالات إغتيال عديدة أخرى من دون تحقيق في لبنان وغيره، مما يشي بأن الهدف من التحقيق هو النيل من سورية لا الوصول إلى الحقيقة.
لن يفيد سلوك التهرب من المسؤولية في تبرئة المسؤولين، بل ستكون له نتائج وخيمة ليس على النظام فحسب ولكن على المصالح السورية نفسها. وليس من الممكن لدمشق أن تزيل الشبهات التي تحوم حولها بسبب سلوكها الخائف والمتردد معا في الكشف عن الحقيقة إلا بالتعاون الواسع مع لجنة التحقيق الدولية وتقديم جميع المعلومات التي تملكها الأجهزة الأمنية حول هذه الجريمة. ومن دون ذلك سوف يظل شبح الجريمة يحوم في الفضاء وسيف الاتهام مسلطا على المسؤولين السوريين إلى النهاية، مع تضييق الخناق والحصار على النظام وأخذ البلاد نفسها رهينة.
لكن، وهذا هو السؤال الذي يراود كما يبدو لي الكثير من السوريين الذين بدأوا يخشون من عواقب التحقيق الدولي على بلادهم: ماذا لو كان بعض المسؤولين السوريون متورطين فعلا في عملية الاغتيال وكيف يمكن لهم التعاون ضد أنفسهم؟ في هذه الحالة أعتقد أنه لا مهرب لهؤلاء المسؤولين من مواجهة الحقيقة وتحمل مسؤولياتهم عن أفعالهم. ولن ينفعهم تحميلها لسورية بأكملها ولا السعي، كما آظهر ذلك مثال المسؤولين العراقيين بجوارهم، الدفاع عن قضية خاسرة بأساليب خاسرة تجر الدمار عليهم وعلى أوطانهم.. وفي اعتقادي لن تكون هناك بعد الآن، في هذه القضية، لا تسوية سياسية ولا صفقة على الطريقة الليبية. ولن تخرج سورية من الورطة الكبيرة الراهنة إلا بتحمل كل فرد مسؤوليته وقيامه بما يمليه عليه واجبه.

حول الموقف من تقرير ميليس : السياسة والمسؤولية

الوطن 26 اكتوبر 05

بالرغم من أن ديتليف ميليس لم يقدم تقريرا نهائيا بعد وكل ما قدمه هو تقرير أولي يشير، انطلاقا من المعطيات التي حصل عليها، وهي لا تزال قليلة، إلى بعض فرضيات العمل التي يحتاج تأكيدها إلى المزيد من الجهود في الأشهر، وربما السنوات القادمة، وبالرغم مما يؤكده التقرير نفسه في ختام فقراته من أن أحدا لا يمكن أن يعتبر متهما قبل أن تثبت إدانته في محكمة نزيهة ونحن لا نزال بعيدين عن مرحلة توجيه الاتهامات الرسمية وعن المحاكمة والإدانة، إلا أن نشر تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري كان كافيا وحده لإثارة عاصفة سياسية وصفها البعض بالزلزال والآخرون بالإعصار. وقد بدأت الأطراف المختلفة تتعامل مع التقرير بالفعل كما لو كان إدانة نهائية للنظام السوري بسبب الإشارة إلى احتمال تورط بعض قادته السياسيين وأجهزته الأمنية من وراء الأجهزة اللبنانية بعملية الإغتيال. ففي الوقت الذي اعتبرت فيه الإدارة الامريكية أن التقرير يشكل مصدر قلق كبير يستدعي اجتماعا عاجلا لمجلس الأمن لمناقشة الإجراءات الضرورية للرد على تورط القادة السوريين، ردت الحكومة السورية على لسان وزارة الخارجية بالرفض القاطع لمحتوى التقرير بسبب إشارته هذه، بالرغم من إعلانها استمرار التعاون مع لجنة التحقيق الدولية. وبقدر ما أكد المسؤولون الأمريكيون على المهنية العالية والموضوعية التي اتسم بهما تقرير ميليس نظر السوريون إلى توجيه الشكوك نحو دمشق على أنه تكريس لإدانة سياسية مسبقة وموقف مبيت ضدها يعبر عن افتقار التقرير للمهنية وللاتساق والموضوعية معا.
السوريون على حق عندما يخشون من استغلال الولايات المتحدة للتقرير لأغراض سياسية لاعلاقة لها باغتيال الحريري. فقد كانت واشنطن، التي دخلت في نزاع مع الحكم السوري قبل اغتيال الحريري، تنتظر بالفعل بفارغ الصبر ما يفيدها في وضع سورية تحت ضغوط متزايدة لتفرض عليها التعاون الواسع في بعض الملفات الإقليمية وفي مقدمها الملف العراقي. ومن مصلحتها أن تصور التقرير كما لو كان تحقيقا نهائيا وبرهانا قاطعا على تورط المسؤولين السوريين ووقوعهم في الفخ. بيد أن هذا الاستغلال السياسي للتقرير لا يضير التقرير نفسه ولا يجعل منه بالضرورة تقريرا سياسيا فاقدا لمعايير المهنية القانونية كما يقول السوريون. وكما يخطؤ الأمريكيون بحق الحريري وحكم القانون عندما يسعون إلى استغلال التقرير لأهداف سياسية محضة ليس لها علاقة بمعرفة الحقيقة وإحقاق العدالة، بخطؤ السوريون أيضا عندما يوجهون انتقاداتهم إلى القاضي ميليس (الذي لم يتهم أحدا ولكنه أشار إلى ما دلته إليه التحقيقات حتى الآن، وربما غيرت التحقيقات اللاحقة النتائج الحالية)، ويرفضون تقريره بحجة انحيازه بدل أن يوجهوا نقدهم للاستخدام السياسي الأمريكي، أي غير القانوني له. ولو فعلوا ذلك لنالوا عطف قطاع واسع من الرأي العام العالمي الذي أصبح يضيق ذرعا بالطريقة التي تتعامل بها الإدارة الأمريكية مع القضايا الدولية وبالسرعة التي تتخذ بها القرارات التي تمس مصير شعوب بأكملها. وبالعكس يستفز الموقف السوري الراهن أوسع قطاعات الرأي العام العالمي لما يظهره من استهتار المسؤولين السوريين بالإرادة الدولية واستسهالهم توجيه التهم بالتحيز ضدهم وتبلي الآخرين لهم من دون سبب وإنكارهم الاعتراف بالحد الأدنى من استقلال السلطة القضائية التي ترمز إليها لجنة التحقيق الدولية نفسها.
هكذا تبدو تهم التسييس للتحقيق الدولي هي نفسها تهما سياسية لا تقوم على أي حجة منطقية ولا تستند على أي رؤية قانونية. فهي تنبع من تكرار شعارات مثل أن سورية مستهدفة بسبب مواقفها المعادية لأمريكا. مما يعني أن التقرير وجميع من ساهم فيه من القضاة وعلى رأسهم القاضي الألماني ميليس يخضعون بشكل أو آخر لإرادة الولايات المتحدة أو يعملون لحسابها وتحت تأثيرها. ولا تزيد عن ذلك قيمة الحجج الأخرى التي تحاول أن تثبت تناقضات التقرير أو اعتماده على مصادر ثانوية أو افتقاره للبراهين الدامغة والقاطعة. ولا تلك التي تسعى إلى التهرب من المسؤولية من خلال المقارنة بين فشل المخابرات الأمريكية في اكتشاف هجوم 11 سبتمبر 2001 على برج التجارة العالمية أو عمليات الارهاب في لندن وإسبانيا. فاستهداف رئيس وزراء دولة خاضعة عمليا للوصاية الأمنية السورية يستدعي الحماية المستمرة، وهو يملك أيضا حمايته الخاصة، لا يقارن باستهداف بعض المواقع المدنية العامة بمتفجرات أو حتى بطائرات محولة لأهداف عسكرية، هذا مع العلم أن هناك الآن مصادر عديدة تستبعد أن لا تكون المخابرات الأمريكية على علم بما كان يعد، بل إن بعضها يذهب أكثر من ذلك ليتحدث عن محاولة إنقلابية.
لا تستطيع سورية أن تدافع عن نفسها ومن باب أولى أن تثبت براءتها بتكرار ما يردده المسؤولون السوريون صباح مساء من أنهم لا علم لهم بالحادثة وليس لهم أي ضلع فيها. يستطيع المواطن العادي أن يقول لا علاقة لي بالموضوع لكن السلطة السياسية تفقد صدقيتها وتتحول إلى متهم إذا لم تتحمل مسؤوليتها أمام ما يقع في الدولة التي تحكمها وتسيرها. وحتى لو لم يكن لأي مسؤول سوري ضلع في ارتكاب الجريمة، فهي مسؤولة عن الكشف عن الجناة، أو هذه هي مسؤولية السلطة السياسية. فالسلطة قبل أي شيء آخر مسؤولية: مسؤولية تجاه المجتمع والفرد ومسؤولية تجاه القانون. والسلطة التي لا تستطيع أن تحمي المجتمع وأفراده من الاعتداء ولا أن تضمن تطبيق القانون وإحقاق العدالة، تفقد صدقيتها وشرعيتها معا. والمطلوب منها أن تستقيل لتترك مكانها لسلطة أخرى قادرة على حماية المجتمع وضمان تطبيق القانون، أي لسلطة قادرة على وقابلة ل-تحمل المسؤولية.
ربما لا يكون ذنب السلطة السورية أنها شاركت في الجريمة، أو على الأقل، حتى يثبت ذلك قضائيا وهو لم يثبت بعد. لكن ذنبها حتى الآن يكمن في أنها اعتبرت نفسها غير مسؤولة عن حماية رئيس وزراء دولة تخضع لوصايتها العملية ونفوذها وأكثر من ذلك عدم فتحها هي نفسها تحقيقا جديا بالجريمة فور حصولها كما يفرضه عليها وضعها في لبنان وكذلك الدفاع عن المصالح السورية التي ستتأذى بشكل واضح من عدم اكتشاف مصدر الجريمة. ولو فعلت ذلك في حينه وأشركت في التحقيق المجموعة الدولية لأثبتت براءتها حتى لو أنها لم تكشف عن الجناة. لكن التهرب من المسؤولية والتصرف كما لو أن شيئا خطيرا لم يحصل والإصرار على التبرؤ من التهمة والتشكيك بأي تحقيق يطال بعض مسؤوليها ليس موقفا سياسيا ولا يعبر عن وجود سلطة مسؤولة. فإذا أرادت السلطة السورية التي يشير إليها إصبع تقرير ميليس بالاتهام أن تبريء نفسها بالفعل مما حصل ليس أمامها إلا حلا واحدا هو أن تتحمل مسؤوليتها وأن تبادر هي نفسها إلى فتح تحقيق مواز في الجريمة وتقدم هذا التقرير لمجلس الأمن مع ما تجمعه من أدلة تثبت احتمال وجود فرضية أخرى إسرائيلية أو أمريكية أو أبو عدسية متماسكة. عندئذ لن يستفرد ميليس بالتحقيق ولن يضطر إلى سحب المسؤولين السوريين إلى الخارج ولن تستطيع أمريكا أن تستغل التحقيق الدولي لتنفيذ مآربها التي لا علاقة لها بالحريري ومقتله أصلا. أليس هذا ما يسعى إلى القيام به أي شخص يتهم ظلما، ويريد أن يدفع عن نفسه حكم المقصلة، كما يعلمنا ذلك أي فيلم بوليسي من الدرجة الثانية، فما بالك بدولة متهمة، أجهزة وقادة، بالتورط في الجريمة ولديها جميع الوسائل لمعرفة الحقيقة؟

انقاذ المصالح السورية أولا

الاتحاد 26 اكتوبر 05

من المؤكد أن نشر تقرير القاضي ميليس الذي يوجه شبهة تورط بعض المسؤولين السوريين الكبار في عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري قد شكل ضربة معنوية كبيرة للسلطة السورية. فقد جاء بعد ثلاثة أيام من إعلان دمشق ليكرس عزلة النظام الخارجية، بعد أن عمق تحالف المعارضة على مختلف أطيافها عزلة النظام الداخلية. بيد أن ذلك ليس سببا كافيا ليدفع دمشق إلى تبني موقف سلبي من التقرير يزيد من مخاطر هذه العزلة بدل أن يساعد على تجنب المواجهة مع المجموعة الدولية. فهو استمرار للموقف الذي قاد إلى ما نحن فيه إعني موقف التبرؤ من التهمة على سبيل التهرب من المسؤولية الذي اتبعته السلطات السورية منذ بداية الأزمة حين أصرت على أنها ومسؤوليها ليس لهم علم بالعملية ولم يشاركوا فيها وبالتالي فليس لهم أن يساهموا في الكشف عن الضالعين فيها. ولا يدفع التهمة عنا اتخاذ موقف الضحية، ولا رمي المسؤولية على الولايات المتحدة وإسرائيل والمعارضة اللبنانية بسبب عدائهم لسورية أو خصومتهم معها، ولا التذكير بأن المتضرر الرئيسي من اغتيال الحريري هي المصالح السورية نفسها.
ربما ليس لسورية دور في العملية كما يقول مسؤولوها، لكن هذا لا يعفي دمشق من مسؤوليتها ولا يبرر لها أن تتصرف أمام عملية اغتيال رفيق الحريري في شباط الماضي وكأن الأمر لا يعنيها. وكان عليها كسلطة مسؤولة، تجاه لبنان التي تمارس فيه دور الوصي على الأقل في الشؤون الأمنية وتجاه سورية نفسها، أن تبادر إلى تشكيل لجنة تحقيق سورية لمعرفة الحقيقة وقطع الطريق على أي طرف يمكن أن يستغل العملية للإضرار بالمصالح السورية العليا. ولكنها عوضا عن ذلك فضلت الوقوف موقف المتفرج وتوجيه التهم الجزاف لخصومها. وعندما بدأ الحديث عن تشكيل لجنة تحقيق دولية حاولت ثني الحكومة اللبنانية عن الموافقة عليها. وعندما أقر مجلس الأمن تشكيل اللجنة ترددت في التعاون معها إلى أن أعلن القاضي ميليس بأن سورية لا تتعاون مع لجنة التحقيق. وعندما ردت السلطات السورية بأنها أرسلت موافقتها على التعاون، لكن لأسباب تقنية تأخر الرد وأعلنت استعدادها للتعاون من جديد، أحاطت هذا التعاون بجملة من الشروط والتحفظات المتعلقة بقضايا السيادة الوطنية والقوانين السورية الخاصة بالتعامل مع الموظفين السوريين لدرجة جعلت هذا التعاون يبدو، في نظر اللجنة والرأي العام الدولي معا، وكأنه مفروض عليها بالرغم منها وأنها، كما ذكر التقرير، قبلت بالتعاون شكليا لكنها قررت أن لا تقدم أي معلومة تفيد اللجنة أو تساعدها على التقدم في تحقيق هدفها. وقد وصل ذلك إلى دفع القاضي ميليس إلى حد اتهام وزير الخارجية السورية ونائبه معا بإعطاء معلومات كاذبة بهدف تضليل اللجنة. ويأتي اليوم رفض محتوى التقرير واتهامه بالافتقار إلى النزاهة والحرفية ليعزز الاعتقاد بأن سورية لا تريد أن يصل التحقيق إلى غايته أو أنها تخشى من استمراره ومن النتائج التي يمكن أن يصل إليها.
لا يساعد هذا السلوك ولم يساعد السلطات السورية على إثبات براءتها ولكنه ساهم بالعكس في تعزيز الشكوك بتورطها. وكان أولى بالمسؤولين السوريين كما ذكرت أن يبادروا هم أنفسهم، قبل أن تذهب المسألة إلى مجلس الأمن بفتح تحقيق جدي حول عملية الاغتيال بمشاركة دولية فعلية وأن يظهروا، بعد أن تكونت لجنة التحقيق الدولية بتكليف من مجلس الأمن، أقصى درجات التعاون معها وتقديم جميع المعلومات التي بحوزة الأجهزة الأمنية السورية لمساعدة التحقيق على الوصول لغايته. وكان ذلك سيساعد على فتح الباب أمام فرضيات أخرى لعمل التحقيق غير الفرضية التي يبدو أن لجنة التحقيق الدولية قد عملت على أساسها منذ البداية وهي احتمال تورط الأجهزة الأمنية اللبنانية ومن ورائها، وبسبب العلاقات الوثيقة التي تربط في ما بينها، الأجهزة الأمنية السورية. وكانت هذه المشاركة وحدها كفيلة بإزالة الشكوك والشبهات وتبيض صفحة السلطات السورية تماما أمام لجنة التحقيق والرأي العام اللبناني والسوري والعالمي معا.
تستطيع دمشق أن تبريء نفسها من المشاركة في الجريمة إذا كان ذلك صحيحا لكنها لا تستطيع أن تعفي نفسها من مسؤولية المساهمة في الكشف عن مرتكبيها. فهناك جريمة كبرى ارتكبت في بلد تحتل فيه موقعا أمنيا وسياسيا متميزا باعترافها هي نفسها وبما بنته خلال العقود الماضية من علاقات استثنائية مع الأجهزة اللبنانية والسياسية ومختلف الفعاليات والمنظمات الأهلية اللبنانية نفسها. وكان من أبسط واجباتها كدولة مسؤولة أن تبادر إلى البحث عن الجناة أو على الأقل إظهار اهتمامها بالبحث عنهم، سواء أكان أحد من مسؤوليها مشارك فيها أم لا، في الوقت الذي بدت فيه ميالة أكثر إلى لفلفة القضية والإسراع في إغلاق ملف التحقيق وترك الأمور تجري كما لو أن ما حصل كان أمرا عاديا لا يستحق البحث ولا التقصي ولا التعب. وقد عزز هذا الانطباع احتجاج أنصارها على اهتمام المجموعة الدولية بمقتل الحريري بينما تركت حالات إغتيال عديدة أخرى من دون تحقيق في لبنان وغيره، مما يشي بأن الهدف من التحقيق هو النيل من سورية لا الوصول إلى الحقيقة.
لن يفيد سلوك التهرب من المسؤولية في تبرئة المسؤولين، بل ستكون له نتائج وخيمة ليس على النظام فحسب ولكن على المصالح السورية نفسها. وليس من الممكن لدمشق أن تزيل الشبهات التي تحوم حولها بسبب سلوكها الخائف والمتردد معا في الكشف عن الحقيقة إلا بالتعاون الواسع مع لجنة التحقيق الدولية وتقديم جميع المعلومات التي تملكها الأجهزة الأمنية حول هذه الجريمة. ومن دون ذلك سوف يظل شبح الجريمة يحوم في الفضاء وسيف الاتهام مسلطا على المسؤولين السوريين إلى النهاية، مع تضييق الخناق والحصار على النظام وأخذ البلاد نفسها رهينة.
لكن، وهذا هو السؤال الذي يراود كما يبدو لي الكثير من السوريين الذين بدأوا يخشون من عواقب التحقيق الدولي على بلادهم: ماذا لو كان بعض المسؤولين السوريون متورطين فعلا في عملية الاغتيال وكيف يمكن لهم التعاون ضد أنفسهم؟ في هذه الحالة أعتقد أنه لا مهرب لهؤلاء المسؤولين من مواجهة الحقيقة وتحمل مسؤولياتهم عن أفعالهم. ولن ينفعهم تحميلها لسورية بأكملها ولا السعي، كما آظهر ذلك مثال المسؤولين العراقيين بجوارهم، الدفاع عن قضية خاسرة بأساليب خاسرة تجر الدمار عليهم وعلى أوطانهم.. وفي اعتقادي لن تكون هناك بعد الآن، في هذه القضية، لا تسوية سياسية ولا صفقة على الطريقة الليبية. ولن تخرج سورية من الورطة الكبيرة الراهنة إلا بتحمل كل فرد مسؤوليته وقيامه بما يمليه عليه واجبه.

mardi, octobre 18, 2005

برنامج بالعربي، العربية جيزيل خوري بعد إعلان دمشق


الثلاثاء 18 أكتوبر 2005م، 15 رمضان 1426 هـ

بالعربي: إعلان دمشق موجه لجميع القوى السياسية للمشاركة فيه
منع السلطات السورية لمؤتمر صحفي للمعارضة
إعلان دمشق والمشاركين فيه
(صفقة القذافي) وصفة أميركية لسوريا
النظام يحمي سوريا من حرب أهلية
إعلان دمشق موجه لجميع القوى السياسية للمشاركة فيه
الخوف على سوريا من فوضى كالحالة العراقية
المواطنة هي أساس الحقوق ومناط الواجبات

اسم البرنامج: بالعربي مقدم البرنامج: جيزال خوريتاريخ الحلقة: الأحد 16/10/2005
ضيوف الحلقة:زهير سالم (مدير مركز دراسات الإخوان المسلمين – سوريا)د. برهان غليون (مفكر وكاتب سوري)
جيزال خوري: مساء الخير، ماذا يحصل في سوريا؟ هل انتحار غازي كنعان جاء كبداية للسقوط أم أنه إشارة لصفقة ما؟ هل صحيح أن النظام السوري باق لعدم وجود بدائل أخرى؟ أم أن أمام المعارضة السورية مناسبة تاريخية لتكوين إطار موحد لها ومواجهة كل التحديات المقبلة؟ وهذا ما حاولت أن تفعله اليوم في مؤتمر صحفي منعته السلطات السورية, بعد خمسة أيام يقدم القاضي الألماني ديتليف ميليس تقريره إلى الأمم المتحدة، فهل سوريا مستعدة لكل الاحتمالات؟ وماذا تفعل المعارضة في الخارج؟ وأين هي من ما يسمى عزل سوريا دولياً؟ من لندن معنا السيد زهير سالم مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية ومسؤول مكتب الدراسات في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وسيكون معنا لاحقاً من باريس ولأسباب تقنية يعني تأخر اللينك من باريس مع الدكتور برهان غليون المفكر والكاتب السوري، والذي لديه مؤلفات كثيرة حول الديمقراطية والطائفية والأقليات، وهو أستاذ علم اجتماعي في جامعة السوربون ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر، بداية تقرير إعداد هاني حطب.تقرير
إلى أين يسير الوضع في سوريا؟هاني حطب: أعادت النهاية المأساوية لوزير الداخلية السوري غازي كنعان إلى الأذهان شريطاً طويلاً من التطورات حصلت على الساحة اللبنانية بعد وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، شريط الأحداث هذا يبدأ في العام 2002 حين أعفي كنعان من مسؤوليته في لبنان وهو كان بمثابة حاكمه الفعلي مما شكل مفاجأة لكل من عرف هذا الرجل وسمع عنه، إعفاء كنعان كان سبباً في فرط التوازنات الدقيقة التي أجاد بناءها واللعب عليها، وأخلى الساحة بالتالي للانقلاب الصامت الذي قام به ما سيعرف لاحقاً بالنظام الأمني اللبناني السوري، لم يعرف هذا النظام الأمني المشترك كيف يقرأ الأحداث والتغيرات الدولية خاصة بعد سقوط بغداد عام 2003، فاستمر في غيّه إلى أن كان فخ التمديد للرئيس لحود عام 2004، وتسارعت الأحداث بعده فكان القرار 1559 وصولاً إلى الحدث الجلل المتمثل باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الذي فجر كل الاحتقانات السابقة خصوصاً في وجه سوريا التي انسحبت من لبنان بعد ثلاثين عاماً من الوصاية وتعرضت لعزلة دولية غير مسبوقة، 12 أكتوبر 2005 غازي كنعان ينتهي برصاصة في فمه فهل انتحر وأخذ أسراره الكثيرة معه؟ أم أنه انتُحر مع ما يحمله هذا الأمر من تشريع أبواب مستقبل سوريا السياسي أمام المجهول؟

منع السلطات السورية لمؤتمر صحفي للمعارضة
جيزال خوري: سيد زهير سالم مساء الخير، قبل ما نحكي عن انتحار غازي كنعان الحدث اليوم هو منع السلطات السورية مؤتمر صحفي للمعارضة اللي كان لازم في هذا المؤتمر أن يعلنوا ما يسمى بإعلان دمشق، شو المعلومات؟ كيف صار منع هالمؤتمر؟زهير سالم: بسم الله الرحمن الرحيم، أقول ابتداء بأن المنع بحد ذاته ذو دلالة عجيبة على وضع هذا النظام وعلى حالته لأن هذا النظام لم يستطع حتى الآن أن يواكب العصر ولا أن يواكب المتغيرات التي تحدث في المنطقة، حتى على مستوى مؤتمر صحفي يقوم به حزب من أحزاب المعارضة المسكوت عنه حتى الآن يمنعه تمنعه قوات السلطة وتصادر كاميرات المصورين وتكسر بعضها بطريقة يعني تعود إلى عصر مضى على الأقل، ورغم ذلك نستطيع أن نقول بأن ما كانت تريد المعارضة الإعلان عنه قد تم الإعلان عنه لأن الوسائل التقنية الحديثة كما هو معلوم أو ثورة اتصالات جعلت من إعلان دمشق اليوم حقيقة واقعة راهنة بين أيدي كل العالم، وكان الأولى بالنظام لو أراد أن يحوز لنفسه قليلاً من الاحترام أن يسمح لهذا المؤتمر أن يمر ليثبت للعالم بأنه قد بدأ يتغير نوعاً ما.

إعلان دمشق والمشاركين فيه
جيزال خوري: يعني اللي وصل عالإنترنت إذا بتسمح سيد زهير سالم، أنا عم شوف إنه التوقيع على هذا الإعلان التجمع الوطني الديمقراطي في سوريا التحالف الديمقراطي الكردي، لجان أحياء المجتمع المدني، الجبهة الديمقراطية الكردية، حزب المستقبل، شخصيات وطنية طبعاً بينها رياض سيف، وين الإخوان المسلمين؟زهير سالم: نعم، الإخوان المسلمون لم يكونوا في هذه المعادلة ولم يكونوا من معدي هذا الإعلان أصلاً وإنما هم ما إن بلغهم نبأ الإعلان ووصلت إلى أيديهم نسخته الأساسية حتى تم تدارسه ورأوا فيه أساساً وطنياً صالحاً للقاء لأنهم يعتقدون أن اللقاء الوطني في هذه المرحلة هو لقاء ضروري وحتمي للتغيير الذي تجمع عليه كل قوى المعارضة، فما أن تدارسوا نسخة الإعلان حتى انضموا إليه وطالبوا أنصارهم وطالبوا كل النخب والقوى السياسية الوطنية المخلصة بأن تنضم إلى هذا الإعلان لا لأنه جامع مانع كما يتصور البعض، بل لأنه خطوة أولية على طريق الحوار الوطني قابل للتعديل، قابل للإضافة، قابل للحذف، ليكون انطلاقة أساسية تقدم لسوريا البديل الذي يتساءل كل العالم عنه، من الخطأ أن يظن أي فرد..جيزال خوري: إذاً الإخوان المسلمين سيوقعون الإعلان.زهير سالم: وقعنا عليه وأصدرنا بياناً في التوقيع على هذا الإعلان فور صدوره لأننا قمنا بدراسته فوراً وقلنا إننا انطلاقاً من مسؤوليتنا الشرعية، ومن رؤيتنا الوطنية نرى في هذا البيان أساساً صالحاً، وعندما نقول أساساً صالحاً ليس معنى ذلك أننا نوافق على كل ما فيه وإن كنا نؤيده تأييداً تاماً، وإنما يعني ذلك أننا نرى فيه ورقة صالحة قابلة للحوار الوطني لا بد أن يكون ثمة اعتراضات عند فريق هنا وشخصية هناك، نحن نرجو من جميع المواطنين السوريين الشرفاء في كل مكان أن يتغاضوا عن الخلافات الجزئية في هذه المرحلة لننصهر في موقف وطني عام يعبر عن رؤية هذا الشعب وعن إرادة هذا الشعب المغيبة منذ سنوات طويلة..جيزال خوري: سيد زهير لحظة.. الأساسي في هذا البيان هو إقامة النظام الوطني الديمقراطي وأن يخرج البلاد من صيغة الدولة الأمنية إلى صيغة الدولة السياسية, هل الإخوان المسلمين بسرعة كتير لأني بدي أعطي الكلمة للإعلان ممكن أن يعني يحبذوا نظاماً ديمقراطياً 100%؟زهير سالم: الإخوان المسلمون في ميثاق الشرف الوطني الذي أعلنوه في فترة سابقة طالبوا بدولة حديثة ديمقراطية تعددية وتداولية وكذلك في برنامجهم السياسي هذا الكلام ليس جديداً عليهم, وهم يلحون دائماً على أن تكون الدولة المنشودة هي دولة ديمقراطية بكل معنى الكلمة وأن تكون دولة مؤسسية في نفس الوقت, ولذلك الإخوان المسلمون عندما انضموا إلى هذا البيان كانت دراستهم لنقاطه الأساسية تكون من 17 نقطة وكل هذا النقاط تدور حول ما تفضلت به, وفي مقدمتها أيضاً..جيزال خوري: حول الحرية والديمقراطية نعم..زهير سالم: والحرية والديمقراطية وأن يكون التغيير بيد أبناء الوطن, أن يكون التغيير داخلياً وهذا ما نص عليه الإعلان وهذه نقطة جوهرية..جيزال خوري: إذا بتسمح رح نتوقف مع الإعلان منرجع منحكي مثل ما قلت لازم أن يكون التغيير من الداخل ولكن الظروف هي ظروف دولية, إذا بتسمح سيد زهير سالم نتوقف لحظات ونعود إلى حوارنا.[فاصل إعلاني]جيزال خوري: سيد زهير سالم طبعاً الناس رح تقول يعني أنو اليوم سوريا مهددة بعقوبات دولية, مهددة بعزل دولي, وأن هذه المعارضة يعني تستفيد من الخارج لأن يعني تتحدث عن تغيير ما داخل سوريا, هل هذا لا يعني أنكم رح تكونوا مثل المعارضة العراقية قبل اجتياح القوات الأميركية لبغداد؟زهير سالم: يعني نحن لنا مشروعنا السابق على هذه المتغيرات الدولية والمستمر بعدها, إرادة شعبنا في الحرية وإرادة في أن تكون دولته المستقلة الديمقراطية والحديثة لا ترتبط بالمشروع الخارجي, أن يتقاطع مشروعنا مع المشروع الخارجي هذا أمر لا يعنينا نحن كثيراً, وأن نستفيد أيضاً من الظرف الدولي كذلك هذا أمر لا يمنعه علينا أحد, نحن نعلم أن النظام في هذه الأيام يسعى إلى صفقة, ومن قرأ اليوم عن صفقة القذافي التي حاولت الخارجية السورية فوراً أن تنفيها وهو نفي لا يعني لنا شيئاً لأننا قرأنا كما قرأ الكثيرون اليوم بأن هناك صفقة معروضة من الطرف الأميركي وعبر وساطة مصرية تحدث عنها وزير الخارجية المصري أبو الغيط بأن مصر تسعى لوساطة بين دمشق وبين واشنطن, وتقوم على أسس أربع نقاط أساسية بعضها يتعلق بملف الشهيد الحريري, وبعضها يتعلق بالملف اللبناني والملف العراقي وملف المنظمات الفلسطينية, كما تلاحظين أن المشروع الخارجي لا يُعنى كثيراً بحقوق الإنسان ولا بقضية الديمقراطية في سورية هذا النقاط الأربعة التي أوردتها جريدة التايمز في عددها أمس ونقلتها بعض الصحف العربية اليوم تتحدث عن صفقة أميركية سورية, النظام سينفي وقد نفت الخارجية السورية بسرعة هذا الكلام..

(صفقة القذافي) وصفة أميركية لسوريا
جيزال خوري: أنت شو رأيك؟ هل هناك صفقة؟زهير سالم: رأيي أن هذه الصفقة.. النظام يستميت في الحصول على الصفقة, النظام مستميت ومستعد أن يقدم كل شيء للحصول على الصفقة ونحن منذ زمن طويل قلنا له بأن شعب سوريا أولى به, وأولى به أن يعود إلى هذا الشعب وأولى به أن يكون جزءاً من هذا الشعب, وما زال إعلان دمشق وهذه نقطة إيجابية جداً يجب أن ننوه بها إعلان دمشق الآن دعا جميع البعثيين الشرفاء بأن يلتحقوا هم بالمعارضة الشريفة ليكون الكل الوطني والمتحد الوطني واحداً, يعني إعلان دمشق لم يتجاوز البعثيين الشرفاء ولم يتجاوز حتى السلطة نفسها من أنها تلتحق هي الآن في هذه المرحلة, في مرحلة من المراحل كنا ننادي هذه السلطة لتكون هي المبادرة لتأخذ الدور الوطني الفعال لكننا في هذه المرحلة نقول إذا شاءت هذه السلطة أن تلتحق بهذا المتحد الوطني الذي عبر عنه إعلان دمشق والذي نرجو أن تتسع دوائره قليلاً قليلاً نقول ستجد مكانها محفوظاً وموجوداً.جيزال خوري: بس سيد زهير فيه شويه تناقض بكلامك إذا بتسمح أنو عم تقول فيه صفقة وعم تقول في إعلان دمشق هو يعني الحل, إذا فيه صفقة أميركية مع النظام أنتو شو فيكم تعملوا؟زهير سالم: نحن نقاوم منذ أربعين سنة وكان مشروع النظام متحد مع المشروع الأميركي, وأميركا تعترف بكل لسان من ألسنة قادتها على أنها حمت الاستبداد كل هذه المدة تحت ذريعة حماية الاستقرار, فنحن منذ أربعين سنة نقاوم هذه الأنظمة المستبدة مع مقاومتنا للمشروع الخارجي المفروض على المنطقة, وإذا تجددت الصفقة سيكون الخاسر الوحيد من هذه الصفقة هم الذين سيقامرون ربما قرن آخر على هؤلاء المستبدين وليس نحن, نحن شعوب خيارنا الوحيد هو الصبر والمصابرة والمقاومة ونحن مستعدون لكل هذا.جيزال خوري: إيه بس سيد زهير يعني نحنا عنا التجربة العراقية اللي هي على حدود سورية منّه تجربة مشجعة, يعني النظام عم يقول إذا بده يسقط رح يكون فيه إما الفوضى والفوضى تشبه المذابح اللي عم تصير بالعراق والخطر لحرب أهلية, أو أنه التيار المتشدد يلي أنتو يعني الإخوان المسلمين رح تستلموا نظام الحكم, فالبدائل مش كثيرة في دمشق يعني؟زهير سالم: إذن لماذا كان إعلان دمشق؟ كان إعلان دمشق ليضع الإخوان المسلمون أيديهم بأيدي التجمع الوطني بأيدي الشيوعيين بأيدي المثقفين لنقول للعالم ولنقول للنظام بأننا نريد كلاً وطنياً متماهياً مع بعضه, ونريد أن نسقط سياسات التخويف وسياسات الانتقام والسياسات الثأرية كما ورد في هذا الإعلان, نحن نريد أن نكون البديل وطنياً عاماً لا ينفرد فيه أي فصيل مهما كان شأنه, وهذا الإعلان بما فيه من نقاط إيجابية كثيرة هو جدير بأن يميط كل هذه المخاوف, نحن لا نريد أن تتكرر في سوريا تجربة العراق أبداً, نحن نريد أن تكون سوريا..جيزال خوري: طيب اتصلوا فيكم الأميركان؟ سيد زهير اتصلوا فيكم الأميركان؟زهير سالم: لم يتصل بنا أحد.جيزال خوري: ليش فيه أخبار بتقول أنو الأميركيين عملوا لقاءات مع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا؟زهير سالم: يعني الناس يقولون ما يشتهون نحن لم يتصل بنا أحد, ولكن نحن كذلك مستعدون للحوار مع كل الناس مع كل الفرقاء على الساحة الداخلية والخارجية لأن الحوار لا يضيرنا شيئاً, نحن نعتبر أن حوار مدخل من مداخل الحياة السياسية في هذا العالم المتشابك.جيزال خوري: إذا استلمتوا الحكم سيد زهير شو بيكون يعني شكل النظام في سوريا؟زهير سالم: نحن لا نسعى في هذه المرحلة ولا على المدى المنظور لأن نستلم الحكم ولا لأن ننفرد فيه, نحن نسعى لأن نكون جزءً من الشراكة الوطنية الحقيقية دون أن يكون هناك أي نفي أو إقصاء لأي فريق وطني آخر، نحن ليس في برنامجنا الحالي المطروح أننا نسعى إلى السلطة بأي شكل من الأشكال، نحن نصر على أننا فصيل وطني وجزء من المعادلة السياسية الداخلية في سوريا وسنحصل على هذا الجزء وبالحد الأدنى أيضاً ليكون الناس أكثر راحة بال من هذه الجهة.

النظام يحمي سوريا من حرب أهلية
جيزال خوري: سيد زهير سالم في كتير ناس بيقولوا يعني إنه النظام يعني هو يحمي سوريا من حرب أهلية، فهل تعتقد إنه اليوم يعني تقوية النظام أو التغيير من داخل النظام مش هو الأفضل لسوريا؟زهير سالم: يعني فكرة الحرب الأهلية التي يخوف النظام بها ويخوف بعض الناس بها المجتمع الدولي أولاً والمجتمع العربي ثانياً في سوريا، ليس هناك لهذه الحرب أي عناصر داخل سوريا، الفرقاء الوطنيون جميعاً في سوريا يعني من جميع الطوائف والمذاهب والأحزاب متوافقون على توافقية وطنية عامة منذ فترة طويلة حتى من قبل بشار الأسد, وجاء بشار الأسد خلال السنوات الخمس الماضية، جرت حوارات ثنائية وجرت حوارات جماعية بين فرقاء وطنيون كثيرون ونحن مع جميع المذاهب والتيارات السياسية لنا علاقات سياسية قوية، ولا نظن أن سوريا مهددة بأي شكل من أشكال الحرب الوطني الحرب الداخلية..جيزال خوري: سيد زهير سالم ليش..زهير سالم: أقول هناك حرب.. أقول هناك حرب كراهية وحرب تخويف يشنها هذا النظام على المجتمع ليخوف بعض أبنائه من بعض، بدلاً من أن يكون دوره هو المعاكس أن يجمع بين قلوب أبناء المجتمع وأن يوحد كلمتهم.جيزال خوري: أنا بدي اسألك ليس أعلنتوا هذا الإعلام يعني ما يسمى بإعلان دمشق قبل خمسة أيام من تقديم ميليس تقريره إلى الأمم المتحدة؟زهير سالم: هذا الإعلان كان أصحابه ولسنا نحن الذين أعلناه نحن توافقنا معه، لكن بلغنا أن أصحابه كانوا يعملون عليه منذ أشهر طويلة وليس له علاقة لا بتقرير ميليس ولا بانتحار غازي كنعان..جيزال خوري: صدفة.زهير سالم: هذه مجرد مصادفة نعم.جيزال خوري: إذا بتسمح رح أتوقف مع الإعلان منرجع لحديثنا وبرنامج بالعربي.[فاصل إعلاني]جيزال خوري: نعود إلى برنامج بالعربي، وينضم إلينا من العاصمة الفرنسية باريس الدكتور برهان غليون، مساء الخير دكتور برهان نعتذر على المشكلة التقنية ما كنت معنا في أول الحلقة، أنت طبعاً اطلعت على إعلان دمشق، هل وقعت هذا الإعلان؟ أو هل ستوقعه لاحقاً؟ دكتور غليون سامعني..؟ د. برهان غليون: أيوا.. السؤال كان موجه إلي؟

إعلان دمشق موجه لجميع القوى السياسية للمشاركة فيه
جيزال خوري: نعم، هل وقعت إعلان دمشق أو ستوقع إعلان دمشق؟د. برهان غليون: أعتقد إنه الإعلان بالمرحلة الراهنة يعني موجه بشكل أساسي للقوى السياسية، ولكن في مراحل مقبلة ينبغي أن ينفتح أيضاً على تيارات أوسع ويشارك أيضاً إذا حصل تطويره قليلاً تشارك فيه تيارات أخرى إلى جانب التيارات الراهنة، لكن على أي حال أنا في اعتقادي إنه ممكن نعتبر دمشق اليوم هو بداية ثورة الياسمين خلينا نقول يعني هو خطوة جدية ومهمة ورمزياً مهمة وسياسياً مهمة على صعيد الرأي العام السوري وعلى صعيد الرأي العام العربي وعلى صعيد الرأي العام الدولي في على طريق بناء حركة ديمقراطية سورية أو بالتحالف من أجل الديمقراطية في سوريا يقوم بالمهام التي لم يقم بها حتى الآن أحد، الآن سوريا تعيش مرحلة مخاض قوية جداً لم يظهر إلا قوتين بالحقيقة، قوة النظام الذي يسعى إلى أن عن طريق بعض الإصلاحات عن طريق بعض المفاوضات مع الخارج إلى أن يبقى بالحكم، والقوى خارجية تأمر وتملي على النظام ما تريد، لم يكن..جيزال خوري: تماماً.. تماماً دكتور غليون.د. برهان غليون: العنصر الغائب كان هو عنصر الشعب، الشعب السوري هو اللي كان غائب، الآن نستطيع أن نقول إنه بدأ الشعب السوري يكون فاعلاً ثالث في هذه المعادلة الصعبة والمعقدة والتي بدأت الآن يعني تأخذ أبعاداً جديدة.جيزال خوري: في عنا كمان مشكلة تقنية بفرنسا، رح ارجع للسيد زهير سالم إن شاء الله تنحل قبل آخر الحلقة، سيد زهير سالم في عندكن فيه بند من بنود إعلان دمشق تقولون إنه تدعون إلى حوار وطني أن تشارك فيه جميع القوى الطامحة إلى التغيير بما فيها أهل النظام، هل فينا نعتبر هيدا يعني ممكن نفسره كيف؟ منفسره إنه أنتو تدعون للإصلاح داخل النظام؟ يعني إذا اليوم إجا النظام قال طيب رح نشيل حالة الطوارئ، رح نعمل انتخابات تشريعية ديمقراطية، رح ننتقل إلى نظام ديمقراطي هل هذا سيكون حل بالنسبة إليكم؟زهير سالم: نحن نعتقد أن الوقت قد فات على هذا الكلام، الدعوة في هذا الإعلان كما هو واضح الدعوة إلى تغيير شامل على ثلاثة صعد كما جاء في الإعلان، على صعيد الدولة وعلى صعيد السلطة وعلى صعيد المجتمع، والذين وقعوا على هذا البيان التوافقي أو على هذا الإعلان إنما تبنوا موضوع التغيير، لكن هذا التغيير المطلوب لو جاء النظام وقال أنا كذلك فصيل وطني من هذه الفصائل سيكون مكانه شاغراً موجوداً لكن ليس بمعنى على أنه هو النظام وهو السلطة وهو الدولة، في مرحلة سابقة أعطي بشار الأسد هذه الفرصة وقيل الناس تقبل إصلاح تدريجي وأن يبادر هو إلى هذه الإصلاحات، لكن نظن أن الفرصة الآن قد فاتت وأن القطار قد انطلق بإعلان دمشق وأصبحت المبادرة بأيدي الشعب السوري وعلى حزب البعث أن يقنع الآن على أنه فصيل وطني محدود لا على أنه الحزب الحاكم للدولة والمجتمع، لأن هذه المادة سيسقطها عملياً هذا الإعلان ولاسيما إذا تضافرت الجهود فيه، أنا أريد أن أوضح أمر صغير تحدث عنه الدكتور برهان هذا الإعلان ليس موجهاً فقط للقوى السياسية، موجه للقوى، موجه للنخب، موجه للشخصيات الفكرية والثقافية والسياسية، المطلوب من كل سوري كل مواطن سوري شريف في الداخل أو الخارج أن يضع يده مع هذا الإعلان نحن لا نقول وأنا قلت منذ البداية، لا نعتقد أن هذا الإعلان جامع مانع هو ورقة قابلة للحوار، هو أساس أولي وكلمة أولي تعني أنه قابل للزيادة والنقصان، ويمكن لهذه القوى بعد أن تجالس بعضها كثيراً أن تصل إلى ما هو أفضل وإلى ما هو أتم.

الخوف على سوريا من فوضى كالحالة العراقية
جيزال خوري: سيد زهير إذا بتسمح رح جرب ارجع لباريس لشوف إذا زبط الصوت دكتور برهان غليون, أنا كنت سألت السيد زهير سالم إنه فيه كتير خوف بأنه عند سقوط النظام السوري سيكون الحالة في سوريا حالة فوضى تشبه الحالة العراقية، هذا الشيء ولا العرب بدهن ياه ولا السوريين بدهن ياه، ولا طبعاً الأميركيين بدهن ياه.د. برهان غليون: لأ هو الأكيد أنو نحن نعيش الآن حالة فوضى أيضاً إذا لم يحصل تغيير في سوريا فنحن سنغرق في فوضى من نوع مختلف، لكن ليس استمرار النظام هو الدليل على منع الفوضى، وليس هناك بالتأكيد شيء مضمون 100% مع التغيير إنما وجود قوة سورية منظمة تجمع معظم أو أغلب أو جميع تقريباً التيارات والحساسيات السياسية في سوريا من الحساسيات القومية إلى الحساسيات الوطنية الديمقراطية إلى الحساسيات الليبرالية إلى الحساسيات الإسلامية، وجود هذا التحالف العريض ليس هناك يعني أي شك إنه يقدم للشعب السوري، يعطي للشعب السوري أمل بأن لا يكون هناك بالفعل لا انفلات ولا فوضى إذا حصل تغيير، وأن هناك فعلاً بديل يستطيع أن يقوم محل النظام القائم، وعلى كل حال ليس المطلوب هو بالضرورة تصفية النظام القائم بمعنى فتح معارك والإعلان يتحدث عن تحول ديمقراطي وتدريجي, المفروض فتح الحقل السياسي وفرض القاعدة الديمقراطية وإذا كان هناك جزءاً من النظام يستطيع أن يتعامل مع الواقع الجديد يستطيع أن يندرج في إطار برنامج تحول ديمقراطي، فيعني بتكون الأمور أفضل بكتير وأعتقد بأنه شيء مهم بالإعلان أنه سمح لهؤلاء البعثيون الذين يريدون أيضاً ويعرفون أن الوضع لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة أن ينضموا إلى الحركة الوطنية الديمقراطية الراهنة وينقذوا البلد من أي خطر ولو جزئي نحو الانفلات.جيزال خوري: نعم دكتور برهان غليون إذا استلم الحكم مثلما قال وزير الإعلام السوري مهدي دخل الله أنه في حال سقوط النظام البديل هو جماعة الإخوان المسلمين، هل يعني أنت يعني أوقات وقت بتفكر إنه وقت بدك تغيير في النظام، هل تخاف من هذه المعادلة؟د. برهان غليون: يعني هناك مبالغة كبيرة جداً حقيقة داخل سوريا وداخل العالم العربي وحتى في الخارج في قوة الإخوان المسلمين وقدرتهم على السيطرة وقدرتهم على.. أو الحركات الإسلامية بشكل عام وقدرتهم على مصادرة حركة ديمقراطية تشارك فيها قوى جديدة، أول شيء بدي أقول إنه بالرغم من إنه المجتمع إلى حد كبير الإسلامي يعني عاد بشكل قوي إلى الدين، لكن هذا لا يعني إطلاقاً أن هو منتمي للإخوان المسلمين، هذا ليس له علاقة إطلاقاً الانتماء للإخوان المسلمين حركة انتماء سياسي والتدين هو شيء آخر كلياً، والقوى الإسلامية كما ظهرت خلال السنوات الخمس الماضية أو الست الماضية التي انطلق فيها بعض الحراك السياسي في سوريا، بيّن أن الإسلاميين إخوان وغير إخوان ليس لهم أي نفوذ وليس لهم أي قواعد قوية جداً، يعني الذين تحركوا بشكل رئيسي في السنوات الخمس الماضية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها كانت قوى علمانية بعكس ما هم قوى المجتمع المدني قوى من أصول قومية عربية، قوى من أصول ديمقراطية يسارية إلى آخره، ليبرالية لم يظهر أي قوة كبيرة مهددة للإخوان المسلمين هي وحدة، وأنا أعتقد إنه في الداخل أوضاعهم ضعيفة جداً من حيث التنظيم الآن ولو إنهم عندهم إمكانيات يتطوروا لكن لن يأكلوا الآخرين، والآخرين أنا باعتقادي بالطبقة الوسطى أيضاً ليست ميالة اليوم في سوريا إلى وضع بيضة في سلة الحركات الإسلامية، لا أحد يريد العودة إلى نظام فيه وصاية سواء كانت دينية أو وصاية سياسية أو وصاية فكرية على المجتمع، والشيء الآخر ويعني مهم جداً هو إنه الناس بسوريا بعد الأحداث الثمانيات والمآسي اللي حصلت يعني صار عندهم مناعة ضد التسليم لأي تيار بما فيهم الإسلاميين وغيرهم، وثالثاً ما حدا قادر اليوم خلينا نقول ما حدا قادر اليوم إطلاقاً بما فيه حزب البعث بالحكم صار له 43 سنة إنه يحكم سوريا لوحده، أو إنه يواجه المشكلات التي تواجهها سوريا لوحده، إذا لم يحصل هناك تفاهم حقيقي بين جميع القوى السياسية في سوريا ما في أي حل وما في أي حزب قادر إنه يقيم سلطة بديلة لسلطة الحكم الراهن.جيزال خوري: رح أتوقف لحظات ونعود إلى الفقرة الأخيرة من برنامج بالعربي.[فاصل إعلاني]

المواطنة هي أساس الحقوق ومناط الواجبات
جيزال خوري: نعود إلى برنامج بالعربي وضيفينا من لندن السيد زهير سالم، ومن باريس الدكتور برهان غليون، يعني سيد زهير سالم سمعت طبعاً شو قال الدكتور غليون قبل الإعلان, قال إنه مش صحيح إنكم أنتو القوة الأقوى في سوريا اليوم كمعارضة، شو رأيك؟زهير سالم: نحن لم نزعم قط أننا القوة الأقوى في سوريا، ونحن نعترف بأننا جزء من المجتمع السوري..جيزال خوري: سيد زهير..زهير سالم: ونحن نقول حتى لو.. نعم.جيزال خوري: ما عنا كتير وقت أنا بس كنت بدي اسمع الجواب هيدا، لأنتقل..زهير سالم: يعني نحن لم نزعم قط بأننا القوى الأقوى في المجتمع السوري، وحتى لو كنا كذلك في أي لحظة من اللحظات القادمة كما قال قابلين للتطور فنحن لا نفكر بفرض أي نوع من أنواع الوصاية لا الدينية ولا المدنية على المجتمع، نحن كل ما ذقناه من ظلم واستبداد يدفعنا إلى أن نعطي شعبنا حريته يأخذ قراره الحر، ونتمنى على الآخرين أن يعطوا شعبنا هذه الحرية أيضاً..جيزال خوري: الحرية لكل..زهير سالم: ليعبر عن إرادته لكل الفئات.جيزال خوري: سيد زهير عفواً ما عنا كتير وقت..زهير سالم: لكل الفئات ولكل المذاهب..جيزال خوري: بجملة بس للأقليات..زهير سالم: ولكل المذاهب.. ولكل الأقليات نحن قررنا في ميثاقنا الوطني وفي برنامجنا السياسي أن المواطنة هي أساس الحقوق ومناط الواجبات، على أساس المواطنة في دولتنا المنتظرة ستكون ستوزع الحقوق والواجبات وعلى هذا الأساس وحده.جيزال خوري: دكتور برهان غليون سمعت أكيد الرئيس بشار الأسد على قناة السي إن إن وقال إنه يعني التدخل يعني التدخل الخارجي هو عم يعمل هالضغوط على سوريا، أولاً شو رأيك بالمقابلة؟د. برهان غليون: تدخل؟جيزال خوري: الخارجي.د. برهان غليون: ما فهمت السؤال لأنه..جيزال خوري: التدخل الخارجي التدخل الدولي هو اللي عم يعزل سوريا وعم يوضع سوريا في هذا الوضع الحرج يعني أمام شعبها وأمام المعارضة وأمام العرب وأمام الدول، أولاً هل شفت المقابلة؟ يعني ما بدنا نحكي عن شغلة ما شفتها.د. برهان غليون: هل..؟جيزال خوري: هل شفت مقابلة الرئيس بشار الأسد؟د. برهان غليون: لأ.. لأ.. لأنه كنت في سفر وما كان عندي.. ولكن قرأت بعض ما قيل فيها، أنا بعتقد إنه كلمة التدخل كلمة يعني تقال.. صارت ما إلها معنى، الولايات المتحدة الأميركية والدول الأجنبية متدخلة من سنوات بعيدة طويلة يعني من حرب العراق على الأقل من 1991 المنطقة تخضع لاستراتيجيات غربية مباشرة والدول العربية تتعامل معها مباشرة، وثلاث أرباع الدول العربية موقعة اتفاقيات حماية حقيقية مع الدول الكبرى، بما فيها السوريون فاوضوا ويفاوضون أيضاً مع هذه الدول, الخارج لم يعد خارج بالمعنى اللي ينادي بالضرورة دائماً للداخل ولا مناقض للداخل، الخارج هو جزء من اللعبة السياسية، وقلنا اليوم إنه فيه لاعبين كانوا عم يشتغلوا بسوريا، هم اللاعب الخارجي الأميركي الذي يملي والأوروبي واللاعب النظام، اليوم في لاعب ثلاث دخل للوجود، هذا بالعكس..جيزال خوري: أنا بعد معي أربع دقائق دكتور برهان إذا بتسمح بدي اسأل عن حدث هذا الأسبوع للسيد زهير سالم، بعدين بعطيك الكلام في بس دقيقتين سيد زهير..د. برهان غليون: بس أنا ما حكيت شي.جيزال خوري: كيف يعني تفسر خبر انتحار غازي كنعان؟زهير سالم: يعني غياب الشفافية عن الوضع السوري يجعل الناس تدور مع نظرية الاحتمالات انتحر أو نحر ولكل حالة من هذه الحالات أيضاً تفسيرات كثيرة، سواء كان انتحر غازي كنعان فإنما يدل على أن هذه الشخصية يمكن أن نسميها كما حاول أحد المحللين السوريين يدخل علم النفس الجبارون الخوارون، هؤلاء الذين تجبروا كثيراً على شعبنا في سوريا وفي لبنان وأيادي كنعان في مدينة حمص معروفة ومشهودة كما أن أياديه في لبنان معروفة ومشهودة، ثم هو ضعف عن أن يواجه لحظة طالما سقى الناس من كأسها وطالما سقى الناس كأس الموت فميليس لم يكونوا في محكمة دولية ليحكموا عليه بالإعدام، ومع ذلك لم يستطع أن يواجه لحظة صعبة فلجأ إلى الانتحار هذا إذا كان قد انتحر، أما إذا كان قد نحر فكذلك هناك احتمالات عديدة, من بعض من بعض هذه الاحتمالات أنهم أرادوا أن يقطعوا خيط التحقيق عنده لكي لا يتعدى إلى سقف أعلى منه، هذا أحد الاحتمالات القائمة في موضوع غازي كنعان..جيزال خوري: دكتور برهان غليون عندك تفسير آخر؟د. برهان غليون: لأ أنا بعتقد بالحقيقة مش كتير مهم إذا كان انتحر ولا اغتيل المعنى هو واحد بالحقيقة, هو الرمز الحقيقي والمغزى الحقيقي لما حصل هو أن النظام في طريق مسدود وربما هو شعر بالفعل إنه النظام في طريق مسدود، وربما الآخرين شعروا إنه في النظام في طريق مسدود وأرادوا أن يفتحوا بعض النوافذ للتوتر العميق اللي موجود اليوم داخل النظام، في مخاض بسوريا اليوم من أجل التغيير بعتقد إنه الشيء اللي لازم نركز عليه اليوم للرأي العام السوري هو التالي النظام كما هو اليوم غير قابل لأن يستمر وما ممكن إنه يستمر لازم يصير فيه تغيير بشكل أو بآخر، وتغيير في الاتجاه الموافق مع المعايير الدولية يعني مع معايير الحضارة والديمقراطية والمدنية، الآن هذا التغيير حتى يحصل ومن أجل أن يحصل لابد من أن الشعب السوري كله ينزل إلى الميدان ولا يراهن لا على النظام نفسه لأنه راهن عليه خمس سنين، ولا على القوى الدولية الأخرى لا الأميركية ولا الأوروبية لأنه ما حدا بيقلع شوك حدا، إذا الشعب السوري ما نزل هو قلع شوكه بيده ما حدا رح يقلعله الشوك، وإذا ما نزل حرر المعتقلين هو أيضاً اللي موجودين صار لن خمس سنين وغيرهن رياض سيف، والحبيب عيسى وزملائهن الموجودين منذ ربيع دمشق، وما دخل هو في المعركة وصار قوة أساسية معناها اللي بغير معناتها ما رح يكون التغيير لصالحه، الذي يغير هو الذي يستفيد من التغيير إذا غيروا الأميركان بس جملة وحدة رح يكون التغيير لصالحهن، وإذا غيروا السوريين رح يكون التغيير لصالح سوريا.جيزال خوري: نعم بهيدا الكلام إذا بتسمح رح أتوقف وانهي هذه الحلقة، شكراً وأعتذر مرة تانية للمشاكل التقنية من باريس، شكراً كمان للسيد زهير سالم من جماعة الإخوان المسلمين في لندن، شكراً للمشاهدين لوفائن وإلى اللقاء الأسبوع المقبل.

mercredi, octobre 12, 2005

لا يكفي انهيار النظم الشمولية لولادة ديمقراطية عربية

الجزيرة نت12 اكتوبر 05

تعيش المنطقة العربية ازمة تاريخية شاملة نتيجة إخفاقها عموما في مشاريع تحديثها المختلفة الاشتراكية منها والليبرالية التي طبقت في العقود الخمسة الماضية. وتتجلى هذه الأزمة في توقف عملية التنمية أو تراجع معدلاتها بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين وإفلاس السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتقنية جميعا والتهميش المتزايد للعالم العربي في الساحة العالمية. لكن الوجه الأبرز لهذه الأزمة يمس النظام السياسي الأتوقراطي(الفردي) الذي رعى هذا التحديث في شقيه الأبوي العشائري والبيرقراطي الحزبي معا. وهذا ما يؤكده تدهور شرعية النظام وانهيار الثقة العامة بقدرته على مواجهة التحديات والمشاكل المطروحة على المجتمع وتفاقم الشعور عند السكان بالفراغ السياسي وبالافتقار للقيادة السياسية الحكيمة والقلق على المستقبل وتصاعد التوترات وتفجر النزاعات والحروب الداخلية والإقليمية ونمو تيارات العنف المنفلت في داخل البلاد العربية وخارجها معا. وفي موازاة ذلك تثير مضاعفات هذه الأزمة المتفجرة وإسقاطاتها المحتملة على المصالح الدولية مخاوف الدول الصناعية وتدفعها إلى مضاعفة الضغوط على النظم والتدخل المتزايد في شؤون المنطقة بهدف دفعها نحو التغيير الذي يتفق مع مصالحها أو يحفظها وإحداث تبديل جذري في سلوك الأنظمة المحلية وخياراتها الاستراتيجية.
هكذا يشكل تفاقم أزمة الأنظمة الأتوقراطية التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى وتنامي العوامل التي تعمل على تقويضها السمة الرئيسية لأزمة المنطقة العربية في المرحلة الراهنة. ويستقطب الدفاع عنها من قبل أصحاب المصالح والكفاح من أجل تغييرها أو تعديلها جهود الفاعلين الاجتماعيين الرئيسية. وبالرغم من أنها لا تزال قائمة ولا يزال بإمكانها كما تدل على ذلك الأحداث وفي مقدمها ما جرى منذ شباط الماضي في لبنان، أن تضرب بعنف لا مثيل له، فقدت النظم الاستبدادية العربية الكثير من مقومات استقرارها واستمرارها وهي تواجه عاصفة مزدوجة تكاد تطيح بها تجمع بين احتجاجات القوى الداخلية الصاعدة والمتنامية للمجتمعات المدنية واعتراضات القوى الدولية التي تعتقد أن هذا النمط من الأنظمة الشمولية التي راهنت عليه في مرحلة سابقة للحفاظ على نوع من الاستقرار، بل تثبيت الجبهات في حقبة الحرب الباردة، لم يعد ينفع في حقبة العولمة. وهكذا لم تتردد هذه القوى الدولية في الإعلان عن وقف الدعم لهذه الأنظمة وعن رغبتها في دفعها نحو الانفتاح الاقتصادي والسياسي الذي يشكل الشرط الضروري لإدراجها في السوق العالمية الجديدة ومن وراء ذلك ضمان حد أدنى من التواصل مع شعوبها وضبط حركتها واتقاء شر التدهور المتزايد وما ينجم عنه من انفجارات عنيفة في أكثر بلدانها.

يعني هذا أن السؤال المطروح اليوم لايتعلق بمصير النظم التسلطية العربية القائمة. فهو قد حسم نهائيا في نظري مع تبدل الشروط الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والأيديولوجية التي كانت في أساس نشوئه واستمراره. إن ما هو مطروح يتعلق في معرفة المخرج المحتمل لأزمة هذا النظام التسلطي العربي. هل سيأتي انهيار النظام القائم لصالح نظم تعددية تعكس الالتزام بمباديء الديمقراطية الأساسية وتستمد شرعيتها من المشاركة الشعبية الحقيقية أم سيكون هذا الانهيار فاتحة لحقبة جديدة من الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار والحروب الداخلية المتعددة؟
من الواضح من هذا السؤال أن المخرج الديمقراطي ليس هو المخرج الوحيد المنتظر بالضرورة لانهيار نظم التسلطية أو تفككها. وما حصل في العراق وما يحصل في العديد من البلدان العربية الأخرى يدل على أن الديمقراطية ليست بالضرورة المخرج الأكثر احتمالا. وأنه إلى جانب مخرج الفوضى والحروب الأهلية هناك أيضا مخرجا ثالثا هو التعفن والتفسخ المتزايد لنظام لا يعرف كيف ينتهي ولا كيف يصلح، كما هو الحال في الكثير من البلاد العربية اليوم، بالرغم من أن تعفن النظام مع بقائه لا يمكن أن يشكل مخرجا مستقلا بقدر ما هو تعبير عن استمرار الأزمة بسبب تضارب العوامل والمصالح الداخلية والخارجية.

يقوم الرهان على المخرج الديمقراطي للأزمة على ثلاثة عوامل أساسية.
1
) تحول البيئة الجيوسياسية الإقليمية والدولية في سياق إعادة بناء عالم ما بعد الحرب الباردة، مع تنامي الشعور لدى الدول والجماعات بتزايد التأثيرات المتبادلة والتفاعل داخل ما أصبح يظهر أكثر فأكثر كنظام عالمي يعمل بمثابة قرية كونية واحدة. فكما أن المكتسبات المادية والتقنية والفكرية تنتقل من بلد إلى آخر بسرعة وأحيانا على الفور كذلك الأمر بالنسبة للمخاطر. باختصار في عالم مفتوح بعضه على البعض الآخر لا يمكن السماح بنظم مغلقة ولا بتطبيق معايير سياسية متناقضة، حتى لو حصل ذلك على يد دول كبرى. وهذا ما يدفع بشكل متزايد في اتجاه مجانسة أعمق للنظم والقيم والمعايير الحضارية معا.

2) ) حركة النقد الفكري الواسعة التي نشأت في سياق تحلل الايديولوجيات الشمولية العالمية وطبعاتها المحلية المجسدة في الايديولوجيات القوموية والاشتراكوية التي انتشرت بسرعة في المجتمعات النامية بعد الاستقلال وأصبحت الموجه النظري للنخب السياسية السائدة فيها، تلك الممسكة بزمام الحكم والنخب المعارضة لها أيضا. وفي هذا السياق لا نبالغ إذا قلنا إن ما نشهده في العالم العربي اليوم هو اكتساح حقيقي من قبل الفكرة الديمقراطية للفضاء الايديولوجي السياسي العربي بأكمله وعودة الاهتمام إلى مصطلحات المواطنية والحرية والمشاركة السياسية والعلمانية والفردية وكل ما ارتبط بفلسفة الليبرالية والديمقراطية عموما من مفاهيم ونظريات.

3) يقظة المجتمعات المدنية في البلدان التي بقيت مهمشة أو بعيدة عن دورة التحولات السياسية الديمقراطية التي شهدتها الدول الصناعية في العقود الماضية. وهي يقظة مستمرة ومتصاعدة تحت التأثير المزدوج لتفكك النظم الاستبدادية من جهة وتزايد الاندماج العالمي على مستوى الإعلام وتبادل المعلومات والتعامل مع الانترنت.

لكن في مواجهة هذا الاحتمال هناك عوامل أخرى تحد من تأثير هذه العناصر الجديدة أو المجددة في الحركة السياسية للمجتمعات العربية وتشجع على أن يكون التعفن أو الانهيار والفوضى مخرجا محتملا لأزمة النظام.

1) في مقدمة هذه العوامل خصوصية الوضع الجيوسياسي للمنطقة الذي يجعل الدول الصناعية الديمقراطية تتردد كثيرا في الرهان على قوى التغيير الايجابي أو الديمقراطي في العالم العربي. فهناك من جهة أولى المصالح الكبرى النفطية والأمنية التي تمنع هذه الدول من أن تسلم بسيادة الشعوب على مصيرها في منطقة تتحكم من خلال موقعها الاستراتيجي وحجم احتياطات الطاقة التي تعتمد عليها الصناعة العالمية بمصير الاقتصاد العالمي. وهناك من جهة ثانية المخاوف التي نمت خلال عقود طويلة من التجربة السلبية والصراعات التاريخية من أن لا تكون نتيجة التحولات الديمقراطية في البلاد العربية سوى تزايد سيطرة المعادين للغرب من منطلقات قومية أو دينية. ومما يعزز من هذه المخاوف بروز حركات العنف الاسلامي بشكل واسع في العقود الماضية وتعرضها بصورة مباشرة ومتكررة للمصالح الغربية. وهذا ما يدفع المنظومة الديمقراطية الدولية إلى التريث كثيرا في دعم المخرج الديمقراطي لأزمة النظم التسلطية والمراهنة بشكل أكبر على إصلاح الأنظمة التسلطية أو تعديل أسلوب عملها حتى تضمن استمرار السيطرة على الأوضاع من جهة وعدم السماح للحركات المعادية للغرب من تعزيز أقدامها في الفضاءات السياسية الديمقراطية الجديدة من جهة ثانية.

2) الخراب الشامل للمجتمعات وتكسير هياكلها ومؤسساتها وتذريرها نتيجة تعميم الفساد وتحويله إلى حالة طبيعية واحتواء حركات المجتمع وتنظيماته السياسية والنقابية والأهلية والتلاعب بها من قبل أجهزة السلطة الأوحدية وميليشياتها الحزبية والطائفية. وتشويه بنية الوعي نفسه على مستوى الفرد والجماعة معا خلال عقود طويلة من سيطرة الفكر الايديولوجي القومي والديني القائم على شحن العصبية الجمعية لا على بناء الوعي السياسي وكذلك إغلاق الفضاء الثقافي أمام حركة التفاعل الفكرية وكبت الحريات الخاصة وتولي السلطة السياسية عملية التفكير والتعليم والتلقين والتربية والتوجيه في كل ميادين الحياة.

3) ضعف القوى الديمقراطية العربية على الصعيدين النظري والعملي. فهي قوى طارئة على ساحة ما تزال لم تتحدد معالمها بعد. وتجد صعوبة كبيرة في التعرف على نفسها وبناء رؤية متسقة ومتماسكة تؤطر ممارستها وتوجهها، وكذلك في بلورة استراتيجية ناجعة مستقلة تتيح لها التقدم من خلال تعبئة الرأي العام وتنظيمه وتجنبها الوقوع في الأفخاخ التي تنصبها لها أجهزة النظم المتهاوية وتدخلات القوى الخارجية في الوقت نفسه.

لا أعتقد أن أحدا من الأطراف المتنازعة الداخلية والخارجية له مصلحة بمخرج الفوضى. وهو ليس مخرجا بالأصل وإنما هو تعبير عن إخفاق عملية التحول أو الانتقال الديمقراطي نفسها. باختصار إن الفوضى ليست خيارا ولا يمكن أن تكونه إلا لبعض القوى الهامشية التي لا مستقبل لها في أي احتمال. كما أن استمرار الأزمة مع ما يعنيه ذلك من التفسخ المتزايد للنظم وتصاعد روائح فسادها وعواقب تخبط سياساتها المدمرة للمجتمعات، ليس خيارا نهائيا لأي طرف من هذه الأطراف. إن استمرار الأزمة هو تعبير عن الفشل في عملية الإقلاع الديمقراطي تماما كما أن الفوضى هي تعبير عن الفشل في عملية الهبوط والانتقال. لذلك أعتقد أن ما ينبغي التركيز عليه هو الشروط الضرورية لكسب معركة الديمقراطية. فليس هناك خيار آخر للمجتمعات العربية للخروج من الأزمة الشاملة التي تتخبط فيها اليوم سوى بالنجاح في الانتقال نحو نظم ديمقراطية تضمن مشاركة المجتمع في إدارة وقيادة نفسه وتعيد لجميع أفراده، من خلال احترام مباديء الحق والقانون والحرية والعدالة التي تضمنها، ثقتهم بأنفسهم وبالنخب التي تمثلهم وتبث فيهم الأمل وتغذي روح العمل والتعاون في سبيل تحسين شروط حياتهم ومستقلهم.

والسؤال : كيف يمكن تعزيز عوامل الخروج من الأزمة من باب التحول في اتجاه الديمقراطية والتقليل من مخاطر انفتاح التغيير على الفوضى والنزاعات الأهلية؟
أعتقد أن النجاح في معركة التحويل الديمقراطي للنظم القائمة المتهاوية يستدعي العمل على تلبية بعض الشروط الأساسية السياسية والجيوسياسية والايديولوجية منها:
1) توحيد صفوف القوى الديمقراطية المتباينة : من حركات سياسية وأحزاب وهيئات مجتمع مدني ومجموعات المثقفين الناشطين والمنخرطين في العمل العام.
2) تأمين حركة تضامن عالمية واسعة مع الحركة الديمقراطية العربية وتحطيم حواجز الخوف التي تحيط بالمجتمعات وتدفع الرأي العام الدولي أو قطاعات كبيرة منه إلى الشك في قدرتها على الانخراط في عملية تحويل ديمقراطي حقيقية وناجعة.
3) إحباط الألغام الايديولوجية الكثيرة التي تتركها الحزازات القديمة وسوء الفهم والتنافس الطبيعي بين الجماعات والأشخاص وتباين الخيارات الفلسفية والمذاهب الدينية في سبيل الوصول إلى تفاهم وطني راسخ وتعزيزالتفاعل بين تيارات الرأي وقوى الحركة الديمقراطية المتعددة، وتحرير الوعي العام والفردي معا من خطر منطق الثنائيات المحبطة والمواجهات المستنفدة للطاقة والتي لا مخرج منها بين الاسلام والعلمانية والليبرالية والديمقراطية والوطنية والعالمية والداخل والخارج والمحلي والأجنبي. فلا ينبغي أن نسمح للإشكاليات القديمة أو الآتية من تاريخ الصراعات القديمة أن تقتل الإشكاليات الجديدة أو تقطع الطريق على ولادة إشكالية ديمقراطية تشمل الجميع وتفتح الباب أمام تفاعل جميع تيارات الفكر وأصحاب المصالح والقوى الحية في المجتمعات العربية.

المخرج من الأزمة السورية


الوطن 12 اكتوبر 05

باستثناء بعض المسؤولين الذين لا يزالون مقتعين بأن سورية تعيش حالة استثنائية من الاستقرار والكفاية والاصلاح والتنمية وأن كل ما يشاع عنها في وسائل الإعلام الخارجية هو جزء من الحملة الظالمة التي تستهدف نظامها التقدمي أو الوطني الرافض الخضوع لإرادة الهيمنة الأجنبية، لا أعتقد أن هناك سوريا واحدا لا يدرك اليوم بأن بلاده تعيش أزمة عصيبة ومصيرية يتوقف على عبورها بسلام مستقبلها ومستقبل شعبها معا. بل لا يوجد سوري لا يجتاحه الخوف والقلق على بلاده ولا يتساءل في ما إذا كانت لا تزال هناك فرصة لتجنيب سورية الكوارث التي حلت بالعراق بعد إسقاط النظام البعثي هناك من احتلالات أجنبية وفوضى سياسية وتمزقات طائفية. ولا يوجد سوري واحد لا يطرح على نفسه السؤال الذي طرحه الكاتب زياد قباني على نفسه وعلى جميع المثقفين والسياسيين السوريين أيضا : ماذا يبنغي أن نفعل، حتى نقود سفينة البلاد المتخبطة في عرض البحار إلى بر الأمان، مطالبا كل من له رؤية سياسية من السوريين أن يقول ماذا وكيف سيفعل الآن لو كان يملك زمام السلطة في يده ؟ فأين تقف سورية اليوم وما هي طبيعة الأزمة التي تعصف بها وهل هناك بالفعل مخرج منها من دون خسائر أو على الأقل بخسائر أقل لا تعرض وحدة البلاد واستقرارها ومستقبلها للخطر، وماذا يستطيع الرئيس بشار الأسد أن يفعل إذا أراد إنقاذ المصالح الوطنية السورية؟
وأعتقد بالفعل أن ما طرحه زياد هو السؤال الحقيقي الذي ينبغي علينا جميعا أن نطرحه على أنفسنا لأن طرحه يشكل بحد ذاته بداية الجواب الصحيح على الأزمة. وأهم ما فيه أنه يفترض ضمنا وعن حق أن الخروج من الأزمة لا يقع على كاهل السلطة ولا على كاهل الحكومة ولكن على كاهل السوريين كافة وقدرتهم على المبادرة والتأثير في مصير بلادهم.
لقد انتظر السوريون خلال السنوات الخمس الماضية الاصلاح وراهنوا على الخطابات التفاؤلية التي بثتها الأجهزة الإعلامية وساهمت فيها أيضا الحكومات العربية والدول الصناعية الغربية التي أعطت بدعمها للحكومة السورية رصيدا قويا له. ومما زاد في وهم تبني برنامج الاصلاح ورغبة السلطة القائمة في تحقيقه ما حصل من تفاهم مع الدول الأوروبية ومن الاستعانة بخبرات من خارج النظام لمراجعة السياسات الاقتصادية. فقد عاش السوريون سنوات طويلة على أمل وصول الاستثمارات الخليجية الموعودة وتوقيع اتفاقية الشراكة الأوروبية السورية، وتابعوا باهتمام وتفاؤل تعيين وزراء من خارج البعث وسموا بالليبرالية والقدرة على الحوار والتفاهم مع الدول الصناعية في مناصب المسؤولية الاقتصادية. لكنهم لم يحصدوا من ذلك كله إلا خيبة الأمل التي يزيد من مرارتها اليوم التدهور الشامل في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية معا وتراجع آمال التنمية وتفاقم البطالة والفقر. ومع انفراط عقد التحالف السوري الغربي وتهديد سورية بعقوبات جديدة تتهيأ الأمم المتحدة لإقرارها كرد على السياسات السورية تتحول هذه الخيبة إلى إحباط وتدفع الجمهور إلى اليأس من المستقبل ومن النظام الذي سلم له مقاليد أموره جميعا مغمض العينين خلال عقود طويلة.
واليوم تتكرر القصة ذاتها. فقد أدى سقوط الوهم في إصلاح النظام أو في إصلاحاته إلى جعل التغيير الهم الأول لجميع السوريين. فعندما يتحدث السوريون عن التغيير يثيرون فرضيات ثلاثة رئيسية ليس لأي منها علاقة بالشعب السوري نفسه وكلها تعتمد على المراهنة على قوى داخل النظام أو على قوى خارجية. فقسم منهم يأمل بأن يقود رئيس الجمهورية نفسه بوصفه صاحب السلطة العليا انقلابا داخليا على النظام يقضي فيه على القوى المعرقلة للاصلاح والمسؤولة في الوقت نفسه عن الفساد وإساءة استخدام السلطة الداخلية وأخطاء السياسة الخارجية التي قادت إلى العزلة الخانقة التي تعيشها البلاد. وقسم آخر يأمل بأن يفرز النظام من داخله قوى عسكرية وسياسية قادرة على تغيير النظام وإطلاق الحياة السياسية والفكرية بعد كبت طويل. وهم يعتقدون أنه ليس هناك أي أمل في أن يحصل التغيير من خارج النظام مهما كانت قوة الضغوط الداخلية. وقسم ثالث يراهن بشكل أكبر على الضغوط الخارجية والأمريكية بشكل خاص ولا يعتقد أن هناك أي أمل بالقضاء على النظام من دون تدخلات خارجية قوية.
وأخشى أن لا تكون نتيجة هذه المراهنة في التغيير على الانقلاب الداخلي والضغوط أو الصيغ الخارجية أفضل من نتائج المراهنة في الاصلاح على القوى الرسمية والشراكات الاقتصادية الخارجية. ففي الحالتين يفتقر العمل المنشود إلى القوة الرئيسية التي لا يمكن أن يقوم من دون مشاركتها تغيير ولا أن يحقق أهدافه، أعني الشعب السوري بقاعدته العريضة والواسعة. وعندما أتحدث عن الشعب السوري فأنا لا اقصد مجموعة السكان الذين يعدون بالملايين وإنما قوة منظمة ذات إدراك واضح لمصالحها الجماعية العليا أي الوطنية وإرادة واحدة مشتركة تسمح لها بالتصرف كقوة فاعلة سياسية على الساحة الداخلية والخارجية. فالشعب لا يوجد بصورة تلقائية وعلى مستوى الوقائع الاختبارية البسيطة ولكنه يتجسد في النسيج التنظيمي الذي يبني وحدته السياسية ورؤيته الوطنية. وهو ما يحتاج إلى عمل دؤوب ومستمر. وليس من الضروري أن يتخذ هذا التنظيم ولا تلك الرؤية صورة التنظيم والرؤية الأحاديتين. بل بالعكس، إن الوحدة السياسية تفترض بعكس الوحدة الطبيعية المستمدة من الانتماء القبلي أو الديني أو العشائري التفاهم بين قوى متعددة لكل منها نظامها ومصالحها وبرنامجها الخاص. ولا يتم هذا التفاهم بتوحيد الاعتقادات والخيارات السياسية وإنما بالالتزام بمباديء وقواعد عمل واحدة تضمن استمرار التنافس والاختلاف في المصالح والبرامج وفي الوقت نفسه القدرة على الوصول لتسويات سياسية على أسس ثابتة تلزم الجميع وتكون قابلة أيضا للتغيير والتبديل مع اختلاف الظروف والأهداف. فالشعب لا يوجد من دون تنظيمه أو قواعد تنظيمه السياسي. وما فعله النظام الشمولي لاستبعاد المجتمع وتغييبه وللحلول محله والتصرف باسمه هو بالضبط القضاء على أسس التنظيم الذي يسمح للأفراد المتعددين وللمصالح المتباينة بتجاوز فرديتها وتباينها وتكوين إرادة واحدة وتفكير مشترك، أي ضرب القواعد التي لا تقوم من دونها إرادة موحدة ولا وعي مشترك.
جوابي إذن على الأسئلة المصيرية التي طرحها زياد قباني هو أن أحدا لن يستطيع أن يفعل شيئا لسورية ما لم يأخذ الشعب السوري هو نفسه مسؤوليته على عاتقه وفي مقدمه قوى التغيير أو القوى المؤمنة بالتغيير وحتميته، ولا أقول قوى المعارضة فحسب، سواء أكانت داخل النظام أو خارجه. فأصل المشكلة هي بالضبط التخلي الجماعي عن المسؤولية تحت الضغط والإكراه وترك الأمور معلقة بيد فئة واحدة وضعت نفسها بالقوة أو بالاقناع في موقع القيادة الحصرية والأبدية للمجتمع والدولة. وبداية حمل المسؤولية المشاركة في الحياة العمومية والانخراط مع الآخرين في تنظيمات سياسية أو مدنية لا مهرب منها لتكوين النسيج الشعبي، أي الشعب المنظم الفاعل على مسرح التاريخ. وغياب الشعب بنفي عن أي مبادرة تغيير أو إصلاح، داخلية كانت أو خارجية، أي غاية أخلاقية ويحولها إلى أداة في يد الاستراتيجيات الفئوية والدولية المتنافسة. فبداية الطريق نحو بر الأمان هي الخروج من الهامشية والاتكالية والانخراط الطوعي في الحياة الوطنية.