lundi, février 23, 2015

خرافة الحل السياسي في سورية



ليس هناك شخص عاقل واحد يعتقد أن من الممكن التوصل إلى حل سياسي مع بشار الأسد، ومن ورائه، مع خليفة قم علي خامنئي، تماماً كما لم يكن من الممكن لعاقل في عموم أوروبا أن يعتقد أن من الممكن التوصل إلى حل سياسي مع أدولف هتلر. وهذا ما أثبتته الأحداث على مدى السنوات الأربع الماضية. فالأسدية ليست بالأصل سياسة، إنها الحرب، ولم تعرف يوماً التعامل مع الشعب بغير العنف والإخضاع بالقوة والقهر. ومشروع النظام القائم على الانفراد بالسلطة والسيطرة من طغمة مافيوية فاشية، لا يقبل أي بديل عن لغة التصعيد الانتحاري، وشعارها: إما قاتل أو مقتول، ولا توسط بينهما. أما طهران التي تمسك، اليوم، بمصير هذه القيادة الانتحارية، فهي تعيش حالة من الجنون القومي المذهبي الذي يدفعها إلى الركض وراء سراب إعادة بناء الامبرطورية الفارسية على أسس دينية في المشرق العربي كله، كجزء من تحدي الغرب والتاريخ، وتنظر إلى سورية باعتبارها حجر الزاوية في مشروعها الإمبراطوري هذا، وتعرف أن التخلي عن السيطرة عليها، أو القبول بالمشاركة فيها مع قوى إقليمية أخرى، بل حتى مع الشعب السوري نفسه، يقوّض طموحها، وليس أمامها خيار سوى الاستمرار في التصعيد، مهما كانت الخسائر، إلى أن
تحقق أهدافها. تبدو قم، اليوم، مدانة بالدخول في المغامرة نفسها التي دفعت الحركة الصهيونية إلى ارتكاب جريمة الإبادة السياسية، قبل الجسدية، لشعب كامل: ترسيخ الاحتلال وإدامته لتغيير البنية السكانية، وتغيير البنية السكانية، على الأقل في المناطق الاستراتيجية، لترسيخ أقدام الاحتلال في سورية ولبنان بعد العراق. وهي تحلم أن تحقق ذلك من خلال التفاهم مع واشنطن، في سياق التوقيع على الملف النووي، والتغطية على مشروع احتلالها بفكرة المقاومة لإسرائيل، والتي تعني، في العمق، تقاسم النفوذ في المنطقة، بعد التوصل إلى تفاهم رسمي مع تل أبيب، يسمح بتقنين وجودها في سورية، تماماً كما حصل من قبل عند تقنين وجود نظام الأسد في لبنان، ثمن ضمانه أمن إسرائيل.
لهذا السبب، أخفقت كل مبادرات الحل السياسي، سواء التي بدأها أصدقاء النظام، منذ الأشهر الأولى من الثورة، القطريون والأتراك والسعوديون والأوروبيون وغيرهم، كما أخفقت مبادرة جامعة الدول العربية، ومن بعدها بعثة كوفي أنان لتطبيق بيان جنيف، ومهمة الأخضر الإبراهيمي التي انتهت مع فشل لقاء جنيف2 الذي لم يشهد أي نقاش سياسي، سوى الاتهامات بالتخوين والشتائم السوقية التي كالها وفد الأسد لوفد المعارضة. وقد اضطر المبعوثان الكبيران للاعتراف بفشلهما، ومسؤولية نظام الأسد عنه، وقدما استقالتهما.
أما المبادرات المتعددة التي يدور الحديث عنها، بعد فشل مؤتمر جنيف، فهي لا ترقى إلى مستوى المبادرات، ولا حتى الأفكار الواعدة. ومعظمها لا يهدف إلا إلى اللعب على المعارضة، السياسية والعسكرية، بهدف تأهيلها لتقديم التنازلات التي من "المحتمل" أن تساعد على تذليل العقبة الروسية، مع العلم أن روسيا، على الرغم من دورها العسكري المهم، ليست قادرة على فرض أي حل، لا على الأسد ولا على طهران. ولا يختلف الوضع عن ذلك في ما يتعلق بمبادرة مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان ديميستورا، التي تعترف سلفاً بالفشل، ولا تطمح، مع غياب أي أمل في حل سياسي أو عسكري، إلى أكثر من المساعدة على عقد هدن محلية، بهدف التخفيف من معاناة السكان، هنا وهناك.
السياسة ليست بديلاً للحرب
من هنا، لا يعني الاستمرار في تمسك الأمم المتحدة والدول الكبرى والعالم بالحل السياسي أن هناك اعتقاداً لدى أحد بوجود إمكانية للحل بالفعل، وإنما هو وسيلة للتهرب من الاستنتاج المنطقي لانعدام فرص هذا الحل، وما يمليه ذلك من واجبات والتزامات على الأمم المتحدة والدول التي يلزمها ميثاقها بعدم الوقوف مكتوفة الأيدي أمام حرب إبادةٍ، تقوم بها طغمة أصبحت أداة بيد دولة أجنبية، بعد أن اختطفت الدولة ومؤسساتها. بمعنى آخر، يستخدم اللعب بالحل السياسي لملء الفراغ الدبلوماسي، وتغذية الوهم بأن هناك تحركاً دولياً، وأن الشعب السوري ليس متروكاً وحده يذبح على مرأى العالم ومسامع الدول الكبرى، وهذه هي الحقيقة. كما تستخدم المبادرات أو المناورات الدبلوماسية للتغطية على الفشل الذريع للأمم المتحدة، وبان كي مون شخصياً، في اتخاذ إجراءات حاسمة، لوقف الحرب، أو التخفيف من معاناة السوريين. لكن وظيفتها الأهم والأخطر هي حرف نظر الرأي العام السوري والعربي والدولي عن الاستقالة الأخلاقية والسياسية للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، تجاه الأزمة السورية. وقد استخدمت، خلال السنوات الأربع الماضية، لخداع المعارضة، وتبرير رفض واشنطن القيام بأي عمل جدي لإنقاذ الشعب السوري.
لن تكون هناك نهاية للحرب، مع استمرار الخيارات السياسية الراهنة للدول، وللولايات المتحدة بالذات. ولن يكون هناك أي حل سياسي، لا يكون مجرد استسلام للأسد وخامنئي، ما لم يتم تحطيم آلة الحرب المشتركة للقرداحة وطهران، والمكونة من بقايا الجيش السوري والمليشيات المذهبية المجيشة من عشرات الدول والبلدان. وكل تأخير في إنجاز هذا العمل لن يعني سوى السماح بمزيد من التصعيد في العنف والوحشية، ومن تفاقم الأزمة السورية ومعاناة السوريين، ومن مخاطر انتقالها إلى الدول المجاورة.

لا مهرب من تدخل عربي
إ
ذا كانت الدول الغربية لا تشعر بالخطر القريب من جراء استمرار القتل والدمار في سورية، ولا تعاني من غياب الحل السياسي وانعدام إمكانية الحسم العسكري معا، فذلك لا يمكن أن ينطبق على البلاد العربية، ولا على تركيا التي تعيش في قلب العاصفة، سواء بسبب ما يتعرض له أمن هذه الدول، القومي والأهلي، من تهديدات خطيرة بانهيار الدولة السورية، والإمساك بها من طهران وقوات الحرس الثوري، واستخدامها منصة للعدوان على جاراتها والضغط عليها، أو بسبب إسقاطات الأزمة السورية، السياسية والإنسانية عليها. ولا ينبغي للدول العربية، وليس من مصلحتها، أن تقف مكتوفة الأيدي، أو تنتظر حتى يكتمل انتشار سرطان العنف والفاشية في جسدها. عليها أن تتحرك، وتجبر الأمم المتحدة، وبقية دول العالم، على السير وراءها، للدفاع عن مصالحها القومية ومصالح شعوبها.
فسورية ليست جزءاً من الوطن العربي فحسب، لكنها مركز توازن المشرق بأكمله. والسيطرة عليها ستحدد مصير المنطقة ومآلات السيطرة الإقليمية. الاستمرار في تجاهل ما يجري فيها يعني، ببساطة، تقديم سورية لقمة سائغة لطهران، والتخلي عنها لصالح سيطرة المليشيات المذهبية المتطرفة من كل دين، أي القبول بالاستسلام الكامل أمام التوسعية القومية المذهبية الإيرانية والاعتراف بالهزيمة من دون حرب، وتكريس شلل المجموعة العربية وانقسامها، وتشجيع خصوم الدول العربية جميعا على التحرش بها، والاعتداء عليها، بما في ذلك مليشيات المرتزقة والمجموعات الإرهابية، وفي النهاية، خسارة كل الجهود التي بذلتها بلدان المنطقة، للحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن الإقليمي.
كان على الدول العربية، ولا يزال، أن تعتبر قضية الحرب الدموية في سورية قضية عربية أولاً، وتدعم مبادرتها السياسية، التي تبنتها الأمم المتحدة، وتحولت إلى مبادرة أممية فاشلة، بسبب غياب آليات العمل وأدوات التنفيذ، بمبادرة عسكرية تفرض على الأطراف السورية الإذعان لمبادئها وشروطها، وتضع حداً لسفك الدماء وتمزيق البلاد وتسابق المجموعات الإرهابية والميليشيات المذهبية على السيطرة على أراضيها، وإقامة إمارات خاصة فيها.
فأمن سورية جزء أساسي من أمن المشرق العربي، وهذه حقيقة وليست على سبيل المبالغة. وسوف يتأكد ذلك أكثر مع الزمن، بعد أن تظهر الانعكاسات الخطيرة لأزمتها على الدول والمجتمعات العربية القريبة والبعيدة، بل على العالم أجمع. وتكفي الإشارة، منذ الآن، إلى الخلل الاستراتيجي الذي أدت إليه بتمكينها طهران وحلفاءها من تطويق الجزيرة العربية، وتهميش مصر وشمال أفريقيا وإخراجهما من المنطقة، وإطلاق شياطين الحرب المذهبية والطائفية الإقليمية التي تهدد الجميع، وتفكيك نسيج المجتمع السوري، ودفع الملايين من أبنائه إلى اللجوء والتشرد والضياع، وما يعني ذلك من كارثة إنسانية للسوريين ولعموم المنطقة، من دون الحديث عما أصبحت الأرض السورية تمثله من مرتع لبؤر التطرف الديني وغير الديني، ومن قطب جذب لجميع العصابات الدموية إلى المنطقة.
والحال أن الدول العربية استهانت بالصراع السوري، ورمت مسؤولية حله على الأمم المتحدة مع علمها بأن مجلس الأمن معطل، ولن يكون هناك أي تدخل دولي. واستمرت في سياسة النعامة، خلال سنوات أربع طويلة، من دون أي رد فعل، واكتفت بتقديم فتات الدعم المادي والعسكري والسياسي لقوى مدنية، تسلحت على عجل، ولم تعرف حتى كيف تساعدها على ضبط تنظيمها وتدريبها وتأهيلها، واستهانت بإرادة الهيمنة الإيرانية، وتركتها تحقق أهدافها من دون أي رد فعل. فأعلنت طهران سيطرتها على باب المندب، وإلحاق اليمن صراحة بمشروعها الإقليمي، وإرادتها في تطوير هذا المشروع، في اتجاه دول الخليج في المستقبل. وبهذا تكون الدول العربية قد فتحت أبوابها لكل المخاطر والتهديدات.
ما كان يتوجب على العالم العربي أن يفعله لا يزال يحتاج إلى أن يُفعل. والتأخر في إنجازه لن يحل الأزمة، لكنه سوف يزيد من تكاليف مواجهتها ومخاطرها الإنسانية والسياسية والعسكرية، بصورة يمكن أن تصبح غير قابلة للاحتمال، بمقدار ما سوف يدفع إلى تفاقمها، ويوسع من دائرة انتشارها وتهديداتها. ما كان على أوروبا أن تفعله لمواجهة النازية الهتلرية هو تماما ما ينبغي على البلاد العربية وتركيا أن تفعلانه، بدعم من الأمم المتحدة والتحالف الدولي، أم بدونهما. وهذا هو الوقت، وليس بعد أن توقع واشنطن وطهران مذكرات التفاهم وحل موضوع الملف النووي الإيراني.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/2/23/%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9#sthash.AkFfDLcm.dpuf

mercredi, février 18, 2015

حوار مع أنا برس ٢

برهان غليون في الجزء الثاني من حواره مع "أنا برس": سياسة واشنطن تعني التضحية بسوريا

  
 
   
 15:41


Story Image
د. برهان غليون
" تشكل داعش تهديدا للغرب والولايات المتحدة بالتأكيد، لكن ليس كبيرا ولا على المدى القصير "
" أمن سورية هو جزء أساسي من أمن المشرق العربي حقيقة وليس على سبيل المبالغة "
"الدول العربية استهانت بالصراع السوري ورمت مسؤولية حله على الأمم المتحدة "
" ضعف المعارضة المتجسد في تشتتها وبؤس تنظيمها وأدائها هو جزء من المشكلة "

يواصل "أنا برس" نشر حواره مع المفكر السوري البارز الدكتور برهان غليون، وهو الحوار الذي تحدث في جزئه الأول المنشور، أمس الثلاثاء (على الرابط التالي: http://cutt.us/MPByq)، حول المواقف الدولية من الأزمة السورية، وأجاب فيه عن السؤال الأصعب "ما شكل الحل المناسب للأزمة السورية؟".. بينما يتحدث "غليون" في الجزء الثاني من الحوار حول تهديدات تنظيم الدولة "داعش"، والمطلوب عربيًا لدعم الثورة السورية، كما يقيم أداء المعارضة السورية، خاصة الائتلاف الوطني.. ويختتم حديثه حول أوضاع اللاجئين السوريين حول العالم، والظروف الصعبة التي يواجهونها.. وإلى تفاصيل الجزء الثاني والأخير
*فيما يتعلق بتنظيم داعش، بم تفسر إقدّام التحالف على الإعداد لمواجهة بريّة من خلال الجيش العراقي ضد "داعش".. بينما لا يتزامن ذلك الأمر مع سيناريو مماثل في سوريا؟
-منذ البداية أعلن الأمريكيون الذين يشكلون القوة الرئيسية في الحرب ضد داعش أن مهمتهم هي ضرب داعش في العراق وليس في سورية في هذه المرحلة. وهم يشعرون أن لهم مصالح كبرى في هذا البلد كما أن عليهم، بسبب دورهم في إنشاء النظام، التزامات تجاهه، بالإضافة إلى أن العراق ليس قطرا موضع تنازع مع دول أخرى، كروسيا مثلا، وإنما هو ، وكما تريده إدارة أوباما، مثالا للتعاون المنشود بين واشنطن وطهران.  
سورية ليست كذلك. ليس للأمريكيين فيها نفوذ سابق خاص معترف به، وهي موضع تنازع مع الروس ودول أخرى قريبة منهم، وليس من المسلم به أن تكون ساحة تعاون مع طهران. فهي لا تزال ساحة حرب وموضوع تنازع بين أطراف عديدة. وبالتالي لا تعتقد واشنطن أن من مصلحتها أن تحتكر القرار فيها أو حتى أن تستثمر في الدفاع عن سورية وتخليصها من محنتها. قتال داعش حتى في سورية مستقل في نظر أوباما عن المسألة السورية تماما. وهذه مشكلتنا أصلا مع هذه السياسة التي تعني التضحية الكاملة بسورية وشعبها.

  قتال داعش حتى في سورية مستقل في نظر أوباما عن المسألة السورية تماما  
*هل تعتقد أن التحالف الدولي جاد في سبيل سعيه نحو إنهاء داعش.. وكيف تقيم أدائه العملي؟
-تشكل داعش تهديدا للغرب والولايات المتحدة بالتأكيد، لكن ليس كبيرا ولا على المدى القصير. و إنهاء داعش ليس مصلحة عاجلة للولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي. وهو ليس من التحديات الخطيرة والكبيرة لها كما يبدو في الإعلام. تستطيع أمريكا أن تقضي عليه حالما تريد، وتحوله إلى بؤر إرهابية صغيرة ليست ذات تأثير كبير. ومن هنا هي ليست  في عجلة من أمرها في هذا الموضوع، بالإضافة إلى أنها تستطيع ان تستفيد من داعش ومن الحرب على داعش في الدفع نحو العديد من التسويات أو نحو خيارات إقليمية يمكن أن تفيدها في المستقبل. التلاعب بقوة داعش لا يزال هو الأولى من القضاء على داعش، ليس بالنسبة لواشنطن فحسب وإنما للعديد من القوى الإقليمية والدولية. 
*وما المطلوب -عربيًا- من وجهة نظرك لدعم الثورة السورية؟
-سورية جزء من الوطن العربي، وعضو مؤسس في الجامعة العربية، وقلب العروبة النابض كما أطلق عليها جمال عبد الناصر، عن حق. وهي بالفعل في مركز القلب من المشرق العربي. تركها تغرق بدمائها وتسقط تحت الاحتلال الأجنبي والميليشيات المذهبية يعني استسلام عربي كامل واعتراف بالفشل، وتعبير عن شلل الإرادة للمجموعة العربية كاملة أمام المخاطر التي تتعرض لها شعوب المنطقة وتشجيع جميع خصوم الدول العربية على التحرش بهذه الدول والاعتداء عليها، بما في ذلك ميلشيات المرتزقة والمجموعات الارهابية، وفي النهاية خسارة كل الجهود التي بذلتها بلدان المنطقة للحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن الإقليمي.  
كان على الدول العربية ولا يزال أن تعتبر قضية الحرب الدموية في سورية قضية عربية أولا، وتدعم مبادرتها السياسية - التي تبنتها في ما بعد الأمم المتحدة وتحولت إلى مبادرة أممية فاشلة بسبب غياب آليات العمل وأدوات التنفيذ-  بمبادرة عسكرية تفرض على الأطراف السورية الإذعان لمبادئها وشروطها، وتضع حدا لسفك الدماء وتمزيق البلاد وتسابق المجموعات الإرهابية والميليشيات المذهبية على السيطرة على أراضيها وإقامة إمارات خاصة فيها. 
فأمن سورية هو جزء أساسي من أمن المشرق العربي حقيقة وليس على سبيل المبالغة. وسوف يتأكد ذلك أكثر مع الزمن بعد أن تظهر آثار تساقطات أزمتها على الدول العربية القريبة والبعيدة، بل على العالم أجمع. ويكفي الإشارة منذ الآن إلى الخلل الاستراتيجي الذي أدت إليه بتمكينها طهران وحلفائها من تطويق الجزيرة العربية، وتهميش مصر وشمال أفريقيا وإخراجها من المنطقة، وإطلاق شياطين الحرب المذهبية والطائفية الإقليمية التي تهدد الجميع، وتفكيك نسيج المجتمع السوري ودفع الملايين من أبنائه إلى اللجوء والتشرد والضياع، وما يعني ذلك من كارثة إنسانية للسوريين ولعموم المنطقة، من دون الحديث عما أصبحت الأرض السورية تمثله من مرتع لبؤر التطرف الديني وغير الديني ومن قطب جذب لجميع العصابات الدموية إلى المنطقة.
والحال أن الدول العربية استهانت بالصراع السوري، ورمت مسؤولية حله على الأمم المتحدة مع علمها بأن مجلس الأمن معطل ولن يكون هناك أي تدخل دولي. واستمرت في سياسة النعامة خلال سنوات أربع طويلة من دون أي رد فعل، واكتفت بتقديم فتات الدعم المادي والعسكري والسياسي لقوى مدنية تسلحت على عجل، ولم تعرف حتى كيف تساعدها على ضبط تنظيمها وتدريبها وتأهيلها، واستهانت بإرادة الهيمنة الايرانية وتركتها تحقق أهدافها من دون أي رد فعل. فأعلنت طهران سيطرتها على باب المندب وإلحاق اليمن بإمبراطوريتها صراحة وبإرادتها في تطوير مبادرتها العسكرية لتشمل دول الخليج في المستقبل. وبهذا تكون الدول العربية قد فتحت أبوابها لكل المخاطر والتهديدات.
لم يتغير الوضع منذ بداية الثورة السورية إلى الآن، لا يزال المجتمع الدولي مستنكفا عن القيام بأي مبادرة تجاه الصراع السوري، ولا تزال إيران تسعى من خلال ميليشياتها المذهبية وأكثر فأكثر من خلال قواتها الرسمية الخاصة لملء الفراغ، بينما يقف العالم العربي متفرجا على ما يجري، أي على تقويض أسس استقراره وسلامه الوطني والأهلي، وتفجير مجتمعاته من الداخل، حالما بأن يأتي الحل من السماء.  
ما كان على العالم العربي أن يفعله لا يزال يحتاج إلى أن ينجز، ولو أن تكاليفه ومخاطره الإنسانية والسياسية والعسكرية أصبحت أكثر بكثير. لكن الاستمرار في عدم الفعل لن يحل شيئا ولكنه سيزيد من تفاقم الأزمة والتهديدات الخطيرة النابعة منها ويوسع من دائرة انتشارها على اتساع المشرق العربي وغير العربي.

  إنهاء داعش ليس مصلحة عاجلة للولايات المتحدة  وهو ليس من التحديات الخطيرة والكبيرة لها كما يبدو في الإعلام  

*وكيف تقيم أداء المعارضة السورية فيما يتعلق بالملفات المطروحة حاليًا؟ ولاسيما الائتلاف الوطني.. والخلافات الدائرة بين أطراف المعارضة السورية المختلفة؟.. وهل تم استبعاد المعارضة وتقليص دورها من قبل الغرب، لمصلحة التنسيق مع النظام بعد تمدد داعش؟
-ضعف المعارضة المتجسد في تشتتها وبؤس تنظيمها وأدائها هو جزء من المشكلة من دون شك. لكن جذوره ليست مفصولة عن السياق الذي جاءت فيه. فهو أولا ثمرة سياسات العزل والإقصاء والإرهاب التي مارستها ديكتاتورية همجية منحطة على المجتمع خلال نصف قرن، وثانيا تخلي المجتمع الدولي عنها وتركها تواجه لوحدها حرب التدخل الأجنبي الإيراني وميليشياتها الطائفية الوحشية وغياب روح المبادرة وإرادة الفعل، وثالثا نتيجة الانخراط العشوائي والمتخبط للطرف العربي المنقسم وتهافت رد فعل الجامعة العربية وقبولها بالموت السريري لأحلامها ومشاريعها. 
لكن مشكلة المعارضة لا تكمن في الخوف من تخلي المجتمع الدولي عنها او احتمال تنسيقه مع النظام. هذه هي رؤية النظام الهالك للأمر. لن يتخلى المجتمع الدولي عنها، ولو لم تكن موجودة لكان عليه أن يخلقها لأنه بحاجة إليها للتوصل إلى أي حل في المستقبل، ولن ينسق الغرب مع النظام لأنه لم يعد له وجود، ما دام ينسق مباشرة مع طهران الحاكمة الحقيقية في سورية. لكن هذا لا يعني أي نجاح أو انتصار. 
مشكلة المعارضة أو بالأحرى التحدي الذي تواجهه هو في تنظيم نفسها وتوحيد صفوفها ووضع الخطط التي تمكنها من العودة إلى مركز القلب من حركة الصراع الدائر في وطنها، والتحكم به لإنهاء محنة الشعب ورسم طريق الخلاص وإخراج البلاد  من حالة التمزق والتفتت والانهيار والدمار التي قادت إليها سياسة نظام التبعية والاحتلال. 
*وأخيرًا، كيف ترى الجهود الدولية من أجل التعامل مع أوضاع اللاجئين السوريين الصعبة؟
-ضعيفة ومتخبطة من دون اتساق ولا وضوح، تسير بمنطق ردود الفعل وحل المشاكل يوما بيوم، من دون رؤية شاملة ولا توقع للمستقبل. ولذلك هي تهدد بأعظم المخاطر. وهي تعبير عن الفشل العام الذي أظهره المجتمع الدولي والأمم المتحدة في معالجة القضية السورية ولا يزال، وعن  الاستهتار غير المسبوق بحياة الإنسان السوري ومصيره. 

  ردود الدولية من أجل التعامل مع أوضاع اللاجئين تفتقر إلى الرؤية الشاملة وتوقع المستقبل  

والواقع، كما عالجت الأمم المتحدة المسألة السورية باستخفاف وبأقل جهد ممكن، تعالج نتائجها باستخفاف وبأقل جهد ممكن، وتسعى إلى أن توجد الحلول ساعة بساعة وبوما بيوم، ولا تفكر في مستقبل ملايين البشر الذين فقدوا كل شيء وقبل ذلك الآلاف من أبنائهم وبناتهم وأطفالهم والأجيال العديدة التي أضاعت مستقبلها.. لن تستقيم سياسة دولية لمواجهة أزمة اللاجئين ما لم ترتبط بسياسة دولية موازية لحل المشكلة التي انبثقت عنها مشكلة اللاجئين والعمل بكل الوسائل من أجل إعادة هؤلاء إلى بلادهم وتوفير الأمن والسلام لهم في أوطانهم. الحل الوحيد لمشكلة اللجوء هو استعادة الأوطان، في سورية كما هو الحال في فلسطين وكل البلدان.


mardi, février 17, 2015

حوار مع "أنا برس": لن تنتهي الحرب إلا باتفاق الأطراف الخارجية



الفرقاء السوريون يعملون اليوم بشكل أكبر ضمن تحالفات إقليمية ودولية. الثورة السورية أراد لها الإيرانيون أن تكون انتقاما تاريخيا للفرس من العرب وللشيعة من السنة أوباما لن...
ANA.FM|PAR RADIO ANA

*بداية، السؤال الذي يدور بذهن كل عربي وسوري على وجه التحديد.. أين ومتى الحل تحديدًا لتلك الأزمة المُستمرة منذ 4 أعوام؟.. بيد من ذلك الحل؟.. وهل نُعول على التفاهمات والتداعيات الإقليمية وتغير المواقف؟
غليون :
هذا هو السؤال الأول الذي يطرحه كل سوري وأود أن يعرف كل سوري أن الإجابة عليه متوقفة على السوريين انفسهم أكثر من أي طرف آخر، سواء ما تعلق منها بالتفاهم الوطني في وجه إرادة الاحتلال أو من أجل بلورة رؤية سياسية وعهد وطني جديد.
فالحرب السورية أو على الأراضي السورية أصبحت متعددة الأبعاد، محلية وإقليمية ودولية. ولكل حرب رهاناتها وكلها متداخلة في ما بينها. والفرقاء السوريون يعملون اليوم بشكل أكبر ضمن تحالفات إقليمية ودولية. لن تنتهي الحرب من دون حصول تفاهم أو اتفاق بين الأطراف الخارجية، لكن يمكن للسوريين أن يلعبوا دورا كبيرا في تقصير أمد الحرب والمعاناة إذا نجحوا في توسيع هامش مبادرتهم كسوريين في هذا الصراع بحيث يكون لهم كلمة قوية إن لم تكن الكلمة الأولى في تقرير مصير بلادنا وفي الحرب والسلام، وهذا يستدعي العمل على محورين :
أولا تعزيز قدراتنا السورية الخاصة وشرطه توحيد جبهة المعارضة المسلحة والسياسية من خلال توحيد صفوفها وتنظيمها وتدريبها لتتحول إلى طرف قوي قادر على الوقوف في مواجهة تحالف الأسد القائم على رهن البلاد للاجنبي والعمل على هامش قوى الحرس الثوري الايراني وحزب الله والميليشيات الطائفية الأخرى العراقية والأفغانية والباكستانية وغيرها،
وثانيا العمل السياسي على عزل فريق الأسد المتآمر مع طهران على سورية وحقوق الشعب السوري واستعادة روح الألفة والتفاهم والتضامن الوطني السوري الجامع لكل السوريين.
بذلك نستطيع أن نضغط على الأطراف الأجنبية الأخرى ونفرض عليها أجندتنا الوطنية السورية والتفاهم معنا بدل التفاهم علينا ومن وراء ظهرنا بين بعضها البعض. وإذا نجحنا في ذلك يمكن أن نتقدم بسرعة نحو الحل والخروج من النفق المظلم الذي وضعنا فيه تناسل الحروب المحلية والإقليمية والدولية.
هذا يعني : نحن الأصل ومن عندنا يبدأ الحل. وغيابنا عن قضيتنا وانقسامنا على أنفسنا هو الذي يطيل أمد الحرب ويدخل كل يوم عناصر وقوى وميليشيات جديدة فيها.
من دون ذلك لن يكون هناك أمل في ايجاد أي تفاهم بين القوى الأجنبية المتنازعة علينا، والتي تنظر إلينا كفريسة فحسب.

*أين واشنطن من المعادلة –بوجهة نظرك- وهل تركت الساحة للروس للعب دور ما، بينما هي تتفرغ لملف "داعش".. وما مدى إمكانية قيامها حاليًا أو مستقبلًا بالتنسيق مع النظام في هذا الإطار؟
غليون :
لم تكن سورية في أي حقبة ماضية مركز اهتمام واشنطن. كانت دائما تعتبر في الصف المقابل، حتى بعد زوال الاتحاد السوفييتي، وتغير ايديولوجية النظام البعثي، وسيطرة المافيا المالية الأمنية على مقاليد الأمور في دمشق بشكل نهائي وكامل منذ استلام بشار الأسد السلطة. وعندما اندلعت الثورة ضمن ثورات الربيع العربي لم تكن إدارة أوباما معنية بأي شكل من أشكال الحرب الباردة أو التنافس على النفوذ مع أي قوة دولية أخرى، لا في الشرق الأوسط ولا في العالم. كانت تفكر فقط بإعادة ترتيب أوضاع الولايات المتحدة المالية والاقتصادية والاجتماعية المتهاوية بعد سلسلة من الازمات العميقة والإخفاقات العسكرية المتتالية.
ايدت واشنطن الثورة مثل ما أيدت سياسيا الثورات العربية الأخرى، لكنها لم تلتزم بدعمها. وأمام تصاعد حدة الصراع اضطر أوباما مثله مثل العديد من القادة الأوروبيين الذين يجعلون من الديمقراطية الغطاء الأخلاقي لسياستهم الداخلية والخارجية، من حدة ادانته للنظام بسبب العنف الأعمى الذي قابل به الأسد المتظاهرين السلميين، وفي تصريحات لاحقة استخدم عبارة تنحي الأسد كنوع من تشديد الضغط عليه. لكن الإدارة الأمريكية لم تفكر لحظة في تبني الثورة السورية أو دعمها بهدف تمكينها من الانتصار.
بالمقابل قفز الروس الذين لم ينسوا تهميشهم في العقدين الماضيين من قبل الغرب، كما ظهر ذلك بشكل واضح في العراق وفي ليبيا، وبتشجيع من الايرانيين الذين قرروا دعم الأسد حتى النهاية بالمال والسلاح والرجال للمحافظة على مشروعهم للهيمنة الإقليمية الذي لم يخفوه يوما، على هذه الفرصة الثمينة، واعتبروا إفشال الثورة السورية إفشالا للسياسة الغربية في العالم، من دون أي اعتبار لمستقبل الدولة السورية ومصير شعبها وأهلها وعواقب تدميرها على المنطقة كلها. وأمام هذا الهجوم الروسي الايراني في سورية لم يحرك الأمريكيون ساكنا، وما أرادوا أن يدخلوا في أي حرب باردة فما بالك بالحرب الساخنة، ولا تزال هذه هي سياستهم. أي أنهم قبلوا، هم أيضا، مثل روسيا، التضحية بسورية وشعبها وليس بثورتها فحسب، حتى يتجنبوا خوض مواجهة دولية قرر الروس خوضها، ما دامت على حساب السوريين الموالين وحلفائهم وبتمويل ايراني خالص.
بكل بساطة هرب الأمريكيون من المعركة التي أراد لها الروس والايرانيون أن تكون تحديا كبيرا للإدارة الامريكية، وتركوا السوريين وعرب المشرق المكشوفين كليا فريسة للحرب الايرانية المغطاة سياسيا ودوليا من قبل روسيا. وكانت النتيجة كما نرى اليوم : استمرت الحرب وطال أمدها وتعقد مسارها. من جهة اظهر السوريون مقاومة لا تنفذ لإرادة فرض الايرانيين وجود النظام بالقوة، واستمروا في القتال، وفشل النظام ومن ورائه طهران في حسم الحرب لصالح بقاء الأسد، وفي المقابل لم يساعد تشتت الدعم العربي، وبشكل خاص الخليجي، للثوار على قيام جيش تحرير منظم قادر على الامساك الدائم بالأراضي المحررة، وإدارة شؤونها بشكل مقبول، فبقيت تعيش في حالة من التمزق والفوضى. وجذبت الساحة السورية المفتوحة على كل الحروب منظمة القاعدة المتطرفة لبناء جبهتها الخاصة في البلاد، وتحولت الحرب من معركة سياسية يخوضها شعب عانى الأمرين من ديكتاتورية همجية ودموية مديدة، إلى حروب متعددة، في إطار حرب طائفية ومذهبية أراد لها قادة ايران المتمذهبون أن تكون انتقاما تاريخيا للفرس من العرب وللشيعة من السنة.
أمام هذا الوضع المعقد تضاءل اهتمام الإدارة الأمريكية الحالية بسورية وثورة السوريين بشكل أكبر. وهذا ما أظهره تراجع الرئيس أوباما في كل مرة عن تهديداته ووعيده، كما حصل مع الخط الاحمر المرتبط باستخدام السلاح الكيماوي من قبل النظام، ثم في ما بعد في الضغط لتطبيق قرارات مجلس الامن المتعلقة بوقف حصار التجويع والقصف بالبراميل العمياء.
تحت ضغط التيارات السياسية الجمهورية المسيطرة في الكونغرس والخائفة على مكانة أمريكا القيادية في العالم وسمعتها، وأمام استغاثات حلفاء أمريكا الإقليميين وقلق الدول الأوروبية، اضطر الرئيس أوباما للخروج على قراره بعدم التورط بأي شكل في الحرب السورية، وقبل بإرسال مستشارين أمريكيين وطائرات لقصف داعش والقوى المتطرفة الاسلامية. لكن مع الحرص البالغ على أن يؤكد أن حرب داعش لا علاقة له بالحرب السورية. ولا يزال الخلاف الرئيسي بين إدارة أوباما والقوى العربية والأوروبية القلقة من استمرار الحرب في سورية يتعلق بالضبط بتحديد أهداف التدخل الجوي الامريكي، وقصره على داعش أو إدخال مهمة دفع النظام السوري إلى تغيير سياساته إليه.
لكن من جهة ثانية، لا أعتقد أن أوباما يستطيع أن يتحمل فضيحة التنسيق مع الأسد، ولا حتى أن يفكر في ذلك. الأسد جثة متفسخة لا مكان لها اليوم من الاعراب في أي سياسة أو اتفاق إقليمي أو دولي، وتستخدم من قبل الروس والايرانيين بشكل خاص للتغطية على مشروع السيطرة والاحتلال لسورية بانتظار المساومات القادمة. إنما لا يوجد شك في أن هناك تنسيقا بين واشنطن والعراق الذي يرسل ميليشياته المذهبية القاتلة إلى سورية لدعم الأسد، وتنسيقا أكبر مع طهران التي تتطلع إلى أن تكون الشريك الرئيسي لواشنطن في الهيمنة على شؤون المشرق كله بعد توقيع الاتفاق النووي مع الخمس الكبار.
ومع ذلك، ليست هذه هي المشكلة وإنما هي مجرد استطالات لها. المشكلة هي أن إدارة أوباما تخلت عن سورية لروسيا وايران، أو بالأحرى لا تزال تعتبر أنها لا التزامات عليها تجاه الشعب السوري حتى لو اقرت ببعض الالتزامات في الحرب ضد الارهاب العالمي. ربما لا يوجد تواطؤ بمعنى التفاهم الضمني أو الرسمي مع موسكو وطهران على قتل السوريين وإحباط مشروعهم التحرري، ولكن توجد جريمة أكبر منه، هي عدم مد يد المساعدة لشعب يتعرض لحملة تطهير مذهبي ولخطر الإبادة الجماعية من قبل تحالف إقليمي ودولي واسع، وفي تحدي سافر لميثاق الأمم المتحدة ومعاهدات الحرب وحقوق الانسان وكافة القيم والمباديء والأخلاق الانسانية.

*وكيف تُقيّم الجهود الحالية:
-المصرية (حوار القاهرة) وبيانه المتضمن 10 نقاط رئيسية.
-الروسية (مباحثات موسكو).
-المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا.
غليون :
من إدراكهم أن الأمريكيين تركوا المبادرة العسكرية لهم ولحليفتهم ايران في سورية، حاول الروس أن يستغلوا تشتت المعارضة وتخبط الائتلاف الوطني في حقبة سابقة لينتزعوا المبادرة السياسية ويحضروا شروط تفاهم يضمن للأسد ونظامه البقاء في السلطة لقاء مشاركة بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة، أو التي أفرزها النظام سابقا لتجلس في مقاعد المعارضة بانتظار هذه المناسبة، في حكومة وحدة وطنية. وبالرغم من إفشال المعارضة لهذه المبادرة إلا أن موسكو مستمرة فيها، وهي تأمل في أن تستطيع حشد شخصيات أكثر في مرحلة لاحقة، وما يشجعها على ذلك هو أن المجتمع الدولي لا يزال مشلول الارادة تجاه القضية السورية، والدول الغربية، بما فيها أصدقاء الشعب السوري، غير متحمسين، في غياب إرادة أمريكية واضحة للانخراط، لأي مبادرة عسكرية أو سياسية في سورية، حتى لو تعلق الامر بمجرد دعم الجيش الحر بالسلاح.
بالنسبة لمصر، اعتقد أن مبادرتها بدعوة اطراف من المعارضة للاجتماع في القاهرة كانت من باب الحرص على عدم الغياب عن المسألة السورية وتاكيد وجودها في حال تبلور أي حل سياسي للصراع. وربما جاءت أيضا في سياق تنافس مع موسكو أو تكملة لمبادرتها، لكن فشلها كان نتيجة عدم الإلمام الكافي بالأوضاع السورية، وأوضاع المعارضة بشكل خاص، واستسهال التعامل مع قضية الثورة السورية.
هذا لا يمنع أن بإمكان مصر أن تلعب دورا كبيرا، وهو دور مطلوب من قبل جميع السوريين، من أجل وضع حد للكارثة والتوصل إلى حل يضمن وقف القتال ووحدة سورية واستقلالها والانتقال نحو نظام عادل يضمن الأمن والسلام والمساواة لجميع السوريين. إنما يتطلب ذلك أن تصب الدبلوماسية المصرية اهتمامها على كيفية تحقيق مطالب الشعب السوري وتطلعات أبنائه أكثر من اهتمامها بتعزيز دورها وموقعها في النزاعات الإقليمية والتحالفات الدولية. وهذا هو الموقف الوحيد الذي يجعل من دور مصر في حل الازمة السورية ضروريا وأساسيا في الوقت نفسه.
أما المبعوث الدولي دي ميستورا فهو يدافع عن مهمته لا أكثر ولا أقل، ويريد أن يظهر أنه يحقق شيئا ما، على الأقل كما يقول هو تخفيض وتيرة العنف. وهو في الواقع خارج "اللعبة" أو بالاحرى "الصراع" الذي يجمع اطرافا متعددة كليا، يعيش حلم نجاح ليس له أي أمل في الوجود، بالرغم من انخفاض سقفه إلى أدنى حد.

*وفيما يخص الدور الإيراني، حدثنا عن ماهية ذلك الدور.. وهل يمكن لطهران –وفق تفاهمات إقليمية- بحسب تحليلك، أن تُقدم على التخلي عن الأسد (حال توصلها لحل في ملف النووي)، وأن تُعيد سيناريو تخليها عن نوري المالكي في العراق؟

غليون :
ايران تعتبر أن سورية هي حجر الزاوية في المحور الذي أقامته باسم الهلال الأخضر الذي يربطها بالبحر المتوسط ويضمن لها، مع التمرد الحوثي في اليمن، تطويق الجزيرة العربية ومحاذاة اسرائيل، اي الغرب، والتحول إلى قوة دولية تلعب بالمشرق كله لصالحها، وتحصد لوحدها ريع الأمن والسلام الذي تحلم أن تضمنه للجميع، وبشكل خاص لاسرائيل والمصالح الغربية. حلم ايران ليس أن تكون جزءا من المنطقة ودولة قوية فيها ندا للدول الاخرى، كمصر وتركيا والسعودية وغيرها، وإنما ندا لأوروبة وأمريكا والغرب عامة، وهذا لا يتحقق إلا بسيطرتها على المشرق كله وتحييدها أو شلها لإرادة دوله الكبرى وتحويلها إلى أدوات في يدها. ولذلك هي لا ترى في سورية سوى حجرة تستخدمها في بناء هيكل نفوذ أوسع، وليس لها استراتيجية أخرى لتحقيق أهدافها سوى التخريب من داخل هذه الدول بتبني مطالب بعض أقلياتها المذهبية أو الاجتماعية وبث الفوضى والانقسام فيها.
لا يعني هذا أنها لن تتخلى عن الأسد. الأسد ليس سوى ورقة تستخدمها للتغطية على دورها في بسط سيطرتها على سورية من وراء غلالة شرعية الاسد المنهارة وبالتحالف معه. لكنها تستطيع في أي لحظة أن تتخلى عنه إذا وجدت أن من المفيد، لتأمين هذه السيطرة أو تثبيتها، تغييره. ومنذ الآن نجحت طهران في تغيير نظام الأسد وأحلت محله نظام الحرس الثوري الايراني، وجعلت رئيسه معلقا في الفراغ. وهذا ما يسمح لها بالتوسع من دون حدود في السيطرة العسكرية على البلاد وفرض الأمر الواقع على الأسد نفسه وتحويله إلى دمية تستخدمها لإضفاء نوع من الشرعية المحلية على النظام الجديد الذي أقامته. لذلك لم نعد نسمع في سورية لا عن حزب البعث ولا حتى عن قوة الأجهزة الامنية التسلطية التي يقودها الأسد ويمثلها في قمة السلطة وإنما عن الميليشيات المذهبية المحلية والعراقية والايرانية، وحزب الله اللبناني والسوري، وقوات الباسيج السورية التي بدأ الحرس الثوري الايراني تدريبها على أنقاض ما سمي ب"جيش الدفاع الوطني ».
توقيع اتفاق انهاء الملف النووي مع الغرب لن يخفف من أطماع طهران الإقليمية وإنما يمكن أن يعيد إطلاقها بشكل أكبر إن لم يترافق بإجبارها على وضع حد لطموحاتها وببلورة قوة إقليمية، والمقصود هنا، تحالفا عربيا تركيا يعيد للمنطقة التوازنات الاستراتيجية الضرورية لكبح جماح أي طرف يريد ان يبسط سيطرته على الجميع.
*وفيما يتعلق بتنظيم داعش، بم تفسر إقدّام التحالف على الإعداد لمواجهة بريّة من خلال الجيش العراقي ضد "داعش".. بينما لا يتزامن ذلك الأمر مع سيناريو مماثل في سوريا؟
غليون :
منذ البداية أعلن الأمريكيون الذين يشكلون القوة الرئيسية في الحرب ضد داعش أن مهمتهم هي ضرب داعش في العراق وليس في سورية في هذه المرحلة. وهم يشعرون أن لهم مصالح كبرى في هذا البلد كما ان عليهم، بسبب دورهم في إنشاء النظام، التزامات تجاهه، بالإضافة إلى أن العراق ليس قطرا موضع تنازع مع دول أخرى، كروسيا مثلا، وإنما هو ، وكما تريده إدارة أوباما، مثالا للتعاون المنشود بين واشنطن وطهران.
سورية ليست كذلك. ليس للأمريكيين فيها نفوذ سابق خاص معترف به، وهي موضع تنازع مع الروس ودول أخرى قريبة منهم، وليس من المسلم به أن تكون ساحة تعاون مع طهران. فهي لا تزال ساحة حرب وموضوع تنازع بين أطراف عديدة. وبالتالي لا لا تعتقد واشنطن أن من مصلحتها أن تحتكر القرار فيها أو حتى أن تستثمر في الدفاع عن سورية وتخليصها من محنتها. قتال داعش حتى في سورية مستقل في نظر أوباما عن المسألة السورية تماما. وهذه مشكلتنا أصلا مع هذه السياسة التي تعني التضحية الكاملة بسورية وشعبها.
*هل تعتقد أن التحالف الدولي جاد في سبيل سعيه نحو إنهاء داعش.. وكيف تقيم أدائه العملي؟
غليون :
تشكل داعش تهديدا للغرب والولايات المتحدة بالتاكيد، لكن ليس كبيرا ولا على المدى القصير. و إنهاء داعش ليس مصلحة عاجلة للولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي. وهو ليس من التحديات الخطيرة والكبيرة لها كما يبدو في الاعلام. تستطيع أمريكا أن تقضي عليه حالما تريد، وتحوله إلى بؤر ارهابية صغيرة ليست ذات تأثير كبير. ومن هنا هي ليست في عجلة من أمرها في هذا الموضوع، بالإضافة إلى أنها تستطيع ان تستفيد من داعش ومن الحرب على داعش في الدفع نحو العديد من التسوبات أو نحو خيارات اقليمية يمكن أن تفيدها في المستقبل. التلاعب بقوة داعش لا يزال هو الأولى من القضاء على داعش، ليس بالنسبة لواشنطن فحسب وإنما للعديد من القوى الإقليمية والدولية.
*ما المطلوب -عربيًا- من وجهة نظرك لدعم الثورة السورية؟
غليون :
سورية جزء من الوطن العربي، وعضو مؤسس في الجامعة العربية، وقلب العروبة النابض كما أطلق عليها جمال عبد الناصر، عن حق. وهي بالفعل في مركز القلب من المشرق العربي. تركها تغرق بدمائها وتسقط تحت الاحتلال الأجنبي والميليشيات المذهبية يعني استسلام عربي كامل واعتراف بالفشل، وتعبير عن شلل الإرادة للمجموعة العربية كاملة أمام المخاطر التي تتعرض لها شعوب المنطقة وتشجيع جميع خصوم الدول العربية على التحرش بهذه الدول والاعتداء عليها، بما في ذلك ميلشيات المرتزقة والمجموعات الارهابية، وفي النهاية خسارة كل الجهود التي بذلتها بلدان المنطقة للحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن الإقليمي.
كان على الدول العربية ولا يزال أن تعتبر قضية الحرب الدموية في سورية قضية عربية اولا، وتدعم مبادرتها السياسية - التي تبنتها في ما بعد الأمم المتحدة وتحولت إلى مبادرة أممية فاشلة بسبب غياب آليات العمل وأدوات التنفيذ- بمبادرة عسكرية تفرض على الأطراف السورية الإذعان لمبادئها وشروطها، وتضع حدا لسفك الدماء وتمزيق البلاد وتسابق المجموعات الارهابية والميليشيات المذهبية على السيطرة على أراضيها وإقامة إمارات خاصة فيها.
فأمن سورية هو جزء أساسي من أمن المشرق العربي حقيقة وليس على سبيل المبالغة. وسوف يتأكد ذلك أكثر مع الزمن بعد أن تظهر آثار تساقطات أزمتها على الدول العربية القريبة والبعيدة، بل على العالم أجمع. ويكفي الإشارة منذ الآن إلى الخلل الاستراتيجي الذي أدت إليه بتمكينها طهران وحلفائها من تطويق الجزيرة العربية، وتهميش مصر وشمال أفريقيا وإخراجها من المنطقة، وإطلاق شياطين الحرب المذهبية والطائفية الإقليمية التي تهدد الجميع، وتفكيك نسيج المجتمع السوري ودفع الملايين من أبنائه إلى اللجوء والتشرد والضياع، وما يعني ذلك من كارثة انسانية للسوريين ولعموم المنطقة، من دون الحديث عما أصبحت الأرض السورية تمثله من مرتع لبؤر التطرف الديني وغير الديني ومن قطب جذب لجميع العصابات الدموية إلى المنطقة.
والحال أن الدول العربية استهانت بالصراع السوري، ورمت مسؤوليه حله على الأمم المتحدة مع علمها بأن مجلس الامن معطل ولن يكون هناك أي تدخل دولي. واستمرت في سياسة النعامة خلال سنوات أربع طويلة من دون أي رد فعل، واكتفت بتقديم فتات الدعم المادي والعسكري والسياسي لقوى مدنية تسلحت على عجل، ولم تعرف حتى كيف تساعدها على ضبط تنظيمها وتدريبها وتأهيلها، واستهانت بإرادة الهيمنة الايرانية وتركتها تحقق اهدافها من دون أي رد فعل. فأعلنت طهران سيطرتها على باب المندب وإلحاق اليمن بأمبرطوريتها صراحة وبإرادتها في تطوير مبادرتها العسكرية لتشمل دول الخليج في المستقبل. وبهذا تكون الدول العربية قد فتحت أبوابها لكل المخاطر والتهديدات.
لم يتغير الوضع منذ بداية الثورة السورية إلى الآن، لا يزال المجتمع الدولي مستنكفا عن القيام بأي مبادرة تجاه الصراع السوري، ولا تزال ايران تسعى من خلال ميليشياتها المذهبية وأكثر فأكثر من خلال قواتها الرسمية الخاصة لملء الفراغ، بينما يقف العالم العربي متفرجا على ما يجري، أي على تقويض أسس استقراره وسلامه الوطني والاهلي، وتفجير مجتمعاته من الداخل، حالما بأن يأتي الحل من السماء.
ما كان على العالم العربي أن يفعله لا يزال يحتاج إلى أن ينجز، ولو أن تكاليفه ومخاطره الانسانية والسياسية والعسكرية أصبحت أكثر بكثير. لكن الاستمرار في عدم الفعل لن يحل شيئا ولكنه سيزيد من تفاقم الأزمة والتهديدات الخطيرة النابعة منها ويوسع من دائرة انتشارها على اتساع المشرق العربي وغير العربي.
*وكيف تقيم أداء المعارضة السورية فيما يتعلق بالملفات المطروحة حاليًا؟ ولاسيما الائتلاف الوطني.. والخلافات الدائرة بين أطراف المعارضة السورية المختلفة؟.. وهل تم استبعاد المعارضة وتقليص دورها من قبل الغرب، لمصلحة التنسيق مع النظام بعد تمدد داعش؟
غليون :
ضعف المعارضة المتجسد في تشتتها وبؤس تنظيمها وأدائها هو جزء من المشكلة من دون شك. لكن جذوره ليست مفصولة عن السياق الذي جاءت فيه. فهو أولا ثمرة سياسات العزل والإقصاء والارهاب التي مارستها ديكتاتورية همجية منحطة على المجتمع خلال نصف قرن، وثانيا تخلي المجتمع الدولي عنها وتركها تواجه لوحدها حرب التدخل الأجنبي الايراني وميليشياتها الطائفية الوحشية وغياب روح المبادرة وإرادة الفعل، وثالثا نتيجة الانخراط العشوائي والمتخبط للطرف العربي المنقسم وتهافت رد فعل الجامعة العربية وقبولها بالموت السريري لأحلامها ومشاريعها.
لكن مشكلة المعارضة لا تكمن في الخوف من تخلي المجتمع الدولي عنها او احتمال تنسيقه مع النظام. هذه هي رؤية النظام الهالك للامر. لن يتخلى المجتمع الدولي عنها، ولو لم تكن موجودة لكان عليه أن يخلقها لأنه بحاجة إليها للتوصل إلى أي حل في المستقبل، ولن ينسق الغرب مع النظام لانه لم يعد له وجود، ما دام ينسق مباشرة مع طهران الحاكمة الحقيقية في سورية. لكن هذا لا يعني اي نجاح او انتصار.
مشكلة المعارضة أو بالأحرى التحدي الذي تواجهه هو في تنظيم نفسها وتوحيد صفوفها ووضع الخطط التي تمكنها من العودة إلى مركز القلب من حركة الصراع الدائر في وطنها، والتحكم به لإنهاء محنة الشعب ورسم طريق الخلاص وإخراج البلاد من حالة التمزق والتفتت والانهيار والدمار التي قادت إليها سياسة نظام التبعية والاحتلال.

*وأخيرًا، كيف ترى الجهود الدولية من أجل التعامل مع أوضاع اللاجئين السوريين الصعبة؟
غليون :
ضعيفة ومتخبطة من دون اتساق ولا وضوح، تسير بمنطق ردود الفعل وحل المشاكل يوما بيوم، من دون رؤية شاملة ولا توقع للمستقبل. ولذلك هي تهدد بأعظم المخاطر. وهي تعبير عن الفشل العام الذي أظهره المجتمع الدولي والامم المتحدة في معالجة القضية السورية ولا يزال، وعن الاستهتار غير المسبوق بحياة الانسان السوري ومصيره.
والواقع، كما عالجت الأمم المتحدة المسألة السورية باستخفاف وبأقل جهد ممكن، تعالج نتائجها باستخفاف وبأقل جهد ممكن، وتسعى إلى أن توجد الحلول ساعة بساعة وبوما بيوم، ولا تفكر في مستقبل ملايين البشر الذين فقدوا كل شيء وقبل ذلك الآلاف من أبنائهم وبناتهم وأطفالهم والأجيال العديدة التي أضاعت مستقبلها.

لن تستقيم سياسة دولية لمواجهة أزمة اللاجئين ما لم ترتبط بسياسة دولية موازية لحل المشكلة التي انبثقت عنها مشكلة اللاجئين والعمل بكل الوسائل من أجل إعادة هؤلاء إلى بلادهم وتوفير الامن والسلام لهم في أوطانهم. الحل الوحيد لمشكلة اللجوء هو استعادة الأوطان، في سورية كما هو الحال في فلسطين وكل البلدان.