mercredi, février 18, 2015

حوار مع أنا برس ٢

برهان غليون في الجزء الثاني من حواره مع "أنا برس": سياسة واشنطن تعني التضحية بسوريا

  
 
   
 15:41


Story Image
د. برهان غليون
" تشكل داعش تهديدا للغرب والولايات المتحدة بالتأكيد، لكن ليس كبيرا ولا على المدى القصير "
" أمن سورية هو جزء أساسي من أمن المشرق العربي حقيقة وليس على سبيل المبالغة "
"الدول العربية استهانت بالصراع السوري ورمت مسؤولية حله على الأمم المتحدة "
" ضعف المعارضة المتجسد في تشتتها وبؤس تنظيمها وأدائها هو جزء من المشكلة "

يواصل "أنا برس" نشر حواره مع المفكر السوري البارز الدكتور برهان غليون، وهو الحوار الذي تحدث في جزئه الأول المنشور، أمس الثلاثاء (على الرابط التالي: http://cutt.us/MPByq)، حول المواقف الدولية من الأزمة السورية، وأجاب فيه عن السؤال الأصعب "ما شكل الحل المناسب للأزمة السورية؟".. بينما يتحدث "غليون" في الجزء الثاني من الحوار حول تهديدات تنظيم الدولة "داعش"، والمطلوب عربيًا لدعم الثورة السورية، كما يقيم أداء المعارضة السورية، خاصة الائتلاف الوطني.. ويختتم حديثه حول أوضاع اللاجئين السوريين حول العالم، والظروف الصعبة التي يواجهونها.. وإلى تفاصيل الجزء الثاني والأخير
*فيما يتعلق بتنظيم داعش، بم تفسر إقدّام التحالف على الإعداد لمواجهة بريّة من خلال الجيش العراقي ضد "داعش".. بينما لا يتزامن ذلك الأمر مع سيناريو مماثل في سوريا؟
-منذ البداية أعلن الأمريكيون الذين يشكلون القوة الرئيسية في الحرب ضد داعش أن مهمتهم هي ضرب داعش في العراق وليس في سورية في هذه المرحلة. وهم يشعرون أن لهم مصالح كبرى في هذا البلد كما أن عليهم، بسبب دورهم في إنشاء النظام، التزامات تجاهه، بالإضافة إلى أن العراق ليس قطرا موضع تنازع مع دول أخرى، كروسيا مثلا، وإنما هو ، وكما تريده إدارة أوباما، مثالا للتعاون المنشود بين واشنطن وطهران.  
سورية ليست كذلك. ليس للأمريكيين فيها نفوذ سابق خاص معترف به، وهي موضع تنازع مع الروس ودول أخرى قريبة منهم، وليس من المسلم به أن تكون ساحة تعاون مع طهران. فهي لا تزال ساحة حرب وموضوع تنازع بين أطراف عديدة. وبالتالي لا تعتقد واشنطن أن من مصلحتها أن تحتكر القرار فيها أو حتى أن تستثمر في الدفاع عن سورية وتخليصها من محنتها. قتال داعش حتى في سورية مستقل في نظر أوباما عن المسألة السورية تماما. وهذه مشكلتنا أصلا مع هذه السياسة التي تعني التضحية الكاملة بسورية وشعبها.

  قتال داعش حتى في سورية مستقل في نظر أوباما عن المسألة السورية تماما  
*هل تعتقد أن التحالف الدولي جاد في سبيل سعيه نحو إنهاء داعش.. وكيف تقيم أدائه العملي؟
-تشكل داعش تهديدا للغرب والولايات المتحدة بالتأكيد، لكن ليس كبيرا ولا على المدى القصير. و إنهاء داعش ليس مصلحة عاجلة للولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي. وهو ليس من التحديات الخطيرة والكبيرة لها كما يبدو في الإعلام. تستطيع أمريكا أن تقضي عليه حالما تريد، وتحوله إلى بؤر إرهابية صغيرة ليست ذات تأثير كبير. ومن هنا هي ليست  في عجلة من أمرها في هذا الموضوع، بالإضافة إلى أنها تستطيع ان تستفيد من داعش ومن الحرب على داعش في الدفع نحو العديد من التسويات أو نحو خيارات إقليمية يمكن أن تفيدها في المستقبل. التلاعب بقوة داعش لا يزال هو الأولى من القضاء على داعش، ليس بالنسبة لواشنطن فحسب وإنما للعديد من القوى الإقليمية والدولية. 
*وما المطلوب -عربيًا- من وجهة نظرك لدعم الثورة السورية؟
-سورية جزء من الوطن العربي، وعضو مؤسس في الجامعة العربية، وقلب العروبة النابض كما أطلق عليها جمال عبد الناصر، عن حق. وهي بالفعل في مركز القلب من المشرق العربي. تركها تغرق بدمائها وتسقط تحت الاحتلال الأجنبي والميليشيات المذهبية يعني استسلام عربي كامل واعتراف بالفشل، وتعبير عن شلل الإرادة للمجموعة العربية كاملة أمام المخاطر التي تتعرض لها شعوب المنطقة وتشجيع جميع خصوم الدول العربية على التحرش بهذه الدول والاعتداء عليها، بما في ذلك ميلشيات المرتزقة والمجموعات الارهابية، وفي النهاية خسارة كل الجهود التي بذلتها بلدان المنطقة للحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن الإقليمي.  
كان على الدول العربية ولا يزال أن تعتبر قضية الحرب الدموية في سورية قضية عربية أولا، وتدعم مبادرتها السياسية - التي تبنتها في ما بعد الأمم المتحدة وتحولت إلى مبادرة أممية فاشلة بسبب غياب آليات العمل وأدوات التنفيذ-  بمبادرة عسكرية تفرض على الأطراف السورية الإذعان لمبادئها وشروطها، وتضع حدا لسفك الدماء وتمزيق البلاد وتسابق المجموعات الإرهابية والميليشيات المذهبية على السيطرة على أراضيها وإقامة إمارات خاصة فيها. 
فأمن سورية هو جزء أساسي من أمن المشرق العربي حقيقة وليس على سبيل المبالغة. وسوف يتأكد ذلك أكثر مع الزمن بعد أن تظهر آثار تساقطات أزمتها على الدول العربية القريبة والبعيدة، بل على العالم أجمع. ويكفي الإشارة منذ الآن إلى الخلل الاستراتيجي الذي أدت إليه بتمكينها طهران وحلفائها من تطويق الجزيرة العربية، وتهميش مصر وشمال أفريقيا وإخراجها من المنطقة، وإطلاق شياطين الحرب المذهبية والطائفية الإقليمية التي تهدد الجميع، وتفكيك نسيج المجتمع السوري ودفع الملايين من أبنائه إلى اللجوء والتشرد والضياع، وما يعني ذلك من كارثة إنسانية للسوريين ولعموم المنطقة، من دون الحديث عما أصبحت الأرض السورية تمثله من مرتع لبؤر التطرف الديني وغير الديني ومن قطب جذب لجميع العصابات الدموية إلى المنطقة.
والحال أن الدول العربية استهانت بالصراع السوري، ورمت مسؤولية حله على الأمم المتحدة مع علمها بأن مجلس الأمن معطل ولن يكون هناك أي تدخل دولي. واستمرت في سياسة النعامة خلال سنوات أربع طويلة من دون أي رد فعل، واكتفت بتقديم فتات الدعم المادي والعسكري والسياسي لقوى مدنية تسلحت على عجل، ولم تعرف حتى كيف تساعدها على ضبط تنظيمها وتدريبها وتأهيلها، واستهانت بإرادة الهيمنة الايرانية وتركتها تحقق أهدافها من دون أي رد فعل. فأعلنت طهران سيطرتها على باب المندب وإلحاق اليمن بإمبراطوريتها صراحة وبإرادتها في تطوير مبادرتها العسكرية لتشمل دول الخليج في المستقبل. وبهذا تكون الدول العربية قد فتحت أبوابها لكل المخاطر والتهديدات.
لم يتغير الوضع منذ بداية الثورة السورية إلى الآن، لا يزال المجتمع الدولي مستنكفا عن القيام بأي مبادرة تجاه الصراع السوري، ولا تزال إيران تسعى من خلال ميليشياتها المذهبية وأكثر فأكثر من خلال قواتها الرسمية الخاصة لملء الفراغ، بينما يقف العالم العربي متفرجا على ما يجري، أي على تقويض أسس استقراره وسلامه الوطني والأهلي، وتفجير مجتمعاته من الداخل، حالما بأن يأتي الحل من السماء.  
ما كان على العالم العربي أن يفعله لا يزال يحتاج إلى أن ينجز، ولو أن تكاليفه ومخاطره الإنسانية والسياسية والعسكرية أصبحت أكثر بكثير. لكن الاستمرار في عدم الفعل لن يحل شيئا ولكنه سيزيد من تفاقم الأزمة والتهديدات الخطيرة النابعة منها ويوسع من دائرة انتشارها على اتساع المشرق العربي وغير العربي.

  إنهاء داعش ليس مصلحة عاجلة للولايات المتحدة  وهو ليس من التحديات الخطيرة والكبيرة لها كما يبدو في الإعلام  

*وكيف تقيم أداء المعارضة السورية فيما يتعلق بالملفات المطروحة حاليًا؟ ولاسيما الائتلاف الوطني.. والخلافات الدائرة بين أطراف المعارضة السورية المختلفة؟.. وهل تم استبعاد المعارضة وتقليص دورها من قبل الغرب، لمصلحة التنسيق مع النظام بعد تمدد داعش؟
-ضعف المعارضة المتجسد في تشتتها وبؤس تنظيمها وأدائها هو جزء من المشكلة من دون شك. لكن جذوره ليست مفصولة عن السياق الذي جاءت فيه. فهو أولا ثمرة سياسات العزل والإقصاء والإرهاب التي مارستها ديكتاتورية همجية منحطة على المجتمع خلال نصف قرن، وثانيا تخلي المجتمع الدولي عنها وتركها تواجه لوحدها حرب التدخل الأجنبي الإيراني وميليشياتها الطائفية الوحشية وغياب روح المبادرة وإرادة الفعل، وثالثا نتيجة الانخراط العشوائي والمتخبط للطرف العربي المنقسم وتهافت رد فعل الجامعة العربية وقبولها بالموت السريري لأحلامها ومشاريعها. 
لكن مشكلة المعارضة لا تكمن في الخوف من تخلي المجتمع الدولي عنها او احتمال تنسيقه مع النظام. هذه هي رؤية النظام الهالك للأمر. لن يتخلى المجتمع الدولي عنها، ولو لم تكن موجودة لكان عليه أن يخلقها لأنه بحاجة إليها للتوصل إلى أي حل في المستقبل، ولن ينسق الغرب مع النظام لأنه لم يعد له وجود، ما دام ينسق مباشرة مع طهران الحاكمة الحقيقية في سورية. لكن هذا لا يعني أي نجاح أو انتصار. 
مشكلة المعارضة أو بالأحرى التحدي الذي تواجهه هو في تنظيم نفسها وتوحيد صفوفها ووضع الخطط التي تمكنها من العودة إلى مركز القلب من حركة الصراع الدائر في وطنها، والتحكم به لإنهاء محنة الشعب ورسم طريق الخلاص وإخراج البلاد  من حالة التمزق والتفتت والانهيار والدمار التي قادت إليها سياسة نظام التبعية والاحتلال. 
*وأخيرًا، كيف ترى الجهود الدولية من أجل التعامل مع أوضاع اللاجئين السوريين الصعبة؟
-ضعيفة ومتخبطة من دون اتساق ولا وضوح، تسير بمنطق ردود الفعل وحل المشاكل يوما بيوم، من دون رؤية شاملة ولا توقع للمستقبل. ولذلك هي تهدد بأعظم المخاطر. وهي تعبير عن الفشل العام الذي أظهره المجتمع الدولي والأمم المتحدة في معالجة القضية السورية ولا يزال، وعن  الاستهتار غير المسبوق بحياة الإنسان السوري ومصيره. 

  ردود الدولية من أجل التعامل مع أوضاع اللاجئين تفتقر إلى الرؤية الشاملة وتوقع المستقبل  

والواقع، كما عالجت الأمم المتحدة المسألة السورية باستخفاف وبأقل جهد ممكن، تعالج نتائجها باستخفاف وبأقل جهد ممكن، وتسعى إلى أن توجد الحلول ساعة بساعة وبوما بيوم، ولا تفكر في مستقبل ملايين البشر الذين فقدوا كل شيء وقبل ذلك الآلاف من أبنائهم وبناتهم وأطفالهم والأجيال العديدة التي أضاعت مستقبلها.. لن تستقيم سياسة دولية لمواجهة أزمة اللاجئين ما لم ترتبط بسياسة دولية موازية لحل المشكلة التي انبثقت عنها مشكلة اللاجئين والعمل بكل الوسائل من أجل إعادة هؤلاء إلى بلادهم وتوفير الأمن والسلام لهم في أوطانهم. الحل الوحيد لمشكلة اللجوء هو استعادة الأوطان، في سورية كما هو الحال في فلسطين وكل البلدان.


Aucun commentaire: