8 فبراير 2015
بعد فشل المجتمع الدولي، الممثل بالأمم المتحدة، وتجمع أصدقاء سورية الذي ضم أكثر من مائة دولة، في الوفاء بالتزاماته تجاه قضية الشعب السوري، برزت أصوات متزايدة، هنا وهناك، تحاول استغلال الكارثة التي يمثلها صعود تنظيم الدولة، لدفع العالم إلى التخلي عن مسؤولياته تجاه السوريين، والسعي إلى إعادة تكدين نظام الأسد في ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وهي إعلان حرب يهدف إلى التلاعب بالإرهاب، أكثر من العمل الجدي لإنهائه.
لكن الرأي العام الدولي، الرسمي والشعبي يعرف، اليوم أكثر من أي وقت سابق، أن الأسد لا يمكن أن يكون شريكاً في الحرب ضد الإرهاب، بعد أن كان المصنع الرئيسي له، ولا يزال يستخدمه في حربه ضد شعبه، بل ضد مقاتليه أنفسهم، لدفعهم إلى الاستمرار في الحرب التي فقدوا الأمل في ربحها، ولم يعد لها في نظرهم أي هدف سوى حماية طغمة صغيرة من مرتزقة النظام، والمنتفعين منه. ويدرك الرأي العام الدولي، أيضاً، أن أي مشاركة للأسد في مثل هذه الحرب سوف تكون أكبر هدية يقدمها التحالف الدولي لتنظيم داعش، بمقدار ما يقضي على نفسه كتحالف يستمد شرعيته من رفض الإرهاب، وما يثيره من رد فعل واعتراض عند ضحايا إرهاب الأسد أنفسهم.
كان الإرهاب المرتبط بالتلاعب بالحركات الجهادية سلاح الأسد الأمضى، في العقود الطويلة الماضية، في تأمين نفوذه وتعزيز علاقاته الدولية ومكاسبه الإقليمية، بما يعني تصنيع الإرهاب، والتهديد باستخدامه، والسيطرة عليه، في الوقت نفسه. بهذا التحكم بالإرهاب، أقنع الأسد الدول العربية والغربية بأنه نظام قوي، وقوة لا يمكن الاستغناء عنها، لحفظ الأمن والسلام والاستقرار، وأن في وسعه أن يستخدم قوته، أي السيطرة على الإرهاب ضد خصومه، كما يمكن أن يستخدمها لصالح أصدقائه.
وقد استفاد الأسد في بناء استراتيجية تسييس الإرهاب وتأهيله، والعمل به على حافة القانون والعرف الدولي، من وجود الحركات الإسلامية الجهادية الناقمة، التي كانت تنمو على هامش أزمة الدولة الوطنية العربية، وفشلها في بناء مواطنة فعلية، وتفتقر لمرفأ أمان، فربط معها باسم الثورة، أو دعم المعارضة، أو المقاومة للصهيونية والغرب، بما في ذلك مع مقاتلين وقادة وجماعات تخلت عنهم الدول الغربية، بعد أن استغلتهم في حربها ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. وصار، وهو النظام الذي يدعي العلمانية المغالية، أكثر النظم رعاية لحركات التطرف الإسلامية، ودعماً لها ضد الدول الإقليمية، والمستخدم الأول لها في العالم، بدلا من
الدبلوماسية أو الحرب، لحل مشكلاته في المشرق، تجاه دول الخليج والعراق، وفي أوروبا وفي جنوب لبنان تجاه إسرائيل. وظف الأسد هذه القوة المتمردة والمعارضة الإسلامية، ذات الأهداف المثالية غير العقلانية ومستحيلة التحقيق، في خدمه استراتيجيته، وأهدافها الملموسة جدا والبراغماتية والانتهازية من دون حدود: الدفاع عن نفسه ضد المعارضة المحتملة لحكمه، وتوسيع نفوذه الإقليمي خارج حدوده، والحصول على ريع التهديد والحماية من الدول الأخرى، مكاسب عينية مادية، أو نفوذ ومواقع مراقبة وإشراف وتعاون أمني.
التحكم بالحركات الجهادية المتطرفة، وتحويل عملها من جهادية دينية إلى أعمال إرهابية تنتظم ضمن استراتيجية الدولة والنظام في دمشق، واستخدامها، حسب أجندة سياسية وعسكرية مدروسة، لتحقيق أهداف واقعية ممكنة، هذا هو مصدر قوة النظام السوري منذ أربعين عاماً، وهو الذي مكّن قادته من العمل في المنطقة والعالم بقاعدة قاطع طريق، ينتزع العوائد من خدمات الحماية التي يقدمها للعابرين، أو أصحاب المصالح ولمصالحهم، ضد التهديدات التي يتحكم هو بتوجيهها من دون أن يتهم بصناعتها. ومن دون هذا التلاقي بين نظام مافيوي، لا يملك أي محتوى وطني أو اجتماعي أو إنساني. أي، باختصار، ليس له أية أهداف أو هموم أو قضايا عامة من أي نوع كانت، وهذه الحركات الجهادية التي تؤهل أفرادها للموت والتضحية، من دون ثمن. لكن، من دون أهداف عقلانية، ممكنة التحقيق، واضحة أو قريبة (تطبيق تصور للإسلام أول ما يخرج منه المسلمون الذين يحولهم إلى كفرة ضالين). أقول من دون ذلك، ما كان بإمكان الأسد، ونظامه، أن يصل إلى ما وصل إليه من استقرار داخلي وقوة ونفوذ في الخارج، ولا أن يرتكب أكبر الجرائم ضد الإنسانية، من دون أن يتم القبض عليه بالجرم المشهود، راعياً رئيسياً للإرهاب الإقليمي والدولي.
على يد الأسد، أصبح الإرهاب سياسة كبرى، وأصبح التهديد بالإرهاب، والمشاركة في مواجهته، في الوقت نفسه، التجارة الإقليمية والمهنة الرئيسية للنظام، والتي يرتبط بنجاحها مصير جميع المهن والوظائف الأخرى، العسكرية والإدارية والاقتصادية الداخلية.
لكن مهنة الإرهاب قبل أن تصبح تجارة دولية كانت عند نظام الأسد في الأصل مهنة محلية، أو "وطنية"، وكان التعامل بالإرهاب المضمون الوحيد للممارسة السياسية داخل الدولة، والوسيلة الرئيسية للحكم وفرض الهيبة والهيمنة والنفوذ، داخل البلاد نفسها، على الشعب والمجتمع. وهذه المعادلة التي جمعت بين مافيا الأسد وسياسة الإرهاب وحركات الجهاد الإسلامية السائبة والمضيعة، وجمعتهما في مشاريع مشتركة، هي التي انهارت، أو في طريقها إلى الانهيار، اليوم، ومعها النظام الذي ركبها، وعاش عليها، واستمد القوة والنفوذ والمنعة منها.
انهارت هذه المعادلة في الداخل، باندلاع الثورة السورية التي كانت، قبل أي شيء آخر، ثورة ضد الحكم بالإرهاب، وعن طريق الإرهاب، واستناداً إلى الأجهزة الأمنية، وتهديدها الدائم حياة الأفراد ومصالحهم وحقوقهم وأمنهم ومعيشتهم، بعيداً عن أي وهم شرعية سياسية أو قانونية. ولم ينجح التصعيد في الإرهاب، أي سياسة القتل المنهجي والمنظم والدائم، كما أظهرته عملية قنص المتظاهرين المدنيين، ثم مواجهتهم برصاص الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ثم باستخدام الأسلحة الكيماوية، وأكثر فأكثر، برمي البراميل المتفجرة العمياء اليومي، في خلق الخوف الذي لا يعيش من دونه الإرهاب، ولا يستقيم ولا يستمر. ظل السوريون يواجهون النظام، ويرفضون الإذعان لتهديداته، أو التراجع أمام عنفه. انهار نظام الإرهاب، الذي تحول إلى حرب على الشعب، شاملة وبكل الأسلحة، في الداخل، وانفضح أمره عند الحركات الجهادية نفسها التي كان يستمد منها القوة. واضطر من أجل بقائه في مواجهة قوى المقاومة الشعبية الحرة إلى الاستنجاد بالأجنبي، والسقوط في أحضان نظام العمامات في طهران، وتسليمهم مقاليد السطلة والنفوذ في دمشق. بعد أن كان يتلاعب بالآخرين، أصبح جزءا من الوسائل التي يتلاعب بها إيرانيو الحرس الثوري، ويستخدمونها للدفاع عن مصالحهم القومية/الطائفية في الإقليم كله، ولم يعد للأسد ونظامه أساس أو حاضر أو مستقبل. أصبح مجرد قاعدةٍ، تنتصب عليها إرادة الاحتلال الأجنبي.
وانهارت هذه المعادلة نفسها، وما ارتبط بها من استخدام التطرف الديني، كجزء من استراتيجية ترتيب علاقات النظام الدولية، وتنسيقها، في الخارجين، الإقليمي والدولي، أيضا. فقد أدى انهيار الدولة السورية، والفراغ الذي أحدثه، إلى حصول طفرة قوية في الحركات الجهادية، حررت الكثير منها من ارتهانها للنظام. وعلى الرغم من احتفاظه بعدد كبير من العناصر وبعلاقات قوية، ربما مع العديد من قادة تنظيم الدولة وغيرها، إلا أن تطور الأحداث يدفع في اتجاه فك التحالف القديم بين الحركات الجهادية الدولية والنظام، وتنامي نزوع هذه الحركات إلى الاستقلال، مع تزايد طموحها إلى أن تشكل مشروعا بديلا، أكثر ما يعبر عنه إطلاق اسم دولة الخلافة على القوة والنفوذ الجديدين اللذيْن نشأا على إثر انحسار نفوذ الدولتين، السورية والعراقية، في شرق سورية وغرب العراق.
فقد النظام السوري قوته الرئيسية ووسائل مناورته الاستراتيجية التقليدية، وموارده، وأدوات عمله، ومعها مهاراته غير التقليدية في تصنيع الإرهاب واستخدامه، بموازاة فقدانه السيطرة على الحركات الجهادية والتكفيرية، وحرية التلاعب بها. ولن تستطيع الأجهزة الأمنية التي بقيت تحت سيطرته أن تقوم بدور أكبر من تنسيق علاقات المافيا السورية مع دولة الوصاية والحماية الجديدة الصاعدة، وتلقي الأوامر من قادة الحرس الثوري الإيراني وتنفيذها، أو التهرب منها. وإذا كان هناك بعد، من بين الساسة العالميين، من يفكر بتشغيل الأسد ونظامه، على سبيل الاستفادة من الموقع القانوني والاستراتيجي الذي لا يزال يحتله باسم الدولة السورية، فهو نظام الحرس الثوري الإيراني وحده.
لم يعد لدى الأسد ما يقدمه في الحرب ضد الإرهاب الذي كان سلاحه الأمضى. سقط النظام المراهن على الإرهاب، وهو يدمر نفسه بنفسه، بمقدار ما يصر على تدمير بلده وقتل شعبه، وينهي وجود الدولة التي استخدمها دريئة للدفاع عن وجوده. وأصبحت سورية بلد الإرهاب المعمم، ووطن الميليشيات والقوى التي تتنازع على أرضها وشعبها، بكل ما عرفته البشرية، منذ أقدم العصور، من وسائل الإرهاب وأدواته.
مصير سورية مفتوح، اليوم، على كل الاحتمالات. لكن، لن يقرر مستقبل سورية إلا شعبها، صاحب الأرض، متى ما نجح في التحرر من منطق الخوف والانقسام والتهديد والقتل، وارتفع إلى مستوى منطق الحق والقانون، وأحلَّ روح التفاهم والاتحاد محل منطق الانتقام والاحتراب الذي يتغذى من سياسة تمديد أمد الحرب الإقليمية، وحرمان جميع السوريين من الأمل والأمن والسلام.
لكن الرأي العام الدولي، الرسمي والشعبي يعرف، اليوم أكثر من أي وقت سابق، أن الأسد لا يمكن أن يكون شريكاً في الحرب ضد الإرهاب، بعد أن كان المصنع الرئيسي له، ولا يزال يستخدمه في حربه ضد شعبه، بل ضد مقاتليه أنفسهم، لدفعهم إلى الاستمرار في الحرب التي فقدوا الأمل في ربحها، ولم يعد لها في نظرهم أي هدف سوى حماية طغمة صغيرة من مرتزقة النظام، والمنتفعين منه. ويدرك الرأي العام الدولي، أيضاً، أن أي مشاركة للأسد في مثل هذه الحرب سوف تكون أكبر هدية يقدمها التحالف الدولي لتنظيم داعش، بمقدار ما يقضي على نفسه كتحالف يستمد شرعيته من رفض الإرهاب، وما يثيره من رد فعل واعتراض عند ضحايا إرهاب الأسد أنفسهم.
كان الإرهاب المرتبط بالتلاعب بالحركات الجهادية سلاح الأسد الأمضى، في العقود الطويلة الماضية، في تأمين نفوذه وتعزيز علاقاته الدولية ومكاسبه الإقليمية، بما يعني تصنيع الإرهاب، والتهديد باستخدامه، والسيطرة عليه، في الوقت نفسه. بهذا التحكم بالإرهاب، أقنع الأسد الدول العربية والغربية بأنه نظام قوي، وقوة لا يمكن الاستغناء عنها، لحفظ الأمن والسلام والاستقرار، وأن في وسعه أن يستخدم قوته، أي السيطرة على الإرهاب ضد خصومه، كما يمكن أن يستخدمها لصالح أصدقائه.
وقد استفاد الأسد في بناء استراتيجية تسييس الإرهاب وتأهيله، والعمل به على حافة القانون والعرف الدولي، من وجود الحركات الإسلامية الجهادية الناقمة، التي كانت تنمو على هامش أزمة الدولة الوطنية العربية، وفشلها في بناء مواطنة فعلية، وتفتقر لمرفأ أمان، فربط معها باسم الثورة، أو دعم المعارضة، أو المقاومة للصهيونية والغرب، بما في ذلك مع مقاتلين وقادة وجماعات تخلت عنهم الدول الغربية، بعد أن استغلتهم في حربها ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. وصار، وهو النظام الذي يدعي العلمانية المغالية، أكثر النظم رعاية لحركات التطرف الإسلامية، ودعماً لها ضد الدول الإقليمية، والمستخدم الأول لها في العالم، بدلا من
التحكم بالحركات الجهادية المتطرفة، وتحويل عملها من جهادية دينية إلى أعمال إرهابية تنتظم ضمن استراتيجية الدولة والنظام في دمشق، واستخدامها، حسب أجندة سياسية وعسكرية مدروسة، لتحقيق أهداف واقعية ممكنة، هذا هو مصدر قوة النظام السوري منذ أربعين عاماً، وهو الذي مكّن قادته من العمل في المنطقة والعالم بقاعدة قاطع طريق، ينتزع العوائد من خدمات الحماية التي يقدمها للعابرين، أو أصحاب المصالح ولمصالحهم، ضد التهديدات التي يتحكم هو بتوجيهها من دون أن يتهم بصناعتها. ومن دون هذا التلاقي بين نظام مافيوي، لا يملك أي محتوى وطني أو اجتماعي أو إنساني. أي، باختصار، ليس له أية أهداف أو هموم أو قضايا عامة من أي نوع كانت، وهذه الحركات الجهادية التي تؤهل أفرادها للموت والتضحية، من دون ثمن. لكن، من دون أهداف عقلانية، ممكنة التحقيق، واضحة أو قريبة (تطبيق تصور للإسلام أول ما يخرج منه المسلمون الذين يحولهم إلى كفرة ضالين). أقول من دون ذلك، ما كان بإمكان الأسد، ونظامه، أن يصل إلى ما وصل إليه من استقرار داخلي وقوة ونفوذ في الخارج، ولا أن يرتكب أكبر الجرائم ضد الإنسانية، من دون أن يتم القبض عليه بالجرم المشهود، راعياً رئيسياً للإرهاب الإقليمي والدولي.
على يد الأسد، أصبح الإرهاب سياسة كبرى، وأصبح التهديد بالإرهاب، والمشاركة في مواجهته، في الوقت نفسه، التجارة الإقليمية والمهنة الرئيسية للنظام، والتي يرتبط بنجاحها مصير جميع المهن والوظائف الأخرى، العسكرية والإدارية والاقتصادية الداخلية.
لكن مهنة الإرهاب قبل أن تصبح تجارة دولية كانت عند نظام الأسد في الأصل مهنة محلية، أو "وطنية"، وكان التعامل بالإرهاب المضمون الوحيد للممارسة السياسية داخل الدولة، والوسيلة الرئيسية للحكم وفرض الهيبة والهيمنة والنفوذ، داخل البلاد نفسها، على الشعب والمجتمع. وهذه المعادلة التي جمعت بين مافيا الأسد وسياسة الإرهاب وحركات الجهاد الإسلامية السائبة والمضيعة، وجمعتهما في مشاريع مشتركة، هي التي انهارت، أو في طريقها إلى الانهيار، اليوم، ومعها النظام الذي ركبها، وعاش عليها، واستمد القوة والنفوذ والمنعة منها.
انهارت هذه المعادلة في الداخل، باندلاع الثورة السورية التي كانت، قبل أي شيء آخر، ثورة ضد الحكم بالإرهاب، وعن طريق الإرهاب، واستناداً إلى الأجهزة الأمنية، وتهديدها الدائم حياة الأفراد ومصالحهم وحقوقهم وأمنهم ومعيشتهم، بعيداً عن أي وهم شرعية سياسية أو قانونية. ولم ينجح التصعيد في الإرهاب، أي سياسة القتل المنهجي والمنظم والدائم، كما أظهرته عملية قنص المتظاهرين المدنيين، ثم مواجهتهم برصاص الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ثم باستخدام الأسلحة الكيماوية، وأكثر فأكثر، برمي البراميل المتفجرة العمياء اليومي، في خلق الخوف الذي لا يعيش من دونه الإرهاب، ولا يستقيم ولا يستمر. ظل السوريون يواجهون النظام، ويرفضون الإذعان لتهديداته، أو التراجع أمام عنفه. انهار نظام الإرهاب، الذي تحول إلى حرب على الشعب، شاملة وبكل الأسلحة، في الداخل، وانفضح أمره عند الحركات الجهادية نفسها التي كان يستمد منها القوة. واضطر من أجل بقائه في مواجهة قوى المقاومة الشعبية الحرة إلى الاستنجاد بالأجنبي، والسقوط في أحضان نظام العمامات في طهران، وتسليمهم مقاليد السطلة والنفوذ في دمشق. بعد أن كان يتلاعب بالآخرين، أصبح جزءا من الوسائل التي يتلاعب بها إيرانيو الحرس الثوري، ويستخدمونها للدفاع عن مصالحهم القومية/الطائفية في الإقليم كله، ولم يعد للأسد ونظامه أساس أو حاضر أو مستقبل. أصبح مجرد قاعدةٍ، تنتصب عليها إرادة الاحتلال الأجنبي.
وانهارت هذه المعادلة نفسها، وما ارتبط بها من استخدام التطرف الديني، كجزء من استراتيجية ترتيب علاقات النظام الدولية، وتنسيقها، في الخارجين، الإقليمي والدولي، أيضا. فقد أدى انهيار الدولة السورية، والفراغ الذي أحدثه، إلى حصول طفرة قوية في الحركات الجهادية، حررت الكثير منها من ارتهانها للنظام. وعلى الرغم من احتفاظه بعدد كبير من العناصر وبعلاقات قوية، ربما مع العديد من قادة تنظيم الدولة وغيرها، إلا أن تطور الأحداث يدفع في اتجاه فك التحالف القديم بين الحركات الجهادية الدولية والنظام، وتنامي نزوع هذه الحركات إلى الاستقلال، مع تزايد طموحها إلى أن تشكل مشروعا بديلا، أكثر ما يعبر عنه إطلاق اسم دولة الخلافة على القوة والنفوذ الجديدين اللذيْن نشأا على إثر انحسار نفوذ الدولتين، السورية والعراقية، في شرق سورية وغرب العراق.
فقد النظام السوري قوته الرئيسية ووسائل مناورته الاستراتيجية التقليدية، وموارده، وأدوات عمله، ومعها مهاراته غير التقليدية في تصنيع الإرهاب واستخدامه، بموازاة فقدانه السيطرة على الحركات الجهادية والتكفيرية، وحرية التلاعب بها. ولن تستطيع الأجهزة الأمنية التي بقيت تحت سيطرته أن تقوم بدور أكبر من تنسيق علاقات المافيا السورية مع دولة الوصاية والحماية الجديدة الصاعدة، وتلقي الأوامر من قادة الحرس الثوري الإيراني وتنفيذها، أو التهرب منها. وإذا كان هناك بعد، من بين الساسة العالميين، من يفكر بتشغيل الأسد ونظامه، على سبيل الاستفادة من الموقع القانوني والاستراتيجي الذي لا يزال يحتله باسم الدولة السورية، فهو نظام الحرس الثوري الإيراني وحده.
لم يعد لدى الأسد ما يقدمه في الحرب ضد الإرهاب الذي كان سلاحه الأمضى. سقط النظام المراهن على الإرهاب، وهو يدمر نفسه بنفسه، بمقدار ما يصر على تدمير بلده وقتل شعبه، وينهي وجود الدولة التي استخدمها دريئة للدفاع عن وجوده. وأصبحت سورية بلد الإرهاب المعمم، ووطن الميليشيات والقوى التي تتنازع على أرضها وشعبها، بكل ما عرفته البشرية، منذ أقدم العصور، من وسائل الإرهاب وأدواته.
مصير سورية مفتوح، اليوم، على كل الاحتمالات. لكن، لن يقرر مستقبل سورية إلا شعبها، صاحب الأرض، متى ما نجح في التحرر من منطق الخوف والانقسام والتهديد والقتل، وارتفع إلى مستوى منطق الحق والقانون، وأحلَّ روح التفاهم والاتحاد محل منطق الانتقام والاحتراب الذي يتغذى من سياسة تمديد أمد الحرب الإقليمية، وحرمان جميع السوريين من الأمل والأمن والسلام.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire