24 يونيو 2014
لا أدري إذا كان هناك جديد في زيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الحالية للمنطقة، في وقت لا يبدو فيه أن الولايات المتحدة انتهت من رسم سياسة واضحة في مواجهة أكبر أزمة شهدها الشرق الأوسط، منذ تدشينه اسماً وصورة. وكان لافتاً للنظر اعتراف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قبل أيام، في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي بي إس" الإخبارية، بأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" استغل حدوث فراغ في السلطة في سورية لجمع الأسلحة والموارد وتوسيع سلطته وقوته على الأرض. وعندما سئل عمّا إذا كان مثل هذا الفراغ سيبقى في حال دعمت الولايات المتحدة قوات المعارضة المعتدلة، رد أوباما أن "فكرة وجود قوة سورية معتدلة جاهزة لهزيمة الأسد ليست صحيحة، وبالتالي، فإنه في كل الأحوال الفراغ سيكون موجوداً".
المقصود من هذا الكلام هو الرد على المحللين والسياسيين الأميركيين، وغيرهم الذين أصبحوا مقتنعين، اليوم، بأن السبب الرئيسي في تطور قوى التطرف في سورية هو تقاعس الإدارة الأميركية عن تقديم الدعم للمعارضة السورية، حتى تضع حداً للمجازر وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الأسد منذ ثلاث سنوات بحق شعبه، وتتهمه بالمسؤولية في ترك الأمور تتفاقم، حتى أصبحت داعش قوة يحسب لها حساب.
وهذا ما يردده منذ فترة مسؤولون أميركيون، معربين عن اعتقادهم، في أكثر من مناسبة، أن دعم المعارضة المعتدلة هو الطريق لمواجهة داعش، وفي الوقت نفسه، لتغيير حسابات الأسد، ودفعه إلى القبول بالانتقال السياسي. لكن، من الواضح أن أوباما، حسبما تشير تصريحاته الأخيرة، لا يزال غير مقتنع تماماً بخيار دعم المعارضة السورية، وأنه يساير في الدعم القليل الراهن سياسيين معترضين على سياسته التي يمكن أن نسميها، بالفعل، سياسة النأي بالنفس، ليس عن الحرب الدائرة في سورية ضد شعب بأكمله، وإنما عن الأوضاع المشرقية عموماً، تاركا لقادة إيران وروسيا الحرية الكاملة في تحقيق ما ينشدونه من أهداف، على حساب أمن المنطقة ومصالح شعوبها.
ما يخيف في هذا التصريح ليس تأثيره السلبي على معنويات المقاتلين من أجل الحرية، في سورية بشكل خاص، فهم لم يصدقوا يوماً، ولم يحلموا بتدفق المساعدات الأميركية العسكرية لهم، وإنما تأكيده من جديد افتقار الإدارة الأميركية لرؤية واضحة، ليس في ما يتعلق بكيفية ملء الفراغ الذي يتحدث عنه أوباما، وإنما أكثر من ذلك لما يجري في الشرق الأوسط، وما تخبئه له الأشهر المقبلة من مفاجآت.
فإذا كان باراك أوباما لا يعتقد بفائدة تدعيم الجيش الحر والكتائب المعتدلة، من أجل تغيير الوضع والحسابات السياسية، بحيث يتحقق الخروج من الأزمة السياسية، ويستتب الأمن وينحسر الفراغ ومعه الارهاب، والبيئة المشجعة عليه، ولا يريد، في الوقت نفسه، أن يتدخل بأي شكل، مباشر أو غير مباشر، لوقف شلال الدم النازف في سورية منذ ثلاث سنوات، والذي بدأ يفيض على جيرانها، فما هي الخطة، وما معالم الحل؟ كيف يأمل باراك أوباما إلحاق الهزيمة بالأسد؟
لم أجد تفسيراً لكلام أوباما، في هذا الظرف بالذات، سوى أمرين. إما إنه أصبح يعتقد أن الإرهاب سيستمر، ولا أمل في محاربته أو القضاء عليه، مهما فعلنا، أو إنه، وهذا أخطر، لا يعتقد أن من الممكن للمعارضة السورية أن تتقدم، ولا للوضع الراهن أن يتغير، وإنه يراهن على أمر وحيد، هو إمكانية التفاهم مع إيران، بوصفها العرّاب الحقيقي لكل ما تعرفه المنطقة من تطرف وتشنج واحتراب أهلي وعابر للحدود، منذ نجاح الباسيج والبسدران في اختطاف الثورة الإيرانية وتحويل البلاد إلى بؤرة تصدير للتطرف في عموم المنطقة، تحت إمرة بعض كبار رجال الدين الشيعة وإشرافهم.
لكن، مهما كان الحال، لا يقل الأذى الذي يتسبب به انعدام الرؤية والسياسة المتسقة في واشنطن، لما يحصل في الشرق الأوسط، عن الأذى الذي تتسبب به الأطماع الجنونية للنخبة الحاكمة الإيرانية، وما تقود إليه من تجييش للقوى وشحن للعصبيات والمشاعر الطائفية، وما تنتجه من نزاعاتٍ لن تكون إيران في معزل عنها على الأمد الطويل. فافتقار واشنطن إلى مثل هذه الرؤية السياسية تجاه تحولات المنطقة ومصيرها، وهي المنطقة التي خضعت عقوداً طويلة للهيمنة الأميركية، يخلق حالة من الانفلات والتفكك والضياع لدى جميع القوى، ويدمر كل أمل في الخروج السريع من الفوضى والقتل والدمار والخراب.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire