سياسة الصمت والتردد وترك الأمور على غاربها، والتي اتبعتها الإدارة الأميركية في المشرق العربي، منذ ثلاث سنوات من عمر المحنة السورية، لم تأت على سبيل العفوية، أو الجهل، أو عدم الاهتمام.
آن الأوان أن ندرك أن أميركا، ككل امبرطورية، لا تقيدها تحالفات تاريخية، ولا يهمها من الرابح أو الخاسر خارج مجال مصالحها الحيوية المباشر، إنما هي تصادق على سيطرة كل من ينجح في أن يكون شرطياً، يضمن الأمن والاستقرار في المناطق، ومستعدة لمشاركته النفوذ، وخصوصاً في المناطق المتوترة والساخنة، بمقدار ما يوفر عليها التدخلات المباشرة المكلفة.
لهذا، تركت واشنطن طهران تتصرف في العراق ومن بعد في سورية، من دون أن تحرك ساكناً أو بالكاد، وغضت النظر عن ميليشيات حزب الله وأبو الفضل العباس وعصائب الحق والحرس الثوري وقاسم سليماني وقادة الأمن والمخابرات الإيرانيين، وسمحت لهم أن يصولوا ويجولوا، ويستبيحوا الدول وحرمات الشعوب والجماعات على هواهم، خلال سنوات طويلة متعاقبة.
الآن فقط شعرت واشنطن بالمشكلة، أو بأن هناك مشكلة. والسبب أنها انتبهت إلى أن طهران أخفقت إخفاقا ذريعاً في أن تكون الضابط لأمن المنطقة واستقرارها. فشلت في العراق في السنوات الثماني الماضية، وفشلت في سورية في ثلاث سنوات من القتال والدمار الشامل الذي استخدمت فيه كل الأسلحة المباحة والمحرمة، بما فيها الأسلحة الكيماوية. وبدل أن تشكل، بحرسها وميليشياتها ومخابراتها ورجال دينها، حاجزاً أو رادعاً أمام انتشار ما تنظر إليه واشنطن على أنه الفوضى وعدم الاستقرار، فاقمت "العهدة" الإيرانية في المنطقة من تمدد داعش والقاعدة ومخاطر توسع دائرة نفوذهما ودولتهما الخاصة.
تحتاج واشنطن، اليوم، بعد غياب مقصود دام أكثر من ثلاث سنوات، وانتهى باندلاع حريق الأنبار الكبير، حلفاء إضافيين ضد القاعدة، ما جعلها "ترى" أو تكتشف وجود الجيش السوري الحر، أو ما تسميها القوى المعتدلة فيه. في وقت كان فيه هذا الجيش، في عامين كاملين، يواجه داعش والنظام والميليشيات الطائفية الأجنبية المتطرفة جميعها، بصدور شبه عارية. وما كان يحتاجه هذا الجيش لا يعادل واحداً في المائة مما تستعد الإدارة الأميركية لدفعه الآن، من أجل الحد من مخاطر التطرف والانجراف والانهيار الذي يهدد المشرق بأكمله اليوم.
ليس هناك أي مؤامرة تجمع واشنطن وطهران ضد العرب. ولا يوجد أي تحالف أميركي إيراني في المنطقة، ولا تزال الحسابات المعلقة كبيرة بين العاصمتين منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. طهران وواشنطن متفاهمتان موضوعياً، ليس من خلال عقود وعهود موقعة وثابتة، ولكن، بسبب التقاء مصالحهما في ضبط المنطقة والتحكم بمصيرها، واستهدافهما المشترك، وللسبب نفسه، روح التحرر عند الشعوب العربية، واستبعادهما حتى فكرة استقلالها، وقلة تقديرهما هويتها وثقافتها، وشكهما بقدرة هذه الشعوب على الدخول في شراكة دولية حقيقية، وانعدام ثقتهما بكفاءة قادتها، وشعور زعمائها بالمصلحة العامة وبالمسؤولية، والنتيجة استسهال استباحتهما منذ عقود طويلة، ومن دون أي تفكير، دماء هذه الشعوب وأرضها ومواردها، وعدم سؤالهما عن مصير أبنائها ومستقبلها.
ما تريده أميركا من العرب، الذين لا تنظر طهران وواشنطن إليهم إلا كـ"عربان"، أن يخلدوا للصمت، ويكفوا عن تعكير صفو" الأمن" و"السلام" الأميركي والعالمي في هذه المنطقة الحساسة من المعمورة. لا يجوز لهؤلاء، وليس من حقهم، أن يفجروا ثورات ويشعلوا انتفاضات، ولا حتى أن يسيروا مظاهرات احتجاج لا جدوى منها، ولن تقود إلا إلى إزعاح العالم وتهديد أمنه. كما كانوا دائماً عليهم أن يبقوا: نكرات وإمعات وحرادين وزواحف وحراس آبار، وفي أفضل الأحوال، أدلة سياحيين. كل ماعدا ذلك يثير قلاقل، ويشكل مصدر قلق وتوتر واضطراب في العقل والسياسة العالميين.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/88cd9f6e-cf0f-4851-ab31-0690c7249780#sthash.X4rJXgYE.dpuf
آن الأوان أن ندرك أن أميركا، ككل امبرطورية، لا تقيدها تحالفات تاريخية، ولا يهمها من الرابح أو الخاسر خارج مجال مصالحها الحيوية المباشر، إنما هي تصادق على سيطرة كل من ينجح في أن يكون شرطياً، يضمن الأمن والاستقرار في المناطق، ومستعدة لمشاركته النفوذ، وخصوصاً في المناطق المتوترة والساخنة، بمقدار ما يوفر عليها التدخلات المباشرة المكلفة.
لهذا، تركت واشنطن طهران تتصرف في العراق ومن بعد في سورية، من دون أن تحرك ساكناً أو بالكاد، وغضت النظر عن ميليشيات حزب الله وأبو الفضل العباس وعصائب الحق والحرس الثوري وقاسم سليماني وقادة الأمن والمخابرات الإيرانيين، وسمحت لهم أن يصولوا ويجولوا، ويستبيحوا الدول وحرمات الشعوب والجماعات على هواهم، خلال سنوات طويلة متعاقبة.
الآن فقط شعرت واشنطن بالمشكلة، أو بأن هناك مشكلة. والسبب أنها انتبهت إلى أن طهران أخفقت إخفاقا ذريعاً في أن تكون الضابط لأمن المنطقة واستقرارها. فشلت في العراق في السنوات الثماني الماضية، وفشلت في سورية في ثلاث سنوات من القتال والدمار الشامل الذي استخدمت فيه كل الأسلحة المباحة والمحرمة، بما فيها الأسلحة الكيماوية. وبدل أن تشكل، بحرسها وميليشياتها ومخابراتها ورجال دينها، حاجزاً أو رادعاً أمام انتشار ما تنظر إليه واشنطن على أنه الفوضى وعدم الاستقرار، فاقمت "العهدة" الإيرانية في المنطقة من تمدد داعش والقاعدة ومخاطر توسع دائرة نفوذهما ودولتهما الخاصة.
تحتاج واشنطن، اليوم، بعد غياب مقصود دام أكثر من ثلاث سنوات، وانتهى باندلاع حريق الأنبار الكبير، حلفاء إضافيين ضد القاعدة، ما جعلها "ترى" أو تكتشف وجود الجيش السوري الحر، أو ما تسميها القوى المعتدلة فيه. في وقت كان فيه هذا الجيش، في عامين كاملين، يواجه داعش والنظام والميليشيات الطائفية الأجنبية المتطرفة جميعها، بصدور شبه عارية. وما كان يحتاجه هذا الجيش لا يعادل واحداً في المائة مما تستعد الإدارة الأميركية لدفعه الآن، من أجل الحد من مخاطر التطرف والانجراف والانهيار الذي يهدد المشرق بأكمله اليوم.
ليس هناك أي مؤامرة تجمع واشنطن وطهران ضد العرب. ولا يوجد أي تحالف أميركي إيراني في المنطقة، ولا تزال الحسابات المعلقة كبيرة بين العاصمتين منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. طهران وواشنطن متفاهمتان موضوعياً، ليس من خلال عقود وعهود موقعة وثابتة، ولكن، بسبب التقاء مصالحهما في ضبط المنطقة والتحكم بمصيرها، واستهدافهما المشترك، وللسبب نفسه، روح التحرر عند الشعوب العربية، واستبعادهما حتى فكرة استقلالها، وقلة تقديرهما هويتها وثقافتها، وشكهما بقدرة هذه الشعوب على الدخول في شراكة دولية حقيقية، وانعدام ثقتهما بكفاءة قادتها، وشعور زعمائها بالمصلحة العامة وبالمسؤولية، والنتيجة استسهال استباحتهما منذ عقود طويلة، ومن دون أي تفكير، دماء هذه الشعوب وأرضها ومواردها، وعدم سؤالهما عن مصير أبنائها ومستقبلها.
ما تريده أميركا من العرب، الذين لا تنظر طهران وواشنطن إليهم إلا كـ"عربان"، أن يخلدوا للصمت، ويكفوا عن تعكير صفو" الأمن" و"السلام" الأميركي والعالمي في هذه المنطقة الحساسة من المعمورة. لا يجوز لهؤلاء، وليس من حقهم، أن يفجروا ثورات ويشعلوا انتفاضات، ولا حتى أن يسيروا مظاهرات احتجاج لا جدوى منها، ولن تقود إلا إلى إزعاح العالم وتهديد أمنه. كما كانوا دائماً عليهم أن يبقوا: نكرات وإمعات وحرادين وزواحف وحراس آبار، وفي أفضل الأحوال، أدلة سياحيين. كل ماعدا ذلك يثير قلاقل، ويشكل مصدر قلق وتوتر واضطراب في العقل والسياسة العالميين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire