mardi, décembre 02, 2014

التقرير الاستراتيجي السوري السادس ديسمبر ١٤

المركز السوري لدعم القرار

التقرير الاستراتيجي السوري السادس
كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٤


الأزمة السورية بين إرهاصات التسوية السياسية والمناورات الدبلوماسية

بعد أربع سنوات من الحرب التي زهقت فيها مئات آلاف الأرواح البريئة وأحرقت مدن وبلدات وقرى، تغير عدة مرات محور النزاع وأهدافه والكثير من مواقف الأطراف، بل وقسم من الفاعلين الرئيسيين فيها. واختلطت فيها الرهانات السياسية المرتبطة بتغيير النظم الحاكمة وقاعدة عمل الدولة والحكم، مع الرهانات الاستراتيجية الاقليمية والدولية، والتي تحمل الشعب السوري عبأها الاكبر، خرجت جميع الأطراف بمحصلة واحدة، أي لا شيء. فلم يحقق فيها أي فاعل انخرط فيها حسما لصالحه، بل ربما كانت الخسارة المعممة هي القاسم المشترك لجميع من شارك فيها حتى الآن.
فالشعب السوري الذي رمى بكل ثقله فيها للدفاع عن كرامته ونيل حريته، يكاد يخرج منها مهشما، ومزعزعا بين قتيل وجريح ولاجيء ومشرد ومحاصر ومنكوب. ونظام الأسد الذي لم يشك لحظة في مقدرته على الحسم العسكري والانتصار تحول إلى واجهة هزيلة للسيطرة الاجنبية وصار امله الوحيد قبول تجنيده من قبل قوات التحالف في الحرب الدولية على الارهاب الذي كان أول من أشعل فتيله، واتهم دول التحالف نفسها بتغذيته ضده. أما طهران التي أملت بأن يمكنها بناء ما سمته بالهلال الشيعي، الممتد من قم إلى جنوب لبنان على المتوسط، من أن تفرض على الغرب التنازل في الملف النووي مقابل تهديدها مصالحه في المشرق، فقد دخلت في مقامرة خاسرة تقودها كل يوم إلى الغرق بشكل أعمق في بحر الدماء والكراهية والأحقاد، وتدفعها إلى المزيد من الهرب إلى الامام والدخول في المجهول. أما الجامعة العربية والنواة المشرقية منها التي حاولت الحد من مخاطر تفجر الثورات العربية أولا ثم محاولات طهران استغلالها لبث الفوضى والانقسام داخل البلاد العربية بهدف اختراقها والتحكم بقرارات بعضها، فتجد نفسها اليوم أبعد من أي فترة سابقة عن تأمين حدودها وصيانة مصالحها القومية في الأمن والاستقرار في مواجهة مشاريع التوسع الإقليمية ونمو قوى التطرف والارهاب في الوقت نفسه. وينطبق الأمر نفسه على ذراعها العسكري الضارب في لبنان بعد أن فقد أوهامه حول الميليشيا والمقاومة التي لا تقهر والانتصار الإلهي وتوكيل نفسه كفيلا لحماية المراقد الاسلامية المقدسة في سورية، فهو بالكاد يحمي نفسه من هدر دماء الحزبيين اليومي ومن الغضب المتزايد في لبنان نتيجة توريط شعبه في حرب إقليمية لم يكن له أي مصلحة في التورط فيها.

إعادة تقييم شامل للوضع السوري
ويزداد الشعور بالخطر على الامن القومي في تركيا التي لم تر نفسها في أي فترة محرجة ومضطرة للاختيار بين حلفائها وحماية مصالحها الوطنية ومستقبل نموها كما هي اليوم في مواجهة خطر الانزلاق نحو حرب لا تريدها ولم تفكر بها، أو التعرض لمخاطر زعزعة الاستقرار على يد القوى المتطرفة المحلية و الإقليمية. وهي أيضا حال أوروبا، وإن بدرجة أقل، بعد أن أصبحت ترى في الأزمة السورية مركز استقطاب وإشعاع في الوقت نفسه لإرهاب عملت المستحيل لتطويقه في الماضي وهو يغزو اليوم بعض شبابها ومواطنيها، من دون ذكر الضغط الذي تتعرض له نتيجة توسع دائرة الازمة الانسانية وتنامي أعداد اللاجئين الباحثين عن ماوى وعمل ودعم فيها. لكن بلاد المشرق العربي هي من بين الأطراف المنخرطة في الأزمة أكثرها تعرضا لمخاطر الانجراف في الحرب وزعزعة الاستقرار. ومعظمها يعيش كالمشرف على الغرق في بحر هائج، يبحث فيه كل فرد عن انقاذ نفسه على مبدأ : انجو سعد فقد هلك سعيد.
ولا يختلف الوضع بالنسبة لروسيا التي عملت المستحيل لتمكين ايران من البقاء في سورية كشريك رئيسي لها في المشرق وتقاسم المصالح معها، فهي تعيش اليوم حالة من خيبة الأمل الشديدة مع إدراكها الدرجة من التفكك الذي صار عليها نظام الأسد الذي جعلت منه حجر الرحى في استراتيجيتها، واقتناعها العميق باستحالة الدفاع عنه إلى ما لانهاية بعد أن فقد فرصة إعادة تأهيله وصار أكثر من أي حقبة سابقة معرضا للسقوط والانهيار. وبالمقابل أربكت الأزمة السورية ومنتجاتها الإدارة الأمريكية التي عملت المستحيل وقاومت جميع الضغوط كي تبقى بعيدة عن الانخراط في الأزمة السورية وأجبرتها على العودة إلى المنطقة من جديد. تركز الإدارة الأميركية في هذه المرحلة على أولويتين هما: التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، واحتواء تنظيم الدولة في العراق و بدرجة أقل في سورية. لكن واشنطن لا تضع في هذه المرحلة كل ثقلها للقضاء على تنظيم الدولة لانها تريد التأكد من تطبيق الاتفاق الذي أطاح بالمالكي ودمج السنة بشكل أكبر في العملية السياسية. و تعتقد واشنطن أن طهران ستجد في مرحلة ما نفسها مرغمة على اعتماد "النموذج" العراقي في سورية، أي البحث عن بديل من الأسد من أجل الحفاظ على ما يبقى من النظام. لذلك لا ترى واشنطن ضيراً في الأفكار التي يطرحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا فهي من جهة تسمح لها بشراء ما يكفي من الوقت لاستخدام داعش ورقة ضغط على ايران و حلفاءها في سورية و العراق، كما يمنحها من جهة أخرى وقتاً ثميناً حتى تتوصل الى اتفاق مع ايران حول الملف النووي قبل أن تبدأ بخطوات باتجاه ترتيب العملية الانتقالية في سورية. لكن واشنطن تعرف أيضاً أن تجميد القتال في حلب مثلاً، كما يقترح دي ميستورا، غير ممكن الا اذا قام البمعوث الدولي بالتفاوض مع الفصائل التي تصنفها واشنطن متشددة مثل النصرة وأنصار الدين وأحرار الشام التي طاولتها غارات التحالف وتضمنتها لوائح الإرهاب، لان هذه الفصائل هي التي تمتلك اليوم الثقل العسكري الاكبر على الارض و ليس بمقدور المعارضة السياسية سواء في الائتلاف او خارجه أن تنوب عنها في اي اتفاق.

لذلك تحصد اليوم نتائج سياساتها الضعيفة وترددها ورهانها على تعاون طهران الذي طال انتظاره، وتجد نفسها مضطرة إلى أن تنخرط بالرغم منها في حرب على الارهاب لم تعرف كيف خرجت منها في العراق وأفغانستان، بعد أن تعرضت لخسارة لا تعوض في سمعتها السياسية وصدقيتها الاستراتيجية ورصيدها الأخلاقي بشكل خاص. وهذه النتائج المخيبة للآمال لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط هي التي تدفع اليوم عددا متزايدا من مسؤولي الإدارة والسياسيين ومراكز البحث في الولايات المتحدة الامريكية لتوجيه الانتقادات القوية لسياسة الرئيس الامريكي باراك أوباما وخياراته المشرقية. وهذا ما جاءت استقالة وزير الدفاع هاجل لتؤكده من جديد.
تجد الكثير من الأطراف، السورية والأجنبية، المنخرطة في الحرب السورية نفسها اليوم أمام كشف حساب أليم. فهي لم تفشل فقط في تحقيق أهدافها، ولكنها مكنت، بسياساتها القاصرة، التنظيمات المتطرفة من تحقيق مكاسب جوهرية ما كان لها أن تحلم بها، وفتحت على نفسها باب الجحيم الذي أرادت أن تغلقه او تهرب منه بترك السوريين يقلعون شوكهم بأيديهم. وتدرك جميعا أنها على مفترق طرق، فإما الاستمرار في حرب طويلة من دون آفاق ولا مخارج ممكنة أو محتملة، أو البحث عن تسوية تتطلب من جميع الاطراف تنازلات جوهرية لن يكون من السهل على أكثرها القبول بها، بل حتى التوصل إلى تفاهم مرض فيما بينها، بعد أن تحولت سورية في السنوات الماضية إلى ساحة لتصفية جميع الحسابات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية المتقاطعة والمتضاربة معها. وأمام هذا الواقع الجديد المليء بالتهديدات والمخاطر الصاعدة، لم يعد لدى العديد من الأطراف التي أنهكتها الحرب خيار آخر سوى تغيير أجندتها وقلبها رأسا على عقب. وفي حالة اليأس التي تعيشها أصبحت بعض الأطراف تدعو أعداء الأمس، بمن فيهم النظم التي لم تكف عن إدانتها خلال الأعوام الثلاث الماضية لوحشيتها وما ارتكتبه من جرائم ضد الانسانية وأعمال الإبادة الجماعية، إلى تجاوز الصراعات الماضية والتعاون مع خصومها، في سبيل خدمة أجندتها الجديدة، الحرب على الارهاب.

إرهاصات الحلول السياسية والمبادرات
في هذا المناخ المطبوع بالتشاؤم والسوداوية، والذي يدفع إلى التخلي عن الالتزامات العديدة السابقة تجاه قضية الشعب السوري، يزداد الميل لدى جميع الأطراف إلى إعادة تقييم الوضع المشرقي بعد فترة سكون طويلة، وإلى التدقيق في الخيارات السابقة وربما إلى أجراء تعديلات جوهرية على السياسات القائمة. وفي هذا السياق برزت قصص الخرائط والمبادرات الدولية للبحث في التسوية السياسية للأزمة السورية، وزادت وتيرة التحركات الدبلوماسية، وإطلاق بالونات الاختبار هنا وهناك.
ولعل أبرز هذه المناورات الدبلوماسية هي تلك التي بدأتها موسكو بدعوة مجموعة من شخصيات المعارضة المدنية والعسكرية السورية إلى موسكو في بداية شهر تشرين٢/ نوفمبر 2014، ولقاؤهم مع وزير خارجية روسيا الاتحادية لافروف. وهي تصب في مساعي الروس الطويلة إلى تقريب جزء من المعارضة إلى صفهم والرهان عليه في مواجهة الإئتلاف الوطني الذي تعتبره مقربا من الولايات المتحدة والغرب، على أمل ايجاد موطء قدم قوي لها قبل بدء مرحلة المناورات المقبلة حول الحلول السياسية للأزمة، وعقد مؤتمر موسكو1 أو جنيف ٣ تحت رعاية روسية بعكس ما حصل لجنيف ٢ الذي كادت روسيا أن تغيب عنه. وفي نفس السياق يعود الحديث بقوة عن مبادرات جديدة لجمع المعارضة والنظام، أو ما يشاع في الصحافة الدولية عن مبادرة ألمانية وأخرى روسية وثالثة مصرية لجمع المعارضة والسلطة في مؤتمر يبحث في حل مشترك للأزمة، بالإضافة إلى خطة المبعوث الأممي إلى سورية سيلفان دي ميستيرا لإنشاء مناطق مجمدة لا يزال يسعى إلى تحديد هويتها ودورها في أي مخطط للسلام القادم الممكن..
وإذا كان مشروع دي ميستيرا، بالرغم من عدم تبين جميع ملامحه بعد، ينبع من اعتقاد بأنه لم تكتمل الشروط لايجاد حل سياسي شامل للازمة السورية، وأن الحلول الجزئية والتهدئة وتخفيف وتيرة العنف هي الأمر الوحيد الممكن، على طريقة الهدن والمصالحات التي دشنها النظام، لكن في شروط أفضل، وتحت رعاية دولية، بدل أن تكون مجال شد وجذب بين المقاتلين وميليشيات الدفاع الوطني، فإن الجهود الروسية المتواصلة لإطلاق دينامية مفاوضات سورية تجمع بين النظام وأطراف من المعارضة تهدف إلى بلورة خطوات عملية أولى على طريق انتزاع روسية للمبادرة الدبلوماسية في عملية البحث عن حل شامل للقضية السورية بعد أن أعلن تجمع أصدقاء سورية، الذي عقد آخر جلساته في لندن هذا الشهر، من دون أي اهتمام من قبل الصحافة والاعلام، فشله في ذلك، وتسليمه بهذا الفشل والعجز، سواء بسبب امتناعه عن تسليح المعارضة وتنظيمها، في الوقت المناسب، أو بسبب عجزه عن تغيير موقف الايرانيين والروس ودفعهم نحو قبول تطبيق بيان جنيف1.
لكن، مع ذلك، بالرغم مما يشاع عن ابداء الروس لمزيد من المرونة في تعاملهم مع شخص الأسد نفسه، ليس هناك بعد أي مؤشر على حصول تغيير جوهري في الموقف الروسي من النظام السوري الذي تفجرت ضده ثورة شعبية لا تزال مستمرة، بصرف النظر عن العنف منذ أكثر مايقارب أربع سنوات. والحال أن لافروف، في آخر لقاء جمعه مع وفد المعارضة السورية الممثلة بالإئتلاف، وكان بين جولتي مفاوضات جنيف في شباط/فبراير ٢٠١٤ وصل، بعد أربع ساعات حوار تخلله غداء على شرف الوفد، إلى استنتاج مفاده أن مواقف النظام والمعارضة متباعدة لدرجة يصعب رأب الصدع فيها، وبالتالي لم يعد من الممكن التمسك بتطبيق بيان جنيف، وأن الأمر الوحيد الذي يحتمل النجاح فيه هو تشجيع عقد الهدن المحلية الجارية تحت إشراف النظام وتعميمها كبداية للتحضير لتسوية وطنية وتعديلات في آليات عمل النظام. وكان هذا الاستنتاج الذي قدمه لافروف لوفد المعارضة بمثابة نصيحة قد شكل مفاجأة للإئتلاف الذي أراد بزيارته موسكو بين جولتي المفاوضات إلى تشجيع روسيا النظام السوري لانخراط الجدي في مفاوضات التسوية السياسية في جنيف ببساطة أن موسكو تخلت عن بيان جنيف في الوقت التي بدأت المفاوضات تجري على أساسه.
هل غيرت موسكو رأيها منذ ذلك الوقت؟ وهل هي اليوم أقرب إلى تسوية من طبيعة شاملة تتجاوز عقد الهدن والمصالحات التي جعلها الأسد جزءا من استراتيجيته لعزل المناطق وتفتيت قوى المقاتلين وتشكيك بعضهم بالبعض الآخر ونقل النزاع إلى داخل صفوفهم؟ هل غير تشكيل التحالف الدولي ضد داعش، وإطلاق الأتراك لفكرة المناطق العازلة والآمنة في شمال سورية، والعقوبات الاقتصادية التي طبقت على روسية، من هذا التصور الروسي وجعل موسكو أقرب مما كانت عليه في الماضي إلى موقف البحث عن تسوية شاملة؟ أم هل فقد الروس الأمل في إعادة تأهيل النظام، كما كانوا يعتقدون ويسعون إليه، بعد أن فشل في إعادة تسويق نفسه بمناسبة الحرب ضد الارهاب، وبعد فشل حليفتهم ايران أيضا في أن تكون طرفا معلنا في هذا التحالف؟
خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية من عمر الصراع في سورية تركت موسكو المبادرة الدبلوماسية في ما يتعلق بأي تسوية سياسية في يد واشنطن، ولم تنازع عليها، مع فعل كل ما تستطيع من أجل إفشالها. وهذا ما حصل بالفعل بعد إجهاض مؤتمر جنيف والتصعيد العسكري المخيف الذي رافق به الأسد جلسات المفاوضات واستمر به في ما بعدها. ويبدو أن الآية قد انعكست الآن. فواشنطن المهتمة جوهريا بمسألة الحرب على الارهاب والراغبة في التخلي عن الملف السوري أو اليائسة من إمكانية تحقيق أي نجاح فيه، من دون تدخل عسكري لاتزال مصرة على رفضه، تترك الملف لروسية على سبيل التخلص من قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة في وجهها، مع زيادة ضغط المأساة الانسانية من دون أي أفق لحل نهائي. والسؤال إلى أي حد تستطيع واشنطن أن تقبل تسوية في سورية تكرس الهيمنة الروسية الايرانية في سورية وإعادة تأهيل ولو جزئي لنظام الأسد، بوجود صاحب الاسم أم لا؟ وإلى أي حد يمكن لبلدان الخليج التي تشعر بنفسها مهددة من قبل التدخل الايراني الزاحف، أن تقبل بمثل هذا الحل، وتتعايش مع سورية "الولاية الايرانية رقم ٣٥ " كما أعلنها من قبل أحد كبار المسؤولين الايرانيين ؟ هذا ما لا نستطيع تأكيده بعد.
فليس هناك شك في أن روسيا الحليفة الرئيسية لايران لن تحمل على عاتقها مسؤولية البحث عن حل سياسي للأزمة السورية لصالح الغرب، ولا حتى لصالح الشعب السوري، الذي تجاهلت تضحياته على مدى ما يقرب من أربع سنوات متتالية. إن ما تحلم به هو أن تجد حلا للقضية السورية من منطلق ضمان مصالحها ومصالح حليفها الرئيسي الاستراتيجية في المنطقة.
و لكن بقدر ما تبدي إيران ارتياحاً إلى حوارها مع أميركا وإلى نتائج الحملة الدولية على «الدولة الإسلامية»، تبدو موسكو حانقة على التطورات التي تجري بمعزل عنها، فهي تدرك أن أي اتفاق نووي قد يمهد لعودة الدفء الى علاقات ايران مع الغرب، وهي تخشى في الوقت نفسه من تطور أهداف التحالف لتصل في مرحلة لاحقة إلى إسقاط الأسد بعد أن يكون تم التوصل الى اتفاق نووي بين ايران و الغرب، وهذا ما يدفعها لمحاولات إحياء اتصالاتها لتأكيد دورها في الازمة السورية عبر بعث التسوية السياسية في سورية. لكن هذا الدور محكوم عليه بالفشل لان المعارضة العسكرية على الارض ابعد ما تكون عن قبول دور روسي في اي تسوية يمكن البحث بشأنها، لذلك تحاول موسكو الاستعاضة عن ذلك بمحاولة تعويم دور المعارضة التي تقبل بها وسيطاً مع النظام.
وفي هذه الحالة لن تكون الحلول الجزئية المقترحة إلا على حساب قضية الشعب السوري، وكجزء من التسوية بين الروس والإيرانيين من جهة والامريكيين والغربيين من جهة ثانية وليس كتسهيل لتسوية عادلة بين السوريين أنفسهم.
ليس من المحتمل أن يملك مثل هذا الحل مقومات الوجود او الحياة. وما حصل مع الأمريكيين من فشل بسبب رفض واشنطن التضحية لصالح السوريين وقبولها الفيتو الروسي الايراني، سوف يحصل مع الروس لرفضهم التضحية بالنظام لصالح انقاذ الشعب السوري، أو الاستجابة لمطالب الكرامة والحرية التي رفعها شعارا لثورته، في الوقت الذي لم تكف موسكو وطهران عن وصف هذه المطالب بالمطالب الكاذبة، وتسم المنادين بها بالارهاب والعمالة لأمريكا والصهيونية.
لكن على جميع الاحوال، وسواء نجح الروس في إيجاد تسوية تستحق هذا الاسم، أي تضمن الحد الادنى من مطالب ثورة السوريين، وتداوي جراحهم وتتوج تضحياتهم غير المسبوقة ام لا، فإن أمرا واحدا على السوريين أن يدركوه بعد هذه الرحلة بل المحنة الطويلة القاسية هو أنه لا الولايات المتحدة ولا رورسيا ولا أوروبا ولا ايران ولا أي بلد آخر مستعد للاعتراف بحقوق السوريين ولا بتقديم أي مكاسب سياسية او استراتيجية لهم إذا لم يتمكن السوريون من انتزاعها هم أنفسهم بقواهم الذاتية وتضحياتهم.

في ضوء الانسداد القائم يبقى احتمال أخير قد تفرضه الظروف ويدفع القوى المختلفة لإنتاج تسوية شاملة. صحيح أن النظام يرى أن الامور تسير لصالحه منذ أن بدأت واشنطن بضرب تنظيم الدولة و اضعافه، فيما هو يعزز مواقعه، ويركز على ضرب فصائل المعارضة "المعتدلة" التي يمكن أن تشكل بديلاً مقبولاً غربياً. لكن ما قد يعده النظام مكاسب حالياً سرعان ما سيتحول تحدياً كبيراً. فترك النظام يجهز على ما بقي من فصائل معتدلة، سيفضي إلى تعزيز مواقع الجهاديين والمتشددين، ما يعني تكرار سيناريو العراق حيث سيطرت داعش على مساحات واسعة في شماله و غربه. وهذا تماما ما قد يدفع إيران إلى البحث عن مخرج. وقد لا تجد مهرباً من اعتماد النموذج العراقي. أي فتح صفحة البحث في مصير الأسد، انقاذاً لما يبقى من مصالحها في سورية، وحرصاً على مواصلة الحرب على القوى المتشددة التي تهدد حضورها ودورها في الإقليم

عقدة المعارضة والائتلاف
تبقى نقطة الضعف الرئيسية في موقف السوريين، تشتت المعارضة وتراجع دورها، سواء ما تعلق منه بالإئتلاف أم بالأطراف الأخرى. وفي هذا السياق تعطي نتائج اجتماعات الهيئة العامة للائتلاف التي انعقدت في استنبول في ٢١-٢٣ تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 ا صورة أمينة لهذه الخلافات التي تشل إرادة المعارضة وقدراتها وتفقد ثقة الشعب والرأي العام الدولي بها. فقد استمرت المنازعات حول المصادقة على الحكومة وتشكيل المجلس العسكري. وهناك اعتراضات على الاعتراف بشرعية القرارات التي اتخذتها الهيئة العامة. ففريق الرئيس هادي البحرة الذي انسحب من الجلسة مع أنصاره رافضا الاعتراف بشرعية الاجتماع لم يلبث حتى دعا إلى اجتماع طارئ يعقد 3 كانون الأول/ ديسمبر، بينما اعتبر الفريق الذي حاز على الأغلبية ومعه معظم اعضاء اللجنة القانونية والذي صوت للحكومة أن قانونية الاجتماع لا يمكن التشكيك فيها.
لكن بالرغم من الفشل في تحقيق التوافق بين الأطراف المتنازعة، يمكن منذ الآن الاستفادة مما تم إنجازه في الاجتماعات الأخيرة، وفي مقدمة ذلك التصويت على الحكومة المؤقتة، والرهان على رئيس الحكومة لإعادة ترميمها واستكمالها، وعلى وزير الدفاع المعين للحوار حول تشكيل المجلس العسكري الأعلى، والعمل على تفعيل مؤسساتها ودعمها لتكون طرفا فاعلا في تعزيز مواقع المعارضة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكذلك في المساعدة على استقطاب الدعم الدولي، الإغاثي والسياسي للمعارضة في بحثها عن حل للمازق السوري. مما يعني أيضا أن على الحكومة المؤقتة التي تمت المصادقة عليها أن تنأى هي أيضا بنفسها عن الصراعات والتجاذبات والنزاعات داخل صفوف الائتلاف والمعارضة، وأن تتصرف كحكومة وطنية سورية تعمل لصالح السوريين ولتخفيف المحنة والضيم والعناء عنهم، وهي مستعدة للتعاون معهم ومع جميع قوى المعارضة على قدم المساواة، ولا نعني بالمعارضة هنا تشكيلات بعينها، وإنما جميع القوى الفاعلة على الأرض، العسكرية والسياسية والمدنية، لتقديم أفضل ما تستطيع من العون للسوريين، وان تكون بالتالي شريكا وطرفا في دعم الوحدة والتفاهم والانسجام داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة، وجزءا من الحل لا جزءا من المشكلة. 
لكن على جميع الأحوال تطرح أزمة الائتلاف التي لم تكن في أي يوم سابق اوضح مما هي عليه اليوم، بالرغم من كل الوعود بالبحث عن التوافقات وبالخروج من المماحكات والتناحر المرضي، مشكلة إعادة تأسيس جبهة المعارضة وقيادات الحراك الشعبي السياسي والمسلح، وهي المهمة التي لا يمكن تجاهلها اليوم مع تزايد المؤشرات على بداية جولة جديدة من مفاوضات السلام، مع تعاظم شعور جميع الأطراف بالاسنتزاف ورفض الغرب والمجتمع الدولي تقديم اي مساعدة للسوريين للقضاء على نظام القتل والارهاب والدمار.


الملف العسكري : الصراع على الطرق الحيويّة
في ظل حالة الاستعصاء في الملف السوري على الصعيد الدولي والإقليمي وإدراك جميع الأطراف استحالة الحسم العسكريّ في المرحلة الراهنة يسعى كل من النظام مدعومًا بالميليشيات الطائفية التي تسانده، وفصائل المعارضة المسلحة على اختلاف مشاربها من ضمنها الجهاديّة إلى مكاسب تكتيكيّة تعزز الموقف العسكريّ، وتضيق على الخصم خياراته تمهيدا لظروف ملائمة تكسر حالة الجمود القائمة. تأسيسا على الواقع السابق، فإن العين العسكريّة لا تخطئ التنافس والصراع على الطرق البرية الحيويّة، والتي تمثل إما خط إمداد أو بوابة ومدخل باتجاه منطقة حيوية واستراتيجية لهذا الطرف أو ذاك.
في الجنوب : كل الطرق تؤدي إلى دمشق
نجحت فصائل المعارضة المسلحة في تحقيق انجازات عسكريّة هامة على جبهة الجنوب ( درعا، القنيطرة) خلال الشهرين الماضيين. ولا يخفى على مراقب أن النظام، والذي يبدو وضعه العسكري جيدا في الشمال والوسط، يخسر وعلى التوالي مواقع عسكريّة هامة، ومناطق جغرافيّة استراتيجية.
ادخلوا عليهم الباب
نجحت الفصائل المنضوية ضمن غرفة عمليات " وادخلوا عليهم الباب" في تحقيق عدة أهداف معا، إذ تمكنت من تحرير مدينة نوى وكذلك طرد جيش النظام من معظم مواقعه في مدينة الشيخ مسكين ( الناحية، الجسر، برج 8 أذار، حاجز الشرطة العسكرية)، وهو ما مكنها من قطع الطريق نحو مدينة ازرع، حصن النظام الرئيس في درعا، وبواية الجنوب باتجاه دمشق، عدا عن كونها تحوي أهم مراكز عسكرية هامة مثل اللواء 12، والفوج 175، فروع الأمن السياسي والعسكري، ومكتب المحافظ، والشؤون الطبية ..الخ.
ولا تقتصر أهمية ما أنجز على خطط المعارضة لاستهداف ازرع خط الدفاع الأول، بل إن السيطرة على نوى والشيخ مسكين يمكن فصائل المعارضة في مراحل مقبلة من استهداف مدينة الصنمين، والتي تتموضع فيها مواقع عسكرية هامة كقيادة الفرقة التاسعة، ومحاصرتها من محور الشيخ مسكين جنوب مدينة الصنمين، ومن مدينة الحارة إلى بلدة غباب شمال شرق الصنمين. يضاف إلى ذلك أن سيطرة المعارضة على بلدة الشيخ مسكين، تمكنها من قطع الأوتوستراد الدولي، وإعاقة تحركات النظام غير العسكرية ( قوافل الامداد، المواد الغذائية) من وإلى بلدة ازرع، ومدينة درعا، وقطع مرور الشاحنات إلى الأردن عبر معبر نصيب. وعلى الرغم من أهمية ذلك، فإنه من غير المرجح لجوء قوات المعارضة لمثل هذا التكتيك كونه يضر بالأردن بما قد يؤثر عليها لناحية تضييق الحكومة الأردنية، الرافضة لفكرة سيطرة المعارضة على معبر نصيب والطريق الدولية، على امدادات الأسلحة والاغاثة وغيرها.
أيًا يكن، وعلى الرغم من أهمية الانجازات العسكريّة، فإنه من غير الممكن إطلاق صفة الحسم أو الادعاء برجحان موازين القوى العسكريّة لصالح المعارضة في الجنوب.

نصر الله من الله وفتح قريب
تسارعت الأحداث خلال الاشهر الأخيرة في محافظة القنيطرة، فبعد سيطرة فصائل من المعارضة المسلحة وفصائل جهادية أخرى على المدينة المدمرة وعلى غالبية نقاط خط الفصل على جبهة الجولان، خرجت غالبية مساحة المحافظة بما فيها مناطق استراتيجية واصلة بين ريف درعا وريف دمشق الغربيّ عن سيطرة النظام وما يبعث الأمل بوضع عسكري جديد ينتج عنه فتح طريق باتجاه دمشق وكسر الحصار على ريفها الغربي.
منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، أطلقت فصائل عدة من أبرزها فجر التوحيد، فتح الشام، الفاتحين، الفتح المبين، جبهة النصرة معركة سمتها "نصر من الله وفتح قريب" بهدف السيطرة على مدينة البعث وبلدة خان أرنبة، إضافة إلى تلال اليو إن، وتل كروم جبا، وتل أحمر، آخر معاقل قوات النظام في ريف القنيطرة، لفتح الطريق إلى العاصمة دمشق. لكن هذه المعركة سرعان ما توقفت لعدة أسباب أبرزها الافتقار للسلاح الثقيل للتعامل مع مواقع محصنة عسكريا، اضافة لاستخدام النظام لاهالي القرى كدروع بشرية، وانشغال جبهة النصرة التي تتولي قيادة غرفة العمليات بجبهات أخرى او ترتيب اوضاعها في ريف درعا تزامنا مع بروز فاعليه للجيش الحر في السيطرة على مواقع هامة.
يؤمل في هذه الحالة، أن تتولى جبهة ثوار سوريا قيادة غرفة العمليات، وهو ما من شأنه أن يعزز الطابع الثوري والوطني في العمل العسكريّ بدلا من الفصائل الجهاديّة.

حلب: حصار المدينة ليست أولوية النظام
حقق النظام اختراقات هامة في محافظة حلب خلال الأشهر الأخيرة، ولاسيما بعد سيطرته على المنطقة الصناعية والشيخ نجار. أنذاك، ارتفعت الأصوات والتحذيرات التي تطالب فصائل المعارضة المسلحة بالتوحد أو التنسيق فيما بينها لمواجهة الخطر المحدق بالمدينة، لاسيما بعد اقتراب النظام من طريق الكاستيلو شريان الامداد الرئيس من الريف المحرر للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في المدينة. بيد أن النظام، ونتيجة لأسباب عدة غير من أولوياته الآنيّة مركزا على السيطرة على ريف حلب، وتحديدا الوصول إلى قريتي نبل والزهراء والسيطرة على طريق حيان – بيانون، وتتلخص هذه الأسباب فيما يلي:
القضاء على مراكز الإمداد الرئيسية بدلا من التركيز على قطع طرق الإمداد، فالمسعى الأخير وإن كأن خيارًا هامًا، فإنه ليس خيارا حاسم ذلك أن النظام يدرك أن حصار مدينة حلب صعب جدا لكبر حجم المساحة ووجود طرقات فرعية يمكن أن تستخدمها المعارضة لإيصال الإمدادات. عدا عن عجزه عن تأمين العدة والعتاد اللازم لحصار المدينة ونقص العنصر البشري، وعجز الميليشيات الأجنبية التي يستقدمها على القيام بهذه المهمة. انطلاقا من ذلك، يرى النظام أن السيطرة على ريف حلب الشمالي خيار أسهل من حصار المدينة عند أطرافها أو اقتحامها، وتحقق على المدى المتوسط هدفة بخنق قوات المعارضة وحرمانها من الإمدادات القادمة من تركيا عبر معبر باب السلامة وقرية اعزاز.
يرى النظام أن سيطرته على ريف حلب الشمالي والغربيّ تمثل خطوة استباقيّة لطموحات تركية بإقامة منطقة أمنة وحظر طيران. وعلى الرغم من أن تركيا عاجزة حتى الآن عن السير بهذا الخيار نتيجة للرفض الأميركي لدعم مثل هذه الخطوة، فإن مخاوف النظام تبقى قائمة.
إن فك الحصار على قريتي نبل والزهراء تمثل أولويّة، لان القريتين الشيعتين تمثلان خزانه البشري في ريف حلب، لذلك يسعى ما أمكن لفك الحصار عنهما، واستغلالهما كقاعدة عسكريّة تؤهلة للقيام بحملات عسكرية أكثر فاعلية.
قرأ النظام بتمعن فشل الاستراتيجيّة الأميركية من خلال التحالف بإلحاق هزيمة سريعة أو على الأقل وقف تمدد تنظيم الدولة. فعلى الرغم من أن ضربات التحالف آلمت التنظيم فإن جدواها العملياتي سيبقى محدودا إذا لم تدعم بقوات عسكرية في الميدان. وعلى اعتبار أن خطط الولايات المتحدة وحلفائها لتدريب من تسميهم المعارضة السورية المعتدلة تستغرق على الأقل عامًا من الزمن، فإن النظام يسعى للعب على عامل الوقت مستغلا تراخي إدارة أوباما وميوعتها تجاه الملف السوري لتغيير خططها المستقبلية. وبسيطرته على ريف حلب يكون النظام على تماس مباشر مع محور (اخترين – دابق – احتميلات) الذي يسيطر عليه تنظيم الدولة ما يفرض وجود مواجهة مسلحة بينهما. وعلى هذا الأساس يشتبك النظام مع التنظيم في الشمال والشمال الشرقي، ويقدم نفسه كطرف ميداني قادر على هزيمة التنظيم أو على الأقل وقف تمدده، وهذا هو المشروع الرئيس للنظام منذ تشكيل التحالف.

لقد تنبهت فصائل المعارضة المسلحة لمساعي النظام، وبدأت بخطوة استباقية تمثلت بهجوم شنه جيش المجاهدين وأحرار الشام وجبهة أنصار الدين وجبهة النصرة استهدف قريتي نبل والزهراء، واستطاعت الفصائل من خلاله السيطرة على مداخل القريتين. من جهة أخرى استطاعت حركة حزم تحرير منطقة المعامل في محيط مخيم حندرات شمال شرق مدينة حلب، عقب اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، أسفرت عن مقتل وإصابة عددٍ من عناصر قوات الأسد والميليشيات الأجنبية المساندة لها، ما صعب المهمة على قوات النظام. من جهة أخرى، حققت الجولة الثانية من المعركة التي أطلق عليها اسم " زئير الأحرار" بعض الانجازات بعد أن انتهت الجولة الأولى، والتي بدأت في شهر تشرين الأول/ اكتوبر 2014، بفشل ذريع اثر انسحاب الأحرار من غالبية المناطق، ومن أبرز الانجازات تحرير القاعدة الجوية المعروفة بـ"العشتاوي"، وهذه المرة الأولى التي تتحرر فيها هذه القاعدة منذ بداية الثورة، إضافة إلى تحرير أربع قرب معامل الدفاع في السفيرة وإلحاق خسائر بشرية بعناصر النظام، فاقت الأربعين قتيلاً. لطالما حاولت فصائل المعارضة السيطرة على معامل الدفاع وقرية السفيرة الاستراتيجية، وعقدة المواصلات في خناصر دون أن تنجح، فالمعامل تعتبر ثاني أكبر معامل لانتاج الأسلحة والذخيرة في سورية وتعتبر مصدر هام لإمداد قوات النظام، كما أن طريق حلب – دمشق الحالي يمر عبر خناصر. انطلاقًا من ذلك، يخشى أن تكون هذه الجولات امتدادا لجولات أخرى تحقق بعض النجاحات في البداية لكنها تنتهي بنتائج مخيبة.

ريف ادلب : قتال الفصائل يزيد المخاوف
أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2014، تمكن النظام بمساندة الميليشيات الطائفيّة اللبنانية والعراقيّة من استعادة السيطرة على بلدة مورك في ريف حماة، وذلك بعد ثمانية أشهر من القصف المتواصل، والاقتحامات المتتاليّة، والخسائر الكبيرة التي مني بها أكان على صعيد المقاتلين، أو على صعيد العدة. فعلى سبيل المثال تجاوز عدد دبابات النظام المدمرة بالكامل أو المعطوبة حاجز 100 دبابة. لقد أوضحت معركة مورك، قدرة فصائل المعارضة المسلحة على إفشال مساعي النظام، وخططه العسكريّة أو تأخيرها على الأقل فيما لو جرى التنسيق الميدانيّ بينها، ولو في حده الأدنى، على الجبهات المختلفة. فالتوحد على الهدف، والاصرار على وقف تقدم النظام، ونبذ الاختلافات والتباينات الفكرية والتنظيميّة عزز من مقومات صمود المعارضة. لذلك يمكن بأي حال، وصف ما جرى في مورك بالهزيمة، بل هو نصف انتصار لاسيما وإذا نظرنا لحجم خسائر النظام.
أيًا يكن، فإن انسحاب المعارضة من مورك سيترك تداعياته على الجبهات الخلفية، ولاسيما جبهة ريف ادلب وبالأخص معسكرات النظام الحصينة كوداي الضيف والحامديّة، واللذان تحاصرهما قوات المعارضة منذ أكثر من سنتين. وما يزيد من هذه المخاوف ماجرى مؤخرا في ريف ادلب، والمواجهات المسلحة التي دارت بين كل من جبهة النصرة وجماعة جند الأقصى المتحالفة معها، وبين جبهة ثوار سورية بقيادة جمال معروف من جهة، وحركة حزم وبعض فصائل الجيش الحر من جهة أخرى.
اشرنا في تقارير سابقة إلى تغير منهجي وسلوكي لدى جبهة النصرة، ومحاولة قيادتها الجديدة ممثلة بالجولاني والشرعي الجديد الأردني سامي العريدي وقف استنزاف مقاتليها وهجرتهم إلى داعش برفع حدة الخطاب الجهادي الفئوي ( الغلو، والتكفير)، وإعادة طرح الأهداف الكبرى عن الإمارة والدولة الإسلامية كمشاريع راهنة يجب البدء بتحقيقها. تأسيسًا على ماسبق، وبخلاف كل الذرائع التي ساقتها جبهة النصرة للهجوم على جبهة ثوار سوريا، فإن النصرة نفضت عن نفسها شعارات " دفع الصائل" و " نصرة" الشعب السوري، واتجهت لبناء مشروعها الجهادي الخاص. ويمكن الاستلال على ذلك بمؤشرات عديدة لا يتسع المجال لذكرها ومن أبرزها:
انسحابها من الهيئات الشرعية ومن المؤسسات الإدراية والقضائية والعسكرية القائمة، وانشاء اجهزة قضاء ومحاكم وقوى أمن خاص بها.
تحالفها الوثيق مع جماعة جند الأقصى، وهي جماعة جهادية تدعي تبعيتها لتنظيم القاعدة، وتضم مقاتلي داعش الذين اعتزلوا القتال، أو خرجوا من التنظيم عند هزيمته في ريف ادلب وريف حماه وحلب مطلع العام الجاري.
عزل العنصر السوري وتحييده عن المناصب القيادية لصالح العنصر الأجنبي ولاسيما الأردني، وهو ما ترك أثره على زيادة الغلو والتكفير.
التعامل مع الجيش الحر بعمومه كفئة مرتدة كافرة عميلة للقوى الدوليّة، والاستيلاء على أسلحته ومقراته في سلوك مشابه لتصرفات داعش.
استفزاز البيئات المحلية الأهليّة إما من خلال ملاحقات لعناصر الجيش الحر من أبناء القرى، ما يخلق ردة فعل تضامنية ضدها، أو من خلال سلوكيات أفرادها وتضييقهم على الناس على الحواجز، واستدعائهم لمحاكمها الشرعية تحت ذريعة وجود شكوى ضدهم.
طعن الناس في دينهم، واتهامهم بالضلالة والجهل، كما يتوضح في مشاريع الداعية السعودي عبد الله المحيسيني، والذي يفتتح مكاتب، ويسير سيارات لتعليم المرأة السورية الحجاب واللباس الشرعي، وأصول الدين.
استغلال الخصومة مع جمال معروف، للقضاء على بعض تشكيلات الجيش الحر الفاعلة مثل حركة حزم. فبينما كانت تؤدي حزم دور قوات فصل بحسب الاتفاق الأولي للوساطة التي رعتها مجموعة من الفصائل المسلحة في ريف ادلب، هاجم رتل من النصرة حواجز حزم، واستولى على اسلحتها.
إن ما يجري في جبل الزواية وريف معرة النعمان يزيد من حالة الاحتقان بين فصائل أهلية تحسب على الجيش الحر وبين جبهة النصرة وجند الأقصى، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة متكررة يكون النظام هو المستفيد الأبرز فيها. ويمكن القول ومن خلال المعاينات الميدانية أن جبهات القتال في ريف ادلب توقفت منذ مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 بسبب القتال الدائر، وهو ما يستغله النظام لتعزيز مواقعه في ريف حماه الجنوبي والبدء بشن حملة عسكرية كبيرة تستهدف ريف ادلب الجنوبي بشكل يمكن أن يقلب المعادلات القائمة، وينهي بشكل كامل المقاومة الوطنية المسلحة والكتائب المنتمية للجيش الحر. الأمر الذي من شأنه احتكار الصراع بين النظام وإيران، والحركات الجهادية، وهو سيناريو يشتغل عليه النظام لتقديم نفسه طرفا شرعيا في التحالف الدولي.
نقاط حول الوضع العسكري العام
أفادت ضربات التحالف النظام، وعززت مواقعة العسكرية ولاسيما في حلب باعتراف المسؤولين الأميركيين دون أن يعني ذلك تفوقه العسكري المطلق، فجبهات درعا وصمود ريف دمشق، والهجمات المباغتة للمعارضة في الشمال ولاسيما في حلب عرقلت مساعيه للاستفادة القصوى من تغير اولويات الغرب والانكفاء عن دعم المعارضة. الأمر الذي يفرض على الأخيرة مراجعة خياراتها السياسية والعسكريّة لأن مرحلة طول فترة الاستعصاء عوامل تساعد النظام وتعزز مقومات بقائه.
يتعرض حزب الله لاستنزاف كبير في جبهة القلمون، ويعجز نتيجة وضعه العسكري الحالي واستخدام تكتيك الهجوم والسيطرة على المناطق والمدن عن وقف الخسائر أو الحد منها. وبناء عليه، لا بد من تطوير استراتيجية عسكرية في القلمون لمواجهة ميليشيات الحزب واجبار قادته على مراجعة خياراتهم، وهو أمر فيما لو حصل سيترك تداعياته على النظام والذي يعتمد بشكل شبه كلي على دعم الميليشيات الخارجية.
إن عدم ضبط الفوضى الفصائلية وتنظيمها سيكون سببا في اندثار الجيش الحر تدريجيا، وتعاظم قوة الجماعات الجهاديّة.
على الرغم من الضربات التي تلقاها، فإن تنظيم الدولة ما يزال قوة فاعلة رئيسية بل ويحقق انتصارات في عدد من المناطق. إن غموض استراتيجية التحالف، واصرار دوله على عدم استهداف الأسد وعدم الاستجابة للمقترحات الأخرى كالمقترحات التركيّة بإقامة منطقة أمنة وحظر جوي يساهم تدريجيا في تغير المزاج تجاه تنظيم الدولة ولاسيما من قبل بعض فصائل المعارضة التي انضمت إليه مؤخرا.
فشل النظام في ايقاف تمدد تنظيم الدولة ولاسيما عند حقل شاعر في ريف حمص بالإضافة إلى خسائره الكبيرة في أعداد الجنود يزيد من قناعة مؤيدية بعجزه عن توفير استقرار نسبي مستدام، وهو ما يجب أن تعمل عليه المعارضة السياسية والعسكرية.
ثمة مؤشرات عدة على وصول أسلحة جديدة لجبهة الساحل وهو ما قد يساهم في تفعيلها مجددا، ولكن يخشى ان تكون كمثل الجولات السابقة. ما يفرض استراتيجية عسكرية تتعامل مع النظام بمنطق الأهداف لا بمنطق التموضع الجغرافي.

الملف الحقوقي: المستقبل السوري مهدد بالكامل
على الرغم من أن الجانب الإنساني في سورية هو الأصل، فإن هناك توجها واسعا في وسائل الإعلام العالمية والعربية لتغييبه بشكل شبه كامل، وإحلال الجانب الجيوسياسي مكانه. والحال، لا تزال المأساة الإنسانية تتصاعد بشكل كبير، وهي مرشحة للاستمرار في ظل انسداد أي أفق أمام الحل السياسي وفشل الحلول الإنسانية المجتزأة. وبدخول الشتاء الرابع، فإن معاناة المشردين النازحين في داخل سورية واللاجئين خارجها مرشحة للتفاقم بشكل أكبر لاسيما بعد تراجع الاهتمام الدولي بأزمتهم ونقص التبرعات والمعونات. وقد نبهت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة ومنسقة الإغاثة فاليري آموس إلى هذا الأمر حيث صرحت الأربعاء 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 بأن "نحو اثني عشر مليون سوري بحاجة إلى مساعدة عاجلة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية". كما لمحت آموس إلى أن إدخال المساعدات إلى مناطق المعارضة السورية عبر الأردن وتركيا دون موافقة حكومة الأسد " جنى ثماره" الأسد في النهاية، وغمزت إلى ضرورة اجتراح خطط جديدة تتجاوز جمود القانون الدولي واستعصاء مجلس الأمن.
وبهذا التصريح، تشير آموس إلى قرار مجلس الأمن 2165 الصادر بتاريخ 14تموز/ يوليو 2014 والذي سمح أخيرا بإدخال المساعدات الإغاثية عبر الحدود دون موافقة النظام السوري. وهذا يؤكد ماكنا قد أشرنا إليه في تقارير سابقة إلى عدم ضرورة الزام النظام السوري بالسماح لشحنات المساعدات بالوصول إلى مناطق لاتبعد سوى 10 كليو مترات عن الحدود التركية على سبيل المثال بعد أن كان يصر ولسنوات على ضرورة مرور الشحنات عبر الأراضي التي يسيطر عليها، ثم يقوم بإرسال مايشاء منها إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، والتي قد تبعد في كثير من الأحيان مسافة 500 كيلو متر.
وعلى الرغم من أن القرار الدولي السابق خفف جزءا بسيطا من المعاناة فإن تطبيقه ما يزال قاصرا على المناطق الحدودية. أما المناطق المحاصرة، كالغوطة الشرقية وداريا وحي الوعر في حمص فما تزال تعيش المأساة ذاتها، إذ لم يصلها أي شيء حتى الآن أو شيء لايذكر. ولم يختلف حالها قبل أو بعد صدور القرار الأغاثي. ما يعني أن النظام ما يزال يخرق قرارات مجلس الأمن ويتهرب من تنفيذها، عدا عن خرقه لقانون الدولي الإنساني عبر ارتكاب جرائم حرب من خلال حصار تلك المناطق. الأمر الذي يضع مهام عاجلة على قوى المعارضة لرفع الصوت عاليا في المؤسسات الدولية وأمام الرأي العام الدولي لدفع حلفائه للضغط عليه من أجل ادخال المساعدات الإنسانية وتوفير مقومات الصمود للمناطق المحاصرة.
الشعب السوري في العبودية
من جهة أخرى، نتيجة لعدم اكتراث النظام السوري والمجتمع الدولي بالمواطن السوري احتلت سوريا المركز التاسع في مؤشر انتشار العبودية الحديثة، وذلك وفقا لتقرير مؤشر العبودية العالمي لعام 2014. وينطلق المؤشر في نتائجه من أن أغلب الشعب السوري، وخاصة المشردين واللاجئين يعملون بأجر منخفض، وبعضهم بدون أجر مقابل المبيت، وأن كثيرا منهم جرى ابتزازهم عبر شبكات الدعارة أو المخدرات أو الزواج. كما أن مالايقل عن 3.2 مليون طفل داخل وخارج سورية محروم من العملية التعليمية ما دفعهم للانخراط في العمل المبكر أو الانضمام للكتائب المقاتلة في حين لجأ بعضهم للتسول. يضاف ذلك تدهور قيمة العملة السورية لأكثر من 50%، مما تسبب بارتفاع هائل في كلفة الحاجيات الأساسية. وقد وصف المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بيير كرينبول 18تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 الوضع في سورية بالكارثي على السوريين والفلسطنيين على حد سواء، و ذكر أن "حوالي 18 ألف لاجئ فلسطيني في مخيم اليرموك يعانون الحصار والبرد والجوع".
أطفال سورية مستهدفون
لا تتوقف المأساة عند حد أو جيل معين بل تتجاوز كل المتصور. فقد أظهرت دراسة للشبكة السورية لحقوق الإنسان صدرت في يوم الطفل العالمي الموافق لتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر أن مالايقل عن 17268 طفل قتلوا من قبل قوات النظام بينهم 518 طفلاً قتل برصاص قناص، واعتقل مالايقل عن 9500 طفلاً، وقضى أكثر من 95 طفلاً تحت التعذيب في معتقلات النظام، وارتكبت بحقهم أعمال عنف جنسي. وأشارت الدراسة إلى أن عدد جرحى الأطفال بلغ أكثر من 280 ألف طفل، وأن عدد النازحين داخليا بلغ نحو 4.7 مليون طفل ، إضافة إلى 2.9 مليون طفل لاجئ، و حرم أكثر من 1.3 مليون منهم من التعليم. كما أوضحت الدراسة أن قوات النظام جندت مئات الأطفال في عمليات قتالية مباشرة وغير مباشرة. في المقابل قدرت أن ما لايقل عن 137 طفلاً قتل على يد داعش، ونحو 455 طفلاً اعتقلوا من قبل عناصر أخرى، كما أن التنظيم جند المئات منهم. في حين تقدر الدراسة عدد الأطفال الذين قتلوا على يد فصائل المعارضة المسلحة بـ 304 أطفال.
إرهاب داعش، ولكن
استمرت الانتهاكات في المناطق التي تخضع بحكم قوة الاحتلال والإرهاب لسيطرة تنظيم داعش عبر خنق الحياة المدنية والسيطرة على مختلف جوانب الحياة، وتخويف المجتمع من خلال عمليات الصلب والجلد وقطع الرؤوس في الساحات العامة. وفي هذا السياق، أصدرت لجنة التجقيق الدولية بشأن سورية تقريرا مستقلا تحدثت فيه حول جرائم تنظيم داعش، بعنوان "حكم الإرهاب: العيش في ظل داعش في سوريا"، وذلك بتاريخ 14تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. أشار التقرير إلى حالات استعباد النساء والتضييق على اللباس وبيع النساء الأيزيديات في سوق النخاسة بعد اختطافهن من العراق، كما تحدث عن تجنيد الأطفال وعن حادثة إعدام جنود النظام السوري الأسرى. المفارقة هنا أن التقرير ركز على مجموعات دينية واثنية معينة ( المسيحيين، الشيعة والأكراد)، وأغفل بقصد أو بعدم معرفة ضحايا داعش من السنة على أنهم في قائمة المستهدفين ولاسيما في محافظتي الرقة ودير الزور، وهو ما يطرح أسئلة عن عقدة التفكير الأقلوي التي تحكم المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية أيضا.
محرومون من الجنسية
في الداخل السوري يبقى المواطن عرضة للهجمات البربرية من قبل النظام السوري والميليشيات الطائفية أولا، والميليشيات الكردية والتنظيميات المتطرفة ثانيا، وعرضة للسلب والابتزاز من قبل بعض المجموعة المسلحة التي امتهنت السرقة والنهب مستغلة الفراغ الأمني وحالة الفوضى. أما معاناة السوريين في الخارج فهي في ازدياد مستمر. لقد فجع اللاجئون السوريون الذين يمثلون النسبة الأكبر من لاجئي العالم بعدة قرارات صادمة في الشهرين الأخيرين اوحت بوجود توجه جديد من قبل الدول المستضيفة للتضييق عليهم. فبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فإن الأطفال السوريين المولودون في المنفى يواجهون خطر انعدام الجنسية لعدم امتلاكهم أو أبائهم وثائق حكومية. وتشير دراسة أصدرتها المفوضية أن 70% من الأطفال السوريين الذين وُلدوا في لبنان لا يحملون شهادة ميلاد رسمية ما قد يؤدي لحرمانهم من الجنسية عدا عن عدم استفادتهم من الرعاية الصحية والتعليم، وتعرضهم للاستغلال الجنسي أو التبني غير القانوني أو العمالة الجائرة.  
تأسيسا على ماسبق، تعالت صيحات محدودة تطالب بتسجيل الأطفال السوريين في بلدان اللجوء ريثما تنتهي الأزمة، وبضرورة قبولهم في التعليم الرسمي أو الخاص. وجاءت هذه الصيحات بعد قرارات جائرة مثل قرار وزير التربية اللبناني الياس صعب بمنع تسجيل المهجرين أو من سماهم " غير اللبنانيين" في المدارس الحكومية. أما في مصر، فما تزال الحكومة المصرية تضيق على السوريين وترفض استقبالهم إلا بموافقة أمنية وترحل عددا منهم زجريا. أما في الأردن فقد أصدر مجلس الوزراء ( 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 ) قرارا يقضي بـ "إلغاء جميع قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بمعالجة اللاجئين السوريين في المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لوزراة الصحة، على أن تتم معاملتهم معاملة الأردنيين غير المؤمنين، واستيفاء أجور المعالجة والمطالبات المالية منهم مباشرة، دون إعداد مطالبات مالية بهذا الخصوص". ويجدر الإشارة إلى أن اللاجئين السوريين في الأردن كانوا يعالجون ضمن نظام التأمين الصحي وإبراز ورقة المفوضية عند كل مراجعة أو علاج أو حتى ما يتعلق منها بالعمليات الجراحية المكلفة، وهذا كله سوف يتوقف بشكل كامل، وسوف يؤثر بشكل مخيف على عشرات آلاف الحالات التي لاتملك تكاليف العلاج.
وعلى صعيد آخر، وأمام تصاعد العنف والجرائم، أقرت اللجنه الثالثه المسؤولة عن حقوق الانسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء 19تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 مشروع قرار يدين انتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها النظام السوري ضد المدنيين في سورية. وصوت لصالح مشروع، تقدمت به المملكة العربية السعودية، 125 بلدًا فيما رفضه 13 بلدًا بينها الصين وروسيا وايران وكوريا الشماليه وامتنع 47 بلدًا عن التصويت. ومن المتوقع أن يعرض هذا القرار على الجمعية العامة في كانون الأول/ ديسمبر 2014 من أجل إقراره.
وعلى الرغم من أن القرار لا يحظى بأي صفة إلزامية فإن الجميعة العامة تعبر عن إجماع دولي ورغبة كبيرة لازالة نظام دكتاتوري شمولي. وتبقى المشلكة الرئيسية في مجلس الأمن، فهذه ليست المرة الأولى التي تدين فيها الجمعية العامة بالأغلبية النظام السوري والميليشيات الأجنبية المتحالفة معه. وبناء عليه، يجب الانطلاق من هذا المشروع والاعتماد على قرارات أخرى لمجلس الأمن كقرار مجلس الأمن رقم 1674 بتاريخ 28 نيسان/ أبريل 2006، والذي يشير في بنده رقم 26 إلى أن تعمـــد اســـتهداف الـــسكان المـــدنيين وغيرهـــم مـــن الأشـــخاص المشمولين بالحماية، وارتكاب انتهاكات منتظمـة وسـافرة وواسـعة الانتـشار للقـانون الإنـساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في حالات الصراع المسلح قد يشكلان تهديداً للسلام والأمن الدوليين لملاحقة النظام وأركانه، وفضح جرائمه، وحث المجتمع الدولي على مزيد من الانخراط وتجاوز حالة اللامبالاة القائمة لوضع ضعوط تؤدي إلى حل الأزمة السورية أو تخفيف معاناة السوريين.

نتائج توصيات

راهن السوريون طويلا على الرأي العام الدولي والانساني، وعلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي والمواثيق الدولية الخاصة بحماية الشعوب المعرضة لجرائم ضد الانسانية وجرائم الإبادة الجماعية، كما راهنوا على الولايات المتحدة وعلى روسيا وعلى علاقاتهم التاريخية معها، بل إن بعضهم راهن على إسرائيل، لكنهم لم يحصدوا من كل ذلك سوى الهباء. لم تتدخل واشنطن لنصرتهم وهي تقول إنها لن تتدخل، ولن تتنازل لهم روسيا وايران عن مواقعها ومكاسبها الاستراتيجية في سورية، ولن تتنازع روسيا والولايات المتحدة ولا ايران وتركيا من أجل سورية وحقوق الشعب السوري. وليس للسوريين إلا العودة إلى أنفسهم، ومراجعة خططهم، واستعادة المبادرة، على المستوى العسكري والسياسي على حد سواء. ومفتاح هذه المراجعة هي نبذ الاوهام واسترجاع سيطرتهم على قرارهم وتنظيم قواهم العسكرية والسياسية والمجتمعية بما يمكنهم من إعادة تحرير بلادهم كما يحرر أي بلد خضع ويخصع لحكم الأجنبي، مع فارق أن الأجنبي هنا لم يعد طرفا واحدا وإنما أطرافا كثيرة ومتعددة، متنافسة ومتكاملة معا.
وهذا يعني :
إعادة تجميع المعارضة السياسية والعسكرية وتوحيد صفوفها على برنامج عمل وخيارات وأجندة موحدة يمكن تلخيصها بثمانية نقاط
١. الاعتراف بفشل الجهود الدولية السياسية والعسكرية التي بذلت منذ ثلاث سنوات ونصف لحل القضية السورية
٢. العمل على بناء قوة عسكرية مستقلة من الأنصار، قادرة على موازنة القوى المتصارعة على الأرض من غير السوريين وعلى الوقوف في الوقت نفسه في وجه مشاريع التقسيم والتفتيت، وتلك المعادية للهدف الذي قام من أجله الشعب السوري، وهو إقامة دولة سورية حرة تقوم على مباديء التعددية والمواطنة المتساوية وحكم القانون والعدالة والمساواة.
٣. العمل على الصعيد الدولي من أجل تاكيد الاعتراف بمركزية القضية السورية وأولويتها في السياسة الإقليمية، وعدم إلحاقها بأي قضية أخرى، سواء أكانت قضية الارهاب أو المفاوضات الغربية الايرانية، والعمل على ايجاد آليات تمكن الشعب السوري من تقرير مصيره بحرية.
٤.مطالبة المجتمع الدولي باحترام التزاماته واحترام سيادة سورية ووضع حد لتدخل القوى والميليشيات الأجنبية على أراضيها .
٥. نزع فتيل النزاعات الطائفية واعتبارها شكلا من أشكال العنصرية، وإجهاض الحرب المذهبية التي أصبحت استراتيجية سياسية وعسكرية لبعض الدول الإقليمية في سعيها لتفكيك المشرق وتمزيق شعوبه وتقويض دوله ونظمه السياسية للتمكن من اختراق بلدانه والسيطرة عليها.
٦. توحيد الموقف العربي إزاء القضية السورية ودعوة الدول لتجاوز خلافاتها الايديولوجية والسياسية والاتفاق على خطة عربية لمواجهة الأزمة المشرقية
٧. وضع حد لفوضى العلاقات الإقليمية والاعداد لاتفاقيات ومعاهدات تؤسس لنظام إقليمي جديد قائم على الاحترام الكامل لسيادة الدول ومبدأ الأمن الجماعي والشراكة والتعاون من أجل التنمية وحل الخلافات بين الدول بالوسائل السياسية والسلمية.
٨. وفي مايتعلق بالائتلاف، الذي لم ينجح في الخروج بتوافق يعزز مكانة المعارضة ويزيل تهمة التشتت والتمزق واللافاعلية عنها، أعتقد أن من مصلحة الجميع، داخل الإئتلاف وخارجه، في صفوف المعارضة، إعلان هدنة مرحلية، يصار فيها إلى تجميد النزاعات الشخصية والسياسية، وتجميع قوى الإئتلاف والمعارضة على اختلافها، وتوحيد صفوفها، حول مباديء عامة أساسية يتفق عليها الجميع، بصرف النظر عن الشخص او الأشخاص الذين سيتولون تمثيلها أو تطبيقها، من أجل التفرغ للمعركة السياسية الدولية التي بدأت إرهاصاتها وسوف تتعاظم في الأسابيع القادمة، حول ايجاد حل للقضية السورية وفي قلبها حسم معركة الأسد وموقعه في أي تسوية محتملة او مرحلة انتقالية.
وفي هذه الاثناء يمكن التفكير في تأهيل الإئتلاف وإعادة بنائه بما يمكنه من الخروج من الحلقة الفارغة التي وقع فيها.
ولايوجد طريق للخروج من مناخ الصراع الدائم الذي شل الإئتلاف إلا بشرطين:
الأول: إلغاء التكتلات داخل الائتلاف وتحريمها، ورفض أي منطق محاصصة او توزيع للمواقع حسب الانتماءات الخاصة مهما كانت، والالتزام بالتصويت الفردي، وكل حسب ضميره وتقديره السياسي، للأشخاص الذين يختارون أو يرشحون أنفسهم لاحتلال مواقع المسؤولية، بعد إظهارهم بالفعل أن لديهم معرفة بالمسؤوليات الملقاة عليهم، ورؤية واضحة للطريقة التي سيردون عليها والمهام التي يتوجب عليهم إنجازها، وأن الأمر لا يتعلق بمنصب تكريم وتشريف وإنما بمهام تستدعي عملا مستمرا وجهدا مضاعفا لتحقيقها. 

والثاني: إقرار قاعدة تداول الأعضاء في الهيئة العامة، وإستبدال ثلث الأعضاء على الأقل في كل دورة، لاتاحة الفرصة لتجديد دماء الإئتلاف، وإدخال عناصر جديدة من العاملين على الارض، والمشاركين في النشاطات الميدانية، ودفع الأقل قدرة على العطاء إلى الخروج والعمل ضمن الهيئات المدنية إذا كانوا معنيين بالفعل بخدمة المجتمع والشعب.
من دون ذلك لن تتغير قواعد اللعبة، وسوف يبقى الصراع على مناصب فقدت معناها هو الموضوع الأول والوحيد لاجتماعات الهيئة، كما حصل حتى الآن، ولا يبقى للائتلاف سوى أن ينكس الراية، ويحذو حذو المجلس الوطني الذي أصبح من قبله ناديا اجتماعيا مغلقا لأعضائه أو للبعض منهم.
٩. بلورة مبادرة وطنية للحل السياسي للقضية السورية مستندة إلى القرارات الدولية وتلبية مطالب الشعب السوري في الكرامة والحرية وإقامة حكم القانون في إطار نظام وطني ديمقراطي يضمن المشاركة المنصفة لجميع الأفراد في تقرير مصير البلاد وسياساتها ويساوي بين جميع أبنائها، في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن أصلهم ومنبتهم القومي أو الديني أو المذهبي أو الجغرافي ويكرس مبدأ سيادة الشعب.

dimanche, novembre 30, 2014

أثار المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، بفكرة المناطق المجمدة آمال سوريين كثيرين بإمكانية فتح ثغرة في جدار الحرب الوحشية، والتقدم، ولو خطوة صغيرة، في اتجاه التهدئة، على طريق إيجاد حل سياسي للمحنة السورية المستعصية.  ومن الطبيعي أن يثير هذا العرض خيال أبنائنا الذين يتعرضون في المناطق المحاصرة، أو الخارجة عن سلطة نظام الأسد، بمقدار ما يلوح لهم بالخلاص، على الأقل من حرب الجوع والبراميل المتفجرة والحارقة، ومن القنص والتشبيح من كل الأشكال. لكن، ليس في مخطط وقف إطلاق النار، بدءاً من حلب أي مشروع حل سياسي. بالعكس، هدفه مساعدة النظام من قبل حلفائه، الروس والإيرانيين، على قطف ثمار حرب التجويع والتركيع والقتل العشوائي والتهجير المنهجي للسكان، وقتل أي حياة مدنية طبيعية في المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون. ولا يعني، في النهاية، إلا قبول السوريين بوضع حد للصراع، من دون أن يضمنوا أي تغيير، أو تحول في نظام الحكم وفي الحاكمين، بل، فقط، لقاء السماح لهم بعدم الموت تحت البراميل المتفجرة، وبتلقي المعونات الغذائية الدولية، أي الاعتراف في النهاية والإقرار بالأمر الواقع.
يعرف الإيرانيون الذين يقودون العمليات العسكرية والسياسية في سورية أن الاستنزاف أصاب جميع القوى، وفي مقدمها النظام، وأن الأسد ليس في حاجة إلى أكثر من تجميد المواقع، ووقف إطلاق النار، حتى يستمر، ويوقف تدهور موقفه العسكري والسياسي، فوقف إطلاق النار، من دون شروط، سوى تأمين الغذاء للمناطق المحاصرة، يعني، ببساطة، تحرير الأسد من كل الضغوط العسكرية والدولية، وتكريس سلطته من جديد في المناطق التي يسيطر عليها، وهي الأهم سياسياً في سورية، وتركه المناطق الأخرى الخاضعة للمعارضة تكتوي بنار الفوضى والصراعات الداخلية، والتسول على المساعدات الدولية.
مثل هذا الوضع لا يشكل ضماناً لبقاء الأسد، كما يريد الإيرانيون فحسب، وإنما يريح، أيضاً، المجتمع الدولي الذي يريد أن يتخلص من عبء المأساة السورية، ولا يبقي من القضية السورية، أعني قضية تغيير نظام حكم جائر وقاتل، إلا بُعدها الإنساني. سيقدم المجتمع الدولي المساعدات لمناطق المعارضة، حتى تستمر في الحياة، لكنه شيئا فشيئاً سوف يتعامل مع دمشق كعاصمة للدولة السورية المتبقية، في حين سينظر إلى مناطق المعارضة المتفرقة كفراطة وفرق حساب.

من الطبيعي أن يتحمس الأسد لمثل هذا المخطط الذي يأتي ليكمل عمله التدميري، ويؤمن استمراره، بتكريس تقسيم الأمر الواقع للبلاد بينه وبين المعارضة، مع احتفاظه بالجزء الأساسي من الدولة، ومواردها ورموزها، وتركه سائر المناطق هدية مسمومة للمعارضة تتنازع عليها مع داعش والقوى المتطرفة الأخرى، وتأكل بعضها فيها.
وليس من قبيل المصادفة أن يختار دي ميستورا مدينة حلب، والتركيز عليها، فبتجميد القتال في حلب يسمح لنظام الأسد الإيراني أن يستجمع قواه من أجل القضاء على معاقل الثوار في الغوطة الشامية، وينظف منطقته من المعارضة نهائياً. هذا أفضل تتويج يمكن أن يحلم به الأسد لسياسة عقد الهدن الكثيرة التي وقعها مع مقاتلي الأحياء والقرى، والتي حيد من خلالها آلاف المقاتلين، وخفف العبء عنه، ليعزز مواقعه في دمشق والوسط والساحل، ويجعل منها دولته الخاصة المعترف بها.
مشروع دي ميستورا هو طوق النجاة لنظام الأسد المتهاوي والمهدد، الذي يأتي في اللحظة المناسبة، وهو الضربة القاضية التي يريدها حلفاؤه للثورة وأهدافها. سيتمترس الأسد والإيرانيون في دمشق وملحقاتها، وهذا يكفيهم، ويتحدوا المعارضة في إقامة النظام التعددي الديمقراطي الذي قامت من أجله الثورة في مناطقها المبعثرة. بعكس ما يشاع تماماً، لا يفتح المشروع أي أفق للحل أو للتسوية أو للمفاوضات، ولا للانتقال السياسي، ولا لحكومة شراكة، حتى من نوع لا وطني، لكنه بتقسيمه سورية بين المعارضة وداعش والنظام، يلغي الحاجة إلى المفاوضات والتسويات والمطالب الديمقراطية من الأساس، ويمكّن كل طرف من تطبيق النظام الذي يريده في منطقته. وفي الحقيقة، ينهي وجود سورية نفسها كدولة.
ولا أعتقد أن الدول ستعارض ذلك، بل ربما وجد كثير منها، بما فيها من يدّعي الصداقة للشعب السوري حتى الآن، أفضل وسيلة للتملص من المسؤولية، كما سيجد في وجود دولة إسلامية متطرفة في شرق سورية أفضل وسيلة لدفع المسلمين السنة، وإغراقهم في شلالات دماء حرب أهلية داخلية.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/5706ac41-c143-4a71-9f5d-fd79480efc00#sthash.4OtGoKce.dpuf

لترتفع المعارضة السورية إلى مستوى مسؤولياتها

برهان غليون

29 نوفمبر 2014
برهان غليون


أثارت النزاعات التي شهدتها اجتماعات الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في ٢١-٢٣ من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهي تثير، منذ أشهر طويلة سابقة في الواقع، سخط الرأي العام السوري بجميع فئاته. لكن، بالدرجة الأولى سخط الشعب الذي يتعرض منذ ما يقارب السنوات الأربع لامتحان الحرب الهمجية القاسي، ولا يكاد يجد الوسيلة للحفاظ على البقاء، سواء بسبب قصف البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات الأسد أو تجاوزات أمراء الحرب، أو الفوضى الضاربة أطنابها، أو غياب الدعم الدولي الإنساني الكافي، داخل سورية وفي مناطق التشرد واللجوء.
أظهرت هذه النزاعات من جديد أن "الائتلاف" مصاب بمرض عضال، لا شفاء منه، وأن الائتلافيين انقطعوا تماماً عن عموم الشعب السوري، وهم يعيشون في فقاعة هوائية، تمنعهم من إدراك حقيقة الوضع المأساوي الذي تعيش فيه كل الفئات السورية، في الداخل والخارج. وكان السوريون الذين أنهكتهم الحرب في كل المدن والمناطق، وفتكت بهم نزاعات القوى المتصارعة، وأصحاب المشاريع الانتقامية والامبراطورية، من الميليشيات الأجنبية والمحلية، ينتظرون من المعارضة أن تغتنم فرصة الضغوط الدولية المتزايدة، من أجل البحث عن حلول سلمية في سورية، في ضوء تطور ما سميت الحرب ضد الإرهاب، حتى تجمع قواها وتنتزع المبادرة السياسية، وتعيد التركيز على حل القضية السورية، باعتبارها في صميم مسألة مواجهة الإرهاب والتطرف الذي جعله المجتمع الدولي، منذ تأسيس التحالف، عنوان تدخّله السياسي والعسكري في الإقليم المشرقي.
ولم يكن هذا من الأمور الصعبة، ذلك أن جميع الاطراف الدولية تدرك، اليوم، أنه لا أمل في الحد من تطور "داعش" وغيرها من القوى المتطرفة، من دون وضع حد لإرهاب الأسد اليومي، والذي لا يغذي مشاعر الغضب والنقمة عند السوريين وحدهم ضد التحالف الذي تجاهل هذه القضية السورية فحسب، وإنما لدى جمهور العرب والمسلمين أجمعين. ومن أجل ذلك، ارتأيت أن من المفيد التواصل مع مختلف الاطراف لنقل رسالة واحدة، قبل انعقاد جلسات الاجتماع، وهي:
ضرورة تجنب النزاع بأي ثمن، وإنقاذ سمعة الائتلاف والمعارضة، واستعادة بعض الصدقية والثقة الدولية، حتى نستطيع أن نفرض أنفسنا شريكاً في المداولات الواسعة التي تجري، الآن، من أجل فتح باب التفاوض من جديد حول مستقبل الوضع السوري، واستغلال ما بدر من إرادة دولية مشتركة، للخروج من المأزق الذي تشكله القضية السورية لجميع الأطراف، بما في ذلك روسيا وإيران. وليس هناك وسيلة لتجنب النزاعات سوى طي صفحة الماضي، والكف عن التفكير في تصفية الحسابات، أو تغيير القرارات التي جاء معظمها، في السابق، بدافع نكدي من كل الأطراف، فالسعي، في كل مرة، إلى حرمان الفائز من فوزه، والإعداد لمرحلة إسقاطه، وإصدار قرارات بإقالة أشخاص وقرارات مقابلة، بإعادة تعيينهم والعكس، لعبة عبثية وانتحارية بالنسبة للائتلاف، وهو ما حصل بالفعل حتى الآن، وهي لعبةٌ، ينبغي وقفها. ليس هناك خيار آخر سوى فتح صفحة جديدة، من دون إيلاء أهمية لمن هو الفائز الآن، المهم أن تستقر الآلة، أي الائتلاف، على الأرض، وتبدأ بالسير والعمل والإنجاز.
شرطا إنقاذ الائتلافللأسف، لم يكتب لهذه المبادرة النجاح، فمن الواضح أنه لا يزال هناك منسوب ضعيف جداً للشعور بالمسؤولية، وروح خصامية استثنائية لا تهدأ، واهتمام مرضي بالمواقع والمناصب الوهمية، ونسيان للواقع، والعيش في مكان وزمان آخريْن، لا يمتان بصلةٍ لزمان سورية المحنة والمأساة.
لا يوجد هناك حل لشلل الائتلاف، ولأي إطار سياسي جامع للمعارضة، أو للقوى الوطنية السورية التي هي، اليوم، بأمسّ الحاجة إلى أن تجتمع، وتوحّد صفوفها، لتتحول إلى طرف في المداولات الدولية، يمثل مصالح الشعب المكافح والدولة السورية، ويبرز قدرة السوريين على إدارة شؤونهم، وقيادة المرحلة الانتقالية، إلا بشرطين:
الأول، إلغاء التكتلات داخل الائتلاف وتحريمها، ورفض أي منطق محاصصة أو توزيع للمواقع حسب الانتماءات الخاصة، مهما كانت، والالتزام بالتصويت الفردي، وكل حسب ضميره وتقديره السياسي، للأشخاص الذين يختارون، أو يرشحون أنفسهم لاحتلال مواقع المسؤولية. وهذا يفترض قبل ذلك تعميق الإدراك لدى الجميع أن الأمر، أعني احتلال أي منصب أو موقع قيادي داخل الائتلاف والمعارضة، ليس مسألة تكريم وتشريف واعتراف بالمكانة والمقام، وإنما هو تقلد لمسؤوليات، وبالتالي، القيام بمهام يستدعي تحقيقها عملاً مستمراً وجهداً مضاعفاً، ولا يمكن القيام بها من دون كفاءات وخبرة ومعرفة وقدرات ذاتية ورؤية واضحة لها، وهذا يعني بحث الجميع عن العناصر الأكفأ التي تستطيع أن تنجز العمل، لا عن الأقرب أو الأكثر ولاءً لهذا الطرف، أو ذاك.
والثاني، البدء بتغيير قاعدة أعضاء الائتلاف التي لم تتغير منذ سنتين، على الرغم من التغيرات الكبيرة التي طرأت على تشكيل القوى السياسية والعسكرية والمدنية على الأرض، وتلاشي تنظيمات وظهور أخرى، من خلال فتح باب التداول على العضوية داخل الهيئة العامة، واستبدال ثلث الأعضاء، على الأقل، في كل دورة، لإتاحة الفرصة لدخول دماء جديدة من العاملين على الأرض، والمشاركين في النشاطات الميدانية، ودفع الأقل قدرة على العطاء إلى الخروج، والعمل ضمن الهيئات المدنية، إذا كانوا معنيين، بالفعل، بخدمة المجتمع والشعب.
من دون ذلك لن تتغير قواعد اللعبة، وسوف يبقى الصراع على مناصب فقدت معناها وبريقها الموضوع الأول والوحيد لاجتماعات الهيئة، كما حصل حتى الآن، ولا يبقى للائتلاف سوى أن ينكس الراية، ويحذو حذو المجلس الوطني السوري الذي خرج من السباق على القيادة، وأصبح نادياً اجتماعياً مغلقا لأعضائه، أو لبعضهم.
مقاتلون من الجيش السوري الحر في حلب (11أبريل/2014/الأناضول)

نحو هدنة مرحليةلكن، على جميع الأحوال، تطرح أزمة الائتلاف التي لم تكن، في أي يوم سابق، أوضح مما هي عليه اليوم، على الرغم من كل الوعود بالبحث عن التوافقات، وبالخروج من المماحكات والتناحر المرضي، مشكلة إعادة تأسيس جبهة المعارضة وقيادات الحراك الشعبي السياسي والمسلح، وهي المهمة التي لا يمكن تجاهلها، اليوم، مع تزايد المؤشرات على بداية جولة جديدة من مفاوضات السلام، مع تعاظم شعور جميع الأطراف بالاستنزاف ورفض الغرب والمجتمع الدولي تقديم أي مساعدة خاصة وحاسمة للسوريين، للقضاء على نظام القتل والإرهاب والدمار.
ليس المطلوب، اليوم، تنظيماً جديداً، يكرر مثالب وأخطاء تنظيمات المجلس الوطني والائتلاف، ويشجع على مزيد من الانقسام والتناحر والتنازع على القيادة والمناصب، إنما المطلوب فريق من قيادات المعارضة وأصحاب الخبرة والكفاءة والصدقية، عابر للتشكيلات القائمة، بما فيها الائتلاف، وبالتالي، مكمّل وموحّد لها، وليس نافياً ومناقضاً، يضع خطة للعمل، ويعرضها على الشعب، ويباشر في تنفيذ برنامج واضح ومتفق عليه للخلاص الوطني، تحت إشراف الرأي السوري العام ومراقبته.
في انتظار ذلك، أعتقد أن من مصلحة الجميع، داخل الائتلاف وخارجه، في صفوف المعارضة، إعلان هدنة مرحلية، يُصار فيها إلى تجميد النزاعات الشخصية والسياسية، وتجميع قوى الائتلاف والمعارضة على اختلافها، وتوحيد صفوفها، حول مبادئ عامة أساسية، يتفق عليها الجميع، بصرف النظر عن الشخص أو الأشخاص الذين سيتولون تمثيلها أو تطبيقها، من أجل التفرغ للمعركة السياسية الدولية التي بدأت إرهاصاتها، وسوف تتعاظم في الأسابيع المقبلة، حول إيجاد حل للقضية السورية، وفي قلبها حسم معركة الأسد، وموقعه في أي تسوية محتملة، أو مرحلة انتقالية.
وبإمكاننا، منذ الآن، أن نستفيد مما تم إنجازه في الاجتماعات الأخيرة، بانتظار حسم الخلافات الأخرى بالحوار، بما في ذلك في موضوع المجلس العسكري، والرهان على تفعيل الحكومة المؤقتة، ودعمها لتكون طرفاً فاعلاً في تعزيز مواقع المعارضة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكذلك في المساعدة على استقطاب الدعم الدولي، الإغاثي والسياسي للمعارضة في بحثها عن حل للمأزق السوري، ما يعني، أيضاً، أن على الحكومة المؤقتة التي تمت المصادقة عليها، الأسبوع الجاري، أن تنأى هي، أيضاً، بنفسها عن الصراعات والتجاذبات والنزاعات داخل صفوف الائتلاف والمعارضة، وأن تتصرف كحكومة وطنية سورية، تعمل لصالح السوريين، ولتخفيف المحنة والضيم والعناء عنهم، وهي مستعدة للتعاون معهم، ومع جميع قوى المعارضة على قدم المساواة، ولا أعني بالمعارضة، هنا، تشكيلات بعينها، وإنما جميع القوى الفاعلة على الأرض، العسكرية والسياسية والمدنية، لتقديم أفضل ما تستطيع من العون للسوريين، وأن تكون، بالتالي، شريكاً وطرفاً في دعم الوحدة والتفاهم والانسجام داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة، وجزءاً من الحل، لا جزءاً من المشكلة.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/3e048a76-4199-45af-a9bb-6a2bcdaf12af#sthash.rUTR4uQD.dpuf

مجلس قيادة الثورة إنجاز كبير على طريق خلاص السوريين


نجحت الفصائل السورية المقاتلة في تشكيل "مجلس قيادة الثورة" في اليوم الثالث من المداولات التي جمعت ممثلين عن قوى فاعلة داخل سوريا, والتي انعقدت في مدينة "غازي عنتاب" التركية, في ٢٩ كانون١ الجاري. 

واختارت القوى التي شاركت في الاجتماعات 73 عضواً في القيادة العامة، وضمت الهيئة العامة 219عضواً، والمكتب التنفيذي يضم 17 عضواً.

يستجيب هذا الاتفاق لحاجتين أساسيتين: توحيد الصف، وأعطاء دور أكبر ووزن أهم للفصائل الثورية الفاعلة على الأرض في أي قرار يمس مصير الثورة والبلاد.
ويؤكد المجلس في ميثاقه على أهداف يجمع عليها كل السوريين الأحرار:
- التصدي لجميع صور الإرهاب التي يمارسها النظام وحلفاؤه ضد الشعب السوري,
- وقف الممارسات الخاطئة والمضرة بالناس بما في ذلك ظاهرة التكفير بغير حق. 
- حشد الحاضنة الشعبية وتعبئتها لمواصلة الثورة بضرب المثال بالتضحية والعدل والأخوة والمشاركة بتحمل الأعباء.
- العمل على ضمان وحدة سوريا أرضا وشعبا, ورفض جميع مشاريع التقسيم وكل ما يمهد لها، وسعيه لإدارة المناطق المحررة بما يخدم مصالح المواطنين، - تأسيس سلطة قضائية مستقلة، والمحافظة على الهوية الإسلامية للمجتمع السوري، والعمل على رفع معاناة الشعب السوري في الداخل والخارج. 

تشكل ولادة هذا المجلس خطوة مهمة 
أولا لما تمثله من وعد بتجاوز العطب الرئيسيالذي عانت منه قضية الثورة والشعب في استعادة الكرامة والحرية ، وهو الانقسامات وغياب القيادة المركزية والموحدة للقوى الثورية العسكرية والسياسية.
وثانيا لأنه يأتي في وقت تتعرض فيه قضية الثورة للتلاعب حتى لا نقول التآمر من قوى متعددة محلية وإقليمية ودولية وهي تحتاج إلى ألى قيادة مركزية تساعد الشعب على استعادة المبادرة لضمان حقوقه ومصالحه الوطنية في مواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت والإجهاض.
بانتظار أن يتأكد ما تم الاتفاق عليه، جميع السوريين يحيون هذه الخطوة الكبير التي كانوا ينتظرونها منذ زمن طويل لإعادة الثورة إلى طريقها الصحيح وتعزيز قدراتها ووضع حد لخطة تحويل سورية إلى مسرح لتصفية حسابات الآخرين وتحميل السوريين عبء نزاعاتهم وثمن مشاريعهم الهيمنية.

mercredi, novembre 26, 2014

حول مجزرة الرقة



ارتفع عدد شهداء مدينة الرقة إلى أكثر من مئة، وربما إلى مئتين، بعد الغارات التي شنتها طائرات الأسد على المدنيين ومؤسسات العبادة في هذه المدينة التي هي ضحية مزدوجة لقصف النظام واحتلال تنظيم الدولة في الوقت نفسه.
تؤكد هذه الغارات الاجرامية ما كنا نقوله سابقا من أن استراتيجية التحالف الدولي للحد من نفوذ داعش، من دون المساس بنظام الارهاب القابع على صدر الشعب السوري في دمشق، سوف تقود لا محالة إلى تقسيم للعمل يتكفل فيه التحالف بقصف التنظيم المتطرف ويختص فيه نظام الأسد بقصف السوريين الآخرين، من المعارضة المسلحة والحاضنة الشعبية ومعاقبتهم من دون أن يخشى أي رد.
يتحمل التحالف الدولي مسؤولية أساسية عن هذه المجزرة الجديدة التي تبرهن على تهافت استراتيجيته كما تفضح ما يحصل من تنسيق الأمر الواقع مع نظام الطغمة العسكرية، ويشجعها على الاستمرار في سياسة الحسم العسكري التي كان من المفروض وضع حد لها منذ زمن طويل من قبل التحالف والمجتمع الدولي على حد سواء.
ويتحمل الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولية كبيرة أيضا بسبب وقوفه مكتوف اليدين أمام جرائم من مهمته وضع حد لها، وتطبيق قراره القاضي بوقف القصف بالبراميل المتفجرة والذي جعله الأسد حبرا على ورق. 
ما حصل في الرقة ويحصل كل يوم في المدن السورية الأخرى، في غوطة دمشق وحلب ومدن حوران والجزيرة وادلب وحماة وحمص هو النتيجة الحتمية للاستقالة السياسية والأخلاقية للمجتمع الدولي وعلى رأسه الأمم المتحدة وأمينها العام، واستسلامهم جميعا لابتزاز العنف والقوة وتسليمهم لها. ولن يوقفها سوى استعادة المجتمع الدولي لدوره وتحمله مسؤولياته قبل أن تفقد المنظمة الدولية آخر ما تبقى لها من كرامة وصدقية.

mercredi, novembre 19, 2014

خطة دي مستورا لتصفية القضية السورية

أثار المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، بفكرة المناطق المجمدة آمال سوريين كثيرين بإمكانية فتح ثغرة في جدار الحرب الوحشية، والتقدم، ولو خطوة صغيرة، في اتجاه التهدئة، على طريق إيجاد حل سياسي للمحنة السورية المستعصية.  ومن الطبيعي أن يثير هذا العرض خيال أبنائنا الذين يتعرضون في المناطق المحاصرة، أو الخارجة عن سلطة نظام الأسد، بمقدار ما يلوح لهم بالخلاص، على الأقل من حرب الجوع والبراميل المتفجرة والحارقة، ومن القنص والتشبيح من كل الأشكال. لكن، ليس في مخطط وقف إطلاق النار، بدءاً من حلب أي مشروع حل سياسي. بالعكس، هدفه مساعدة النظام من قبل حلفائه، الروس والإيرانيين، على قطف ثمار حرب التجويع والتركيع والقتل العشوائي والتهجير المنهجي للسكان، وقتل أي حياة مدنية طبيعية في المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون. ولا يعني، في النهاية، إلا قبول السوريين بوضع حد للصراع، من دون أن يضمنوا أي تغيير، أو تحول في نظام الحكم وفي الحاكمين، بل، فقط، لقاء السماح لهم بعدم الموت تحت البراميل المتفجرة، وبتلقي المعونات الغذائية الدولية، أي الاعتراف في النهاية والإقرار بالأمر الواقع.
يعرف الإيرانيون الذين يقودون العمليات العسكرية والسياسية في سورية أن الاستنزاف أصاب جميع القوى، وفي مقدمها النظام، وأن الأسد ليس في حاجة إلى أكثر من تجميد المواقع، ووقف إطلاق النار، حتى يستمر، ويوقف تدهور موقفه العسكري والسياسي، فوقف إطلاق النار، من دون شروط، سوى تأمين الغذاء للمناطق المحاصرة، يعني، ببساطة، تحرير الأسد من كل الضغوط العسكرية والدولية، وتكريس سلطته من جديد في المناطق التي يسيطر عليها، وهي الأهم سياسياً في سورية، وتركه المناطق الأخرى الخاضعة للمعارضة تكتوي بنار الفوضى والصراعات الداخلية، والتسول على المساعدات الدولية.
مثل هذا الوضع لا يشكل ضماناً لبقاء الأسد، كما يريد الإيرانيون فحسب، وإنما يريح، أيضاً، المجتمع الدولي الذي يريد أن يتخلص من عبء المأساة السورية، ولا يبقي من القضية السورية، أعني قضية تغيير نظام حكم جائر وقاتل، إلا بُعدها الإنساني. سيقدم المجتمع الدولي المساعدات لمناطق المعارضة، حتى تستمر في الحياة، لكنه شيئا فشيئاً سوف يتعامل مع دمشق كعاصمة للدولة السورية المتبقية، في حين سينظر إلى مناطق المعارضة المتفرقة كفراطة وفرق حساب.

من الطبيعي أن يتحمس الأسد لمثل هذا المخطط الذي يأتي ليكمل عمله التدميري، ويؤمن استمراره، بتكريس تقسيم الأمر الواقع للبلاد بينه وبين المعارضة، مع احتفاظه بالجزء الأساسي من الدولة، ومواردها ورموزها، وتركه سائر المناطق هدية مسمومة للمعارضة تتنازع عليها مع داعش والقوى المتطرفة الأخرى، وتأكل بعضها فيها.
وليس من قبيل المصادفة أن يختار دي ميستورا مدينة حلب، والتركيز عليها، فبتجميد القتال في حلب يسمح لنظام الأسد الإيراني أن يستجمع قواه من أجل القضاء على معاقل الثوار في الغوطة الشامية، وينظف منطقته من المعارضة نهائياً. هذا أفضل تتويج يمكن أن يحلم به الأسد لسياسة عقد الهدن الكثيرة التي وقعها مع مقاتلي الأحياء والقرى، والتي حيد من خلالها آلاف المقاتلين، وخفف العبء عنه، ليعزز مواقعه في دمشق والوسط والساحل، ويجعل منها دولته الخاصة المعترف بها.
مشروع دي ميستورا هو طوق النجاة لنظام الأسد المتهاوي والمهدد، الذي يأتي في اللحظة المناسبة، وهو الضربة القاضية التي يريدها حلفاؤه للثورة وأهدافها. سيتمترس الأسد والإيرانيون في دمشق وملحقاتها، وهذا يكفيهم، ويتحدوا المعارضة في إقامة النظام التعددي الديمقراطي الذي قامت من أجله الثورة في مناطقها المبعثرة. بعكس ما يشاع تماماً، لا يفتح المشروع أي أفق للحل أو للتسوية أو للمفاوضات، ولا للانتقال السياسي، ولا لحكومة شراكة، حتى من نوع لا وطني، لكنه بتقسيمه سورية بين المعارضة وداعش والنظام، يلغي الحاجة إلى المفاوضات والتسويات والمطالب الديمقراطية من الأساس، ويمكّن كل طرف من تطبيق النظام الذي يريده في منطقته. وفي الحقيقة، ينهي وجود سورية نفسها كدولة.
ولا أعتقد أن الدول ستعارض ذلك، بل ربما وجد كثير منها، بما فيها من يدّعي الصداقة للشعب السوري حتى الآن، أفضل وسيلة للتملص من المسؤولية، كما سيجد في وجود دولة إسلامية متطرفة في شرق سورية أفضل وسيلة لدفع المسلمين السنة، وإغراقهم في شلالات دماء حرب أهلية داخلية.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/5706ac41-c143-4a71-9f5d-fd79480efc00#sthash.4OtGoKce.dpuf

dimanche, novembre 16, 2014

من حوران هلت البشاير: تحية لثوار الجنوب

لافت التقدم الذي يحرزه تجمع كتائب جبهة الجنوب في الجيش الحر على الأرض، منذ فترة، والذي جعل السوريين يشخصون بأبصارهم نحوهم. ها هنا قوة منظمة تعمل حسب خطة وتتقدم بشكل حثيث، ولا تهدر طاقاتها وجهودها في حرب مواقع غير متوازنة.
لكن اللافت أكثر هو البيان الذي أصدرته الجبهة وما عبر عنه من رؤية سياسية وروح وطنية أصبحت عملة نادرة اليوم وينبغي استعادتها. واختار من البيان هذه الفقرة المعبرة والكافية لإعطاء فكرة واضحة عن طريقة تفكير أخوتنا هناك، أبطال تحرير الجنوب في طريقهم إلى دمشق الغاية والهدف.
"من الآﻥ وحتى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بموافقة الشعب السوري تتعهد الجبهة الجنوبية بدعم إنشاء مشروع إطار للمرحلة الانتقالية، بما في ذلك تشكيل هياكل السلطات المؤقتة على المستوى الوطني لتحقيق الاستقرار في سورية وللخروج من الحكم الاستبدادي. وتتعهد بحماية جميع المواطنين السوريين بغض النظر عن الانتماء الديني أو الثقافي أو العرقي أو السياسي وفق الشرعبة الدولية لحقوق الانسان. وكذلك فإن الحفاظ على المؤسسات الوطنية في القطاعين العام والخاص على المستوى الوطني وتأمين البنية التحتية الاقتصادية والخدمية في البلاد، هو في مقدمة أولويات الجبهة الجنوبية".
حياكم الله
كل السوريين ينظرون إليكم ويحيون انجازاتكم ويدعون لكم بالنصر.

jeudi, novembre 13, 2014

مع هؤلاء الاصدقاء سورية لاتحتاج لأعداء

لا يترك الرئيس الأميركي، باراك أوباما، فرصة للتعبير عن عدم رغبته في التورط في القضية السورية، إلا واستغلها. وفي آخر مقابلة له مع محطة "سي بي إن" الأميركية، لم يخطئ المسار، فأكد ما كان قد ردده، في الشهر الماضي، ست أو سبع مرات على الأقل، أن التزامه في الشرق الأوسط اليوم يتعلق بالحرب ضد الإرهاب، وليس له علاقة بنظام الأسد، وأن حل الأزمة السورية لا يمكن أن يكون عسكرياً، وإنما من خلال تسوية سياسية. مضيفاً، هذه المرة، جملة معبّرة، ومثيرة للقلق في الوقت نفسه، هي: أن هذه المسألة "بعيدة المدى"، ما يعني أننا لا ينبغي أن نتوقع حتى ممارسته الضغط للتوصل إلى مثل هذه التسوية، وما على السوريين إلا التحلي بالهدوء والصبر، وتحمّل البراميل المتفجرة.
يريد أوباما من هذه التصريحات أن يبرهن على أنه صادق مع نفسه، ولا يقبل أن يغشّ السوريين، أو يعطيهم وعوداً كاذبة لا يمكنه الوفاء بها. والحال أن الولايات المتحدة لم تكفّ عن الإخلال بوعودها والتزاماتها في السنوات الثلاث والنصف الماضية من عمر الثورة السورية، تجاه المعارضة وتجاه الشعب السوري وتجاه العالم وتجاه الضمير الإنساني، فقد كانت قد التزمت، قبل مؤتمر جنيف وبعده، تجاه المعارضة، بتغيير موازين القوى العسكرية على الأرض، لدفع الأسد إلى قبول التفاوض الجدي على تطبيق بيان جنيف، ولم تقدم شيئاً يذكر في هذا المجال. وها هي تقبل أن تستقيل نهائياً من الموضوع، وتترك الأمر للمبعوث الدولي، دي ميستورا، ليرتب مسائل الهُدن المحلية التي تكمل ما قامت به ميليشيات الدفاع الوطني السورية، لتفكيك المقاومة، وتقسيم صفوفها وعزلها عن بعض.
وأخلّت الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه الشعب السوري، عندما تركته فريسة للقنابل والصواريخ والمدفعية الثقيلة، على عكس ما كانت تفرضه عليها العهود الدولية التي وقّعت عليها من التزام بحماية الشعوب المعرّضة للمجازر، أو جرائم الإبادة الجماعية، وهو ما يحصل أمام أعين العالم أجمع في سورية، منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وأخلّت بالتزاماتها تجاه العالم، عندما لحست الخط الأحمر الذي رسمته لاستخدام السلاح الكيماوي، في حملات قمع سياسية، وسجلت سابقة في تاريخ البشر السياسي، تتعلق بتطبيع استخدام السلاح الكيماوي، للقضاء على الاحتجاجات السياسية. وهي تخون، كل يوم، تعهداتها الدولية القانونية والسياسية، عندما تقبل الوقوف مكتوفة الأيدي إزاء مذبحة يوميةٍ، تنقل صورها وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، من دون أن تحرك ساكناً، أو تتحرك لوقفها، بذرائع واهية لا تقوم على برهان. وهي تتحدى المنطق والضمير الإنساني، عندما يردد قادتها، كل يوم وفي كل مناسبة، أنه لا حل للمذابح الشنيعة التي يرتكبها الأسد وميليشياته إلا بقبول الضحية بتقبيل أيدي جلاديها، والجلوس معهم على طاولة مفاوضاتٍ، ليس هدفها تغيير النظام القاتل، وإنما مشاركته الحكم.
في كل خطاباته وتصريحاته، حرص الرئيس الأميركي، في السنوات الثلاث والنصف الدموية الماضية، على تطمين الأسد وترطيب خواطره، والتأكيد له بأنه لن يكون هناك أي تدخل أميركي أو دولي، كما لو كان هدفه إطلاق يديه، وتشجيعه على الخروج عن كل قيد أو معيار أخلاقي، أو سياسي، في الفتك بشعبه وتدمير بلده. وحتى بعد تكرار الأسد استخدام السلاح الكيماوي، على الرغم من افتراض تدميره، تعامت الإدارة الأميركية عن كل الخروق، واكتفت بالتذكير بها في المناسبات. وتذرّعت بالخوف من سقوط الأسلحة في يد الإرهاب، لكي ترفض تقديم السلاح إلى المعارضة الديمقراطية، فكان لها الدور الأكبر في نمو القوى المتطرفة، وتحويل الإرهاب إلى القوة الرئيسية في سورية والمشرق كله. وأصرّت على أنه لا حل إلا سياسياً للحفاظ على الدولة ومؤسساتها، فكانت النتيجة دعم خيار الأسد في الحسم العسكري، وتمديد أجل الصراع، وترك الأسد يحقق حلمه في الانتقام وتدمير البلاد، كما لم يحصل لبلد من قبل. وبدل الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، تم تقويضها من الداخل، قبل أن تحتلها الميليشيات الممولة والمسلحة والموجهة من طهران، كما تم تحويل جيشها نفسه إلى ميليشيات متنافسة ومتنازعة على نهب الأفراد والجماعات. ومع ذلك، وبعد كل ذلك، لا يكفّ الرئيس أوباما، بمناسبة ومن دون مناسبة، عن تذكيرنا بأنه لن يتدخل، ولا يقبل التدخل، ولا يؤمن بالتدخل، لثني الأسد عن جرائمه، أو ممارسة أي ضغط عسكري، أو سياسي، على مَن يقف وراءه، ويدعمه بالمال والسلاح والرجال. كان دائماً يضعه على المستوى نفسه من المسؤولية عن الحرب والدمار مع خصومه، وربما أصبح اليوم يفضّله عليهم.
 
لا يمكن أن يكون كل هذا التهاون مع الأسد نتيجة خطأ في الحسابات أو التقديرات، أو بسبب مخاوف مشروعة من التورط في حروب خارجية، قررت الإدارة الأميركية الخروج منها، أو ثمرة الخوف من الالتزام تجاه الشعب السوري وقضيته المعقدة، كما يقال. بالعكس، يبدو مع مرور الزمن أكثر فأكثر، أنه نتيجة التزام عميق، لكن ليس بدعم الشعب السوري، وإنما بعدم التعرّض للأسد مهما كان الحال. والسؤال يتعلق فقط بالجهة التي اتخذ الرئيس الأميركي تجاهها هذا الالتزام: هل هي إسرائيل أم إيران، أم كلاهما معاً؟ يقول المتنبي: وَمِن نَكَدِ الدُّنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى عَدُواً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/cca10e34-afb5-4598-99f6-83f3c4216967#sthash.o8lpzhko.dpuf

mardi, novembre 11, 2014

بيان حول المساعي الدولية الجارية لتنظيم مفاوضات بين المعارضة والنظام


حذار من التسابق على الكسر المجاني لخطوط التماس

أمام الخيبة التي منيت بها جميع الأطراف المشاركة في الصراع السوري، الداخلية والخارجية، تبرز ضغوط ومبادرات سياسية متقاطعة ومتنامية من قبل الجميع، بما فيها أطراف في المعارضة، للدفع نحو مفاوضات سورية بأي ثمن ومن دون أي أرضية وأسس ومباديء واضحة.
أي مفاوضات تفتح اليوم، من دون توحيد وجهة نظر المعارضة ووضع أسس متفق عليها بين السوريين للتفاوض، تضمن التسوية الوطنية القائمة على الحفاظ على وحدة سورية وحقوق المواطنة المتساوية ومن ضمنها حقوق الجماعات الثقافية والمذهبية المتنوعة، سيكون الرابح الأول فيها نظام الأسد، وسوف تتحول لا محالة، وبشكل تلقائي، إلى تقاسم للبلاد والسلطة بين ممثلي الطوائف والقوميات. ولن تستفيد منها سوى الدول والكتل الخارجية التي تختبيء وراء الجماعات والمعارضات التابعة لها، وتقودها وتشرف عليها، على حساب الشعب السوري. ستكون هناك حصة لايران وروسية والولايات المتحدة الامريكية وأوروبة والخليج وتركيا ودول مهمة أخرى، ولوكلاء مصالحهم بين الطوائف والقوميات، لكن لا شيء للسوريين. ولن تكون هناك دولة بالمعنى الحقيقي للكملة ولكن مشيخات وزعامات طائفية وقبلية وإتنية، تتناحر في ما بينها على المناصب والمواقع وتتقاسم الموارد الداخلية والخارجية كما هو الحال في العراق أو لبنان.
العمل على وقف القتل وتقليل عدد الضحايا ووقف اطلاق النار غاية نبيلة تستحق بذل كل جهد، لكنها لا تستطيع أن تمثل لوحدها أرضية سياسية كافية لضمان مصالح السوريين، بعد التضحيات الهائلة التي قدموها، ولا لوضع سورية على طريق إعادة بناء وطني حقيقي يحفظ حقوق جميع أبنائها ويساوي بينهم ويقيم حكم الشرعية والعدالة والقانون.
لا زلت أعتقد أنه، قبل الدخول في أي مفاوضات ينبغي للمعارضة أو للمعارضات، السياسية والمسلحة، أن تتفاهم على أسس التسوية التي تضمن مصالح الشعب السوري لا تلك التي تكرس تقاسم المصالح القائمة بين الدول الأجنبية. ومن أجل ذلك ليس هناك مهرب من تنظيم حوار سياسي بين أطراف المعارضة من جهة وبينها وقطاعات الرأي العام السوري الأخرى التي فقدت الثقة بنظام الأسد، من جهة ثانية، لنضمن أغلبية متوافقة على رؤية مشتركة لمستقبل الدولة والبلاد. وأعتقد أن وثائق المؤتمر الأول للمعارضة السورية الذي عقد في القاهرة في ٢-٣تموز ٢٠١٢مازالت في القسم الأكبر منها صالحة كمرجعية للنقاش بين السوريين.
باختصار، من دون وجود مفاوض سوري قوي ومدعوم بقوة عربية متماسكة، لن تكون أي تسوية محتملة سوى فرصة لتكريس تقاسم النفوذ بين الدول المنخرطة في الصراع على سورية والممسكة بأدوات القوة ووسائلها، وبالحكم والمعارضة أيضا.

بيان حول المساعي الدولية الجارية لتنظيم مفاوضات بين المعارضة والنظام

حذار من التسابق على الكسر المجاني لخطوط التما
أمام الخيبة التي منيت بها جميع الأطراف المشاركة في الصراع السوري، الداخلية والخارجية، تبرز ضغوط ومبادرات سياسية متقاطعة ومتنامية من قبل الجميع، بما فيها أطراف في المعارضة، للدفع نحو مفاوضات سورية بأي ثمن ومن دون أي أرضية وأسس ومباديء واضحة.
أي مفاوضات تفتح اليوم، من دون توحيد وجهة نظر المعارضة ووضع أسس متفق عليها بين السوريين للتفاوض، تضمن التسوية الوطنية القائمة على الحفاظ على وحدة سورية وحقوق المواطنة المتساوية ومن ضمنها حقوق الجماعات الثقافية والمذهبية المتنوعة، سيكون الرابح الأول فيها نظام الأسد، وسوف تتحول لا محالة، وبشكل تلقائي، إلى تقاسم للبلاد والسلطة بين ممثلي الطوائف والقوميات. ولن تستفيد منها سوى الدول والكتل الخارجية التي تختبيء وراء الجماعات والمعارضات التابعة لها، وتقودها وتشرف عليها، على حساب الشعب السوري. ستكون هناك حصة لايران وروسية والولايات المتحدة الامريكية وأوروبة والخليج وتركيا ودول مهمة أخرى، ولوكلاء مصالحهم بين الطوائف والقوميات، لكن لا شيء للسوريين. ولن تكون هناك دولة بالمعنى الحقيقي للكملة ولكن مشيخات وزعامات طائفية وقبلية وإتنية، تتناحر في ما بينها على المناصب والمواقع وتتقاسم الموارد الداخلية والخارجية كما هو الحال في العراق أو لبنان.
العمل على وقف القتل وتقليل عدد الضحايا ووقف اطلاق النار غاية نبيلة تستحق بذل كل جهد، لكنها لا تستطيع أن تمثل لوحدها أرضية سياسية كافية لضمان مصالح السوريين، بعد التضحيات الهائلة التي قدموها، ولا لوضع سورية على طريق إعادة بناء وطني حقيقي يحفظ حقوق جميع أبنائها ويساوي بينهم ويقيم حكم الشرعية والعدالة والقانون.
لا زلت أعتقد أنه، قبل الدخول في أي مفاوضات ينبغي للمعارضة أو للمعارضات، السياسية والمسلحة، أن تتفاهم على أسس التسوية التي تضمن مصالح الشعب السوري لا تلك التي تكرس تقاسم المصالح القائمة بين الدول الأجنبية. ومن أجل ذلك ليس هناك مهرب من تنظيم حوار سياسي بين أطراف المعارضة من جهة وبينها وقطاعات الرأي العام السوري الأخرى التي فقدت الثقة بنظام الأسد، من جهة ثانية، لنضمن أغلبية متوافقة على رؤية مشتركة لمستقبل الدولة والبلاد. وأعتقد أن وثائق المؤتمر الأول للمعارضة السورية الذي عقد في القاهرة في ٢-٣تموز ٢٠١٢مازالت في القسم الأكبر منها صالحة كمرجعية للنقاش بين السوريين.
باختصار، من دون وجود مفاوض سوري قوي ومدعوم بقوة عربية متماسكة، لن تكون أي تسوية محتملة سوى فرصة لتكريس تقاسم النفوذ بين الدول المنخرطة في الصراع على سورية والممسكة بأدوات القوة ووسائلها، وبالحكم والمعارضة أيضا.

dimanche, novembre 09, 2014

في المنتصف قناة القناة


http://www.youtube.com/watch?v=3JI2eq9xRbM&feature=youtu.be

سورية تحت الاحتلال /العربي الجديد

اجتازت طهران عتبة جديدة في سياستها السورية، فانتقلت، بمناسبة مرور ذكرى استشهاد الحسين في عاشوراء، من التدخل الشامل للحفاظ على نظام الأسد العميل لها، إلى سياسة الاحتلال الطويل لبلدٍ لا يزال شعبه يقاتل، منذ أربع سنوات، للتحرر من الارتهان لطغمة عسكرية فاشية، مستعدة لاستخدام أكثر الأساليب وحشية، وبيع البلاد إلى مَن يشاء، في سبيل الحفاظ على الحكم والاستمرار.
فما نقلته وكالات الأنباء عن مصادر متقاطعة عن مشروع توحيد الميليشيات الشيعية، العراقية والأفغانية والإيرانية، التي تستخدمها طهران للقضاء على مقاومة الشعب السوري وإخضاع السوريين لإرادتها، في جيش جديد، يعمل، جنباً إلى جنب، مع قوات حزب الله التابعة لها وما تبقى من ميليشيات الأسد وقواته المتفككة ـ التي يحاول أن يعيد ترميمها، من خلال حملة اختطاف الشباب وتجنيدهم بالقوة ـ يعني أننا أمام فرضية الاستيطان في الحرب، وتحويل سورية إلى مسرحٍ لصراع مديد قد يتجاوز عشرين عاماً، ويجمع بين الحرب الجيوسياسية والدينية والقومية والثقافية معاً، ويهدد بفصل المنطقة، بأكملها، عن دورة الحضارة والمدنية.


استعراض القوة في عاشوراء
بدل تراجعها خطوة أو خطوتين، كما كان التحالف الغربي يأمل، للمساعدة في الحرب ضد الإرهاب الداعشي التي تصب في مصلحة إيران، قررت طهران الهجوم بقوة أكبر، ورمي كل ثقلها وراء مشروع سيطرتها الإقليمية، والمراهنة، أكثر من أي فترة سابقة، على الحرب الدينية والمذهبية التي تعتقد عن حق أنها تملك فيها ميّزات تفاضلية أعظم، بعدما نجحت في تجييش المشاعر الطائفية عند الجماعات الشيعية التي كانت قد خضعت، خلال قرون، لهيمنة الإسلام السني، وتعلمت التعايش مع وضعها كأقليات.

وما حصل من استعراض للقوة والسطوة المذهبية، بمناسبة عاشوراء في المدن السورية، وفي مساجد المسلمين السنّة، وأسواقهم التقليدية، يدل على أن طهران بدأت تعتقد أن حملة التشييع الخفية، التي مارستها في الثلاثين عاماً الماضية، وحققت فيها بعض النتائج، لم تعد ضرورية، ولا منتجة، وأن بإمكانها، منذ الآن، أن تسفر عن وجهها، لتثبت مكاسبها، وتعمل على تعظيمها، وتأكيد حضورها العلني القوي في مدن سورية وأحيائها، وأن تبرز هدفها في تغيير البنية المذهبية والسكانية للبلاد، لتزرع العداء والانقسام بين أبناء الشعب الواحد، وتجعل القطيعة غير قابلة للتراجع، وتتصيّد في ماء الفتنة الطائفية العكر.

وهي، منذ الآن، تعدّ الشبان الشيعة الذين تدعوهم للقتال في سورية من كل البلاد، بمرتبات عاليةٍ لم يحلموا بمثلها من قبل، وتعدهم بالقدوم مع عائلاتهم لاحتلال منازل السوريين المهجرين، والحصول على الجنسية السورية، ليصبحوا جزءاً من المجتمع الشيعي الجديد الذي تنوي إقامته في سورية، كقاعدة دائمة لاحتلالها ونفوذها. وهي تنحو، في ذلك، نحو المنظمة الصهيونية التي غيّرت، بالفعل، من خلال الحرب والقتال الطويل وبث الذعر والفوضى في المجتمعات المحلية المشتتة الطبيعة السكانية والحضارية لفلسطين، وجعلت من المجتمع اليهودي في فلسطين أمراً واقعاً، لا يمكن الرجوع عنه، هو الذي تحول إلى دولة اسمها إسرائيل.
صورة للخميني في الضاحية الجنوبية في بيروت (26أغسطس/2008/Getty)

مَن يغذّي جنون العظمة الإيراني
يغذي هذا الطموح لانتزاع سورية بعد العراق ولبنان من العالم العربي وإلحاقها بإيران، واعتبارها بمثابة المحافظة 35 من محافظاتها، عوامل عديدة مترابطة:
الأول سكوت المجتمع الدولي وخنوعه، سواء على مستوى الأمم المتحدة التي يفترض أن تكون وصية على سيادة الدول واستقلال الشعوب وحريتها ضد العدوان الأجنبي، أو على مستوى الدول الكبرى العضو في مجلس الأمن التي يتوجب عليها، حسب مواثيق المجلس، حفظ الأمن والسلام الدوليين، ووقف عمليات الاحتلال والإبادة الجماعية والقتل المنهجي والمنظّم على أساس التمييز الطائفي أو القومي أو الجنسي. ولا أحد يعرف بالضبط ما إذا كان موقف المجتمع الدولي، الصامت والمكتوف اليدين، أمام جرائم ضد الإنسانية ترتكب منذ أكثر من ثلاثة أعوام في سورية، بتوجيه وتنظيم وتخطيط من حكومة طهران، وبأدواتها وأذرعها المسلحة، نابعاً من التواطؤ والضلوع في الجريمة والموافقة على الأهداف، أم من البلادة والخوف والغباء السياسي، أم من عدم المبالاة والاستقالة السياسية والأخلاقية.
والعامل الثاني الذي يشجع طهران على أن تحلم بتحويل سورية إلى "إسرائيل" ثانية عن طريق التهجير والتدمير وإحلال شعب محل شعب، نجاح النخبة التيوقراطية الحاكمة في إيران، وعلى رأسها السيد علي خامنئي، في تجييش الجماعات الشيعية، المنتشرة في أكثر من بلد ومكان، للدفاع عن نظامها، ودعمه في تحقيق مشروع هيمنتها الإقليمية التي لا تكف عن التذكير بحقها فيها، ورهانها على قوة المشاعر الطائفية، لمواجهة المقاومة العربية، بعدما فشلت في فرض إرادتها على المنطقة، من خلال قيادة ثورة إسلامية عابرة للطوائف، تعيد تكتيل المشرق والعالم العربي من حولها.

وما شهدته شوارع دمشق ومساجدها من الاستعراض الكثيف والصادم للحضور الشيعي الأجنبي، الإيراني والأفغاني والعراقي وغيره، يهدف، بالضبط، إلى تعبئة المشاعر العدائية عند ميليشياتها، والتلويح لها بالانتصارات والمكاسب الهائلة التي ستجنيها من وضع اليد على المدن المفتوحة، ودفعها إلى المواجهة والقتال بشراسة، باسم الحسين وراية حب أهل البيت، ضد أصحاب البلاد الأصليين. أكثر فأكثر، تتطابق استراتيجية التعبئة الدينية الإيرانية مع التعبئة الدينية التي استخدمها الكهنوت الكاثوليكي في القرون الوسطى، ليحرف نظر المسيحيين عن طغيان الكنيسة ورجالها، وليوجه عدوانيتهم نحو اليهود بوصفهم قَتَلَة المسيح، وفي مرحلة لاحقة ضد المسلمين الذين احتلوا الأراضي المقدسة المسيحية، والتي قدمت التبرير الديني للحروب الصليبية. وأكثر فأكثر، تستخدم شهادة الإمام الحسين من الكهنوت الإيراني، في سبيل توجيه التهمة الجماعية للسنّة، وتبرير قتالهم بوصفهم قتلة الحسين، كما يستخدم شعار لبّيك يا حسين صرخة حرب للمتشيعين الفرس، في مواجهة شعار الله أكبر الذي يستخدمه المقاتلون السنّة.
بشار الجعفري ممثل النظام االسوري في الأمم المتحدة (24سبتمبر/2013/أ.ف.ب)
والعامل الثالث هو انحناء العالم العربي أمام الهجمات الأجنبية المتقاطعة، بل انمحاؤه، وفقدانه توازنه، وانهيار استراتيجيته ودفاعاته التي تمحورت، منذ عقود، خلف حلم التكتل العربي والفكرة القومية التي تحولت على يد طغم حاكمة مافيوزية إلى وسيلة للتغطية على السياسات اللاوطنية، وتجريد الشعوب من حقوقها الفردية والجماعية، والحيلولة دون أي تفاهم، أو تعاون، إقليمي، باسم الحفاظ على السيادة والاستقلال، في وقت فتحت فيه الأبواب على مصاريعها، لإدخال القوى الإقليمية والدولية التي تتقاسم معها المصالح والمنافع الناجمة عن دحر الشعوب، وتهميشها وإخراجها من دائرة الفعل والسياسة والقرار. وفي السياق نفسه، ينبغي النظر، أيضاً، إلى القطيعة التي كرستها نُظُم الطغيان والفساد بين الشعوب العربية، وبينها وبين الدول الإقليمية الديمقراطية التي تمثل الثقل النوعي الوحيد الذي يمكن أن يحد من الاختلال الخطير في التوازنات الإقليمية.

وفي هذا السياق، أيضاً، تكمن بذور الفتنة التي شجعت عليها أوساطٌ أصابها الهلع من فقدان السيطرة ودق إسفين العداء داخل المجتمعات العربية بين قوى إسلامية وقوى علمانية، في وقت تحتاج فيه هذه المجتمعات، أكثر من أي فترة سابقة، إلى التفاهم والاتحاد.
العامل الرابع، خلط الأوراق الذي نجم عن ظهور داعش، والذي كانت طهران والنظام السوري المستفيدين الرئيسيين من وجوده وتوسعه، سواء قبل تشكيل التحالف، عندما كان يواجه الجيش الحر، ويحتل المناطق التي حررها من نظام الأسد، أو بعده، عندما أصبحت الحرب على الإرهاب الأجندة الوحيدة للمجتمع الدولي، بعد أن تصدر الصراع ضد داعش واجهة المشكلات في الشرق الأوسط والمشرق العربي، حتى أن دولاً أعضاء كثيرة في التحالف كانت حريصة على إشراك إيران الخامنئية فيه. ولا يمكن لأحد أن ينكر أن أكبر خاسر من ظهور داعش ثم من حرب التحالف ضدها كانت القضية السورية التي يكاد الصراع ضد الإرهاب يغطي عليها، ويغيّب معاناة الشعب السوري، واستشهاده، عن أعين العالم وسياسييه.
إيران التوسعية وداعش، وجهان لعملة واحدة، وهما يخدمان بعضهما، بمقدار ما يوجهان المنطقة، بأكملها، نحو حربٍ دائمة، ويعطلان كل نوابض التواصل والتفاهم والتعاون بين جماعاتها، ويقطعان الطريق على أي أمل بإعادة بناء دولة المواطنة المتساوية والمؤسسات وحكم القانون، ويستبدلانها بدولة الميليشيات وزعماء العشائر ومرتزقة الدول والأجهزة والمافيات، فكلاهما يدركان أن الحسم العسكري مستحيل، ولا يراهنان من أجل تحقيق أهدافهما سوى على إطالة أمد الفوضى والضياع وزرع اليأس والقنوط في نفوس المشرقيين.


أربعة محاور للعمل
في قلب هذه الفوضى والحرب الدائمة والخراب والدمار، تحولت سورية مسرحاً لكل الحروب والمواجهات، وهي مهددة بأن تصبح موطناً دائماً أو طويل المدى لبربريتين متنازعتين، ومتضامنتين، في الوقت نفسه، ضد المدنية والحضارة والأمن والاستقرار والحياة. كلاهما يجعل من ثقافة الموت شهادة على الحقيقة والصواب، ومن قتل الإنسان عبادة وتقرّباً من الله، ومن الكذب والنفاق وتزوير الحقائق دليل إيمان وصدق. كلاهما يحولان الإيمان بالله كفراً بالإنسان.
ليس هناك وصفة سريعة وجاهزة لمواجهة طاعون الحرب والخراب والفوضى الفكرية والسياسية والعسكرية التي يشهدها المشرق، اليوم، وقسم كبير منها مصنوع عن عمد وسابق تصميم، سوى بالجمع بين أربعة مساعٍ متوازية:
أولاً، إعادة إحياء الضمير العالمي، وحث المجتمع الدولي على الاضطلاع بمسؤولياته تجاه الشعوب المهددة في حياتها وبقائها، والقيام بالتزاماته في حمايتها، وضمان حقوقها. وثانياً، إدانة الطائفية كشكل من أشكال العنصرية، ووقف التواطؤ، مقصوداً كان أم لا، مع مشروع طهران الاستعماري، وإجبارها على تغيير سياساتها القائمة على زرع الفتنة المذهبية، وتعبئة مشاعر الكراهية والحقد والانقسام داخل المجتمعات، والتدخل السافر في شؤونها بالوسائل العسكرية والسياسية، وتجنيد ميليشيات من المرتزقة المحليين والأجانب، للعمل في خدمتها، باسم تصدير الثورة، أحياناً، وحماية مقدسات الشيعة، أحياناً أخرى، والحفاظ على خط المقاومة المزعومة لإسرائيل، أحياناً ثالثة، بينما لا تخدم سياساتها التخريبية سوى مشاريع التوسع الاسرائيلي في فلسطين والعالم العربي.

وثالثاً، إيقاف العالم العربي، والمشرق بالخصوص، على قدميه، وإخراجه من حالة الانقسام والتشتت والفوضى وانعدام الثقة الذي دمر معنويات شعوبه، وأهدر طاقاتها وأفقدها أي أمل بالمستقبل.

ورابعاً، معاملة داعش والسياسة التوسعية الإيرانية على قدم المساواة، كمصدر لزعزعة الاستقرار وتدمير أسس الحياة المدنية والقانونية في المنطقة، وإهدار حقوق الأفراد والجماعات على مذبح إرادة السيطرة والتسلّط التي تتغذى من جنون العظمة القومية والدينية والاستهانة بالإنسان والمجتمع والتاريخ، على حد سواء.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/828a28c9-3787-42ba-879c-df18f7d173be#sthash.dIlCH0Vl.dpuf

jeudi, novembre 06, 2014

رسالة اليوم الرد على تغول طهران


أظهرت الأشهر الماضية أن اهتمام العالم بالقضية السورية بدأ يتراجع، وأن التركيز على داعش وانتصاراتها وهزائمها صار اليوم أكثر حضورا في الاعلام والسياسة الدوليين من حرب الابادة الجماعية التي يخوضها نظام فقد هويته وتحول إلى واجهة لحرب استعمارية ايرانية. ولا شك أن لنا نحن السوريين، وللمعارضة السياسية والمسلحة بشكل خاص، نصيب كبير من المسؤولية في الوصول بقضيتنا إلى هذا الوضع.
مهمتنا جميعا هي إعادة الانتباه العالمي إلى معاناة شعبنا و تركيز الأنظار الاعلامية والسياسية على الحرب العدوانية التي تخوضها طهران البسدرانية ووكيلها في دمشق على السوريين، وتهدد بوضع مناطق جديدة في غوطة دمشق وحلب وحمص وحماة تحت الحصار، بينما تستقر داعش من دون أن يزعجها أحد، لا ايران ولا النظام ولا حتى قوى التحالف، في الجزء الأكبر من الداخل السوري، بل وتحتل المزيد من الأراضي وحقول النفط والغاز.
من الضروري أن يركز جميع السياسيين والناطقين الاعلاميين السوريين في لقاءاتهم ومداخلاتهم على رسالتين رئيسيتين. 
الأولى في اتجاه الرأي العام العالمي وقوات التحالف الدولي، ومضمونها أن على المجتمع الدولي أن يدرك أن سياسة الفصل بين التصدي لداعش وايجاد حل للقضية السورية، أي وضع حد لحرب الإبادة في سورية، في غوطة دمشق وحلب وريف حمص وحماة وغيرها من المناطق قد باءت بالفشل، وأن داعش زاد قوة بسبب هذه السياسة بدل أن يضعف. وأنه لا أمل في تضييق الخناق على داعش من دون التصدي للسياسة الايرانية الأسدية التي أطلقت العنان له، ولا تزال المبرر الرئيسي في نظر الرأي العام لوجوده وتقدمه. وأي محاولة للتفاهم مع طهران أو لغض النظر عن أعمال الأسد بهدف كسبهما لصف الحرب على داعش على حساب دعم القضية السورية ستكون نتيجتها وضع الماء في طاحونة داعش ومساعدتها على البقاء والتمدد وجذب المزيد من الأفراد.
وهذا يعني أن على التحالف ومن يقفون وراءه أن يدركوا أن مصير الغوطة وحلب وحمص ودرعا وحماة والدير والرقة وغيرها من المدن السورية ومصير سكانها لا ينبغي أن يكون أكثر أو أقل من مصير أي منطقة أخرى. وداعش حلب لا ينبغي أن يتمتع بمزايا أكثر أو أقل من داعش عين العرب/كوباني. وان المعركة الحقيقية ضد داعش وصانعيها وحلفائها الرئيسيين هي هنا حيث يقتل كل يوم عشرات السوريين معظمهم من الأطفال والنساء والمدنيين وتدمر حياة كل سكان المدن والاحياء ومستقبلهم.

والرسالة الثانية موجهة إلى الدول العربية التي تعلن تاييدها لقضية السوريين في الخلاص من نظام القتل والدمار والإبادة بالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والأسلحة الكيماوية ومفادها أن من الجنون والعبث أن تستمر المناحرات والاختلافات في ما بينها، وبينها وبين تركيا، في الوقت الذي تتعرض فيها المنطقة، من العراق وسورية إلى اليمن، إلى أكبر حملة، أو كما يقول الكثيرون، مؤامرة ايرانية معززة بعشرات الميليشيات الطائفية الأجنبية الأفغانية والآسيوية، التي لا تخفي كما حصل في دمشق في عاشوراء رغبتها في وضع يدها على المقدسات الاسلامية، وفي مواكبتها وإلى جانبها وصفها ميليشيا داعش التي تعمل على هامش الأزمة التي تثيرها الطائفية الخامنئية وتتغذى منها. 
لن نستطيع أن نواجه خطر الانزلاق نحو حروب طائفية لا تنتهي، تشجع عليها السلطة التيوقراطية في طهران، والتي تقوم استراتيجيتها على الاصطياد في الماء العكر، من دون أن نوحد جبهة الدول والقوى المعادية للطائفية واللعب بالمشاعر المذهبية والدينية. وهذا ما يتطلب هو نفسه أيضا بناء هذه الجبهة على أسس واضحة من الالتزام بقيم الديمقراطية والحرية الدينية والتفاهمات السياسية والاتفاقات والمعاهدات الرسمية. 
الرد الأقوى على طهران هو تفاهم تركي عربي وتوقيع اتفاقية صداقة تركية عربية.