حذار من التسابق على الكسر المجاني لخطوط التماس
أمام الخيبة التي منيت بها جميع الأطراف المشاركة في الصراع السوري، الداخلية والخارجية، تبرز ضغوط ومبادرات سياسية متقاطعة ومتنامية من قبل الجميع، بما فيها أطراف في المعارضة، للدفع نحو مفاوضات سورية بأي ثمن ومن دون أي أرضية وأسس ومباديء واضحة.
أي مفاوضات تفتح اليوم، من دون توحيد وجهة نظر المعارضة ووضع أسس متفق عليها بين السوريين للتفاوض، تضمن التسوية الوطنية القائمة على الحفاظ على وحدة سورية وحقوق المواطنة المتساوية ومن ضمنها حقوق الجماعات الثقافية والمذهبية المتنوعة، سيكون الرابح الأول فيها نظام الأسد، وسوف تتحول لا محالة، وبشكل تلقائي، إلى تقاسم للبلاد والسلطة بين ممثلي الطوائف والقوميات. ولن تستفيد منها سوى الدول والكتل الخارجية التي تختبيء وراء الجماعات والمعارضات التابعة لها، وتقودها وتشرف عليها، على حساب الشعب السوري. ستكون هناك حصة لايران وروسية والولايات المتحدة الامريكية وأوروبة والخليج وتركيا ودول مهمة أخرى، ولوكلاء مصالحهم بين الطوائف والقوميات، لكن لا شيء للسوريين. ولن تكون هناك دولة بالمعنى الحقيقي للكملة ولكن مشيخات وزعامات طائفية وقبلية وإتنية، تتناحر في ما بينها على المناصب والمواقع وتتقاسم الموارد الداخلية والخارجية كما هو الحال في العراق أو لبنان.
العمل على وقف القتل وتقليل عدد الضحايا ووقف اطلاق النار غاية نبيلة تستحق بذل كل جهد، لكنها لا تستطيع أن تمثل لوحدها أرضية سياسية كافية لضمان مصالح السوريين، بعد التضحيات الهائلة التي قدموها، ولا لوضع سورية على طريق إعادة بناء وطني حقيقي يحفظ حقوق جميع أبنائها ويساوي بينهم ويقيم حكم الشرعية والعدالة والقانون.
لا زلت أعتقد أنه، قبل الدخول في أي مفاوضات ينبغي للمعارضة أو للمعارضات، السياسية والمسلحة، أن تتفاهم على أسس التسوية التي تضمن مصالح الشعب السوري لا تلك التي تكرس تقاسم المصالح القائمة بين الدول الأجنبية. ومن أجل ذلك ليس هناك مهرب من تنظيم حوار سياسي بين أطراف المعارضة من جهة وبينها وقطاعات الرأي العام السوري الأخرى التي فقدت الثقة بنظام الأسد، من جهة ثانية، لنضمن أغلبية متوافقة على رؤية مشتركة لمستقبل الدولة والبلاد. وأعتقد أن وثائق المؤتمر الأول للمعارضة السورية الذي عقد في القاهرة في ٢-٣تموز ٢٠١٢مازالت في القسم الأكبر منها صالحة كمرجعية للنقاش بين السوريين.
باختصار، من دون وجود مفاوض سوري قوي ومدعوم بقوة عربية متماسكة، لن تكون أي تسوية محتملة سوى فرصة لتكريس تقاسم النفوذ بين الدول المنخرطة في الصراع على سورية والممسكة بأدوات القوة ووسائلها، وبالحكم والمعارضة أيضا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire