المركز السوري لدعم القرار
التقرير الاستراتيجي السوري السادس
كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٤
الأزمة السورية بين إرهاصات التسوية السياسية والمناورات الدبلوماسية
بعد أربع سنوات من الحرب التي زهقت فيها مئات آلاف الأرواح البريئة وأحرقت مدن وبلدات وقرى، تغير عدة مرات محور النزاع وأهدافه والكثير من مواقف الأطراف، بل وقسم من الفاعلين الرئيسيين فيها. واختلطت فيها الرهانات السياسية المرتبطة بتغيير النظم الحاكمة وقاعدة عمل الدولة والحكم، مع الرهانات الاستراتيجية الاقليمية والدولية، والتي تحمل الشعب السوري عبأها الاكبر، خرجت جميع الأطراف بمحصلة واحدة، أي لا شيء. فلم يحقق فيها أي فاعل انخرط فيها حسما لصالحه، بل ربما كانت الخسارة المعممة هي القاسم المشترك لجميع من شارك فيها حتى الآن.
فالشعب السوري الذي رمى بكل ثقله فيها للدفاع عن كرامته ونيل حريته، يكاد يخرج منها مهشما، ومزعزعا بين قتيل وجريح ولاجيء ومشرد ومحاصر ومنكوب. ونظام الأسد الذي لم يشك لحظة في مقدرته على الحسم العسكري والانتصار تحول إلى واجهة هزيلة للسيطرة الاجنبية وصار امله الوحيد قبول تجنيده من قبل قوات التحالف في الحرب الدولية على الارهاب الذي كان أول من أشعل فتيله، واتهم دول التحالف نفسها بتغذيته ضده. أما طهران التي أملت بأن يمكنها بناء ما سمته بالهلال الشيعي، الممتد من قم إلى جنوب لبنان على المتوسط، من أن تفرض على الغرب التنازل في الملف النووي مقابل تهديدها مصالحه في المشرق، فقد دخلت في مقامرة خاسرة تقودها كل يوم إلى الغرق بشكل أعمق في بحر الدماء والكراهية والأحقاد، وتدفعها إلى المزيد من الهرب إلى الامام والدخول في المجهول. أما الجامعة العربية والنواة المشرقية منها التي حاولت الحد من مخاطر تفجر الثورات العربية أولا ثم محاولات طهران استغلالها لبث الفوضى والانقسام داخل البلاد العربية بهدف اختراقها والتحكم بقرارات بعضها، فتجد نفسها اليوم أبعد من أي فترة سابقة عن تأمين حدودها وصيانة مصالحها القومية في الأمن والاستقرار في مواجهة مشاريع التوسع الإقليمية ونمو قوى التطرف والارهاب في الوقت نفسه. وينطبق الأمر نفسه على ذراعها العسكري الضارب في لبنان بعد أن فقد أوهامه حول الميليشيا والمقاومة التي لا تقهر والانتصار الإلهي وتوكيل نفسه كفيلا لحماية المراقد الاسلامية المقدسة في سورية، فهو بالكاد يحمي نفسه من هدر دماء الحزبيين اليومي ومن الغضب المتزايد في لبنان نتيجة توريط شعبه في حرب إقليمية لم يكن له أي مصلحة في التورط فيها.
إعادة تقييم شامل للوضع السوري
ويزداد الشعور بالخطر على الامن القومي في تركيا التي لم تر نفسها في أي فترة محرجة ومضطرة للاختيار بين حلفائها وحماية مصالحها الوطنية ومستقبل نموها كما هي اليوم في مواجهة خطر الانزلاق نحو حرب لا تريدها ولم تفكر بها، أو التعرض لمخاطر زعزعة الاستقرار على يد القوى المتطرفة المحلية و الإقليمية. وهي أيضا حال أوروبا، وإن بدرجة أقل، بعد أن أصبحت ترى في الأزمة السورية مركز استقطاب وإشعاع في الوقت نفسه لإرهاب عملت المستحيل لتطويقه في الماضي وهو يغزو اليوم بعض شبابها ومواطنيها، من دون ذكر الضغط الذي تتعرض له نتيجة توسع دائرة الازمة الانسانية وتنامي أعداد اللاجئين الباحثين عن ماوى وعمل ودعم فيها. لكن بلاد المشرق العربي هي من بين الأطراف المنخرطة في الأزمة أكثرها تعرضا لمخاطر الانجراف في الحرب وزعزعة الاستقرار. ومعظمها يعيش كالمشرف على الغرق في بحر هائج، يبحث فيه كل فرد عن انقاذ نفسه على مبدأ : انجو سعد فقد هلك سعيد.
ولا يختلف الوضع بالنسبة لروسيا التي عملت المستحيل لتمكين ايران من البقاء في سورية كشريك رئيسي لها في المشرق وتقاسم المصالح معها، فهي تعيش اليوم حالة من خيبة الأمل الشديدة مع إدراكها الدرجة من التفكك الذي صار عليها نظام الأسد الذي جعلت منه حجر الرحى في استراتيجيتها، واقتناعها العميق باستحالة الدفاع عنه إلى ما لانهاية بعد أن فقد فرصة إعادة تأهيله وصار أكثر من أي حقبة سابقة معرضا للسقوط والانهيار. وبالمقابل أربكت الأزمة السورية ومنتجاتها الإدارة الأمريكية التي عملت المستحيل وقاومت جميع الضغوط كي تبقى بعيدة عن الانخراط في الأزمة السورية وأجبرتها على العودة إلى المنطقة من جديد. تركز الإدارة الأميركية في هذه المرحلة على أولويتين هما: التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، واحتواء تنظيم الدولة في العراق و بدرجة أقل في سورية. لكن واشنطن لا تضع في هذه المرحلة كل ثقلها للقضاء على تنظيم الدولة لانها تريد التأكد من تطبيق الاتفاق الذي أطاح بالمالكي ودمج السنة بشكل أكبر في العملية السياسية. و تعتقد واشنطن أن طهران ستجد في مرحلة ما نفسها مرغمة على اعتماد "النموذج" العراقي في سورية، أي البحث عن بديل من الأسد من أجل الحفاظ على ما يبقى من النظام. لذلك لا ترى واشنطن ضيراً في الأفكار التي يطرحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا فهي من جهة تسمح لها بشراء ما يكفي من الوقت لاستخدام داعش ورقة ضغط على ايران و حلفاءها في سورية و العراق، كما يمنحها من جهة أخرى وقتاً ثميناً حتى تتوصل الى اتفاق مع ايران حول الملف النووي قبل أن تبدأ بخطوات باتجاه ترتيب العملية الانتقالية في سورية. لكن واشنطن تعرف أيضاً أن تجميد القتال في حلب مثلاً، كما يقترح دي ميستورا، غير ممكن الا اذا قام البمعوث الدولي بالتفاوض مع الفصائل التي تصنفها واشنطن متشددة مثل النصرة وأنصار الدين وأحرار الشام التي طاولتها غارات التحالف وتضمنتها لوائح الإرهاب، لان هذه الفصائل هي التي تمتلك اليوم الثقل العسكري الاكبر على الارض و ليس بمقدور المعارضة السياسية سواء في الائتلاف او خارجه أن تنوب عنها في اي اتفاق.
لذلك تحصد اليوم نتائج سياساتها الضعيفة وترددها ورهانها على تعاون طهران الذي طال انتظاره، وتجد نفسها مضطرة إلى أن تنخرط بالرغم منها في حرب على الارهاب لم تعرف كيف خرجت منها في العراق وأفغانستان، بعد أن تعرضت لخسارة لا تعوض في سمعتها السياسية وصدقيتها الاستراتيجية ورصيدها الأخلاقي بشكل خاص. وهذه النتائج المخيبة للآمال لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط هي التي تدفع اليوم عددا متزايدا من مسؤولي الإدارة والسياسيين ومراكز البحث في الولايات المتحدة الامريكية لتوجيه الانتقادات القوية لسياسة الرئيس الامريكي باراك أوباما وخياراته المشرقية. وهذا ما جاءت استقالة وزير الدفاع هاجل لتؤكده من جديد.
تجد الكثير من الأطراف، السورية والأجنبية، المنخرطة في الحرب السورية نفسها اليوم أمام كشف حساب أليم. فهي لم تفشل فقط في تحقيق أهدافها، ولكنها مكنت، بسياساتها القاصرة، التنظيمات المتطرفة من تحقيق مكاسب جوهرية ما كان لها أن تحلم بها، وفتحت على نفسها باب الجحيم الذي أرادت أن تغلقه او تهرب منه بترك السوريين يقلعون شوكهم بأيديهم. وتدرك جميعا أنها على مفترق طرق، فإما الاستمرار في حرب طويلة من دون آفاق ولا مخارج ممكنة أو محتملة، أو البحث عن تسوية تتطلب من جميع الاطراف تنازلات جوهرية لن يكون من السهل على أكثرها القبول بها، بل حتى التوصل إلى تفاهم مرض فيما بينها، بعد أن تحولت سورية في السنوات الماضية إلى ساحة لتصفية جميع الحسابات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية المتقاطعة والمتضاربة معها. وأمام هذا الواقع الجديد المليء بالتهديدات والمخاطر الصاعدة، لم يعد لدى العديد من الأطراف التي أنهكتها الحرب خيار آخر سوى تغيير أجندتها وقلبها رأسا على عقب. وفي حالة اليأس التي تعيشها أصبحت بعض الأطراف تدعو أعداء الأمس، بمن فيهم النظم التي لم تكف عن إدانتها خلال الأعوام الثلاث الماضية لوحشيتها وما ارتكتبه من جرائم ضد الانسانية وأعمال الإبادة الجماعية، إلى تجاوز الصراعات الماضية والتعاون مع خصومها، في سبيل خدمة أجندتها الجديدة، الحرب على الارهاب.
إرهاصات الحلول السياسية والمبادرات
في هذا المناخ المطبوع بالتشاؤم والسوداوية، والذي يدفع إلى التخلي عن الالتزامات العديدة السابقة تجاه قضية الشعب السوري، يزداد الميل لدى جميع الأطراف إلى إعادة تقييم الوضع المشرقي بعد فترة سكون طويلة، وإلى التدقيق في الخيارات السابقة وربما إلى أجراء تعديلات جوهرية على السياسات القائمة. وفي هذا السياق برزت قصص الخرائط والمبادرات الدولية للبحث في التسوية السياسية للأزمة السورية، وزادت وتيرة التحركات الدبلوماسية، وإطلاق بالونات الاختبار هنا وهناك.
ولعل أبرز هذه المناورات الدبلوماسية هي تلك التي بدأتها موسكو بدعوة مجموعة من شخصيات المعارضة المدنية والعسكرية السورية إلى موسكو في بداية شهر تشرين٢/ نوفمبر 2014، ولقاؤهم مع وزير خارجية روسيا الاتحادية لافروف. وهي تصب في مساعي الروس الطويلة إلى تقريب جزء من المعارضة إلى صفهم والرهان عليه في مواجهة الإئتلاف الوطني الذي تعتبره مقربا من الولايات المتحدة والغرب، على أمل ايجاد موطء قدم قوي لها قبل بدء مرحلة المناورات المقبلة حول الحلول السياسية للأزمة، وعقد مؤتمر موسكو1 أو جنيف ٣ تحت رعاية روسية بعكس ما حصل لجنيف ٢ الذي كادت روسيا أن تغيب عنه. وفي نفس السياق يعود الحديث بقوة عن مبادرات جديدة لجمع المعارضة والنظام، أو ما يشاع في الصحافة الدولية عن مبادرة ألمانية وأخرى روسية وثالثة مصرية لجمع المعارضة والسلطة في مؤتمر يبحث في حل مشترك للأزمة، بالإضافة إلى خطة المبعوث الأممي إلى سورية سيلفان دي ميستيرا لإنشاء مناطق مجمدة لا يزال يسعى إلى تحديد هويتها ودورها في أي مخطط للسلام القادم الممكن..
وإذا كان مشروع دي ميستيرا، بالرغم من عدم تبين جميع ملامحه بعد، ينبع من اعتقاد بأنه لم تكتمل الشروط لايجاد حل سياسي شامل للازمة السورية، وأن الحلول الجزئية والتهدئة وتخفيف وتيرة العنف هي الأمر الوحيد الممكن، على طريقة الهدن والمصالحات التي دشنها النظام، لكن في شروط أفضل، وتحت رعاية دولية، بدل أن تكون مجال شد وجذب بين المقاتلين وميليشيات الدفاع الوطني، فإن الجهود الروسية المتواصلة لإطلاق دينامية مفاوضات سورية تجمع بين النظام وأطراف من المعارضة تهدف إلى بلورة خطوات عملية أولى على طريق انتزاع روسية للمبادرة الدبلوماسية في عملية البحث عن حل شامل للقضية السورية بعد أن أعلن تجمع أصدقاء سورية، الذي عقد آخر جلساته في لندن هذا الشهر، من دون أي اهتمام من قبل الصحافة والاعلام، فشله في ذلك، وتسليمه بهذا الفشل والعجز، سواء بسبب امتناعه عن تسليح المعارضة وتنظيمها، في الوقت المناسب، أو بسبب عجزه عن تغيير موقف الايرانيين والروس ودفعهم نحو قبول تطبيق بيان جنيف1.
لكن، مع ذلك، بالرغم مما يشاع عن ابداء الروس لمزيد من المرونة في تعاملهم مع شخص الأسد نفسه، ليس هناك بعد أي مؤشر على حصول تغيير جوهري في الموقف الروسي من النظام السوري الذي تفجرت ضده ثورة شعبية لا تزال مستمرة، بصرف النظر عن العنف منذ أكثر مايقارب أربع سنوات. والحال أن لافروف، في آخر لقاء جمعه مع وفد المعارضة السورية الممثلة بالإئتلاف، وكان بين جولتي مفاوضات جنيف في شباط/فبراير ٢٠١٤ وصل، بعد أربع ساعات حوار تخلله غداء على شرف الوفد، إلى استنتاج مفاده أن مواقف النظام والمعارضة متباعدة لدرجة يصعب رأب الصدع فيها، وبالتالي لم يعد من الممكن التمسك بتطبيق بيان جنيف، وأن الأمر الوحيد الذي يحتمل النجاح فيه هو تشجيع عقد الهدن المحلية الجارية تحت إشراف النظام وتعميمها كبداية للتحضير لتسوية وطنية وتعديلات في آليات عمل النظام. وكان هذا الاستنتاج الذي قدمه لافروف لوفد المعارضة بمثابة نصيحة قد شكل مفاجأة للإئتلاف الذي أراد بزيارته موسكو بين جولتي المفاوضات إلى تشجيع روسيا النظام السوري لانخراط الجدي في مفاوضات التسوية السياسية في جنيف ببساطة أن موسكو تخلت عن بيان جنيف في الوقت التي بدأت المفاوضات تجري على أساسه.
هل غيرت موسكو رأيها منذ ذلك الوقت؟ وهل هي اليوم أقرب إلى تسوية من طبيعة شاملة تتجاوز عقد الهدن والمصالحات التي جعلها الأسد جزءا من استراتيجيته لعزل المناطق وتفتيت قوى المقاتلين وتشكيك بعضهم بالبعض الآخر ونقل النزاع إلى داخل صفوفهم؟ هل غير تشكيل التحالف الدولي ضد داعش، وإطلاق الأتراك لفكرة المناطق العازلة والآمنة في شمال سورية، والعقوبات الاقتصادية التي طبقت على روسية، من هذا التصور الروسي وجعل موسكو أقرب مما كانت عليه في الماضي إلى موقف البحث عن تسوية شاملة؟ أم هل فقد الروس الأمل في إعادة تأهيل النظام، كما كانوا يعتقدون ويسعون إليه، بعد أن فشل في إعادة تسويق نفسه بمناسبة الحرب ضد الارهاب، وبعد فشل حليفتهم ايران أيضا في أن تكون طرفا معلنا في هذا التحالف؟
خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية من عمر الصراع في سورية تركت موسكو المبادرة الدبلوماسية في ما يتعلق بأي تسوية سياسية في يد واشنطن، ولم تنازع عليها، مع فعل كل ما تستطيع من أجل إفشالها. وهذا ما حصل بالفعل بعد إجهاض مؤتمر جنيف والتصعيد العسكري المخيف الذي رافق به الأسد جلسات المفاوضات واستمر به في ما بعدها. ويبدو أن الآية قد انعكست الآن. فواشنطن المهتمة جوهريا بمسألة الحرب على الارهاب والراغبة في التخلي عن الملف السوري أو اليائسة من إمكانية تحقيق أي نجاح فيه، من دون تدخل عسكري لاتزال مصرة على رفضه، تترك الملف لروسية على سبيل التخلص من قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة في وجهها، مع زيادة ضغط المأساة الانسانية من دون أي أفق لحل نهائي. والسؤال إلى أي حد تستطيع واشنطن أن تقبل تسوية في سورية تكرس الهيمنة الروسية الايرانية في سورية وإعادة تأهيل ولو جزئي لنظام الأسد، بوجود صاحب الاسم أم لا؟ وإلى أي حد يمكن لبلدان الخليج التي تشعر بنفسها مهددة من قبل التدخل الايراني الزاحف، أن تقبل بمثل هذا الحل، وتتعايش مع سورية "الولاية الايرانية رقم ٣٥ " كما أعلنها من قبل أحد كبار المسؤولين الايرانيين ؟ هذا ما لا نستطيع تأكيده بعد.
فليس هناك شك في أن روسيا الحليفة الرئيسية لايران لن تحمل على عاتقها مسؤولية البحث عن حل سياسي للأزمة السورية لصالح الغرب، ولا حتى لصالح الشعب السوري، الذي تجاهلت تضحياته على مدى ما يقرب من أربع سنوات متتالية. إن ما تحلم به هو أن تجد حلا للقضية السورية من منطلق ضمان مصالحها ومصالح حليفها الرئيسي الاستراتيجية في المنطقة.
و لكن بقدر ما تبدي إيران ارتياحاً إلى حوارها مع أميركا وإلى نتائج الحملة الدولية على «الدولة الإسلامية»، تبدو موسكو حانقة على التطورات التي تجري بمعزل عنها، فهي تدرك أن أي اتفاق نووي قد يمهد لعودة الدفء الى علاقات ايران مع الغرب، وهي تخشى في الوقت نفسه من تطور أهداف التحالف لتصل في مرحلة لاحقة إلى إسقاط الأسد بعد أن يكون تم التوصل الى اتفاق نووي بين ايران و الغرب، وهذا ما يدفعها لمحاولات إحياء اتصالاتها لتأكيد دورها في الازمة السورية عبر بعث التسوية السياسية في سورية. لكن هذا الدور محكوم عليه بالفشل لان المعارضة العسكرية على الارض ابعد ما تكون عن قبول دور روسي في اي تسوية يمكن البحث بشأنها، لذلك تحاول موسكو الاستعاضة عن ذلك بمحاولة تعويم دور المعارضة التي تقبل بها وسيطاً مع النظام.
وفي هذه الحالة لن تكون الحلول الجزئية المقترحة إلا على حساب قضية الشعب السوري، وكجزء من التسوية بين الروس والإيرانيين من جهة والامريكيين والغربيين من جهة ثانية وليس كتسهيل لتسوية عادلة بين السوريين أنفسهم.
ليس من المحتمل أن يملك مثل هذا الحل مقومات الوجود او الحياة. وما حصل مع الأمريكيين من فشل بسبب رفض واشنطن التضحية لصالح السوريين وقبولها الفيتو الروسي الايراني، سوف يحصل مع الروس لرفضهم التضحية بالنظام لصالح انقاذ الشعب السوري، أو الاستجابة لمطالب الكرامة والحرية التي رفعها شعارا لثورته، في الوقت الذي لم تكف موسكو وطهران عن وصف هذه المطالب بالمطالب الكاذبة، وتسم المنادين بها بالارهاب والعمالة لأمريكا والصهيونية.
لكن على جميع الاحوال، وسواء نجح الروس في إيجاد تسوية تستحق هذا الاسم، أي تضمن الحد الادنى من مطالب ثورة السوريين، وتداوي جراحهم وتتوج تضحياتهم غير المسبوقة ام لا، فإن أمرا واحدا على السوريين أن يدركوه بعد هذه الرحلة بل المحنة الطويلة القاسية هو أنه لا الولايات المتحدة ولا رورسيا ولا أوروبا ولا ايران ولا أي بلد آخر مستعد للاعتراف بحقوق السوريين ولا بتقديم أي مكاسب سياسية او استراتيجية لهم إذا لم يتمكن السوريون من انتزاعها هم أنفسهم بقواهم الذاتية وتضحياتهم.
في ضوء الانسداد القائم يبقى احتمال أخير قد تفرضه الظروف ويدفع القوى المختلفة لإنتاج تسوية شاملة. صحيح أن النظام يرى أن الامور تسير لصالحه منذ أن بدأت واشنطن بضرب تنظيم الدولة و اضعافه، فيما هو يعزز مواقعه، ويركز على ضرب فصائل المعارضة "المعتدلة" التي يمكن أن تشكل بديلاً مقبولاً غربياً. لكن ما قد يعده النظام مكاسب حالياً سرعان ما سيتحول تحدياً كبيراً. فترك النظام يجهز على ما بقي من فصائل معتدلة، سيفضي إلى تعزيز مواقع الجهاديين والمتشددين، ما يعني تكرار سيناريو العراق حيث سيطرت داعش على مساحات واسعة في شماله و غربه. وهذا تماما ما قد يدفع إيران إلى البحث عن مخرج. وقد لا تجد مهرباً من اعتماد النموذج العراقي. أي فتح صفحة البحث في مصير الأسد، انقاذاً لما يبقى من مصالحها في سورية، وحرصاً على مواصلة الحرب على القوى المتشددة التي تهدد حضورها ودورها في الإقليم
عقدة المعارضة والائتلاف
تبقى نقطة الضعف الرئيسية في موقف السوريين، تشتت المعارضة وتراجع دورها، سواء ما تعلق منه بالإئتلاف أم بالأطراف الأخرى. وفي هذا السياق تعطي نتائج اجتماعات الهيئة العامة للائتلاف التي انعقدت في استنبول في ٢١-٢٣ تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 ا صورة أمينة لهذه الخلافات التي تشل إرادة المعارضة وقدراتها وتفقد ثقة الشعب والرأي العام الدولي بها. فقد استمرت المنازعات حول المصادقة على الحكومة وتشكيل المجلس العسكري. وهناك اعتراضات على الاعتراف بشرعية القرارات التي اتخذتها الهيئة العامة. ففريق الرئيس هادي البحرة الذي انسحب من الجلسة مع أنصاره رافضا الاعتراف بشرعية الاجتماع لم يلبث حتى دعا إلى اجتماع طارئ يعقد 3 كانون الأول/ ديسمبر، بينما اعتبر الفريق الذي حاز على الأغلبية ومعه معظم اعضاء اللجنة القانونية والذي صوت للحكومة أن قانونية الاجتماع لا يمكن التشكيك فيها.
لكن بالرغم من الفشل في تحقيق التوافق بين الأطراف المتنازعة، يمكن منذ الآن الاستفادة مما تم إنجازه في الاجتماعات الأخيرة، وفي مقدمة ذلك التصويت على الحكومة المؤقتة، والرهان على رئيس الحكومة لإعادة ترميمها واستكمالها، وعلى وزير الدفاع المعين للحوار حول تشكيل المجلس العسكري الأعلى، والعمل على تفعيل مؤسساتها ودعمها لتكون طرفا فاعلا في تعزيز مواقع المعارضة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكذلك في المساعدة على استقطاب الدعم الدولي، الإغاثي والسياسي للمعارضة في بحثها عن حل للمازق السوري. مما يعني أيضا أن على الحكومة المؤقتة التي تمت المصادقة عليها أن تنأى هي أيضا بنفسها عن الصراعات والتجاذبات والنزاعات داخل صفوف الائتلاف والمعارضة، وأن تتصرف كحكومة وطنية سورية تعمل لصالح السوريين ولتخفيف المحنة والضيم والعناء عنهم، وهي مستعدة للتعاون معهم ومع جميع قوى المعارضة على قدم المساواة، ولا نعني بالمعارضة هنا تشكيلات بعينها، وإنما جميع القوى الفاعلة على الأرض، العسكرية والسياسية والمدنية، لتقديم أفضل ما تستطيع من العون للسوريين، وان تكون بالتالي شريكا وطرفا في دعم الوحدة والتفاهم والانسجام داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة، وجزءا من الحل لا جزءا من المشكلة.
لكن على جميع الأحوال تطرح أزمة الائتلاف التي لم تكن في أي يوم سابق اوضح مما هي عليه اليوم، بالرغم من كل الوعود بالبحث عن التوافقات وبالخروج من المماحكات والتناحر المرضي، مشكلة إعادة تأسيس جبهة المعارضة وقيادات الحراك الشعبي السياسي والمسلح، وهي المهمة التي لا يمكن تجاهلها اليوم مع تزايد المؤشرات على بداية جولة جديدة من مفاوضات السلام، مع تعاظم شعور جميع الأطراف بالاسنتزاف ورفض الغرب والمجتمع الدولي تقديم اي مساعدة للسوريين للقضاء على نظام القتل والارهاب والدمار.
الملف العسكري : الصراع على الطرق الحيويّة
في ظل حالة الاستعصاء في الملف السوري على الصعيد الدولي والإقليمي وإدراك جميع الأطراف استحالة الحسم العسكريّ في المرحلة الراهنة يسعى كل من النظام مدعومًا بالميليشيات الطائفية التي تسانده، وفصائل المعارضة المسلحة على اختلاف مشاربها من ضمنها الجهاديّة إلى مكاسب تكتيكيّة تعزز الموقف العسكريّ، وتضيق على الخصم خياراته تمهيدا لظروف ملائمة تكسر حالة الجمود القائمة. تأسيسا على الواقع السابق، فإن العين العسكريّة لا تخطئ التنافس والصراع على الطرق البرية الحيويّة، والتي تمثل إما خط إمداد أو بوابة ومدخل باتجاه منطقة حيوية واستراتيجية لهذا الطرف أو ذاك.
في الجنوب : كل الطرق تؤدي إلى دمشق
نجحت فصائل المعارضة المسلحة في تحقيق انجازات عسكريّة هامة على جبهة الجنوب ( درعا، القنيطرة) خلال الشهرين الماضيين. ولا يخفى على مراقب أن النظام، والذي يبدو وضعه العسكري جيدا في الشمال والوسط، يخسر وعلى التوالي مواقع عسكريّة هامة، ومناطق جغرافيّة استراتيجية.
ادخلوا عليهم الباب
نجحت الفصائل المنضوية ضمن غرفة عمليات " وادخلوا عليهم الباب" في تحقيق عدة أهداف معا، إذ تمكنت من تحرير مدينة نوى وكذلك طرد جيش النظام من معظم مواقعه في مدينة الشيخ مسكين ( الناحية، الجسر، برج 8 أذار، حاجز الشرطة العسكرية)، وهو ما مكنها من قطع الطريق نحو مدينة ازرع، حصن النظام الرئيس في درعا، وبواية الجنوب باتجاه دمشق، عدا عن كونها تحوي أهم مراكز عسكرية هامة مثل اللواء 12، والفوج 175، فروع الأمن السياسي والعسكري، ومكتب المحافظ، والشؤون الطبية ..الخ.
ولا تقتصر أهمية ما أنجز على خطط المعارضة لاستهداف ازرع خط الدفاع الأول، بل إن السيطرة على نوى والشيخ مسكين يمكن فصائل المعارضة في مراحل مقبلة من استهداف مدينة الصنمين، والتي تتموضع فيها مواقع عسكرية هامة كقيادة الفرقة التاسعة، ومحاصرتها من محور الشيخ مسكين جنوب مدينة الصنمين، ومن مدينة الحارة إلى بلدة غباب شمال شرق الصنمين. يضاف إلى ذلك أن سيطرة المعارضة على بلدة الشيخ مسكين، تمكنها من قطع الأوتوستراد الدولي، وإعاقة تحركات النظام غير العسكرية ( قوافل الامداد، المواد الغذائية) من وإلى بلدة ازرع، ومدينة درعا، وقطع مرور الشاحنات إلى الأردن عبر معبر نصيب. وعلى الرغم من أهمية ذلك، فإنه من غير المرجح لجوء قوات المعارضة لمثل هذا التكتيك كونه يضر بالأردن بما قد يؤثر عليها لناحية تضييق الحكومة الأردنية، الرافضة لفكرة سيطرة المعارضة على معبر نصيب والطريق الدولية، على امدادات الأسلحة والاغاثة وغيرها.
أيًا يكن، وعلى الرغم من أهمية الانجازات العسكريّة، فإنه من غير الممكن إطلاق صفة الحسم أو الادعاء برجحان موازين القوى العسكريّة لصالح المعارضة في الجنوب.
نصر الله من الله وفتح قريب
تسارعت الأحداث خلال الاشهر الأخيرة في محافظة القنيطرة، فبعد سيطرة فصائل من المعارضة المسلحة وفصائل جهادية أخرى على المدينة المدمرة وعلى غالبية نقاط خط الفصل على جبهة الجولان، خرجت غالبية مساحة المحافظة بما فيها مناطق استراتيجية واصلة بين ريف درعا وريف دمشق الغربيّ عن سيطرة النظام وما يبعث الأمل بوضع عسكري جديد ينتج عنه فتح طريق باتجاه دمشق وكسر الحصار على ريفها الغربي.
منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، أطلقت فصائل عدة من أبرزها فجر التوحيد، فتح الشام، الفاتحين، الفتح المبين، جبهة النصرة معركة سمتها "نصر من الله وفتح قريب" بهدف السيطرة على مدينة البعث وبلدة خان أرنبة، إضافة إلى تلال اليو إن، وتل كروم جبا، وتل أحمر، آخر معاقل قوات النظام في ريف القنيطرة، لفتح الطريق إلى العاصمة دمشق. لكن هذه المعركة سرعان ما توقفت لعدة أسباب أبرزها الافتقار للسلاح الثقيل للتعامل مع مواقع محصنة عسكريا، اضافة لاستخدام النظام لاهالي القرى كدروع بشرية، وانشغال جبهة النصرة التي تتولي قيادة غرفة العمليات بجبهات أخرى او ترتيب اوضاعها في ريف درعا تزامنا مع بروز فاعليه للجيش الحر في السيطرة على مواقع هامة.
يؤمل في هذه الحالة، أن تتولى جبهة ثوار سوريا قيادة غرفة العمليات، وهو ما من شأنه أن يعزز الطابع الثوري والوطني في العمل العسكريّ بدلا من الفصائل الجهاديّة.
حلب: حصار المدينة ليست أولوية النظام
حقق النظام اختراقات هامة في محافظة حلب خلال الأشهر الأخيرة، ولاسيما بعد سيطرته على المنطقة الصناعية والشيخ نجار. أنذاك، ارتفعت الأصوات والتحذيرات التي تطالب فصائل المعارضة المسلحة بالتوحد أو التنسيق فيما بينها لمواجهة الخطر المحدق بالمدينة، لاسيما بعد اقتراب النظام من طريق الكاستيلو شريان الامداد الرئيس من الريف المحرر للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في المدينة. بيد أن النظام، ونتيجة لأسباب عدة غير من أولوياته الآنيّة مركزا على السيطرة على ريف حلب، وتحديدا الوصول إلى قريتي نبل والزهراء والسيطرة على طريق حيان – بيانون، وتتلخص هذه الأسباب فيما يلي:
القضاء على مراكز الإمداد الرئيسية بدلا من التركيز على قطع طرق الإمداد، فالمسعى الأخير وإن كأن خيارًا هامًا، فإنه ليس خيارا حاسم ذلك أن النظام يدرك أن حصار مدينة حلب صعب جدا لكبر حجم المساحة ووجود طرقات فرعية يمكن أن تستخدمها المعارضة لإيصال الإمدادات. عدا عن عجزه عن تأمين العدة والعتاد اللازم لحصار المدينة ونقص العنصر البشري، وعجز الميليشيات الأجنبية التي يستقدمها على القيام بهذه المهمة. انطلاقا من ذلك، يرى النظام أن السيطرة على ريف حلب الشمالي خيار أسهل من حصار المدينة عند أطرافها أو اقتحامها، وتحقق على المدى المتوسط هدفة بخنق قوات المعارضة وحرمانها من الإمدادات القادمة من تركيا عبر معبر باب السلامة وقرية اعزاز.
يرى النظام أن سيطرته على ريف حلب الشمالي والغربيّ تمثل خطوة استباقيّة لطموحات تركية بإقامة منطقة أمنة وحظر طيران. وعلى الرغم من أن تركيا عاجزة حتى الآن عن السير بهذا الخيار نتيجة للرفض الأميركي لدعم مثل هذه الخطوة، فإن مخاوف النظام تبقى قائمة.
إن فك الحصار على قريتي نبل والزهراء تمثل أولويّة، لان القريتين الشيعتين تمثلان خزانه البشري في ريف حلب، لذلك يسعى ما أمكن لفك الحصار عنهما، واستغلالهما كقاعدة عسكريّة تؤهلة للقيام بحملات عسكرية أكثر فاعلية.
قرأ النظام بتمعن فشل الاستراتيجيّة الأميركية من خلال التحالف بإلحاق هزيمة سريعة أو على الأقل وقف تمدد تنظيم الدولة. فعلى الرغم من أن ضربات التحالف آلمت التنظيم فإن جدواها العملياتي سيبقى محدودا إذا لم تدعم بقوات عسكرية في الميدان. وعلى اعتبار أن خطط الولايات المتحدة وحلفائها لتدريب من تسميهم المعارضة السورية المعتدلة تستغرق على الأقل عامًا من الزمن، فإن النظام يسعى للعب على عامل الوقت مستغلا تراخي إدارة أوباما وميوعتها تجاه الملف السوري لتغيير خططها المستقبلية. وبسيطرته على ريف حلب يكون النظام على تماس مباشر مع محور (اخترين – دابق – احتميلات) الذي يسيطر عليه تنظيم الدولة ما يفرض وجود مواجهة مسلحة بينهما. وعلى هذا الأساس يشتبك النظام مع التنظيم في الشمال والشمال الشرقي، ويقدم نفسه كطرف ميداني قادر على هزيمة التنظيم أو على الأقل وقف تمدده، وهذا هو المشروع الرئيس للنظام منذ تشكيل التحالف.
لقد تنبهت فصائل المعارضة المسلحة لمساعي النظام، وبدأت بخطوة استباقية تمثلت بهجوم شنه جيش المجاهدين وأحرار الشام وجبهة أنصار الدين وجبهة النصرة استهدف قريتي نبل والزهراء، واستطاعت الفصائل من خلاله السيطرة على مداخل القريتين. من جهة أخرى استطاعت حركة حزم تحرير منطقة المعامل في محيط مخيم حندرات شمال شرق مدينة حلب، عقب اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، أسفرت عن مقتل وإصابة عددٍ من عناصر قوات الأسد والميليشيات الأجنبية المساندة لها، ما صعب المهمة على قوات النظام. من جهة أخرى، حققت الجولة الثانية من المعركة التي أطلق عليها اسم " زئير الأحرار" بعض الانجازات بعد أن انتهت الجولة الأولى، والتي بدأت في شهر تشرين الأول/ اكتوبر 2014، بفشل ذريع اثر انسحاب الأحرار من غالبية المناطق، ومن أبرز الانجازات تحرير القاعدة الجوية المعروفة بـ"العشتاوي"، وهذه المرة الأولى التي تتحرر فيها هذه القاعدة منذ بداية الثورة، إضافة إلى تحرير أربع قرب معامل الدفاع في السفيرة وإلحاق خسائر بشرية بعناصر النظام، فاقت الأربعين قتيلاً. لطالما حاولت فصائل المعارضة السيطرة على معامل الدفاع وقرية السفيرة الاستراتيجية، وعقدة المواصلات في خناصر دون أن تنجح، فالمعامل تعتبر ثاني أكبر معامل لانتاج الأسلحة والذخيرة في سورية وتعتبر مصدر هام لإمداد قوات النظام، كما أن طريق حلب – دمشق الحالي يمر عبر خناصر. انطلاقًا من ذلك، يخشى أن تكون هذه الجولات امتدادا لجولات أخرى تحقق بعض النجاحات في البداية لكنها تنتهي بنتائج مخيبة.
ريف ادلب : قتال الفصائل يزيد المخاوف
أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2014، تمكن النظام بمساندة الميليشيات الطائفيّة اللبنانية والعراقيّة من استعادة السيطرة على بلدة مورك في ريف حماة، وذلك بعد ثمانية أشهر من القصف المتواصل، والاقتحامات المتتاليّة، والخسائر الكبيرة التي مني بها أكان على صعيد المقاتلين، أو على صعيد العدة. فعلى سبيل المثال تجاوز عدد دبابات النظام المدمرة بالكامل أو المعطوبة حاجز 100 دبابة. لقد أوضحت معركة مورك، قدرة فصائل المعارضة المسلحة على إفشال مساعي النظام، وخططه العسكريّة أو تأخيرها على الأقل فيما لو جرى التنسيق الميدانيّ بينها، ولو في حده الأدنى، على الجبهات المختلفة. فالتوحد على الهدف، والاصرار على وقف تقدم النظام، ونبذ الاختلافات والتباينات الفكرية والتنظيميّة عزز من مقومات صمود المعارضة. لذلك يمكن بأي حال، وصف ما جرى في مورك بالهزيمة، بل هو نصف انتصار لاسيما وإذا نظرنا لحجم خسائر النظام.
أيًا يكن، فإن انسحاب المعارضة من مورك سيترك تداعياته على الجبهات الخلفية، ولاسيما جبهة ريف ادلب وبالأخص معسكرات النظام الحصينة كوداي الضيف والحامديّة، واللذان تحاصرهما قوات المعارضة منذ أكثر من سنتين. وما يزيد من هذه المخاوف ماجرى مؤخرا في ريف ادلب، والمواجهات المسلحة التي دارت بين كل من جبهة النصرة وجماعة جند الأقصى المتحالفة معها، وبين جبهة ثوار سورية بقيادة جمال معروف من جهة، وحركة حزم وبعض فصائل الجيش الحر من جهة أخرى.
اشرنا في تقارير سابقة إلى تغير منهجي وسلوكي لدى جبهة النصرة، ومحاولة قيادتها الجديدة ممثلة بالجولاني والشرعي الجديد الأردني سامي العريدي وقف استنزاف مقاتليها وهجرتهم إلى داعش برفع حدة الخطاب الجهادي الفئوي ( الغلو، والتكفير)، وإعادة طرح الأهداف الكبرى عن الإمارة والدولة الإسلامية كمشاريع راهنة يجب البدء بتحقيقها. تأسيسًا على ماسبق، وبخلاف كل الذرائع التي ساقتها جبهة النصرة للهجوم على جبهة ثوار سوريا، فإن النصرة نفضت عن نفسها شعارات " دفع الصائل" و " نصرة" الشعب السوري، واتجهت لبناء مشروعها الجهادي الخاص. ويمكن الاستلال على ذلك بمؤشرات عديدة لا يتسع المجال لذكرها ومن أبرزها:
انسحابها من الهيئات الشرعية ومن المؤسسات الإدراية والقضائية والعسكرية القائمة، وانشاء اجهزة قضاء ومحاكم وقوى أمن خاص بها.
تحالفها الوثيق مع جماعة جند الأقصى، وهي جماعة جهادية تدعي تبعيتها لتنظيم القاعدة، وتضم مقاتلي داعش الذين اعتزلوا القتال، أو خرجوا من التنظيم عند هزيمته في ريف ادلب وريف حماه وحلب مطلع العام الجاري.
عزل العنصر السوري وتحييده عن المناصب القيادية لصالح العنصر الأجنبي ولاسيما الأردني، وهو ما ترك أثره على زيادة الغلو والتكفير.
التعامل مع الجيش الحر بعمومه كفئة مرتدة كافرة عميلة للقوى الدوليّة، والاستيلاء على أسلحته ومقراته في سلوك مشابه لتصرفات داعش.
استفزاز البيئات المحلية الأهليّة إما من خلال ملاحقات لعناصر الجيش الحر من أبناء القرى، ما يخلق ردة فعل تضامنية ضدها، أو من خلال سلوكيات أفرادها وتضييقهم على الناس على الحواجز، واستدعائهم لمحاكمها الشرعية تحت ذريعة وجود شكوى ضدهم.
طعن الناس في دينهم، واتهامهم بالضلالة والجهل، كما يتوضح في مشاريع الداعية السعودي عبد الله المحيسيني، والذي يفتتح مكاتب، ويسير سيارات لتعليم المرأة السورية الحجاب واللباس الشرعي، وأصول الدين.
استغلال الخصومة مع جمال معروف، للقضاء على بعض تشكيلات الجيش الحر الفاعلة مثل حركة حزم. فبينما كانت تؤدي حزم دور قوات فصل بحسب الاتفاق الأولي للوساطة التي رعتها مجموعة من الفصائل المسلحة في ريف ادلب، هاجم رتل من النصرة حواجز حزم، واستولى على اسلحتها.
إن ما يجري في جبل الزواية وريف معرة النعمان يزيد من حالة الاحتقان بين فصائل أهلية تحسب على الجيش الحر وبين جبهة النصرة وجند الأقصى، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة متكررة يكون النظام هو المستفيد الأبرز فيها. ويمكن القول ومن خلال المعاينات الميدانية أن جبهات القتال في ريف ادلب توقفت منذ مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 بسبب القتال الدائر، وهو ما يستغله النظام لتعزيز مواقعه في ريف حماه الجنوبي والبدء بشن حملة عسكرية كبيرة تستهدف ريف ادلب الجنوبي بشكل يمكن أن يقلب المعادلات القائمة، وينهي بشكل كامل المقاومة الوطنية المسلحة والكتائب المنتمية للجيش الحر. الأمر الذي من شأنه احتكار الصراع بين النظام وإيران، والحركات الجهادية، وهو سيناريو يشتغل عليه النظام لتقديم نفسه طرفا شرعيا في التحالف الدولي.
نقاط حول الوضع العسكري العام
أفادت ضربات التحالف النظام، وعززت مواقعة العسكرية ولاسيما في حلب باعتراف المسؤولين الأميركيين دون أن يعني ذلك تفوقه العسكري المطلق، فجبهات درعا وصمود ريف دمشق، والهجمات المباغتة للمعارضة في الشمال ولاسيما في حلب عرقلت مساعيه للاستفادة القصوى من تغير اولويات الغرب والانكفاء عن دعم المعارضة. الأمر الذي يفرض على الأخيرة مراجعة خياراتها السياسية والعسكريّة لأن مرحلة طول فترة الاستعصاء عوامل تساعد النظام وتعزز مقومات بقائه.
يتعرض حزب الله لاستنزاف كبير في جبهة القلمون، ويعجز نتيجة وضعه العسكري الحالي واستخدام تكتيك الهجوم والسيطرة على المناطق والمدن عن وقف الخسائر أو الحد منها. وبناء عليه، لا بد من تطوير استراتيجية عسكرية في القلمون لمواجهة ميليشيات الحزب واجبار قادته على مراجعة خياراتهم، وهو أمر فيما لو حصل سيترك تداعياته على النظام والذي يعتمد بشكل شبه كلي على دعم الميليشيات الخارجية.
إن عدم ضبط الفوضى الفصائلية وتنظيمها سيكون سببا في اندثار الجيش الحر تدريجيا، وتعاظم قوة الجماعات الجهاديّة.
على الرغم من الضربات التي تلقاها، فإن تنظيم الدولة ما يزال قوة فاعلة رئيسية بل ويحقق انتصارات في عدد من المناطق. إن غموض استراتيجية التحالف، واصرار دوله على عدم استهداف الأسد وعدم الاستجابة للمقترحات الأخرى كالمقترحات التركيّة بإقامة منطقة أمنة وحظر جوي يساهم تدريجيا في تغير المزاج تجاه تنظيم الدولة ولاسيما من قبل بعض فصائل المعارضة التي انضمت إليه مؤخرا.
فشل النظام في ايقاف تمدد تنظيم الدولة ولاسيما عند حقل شاعر في ريف حمص بالإضافة إلى خسائره الكبيرة في أعداد الجنود يزيد من قناعة مؤيدية بعجزه عن توفير استقرار نسبي مستدام، وهو ما يجب أن تعمل عليه المعارضة السياسية والعسكرية.
ثمة مؤشرات عدة على وصول أسلحة جديدة لجبهة الساحل وهو ما قد يساهم في تفعيلها مجددا، ولكن يخشى ان تكون كمثل الجولات السابقة. ما يفرض استراتيجية عسكرية تتعامل مع النظام بمنطق الأهداف لا بمنطق التموضع الجغرافي.
الملف الحقوقي: المستقبل السوري مهدد بالكامل
على الرغم من أن الجانب الإنساني في سورية هو الأصل، فإن هناك توجها واسعا في وسائل الإعلام العالمية والعربية لتغييبه بشكل شبه كامل، وإحلال الجانب الجيوسياسي مكانه. والحال، لا تزال المأساة الإنسانية تتصاعد بشكل كبير، وهي مرشحة للاستمرار في ظل انسداد أي أفق أمام الحل السياسي وفشل الحلول الإنسانية المجتزأة. وبدخول الشتاء الرابع، فإن معاناة المشردين النازحين في داخل سورية واللاجئين خارجها مرشحة للتفاقم بشكل أكبر لاسيما بعد تراجع الاهتمام الدولي بأزمتهم ونقص التبرعات والمعونات. وقد نبهت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة ومنسقة الإغاثة فاليري آموس إلى هذا الأمر حيث صرحت الأربعاء 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 بأن "نحو اثني عشر مليون سوري بحاجة إلى مساعدة عاجلة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية". كما لمحت آموس إلى أن إدخال المساعدات إلى مناطق المعارضة السورية عبر الأردن وتركيا دون موافقة حكومة الأسد " جنى ثماره" الأسد في النهاية، وغمزت إلى ضرورة اجتراح خطط جديدة تتجاوز جمود القانون الدولي واستعصاء مجلس الأمن.
وبهذا التصريح، تشير آموس إلى قرار مجلس الأمن 2165 الصادر بتاريخ 14تموز/ يوليو 2014 والذي سمح أخيرا بإدخال المساعدات الإغاثية عبر الحدود دون موافقة النظام السوري. وهذا يؤكد ماكنا قد أشرنا إليه في تقارير سابقة إلى عدم ضرورة الزام النظام السوري بالسماح لشحنات المساعدات بالوصول إلى مناطق لاتبعد سوى 10 كليو مترات عن الحدود التركية على سبيل المثال بعد أن كان يصر ولسنوات على ضرورة مرور الشحنات عبر الأراضي التي يسيطر عليها، ثم يقوم بإرسال مايشاء منها إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، والتي قد تبعد في كثير من الأحيان مسافة 500 كيلو متر.
وعلى الرغم من أن القرار الدولي السابق خفف جزءا بسيطا من المعاناة فإن تطبيقه ما يزال قاصرا على المناطق الحدودية. أما المناطق المحاصرة، كالغوطة الشرقية وداريا وحي الوعر في حمص فما تزال تعيش المأساة ذاتها، إذ لم يصلها أي شيء حتى الآن أو شيء لايذكر. ولم يختلف حالها قبل أو بعد صدور القرار الأغاثي. ما يعني أن النظام ما يزال يخرق قرارات مجلس الأمن ويتهرب من تنفيذها، عدا عن خرقه لقانون الدولي الإنساني عبر ارتكاب جرائم حرب من خلال حصار تلك المناطق. الأمر الذي يضع مهام عاجلة على قوى المعارضة لرفع الصوت عاليا في المؤسسات الدولية وأمام الرأي العام الدولي لدفع حلفائه للضغط عليه من أجل ادخال المساعدات الإنسانية وتوفير مقومات الصمود للمناطق المحاصرة.
الشعب السوري في العبودية
من جهة أخرى، نتيجة لعدم اكتراث النظام السوري والمجتمع الدولي بالمواطن السوري احتلت سوريا المركز التاسع في مؤشر انتشار العبودية الحديثة، وذلك وفقا لتقرير مؤشر العبودية العالمي لعام 2014. وينطلق المؤشر في نتائجه من أن أغلب الشعب السوري، وخاصة المشردين واللاجئين يعملون بأجر منخفض، وبعضهم بدون أجر مقابل المبيت، وأن كثيرا منهم جرى ابتزازهم عبر شبكات الدعارة أو المخدرات أو الزواج. كما أن مالايقل عن 3.2 مليون طفل داخل وخارج سورية محروم من العملية التعليمية ما دفعهم للانخراط في العمل المبكر أو الانضمام للكتائب المقاتلة في حين لجأ بعضهم للتسول. يضاف ذلك تدهور قيمة العملة السورية لأكثر من 50%، مما تسبب بارتفاع هائل في كلفة الحاجيات الأساسية. وقد وصف المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بيير كرينبول 18تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 الوضع في سورية بالكارثي على السوريين والفلسطنيين على حد سواء، و ذكر أن "حوالي 18 ألف لاجئ فلسطيني في مخيم اليرموك يعانون الحصار والبرد والجوع".
أطفال سورية مستهدفون
لا تتوقف المأساة عند حد أو جيل معين بل تتجاوز كل المتصور. فقد أظهرت دراسة للشبكة السورية لحقوق الإنسان صدرت في يوم الطفل العالمي الموافق لتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر أن مالايقل عن 17268 طفل قتلوا من قبل قوات النظام بينهم 518 طفلاً قتل برصاص قناص، واعتقل مالايقل عن 9500 طفلاً، وقضى أكثر من 95 طفلاً تحت التعذيب في معتقلات النظام، وارتكبت بحقهم أعمال عنف جنسي. وأشارت الدراسة إلى أن عدد جرحى الأطفال بلغ أكثر من 280 ألف طفل، وأن عدد النازحين داخليا بلغ نحو 4.7 مليون طفل ، إضافة إلى 2.9 مليون طفل لاجئ، و حرم أكثر من 1.3 مليون منهم من التعليم. كما أوضحت الدراسة أن قوات النظام جندت مئات الأطفال في عمليات قتالية مباشرة وغير مباشرة. في المقابل قدرت أن ما لايقل عن 137 طفلاً قتل على يد داعش، ونحو 455 طفلاً اعتقلوا من قبل عناصر أخرى، كما أن التنظيم جند المئات منهم. في حين تقدر الدراسة عدد الأطفال الذين قتلوا على يد فصائل المعارضة المسلحة بـ 304 أطفال.
إرهاب داعش، ولكن
استمرت الانتهاكات في المناطق التي تخضع بحكم قوة الاحتلال والإرهاب لسيطرة تنظيم داعش عبر خنق الحياة المدنية والسيطرة على مختلف جوانب الحياة، وتخويف المجتمع من خلال عمليات الصلب والجلد وقطع الرؤوس في الساحات العامة. وفي هذا السياق، أصدرت لجنة التجقيق الدولية بشأن سورية تقريرا مستقلا تحدثت فيه حول جرائم تنظيم داعش، بعنوان "حكم الإرهاب: العيش في ظل داعش في سوريا"، وذلك بتاريخ 14تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. أشار التقرير إلى حالات استعباد النساء والتضييق على اللباس وبيع النساء الأيزيديات في سوق النخاسة بعد اختطافهن من العراق، كما تحدث عن تجنيد الأطفال وعن حادثة إعدام جنود النظام السوري الأسرى. المفارقة هنا أن التقرير ركز على مجموعات دينية واثنية معينة ( المسيحيين، الشيعة والأكراد)، وأغفل بقصد أو بعدم معرفة ضحايا داعش من السنة على أنهم في قائمة المستهدفين ولاسيما في محافظتي الرقة ودير الزور، وهو ما يطرح أسئلة عن عقدة التفكير الأقلوي التي تحكم المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية أيضا.
محرومون من الجنسية
في الداخل السوري يبقى المواطن عرضة للهجمات البربرية من قبل النظام السوري والميليشيات الطائفية أولا، والميليشيات الكردية والتنظيميات المتطرفة ثانيا، وعرضة للسلب والابتزاز من قبل بعض المجموعة المسلحة التي امتهنت السرقة والنهب مستغلة الفراغ الأمني وحالة الفوضى. أما معاناة السوريين في الخارج فهي في ازدياد مستمر. لقد فجع اللاجئون السوريون الذين يمثلون النسبة الأكبر من لاجئي العالم بعدة قرارات صادمة في الشهرين الأخيرين اوحت بوجود توجه جديد من قبل الدول المستضيفة للتضييق عليهم. فبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فإن الأطفال السوريين المولودون في المنفى يواجهون خطر انعدام الجنسية لعدم امتلاكهم أو أبائهم وثائق حكومية. وتشير دراسة أصدرتها المفوضية أن 70% من الأطفال السوريين الذين وُلدوا في لبنان لا يحملون شهادة ميلاد رسمية ما قد يؤدي لحرمانهم من الجنسية عدا عن عدم استفادتهم من الرعاية الصحية والتعليم، وتعرضهم للاستغلال الجنسي أو التبني غير القانوني أو العمالة الجائرة.
تأسيسا على ماسبق، تعالت صيحات محدودة تطالب بتسجيل الأطفال السوريين في بلدان اللجوء ريثما تنتهي الأزمة، وبضرورة قبولهم في التعليم الرسمي أو الخاص. وجاءت هذه الصيحات بعد قرارات جائرة مثل قرار وزير التربية اللبناني الياس صعب بمنع تسجيل المهجرين أو من سماهم " غير اللبنانيين" في المدارس الحكومية. أما في مصر، فما تزال الحكومة المصرية تضيق على السوريين وترفض استقبالهم إلا بموافقة أمنية وترحل عددا منهم زجريا. أما في الأردن فقد أصدر مجلس الوزراء ( 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 ) قرارا يقضي بـ "إلغاء جميع قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بمعالجة اللاجئين السوريين في المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لوزراة الصحة، على أن تتم معاملتهم معاملة الأردنيين غير المؤمنين، واستيفاء أجور المعالجة والمطالبات المالية منهم مباشرة، دون إعداد مطالبات مالية بهذا الخصوص". ويجدر الإشارة إلى أن اللاجئين السوريين في الأردن كانوا يعالجون ضمن نظام التأمين الصحي وإبراز ورقة المفوضية عند كل مراجعة أو علاج أو حتى ما يتعلق منها بالعمليات الجراحية المكلفة، وهذا كله سوف يتوقف بشكل كامل، وسوف يؤثر بشكل مخيف على عشرات آلاف الحالات التي لاتملك تكاليف العلاج.
وعلى صعيد آخر، وأمام تصاعد العنف والجرائم، أقرت اللجنه الثالثه المسؤولة عن حقوق الانسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء 19تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 مشروع قرار يدين انتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها النظام السوري ضد المدنيين في سورية. وصوت لصالح مشروع، تقدمت به المملكة العربية السعودية، 125 بلدًا فيما رفضه 13 بلدًا بينها الصين وروسيا وايران وكوريا الشماليه وامتنع 47 بلدًا عن التصويت. ومن المتوقع أن يعرض هذا القرار على الجمعية العامة في كانون الأول/ ديسمبر 2014 من أجل إقراره.
وعلى الرغم من أن القرار لا يحظى بأي صفة إلزامية فإن الجميعة العامة تعبر عن إجماع دولي ورغبة كبيرة لازالة نظام دكتاتوري شمولي. وتبقى المشلكة الرئيسية في مجلس الأمن، فهذه ليست المرة الأولى التي تدين فيها الجمعية العامة بالأغلبية النظام السوري والميليشيات الأجنبية المتحالفة معه. وبناء عليه، يجب الانطلاق من هذا المشروع والاعتماد على قرارات أخرى لمجلس الأمن كقرار مجلس الأمن رقم 1674 بتاريخ 28 نيسان/ أبريل 2006، والذي يشير في بنده رقم 26 إلى أن تعمـــد اســـتهداف الـــسكان المـــدنيين وغيرهـــم مـــن الأشـــخاص المشمولين بالحماية، وارتكاب انتهاكات منتظمـة وسـافرة وواسـعة الانتـشار للقـانون الإنـساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في حالات الصراع المسلح قد يشكلان تهديداً للسلام والأمن الدوليين لملاحقة النظام وأركانه، وفضح جرائمه، وحث المجتمع الدولي على مزيد من الانخراط وتجاوز حالة اللامبالاة القائمة لوضع ضعوط تؤدي إلى حل الأزمة السورية أو تخفيف معاناة السوريين.
نتائج توصيات
راهن السوريون طويلا على الرأي العام الدولي والانساني، وعلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي والمواثيق الدولية الخاصة بحماية الشعوب المعرضة لجرائم ضد الانسانية وجرائم الإبادة الجماعية، كما راهنوا على الولايات المتحدة وعلى روسيا وعلى علاقاتهم التاريخية معها، بل إن بعضهم راهن على إسرائيل، لكنهم لم يحصدوا من كل ذلك سوى الهباء. لم تتدخل واشنطن لنصرتهم وهي تقول إنها لن تتدخل، ولن تتنازل لهم روسيا وايران عن مواقعها ومكاسبها الاستراتيجية في سورية، ولن تتنازع روسيا والولايات المتحدة ولا ايران وتركيا من أجل سورية وحقوق الشعب السوري. وليس للسوريين إلا العودة إلى أنفسهم، ومراجعة خططهم، واستعادة المبادرة، على المستوى العسكري والسياسي على حد سواء. ومفتاح هذه المراجعة هي نبذ الاوهام واسترجاع سيطرتهم على قرارهم وتنظيم قواهم العسكرية والسياسية والمجتمعية بما يمكنهم من إعادة تحرير بلادهم كما يحرر أي بلد خضع ويخصع لحكم الأجنبي، مع فارق أن الأجنبي هنا لم يعد طرفا واحدا وإنما أطرافا كثيرة ومتعددة، متنافسة ومتكاملة معا.
وهذا يعني :
إعادة تجميع المعارضة السياسية والعسكرية وتوحيد صفوفها على برنامج عمل وخيارات وأجندة موحدة يمكن تلخيصها بثمانية نقاط
١. الاعتراف بفشل الجهود الدولية السياسية والعسكرية التي بذلت منذ ثلاث سنوات ونصف لحل القضية السورية
٢. العمل على بناء قوة عسكرية مستقلة من الأنصار، قادرة على موازنة القوى المتصارعة على الأرض من غير السوريين وعلى الوقوف في الوقت نفسه في وجه مشاريع التقسيم والتفتيت، وتلك المعادية للهدف الذي قام من أجله الشعب السوري، وهو إقامة دولة سورية حرة تقوم على مباديء التعددية والمواطنة المتساوية وحكم القانون والعدالة والمساواة.
٣. العمل على الصعيد الدولي من أجل تاكيد الاعتراف بمركزية القضية السورية وأولويتها في السياسة الإقليمية، وعدم إلحاقها بأي قضية أخرى، سواء أكانت قضية الارهاب أو المفاوضات الغربية الايرانية، والعمل على ايجاد آليات تمكن الشعب السوري من تقرير مصيره بحرية.
٤.مطالبة المجتمع الدولي باحترام التزاماته واحترام سيادة سورية ووضع حد لتدخل القوى والميليشيات الأجنبية على أراضيها .
٥. نزع فتيل النزاعات الطائفية واعتبارها شكلا من أشكال العنصرية، وإجهاض الحرب المذهبية التي أصبحت استراتيجية سياسية وعسكرية لبعض الدول الإقليمية في سعيها لتفكيك المشرق وتمزيق شعوبه وتقويض دوله ونظمه السياسية للتمكن من اختراق بلدانه والسيطرة عليها.
٦. توحيد الموقف العربي إزاء القضية السورية ودعوة الدول لتجاوز خلافاتها الايديولوجية والسياسية والاتفاق على خطة عربية لمواجهة الأزمة المشرقية
٧. وضع حد لفوضى العلاقات الإقليمية والاعداد لاتفاقيات ومعاهدات تؤسس لنظام إقليمي جديد قائم على الاحترام الكامل لسيادة الدول ومبدأ الأمن الجماعي والشراكة والتعاون من أجل التنمية وحل الخلافات بين الدول بالوسائل السياسية والسلمية.
٨. وفي مايتعلق بالائتلاف، الذي لم ينجح في الخروج بتوافق يعزز مكانة المعارضة ويزيل تهمة التشتت والتمزق واللافاعلية عنها، أعتقد أن من مصلحة الجميع، داخل الإئتلاف وخارجه، في صفوف المعارضة، إعلان هدنة مرحلية، يصار فيها إلى تجميد النزاعات الشخصية والسياسية، وتجميع قوى الإئتلاف والمعارضة على اختلافها، وتوحيد صفوفها، حول مباديء عامة أساسية يتفق عليها الجميع، بصرف النظر عن الشخص او الأشخاص الذين سيتولون تمثيلها أو تطبيقها، من أجل التفرغ للمعركة السياسية الدولية التي بدأت إرهاصاتها وسوف تتعاظم في الأسابيع القادمة، حول ايجاد حل للقضية السورية وفي قلبها حسم معركة الأسد وموقعه في أي تسوية محتملة او مرحلة انتقالية.
وفي هذه الاثناء يمكن التفكير في تأهيل الإئتلاف وإعادة بنائه بما يمكنه من الخروج من الحلقة الفارغة التي وقع فيها.
ولايوجد طريق للخروج من مناخ الصراع الدائم الذي شل الإئتلاف إلا بشرطين:
الأول: إلغاء التكتلات داخل الائتلاف وتحريمها، ورفض أي منطق محاصصة او توزيع للمواقع حسب الانتماءات الخاصة مهما كانت، والالتزام بالتصويت الفردي، وكل حسب ضميره وتقديره السياسي، للأشخاص الذين يختارون أو يرشحون أنفسهم لاحتلال مواقع المسؤولية، بعد إظهارهم بالفعل أن لديهم معرفة بالمسؤوليات الملقاة عليهم، ورؤية واضحة للطريقة التي سيردون عليها والمهام التي يتوجب عليهم إنجازها، وأن الأمر لا يتعلق بمنصب تكريم وتشريف وإنما بمهام تستدعي عملا مستمرا وجهدا مضاعفا لتحقيقها.
والثاني: إقرار قاعدة تداول الأعضاء في الهيئة العامة، وإستبدال ثلث الأعضاء على الأقل في كل دورة، لاتاحة الفرصة لتجديد دماء الإئتلاف، وإدخال عناصر جديدة من العاملين على الارض، والمشاركين في النشاطات الميدانية، ودفع الأقل قدرة على العطاء إلى الخروج والعمل ضمن الهيئات المدنية إذا كانوا معنيين بالفعل بخدمة المجتمع والشعب.
من دون ذلك لن تتغير قواعد اللعبة، وسوف يبقى الصراع على مناصب فقدت معناها هو الموضوع الأول والوحيد لاجتماعات الهيئة، كما حصل حتى الآن، ولا يبقى للائتلاف سوى أن ينكس الراية، ويحذو حذو المجلس الوطني الذي أصبح من قبله ناديا اجتماعيا مغلقا لأعضائه أو للبعض منهم.
٩. بلورة مبادرة وطنية للحل السياسي للقضية السورية مستندة إلى القرارات الدولية وتلبية مطالب الشعب السوري في الكرامة والحرية وإقامة حكم القانون في إطار نظام وطني ديمقراطي يضمن المشاركة المنصفة لجميع الأفراد في تقرير مصير البلاد وسياساتها ويساوي بين جميع أبنائها، في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن أصلهم ومنبتهم القومي أو الديني أو المذهبي أو الجغرافي ويكرس مبدأ سيادة الشعب.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire