صدم
رئيس "مركز
عمّار الاستراتيجي"
لمكافحة الحرب الناعمة
ضد ايران (هكذا) مهدي طائب، وهو رجل دين
بارز مقرب من مرشد الجمهورية الاسلامية
الخامنيء، الرأي العام العربي والعالمي
عندما صرح أمس بأن سورية تعتبر المحافظة
الـ35 من
المحافظات الإيرانية، بل إنها أهم في
نظره من محافظة الأهواز التي تحتوي على
90 في
المئة من الاحتياط النفطي الايراني.
والسبب حسب ما ذكر أن
إيران لو فقدت الاهواز واحتفظت بسورية
فبإمكانها أن تستعيدها لكنها لو خسرت
سوريا فلن تستطيع أن تحتفظ بطهران.
هذا
بالتأكيد اعتراف خطير.
وهو يعني أن السيطرة على
سورية تشكل الركيزة الرئيسية لنظام ايران
وللخامنئية التي تقوده.
وأن الحفاظ هذه السيطرة
وأداتها، نظام الأسد، شرط للحفاظ على
الجمهورية الاسلامية وحكم النخبة
الدينية التي قامت عليه.
وهذا يعني أن علينا أن
نتوقع صراعا مريرا مع ايران الخامنئية
وليس مع الأسد فحسب، قبل أن نحرر بلادنا
من حكم الطغمة القاتلة ونتحرر مما يحتمل
أن يتحول إلى احتلال أو استعمار ايراني
بالمعنى الكلاسيكي للكلمة.
المقصود
من هذا الكلام ليس انخراط ايران في الحرب
الدائرة في سورية، فهي قامت بكل ما تستطيع
القيام به حتى الآن.
ولولا ذلك لسقط نظام
الطاغية منذ زمن طويل.
إنما تطمين القاعدة
الاجتماعية للنظام السوري أمام الخسائر
الفادحة التي تتكبدها كل يوم بالأرواح،
ورفع معنويات مقاتليها الذين يرون الأرض
تميد تحت اقدام النظام أمام تقدم مقاتلي
الجيش الحر في كل المناطق، وسيطرته المتواصلة
على المواقع العسكرية والمطارات والأفواج، واحدا بعد الآخر. والمقصود
أيضا إقناع الرأي العام الايراني، الذي
بدأ يعاني من نتائج مشاركة ايران بالحرب
السورية على مستوى معيشته، ويدرك في الوقت
نفسه أنها تهدف إلى تعزيز نظام الحكم
التيوقراطي القائم لصالح الإقطاع الديني،
إلى قطع طريق التحرر عليه وتجنب ثورة
الكرامة والحرية في ايران نفسها.
لكن
لا ينبغي الاستهتار بمثل هذه الأفكار
التي ما كان من الممكن أن تصدر عن شخصية
مقربة من مرشد الجمهورية لو لم تكن متداولة في أوساط السلطة السياسية
الدينية على نطاق واسع.
وهي تكشف عن التوجهات
الاستراتيجية العميقة للسلطة الخامنئية
ومراهناتها.
ومن
هذه الناحية، لا تمثل مفاجأة بالنسبة
للسوريين ولا تذيع أي سر لا يعرفونه.
فقد تحولت سورية بالفعل
على يد بشار الأسد إلى المحافظة ٣٥ من
محافظات ايران، وأصبح دورها في تمكين
ايران من بسط سلطتها على المشرق العربي
بأكمله أهم بكثير من دور الأهواز والثروة
النفطية الايرانية.
فأمام المأزق الذي تعيش
فيه الجمهورية الاسلامية، والاخفاقات
التي تواجهها على مستوى تأمين الحاجات
الأساسية للايرانيين، لا يجد النظام
القائم مصدرا آخر للشرعية سوى التلويح
بالانتصارات الخارجية واللعب على وتر
العظمة القومية. وقد
اصبحت السيطرة على سورية بالفعل حجر
الأساس في تكوين ما يشبه الامبرطورية
الايرانية التي تمتد من طهران عبر بغداد
ودمشق إلى بيروت، وتشكل كما يقول المنظرون
الايرانيون هلالا استراتيجيا يطوق المشرق
العربي من الشمال والغرب ويضع تحت تهديد ايران، الطامحة أكثر من ذلك إلى امتلاك التقنية
النووية، دول الخليج التي تنظر إليها
كامتدادات للامبرطورية الأمريكية وقاعدة
لها. وايران
الخامنئية لا تقيس نفسها بأي دولة من دول
المنطقة، وإنما بالولايات المتحدة
الأمريكية، وترى أن صراعها ليس مع العرب
ولا مع الشعب السوري وإنما مع واشنطن التي
تشكل الند الوحيد لها في العالم.
وما طمعها في السيطرة
على سورية والدول العربية المشرقية
الأخرى، خاصة دول الخليج النفطي التي لا
ترى لها أي شرعية، إلا بوصفها وسائل
لمقارعة السيطرة الأمريكية والتحول إلى
ند لها. وهي
تنظر إلى مشروع هيمنتها الاقليمية باعتباره
حقها الطبيعي لما تتمتع به، بالمقارنة
مع دول المنطقة الأخرى، من خصائص استثنائية،
والتجسيد الحتمي لعظمتها وتميزها وآرية
انتمائها وعبقرية كوادرها وتقدمها التقني
والصناعي.
والواقع
أن حكم النخبة الدينية الايرانية لم يغير
شيئا من نزعة الهيمنة القومية المتطرفة
التقليدية، ولكنه أضاف إلى لوثة التفوق
الآري التي غذت النخبة الشاهنشاهية
الماضية لوثة تفوق مذهبية دينية ترى في
الفلسفة الشيعية وولاية الفقيه أساس
الخلاص، ليس لايران فحسب وإنما للعالم
بأكمله. وهي
لا زالت تسمم نفسها وأجيال ايران الجديدة،
بأوهام التفوق القومي التي لا علاقة لها
لا بالاسلام ولا بالعقل، وإنما هي تبشير
بدين العنصرية القومية التي غصت بها في
القرن الماضي النخبة القومية الألمانية،
والتي قادت إلى أكثر كارثة حلت بشعوب
أوروبا في تاريخها كله.
ليس
هناك سوى هذا الدين: العنصرية، الذي يعكس
مشاعر الضغينة والهامشية التاريخية
والانغلاق على الذات، ما يفسر أن تتحول
بلد كسورية، هي وطن شعب عربي مسلم، إلى
محافظة ايرانية، في نظر قادة ايران الجدد،
بما يعنيه ذلك من إلحاق سورية وضمها إلى ايران سياسيا واستراتيجيا ومصادرة إرادة الشعب السوري وحرمانه من حقوقه في السيادة
والحرية وتقرير المصير، وتحويله إلى غريب
ولاجيء في وطنه، وتحويل حكامه الصغار إلى أدوات لاستعباد مواطنيهم وتسخيرهم لمشروع
السيطرة الامبرطورية.
ومن الطبيعي بعد هذا أن
لا يرى حكام الجمهورية الاسلامية في سورية
اليوم قتلا ولا انتهاكا لحقوق ولا ظلما
ولا جرائم ترتكب وإنما مقاومة إجرامية
لمشروع السيطرة الايرانية الاقليمية
ينبغي القضاء عليها بأي ثمن.
ويكاد لسان حال بعض هؤلاء
القادة يردد ما كان شعارا للصهيونية قبل
احتلال فلسطين: شعب بلا أرض لأرض بلا شعب.
فسورية
كما يريدها أنصار الهيمنة الإقليمية
الايرانية هي معبر للنفوذ والهيمنة
والتسلط، لا دولة ولا شعبا ولا بشرا لهم
حقوق ويستحقون الحماية والأمن والاستقرار.
في هذا السياق نستطيع
أن نفهم لماذا أصبحت سورية في نظر الخامنئيين محافظة أهم من الأهواز ومن نفط ايران.
فمشروع بناء الامبرطورية
والهيمنة الايرانية، أو إعادة بناء
الامبرطورية الايرانية وحكم داريوس
المقنع بالاسلام، أبدى عند نظام الملالي
المتسيدين على الشعب الايراني من حياة
الشعب الايراني وحقوقه ومستقبله، فما
بالك بالشعب السوري الغريب.
لا
يرى حكام ايران أحدا في كل المنطقة التي
تحيط بهم. هناك
ايران وفي مواجهتها الولايات المتحدة.
ما تبقى من دول وشعوب لا
حساب لها. هي
إما مع أمريكا أو مع ايران أو مباحة ومفتوحة
للنزاع. لا
تفاوض السلطة الامبرطورية الخامنئية مع
الشعب السوري أو غيره من شعوب المنطقة
على أي شيء. تفاوض
مع أسيادها، وهو ما كان صرح به ولدها
المدلل في دمشق بشار الأسد في أحد خطبه.
هي لا ترى السوريين
الثائرين، ترى واشنطن واسرائيل، من
ورائهم، وعندما تصارعهم وتقتل ابناءهم
لا تشعر أبدا أنها تستهدف شعبا عربيا او
مسلما، إنها تقتل عملاء للامبريالية
الأمريكية، أي لأعدائها.
فما داموا يرفضون الانتماء
لها والولاء لسيطرتها، فهم موالون لأمريكا،
وبالتالي سعرهم القتل والاستباحة.
الامبرطورية لا تقبل أن
تقيس نفسها إلا بما يماثلها، والجمهورية
الاسلامية تضع نفسها في كفة والولايات
المتحدة في كفة أخرى، ولا تقبل بأن تفاوض
على المنطقة أحد غيرها.
أما الشعوب الأخرى،
والعربية منها بشكل خاص، فهي موضوع الصراع
بينها وبين الامبرطورية الامريكية الخصم.
طهران
الخامنئية لا ترى سورية ولا المملكة
العربية ولا دولة الامارات ولا اليمن ولا
العراق ولا لبنان ولا الأردن، هذه ليست
سوى غنائم محتملة لمن يفوز بالحرب والمواجهة الكونيتين.
وايران أولى بها من
الدولة الغربية لأنها بنت المنطقة، وهي
بالإضافة إلى ذلك الحاملة لدينها الصحيح
والأكثر قدرة على احتوائها وهضمها.
مهدي
طائب ليس مرشد الجمهورية ولا الناطق
باسمها، بالتأكيد، لكنه يعكس الشعور
العميق الذي يحرك نخبة حاكمة، ويفسر
السياسات الاستعمارية، بالمعنى الحرفي
للكلمة، التي تطبقها حكومة ايران في سورية اليوم، والتي لا تتورع عن الحديث
رسميا، على لسان أكبر مسؤوليها، عن
استعداداها لخوض أي حرب محتملة للدفاع
عن نظام سوري لفظه شعبه، وعن الدعم العسكري
المتزايد الذي تقدمه له لكسر إرادة
السوريين وحرمانهم من حقهم في الكرامة
والحرية، بما في ذلك الاعلان عن تشكيل
قوة ايرانية لمساعدته في حرب المدن التي
لا يتقنها حسب رأيها.
نظام
ايران يعيش في عصر مضى، عصر شرعنة القوة
لا الحق والقانون، شرعنة الفتح والغزو
والتوسع وتغيير الثقافة والدين.
ونخبتها الحاكمة مسممة
بعقيدة التفوق والتميز القومي والتاريخي
والمذهبي، وتعتقد أن من يقاوم طموحها
للسيطرة يقف في وجه الحق والشرعية والتاريخ.
وهي الأفكار ذاتها التي
دمرت أوروبا النازية، والتي تهدد بتدمير
المشرق العربي لصالح الدولة الوحيدة التي
لا تجرؤ ايران الخامنئية أن تقيس نفسها
بها، اسرائيل.
هذه
السياسة النابعة من عداء دفين للعرب
وللاسلام الذي كان وراء الفتوح العربية،
ومن إرادة الانتقام وتصحيح الإحباط التاريخي واسترجاع الماضي، لن تكون
مأساوية بالنسبة للشعوب العربية، وهي
منذ الآن ذان نتائج كارثية ولا إنسانية
مرعبة في سورية، ولكن بالنسبة للشعوب
الايرانية نفسها. وما
كبده الألمان بقيادة النازية للشعوب
الأوروبية الأخرى من مآسي وعذابات عاد
عليهم بأقسى منها.
مرض
القومية المتطرفة، المقنعة برداء الدين،
لن يحل أي مشكلة من مشاكل ايران، ولن يخلص
نظامها من أزمته، ولكنه سيجر على شعوب
المنطقة جميعها وأولها الشعوب الاسلامية،
العربية والايرانية، القتل والدمار
والخراب. والخيار
الوحيد لانقاذ شعوبنا من خطر العنصرية
القومية هو التحالف بين جميع الشعوب
الايرانية والاسلامية، لتحطيم نظم القهر
والقمع والاستبداد والعمل لتشكيل إطار
إقليمي للتعاون والتضامن والأمن الجماعي
يضع حدا لأوهام ومشاريع الهيمنة والسيطرة
الامبريالية، المحلية والعالمية، التي
تحولت في عصرنا إلى مشاريع سطو مسلح على
مصائر الشعوب ومصادرة لمستقبلها وأمل
فتيانها وشبابها وأحلامهم الإنسانية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire