أثارت
بعض التصريحات الخاصة لرئيس الائتلاف
الوطني لقوى الثورة والمعارضة زوبعة داخل
أوساط الهيئة العامة للائتلاف وداخل صفوف
الثورة والمعارضة الشعبية عامة.
فقد
فتحت بالنسبة للبعض نافذة أمل بعد سنة
ونصف من الحرب والمقاومة راح ضيحتها آلاف
الشهداء والجرحى والمعتقلين وملايين
المهجرين والنازحين عدا عن تدمير أجزاء
كبيرة من المدن والقرى والأحياء.
وأثارت
بالنسبة للبعض الآخر مخاوف كبيرة من
احتمال غدر النظام والتفريط بأهداف الثورة
الكبرى وما يعنيه ذلك من ضياع هذا الكم
الهائل من الاستثمار فيها، من دماء الشباب
والأطفال والنساء ومعاناة شعب ذاق الأمرين
في الأشهر الماضية للحفاظ على تماسكه
وثباته بأمل الفوز والانتصار على العدوان
الهمجي والطغيان.
لا
أدري كيف اتخذ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف
وزعيم المعارضة اليوم قراره باطلاق ما
سوف يسمى مبادرة الحوار مع النظام، لكنه
بالتأكيد لم يقصد لا الدخول في مفاوضات
مع النظام من أجل أي تسوية، وسوف يؤكد ذلك
في مابعد، ولا أراد أن يتحرر من دعم أبطال
المقاومة المسلحة من الثوار الذين شكلوا
حتى الآن الركيزة الرئيسية لاستمرار
الثورة وثباتها أمام تصعيد النظام الذي
لا ينتهي في سياسة القتل الجماعي وتدمير
البيئة الطبيعية لحياة الانسان في سورية
الحضارة والسلام.
على
الأغلب أن الدافع الرئيسي للشيخ معاذ كان
ارسال رسالة احتجاج لأصدقاء سورية الذين
لا يكفون عن الاعلان عن تأييدهم لثورة
شعبها ويبخلون بتقديم الوسائل الناجعة
لانتصارها.
وقد
اصبح هذا واضحا منذ أشهر مع ما ظهر من
الجمود النسبي لخطوط الجبهة العسكرية في
دمشق خاصة.
لكن
تصريحه كشف أيضا عن حقيقة أن العديد من
الدول الصديقة أو التي تدعي الصداقة للشعب
السوري، وهي ليست كاذبة في ذلك، كانت
تنتظر بادرة من هذا النوع من قبل المعارضة
السورية لتعزز خيارها في الحل السياسي
وتبرر تقاعسها عن تقديم الدعم العسكري،
حتى لا نقول الالتزام بمبدأ حماية المدنيين
الذي تفرضه عليها مواثيق الأمم المتحدة.
فهي
لا تزال مترددة منذ سنتين في اتخاذ أي
موقف عملي ينم عن الانخراط العملي مع
الثورة السورية، حتى أصبحت تأكيداتها
على دعمها مضحكة وغير ذات معنى.
وتلقفت
هذه الدول بادرة الانتفاح على الحوار
التي أطلقها رئيس الائتلاف كما لو كانت
خشبة خلاص لها تنقذها من الاحراج، وكذلك
فعل وزير خارجية روسيا وايران الذين دخلت
سياستهما في مأزق وطريق مسدود مع إصرارهما
على رفض أي تدخل دولي غير تدخلهما وتمسكهم
بوجود النظام كطرف رئيسي في اي حوار أو
حل سياسي.
ليس
المهم اليوم ما حدا بمعاذ الخطيب اتخاذ
هذه الخطوة، ولا تقليب النظر فيما إذا
كانت متفقة مع وثائق الائتلاف والمعارضة
أم لا، فالمطلوب ليس محاكمة نوايا الخطيب،
ولا الكشف عن مغزى مواقفه، وهو رجل ثقة
من كل النواحي وبامتياز، إنما تقييم
الخطوة وتصحيحها إذا كانت تحتاج إلى
التصحيح من أجل استخدامها كمنطلق بالفعل
لهجوم سياسي منظم من قبل المعارضة لاحراج
حماة النظام ووضعهم أمام حقيقتهم العارية
باعتبارهم سدنة لنظام القتل المنظم والذي
لا يمكن ان يستمر من دون الاستمرار في
القتل.
لا
ينبغي أن نسمح أن تستخدم هذه البادرة أيضا
من قبل النظام وأنصاره كمنفذ لبث الخلاف
والانقسام داخل صفوف الائتلاف والثورة
والمعارضة عموما.
وبالعكس،
ينبغي أن نستفيد منها في سبيل إعادة تعزيز
الموقف الوطني وتوحيد الصف داخل قوى
الثورة والمعارضة والاعداد لمرحلة جديدة
من العمل السياسي والعسكري التي تقربنا
أكثر من الهدف.
والوصول
إلى ذلك يقتضي أولا أن نؤكد ثقتنا برئيس
الائتلاف وتضامننا معه ووقوفنا وراءه.
وهذا
أهم عامل في تعزيز موقفنا في أي مفاوضات
محتملة بصرف النظر عن هدفها ومآلها.
فليس
هناك أكثر خطرا علينا في المرحلة القادمة
التي ستشهد بالتأكيد تقدما للعمل السياسي
على هامش العمل العسكري أو بموازاته، من
أن ندخلها مقسمين ومشتتين يشكك واحدنا
بالآخر وننزع ثقة بعضنا ببعض.
مثل
هذا الوضع سيدمر موقفنا التفاوضي ويعطي
ورقة تفوق إضافية للنظام .
وثانيا
أن نفهم العمل الثوري على أنه بالضرورة
مزيج من العمل السياسي والعمل العسكري.
فلا
يمكن استثمار نتائج القتال ونجاحاته من
دون تعزيز الرؤية السياسية وتطوير العلاقات
الدولية للثورة بموازاته.
لدى
النظام والدول القريبة منه موارد قتالية
أكثر منا بكثير.
ما
يجعل لقتالنا معنى ويعطيه أسبقية وتفوقا
على قتال النظام الهمجي وحماته، هو القضية
التي نوظفه فيها، قضية الحرية والكرامة
والعدالة الانسانية، قضية التحرر من
الطغيان والذل والعبودية.
في
هذه الحالة ينبغي أن نكف أيضا، قادة وثوارا
عاديين، عن المفاضلة بين حل سياسي وحل
عسكري أو عن الفصل بينهما.
لا
يمكن تحقيق مطالب الثورة السورية بالحوار
فحسب، ولو كان ذلك ممكنا لما تورط سوري
واحد بحمل السلاح ووضع روحه على كفه
والنزول في مواجهة حراب نظام القتل
والدمار.
وليس
هناك ايضا حل عسكري صاف، ولن يستطيع السلاح
أن يحسم معركة جوهرها السياسة:
أي
إعادة ترتيب ميزان القوى الداخلي، وهو
يعني نخب وفئات وطبقات اجتماعية واعية
وذات مصالح خاصة، وإعادة ترتيب علاقات
القوى الإقليمية والدولية.
كل
تقدم على الأرض وبالسلاح يهز توازن اجتماعي
ويفتح باب مفاوضات على إعادة ترتيب
المواقع.
ولا
بد أن يترافق بكلام والتزامات ومواقف
واضحة تتجاوز لغة السلاح وقعقعته.
القصد
أن المطلوب الآن ليس أن ننتقل من الحل
العسكري إلى الحل السياسي، فلم تكن العسكرة
بالنسبة لنا هي الحل أصلا، ولا أن نعتبر
الحل السياسي بديلا عن العسكرة واستخدام
السلاح.
هذا
مايريده الخصوم لنا، وأولهم النظام الذي
يطالب بتجريدنا من السلاح كي يفرض علينا
الاستسلام.
وليس
الهدف من الدخول في جولة مفاوضات تعيد
ترتيب المواقف وتحصد نتائج استخدام السلاح
توفير الأرواح، فليس من المؤكد أن لا
يرافق الجولة السياسية مزيد من العنف من
الطرفين لدعم الموقف وتحسينه، او هكذا
كان الحال في ما شهدناه في العالم من حروب
سياسية بالاساس.
ينبغي
على السياسة ان ترافق السلاح وهي التي
تضمن استخدامه بفاعلية وعقلانية.
فالحوار
والمفاوضة لا ينبغي أن ينفصلا عن القتال
من أجل إضعاف العدو وإجباره على الانصياع
لإرادة الشعب.
لا
انتزاع لتنازلات سياسية من دون ضغط بالقوة
ولا قيمة للتوسع في استخدام القوة إن لم
تكن هناك صيغة لاستثمار نتائجها في الآن.
وخطؤنا
في الأشهر الماضية هو أننا، في مواجهة
رفض النظام لأي مبادرة سياسية، ومعظمها
كان من صنع المجتمع الدولي، أصبحنا نعتقد
أنه لا جدوى من أي حوار او مفاوضات، وأن
القتال وحده هو الذي سيحسم المعركة.
وثالثا،
بعد سنتين من الثورة العارمة والقتال
البطولي والصمود الأسطوري لشعبنا، تضعضع
النظام، وهلك سياسيا ونفسيا وعسكريا من
حيث السيطرة على الأرض، وهلكت أيضا من
الناحية السياسية القوى الإقليمية
والدولية التي تدعمه، وصار هناك ضرورة
لقطف الثمرة الأولى لهذا الكفاح وتلك
التضحيات الغزيرة التي قدمها الشعب
السوري.
والثمرة
هي موقف مختلف من الروس والدول المؤيدة
للنظام التي فقدت الثقة بقادته وهي مستعدة
للتفاوض على بدائل إذا أمكنها ذلك.
من
هنا أصبح من الضروي فتح باب الحوار.
لكن
يجب أن يكون واضحا في وعينا أنه غذا كان
العالم بما فيه الروس والايرانيين قد
قطعوا ورقة كما نقول للأسد وزبانيته،
وأصبحوا مستعدين للتفاوض عليه، فإن نظام
هذا الأخير لم يعترف بعد بالهزيمة ولن
يقبل الاستسلام، ولا يزال مصرا بالعكس
على القتال أملا في تعويض كبير مقابل
الانسحاب من الميدان.
وبالتالي
لا ينبغي أن نفكر لحظة أن دخولنا في أي
مفاوضات يوفر علينا العمل العسكري
والتسليحي.
ستكون
هذه خطيئتنا الكبرى.
بالعكس
لن نكون بحاجة إلى ان تكون قوتنا العسكرية
فاعلة في الميدان وجاهزة لكل الاحتمالات
كما سنتحتاجها عندما ندخل في أي عملية
تفاوض سياسي.
ودعم
المفاوض بتحقيق الانتصارات في الميدان
كان دائما قاعدة استراتيجية أولية.
شعار
البندقية في يد وغصن الزيتون في يد ينبغي
أن يكون أيضا شعارنا.
فشرط
نجاح الحوار وتوفير الضحايا هو استمرار
الضغط العسكري وبأقوى وسيلة على النظام،
مما يعني أيضا أن تنظيم المقاتلين وزيادة
قدرتهم التسليحية ينبغي أن تسبق أو على
الأقل تترافق مع الدخول في أي جولة مفاوضات.
ورابعا،
ينبغي أن لاندخل المفاوضات من دون أن نضمن
بعض الشروط الضرورية للنجاح فيه.
وأولها
أن تكون لدينا رؤية واضحة واستراتيجية
مدروسة تحدد أهدافنا منه والصعاب التي
تواجهنا وأساليب العمل لتجاوزها، وأن
نقنع بها ثانيا جميع الأعضاء بحيث يكون
الجميع على بينة من الأمر ونتجنب مخاطر
تضارب المواقف والتشكيك والانقسام والخوف،
وهو كما قلت أكثر ما يمكن أن يسيء لموقفنا
التفاوضي .
وثالثا
أن نبقى على تواصل دائم مع المقاتلين
لحثهم على الاستمرار ورفع معنوياتهم وعدم
السماح بأن يدخل الشك ولو لحظة إلى أفئدتهم
بأنهم أصبحوا مشاركين من الدرجة الثانية
أو أن قتالهم لم يعد ضروريا وأن الكرة
أصبحت في ملعب السياسيين وكواليس السياسة.
وهذا
يعني أن على المفاوضين أن يدركوا ان القوة
المسلحة القتالية سوف تبقى الركيزة
الرئيسية لموقفنا التفاوضي، وأن تعزيزها
تعزيز له وليس العكس، وأن نعمل المستحيل
حتى نكسب ثقة المقاتلين بعملنا ونشركهم
في النقاش حول الخطة السياسية ونبين لهم
الدور الحاسم لعملهم في نجاحها أيضا.
أظهرت
بادرة الخطيب بفتح حوار سياسي الحاجة
الكبيرة عند السوريين للحوار، على المستوى
الوطني والدولي، على أمل استكشاف آفاق
التقدم على طريق الحل للصراع الدامي، وفي
الوقت نفسه الخوف لدى السوريين أنفسهم
على الثورة التي وهبوها أرواحهم وممتلكاتهم
خلال السنتين الماضيتين من آلاعيب نظام
أصبح مثالا للخديعة والغش والرياء ومناورات
مجتمع دولي لا يعبأ بالضحايا البشري ولا
تحركه سوى حسابات المصالح.
وعلينا
أن نستجيب للطلبين معا:
استكشاف
آفاق الحوار المنتج الذي من المحتمل أن
يقدمنا نحو اهدافنا التي لا ينبغي أن
تتغير، وأخذ كل الاحتياطات والمحاذير
حتى نتجنب الوقوع في فخ التسويق الرخيص
الذي درجت عليه الدول الكبرى، التي تكاد
لا ترى في أي حوار غير خدمة حساباتها
الاستراتيجية،وتعزيز فريق العمل السياسي
والتفاوضي، لتطمين أهلنا القلقين على
نتائج تضحياتهم الهائلة.
لا
ينبغي أن نجعل من هذه البادرة التي كان
لها على الأقل فضل دفعنا إلى التفكير
بمراجعة طريقة عملنا ونبهتنا إلى ضرورة
تحريك ما هو راكد من قناعاتنا، مصدر ضرر
كبير لنا بترك المخاوف والشكوك تغزونا
وبفقدنا الثقة ببعضنا وبانفسنا وبالسعي
إلى توظيفها لتحقيق مصالح آنية بدل ان
نحاصر مفاعليها السلبية ونعزز العناصر
الايجابية التي احدثتها، وفي مقدمها
تنشيط المجتمع الدولي وحثه على المشاركة
في البحث عن حل لبقاء نظام الغدر والقتل،
وإخراجه من حالة العطالة المديدة التي
عرفناها حتى الآن.
وقد
عمل الخطيب نفسه على تصحيح الانطباع الأول
عنها بإدراجها ضمن رؤية أشمل للمفاوضة
على رحيل النظام، وهذا ما ينسجم مع خط
الائتلاف والمعارضة والثورة معا.
وليس
هناك أي ضرر في أن نستمر في اعتبار إطلاق
سراح المعتقلين بمثابة بادرة حسن نية
وإجراء لبناء الثقة مطلوبين من قبل النظام
قبل الحديث في أي تفاوض محتمل مع التأكيد
على أن المفاوضات الحقيقية على رحيل
النظام ليست ولا يمكن أن تكون مع نظام
الاسد في هذه المرحلة وإنما مع الدول التي
تحاربنا من وراء النظام.
في
اعتقادي أن من المهم الآن أن نظهر وقوفنا
بقوة وراء رئيس المعارضة وأن نستوعب
الأزمة ونلملم الآثار السلبية التي
تركتها، لنضمن وحدة المعارضة والثورة،
ونسقط رهان النظام وأنصاره على تقسيم
المعارضة أو إضعافها، ونحول البادرة التي
قام بها معاذ الخطيب، لدق ناقوس الخطر
وتوجيه تحذيرات في كل الاتجاهات، من
مناسبة لإخراج الدول الصديقة من إحراجها
بعد صمتها الطويل على حرب الإبادة الجماعية
في سورية، إلى فرصة لإحراج النظام وحماته
من الدول.
وعلينا
جميعا تقع مسؤولية الارتقاء إلى مستوى
تضحيات شعبنا والحفاظ على ثورة الحرية
والكرامة في أقصى درجات اشتعالها وحشد
القوى الدولية مع قضيتنا لتقييد أيدي
النظام القاتل ومحاصرته.
وجوهر
هذا كله الحفاظ على وحدة شعب الثورة ووحدة
المعارضة والإئتلاف وتجديد الثقة بزعيمه
ودعمه في مواجهة كل عمليات التشويش و
زعزعة الثقة وشق المعارضة التي برع النظام
في تنظيمها منذ عقود.
ليس
هناك أي سبب أو مصلحة لأحد في الاستنفار
ودق طبول الحرب داخل صفوف المعارضة كما
ينزع البعض.
فلا
للحوار الذي يراهن عليه البعض بمعزل عن
استمرا الثورة حظ في ايصالنا إلى الهدف،
ولا الاستمرار في القتال قادر على وضع حد
للعنف والقضاء على النظام من دون عمل
سياسي مرافق يؤمن له التحالفات والدعم
الضروري السياسي والدولي والمادي الذي
يحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
المهم
أن ندرك أننا على ابواب مرحلة جديدة من
الكفاح علينا تقع مسؤولية أن نعد لها
أسلحتها المناسبة، من خطط سياسية ومخططات
عسكرية ما زلنا نفتقر كليا إليها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire