الاتحاد 2 جنفييه ك2 2008
ليس من الصعب على أي مراقب، خارجيا كان أم محليا، أن يدرك أن أي تقدم لم يحصل في معالجة أي من الملفات الكبرى المرتبطة بأزمة العالم العربي في عام 2007 الفائت: ملف الاحتلالات والنزاعات المتفجرة بين الدول والشعوب، وعلى رأسها مسألة فلسطين، وملف الأمن الإقليمي وأمن كل شعب من شعوب المنطقة، وملف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والانسانية، وملف التغيير السياسي وتمكين الشعوب من المشاركة في القرارات السياسية وإصلاح الأنظمة التسلطية، الأمنية والبيرقراطية، التي أصبحت مثالا للفساد وانعدام المسؤولية وهدر موارد المجتمعات والعجز عن تحقيق أي إنجازات اقتصادية كانت أو اجتماعية أو سياسية.
هكذا، ما كان من الممكن لنا أن نتوقع سوى تفاقم الأزمة الكبرى التي تعصف بمجتمعاتنا منذ سنوات طويلة، وتزايد مظاهرها الخطيرة، من الاحتلالات والتدخلات الخارجية، إلى الحروب والنزاعات الداخلية المسلحة، مرورا بالانقسامات داخل الحركة الوطنية، والاحتقانات والتوترات في العلاقات العربية العربية والعربية الغربية، والخصومات الطائفية والمذهبية والعشائرية المهددة لوجود الدولة نفسها، وفي موازاة ذلك تراجع مستوى حياة السكان، وزيادة الفقر والبطالة، وتزايد عدد البؤر المتفجرة للمطالب والاحتجاجات الاجتماعية في أكثر من مكان.
وليس من الصعب كذلك على أي مراقب، مختصا كان أم شخصا عاديا، أن يتوقع تحولات ايجابية، عندما ينظر إلى الأوضاع التي خلفها العام الفائت والشروط التي يبدأ فيها مسار العام الجديد. وربما كان العكس هو الصحيح. فما هو السبب الذي يجعل عام 2007 أسوأ من عام 2006 وعام 2006 أسوأ من العام الذي سبقه، وعام 2008 أكثر سوءا من العام الفائت، وكيف نفسر مسار التدهور المستمر والثابت في شروط وجود العالم العربي وتفاقم أزماته الدائمة هذه؟. لا يفيد هنا الحديث المعتاد عن العامل الخارجي، حتى لو كانت مسؤولية الدول الغربية رئيسية في ما نحن فيه من مآسي وما نواجهه من تحديات. فالمطلوب هو، بالعكس، تفسير الأسباب التي تجعل هذا التدخل الأجنبي ممكنا ودائما وحاسما في المنطقة العربية، أكثر من مناطق العالم الأخرى، ولماذا لا ننجح في الحد من إثره على الأقل، إذا كنا غير قادرين على وضع حد له؟
ليس في تفسير هذا الوضع في نظري أي سر. تتعلق مصائر الشعوب، مهما كانت وفي أي ميدان وزمان، بنتائج عملها وجهدها المبذول. ويرتبط قدر هذا الجهد ونوعيته ونتائجه بنوعية النخب الاجتماعية التي تقودها، الاقتصادية والثقافية، وبشكل رئيسي النخب السياسية التي تمكنها سيطرتها على السلطة العامة من أن تتحكم بموارد المجتمع وبقراره الوطني. وعلى قدر وعي هذه النخب، وطبيعة تكوينها الأخلاقي والثقافي، ونوعية معرفتها وخبرتها بواقع مجتمعاتها والبيئة الإقليمية والدولية التي تعمل فيها، وتقدمها في تطوير الصيغ وقواعد العمل التي تساعد على حل النزاعات المحتملة أو القائمة في ما بينها للحفاظ على اكبر قدر من التعاون والتفاهم في ما بينها، تكون قدرتها على النجاح في استثمار موارد البلاد، والارتقاء بمستوى تنظيم البشر، والسهر على تنظيم شؤونهم، وتحقيق التراكم والتقدم في أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. بل إن أساليب القيادة هذه، بما تتضمنه من وسائل التنظيم والرعاية والتربية السياسية والمدنية، هي التي تحدد حجم الجهود المبذولة من قبل المجتمعات، تماما كما أن أسلوب تثميرها هو الذي يضمن مردودها ونتائجها. فكما تؤدي الإدارة الفاسدة والضعيفة إلى إفلاس أصحاب المشاريع التجارية والصناعية، تؤدي القيادة الفاسدة أو الضعيفة في السياسة إلى إفلاس مشروع بناء الأمم، وفي مقدمها بناء الدولة التي ترعى مصالح مواطنيها وتسهر على امنهم وسلامتهم وحرياتهم وحقوقهم. وهذا الإفلاس لا يعني شيئا آخر سوى العجز عن تحقيق الاهداف التي لا وجود للتعاون الوطني الداخلي من دونها، وخسارة الرهانات التي تمكن البلاد من لعب دورها السليم في إقليمها.
ويكفي لمعرفة ما يخبؤه العام الجديد، وربما ما بعده أيضا، لنا، أن ننظر في طبيعة النخب العربية السائدة اليوم، والتي تحتل مواقع القيادة السياسية (في الدولة)، والاجتماعية (في الأحزاب والنقابات)، والاقتصادية (في المشاريع الصناعية والتجارية)، والثقافية (في مراكز العلم والتعليم والمعرفة والآداب). فلن يتغير شيء، أي لن يكون هناك أمل في وقف التدهور المستمر منذ عقود، طالما لم يتغير شيء لا في طبيعة النخب التي تمسك بالسلطة والقيادة، في مختلف قطاعات النشاط العمومي، في أقطار العالم العربي، ولا في قواعد عمل هذه السلطة وممارستها.
ولا يمكن لأي امريء يتحلى بحد أدنى من المنطق أن لا يربط بين طبيعة هذه النخب، بل النخبة العربية القائدة في أي قطر عربي، ومصير الأقطار العربية منفردة ومجتمعة معا. فما يميز المجتمعات التي نهضت من جمودها وانحطاطها، بما فيها مجتمعاتنا في حقب سابقة، هو وجود نخب اجتماعية سمحت لها الظروف التاريخية والاجتماعية في أن تتعالى على مصالحها الأنانية والمادية المباشرة وترتقي بوعيها وضميرها إلى مستوى التفكير والعمل بوحي مباديء وقيم وغايات إنسانية. ولا يعرف التاريخ، لا في الماضي ولا في الحاضر، أمة انبعثت من رمادها وتجاوزت انحطاطها من دون وجود مثل هذه النوعية من النخب القيادية، السياسية والثقافية والاقتصادية، التي تحركها القيم والمباديء الأخلاقية والمثل، وتؤهلها للتضحية في سبيل فكرة قومية أو قيمة إنسانية من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية، وتدفعها للتنافس في الفضيلة والخدمة العامة، بدل التباري في مراكمة القيم والأغراض المادية. في أحضان هذه النخب يولد الرجال العظام، وعليها يعتمدون أيضا في تأسيس الدولة وبناء الأمم واجتراح المعجزات، بقدر ما يمثلونها ويعبرون عنها. وهم يبثون في شعوبهم روح التضحية ونكران الذات التي يتقاسمونها معهم، والتي لا يمكن من دونها تجاوز منطق التنافس الأناني على المصالح، والاقتتال عليها، وبناء مفهوم المصلحة العامة وتعظيم حجم الاستثمارات التاريخية، المادية والمعنوية. ولا تنشأ هذه النخب عادة ويصاغ وعيها الأخلاقي الجديد إلا في سياق المعاناة الكبرى للشعوب والمجتمعات، وكفاحها المرير من اجل التحرر والانعتاق والحياة الكريمة. فهي ذاتها ليست إلا ثمرة تطور ثقافة حية تولد من هذه المعاناة وتمثل خلاصة التجربة المجتمعية المأساوية والرد الايجابي عليها. فهي بنت الحركات التاريخية الكبرى والثورات الانسانية.
في المقابل، لا أحد ينكر أن العالم العربي قد ابتلي بنخب هي مزيج من كواسر باحثة عن فريستها في جسم مجتمع مجوف ومختل التوازن، ومن قطاع طرق مختفين وراء ألقاب ورتب سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، ومهربي مخدرات وتجار سلاح ومختلسين لأموال الدول، وأصحاب ريوع، ولصوص ومرتشين، لا مبدأ لديهم ولا مثال غير إرضاء الشهوة البدائية في السيطرة والقوة والثروة المادية. لا يسرى ذلك على الكثير من العاملين داخل حقل الدولة ومؤسساتها فحسب، ولكن بشكل أكبر أحيانا على المتحكمين بمؤسسات المجتمع الخاصة، ونخبه الأهلية، من أصحاب مشاريع صناعية وتجارية وثقافية وفكرية أيضا. هؤلاء هم اليوم، حقيقة، أصحاب القوة والسلطة والمعرفة والثروة، أي القرار في معظم البلاد العربية.
وإلى جانب ذلك لا تزال مجتمعاتنا في بداية تجربة التحرر والانعتاق، مترددة في خوض الكفاح الشاق من أجل الحرية وتحمل معاناته وعذاباته. أما الفرد الذي لا يزال ممعوس الشخصية، ضامر الضمير، مفتقرا لوعي ذاتي واضح، أو إرادة مستقلة، فهو ميال إلى تفضيل الاستسلام على مغامرة التمرد والاستقلال. ولا تزال الجماعة عندنا مرادفة للعصبية، وقائمة على القرابة الروحية أو العقيدية أو الدموية، أي بعيدة جدا عن أن تتحول إلى جماعة مدنية، متوحدة من حول خيارات إرادية طوعية. في هذه الحال لا أعتقد أن من الممكن لنا، مهما فعلنا، كسر حلقة استتباعنا المزدوج لقياصرتنا المحليين وقياصرة القوى الدولية، من دون ثورة عميقة، فكرية وسياسية. وكل ثورة هي كفاح من أجل الاستقلال والحرية.
لا نحتاج من أجل تفجير هذه الثورة لا إلى المزيد من العلمنة ولا إلى المزيد من التدين ولا إلى المزيد من النظريات السياسية المعقدة والدقيقة، ولكن، قبل أي شيء آخر، إلى بعض النبل والكثير من الكرم الأخلاقي وروح الفضيلة، في المجتمع وعند كل فرد.
ليس من الصعب على أي مراقب، خارجيا كان أم محليا، أن يدرك أن أي تقدم لم يحصل في معالجة أي من الملفات الكبرى المرتبطة بأزمة العالم العربي في عام 2007 الفائت: ملف الاحتلالات والنزاعات المتفجرة بين الدول والشعوب، وعلى رأسها مسألة فلسطين، وملف الأمن الإقليمي وأمن كل شعب من شعوب المنطقة، وملف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والانسانية، وملف التغيير السياسي وتمكين الشعوب من المشاركة في القرارات السياسية وإصلاح الأنظمة التسلطية، الأمنية والبيرقراطية، التي أصبحت مثالا للفساد وانعدام المسؤولية وهدر موارد المجتمعات والعجز عن تحقيق أي إنجازات اقتصادية كانت أو اجتماعية أو سياسية.
هكذا، ما كان من الممكن لنا أن نتوقع سوى تفاقم الأزمة الكبرى التي تعصف بمجتمعاتنا منذ سنوات طويلة، وتزايد مظاهرها الخطيرة، من الاحتلالات والتدخلات الخارجية، إلى الحروب والنزاعات الداخلية المسلحة، مرورا بالانقسامات داخل الحركة الوطنية، والاحتقانات والتوترات في العلاقات العربية العربية والعربية الغربية، والخصومات الطائفية والمذهبية والعشائرية المهددة لوجود الدولة نفسها، وفي موازاة ذلك تراجع مستوى حياة السكان، وزيادة الفقر والبطالة، وتزايد عدد البؤر المتفجرة للمطالب والاحتجاجات الاجتماعية في أكثر من مكان.
وليس من الصعب كذلك على أي مراقب، مختصا كان أم شخصا عاديا، أن يتوقع تحولات ايجابية، عندما ينظر إلى الأوضاع التي خلفها العام الفائت والشروط التي يبدأ فيها مسار العام الجديد. وربما كان العكس هو الصحيح. فما هو السبب الذي يجعل عام 2007 أسوأ من عام 2006 وعام 2006 أسوأ من العام الذي سبقه، وعام 2008 أكثر سوءا من العام الفائت، وكيف نفسر مسار التدهور المستمر والثابت في شروط وجود العالم العربي وتفاقم أزماته الدائمة هذه؟. لا يفيد هنا الحديث المعتاد عن العامل الخارجي، حتى لو كانت مسؤولية الدول الغربية رئيسية في ما نحن فيه من مآسي وما نواجهه من تحديات. فالمطلوب هو، بالعكس، تفسير الأسباب التي تجعل هذا التدخل الأجنبي ممكنا ودائما وحاسما في المنطقة العربية، أكثر من مناطق العالم الأخرى، ولماذا لا ننجح في الحد من إثره على الأقل، إذا كنا غير قادرين على وضع حد له؟
ليس في تفسير هذا الوضع في نظري أي سر. تتعلق مصائر الشعوب، مهما كانت وفي أي ميدان وزمان، بنتائج عملها وجهدها المبذول. ويرتبط قدر هذا الجهد ونوعيته ونتائجه بنوعية النخب الاجتماعية التي تقودها، الاقتصادية والثقافية، وبشكل رئيسي النخب السياسية التي تمكنها سيطرتها على السلطة العامة من أن تتحكم بموارد المجتمع وبقراره الوطني. وعلى قدر وعي هذه النخب، وطبيعة تكوينها الأخلاقي والثقافي، ونوعية معرفتها وخبرتها بواقع مجتمعاتها والبيئة الإقليمية والدولية التي تعمل فيها، وتقدمها في تطوير الصيغ وقواعد العمل التي تساعد على حل النزاعات المحتملة أو القائمة في ما بينها للحفاظ على اكبر قدر من التعاون والتفاهم في ما بينها، تكون قدرتها على النجاح في استثمار موارد البلاد، والارتقاء بمستوى تنظيم البشر، والسهر على تنظيم شؤونهم، وتحقيق التراكم والتقدم في أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. بل إن أساليب القيادة هذه، بما تتضمنه من وسائل التنظيم والرعاية والتربية السياسية والمدنية، هي التي تحدد حجم الجهود المبذولة من قبل المجتمعات، تماما كما أن أسلوب تثميرها هو الذي يضمن مردودها ونتائجها. فكما تؤدي الإدارة الفاسدة والضعيفة إلى إفلاس أصحاب المشاريع التجارية والصناعية، تؤدي القيادة الفاسدة أو الضعيفة في السياسة إلى إفلاس مشروع بناء الأمم، وفي مقدمها بناء الدولة التي ترعى مصالح مواطنيها وتسهر على امنهم وسلامتهم وحرياتهم وحقوقهم. وهذا الإفلاس لا يعني شيئا آخر سوى العجز عن تحقيق الاهداف التي لا وجود للتعاون الوطني الداخلي من دونها، وخسارة الرهانات التي تمكن البلاد من لعب دورها السليم في إقليمها.
ويكفي لمعرفة ما يخبؤه العام الجديد، وربما ما بعده أيضا، لنا، أن ننظر في طبيعة النخب العربية السائدة اليوم، والتي تحتل مواقع القيادة السياسية (في الدولة)، والاجتماعية (في الأحزاب والنقابات)، والاقتصادية (في المشاريع الصناعية والتجارية)، والثقافية (في مراكز العلم والتعليم والمعرفة والآداب). فلن يتغير شيء، أي لن يكون هناك أمل في وقف التدهور المستمر منذ عقود، طالما لم يتغير شيء لا في طبيعة النخب التي تمسك بالسلطة والقيادة، في مختلف قطاعات النشاط العمومي، في أقطار العالم العربي، ولا في قواعد عمل هذه السلطة وممارستها.
ولا يمكن لأي امريء يتحلى بحد أدنى من المنطق أن لا يربط بين طبيعة هذه النخب، بل النخبة العربية القائدة في أي قطر عربي، ومصير الأقطار العربية منفردة ومجتمعة معا. فما يميز المجتمعات التي نهضت من جمودها وانحطاطها، بما فيها مجتمعاتنا في حقب سابقة، هو وجود نخب اجتماعية سمحت لها الظروف التاريخية والاجتماعية في أن تتعالى على مصالحها الأنانية والمادية المباشرة وترتقي بوعيها وضميرها إلى مستوى التفكير والعمل بوحي مباديء وقيم وغايات إنسانية. ولا يعرف التاريخ، لا في الماضي ولا في الحاضر، أمة انبعثت من رمادها وتجاوزت انحطاطها من دون وجود مثل هذه النوعية من النخب القيادية، السياسية والثقافية والاقتصادية، التي تحركها القيم والمباديء الأخلاقية والمثل، وتؤهلها للتضحية في سبيل فكرة قومية أو قيمة إنسانية من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية، وتدفعها للتنافس في الفضيلة والخدمة العامة، بدل التباري في مراكمة القيم والأغراض المادية. في أحضان هذه النخب يولد الرجال العظام، وعليها يعتمدون أيضا في تأسيس الدولة وبناء الأمم واجتراح المعجزات، بقدر ما يمثلونها ويعبرون عنها. وهم يبثون في شعوبهم روح التضحية ونكران الذات التي يتقاسمونها معهم، والتي لا يمكن من دونها تجاوز منطق التنافس الأناني على المصالح، والاقتتال عليها، وبناء مفهوم المصلحة العامة وتعظيم حجم الاستثمارات التاريخية، المادية والمعنوية. ولا تنشأ هذه النخب عادة ويصاغ وعيها الأخلاقي الجديد إلا في سياق المعاناة الكبرى للشعوب والمجتمعات، وكفاحها المرير من اجل التحرر والانعتاق والحياة الكريمة. فهي ذاتها ليست إلا ثمرة تطور ثقافة حية تولد من هذه المعاناة وتمثل خلاصة التجربة المجتمعية المأساوية والرد الايجابي عليها. فهي بنت الحركات التاريخية الكبرى والثورات الانسانية.
في المقابل، لا أحد ينكر أن العالم العربي قد ابتلي بنخب هي مزيج من كواسر باحثة عن فريستها في جسم مجتمع مجوف ومختل التوازن، ومن قطاع طرق مختفين وراء ألقاب ورتب سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، ومهربي مخدرات وتجار سلاح ومختلسين لأموال الدول، وأصحاب ريوع، ولصوص ومرتشين، لا مبدأ لديهم ولا مثال غير إرضاء الشهوة البدائية في السيطرة والقوة والثروة المادية. لا يسرى ذلك على الكثير من العاملين داخل حقل الدولة ومؤسساتها فحسب، ولكن بشكل أكبر أحيانا على المتحكمين بمؤسسات المجتمع الخاصة، ونخبه الأهلية، من أصحاب مشاريع صناعية وتجارية وثقافية وفكرية أيضا. هؤلاء هم اليوم، حقيقة، أصحاب القوة والسلطة والمعرفة والثروة، أي القرار في معظم البلاد العربية.
وإلى جانب ذلك لا تزال مجتمعاتنا في بداية تجربة التحرر والانعتاق، مترددة في خوض الكفاح الشاق من أجل الحرية وتحمل معاناته وعذاباته. أما الفرد الذي لا يزال ممعوس الشخصية، ضامر الضمير، مفتقرا لوعي ذاتي واضح، أو إرادة مستقلة، فهو ميال إلى تفضيل الاستسلام على مغامرة التمرد والاستقلال. ولا تزال الجماعة عندنا مرادفة للعصبية، وقائمة على القرابة الروحية أو العقيدية أو الدموية، أي بعيدة جدا عن أن تتحول إلى جماعة مدنية، متوحدة من حول خيارات إرادية طوعية. في هذه الحال لا أعتقد أن من الممكن لنا، مهما فعلنا، كسر حلقة استتباعنا المزدوج لقياصرتنا المحليين وقياصرة القوى الدولية، من دون ثورة عميقة، فكرية وسياسية. وكل ثورة هي كفاح من أجل الاستقلال والحرية.
لا نحتاج من أجل تفجير هذه الثورة لا إلى المزيد من العلمنة ولا إلى المزيد من التدين ولا إلى المزيد من النظريات السياسية المعقدة والدقيقة، ولكن، قبل أي شيء آخر، إلى بعض النبل والكثير من الكرم الأخلاقي وروح الفضيلة، في المجتمع وعند كل فرد.
1 commentaire:
Enregistrer un commentaire