الاتحاد 28 فيفرييه 07
يمكن للعرب أن ينكروا مسؤوليتهم عما وصلت إليه الاوضاع في العراق، ويلقوا باللائمة كلية على الولايات المتحدة الامريكية التي ليس هناك أي سبب عند أي عربي لتوفير نقدها وتجريمها. ويمكنهم أن ينسوا ما قدموه، حكومات ورأيا عاما، من دعم كبير لنظام صدام حسين ولخياراته التي كانت توصف بالقومية منذ انتزاعه السلطة، ومن تأييد لسياسات مراكمة القوة العسكرية، سواء أكان ذلك لضمان استمرار الحكم في الداخل أو لتأكيد النفوذ في الخارج. كما يمكنهم تناسي تحريض العديد من دولهم وأحزابهم وجماهيرهم على الحرب ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية واستنجادهم بالعراق بوصفه بوابة العالم العربي الشرقية. ويمكنهم كذلك تناسي موقف الجامعة العربية بأغلبية أعضائها من الحرب الامريكية الأولى على العراق عام 1991 ومشاركة قواتهم العسكرية فيها، والصمت عن عقد ونيف من الحظر المفروض على الشعب العراقي الذي أدى إلى تدهور شروط معيشته بشكل لا رجعة عنه. ويمكنهم أكثر من ذلك نسيان ما قدموه من دعم لقوى التمرد الطائفية أو العشائرية على أمل تحويل العراق إلى مقبرة للجيوش الأمريكية وإنزال هزيمة بسياسة واشنطن تردعها عن الاستمرار في تطبيق أجندتها الاستعمارية الجديدة اللاعقلانية. وهو ما يعني تحميل الشعب العراقي فاتورة الصراع ضد السياسات الأمريكية العدوانية، بصرف النظر عن سلامة إدانة هذه السياسات والوقوف في وجهها.
لكن العرب لا يستطيعون التنكر لمسؤولياتهم اليوم في إنقاذ العراق من كارثة إنسانية، وتخليص شعبة من دوامة الاقتتال والفوضى التي دخل فيها أو قيد إليها من قبل الأطراف الدولية والإقليمية. والسبب في ذلك أن نتائج انهيار الأوضاع في العراق لم تعد تقنصر على الشعب العراقي وحده ولكنها تهدد مستقبل الشعوب العربية المحيطة به، بقدر ما تزيد من مخاطر انتشار العنف في كل منها، وأبعد من ذلك، من مخاطر فتح جبهة صراع إقليمية طائفية لن يستطيع أحد البقاء بمعزل عنها ولا أن يستفيد منها. إن تنكر العرب لمسؤولياتهم تجاه العراق سيكون اليوم تنكرا لمسؤوليتهم تجاه بلدانهم وشعوبهم نفسها.
أقول هذا لأن كل المؤشرات تشير إلى أن من الممكن أن تكون المرحلة القادمة في العراق أكثر خطرا على الشعب العراقي والشعوب العربية من كل ما شهدناه في السنوات الثلاث الماضية. فيكاد يكون من المؤكد لدى كل المراقبين أن مخطط تأمين بغداد التي تراهن عليه واشنطن لكسب الوقت لا يملك أي أمل في النجاح. وها هي بريطانيا تعلن انسحاب قواتها من الجنوب العراقي، في الوقت الذي بدأنا نشهد فيه لأول مرة تطورا خطيرا في نوعية السلاح المستخدم من قبل الميليشيات العراقية المتنازعة. فإذا حصل وقررت هذه الميليشيات في صراعها الدامي على الموارد والسلطة استعمال الأسلحة الكيماوية، ولو كانت أسلحة حرفية أو يدوية، سيدخل العراق والمشرق في دائرة تصعيد غير مسبوقة، ولن يكون معيار الانتصار السيطرة على المواقع الجغرافية او السياسية أو اقتسام الموارد وإنما المزاودة في عدد القتلى. وستكون تلك دائرة الموت المعمم في المشرق العربي بأكمله.
من المشروع أن نفرح بهزيمة القوات الأمريكية وبإخفاق واشنطن في فرض اجندتها العدوانية على منطقة عانت منذ عقود من تجاهل إرادة شعوبها وحكوماتها معا من قبل الدول الكبرى. لكن بعد التعبير عن هذا الفرح، يتوجب على الدول العربية، حكومات وشعوبا، أن تتحمل مسؤولياتها تجاه العراق والشعوب العربية الأخرى، وتفكر في بديل عن الفشل الأمريكي وأن لا تكتفي بالتصفيق وإنما تشرع منذ الآن في بناء شبكة الانقاذ التي تجنب العراق السقوط في الجحيم وتضمن انتقاله إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي بحد أدنى من المخاطر والمفاجآت. من دون ذلك ستكون نهاية المغامرة الأمريكية أسوأ عواقبا على العرب من استمرارها. فلن يكون العراق أفضل حالا بالنسبة لشعبه، ولا أقل خطرا على جيرانه، إذا كرس خروج القوات الأمريكية والبريطانية أو هزيمتها سيطرة الميليشيات المتنازعة على السلطة وفتح الباب أمام مرحلة تعميم الحرب الأهلية الطائفية والعشائرية في جميع مناطقه. فمثل هذا الاحتمال يعني ببساطة اندلاع حروب تطهير عرقية في تمتد من الشمال حتى الجنوب. لأن منطق الصراع سوف يدفع لا محالة كل فريق إلى تطهير ما يعتقد أنها أرضه أو موطنه الأصلي الطبيعي في سبيل تعزيز موقفه الاستراتيجي في مواجهة الخصم.
حتى الآن وقف العالم العربي على الحياد لأن سياسة القوة الأمريكية واجهت إجماعا واسعا حول هدف واحد هو إحباط السياسة الأمريكية في العراق. أما الآن وقد تحقق هذا الهدف ولم يعد هناك ما يمكن إضافته إليه، ينبغي أن يكون الهدف الجديد إنقاذ العراق. ويعني الانقاذ وقف الحرب الأهلية ومساعدة العراقيين على التوصل إلى تسوية تضمن مصالح جميع الأطراف وتفاهمهم على العيش المشترك. وبديل ذلك الحرب الدائمة وسير المنطقة بأكملها نحو الهاوية.
يمكن للعرب أن يسترشدوا بتجربة مؤتمر الطائف الذي نجح في تحيقيق تسوية لبنانية أوقفت الحرب. مع الأخذ بالاعتبار أن العراق ليس لبنان، لا من حيث طبيعة النزاع وظروفه ولا عدد الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في النزاع. إن ايجاد تسوية في العراق غير ممكن بالاقتصار على المحيط العربي. إنه يستدعي تفاهما إقليميا يجمع بين بلدان المنطقة الرئيسية الذي يشكل النزاع في العراق اليوم بصورة مباشرة وغير مباشرة مناسبة لابراز تباين خياراتها، كما يشكل العراق مسرحا لإظهار خلافاتها وتصادم استراتيجياتها القومية والإقليمية المختلفة.
بل إن مثل هذا التفاهم وحده هو الذي يخلق فرص تسريع انسحاب القوات الأمريكية بقدر ما يؤمن العراق أمام مخاطر توسع الحرب الأهلية ويخلق شروط ملء الفراغ الذي أحدثه انهيار الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بأكمله. فأي تفاهم حول العراق ينبغي أن يمر بتفاهم مسبق بين بلدان المنطقة، كما يتطلب ايجاد تسويات للنزاعات القائمة بين الأطراف المعنية. وهو ما يستدعي التفكير بمشروع نظام إقليمي جديد قائم على دول الشرق الأوسط نفسها، لا يهدف إلى معاداة الأمريكيين أو غيرهم بالتاكيد وإنما يسعى إلى ملء الفراغ الذي تركه منذ الآن، وسوف يبرز بشكل أكبر، إخفاق التكتل الغربي الذي تحكم بمصير المنطقة منذ أكثر من قرن، في الاحتفاظ بسيطرته المطلقة عليها وهيمنته الدائمة على شؤونها الإقليمية. إن المطلوب هو خلق إرادة جماعية إقليمية تأخذ على عاتقها المساهمة الكبرى في حل شؤون المنطقة ونزاعاتها وايجاد الفرص والحلول المناسبة لمشكلاتها الخاصة، بعيدا عن تدخل الدول الكبرى الخارجية ونزاعاتها. نظاما يضمن مصالح الأطراف الشرق أوسطية من دون أن يضحي بالمصالح الحيوية للدول الكبرى التي تحتاج إلى نفط المنطقة وتعاونها.
في هذا الإطار ما كان من المفيد أن ينعقد مؤتمر القمة الاسلامي الراهن (25 شباط) في باكستان من دون مشاركة ايران وسورية. لكن لن يقلل ذلك من أهميته إذا كان الهدف منه توحيد مواقف الدول القريبة من الغرب قبل بدء مباحثات جماعية تضم جميع دول الشرق الأوسط، وتفتح الطريق أمام تسوية مقبولة في العراق، وربما الاتفاق على إرسال قوات إقليمية مشتركة تهدف إلى وقف القتال والتمهد لرحيل قوات الاحتلال.
يمكن للعرب أن ينكروا مسؤوليتهم عما وصلت إليه الاوضاع في العراق، ويلقوا باللائمة كلية على الولايات المتحدة الامريكية التي ليس هناك أي سبب عند أي عربي لتوفير نقدها وتجريمها. ويمكنهم أن ينسوا ما قدموه، حكومات ورأيا عاما، من دعم كبير لنظام صدام حسين ولخياراته التي كانت توصف بالقومية منذ انتزاعه السلطة، ومن تأييد لسياسات مراكمة القوة العسكرية، سواء أكان ذلك لضمان استمرار الحكم في الداخل أو لتأكيد النفوذ في الخارج. كما يمكنهم تناسي تحريض العديد من دولهم وأحزابهم وجماهيرهم على الحرب ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية واستنجادهم بالعراق بوصفه بوابة العالم العربي الشرقية. ويمكنهم كذلك تناسي موقف الجامعة العربية بأغلبية أعضائها من الحرب الامريكية الأولى على العراق عام 1991 ومشاركة قواتهم العسكرية فيها، والصمت عن عقد ونيف من الحظر المفروض على الشعب العراقي الذي أدى إلى تدهور شروط معيشته بشكل لا رجعة عنه. ويمكنهم أكثر من ذلك نسيان ما قدموه من دعم لقوى التمرد الطائفية أو العشائرية على أمل تحويل العراق إلى مقبرة للجيوش الأمريكية وإنزال هزيمة بسياسة واشنطن تردعها عن الاستمرار في تطبيق أجندتها الاستعمارية الجديدة اللاعقلانية. وهو ما يعني تحميل الشعب العراقي فاتورة الصراع ضد السياسات الأمريكية العدوانية، بصرف النظر عن سلامة إدانة هذه السياسات والوقوف في وجهها.
لكن العرب لا يستطيعون التنكر لمسؤولياتهم اليوم في إنقاذ العراق من كارثة إنسانية، وتخليص شعبة من دوامة الاقتتال والفوضى التي دخل فيها أو قيد إليها من قبل الأطراف الدولية والإقليمية. والسبب في ذلك أن نتائج انهيار الأوضاع في العراق لم تعد تقنصر على الشعب العراقي وحده ولكنها تهدد مستقبل الشعوب العربية المحيطة به، بقدر ما تزيد من مخاطر انتشار العنف في كل منها، وأبعد من ذلك، من مخاطر فتح جبهة صراع إقليمية طائفية لن يستطيع أحد البقاء بمعزل عنها ولا أن يستفيد منها. إن تنكر العرب لمسؤولياتهم تجاه العراق سيكون اليوم تنكرا لمسؤوليتهم تجاه بلدانهم وشعوبهم نفسها.
أقول هذا لأن كل المؤشرات تشير إلى أن من الممكن أن تكون المرحلة القادمة في العراق أكثر خطرا على الشعب العراقي والشعوب العربية من كل ما شهدناه في السنوات الثلاث الماضية. فيكاد يكون من المؤكد لدى كل المراقبين أن مخطط تأمين بغداد التي تراهن عليه واشنطن لكسب الوقت لا يملك أي أمل في النجاح. وها هي بريطانيا تعلن انسحاب قواتها من الجنوب العراقي، في الوقت الذي بدأنا نشهد فيه لأول مرة تطورا خطيرا في نوعية السلاح المستخدم من قبل الميليشيات العراقية المتنازعة. فإذا حصل وقررت هذه الميليشيات في صراعها الدامي على الموارد والسلطة استعمال الأسلحة الكيماوية، ولو كانت أسلحة حرفية أو يدوية، سيدخل العراق والمشرق في دائرة تصعيد غير مسبوقة، ولن يكون معيار الانتصار السيطرة على المواقع الجغرافية او السياسية أو اقتسام الموارد وإنما المزاودة في عدد القتلى. وستكون تلك دائرة الموت المعمم في المشرق العربي بأكمله.
من المشروع أن نفرح بهزيمة القوات الأمريكية وبإخفاق واشنطن في فرض اجندتها العدوانية على منطقة عانت منذ عقود من تجاهل إرادة شعوبها وحكوماتها معا من قبل الدول الكبرى. لكن بعد التعبير عن هذا الفرح، يتوجب على الدول العربية، حكومات وشعوبا، أن تتحمل مسؤولياتها تجاه العراق والشعوب العربية الأخرى، وتفكر في بديل عن الفشل الأمريكي وأن لا تكتفي بالتصفيق وإنما تشرع منذ الآن في بناء شبكة الانقاذ التي تجنب العراق السقوط في الجحيم وتضمن انتقاله إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي بحد أدنى من المخاطر والمفاجآت. من دون ذلك ستكون نهاية المغامرة الأمريكية أسوأ عواقبا على العرب من استمرارها. فلن يكون العراق أفضل حالا بالنسبة لشعبه، ولا أقل خطرا على جيرانه، إذا كرس خروج القوات الأمريكية والبريطانية أو هزيمتها سيطرة الميليشيات المتنازعة على السلطة وفتح الباب أمام مرحلة تعميم الحرب الأهلية الطائفية والعشائرية في جميع مناطقه. فمثل هذا الاحتمال يعني ببساطة اندلاع حروب تطهير عرقية في تمتد من الشمال حتى الجنوب. لأن منطق الصراع سوف يدفع لا محالة كل فريق إلى تطهير ما يعتقد أنها أرضه أو موطنه الأصلي الطبيعي في سبيل تعزيز موقفه الاستراتيجي في مواجهة الخصم.
حتى الآن وقف العالم العربي على الحياد لأن سياسة القوة الأمريكية واجهت إجماعا واسعا حول هدف واحد هو إحباط السياسة الأمريكية في العراق. أما الآن وقد تحقق هذا الهدف ولم يعد هناك ما يمكن إضافته إليه، ينبغي أن يكون الهدف الجديد إنقاذ العراق. ويعني الانقاذ وقف الحرب الأهلية ومساعدة العراقيين على التوصل إلى تسوية تضمن مصالح جميع الأطراف وتفاهمهم على العيش المشترك. وبديل ذلك الحرب الدائمة وسير المنطقة بأكملها نحو الهاوية.
يمكن للعرب أن يسترشدوا بتجربة مؤتمر الطائف الذي نجح في تحيقيق تسوية لبنانية أوقفت الحرب. مع الأخذ بالاعتبار أن العراق ليس لبنان، لا من حيث طبيعة النزاع وظروفه ولا عدد الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في النزاع. إن ايجاد تسوية في العراق غير ممكن بالاقتصار على المحيط العربي. إنه يستدعي تفاهما إقليميا يجمع بين بلدان المنطقة الرئيسية الذي يشكل النزاع في العراق اليوم بصورة مباشرة وغير مباشرة مناسبة لابراز تباين خياراتها، كما يشكل العراق مسرحا لإظهار خلافاتها وتصادم استراتيجياتها القومية والإقليمية المختلفة.
بل إن مثل هذا التفاهم وحده هو الذي يخلق فرص تسريع انسحاب القوات الأمريكية بقدر ما يؤمن العراق أمام مخاطر توسع الحرب الأهلية ويخلق شروط ملء الفراغ الذي أحدثه انهيار الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بأكمله. فأي تفاهم حول العراق ينبغي أن يمر بتفاهم مسبق بين بلدان المنطقة، كما يتطلب ايجاد تسويات للنزاعات القائمة بين الأطراف المعنية. وهو ما يستدعي التفكير بمشروع نظام إقليمي جديد قائم على دول الشرق الأوسط نفسها، لا يهدف إلى معاداة الأمريكيين أو غيرهم بالتاكيد وإنما يسعى إلى ملء الفراغ الذي تركه منذ الآن، وسوف يبرز بشكل أكبر، إخفاق التكتل الغربي الذي تحكم بمصير المنطقة منذ أكثر من قرن، في الاحتفاظ بسيطرته المطلقة عليها وهيمنته الدائمة على شؤونها الإقليمية. إن المطلوب هو خلق إرادة جماعية إقليمية تأخذ على عاتقها المساهمة الكبرى في حل شؤون المنطقة ونزاعاتها وايجاد الفرص والحلول المناسبة لمشكلاتها الخاصة، بعيدا عن تدخل الدول الكبرى الخارجية ونزاعاتها. نظاما يضمن مصالح الأطراف الشرق أوسطية من دون أن يضحي بالمصالح الحيوية للدول الكبرى التي تحتاج إلى نفط المنطقة وتعاونها.
في هذا الإطار ما كان من المفيد أن ينعقد مؤتمر القمة الاسلامي الراهن (25 شباط) في باكستان من دون مشاركة ايران وسورية. لكن لن يقلل ذلك من أهميته إذا كان الهدف منه توحيد مواقف الدول القريبة من الغرب قبل بدء مباحثات جماعية تضم جميع دول الشرق الأوسط، وتفتح الطريق أمام تسوية مقبولة في العراق، وربما الاتفاق على إرسال قوات إقليمية مشتركة تهدف إلى وقف القتال والتمهد لرحيل قوات الاحتلال.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire