مؤتمر المنظمات العربية غير الحكومية
الدوحة 29 اكتوبر 1 نوفمبر 2006
كان من المفروض أن تكون هذه الكلمة مدخلا افتتاحيا للمناقشة الخاصة بجلسة تعزيز الديمقراطية في المنطقة العربية المنعقدة في إطار المؤتمر العربي للمنظمات غير الحكومية الموازي لمؤتمر الديمقراطيات الجديدة الذي افتتح اعماله بحضور عدد كبير من الوزراء والمسؤولين في المنطقة في مدينة الدوحة في التاسع والعشرين من اكتوبر 2006 تحت رعاية الامم المتحدة. لكن المناورات السياسية التي رافقت هذا المؤتمر مع إعلان وزيرة خارجية إسرائيل عن نيتها لحضوره مع وفد اسرائيلي كبير دفعتني إلى الاعتذار عن المشاركة. فمن غير المعقول أن تدعى الحكومة الاسرائيلية إلى المشاركة في نقاش مسألة تعزيز الديمقراطية في المنطقة العربية في الوقت الذي شكلت فيه سياساتها العدوانية والعنصرية تجاه فلسطين ولبنان وبقية البلاد العربية العامل الرئيسي في تقويض أسس التحول السياسي السلمي نفسه، ودفعت كما لم يحصل في أي منطقة أخرى في العالم، إلى تأجيج لهيب النزاعات القومية والدينية والطائفية والاتنية، على حساب السلام والأمن والاستقرار والتنمية معا.
منذ سنوات عدة ونحن نتحدث عن وسائل تعزيز الديمقراطية ونضع التوصيات التي نأمل أن يأخذ بها أو ببعضها أصحاب القرار، في سبيل فتح طريق التحول السلمي نحو الديمقراطية وتجنب الانفجارات التي يسببها الجمود، والفوضى التي يمكن أن تنجم عنها. لكننا لم نتقدم كثيرا في الشرق الأوسط في هذا المجال. ولعل من المناسب اليوم تجاوز الحديث قليلا في التفاصيل من أجل بلورة الإطار النظري العام الذي يساعدنا على فهم مشكلة تعزيز الديمقراطية والصعوبات التي تعترضها في المنطقة الشرق أوسطية.
من البداية يوحي الحديث غير النقدي عن وسائل تعزيز الديمقراطية بأن موضوع الخيار الديمقراطي قد تم حسمه، وأن المسألة تتعلق اليوم بتوسيع دائرة تطبيق هذا الخيار وتعميقه. وهو ما يمكن أن ينمي أوهاما كبيرة مضرة، عند الجمهور والباحثين الاجتماعيين في الوقت نفسه. والحال أن الواقع مختلف كثيرا عن ذلك في البلدان العربية. فبالرغم من حصول تغيرات جزئية هنا وهناك، وسعي بعض النظم التي تواجه تحديات تاريخية، وتتعرض لتهديدات جدية، للتغطية عليها من خلال إبراز بعض ملامح التغيير في السياسات السائدة، ليس التحول نحو الديمقراطية هو السمة الأبرز في تطور الأوضاع السياسة في المنطقة العربية، ولا احتمال ولادة ربيع ديمقراطي عربي، كما أشيع بعد تنظيم بعض الانتخابات التشريعية التعددية، هنا وهناك، في السنين الثلاث الماضية، وإنما العكس تماما. إن الطابع الأبرز للحقبة التي نعيشها الآن هو بالأحرى إجهاض عملية الحمل الديمقراطي وإجهاض الدفع الذي حصل في سبيل الديمقراطية منذ بداية هذه الألفية الثالثة، ونجاح النظم التسلطية في المنطقة في امتصاص الضغوط الداخلية والخارجية التي هيأت لهذا الدفع الديمقراطي الوليد وغذته.
إن الآمال التي صعدت منذ سنوات قليلة، بسبب التقاء إرادة إصلاح خارجية مع ارتفاع مطالب فئات حية من المثقفين والطبقة الوسطى العربية، قد انهارت اليوم، بعد أن أدى إخفاق السياسات الأمريكية المغامرة في العراق، وانهيار محادثات السلام العربية الاسرائيلية، وتخبط السياسات الغربية عموما تجاه مشاكل الشرق الأوسط وفيه، إلى تصاعد الإرهاب وتزايد مخاطر انتشار الفوضى وتعميم الخراب. وهو ما دفع إلى تراجع الكتلة الغربية عن وعودها التي أطلقتها، بعد الحادي عشر من ايلول، في إصلاح الأوضاع العربية. وحصل كما لو أن النظم العربية التي لم تهضم، لحظة واحدة، ضغوط الكتلة الغربية عليها في سبيل إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لا تتماشى تماما مع مصالحها واحتكارها الكامل للسلطة والثروة، قد انتقمت لنفسها، واستعادت أو هي في طريقها لأن تستعيد، في نظر الغرب والمنظومة الدولية، جزءا كبيرا من شرعيتها التي كان انتشار الارهاب الدولي انطلاقا من حدودها، والفساد المريع الذي تميز به سلوكها، قد قضى تماما على صدقيتها، وتركها عارية أمام الانتقادات الدولية والمحلية.
ليس من الممكن اليوم الحديث عن تعزيز الديمقراطية، كحركة او كنظم محتملة التطبيق في البلدان العربية، في مستقبل منظور، كما لو أن شيئا لم يحصل، ومن دون النظر إلى الانتكاسة التي تعرضت لها آمال الديمقراطية العربية، ومراجعة سياسات الدول الغربية الكبرى، وتراجعها عن مطالبها الاصلاحية، ومعها سياسات الحركات الديمقراطية العربية الوليدة أيضا، التي تتعرض من جديد إلى ظروف قاسية تشمل المنع والملاحقة والحد من الحريات وتقييدها وإرهاب ناشطي حقوق الانسان والمنظمات المدنية عموما. ولا يشكل التأمل في هذه الانتكاسة والكشف عن أسبابها الطريق الاجباري لوقف التدهور الحاصل في الموقف فحسب، ولكنه يشكل أكثر من ذلك شرط تجنب إنكسارات ونكسات أخرى، ومنطلقا لا غنى عنه لإنقاذ مشروع الديمقراطية نفسه والعمل على إعادة بنائه على أسس تساعد على تقدمه وتحقيق أهدافه في المدى المنظور.
فالمراجعة المطلوبة لتجربة السنوات القليلة الماضية مهمة من زاويتين، زاوية فهم سلوك النظم الاتوقراطية القائمة فيها ونجاحها في مقاومة الضغوطات الخارجية والداخلية وتجنب الاصلاح والانفتاح. وزاوية إخفاق التكتل الغربي، ومن ورائه المنظومة الدولية التي دعمته في مشاريعه، في إحداث أي حركة تغيير ذات وزن أو مغزى في اتجاه تعزيز فرص تقدم خطى الديمقراطية المنشودة.
1- إخفاق مبادرة الاصلاح والديمقراطية وأسبابه
لا يرجع إجهاض موجة الديمقراطية الجديدة التي ارتفعت في السنوات القليلة الماضية في العالم العربي إلى عامل واحد فحسب ولكن إلى عوامل متعددة: عالمية ترتبط بطبيعة السياق الدولي العام وأثره على المنطقة. وإقليمية تتعلق بالمناخ السائد في الشرق الأوسط نفسه وبأوضاعه الجيوسياسية. وبعوامل وطنية داخلية تتعلق بعلاقة المجتمع المدني بالدولة ومكانة هذه الدولة، والسلطة المركزية بشكل عام، وموقعها في التنظيم المجتمعي القائم، ومعادلات القوة وتوزيع السلطة داخل المجتمعات.
فالواقع أن التدويل العميق للمنطقة، وحالة النزاع والحرب المزمنة فيها، وتسلط أجهزة الأمن كممثلة للسلطة السياسية عليها، كل ذلك يشكل أوجها لمنظومة سيطرة واحد، هي المنظومة التي أقيمت في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تزال تحكمه وتتحكم بعلاقاته الدولية وتوازناته الإقليمية وأنماط حكمه المحلية وهياكل مؤسساته وسلطاته في الوقت نفسه، وذلك بالرغم من كل ما تعرضت له المنطقة من هزات ومقاومات. وهي في نظري منظومة متكاملة ومتضامنة ومتساندة، تتداخل مستوياتها الدولية والإقليمية والوطنية، وتتفاعل بقوة، وترتبط نجاعة وسائلها على المستوى الدولي بنجاعة وسائلها على المستوى السياسي الداخلي، كما ترتبط هذه وتلك بمناخ الحرب المزمنة، واستمرار الاحباطات القومية عند جميع الدول والشعوب. وليس من الممكن التفكير بأي تغيير جدي في أي مستوى من مستويات عمل هذه المنظومة الثلاثية الأبعاد من دون أن يلحقه تغيير مواز في المستويات الأخرى. مما يعني أن أي تغيير سياسي في اتجاه دمقرطة النظم القائمة يحمل مخاطر فعلية لنظام الوصاية والسيطرة الخارجية الذي فرض على المنطقة بسبب وجود رهانات ذات أبعاد دولية فيها، سواء ما تعلق منها بتركز احتياطي كبير من الطاقة النفطية التي يحتاج إليها العالم الصناعي، أو بسبب ارتباط مصيرها أو ربطه بمصير إسرائيل وتوطينها وضمان أمنها، أو بسبب ما تمثله من عقدة مواصلات استراتيجية دولية. وبالمثل، يشكل أي تغيير في اتجاه بناء نظم ديمقراطية شعبية وتتمتع بقسط كبير من الشرعية تهديدا للتوازنات الاقليمية، وبالتالي لمصالح تلك القوى التي تكيفت مع الوضع القائم، ولا تزال تسعى إلى استثماره بكل ما تملك من قوة، وفي مقدمها إسرائيل التي تحاول، في إطار مشروع التوسع الإقليمي الذي تسعى إليه، هضم الأراضي العربية المحتلة وابتلاعها. وكما عزز الارهاب، والحرب الدولية التي أطلقتها الولايات المتحدة ضده، من الضغوط الدولية على الشرق الأوسط، وزاد من أهميه ضبطه والسيطره على مقدراته في الاستراتيجية العالمية، عمل النزاع الإقليمي المستمر وإفشال مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية على تفاقم العنف، ودفع النظم التسلطية السائدة إلى مزيد من التشدد والضغط على مجتمعاتها خوفا من أن تجد نفسها تحت ضغوط متقاطعة ومتعارضة معا، من الخارج والداخل. من هنا لا يزال هناك شعور قوي لدى جميع الأطراف المستفيدة من النظام القائم في الشرق الأوسط بأنه لا مصلحة واضحة لها في التغيير، حتى لو كانت مقتنعة بأن الاصلاح لم يعد يحتمل التأجيل.
هذا ما يفسر تردد الدول الغربية في سحب دعمها عن الأنظمة التعسفية اللاقانونية، ثم تراجعها السريع بعد إعلانها في السنوات الأخيرة الماضية عزمها على الإصلاح. كما يفسر لماذا كان من غير الممكن بناء قوى داخلية قادرة على تحقيق التحولات الديمقراطية، ولا حتى على مواجهة الخراب المدني والسياسي الذي تحدثه النظم التسلطية، ويدفع إلى سيطرة العقلية الفردية الأنانية وتعميم الفساد. ولماذا لا يزال من غير الممكن الفصل بين غياب فرص التنمية السياسية الداخلية، أي داخل حدود البلدان، واستمرار الحروب والنزاعات القومية والوطنية المزمنة، والتي أخذت في الفترة الأخيرة تتحول بصورة واضحة إلى حروب دمار وانتقام، فاقدة هي نفسها أي أمل في تحقيق أي انتصار غير ما تكبده من خسائر وآلام للخصم. وهو ما يفسر أخيرا العلاقة الوثيقة التي تربط بين استمرار الحروب والنزاعات الإقليمية وتخليد نظم السيطرة الأمنية لأكثر من نصف قرن من جهة، وتغول القوى الكبرى على المنطقة ونزاعها المستمر فيما بينها على السيطرة السافرة عليها، بكل ما يستدعيه ذلك من تبرير الحروب والتدخلات العسكرية والسياسية الدائمة، وإضفاء الشرعية على سياسات الاحتواء والتلاعب والاستيعاب ضمن الاستراتجيات الدولية المتنافسة للقوى السياسية والأحزاب والنخب والطوائف والإتنيات المتنازعة في ما بينها أيضا، من جهة ثانية. وهو ما يجعل حياة مجتمعات الشرق الأوسط فوضى عارمة، ويفقدها كل أمل في الثبات والاستقرار والقيام على أسس ومباديء موضوعية وعقلانية وشرعية. فالتلاعب والغش والخداع والمراوغة هي مفردات السياسة المتبعة من قبل جميع الأطراف، الداخلية والخارجية، ولغتها المشتركة.
لكن مشكلة الديمقراطية في الشرق الأوسط لا تنبع من تداخل هذه العوامل أو بالأحرى الأزمات الدولية والإقليمية والوطنية، مع تباين تأثيراتها وتحييد بعضها للآخر، فحسب، ولكن أكثر من ذلك من عدم قدرة أي طرف من الأطراف المعنية، الخارجية والإقليمية والداخلية، على حسم النزاعات القائمة لصالحه وفرض أجندته على المنطقة. وهكذا لم يتمكن أي طرف من الاطراف الدولية والإقليمية والوطنية المنخرطة في الصراعات متعددة المستويات أن ينجح في تحقيق الهدف الذي يسعى إليه في مواجهة الأطراف الأخرى وضد إرادتها. وهذا يصح على مسائل السياسة الدولية، كما يصح على مسائل النزاعات الإقليمية والصراعات السياسية الداخلية. ولا شك أن تدهور وضع المنطقة في النظام الدولي، ومناخ الحرب والعنف الذي يميز علاقات أطرافها الإقليمية، وحالة الضعف والتشتت التي وصلت إليها المجتمعات المدنية، كل هذه العوامل تقلل أكثر من احتمال أن ينجح أحد هذه الأطراف في أن يكون عاملا حاسما لوحده في أي تغيير منشود، دوليا كان أو إقليميا أو وطنيا.
من هنا يبدو لي أن مصير الديمقراطية، مثله مثل مصير المسائل الأخرى العالقة، كالتسوية الشرق أوسطية وتحرر المنطقة ككل من ضغط النزاعات الدولية عليها، مرتبط بحصول توافق بين العوامل الداخلية والخارجية، يعوض عن ضعف العوامل جميعا وعدم قدرتها، كل لوحده، على التحول إلى عوامل حاسمة. وهو ما يرهن عليه فشل الضغوط الغربية التي مورست على النظم في السنوات الماضية في اتجاه فرض إصلاحات ديمقراطية، كما يبرهن عليه يوميا إخفاق قوى المجتمع المدني في فرض احترامها على النظام، بل انتزاع اعتراف السلطة والجمهور الواسع بوجودها وشرعيتها. فمن الصعب في الظروف الدولية والإقليمية السائدة أن تنجح هذه القوى في النمو بما فيه الكفاية حتى تشكل عامل ضغط فعال، وتجبر الأنظمة على تقديم تنازلات، وعلى الانفتاح على الطبقة الوسطى وقبولها شريكا في الحياة السياسية. وبغياب توافق واسع بين الأطراف الفاعلة الثلاثة : الدولية والإقليمية والمدنية، ليس هناك أي أمل في حصول تغيير ديمقراطي حقيقي إلا من خلال ثورة أهلية تقلب الوضع القائم وتقيم على أنقاضه وضعا جديدا. وهو ما لا يظهر بعد كاحتمال وارد الحدوث في الأفق القريب.
لكن المهم أن نعرف أن غياب هذا التوافق بين الأجندات الدولية والإقليمية والوطنية كان السبب الرئيسي لإخفاق موجة الديمقراطية التي أطلقت الكثير من الآمال في مطلع هذه الألفية الثالثة. فهو الذي جعل جهود الأطراف المختلفة المعنية، إلى حد أو آخر، بتغيير الأوضاع الفاسدة التعسفية، تدخل في منافسات ضارة، وتحيد في النهاية بعضها البعض. وكما أن وحدة الشعارات لا تخفي حقيقة أن القوى الداعية إلى التغيير، في الداخل والخارج، لم تكن تعمل على موجة واحدة، ما حصل هناك أيضا أي إجماع أو تفاهم على أجندة واحدة أو منسجمة.
فلم تتفق حتى دول التحالف الغربي على محتوى الاصلاحات الديمقراطية المطلوبة ومضمونها ووتيرة تحقيقها. وكان الخلاف واضحا بين الأمريكيين والأوروبيين حول تقدير ما ينبغي عمله وبناء اجندة عملية للاصلاحات المنشودة. وهو ما سمح للنظم التسلطية بالمناورة وكسب الوقت حتى تتغير الأوضاع الإقليمية وتتطور أزمة الاحتلال الأمريكي في العراق. وبالمثل، ولد إخفاق سياسات الدول الكبرى في حل النزاعات الإقليمية، ولو بصورة تدريجية وبطيئة، كما وعدت، وضعا سياسيا ونفسيا انفجاريا معاديا للخيار الديمقراطي، ودافعا إلى المقاومة ورد الفعل. وليس من المبالغة القول إن مشاريع الاصلاح الديمقراطي التي قاتلت من أجلها قوى عربية فتية ببسالة، ودفعت تضحيات كبيرة لتاكيد فكرتها، في وجه نظم أمنية قاسية، كانت ضحية السياسات الخرقاء التي اتبعت في السنوات الخمس الاخيرة، سواء اكان ذلك على مستوى العلاقات الدولية، مع توسيع دائرة الحرب على الارهاب، ومن ورائه على الاسلام والعروبة، أو على مستوى العلاقات الإقليمية، مع ترك الحكومات القومية الاسرائيلية المتطرفة تقضي على حلم الفلسطينيين، وتدمر شروط حياتهم، وتجعل من الاغتيال اليومي لقادتهم سياسة رسمية. والأمر نفسه ينطبق على دفع العراق نحو الحرب الأهلية، وإطلاق يد الجيش الاسرائيلي في لبنان للرد على عملية عكسرية محدودة أسفرت عن أسر جنديين إسرائيليين. ثم أخيرا، على مستوى كل بلد شرق أوسطي، مع تعاون الدول الصناعية مع نظم ضد نظم أخرى، واتباع سياسات انتقائية في تطبيق الاصلاحات وتقديمها. لقد قطعت هذه السياسات الطريق على أي تفاهم بين الأطراف، وجعلت من حروب التدمير الشامل، الخارجية والإقليمية والأهلية، في فلسطين والعراق ولبنان، البديل الوحيد للحلول السياسية المتفاوض عليها والتي تقدم مخرجا مقنعا إلى حد او آخر لجميع الأطراف.
ما كان من الممكن في هذه الظروف الدولية والإقليمية المتوترة، والمشجعة على المواجهات والصدامات وحروب الحضارات، أن يكون لضغوط قوى المجتمع المدني في البلاد العربية أي نتائج تذكر. وأمكن للسلطات التي اعتادت خرق القانون احتواء هذه الضغوط وامتصاصها بسهولة، قبل أن ترتد إلى هذه القوى نفسها لتحاول تحطيمها وتفتيتها. وهكذا، بدل أن تساعد الضغوط الداخلية والخارجية على دفع النظم نحو الانفتاح، زادت من نزوعها إلى الانكماش على نفسها، وحرضتها على التنكيل بالقوى الديمقراطية ومحاولة تصفيتها. وها هي النظم تفسها تعود، كما كانت في السابق، إلى الاستخدام الموسع للعنف، والمراهنة على قوة القمع وتحويل اجهزة الامن الواسعة الانتشار إلى أداة وحيدة للحكم والتحكم بالقرار، في مواجهة مجتمعات مفككة ومذررة، مفتقرة للموارد الخاصة وللقيادات أيضا.
ومع ذلك، لم يكن من الصعب تصور أجندة واحدة ومتفق عليها بين الأطراف لحلحلة أزمة الشرق الاوسط وإخراج شعوبه من محنتها. بل لقد ظهرت ملامح مثل هذه الأجندة بالفعل مع مؤتمر مدريد للسلام وبعده، وقامت على الجمع بين تفاهم دولي تمثله اللجنة الرباعية، وخطة لتهدئة الأوضاع الإقليمية وفتح باب التسوية السياسية، تمثلها خريطة الطريق التي تبنتها الرباعية والدول العربية، والتي تنص على خلق دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الاسرائيلية القائمة في أفق 2005، وتعاون دولي مع القوى الداخلية، الرسمية والأهلية، للمساعدة على فتح النظم وتوسيع دائرة المشاركة السياسية.
لكن الإدارة الأمريكية رمت بهذه الأجندة عرض الحائط، بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأحلت محلها أجندة خاصة بها لمواجهة متطلبات التغيير، وحسم النزاعات الدولية والإقليمية والداخلية الوطنية لصالحها وحدها، وبطريقتها الخاصة. ولم ينجم فشلها عن التردد في حل النزاعات والمشاكل العالقة، ولكنه نجم من أنها أرادت أن تحل مسألة الصراع الدولي على المنطقة، الذي يشكل عبئا لم يعد يحتمل عليها، ومهربا للنظم المختلفة من مواجهة الاستحقاقات الداخلية، بفرض سيطرتها المنفردة على المنطقة بأكملها، وإخراج اللاعبين الآخرين، بما فيهم أقرب حلفائها من الأورييين، من حلبة المنافسة، بدل العمل على بلورة إجماع دولي حول تحييد المنقطة عن النزاعات الدولية. وأنها أرادت أن تحل مشكلة النزاع الإقليمي المستمر، والذي يزداد شراسة وتعفنا وعنفا بسبب تفاقم الاحباط عند الجميع، عن طريق الزج بكل ثقلها مع حكومة اليمين القومي الاستعماري المتطرف في اسرائيل، ومحاباة القومية الاسرائيلية على حساب جميع القوميات الأخرى. وأرادت أن تحل مشكلة انفصال النخب الحاكمة، سياسيا بفضل دعم الغرب لها، واقتصاديا بسبب توفر العوائد النفطية والريعية الكثيرة، عن شعوبها وتجاهلها حقوقها وتغولها عليها، بالعمل على استتباع هذه النخب بشكل أكبر، وفرض نظام الإذعان عليها لتدخل في استراتيجيتها وتعمل بأمرها، بدل تطوير هامش مبادرة المجتمعات وتوفير وسائل حمايتها وتعزيز استقلالها تجاه النظم التسلطية المغلقة. لقد أرادت تحالفا أقوى مع الحاكمين لدفعهم نحو الديمقراطية، بدل تقليم أظافرهم وإجبارهم على احترام إلتزاماتهم، والتراجع عن سياساتهم التعسفية، كأي نظم سياسية تحكم باسم شعب وتمثل مصالحه الوطنية.
هكذا ما كان لموجة الديمقراطية التي ارتفعت في المنطقة في السنوات الماضية أن تصل إلى غير طريق مسدود. مسدود على الصعيد العالمي، بعد أن فتتت السياسة الامريكية الاجماع الدولي الذي كان قائما من حولها، بما في ذلك داخل التحالف الغربي المتحكم بمصير المنطقة. ومسدود على المستوى الإقليمي بسبب انهيار آمال السلام بعد تجميد خارطة الطريق والعودة إلى الحل العسكري، وما يجره ذلك من إشعال نيران العنف وتفاقم مشاعر الاحباط والرغبة في الانتقام وتحقيق انتصارات وهمية، وتراجع التفكير العقلاني والانساني في الخروج من الأزمة الإقليمية. ومسدود على المستوى المحلي بسبب نجاح النظم القائمة، التي خرجت منتصرة من معركة الضغوط الأجنبية، وأكثر ثقة بنفسها، في تكوين نظم أمنية مستقلة كليا بمواردها المادية والسياسية عن الشعب، وقائمة في فلك خاص بها، وفي قلعة معزولة تماما عما حولها. وهي الاجهزة التي ساهمت الدول الكبرى، ومناخات الحروب الإقليمية المستمرة، منذ عقود، في تكوينها وتطويرها.
2 – دروس التجربة الماضية
لست متأكدا أبدا من أن الديمقراطية، حتى في أشكالها الدنيا، أي التعددية البسيطة، مع توسيع قاعدة المشاركة السياسية قليلا لاستيعاب فئات من الطبقة الوسطى في النظم القائمة، ذات أولوية اليوم في أي أجندة دولية أو إقليمية أو محلية. ومع يقيني بأن من الصعب على قوى المجتمع المدني لوحدها حسم المعركة لصالح التحول نحو الديمقراطية والحد من تغول النظم التسلطية واللاقانونية، يظل من المفيد فهم دروس التجربة السابقة، لتوجيه خطى أولئك الذين لا يزالون مؤمنين، في داخل المنطقة وخارجها، بأن الديمقراطية لا تزال تشكل هدفا أخلاقيا في حد ذاتها تستحق التعزيز، كما أن تحقيقها يشكل أحد المفاتيح الرئيسية أيضا لإخراج المنطقة من أزمتها التاريخية الطاحنة وبلورة التسويات والحلول السياسية الضرورية لإقامة شروط صالحة للحياة والعمل والانتاج والابداع الانساني في هذه المنطقة من العالم. وليس هناك في نظري ما يمنع من التفاؤل باحتمال العودة إلى مناخات نهاية التسعينات التي ولدت أملا كبيرا في تطور مبادرات تخرج الشرق الأوسط من محنته، ويكون لها تأثير كبير على تطوره الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضا. ومما يشجع على هذا التفاؤل تفاقم المأزق الذي تتخبط فيه السياسات الأمريكية والاسرائيلية الشرق أوسطية التي حكمت موقف الغرب والعالم كله وحكومات المنطقة أيضا تجاه المشاكل المطروحة. فبقدر ما بينت تجربة السنوات الماضية بأن تجديد حياة النظم التعسفية والتسلطية لا ينفصل عن الاستراتيجيات الدولية السائدة ولا عن التوازنات الإقليمية القائمة، يتطلب تعزيز ا لديمقراطية، تغييرا مماثلا على هذه المستويات الثلاث. وهو ما يستدعي :
- التوصل إلى تفاهم بين الأطراف المعنية حول أجندة تتجاوز مسألة الديمقراطية نفسها وتشمل في الوقت نفسه موضوعات تتعلق بالوضع الدولي والإقليمي والوطني معا. فليس من الممكن فصل مسألة الديمقراطية عن مسألة انتزاع المنطقة من الارتهان للنزاعات الدولية وضمان حد أدنى من الأمن والاستقلال لها وتقرير المصير لشعوبها. وليس من الممكن كذلك التفاهم حول أجندة ديمقراطية تقنع جميع الأطراف المعنية بالتعاون لتحقيقها من دون التوصل إلى تسويات سياسية للنزاعات والحروب الإقليمية العديدة العالقة، وفي مقدمها النزاع العربي الاسرائيلي، لكن ليس وحده. وليس من الممكن كذلك وضع هذه الأجندة الديمقراطية موضع التطبيق العملي من دون مرافقتها ببرنامج دعم شامل للمجتمع المدني، يتضمن دعم الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية الرائدة، ودعم المؤسسات والمنظمات الاجتماعية، ودعم الهيئات المدنية والسياسية العاملة على توفير الأطر القانونية والسياسية لتوسيع دائرة مشاركة الأفراد في الحياة العمومية. فالديمقراطية ليست في الشرق الأوسط، اجندة سياسية داخلية، ولكنها جزء من أجندة إقليمية ودولية معا، بقدر ما يمس تغيير العلاقة بين النظم التسلطية والشعوب مصالح إقليمية، ويؤثر أيضا على مصالح دولية استراتيجية. ولذلك قد يستدعي التفاهم على أجندة ديمقراطية في هذه البلدان تفاهما موازيا على أجندة تسوية إقليمية، وربما إعادة نظر في شروط السيطرة الغربية على المنطقة وأسلوب تعاملها مع شعوبها. هذه هي النتيجة الطبيعية لما يسم الوضع في الشرق الاوسط من تدويل فعلي، يجعل ان تغيرات السياسة الداخلية لا تؤثر فقط على مصالح القوى المحلية والداخلية فحسب، ولا تخضع لقواها الذاتية، ولكنها تؤثر على مصالح إقليمية ودولية كبيرة وتخضع لتأثيراتها أيضا.
- وهذا يعني ضرورة وجود رؤية شاملة لقضايا المنطقة لا تجزئتها. لا يمكن فصل قضية دمقرطة الحياة السياسية في هذا البلد او ذاك في الشرق الأوسط عن بقية القضايا الأخرى الكبيرة التي تشغل الرأي العام بأكمله وأحيانا تشكل بؤر اهتمام أقوى وأشد فيه. والاعتقاد بأن الديمقراطية يمكن أن تكون دواءا يشفي من الإحباطات الوطنية والقومية، او تعويضا عنها، يقود لا محالة إلى تقويض أسسها بقدر ما يظهرها وكأنها وسيلة للالتفاف على الإرادة الشعبية بوسائل أخرى. الديمقراطية لا يمكن أن تكون تعويضا عن انتهاك السيادة الوطنية أو عن التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية. بالعكس، أظهرت تجربة السنوات القليلة الماضية أن انتهاك السيادة، الوطنية للبلدان العربية أو بعضها، واستمرار انتهاك الحقوق الفلسطينية يفرغ مشروع الديمقراطية من محتواه، ويفقده الصدقية ويسمح للقوى المعادية له بتعبئة الرأي العام ضده بوصفه خطة أو جزءا من خطة، أو غطاءا لخطة إستعمارية.
- رفض الديمقراطية الانتقائية أو تأكيد وحدة القضية الديمقراطية في المنطقة. لا يمكن فصل قضية الديمقراطية في أي بلد عن قضية الديمقراطية في أي بلد آخر في المنطقة أيضا. فإما ان تكون الديمقراطية هدفا مشتركا وواحدا تجاه دول المنطقة جميعا، بما فيها بالتاكيد إسرائيل، أو أنها ستتعرض إلى تشكيك بصدقيتها، وتظهر وكانها تكريس جديد لقاعدة الكيل بمكيالين، واستخدام الديمقراطية وسيلة للضغط على الدول، لا كمشروع وغاية في ذاتها. لا يمكن للديمقراطية أن تتقدم في البلدان العربية إذا كانت انتقائية، مطلوبة للعراق وليست مطلوبة لسورية، مطلوبة للبنان ومستبعدة من مصر أو تونس أو العربية السعودية. وهذا يعني إما أن تكون هناك خطة جدية لدمقرطة النظم السياسية في عموم المنطقة العربية أو أن الديمقراطية ستظل شعارا تستخدمه القوى الدولية في نزاعها على المصالح والنفوذ في الشرق الأوسط، مع ما يعنيه ذلك من نزع الصدقية عن القضية الديمقراطية وتحويلها إلى أداة من أدوات الصراع القومي والوطني.
- تغيير الرؤية الغربية السائدة منذ عقود في ما يتعلق بضمان الأمن والمصالح الاستراتيجية في الشرق الاوسط. لا يمكن في الشرق الأوسط التوفيق، كما حصل في بلدان أوروبة الشرقية، بين أجندة الديمقراطية وأجندة السيطرة الغربية. فالديمقراطية تهدد لا محالة بزوال سياسات التبعية والإلحاق بقدر ما تعيد السيادة والقرار للشعوب والرأي العام، بينما يحتاج استمرار السيطرة والاشراف على المصالح الاستراتيجية والحيوية الغربية والحفاظ عليها إلى تقييد هذه السيادة والاحتفاظ بها دائما تحت السيطرة بوسائل مختلفة، كان أبرزها حتى الآن تعزيز الوصاية السياسية للنخب الحاكمة عليها. وكما لم تشجع صيغة الديمقراطية المقيدة والفاقدة للسيادة الطبقات الوسطى على التحمس لمشاريع الاصلاح الغربية، لم تثر مشاريع الديمقراطية الوطنية التي تبنتها شرائح واسعة من الطبقة الوسطى والمثقفة العربية اهتمام الدول الغربية، ولا نالت ثقتها. وفي ما وراء الصراع بين مشاريع الدمقرطة والاستبداد، كان النزاع قويا أيضا بين مشاريع الهيمنة الغربية المقنعة بنموذج شكلي لديمقراطية مفروضة، ومشاريع الصراع لا نتزاع السيادة والحرية وحق المشاركة داخل البلدان العربية من قبل النخب والطبقات الوسطى والمثقفة.
- احترام المعايير الدولية الواحدة في التعامل مع الشرق الأوسط وعدم إخضاعه لمعايير مزدوجة، وهو شرط كسب الثقة واستعادة الصدقية. لا ينسجم تحقيق الديمقراطية وتعزيزها مع سياسات الحرب والتهديد والمراوغة والاستفزاز والاقصاء. فالطريقة التي واجهت بها الكتلة الغربية نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية بسبب فوز قائمة حماس قد قوض صدقية الدعوة الغربية للديمقراطية، وأظهر أن ما هو مقصود منها ليس تمكين الشعب من التعبير عن إرادته بحرية، وإنما ايصال القوى المؤيدة للغرب أو القادرة أكثر على الانسجام مع سياساته واستراتيجيته إلى السلطة، في البلاد العربية بدل القوى القائمة الفاشلة. وهذا يعني أن تعزيز الديمقراطية يحتاج إلى تبني أساليب ووسائل عمل ديمقراطية هي أيضا، وفي مقدمها الحوار والتفاهم والتواصل. وهو ما يستدعي مسبقا الاعتراف بالشعوب العربية كطرف أصيل، وبحقوقها الكاملة، وليس اعتبارها تابعا للنظم أو أدوات نفوذ أو صراع على النفوذ، حتى لو كان لا يزال لديها، بسبب ظروف الحكم والثقافة السائدين، استعدادات كبيرة للتبعية والالتحاق والاستزلام.
والنتيجة لن يسطيع أي طرف أن يحقق أهدافه أو يضمن مصالحه بدون التفاهم عليها مع الأطراف الأخرى. كما أن أحدا لن يسطيع الوصول إلى حل لمشكلته بتجاهل مشاكل الأطراف الأخرى. فليس هناك في الشرق الأوسط مهرب اليوم من فتح مفاوضات جوهرية وشاملة تطرح جميع الملفات العالقة للبحث مرة واحدة وتضم جميع القوى المعنية، الدولية والإقليمية والوطنية، لمناقشة مستقبل الشرق الأوسط المهدد ومصيره. ومن دون ذلك لن تكون هناك إمكانية لا للحفاظ على المصالح الغربية الاستراتيجية والنفطية، ولا للسلام والاستقرار الاقليميين، ولا للديمقراطية والتنمية الانسانية، ولكن للفوضى الشاملة والخراب الذي سيقضي على مصالح الجميع.
من هنا أعتقد أن المطلوب اليوم، في إطار مواجهة شاملة لمشاكل المنطقة، مؤتمرا عالميا لمعالجة أزمة الشرق الأوسط في أبعادها المختلفة، بما فيها بعدها السياسي المتعلق بغياب الديمقراطية، الذي لا يمكن فصله عن هذه الأزمة، تشارك فيه جميع القوى المعنية، العربية والدولية، الرسمية والمدنية، من حكومات ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات السياسية والمثقفين والخبراء. ومن الضروري تحول هذا المؤتمر إلى منتدى دائم يعقد دوريا تحت إشراف الأمم المتحدة لمواجهة مشاكل الأمن والسلام والتنمية الإقليمية. ربما لن يستطيع مثل هذا المؤتمر ايجاد الحلول السريعة للمشاكل المطروحة، وليست هناك حلول جاهزة لهذه المشاكل. لكنه سيكون أفضل وسيلة لتغيير مناخ العلاقات الدولية والإقليمية المتعلقة بالمنطقة ولخلق جو من التواصل والحوار يعيد بناء بعض الثقة بين الأطراف، ويساهم في وضعهم جميعا أمام مسؤولياتهم، ودفع الرأي العام العالمي للضغط عليهم، في سبيل التوصل إلى تسويات تدعم سياسات السلام والأمن والديمقراطية والازدهار للجميع. فلا تنفع كثيرا في نظري وسائل الضغط والحصار، وأسوأ منها وسائل التدخل العسكري والسياسي. ولا توجد للأسف وسائل أخرى غير الرهان على تعبئة الرأي العام، المحلي والعالمي، وعلى ما يمكن أن ينتجه الحوار والنقاش والتفاوض من ثقة متبادلة بين الأطراف تدفع بهم إلى تقديم التنازلات الضرورية للوصول إلى التسويات المطلوبة للنزاعات الملتهبة والمزمنة التي لا تحول دون قيام حياة ديمقراطية سليمة في عموم المنطقة فحسب ولكنها تقوض أسس الحياة المدنية فيها.
الدوحة 29 اكتوبر 1 نوفمبر 2006
كان من المفروض أن تكون هذه الكلمة مدخلا افتتاحيا للمناقشة الخاصة بجلسة تعزيز الديمقراطية في المنطقة العربية المنعقدة في إطار المؤتمر العربي للمنظمات غير الحكومية الموازي لمؤتمر الديمقراطيات الجديدة الذي افتتح اعماله بحضور عدد كبير من الوزراء والمسؤولين في المنطقة في مدينة الدوحة في التاسع والعشرين من اكتوبر 2006 تحت رعاية الامم المتحدة. لكن المناورات السياسية التي رافقت هذا المؤتمر مع إعلان وزيرة خارجية إسرائيل عن نيتها لحضوره مع وفد اسرائيلي كبير دفعتني إلى الاعتذار عن المشاركة. فمن غير المعقول أن تدعى الحكومة الاسرائيلية إلى المشاركة في نقاش مسألة تعزيز الديمقراطية في المنطقة العربية في الوقت الذي شكلت فيه سياساتها العدوانية والعنصرية تجاه فلسطين ولبنان وبقية البلاد العربية العامل الرئيسي في تقويض أسس التحول السياسي السلمي نفسه، ودفعت كما لم يحصل في أي منطقة أخرى في العالم، إلى تأجيج لهيب النزاعات القومية والدينية والطائفية والاتنية، على حساب السلام والأمن والاستقرار والتنمية معا.
منذ سنوات عدة ونحن نتحدث عن وسائل تعزيز الديمقراطية ونضع التوصيات التي نأمل أن يأخذ بها أو ببعضها أصحاب القرار، في سبيل فتح طريق التحول السلمي نحو الديمقراطية وتجنب الانفجارات التي يسببها الجمود، والفوضى التي يمكن أن تنجم عنها. لكننا لم نتقدم كثيرا في الشرق الأوسط في هذا المجال. ولعل من المناسب اليوم تجاوز الحديث قليلا في التفاصيل من أجل بلورة الإطار النظري العام الذي يساعدنا على فهم مشكلة تعزيز الديمقراطية والصعوبات التي تعترضها في المنطقة الشرق أوسطية.
من البداية يوحي الحديث غير النقدي عن وسائل تعزيز الديمقراطية بأن موضوع الخيار الديمقراطي قد تم حسمه، وأن المسألة تتعلق اليوم بتوسيع دائرة تطبيق هذا الخيار وتعميقه. وهو ما يمكن أن ينمي أوهاما كبيرة مضرة، عند الجمهور والباحثين الاجتماعيين في الوقت نفسه. والحال أن الواقع مختلف كثيرا عن ذلك في البلدان العربية. فبالرغم من حصول تغيرات جزئية هنا وهناك، وسعي بعض النظم التي تواجه تحديات تاريخية، وتتعرض لتهديدات جدية، للتغطية عليها من خلال إبراز بعض ملامح التغيير في السياسات السائدة، ليس التحول نحو الديمقراطية هو السمة الأبرز في تطور الأوضاع السياسة في المنطقة العربية، ولا احتمال ولادة ربيع ديمقراطي عربي، كما أشيع بعد تنظيم بعض الانتخابات التشريعية التعددية، هنا وهناك، في السنين الثلاث الماضية، وإنما العكس تماما. إن الطابع الأبرز للحقبة التي نعيشها الآن هو بالأحرى إجهاض عملية الحمل الديمقراطي وإجهاض الدفع الذي حصل في سبيل الديمقراطية منذ بداية هذه الألفية الثالثة، ونجاح النظم التسلطية في المنطقة في امتصاص الضغوط الداخلية والخارجية التي هيأت لهذا الدفع الديمقراطي الوليد وغذته.
إن الآمال التي صعدت منذ سنوات قليلة، بسبب التقاء إرادة إصلاح خارجية مع ارتفاع مطالب فئات حية من المثقفين والطبقة الوسطى العربية، قد انهارت اليوم، بعد أن أدى إخفاق السياسات الأمريكية المغامرة في العراق، وانهيار محادثات السلام العربية الاسرائيلية، وتخبط السياسات الغربية عموما تجاه مشاكل الشرق الأوسط وفيه، إلى تصاعد الإرهاب وتزايد مخاطر انتشار الفوضى وتعميم الخراب. وهو ما دفع إلى تراجع الكتلة الغربية عن وعودها التي أطلقتها، بعد الحادي عشر من ايلول، في إصلاح الأوضاع العربية. وحصل كما لو أن النظم العربية التي لم تهضم، لحظة واحدة، ضغوط الكتلة الغربية عليها في سبيل إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لا تتماشى تماما مع مصالحها واحتكارها الكامل للسلطة والثروة، قد انتقمت لنفسها، واستعادت أو هي في طريقها لأن تستعيد، في نظر الغرب والمنظومة الدولية، جزءا كبيرا من شرعيتها التي كان انتشار الارهاب الدولي انطلاقا من حدودها، والفساد المريع الذي تميز به سلوكها، قد قضى تماما على صدقيتها، وتركها عارية أمام الانتقادات الدولية والمحلية.
ليس من الممكن اليوم الحديث عن تعزيز الديمقراطية، كحركة او كنظم محتملة التطبيق في البلدان العربية، في مستقبل منظور، كما لو أن شيئا لم يحصل، ومن دون النظر إلى الانتكاسة التي تعرضت لها آمال الديمقراطية العربية، ومراجعة سياسات الدول الغربية الكبرى، وتراجعها عن مطالبها الاصلاحية، ومعها سياسات الحركات الديمقراطية العربية الوليدة أيضا، التي تتعرض من جديد إلى ظروف قاسية تشمل المنع والملاحقة والحد من الحريات وتقييدها وإرهاب ناشطي حقوق الانسان والمنظمات المدنية عموما. ولا يشكل التأمل في هذه الانتكاسة والكشف عن أسبابها الطريق الاجباري لوقف التدهور الحاصل في الموقف فحسب، ولكنه يشكل أكثر من ذلك شرط تجنب إنكسارات ونكسات أخرى، ومنطلقا لا غنى عنه لإنقاذ مشروع الديمقراطية نفسه والعمل على إعادة بنائه على أسس تساعد على تقدمه وتحقيق أهدافه في المدى المنظور.
فالمراجعة المطلوبة لتجربة السنوات القليلة الماضية مهمة من زاويتين، زاوية فهم سلوك النظم الاتوقراطية القائمة فيها ونجاحها في مقاومة الضغوطات الخارجية والداخلية وتجنب الاصلاح والانفتاح. وزاوية إخفاق التكتل الغربي، ومن ورائه المنظومة الدولية التي دعمته في مشاريعه، في إحداث أي حركة تغيير ذات وزن أو مغزى في اتجاه تعزيز فرص تقدم خطى الديمقراطية المنشودة.
1- إخفاق مبادرة الاصلاح والديمقراطية وأسبابه
لا يرجع إجهاض موجة الديمقراطية الجديدة التي ارتفعت في السنوات القليلة الماضية في العالم العربي إلى عامل واحد فحسب ولكن إلى عوامل متعددة: عالمية ترتبط بطبيعة السياق الدولي العام وأثره على المنطقة. وإقليمية تتعلق بالمناخ السائد في الشرق الأوسط نفسه وبأوضاعه الجيوسياسية. وبعوامل وطنية داخلية تتعلق بعلاقة المجتمع المدني بالدولة ومكانة هذه الدولة، والسلطة المركزية بشكل عام، وموقعها في التنظيم المجتمعي القائم، ومعادلات القوة وتوزيع السلطة داخل المجتمعات.
فالواقع أن التدويل العميق للمنطقة، وحالة النزاع والحرب المزمنة فيها، وتسلط أجهزة الأمن كممثلة للسلطة السياسية عليها، كل ذلك يشكل أوجها لمنظومة سيطرة واحد، هي المنظومة التي أقيمت في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تزال تحكمه وتتحكم بعلاقاته الدولية وتوازناته الإقليمية وأنماط حكمه المحلية وهياكل مؤسساته وسلطاته في الوقت نفسه، وذلك بالرغم من كل ما تعرضت له المنطقة من هزات ومقاومات. وهي في نظري منظومة متكاملة ومتضامنة ومتساندة، تتداخل مستوياتها الدولية والإقليمية والوطنية، وتتفاعل بقوة، وترتبط نجاعة وسائلها على المستوى الدولي بنجاعة وسائلها على المستوى السياسي الداخلي، كما ترتبط هذه وتلك بمناخ الحرب المزمنة، واستمرار الاحباطات القومية عند جميع الدول والشعوب. وليس من الممكن التفكير بأي تغيير جدي في أي مستوى من مستويات عمل هذه المنظومة الثلاثية الأبعاد من دون أن يلحقه تغيير مواز في المستويات الأخرى. مما يعني أن أي تغيير سياسي في اتجاه دمقرطة النظم القائمة يحمل مخاطر فعلية لنظام الوصاية والسيطرة الخارجية الذي فرض على المنطقة بسبب وجود رهانات ذات أبعاد دولية فيها، سواء ما تعلق منها بتركز احتياطي كبير من الطاقة النفطية التي يحتاج إليها العالم الصناعي، أو بسبب ارتباط مصيرها أو ربطه بمصير إسرائيل وتوطينها وضمان أمنها، أو بسبب ما تمثله من عقدة مواصلات استراتيجية دولية. وبالمثل، يشكل أي تغيير في اتجاه بناء نظم ديمقراطية شعبية وتتمتع بقسط كبير من الشرعية تهديدا للتوازنات الاقليمية، وبالتالي لمصالح تلك القوى التي تكيفت مع الوضع القائم، ولا تزال تسعى إلى استثماره بكل ما تملك من قوة، وفي مقدمها إسرائيل التي تحاول، في إطار مشروع التوسع الإقليمي الذي تسعى إليه، هضم الأراضي العربية المحتلة وابتلاعها. وكما عزز الارهاب، والحرب الدولية التي أطلقتها الولايات المتحدة ضده، من الضغوط الدولية على الشرق الأوسط، وزاد من أهميه ضبطه والسيطره على مقدراته في الاستراتيجية العالمية، عمل النزاع الإقليمي المستمر وإفشال مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية على تفاقم العنف، ودفع النظم التسلطية السائدة إلى مزيد من التشدد والضغط على مجتمعاتها خوفا من أن تجد نفسها تحت ضغوط متقاطعة ومتعارضة معا، من الخارج والداخل. من هنا لا يزال هناك شعور قوي لدى جميع الأطراف المستفيدة من النظام القائم في الشرق الأوسط بأنه لا مصلحة واضحة لها في التغيير، حتى لو كانت مقتنعة بأن الاصلاح لم يعد يحتمل التأجيل.
هذا ما يفسر تردد الدول الغربية في سحب دعمها عن الأنظمة التعسفية اللاقانونية، ثم تراجعها السريع بعد إعلانها في السنوات الأخيرة الماضية عزمها على الإصلاح. كما يفسر لماذا كان من غير الممكن بناء قوى داخلية قادرة على تحقيق التحولات الديمقراطية، ولا حتى على مواجهة الخراب المدني والسياسي الذي تحدثه النظم التسلطية، ويدفع إلى سيطرة العقلية الفردية الأنانية وتعميم الفساد. ولماذا لا يزال من غير الممكن الفصل بين غياب فرص التنمية السياسية الداخلية، أي داخل حدود البلدان، واستمرار الحروب والنزاعات القومية والوطنية المزمنة، والتي أخذت في الفترة الأخيرة تتحول بصورة واضحة إلى حروب دمار وانتقام، فاقدة هي نفسها أي أمل في تحقيق أي انتصار غير ما تكبده من خسائر وآلام للخصم. وهو ما يفسر أخيرا العلاقة الوثيقة التي تربط بين استمرار الحروب والنزاعات الإقليمية وتخليد نظم السيطرة الأمنية لأكثر من نصف قرن من جهة، وتغول القوى الكبرى على المنطقة ونزاعها المستمر فيما بينها على السيطرة السافرة عليها، بكل ما يستدعيه ذلك من تبرير الحروب والتدخلات العسكرية والسياسية الدائمة، وإضفاء الشرعية على سياسات الاحتواء والتلاعب والاستيعاب ضمن الاستراتجيات الدولية المتنافسة للقوى السياسية والأحزاب والنخب والطوائف والإتنيات المتنازعة في ما بينها أيضا، من جهة ثانية. وهو ما يجعل حياة مجتمعات الشرق الأوسط فوضى عارمة، ويفقدها كل أمل في الثبات والاستقرار والقيام على أسس ومباديء موضوعية وعقلانية وشرعية. فالتلاعب والغش والخداع والمراوغة هي مفردات السياسة المتبعة من قبل جميع الأطراف، الداخلية والخارجية، ولغتها المشتركة.
لكن مشكلة الديمقراطية في الشرق الأوسط لا تنبع من تداخل هذه العوامل أو بالأحرى الأزمات الدولية والإقليمية والوطنية، مع تباين تأثيراتها وتحييد بعضها للآخر، فحسب، ولكن أكثر من ذلك من عدم قدرة أي طرف من الأطراف المعنية، الخارجية والإقليمية والداخلية، على حسم النزاعات القائمة لصالحه وفرض أجندته على المنطقة. وهكذا لم يتمكن أي طرف من الاطراف الدولية والإقليمية والوطنية المنخرطة في الصراعات متعددة المستويات أن ينجح في تحقيق الهدف الذي يسعى إليه في مواجهة الأطراف الأخرى وضد إرادتها. وهذا يصح على مسائل السياسة الدولية، كما يصح على مسائل النزاعات الإقليمية والصراعات السياسية الداخلية. ولا شك أن تدهور وضع المنطقة في النظام الدولي، ومناخ الحرب والعنف الذي يميز علاقات أطرافها الإقليمية، وحالة الضعف والتشتت التي وصلت إليها المجتمعات المدنية، كل هذه العوامل تقلل أكثر من احتمال أن ينجح أحد هذه الأطراف في أن يكون عاملا حاسما لوحده في أي تغيير منشود، دوليا كان أو إقليميا أو وطنيا.
من هنا يبدو لي أن مصير الديمقراطية، مثله مثل مصير المسائل الأخرى العالقة، كالتسوية الشرق أوسطية وتحرر المنطقة ككل من ضغط النزاعات الدولية عليها، مرتبط بحصول توافق بين العوامل الداخلية والخارجية، يعوض عن ضعف العوامل جميعا وعدم قدرتها، كل لوحده، على التحول إلى عوامل حاسمة. وهو ما يرهن عليه فشل الضغوط الغربية التي مورست على النظم في السنوات الماضية في اتجاه فرض إصلاحات ديمقراطية، كما يبرهن عليه يوميا إخفاق قوى المجتمع المدني في فرض احترامها على النظام، بل انتزاع اعتراف السلطة والجمهور الواسع بوجودها وشرعيتها. فمن الصعب في الظروف الدولية والإقليمية السائدة أن تنجح هذه القوى في النمو بما فيه الكفاية حتى تشكل عامل ضغط فعال، وتجبر الأنظمة على تقديم تنازلات، وعلى الانفتاح على الطبقة الوسطى وقبولها شريكا في الحياة السياسية. وبغياب توافق واسع بين الأطراف الفاعلة الثلاثة : الدولية والإقليمية والمدنية، ليس هناك أي أمل في حصول تغيير ديمقراطي حقيقي إلا من خلال ثورة أهلية تقلب الوضع القائم وتقيم على أنقاضه وضعا جديدا. وهو ما لا يظهر بعد كاحتمال وارد الحدوث في الأفق القريب.
لكن المهم أن نعرف أن غياب هذا التوافق بين الأجندات الدولية والإقليمية والوطنية كان السبب الرئيسي لإخفاق موجة الديمقراطية التي أطلقت الكثير من الآمال في مطلع هذه الألفية الثالثة. فهو الذي جعل جهود الأطراف المختلفة المعنية، إلى حد أو آخر، بتغيير الأوضاع الفاسدة التعسفية، تدخل في منافسات ضارة، وتحيد في النهاية بعضها البعض. وكما أن وحدة الشعارات لا تخفي حقيقة أن القوى الداعية إلى التغيير، في الداخل والخارج، لم تكن تعمل على موجة واحدة، ما حصل هناك أيضا أي إجماع أو تفاهم على أجندة واحدة أو منسجمة.
فلم تتفق حتى دول التحالف الغربي على محتوى الاصلاحات الديمقراطية المطلوبة ومضمونها ووتيرة تحقيقها. وكان الخلاف واضحا بين الأمريكيين والأوروبيين حول تقدير ما ينبغي عمله وبناء اجندة عملية للاصلاحات المنشودة. وهو ما سمح للنظم التسلطية بالمناورة وكسب الوقت حتى تتغير الأوضاع الإقليمية وتتطور أزمة الاحتلال الأمريكي في العراق. وبالمثل، ولد إخفاق سياسات الدول الكبرى في حل النزاعات الإقليمية، ولو بصورة تدريجية وبطيئة، كما وعدت، وضعا سياسيا ونفسيا انفجاريا معاديا للخيار الديمقراطي، ودافعا إلى المقاومة ورد الفعل. وليس من المبالغة القول إن مشاريع الاصلاح الديمقراطي التي قاتلت من أجلها قوى عربية فتية ببسالة، ودفعت تضحيات كبيرة لتاكيد فكرتها، في وجه نظم أمنية قاسية، كانت ضحية السياسات الخرقاء التي اتبعت في السنوات الخمس الاخيرة، سواء اكان ذلك على مستوى العلاقات الدولية، مع توسيع دائرة الحرب على الارهاب، ومن ورائه على الاسلام والعروبة، أو على مستوى العلاقات الإقليمية، مع ترك الحكومات القومية الاسرائيلية المتطرفة تقضي على حلم الفلسطينيين، وتدمر شروط حياتهم، وتجعل من الاغتيال اليومي لقادتهم سياسة رسمية. والأمر نفسه ينطبق على دفع العراق نحو الحرب الأهلية، وإطلاق يد الجيش الاسرائيلي في لبنان للرد على عملية عكسرية محدودة أسفرت عن أسر جنديين إسرائيليين. ثم أخيرا، على مستوى كل بلد شرق أوسطي، مع تعاون الدول الصناعية مع نظم ضد نظم أخرى، واتباع سياسات انتقائية في تطبيق الاصلاحات وتقديمها. لقد قطعت هذه السياسات الطريق على أي تفاهم بين الأطراف، وجعلت من حروب التدمير الشامل، الخارجية والإقليمية والأهلية، في فلسطين والعراق ولبنان، البديل الوحيد للحلول السياسية المتفاوض عليها والتي تقدم مخرجا مقنعا إلى حد او آخر لجميع الأطراف.
ما كان من الممكن في هذه الظروف الدولية والإقليمية المتوترة، والمشجعة على المواجهات والصدامات وحروب الحضارات، أن يكون لضغوط قوى المجتمع المدني في البلاد العربية أي نتائج تذكر. وأمكن للسلطات التي اعتادت خرق القانون احتواء هذه الضغوط وامتصاصها بسهولة، قبل أن ترتد إلى هذه القوى نفسها لتحاول تحطيمها وتفتيتها. وهكذا، بدل أن تساعد الضغوط الداخلية والخارجية على دفع النظم نحو الانفتاح، زادت من نزوعها إلى الانكماش على نفسها، وحرضتها على التنكيل بالقوى الديمقراطية ومحاولة تصفيتها. وها هي النظم تفسها تعود، كما كانت في السابق، إلى الاستخدام الموسع للعنف، والمراهنة على قوة القمع وتحويل اجهزة الامن الواسعة الانتشار إلى أداة وحيدة للحكم والتحكم بالقرار، في مواجهة مجتمعات مفككة ومذررة، مفتقرة للموارد الخاصة وللقيادات أيضا.
ومع ذلك، لم يكن من الصعب تصور أجندة واحدة ومتفق عليها بين الأطراف لحلحلة أزمة الشرق الاوسط وإخراج شعوبه من محنتها. بل لقد ظهرت ملامح مثل هذه الأجندة بالفعل مع مؤتمر مدريد للسلام وبعده، وقامت على الجمع بين تفاهم دولي تمثله اللجنة الرباعية، وخطة لتهدئة الأوضاع الإقليمية وفتح باب التسوية السياسية، تمثلها خريطة الطريق التي تبنتها الرباعية والدول العربية، والتي تنص على خلق دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الاسرائيلية القائمة في أفق 2005، وتعاون دولي مع القوى الداخلية، الرسمية والأهلية، للمساعدة على فتح النظم وتوسيع دائرة المشاركة السياسية.
لكن الإدارة الأمريكية رمت بهذه الأجندة عرض الحائط، بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأحلت محلها أجندة خاصة بها لمواجهة متطلبات التغيير، وحسم النزاعات الدولية والإقليمية والداخلية الوطنية لصالحها وحدها، وبطريقتها الخاصة. ولم ينجم فشلها عن التردد في حل النزاعات والمشاكل العالقة، ولكنه نجم من أنها أرادت أن تحل مسألة الصراع الدولي على المنطقة، الذي يشكل عبئا لم يعد يحتمل عليها، ومهربا للنظم المختلفة من مواجهة الاستحقاقات الداخلية، بفرض سيطرتها المنفردة على المنطقة بأكملها، وإخراج اللاعبين الآخرين، بما فيهم أقرب حلفائها من الأورييين، من حلبة المنافسة، بدل العمل على بلورة إجماع دولي حول تحييد المنقطة عن النزاعات الدولية. وأنها أرادت أن تحل مشكلة النزاع الإقليمي المستمر، والذي يزداد شراسة وتعفنا وعنفا بسبب تفاقم الاحباط عند الجميع، عن طريق الزج بكل ثقلها مع حكومة اليمين القومي الاستعماري المتطرف في اسرائيل، ومحاباة القومية الاسرائيلية على حساب جميع القوميات الأخرى. وأرادت أن تحل مشكلة انفصال النخب الحاكمة، سياسيا بفضل دعم الغرب لها، واقتصاديا بسبب توفر العوائد النفطية والريعية الكثيرة، عن شعوبها وتجاهلها حقوقها وتغولها عليها، بالعمل على استتباع هذه النخب بشكل أكبر، وفرض نظام الإذعان عليها لتدخل في استراتيجيتها وتعمل بأمرها، بدل تطوير هامش مبادرة المجتمعات وتوفير وسائل حمايتها وتعزيز استقلالها تجاه النظم التسلطية المغلقة. لقد أرادت تحالفا أقوى مع الحاكمين لدفعهم نحو الديمقراطية، بدل تقليم أظافرهم وإجبارهم على احترام إلتزاماتهم، والتراجع عن سياساتهم التعسفية، كأي نظم سياسية تحكم باسم شعب وتمثل مصالحه الوطنية.
هكذا ما كان لموجة الديمقراطية التي ارتفعت في المنطقة في السنوات الماضية أن تصل إلى غير طريق مسدود. مسدود على الصعيد العالمي، بعد أن فتتت السياسة الامريكية الاجماع الدولي الذي كان قائما من حولها، بما في ذلك داخل التحالف الغربي المتحكم بمصير المنطقة. ومسدود على المستوى الإقليمي بسبب انهيار آمال السلام بعد تجميد خارطة الطريق والعودة إلى الحل العسكري، وما يجره ذلك من إشعال نيران العنف وتفاقم مشاعر الاحباط والرغبة في الانتقام وتحقيق انتصارات وهمية، وتراجع التفكير العقلاني والانساني في الخروج من الأزمة الإقليمية. ومسدود على المستوى المحلي بسبب نجاح النظم القائمة، التي خرجت منتصرة من معركة الضغوط الأجنبية، وأكثر ثقة بنفسها، في تكوين نظم أمنية مستقلة كليا بمواردها المادية والسياسية عن الشعب، وقائمة في فلك خاص بها، وفي قلعة معزولة تماما عما حولها. وهي الاجهزة التي ساهمت الدول الكبرى، ومناخات الحروب الإقليمية المستمرة، منذ عقود، في تكوينها وتطويرها.
2 – دروس التجربة الماضية
لست متأكدا أبدا من أن الديمقراطية، حتى في أشكالها الدنيا، أي التعددية البسيطة، مع توسيع قاعدة المشاركة السياسية قليلا لاستيعاب فئات من الطبقة الوسطى في النظم القائمة، ذات أولوية اليوم في أي أجندة دولية أو إقليمية أو محلية. ومع يقيني بأن من الصعب على قوى المجتمع المدني لوحدها حسم المعركة لصالح التحول نحو الديمقراطية والحد من تغول النظم التسلطية واللاقانونية، يظل من المفيد فهم دروس التجربة السابقة، لتوجيه خطى أولئك الذين لا يزالون مؤمنين، في داخل المنطقة وخارجها، بأن الديمقراطية لا تزال تشكل هدفا أخلاقيا في حد ذاتها تستحق التعزيز، كما أن تحقيقها يشكل أحد المفاتيح الرئيسية أيضا لإخراج المنطقة من أزمتها التاريخية الطاحنة وبلورة التسويات والحلول السياسية الضرورية لإقامة شروط صالحة للحياة والعمل والانتاج والابداع الانساني في هذه المنطقة من العالم. وليس هناك في نظري ما يمنع من التفاؤل باحتمال العودة إلى مناخات نهاية التسعينات التي ولدت أملا كبيرا في تطور مبادرات تخرج الشرق الأوسط من محنته، ويكون لها تأثير كبير على تطوره الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضا. ومما يشجع على هذا التفاؤل تفاقم المأزق الذي تتخبط فيه السياسات الأمريكية والاسرائيلية الشرق أوسطية التي حكمت موقف الغرب والعالم كله وحكومات المنطقة أيضا تجاه المشاكل المطروحة. فبقدر ما بينت تجربة السنوات الماضية بأن تجديد حياة النظم التعسفية والتسلطية لا ينفصل عن الاستراتيجيات الدولية السائدة ولا عن التوازنات الإقليمية القائمة، يتطلب تعزيز ا لديمقراطية، تغييرا مماثلا على هذه المستويات الثلاث. وهو ما يستدعي :
- التوصل إلى تفاهم بين الأطراف المعنية حول أجندة تتجاوز مسألة الديمقراطية نفسها وتشمل في الوقت نفسه موضوعات تتعلق بالوضع الدولي والإقليمي والوطني معا. فليس من الممكن فصل مسألة الديمقراطية عن مسألة انتزاع المنطقة من الارتهان للنزاعات الدولية وضمان حد أدنى من الأمن والاستقلال لها وتقرير المصير لشعوبها. وليس من الممكن كذلك التفاهم حول أجندة ديمقراطية تقنع جميع الأطراف المعنية بالتعاون لتحقيقها من دون التوصل إلى تسويات سياسية للنزاعات والحروب الإقليمية العديدة العالقة، وفي مقدمها النزاع العربي الاسرائيلي، لكن ليس وحده. وليس من الممكن كذلك وضع هذه الأجندة الديمقراطية موضع التطبيق العملي من دون مرافقتها ببرنامج دعم شامل للمجتمع المدني، يتضمن دعم الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية الرائدة، ودعم المؤسسات والمنظمات الاجتماعية، ودعم الهيئات المدنية والسياسية العاملة على توفير الأطر القانونية والسياسية لتوسيع دائرة مشاركة الأفراد في الحياة العمومية. فالديمقراطية ليست في الشرق الأوسط، اجندة سياسية داخلية، ولكنها جزء من أجندة إقليمية ودولية معا، بقدر ما يمس تغيير العلاقة بين النظم التسلطية والشعوب مصالح إقليمية، ويؤثر أيضا على مصالح دولية استراتيجية. ولذلك قد يستدعي التفاهم على أجندة ديمقراطية في هذه البلدان تفاهما موازيا على أجندة تسوية إقليمية، وربما إعادة نظر في شروط السيطرة الغربية على المنطقة وأسلوب تعاملها مع شعوبها. هذه هي النتيجة الطبيعية لما يسم الوضع في الشرق الاوسط من تدويل فعلي، يجعل ان تغيرات السياسة الداخلية لا تؤثر فقط على مصالح القوى المحلية والداخلية فحسب، ولا تخضع لقواها الذاتية، ولكنها تؤثر على مصالح إقليمية ودولية كبيرة وتخضع لتأثيراتها أيضا.
- وهذا يعني ضرورة وجود رؤية شاملة لقضايا المنطقة لا تجزئتها. لا يمكن فصل قضية دمقرطة الحياة السياسية في هذا البلد او ذاك في الشرق الأوسط عن بقية القضايا الأخرى الكبيرة التي تشغل الرأي العام بأكمله وأحيانا تشكل بؤر اهتمام أقوى وأشد فيه. والاعتقاد بأن الديمقراطية يمكن أن تكون دواءا يشفي من الإحباطات الوطنية والقومية، او تعويضا عنها، يقود لا محالة إلى تقويض أسسها بقدر ما يظهرها وكأنها وسيلة للالتفاف على الإرادة الشعبية بوسائل أخرى. الديمقراطية لا يمكن أن تكون تعويضا عن انتهاك السيادة الوطنية أو عن التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية. بالعكس، أظهرت تجربة السنوات القليلة الماضية أن انتهاك السيادة، الوطنية للبلدان العربية أو بعضها، واستمرار انتهاك الحقوق الفلسطينية يفرغ مشروع الديمقراطية من محتواه، ويفقده الصدقية ويسمح للقوى المعادية له بتعبئة الرأي العام ضده بوصفه خطة أو جزءا من خطة، أو غطاءا لخطة إستعمارية.
- رفض الديمقراطية الانتقائية أو تأكيد وحدة القضية الديمقراطية في المنطقة. لا يمكن فصل قضية الديمقراطية في أي بلد عن قضية الديمقراطية في أي بلد آخر في المنطقة أيضا. فإما ان تكون الديمقراطية هدفا مشتركا وواحدا تجاه دول المنطقة جميعا، بما فيها بالتاكيد إسرائيل، أو أنها ستتعرض إلى تشكيك بصدقيتها، وتظهر وكانها تكريس جديد لقاعدة الكيل بمكيالين، واستخدام الديمقراطية وسيلة للضغط على الدول، لا كمشروع وغاية في ذاتها. لا يمكن للديمقراطية أن تتقدم في البلدان العربية إذا كانت انتقائية، مطلوبة للعراق وليست مطلوبة لسورية، مطلوبة للبنان ومستبعدة من مصر أو تونس أو العربية السعودية. وهذا يعني إما أن تكون هناك خطة جدية لدمقرطة النظم السياسية في عموم المنطقة العربية أو أن الديمقراطية ستظل شعارا تستخدمه القوى الدولية في نزاعها على المصالح والنفوذ في الشرق الأوسط، مع ما يعنيه ذلك من نزع الصدقية عن القضية الديمقراطية وتحويلها إلى أداة من أدوات الصراع القومي والوطني.
- تغيير الرؤية الغربية السائدة منذ عقود في ما يتعلق بضمان الأمن والمصالح الاستراتيجية في الشرق الاوسط. لا يمكن في الشرق الأوسط التوفيق، كما حصل في بلدان أوروبة الشرقية، بين أجندة الديمقراطية وأجندة السيطرة الغربية. فالديمقراطية تهدد لا محالة بزوال سياسات التبعية والإلحاق بقدر ما تعيد السيادة والقرار للشعوب والرأي العام، بينما يحتاج استمرار السيطرة والاشراف على المصالح الاستراتيجية والحيوية الغربية والحفاظ عليها إلى تقييد هذه السيادة والاحتفاظ بها دائما تحت السيطرة بوسائل مختلفة، كان أبرزها حتى الآن تعزيز الوصاية السياسية للنخب الحاكمة عليها. وكما لم تشجع صيغة الديمقراطية المقيدة والفاقدة للسيادة الطبقات الوسطى على التحمس لمشاريع الاصلاح الغربية، لم تثر مشاريع الديمقراطية الوطنية التي تبنتها شرائح واسعة من الطبقة الوسطى والمثقفة العربية اهتمام الدول الغربية، ولا نالت ثقتها. وفي ما وراء الصراع بين مشاريع الدمقرطة والاستبداد، كان النزاع قويا أيضا بين مشاريع الهيمنة الغربية المقنعة بنموذج شكلي لديمقراطية مفروضة، ومشاريع الصراع لا نتزاع السيادة والحرية وحق المشاركة داخل البلدان العربية من قبل النخب والطبقات الوسطى والمثقفة.
- احترام المعايير الدولية الواحدة في التعامل مع الشرق الأوسط وعدم إخضاعه لمعايير مزدوجة، وهو شرط كسب الثقة واستعادة الصدقية. لا ينسجم تحقيق الديمقراطية وتعزيزها مع سياسات الحرب والتهديد والمراوغة والاستفزاز والاقصاء. فالطريقة التي واجهت بها الكتلة الغربية نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية بسبب فوز قائمة حماس قد قوض صدقية الدعوة الغربية للديمقراطية، وأظهر أن ما هو مقصود منها ليس تمكين الشعب من التعبير عن إرادته بحرية، وإنما ايصال القوى المؤيدة للغرب أو القادرة أكثر على الانسجام مع سياساته واستراتيجيته إلى السلطة، في البلاد العربية بدل القوى القائمة الفاشلة. وهذا يعني أن تعزيز الديمقراطية يحتاج إلى تبني أساليب ووسائل عمل ديمقراطية هي أيضا، وفي مقدمها الحوار والتفاهم والتواصل. وهو ما يستدعي مسبقا الاعتراف بالشعوب العربية كطرف أصيل، وبحقوقها الكاملة، وليس اعتبارها تابعا للنظم أو أدوات نفوذ أو صراع على النفوذ، حتى لو كان لا يزال لديها، بسبب ظروف الحكم والثقافة السائدين، استعدادات كبيرة للتبعية والالتحاق والاستزلام.
والنتيجة لن يسطيع أي طرف أن يحقق أهدافه أو يضمن مصالحه بدون التفاهم عليها مع الأطراف الأخرى. كما أن أحدا لن يسطيع الوصول إلى حل لمشكلته بتجاهل مشاكل الأطراف الأخرى. فليس هناك في الشرق الأوسط مهرب اليوم من فتح مفاوضات جوهرية وشاملة تطرح جميع الملفات العالقة للبحث مرة واحدة وتضم جميع القوى المعنية، الدولية والإقليمية والوطنية، لمناقشة مستقبل الشرق الأوسط المهدد ومصيره. ومن دون ذلك لن تكون هناك إمكانية لا للحفاظ على المصالح الغربية الاستراتيجية والنفطية، ولا للسلام والاستقرار الاقليميين، ولا للديمقراطية والتنمية الانسانية، ولكن للفوضى الشاملة والخراب الذي سيقضي على مصالح الجميع.
من هنا أعتقد أن المطلوب اليوم، في إطار مواجهة شاملة لمشاكل المنطقة، مؤتمرا عالميا لمعالجة أزمة الشرق الأوسط في أبعادها المختلفة، بما فيها بعدها السياسي المتعلق بغياب الديمقراطية، الذي لا يمكن فصله عن هذه الأزمة، تشارك فيه جميع القوى المعنية، العربية والدولية، الرسمية والمدنية، من حكومات ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات السياسية والمثقفين والخبراء. ومن الضروري تحول هذا المؤتمر إلى منتدى دائم يعقد دوريا تحت إشراف الأمم المتحدة لمواجهة مشاكل الأمن والسلام والتنمية الإقليمية. ربما لن يستطيع مثل هذا المؤتمر ايجاد الحلول السريعة للمشاكل المطروحة، وليست هناك حلول جاهزة لهذه المشاكل. لكنه سيكون أفضل وسيلة لتغيير مناخ العلاقات الدولية والإقليمية المتعلقة بالمنطقة ولخلق جو من التواصل والحوار يعيد بناء بعض الثقة بين الأطراف، ويساهم في وضعهم جميعا أمام مسؤولياتهم، ودفع الرأي العام العالمي للضغط عليهم، في سبيل التوصل إلى تسويات تدعم سياسات السلام والأمن والديمقراطية والازدهار للجميع. فلا تنفع كثيرا في نظري وسائل الضغط والحصار، وأسوأ منها وسائل التدخل العسكري والسياسي. ولا توجد للأسف وسائل أخرى غير الرهان على تعبئة الرأي العام، المحلي والعالمي، وعلى ما يمكن أن ينتجه الحوار والنقاش والتفاوض من ثقة متبادلة بين الأطراف تدفع بهم إلى تقديم التنازلات الضرورية للوصول إلى التسويات المطلوبة للنزاعات الملتهبة والمزمنة التي لا تحول دون قيام حياة ديمقراطية سليمة في عموم المنطقة فحسب ولكنها تقوض أسس الحياة المدنية فيها.
1 commentaire:
لقد كدت أن تحصر يا دكتور المسار النضالي للديمقراطية في ملعب الغرب وغضضت الطرف عن ماهية ه>ا الغرب نفسه ككيانات لا تعبأ فعلا بالجوهر الديمقراطي بقدر ما تعبأ بمقدرات المنطقة ومدى تقسيمها لمناطق نفوذ واستغلال اقتصادي
أما عن المكونات الديمقراطية في حد >اتها داخل الأقطار العربية,فلا يمكن أن نأخذها كلها في سلة واحدة بقدر ما يتوجب تناولها كل على حدة بارتباط تطورها واختلاف مراكماتها ومكوناتها في خد ذاتها وزاوية نظرها للبدائل الديمقراطية
Enregistrer un commentaire